مجلة مغرب القانونالقانون الخاصعسيلة ياسين: مقاربة حقوقية لأحكام ظهير 2 أكتوبر 1984 على ضوء دستور 2011

عسيلة ياسين: مقاربة حقوقية لأحكام ظهير 2 أكتوبر 1984 على ضوء دستور 2011

عسيلة ياسين محامي بهيأة الدار البيضاء.

نظمت هيئة المحامين بالدار البيضاء و نادي المحامين ندوة دولية حول موضوع ” تعويض ضحايا حوادث السير بعد35 سنة من صدور ظهير 2 أكتوبر 1984 “،   و دلك يومي فاتح و ثاني نونبر بفندق فرح بالدار البيضاء، و عرفت حضورا وازنا لقضاة و نقباء و محامين و مفوضين قضائيين و حقوقيين و مهتمين…….، و  قد تم إستدعاء شركة التأمين إلا أنها لم تحضر للندوة.

ناقش المحامون عدة مواضيع تخص السياق التاريخي لظهير 1984 و إعتبرت جل مداخلاتهم أن ظهير 2 أكتوبر 1984 صدر في فترة فراغ مؤسساتي، و أنه لم يمر عبر القناة الأساسية للبرلمان،  و في ظرفية إقتصادية خانقة  تميزت بتوالي سنوات الجفاف العجاف و بخضوع المغرب لسياسة التقويم الهيكلي و لرقابة البنك الدولي و بتحمل المغاربة لتضحيات جسام من أجل إسترجاع الصحراء،

لم يعرف هدا القانون أي مراجعة أو تعديل مند صدوره سنة 1984 على الرغم من عدة تغييرات و تعديلات شملت عدة نصوص قانونية أبرزها دستور 2011 و قانون التعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية، و مدونة التأمينات و مدونة السير……..

أجمعت جل المداخلات على أن ظهير 2 أكتوبر 1984 المتعلق بالتعويض عن حوادث السير مس بشكل سافر بحقوق الضحايا في التعويض، و أنه لم يحقق التوازن المطلوب بين مصالح المصابين وبين مصالح شركات التأمين، و ينحاز للوبيات شركات التأمين التي تؤدي التعويضات المحكوم بها في إطار إجبارية التأمين على العربات البرية ذات محرك.

و جدير بالذكر أن ظهير 1984 حدد وسائل تقدير التعويضات وفق الجداول الملحقة به، و أقر سقفا لا يمكن تجاوزه في تحديد التعويض، و هو سقف لا يغطي حتما كل الضرر الذي قد يلحق المصاب أو ذوي حقوقه، و استبعد بدلك مبدأ ”التعويض الكامل للضرر”.

إعتمد ظهير 1984 بشكل مختزل في تحديد التعويض على الأجر و سن الضحية و عنصر الضرر الجسدي، سواء تعلق الأمر بالتعويض عن العجز الكلي المؤقت أو العجز الدائم،

كشفت مداخلات الحقوقيين النقاب عن الثغرات في الحماية الاجتماعية وعن عدم المساواة الهيكلية.

نسلط فيما يلي الضوء على عدة جوانب من صور انعدام المساواة :

  • اللامساواة بين ضحايا حوادث السير و ضحايا حوادث الشغل

إن المساواة أمام القانون تكون التعبير الأول عن المساواة، بحيث تطرح نظاماً قانونياً يقوم على إبطال جميع أنماط التمييز التي ترتكب من قبل القائمين على تطبيق القاعدة القانونية، وقد ظهرت هذه القاعدة لتقضي على التمايزات الاجتماعية ولتطرح مبدأ قانونياً جوهرياً يقوم على وحدة البنية القانونية التي تطبق على الجميع من دون استثناء، أي ضرورة تطبيق قانون وحيد  على الجميع.

 فإذا كان الأفراد يملكون جميعاً الحقوق نفسها ضمن المجتمع و تعرضوا لنفس حادثة السير فإنه من الطبيعي أن يخضعوا لقانون واحد، ولمعيار تعويضي واحدٍ يطبق على الجميع دون تمييز بين ضحية حادثة شغل أو ضحية حادثة سير.

تقتضي المساواة سن قانون لا يرتكب تمييزاً او إجحافا  بين ضحايا حوادث السير و ضحايا حوادث الشغل، وبالتالي فإن القانون يجب أن يعامل كل المراكز المتماثلة بطريقة متطابقة.

لا يتلائم ظهير 1984 مع البنية القانونية المغربية، و يتعارض مع مقتضيات الدستور المغربي لسنة 2011 و لا سيما مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون في الحقوق والواجبات و مبدأ تكافوء الفرص،

مقال قد يهمك :   الدكتور حسن فتوخ: التعليق على الأحكام لا يتعارض إطلاقا مع مبدأ استقلال السلطة القضائية.

في هدا الإطار ميز ظهير 1984على نحو تعسفي بين ضحايا حوادث السير و ضحايا حوادث الشغل، مما شكل خرقا لمبدأ دستوري يتعلق بمساواة المواطنين في الحقوق و الواجبات، على الرغم من أن دستور 2011 أقر مبدأ المساواة في العديد من فقراته،

لكي تتحقق المساواة بين الجميع أمام القضاء، يجب أن يكون اللجوء إليه مجانياً، ولكنَّ هذه المجانية مازالت حتى الآن مسألة نظرية، لأنه إذا كانت العدالة نفسها بالمجان بالنسبة لضحايا حوادث الشغل المعفيين من كافة الرسوم القضائية و صائر الخبرة فإن وسائل اللجوء إلى القضاء ليست كذلك بالتأكيد بالنسبة لضحايا حوادث السير الدين يتحملون عبئ و مصاريف الرسوم القضائية و صائر الخبرة.

من المؤسف و اللاإنساني أن يجعل  المشرع عبء مصاريف الخبرة الطبية على ضحية حادثة سير على الرغم من حالته الصحية الخطيرة و توقفه عن الكسب المهني.

ويعد هدا التمييز خرقا أخر لدستور 2011 و لإعلان حقوق الإنسان والمواطن الدي نص على ضرورة أن يشترك جميع المواطنين على قدم المساواة في الأعباء والتكاليف العامة (المادة 16 من الإعلان العالمي).

  • عدم التعويض عن المصاريف و النفقات الطبية المستقبلية الدائمة

من جهة أخرى لم يأخد ظهير 1984 بعين الإعتبار المصاريف و النفقات الطبية المستقبلية و الدائمة مدى الحياة، دلك أنه يشمل فقط المصاريف الطبية الآنية المثبتة بواسطة فواتير.

  • تشطير المسؤولية يرسخ الحيف و اللامساواة

يخضع القضاء المصاريف القضائية لمبدأ “تشطير المسؤولية” رغم أن تقسيط المسؤولية يشكل خرقا صارخا لمبدأ ”التعويض الكامل للضرر”، و يؤدي إلى إجحاف و حيف سافر بحقوق الضحايا في التعويض.

تشطير المسؤولية خفف عن المتهم العقوبة و خفف عن شركة التامين أعباء التحملات المالية للتعويضات، و خفض من قيمة التعويضات المستحقة للضحايا.

ظهير 1984 يخضع التعويض لتشطير المسؤولية إنطلاقا من الوقائع المادية التي يستقل القاضي بتقديرها،

و  ينص على أنه يجب أن يراعى في جميع الحالات قسط المسؤولية الذي يتحمله المتسبب في الحادثة أو المسؤول المدني.

و على مستوى العمل القضائي تراعي الأحكام القضائية تحديد قسط المسؤولية الدي يتحمله الضحية، و تحدد نسبة مساهمة المسؤول المدني في الحادثة كأساس لتحديد المسؤولية و قيمة التعويض المستحق للضحية،

  • إخضاع الجداول للتحيين وفق الحد الادنى للأجر المعمول به سنة 1984

طريقة احتساب التعويض حسب الرأسمال المعتمد لا تتماشى مع إرتفاع الحد الادنى للأجر المعمول به مما يؤدي إلى تعويضات هزيلة.

الملاحظ أن ظهير 1984 لا زال يعتمد في حساب التعويض على حد أدنى للأجر لا يتعدى 1800 درهما، على الرغم من مراجعة الحد الأدنى للأجور عدة مرات بمقتضى قرارات متتالية صادرة عن رئيس الحكومة و منشورة في الجريدة الرسمية، و هو ما يقتضي سن مقتضيات تشريعية تحدد عناصر تحيين الجداول بصفة تلقائية و مستمرة،

فالفارق بين مبلغ الحد الأدنى للأجر حاليا و مبلغ 1800 درهم هو كبير، مما يعطي فكرة واضحة عن حجم المبالغ الضخمة التي تستفيد من ريعها شركات التأمين، و عن الحيف و الظلم في حق هاته الفئة الهشة.

من المؤكد أن الحد الأدنى للأجر يعتبر من النظام العام، لدلك فإنه في إنتظار تحيين مقتضيات ظهير 1984 يستوجب أن يمارس القاضي دوره في ترسيخ إحترام النظام العام و تحيين الرأسمال المعتمد كتعويض واجب للطلبة و دوي الدخل المحدود، و دلك لتحقيق الدفاع عن الفئات الهشة لا سيما و أن ظهير 1984 ميز على نحو تعسفي بين دوي الدخل المحدود و دوي الدخل المرتفع،

مقال قد يهمك :   الحكومة تصادق على الاستخلاص الفوري الجزافي لغرامات عدم وضع الكمامة أو الالتزام بالتباعد

ينبغي إستخراج الكسب المهني السنوي الأدنى على أساس حد أدنى للأجر محين،

في هدا الإطار تنص المادة 8 ظهير 1984 على أنهإذا لم يكن للمصاب حين إصابته أجرة أو كسب مهني و لكنه قطع في الدراسة أو التأهيل المهني مرحلة كافية لتجعله يأمل أن يتاح له القيام في المستقبل بعلم يدر عليه كسبا المبلغ الأدنى المنصوص عليه في الجدول المومأ إليه في المادة الخامسة أعلاه منح تعويضا وفقا للأسس التالية:

– ثلاثة أنصاف الأجرة الدنيا أو الكسب المهني الأدنى المبين في الجدول الآنف الذكر. إذا كان المصاب في مرحلة الدراسة الثانوية أو كان يلقن تأهيلا مهنيا بدون أجر؛

– ضعف المبلغ الأدنى المذكور إذا كان المصاب في السلك الأول أو الثاني من الدراسات العليا؛

ثلاثة أمثال المبلغ الآنف الذكر إذا كان المصاب بالسلك الثالث من الدراسات العليا.”

فعلى سبيل المثال فإن ظهير 1984 لا زال يعتمد كأساس في حساب التعويض المستحق لفئة الطلبة على حد أدنى لا يتعدى سقف 1800 درهم لإستخراج الكسب المهني السنوي الأدنى، على الرغم أنه تمت مراجعة الحد الأدنى للأجر عدة مرات و إستقر في مبلغ 2689 درهم،

و من المفروض تقدير الدخل الواجب إعتماده بالنسبة للتلميد في المرحلة الثانوية على أساس رأسمال قدره 255000 درهم و هو الرأسمال المقابل للدخل السنوي المحين،

للاسف فإن الأضرار خضعت لمعايير حسابية غير محينة و مجحفة في حق الضحايا، و عجزت عن جبر الضرر الحقيقي اللاحق بهم.

يجب رفع التعويض المستحق للضحايا كلما ارتفع الحد الأدنى للأجر.

  • الحرمان من التعويض عن العجز المؤقت

إعتبرت محكمة النقض من خلال عدة قرارات أن التعويض عن العجز المؤقت لا يشمل المتدربين و الطلبة و العاطلين عن العمل، و الأطفال دون سن الشغل، و التلاميذ في المرحلة ما قبل الإبتدائية، و التلاميذ في المرحلة الابتدائية أو المرحلة الإعدادية… طالما أنهم لم يثبتوا فقد الأجرة أو الكسب المهنـي الناتج عن عجزهم،

في هدا الإطار ورد في قرار محكمة النقض الصادر بتاريخ 3 نونبر 1992 في الملف الجنحي عدد 98/22796 ” حيث إن القرار المطعون فيه قضى للمطالبة بالحق المدني بتعويض عن العجز المؤقت بعلة أن مدة العجز المؤقت فوتـت عليها فرصة العمل أو الكسب أو الاتجار، فتعويض عن ذلك بدون احتياج إلى إثبات، خلافا إلى ما ذهب إليـه الحكم الابتدائي، لكن حيث إنه وبمقتضى الفصل الثالث، فإن التعويض عن العجز المؤقت يكون عن فقــد الأجرة أو الكسب المهني الناتج عن عجز المصاب ويستفاد منه أن المصاب يكون مطالبا بإثبات الأجــرة ، أو الكسب المهني الناتج عن عجز المصاب ويستفاد منه أن المصاب يكون مطالب بإثبات الأجرة أو الكسب المهنـي خلال مدة العجز المؤقت، مما تكون معه محكمة الدرجة الثانية قد أساءت تطبيق مقتضيات الفقرة أ – من الفصل الثالث المذكور لما قضت للمطالبة بالحق المدني بتعويض عن عجزها المؤقت بتعليل أنه فوت عليها فرصة العمـل أو الكسب أو الاتجار ”

الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض يخالف مقتضيات المادة السادسة  من ظهير 1984 التي تنص صراحة على أنه”يجب أن يدلى المصاب بما يثبت مبلغ أجرته وكسبه المهني، وإذا لم يثبت المصاب أن له أجرة أو كسبا مهنيا اعتبر كما لو كانت أجرته أو كسبه المهني يساوي المبلغ الأدنى المحدد في الجدول المشار إليه أعلاه “

مقال قد يهمك :   محكمــــة النقض و حقوق الإنسان و فق دستور 2011

التعويض عن العجز المؤقت يجب أن يشمل الاستفادة منه كل الفئات العمرية، وإذا عجزت عن إثبات الأجرة أو الكسب المهني اعتبر كما لو كان أجرتها أو كسبها المهني يساوي المبلغ الأدنى.

  • إكراهات تنفيد تنفيد أحكام التعويض عن حوادث السير،

يفتح دفاع الضحية ملف طلب تنفيد التعويضات عن حادثة السير مرفقا بأصل النسخة التنفيدية للحكم القضائي، و يقوم مأمور التنفيد بإرسال نفس النسخة التنفيدية الأصلية للحكم القضائي لشركة التأمين،  و في هدا الإطار تم طرح عدة تساؤولات : كيف يعقل أن نسمح لشركة التأمين بإعتبارها فقط طرفا مدخلا في الدعوى و مؤمنة لمسؤولية المدعى عليه بالإحتفاظ بالنسخة التنفيدية للحكم القضائي ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ففي حالات متعددة تتماطل شركة التأمين في التنفيد  و تتعسف في إرجاع النسخة التنفيدية لدفاع الضحية في حالة التماطل في التنفيد،

  • هزالة التعويضات عن حوادث السير،

أورد المتدخلون على سبيل المثال لا الحصر عدة حالات تبين أن قيمة جل التعويضات هزيلة و لا تتعدى في المتوسط 25000 درهم و هي فضلا عن دلك  تكون مشمولة بالنفاد المعجل في الربع أو الثلت أو النصف.

و حتى في حالة هده التعويضات الهزيلة تصل المصاريف القضائية و صوائر الخبرة إلى ربع أو نصف مبلغ التعويض المحكوم.

و في نفس السياق نورد مثالا حيا يوضح أن قيمة جل التعويضات المستحقة لطالب جامعي لم تتعدى 25000 درهم و تشمل التعويض المعنوي و مصاريف الجنازة.

الطالب كان قد لقي مصرعه متأثرا بإصابة  لحقته إثر حادثة سير مميتة.

  • ضرورة مراجعة  ظهير 1984 أو تعديله أو إلغائه،

في ختام الندوة أكد عدة متدخلون أن الظروف الإقتصادية التي صدر فيها ظهير 1984 لم تعد قائمة، و أن الإقتصاد المغربي عرف تطورا ملحوظا بعد خضوعه  لسياسة التقويم الهيكلي.

أشارت المداخلات إلى أن شركات التأمين راكمت أرباح تجارية هائلة تعادل أرباح المكتب الشريف للفوسفاط، كما أن قيمة أقساط التأمين تضاعفت عدة مرات في حين أن التعويضات لصالح ضحايا حوادث السير لم تعرف أية مراجعة.

و أكد المتدخلون إنه يجب أن نستحضر أن أرباح شركات التأمين تتزايد كل سنة بنسب كبيرة، و أنه تم تفويت مجموعة “سَهام” بالكامل بقيمة مالية قدرها  مليار دولار، للشركة الجنوب الإفريقية “سانلام” التي تشتغل في مجال التأمين في القارة السمراء، مما يعكس أهمية قطاع التأمين بالمغرب.

و في هدا الإطار طالبت فئة من المحامين بضرورة مراجعة  ظهير 1984 أو تعديله، و دعت فئة أخرى من المحامين بضرورة إلغائه.

إقترح عدة متدخلون على أنه يقتضي سن مقتضيات تشريعية تحث صراحة على التحيين السنوي لمبلغ التعويض عن حوادث السير.

و إتجهت مداخلات فئة من المحامين إلى ضرورة تعديل ظهير 1984 و دلك بفك إرتباط التعويض بالحد الأدنى للأجور.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]