قانون تأنيث العدول : مفهومه
محمد شورافي عدل متمرن.
مع التسليم مبدئيا أن غالبية المفاهيم لا تقبل تعريفا جامعا مانعا,وليست قطعا نقدية ثابتة الحجم واللون والقيمة,بل كينونة حية مسكونة بدفق الحياة نتيجة مجهودات ذهنية وحركية فكرية مجتمعية وصيرورة تاريخية تعكس كوامن فلسفة الأمة ودفائن تراكمات فكرها ومعرفتها، وما استبطنته ذاكرتها المعرفية من موجهات وقواعد كبرى تحكم بنيات متعددة ومتشابكة ترتبط فيما بينها بروابط وعلاقات متعددة الإتجاهات ترسخت في وعي المجتمع وأمن بضرورة حتميتها وحمايتها,مما يجعلنا نؤمن إيمانا قويا باستحالة تصور وجود أو اشتغال بنية معينة دون وجود باقي البنيات, فقيم هذه الأخيرة بأبعادها المتشعبة يتم ترجمتها تشريعيا في شكل مقتضيات منسجمة مع أحكام الواقع الراسخ وفق تلك المحددات والموجهات والقواعد الكبرى السالفة ذكرها, لتحقيق المساواة ورسم حدود الحقوق ومداها من خلال قواعد دستورية تعبرعن الإرادة الشعبية لإرساء دعائم مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع بالحقوق و المساواة, خاصة بين الرجل والمرأةكما عبرعنها الفصل 19 من دستور المملكة لسنة 2011 مع السهر على صيانتها من طرف المؤسسة الملكية حسب منطوق الفصل 42 من الدستور المغربي.
ويتمظهر هذا السهر في صيانة الحقوق الأساسية المنصوص عليها دستوريا بسلطة “الإمامة العظمى“ممثلة في الجهة الموكول لها مسألة التنظيم و الضبط الإجتماعيين على تحكيم إرادتها في سن القوانين وبالتالي سريانها على مجموع الخاضعين لها و لسلطانها ,استنادا للفصل 41 من الدستور بصفة أمير المؤمنين ورئيس المجلس الأعلى العلمي الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتوى التي تعتمد رسميا في شأن المسائل المحالة إليه لإبانة حكم شرعي أو قانوني لتحقيق المصلحة الراجحة أو الخاصة في حق الأمة على أساس مبادئ وأحكام الدين الإسلامي ومقاصده وماجرى به العمل في المذهب المالكي, مع الأخذ بألية المرونة والإنفتاح على التجارب والممارسات العالمية الخيرة التي تتماهى مع الشريعة الإسلامية ليرسى عليها بناء القاعدة التشريعية للمؤالفة بين اشتراطات الحياة الإجتماعية المتحركة ومقتضيات التشريع لضمان الإنتماء الإجتماعي والديني للفرد والإجابة الأنية الراصدة لحركة المجتمع المغربي وتمثلت هذه الاجابة في بلاغ الديوان الملكي يوم 22 يناير 2018 إلى الرأي العام والدولي بالسماح للمرأة بممارسة مهنة التوثيق العدلي “بناء على الأحكام الشرعية المتعلقة بالشهادة وأنواعها والثوابت الدينية للمغرب وفي مقدمتها قواعد المذهب المالكي“مع الإشارة أن هذه الفتوى لم تنشر لحد الأن مما يجعل المؤسسة الدستورية المصدرة للفتوى مساءلة من طرف الفصل 27 من الدستور المغربي والمواثيق الدولية المتعلقين بالحق في الحصول على المعلومة.
إن الناظر لتشريع التوثيق العدلي المغربي لا يتوقف على شرط الذكورة حصريا,في مادته الرابعة التي تنص على شروط الانخراط ” أن يكون مسلما مغربيا ” ,إذن لماذا لم يسعفنا النص التشريعي منذ سنوات خلت على ممارسة المرأة التوثيق العدلي وثم الإستنجاد بمكون أخر يتمثل في الفتوى ؟ لتحرير القول في هذه النقطة يكون من الأولى التماس حقيقة العلاقة بين الفتوى والقانون والتشريع,هل هي علاقة انفصال ام اتصال للوقوف على جوهر وماهية قانون تأنيث العدول؟
فالقانون هو الذي تنبع قواعده من رحم معتقده وقيمه السائدة والتناغم القائم بين هوية الفرد باعتباره الذات الخاضعة لحكمه وقواعده ثم الأداة المناسبة لتشكيل الواقع وفق رؤية تنصهر فيها العلاقات الإجتماعية,وخزان الموجهات والقيم ,أما التشريع فهو الذي يصدرعن المؤسسة الدستورية الموكول لها أمر وضع القواعد التشريعية الضابطة لسلوك الأفراد والمؤسسات على السواء,أما الفتوى فهي تعمل على تحقيق الإنسجام الدائم بين أفعال المكلفين وقصودهم ,مما يجعلها جزء لا يتجزأ من المضمون القانوني باعتبارها تشريع أصيل ونابع من المعتقد الجمعي لربط الصلة بين الفراغ التشريعي وحاجات المجتمع ونقلها إلى مواقع العمل بها في الفضاء العام ووضعنتها ,وتجلى ذلك في مسودة مشروع قانون التوثيق العدلي 9 نونبر 2017 في مادته الخامسة “يشترط في المترشح لممارسة مهنة التوثيق العدلي ذكرا أو انثى الشروط التالية”, وبذلك أخرجت الفتوى من النطاق الفقهي الشخصي إلى المضمار القانوني العام من جهةومن جهة أخرى تم تفقيه تشريع التوثيق العدلي من جديد مما يؤكد حجية وظيفتها التشريعية ونجاعتهاوملجأ لحمايةالحقوق من العصف.
إذن فالقانون مساحة أرحب يتضمن التشريع و الفتوى والعرف..عاكس للانسجام بين عمق المجتمع وتشريعاته,فهو كجبل عشره فوق السطح وتسعة أعشاره مدفونة في أعماق الأرض,فالمعرفة الحقيقية بالقانون هي الحارسة له لإماطة اللثام عن بعض نقاط الظل في الفهم والممارسة القانونية.