عبد اللطيف بوبكري: تنظيم ممارسة حق الإضراب بالمقاولة
عبد اللطيف بوبكري باحت بسلك الدكتوراه مختبر القانون الخاص ورهانات التنمية
كلية الحقوق فاس
مقدمة :
يعتبر الإضراب مظهرا من مظاهر الحياة الاجتماعية في العصر الحديث، التي أثارت خلافات في وجهة نظر الفرقاء الاجتماعيين داخل كل الدول.
يرجع ذلك إلى كون الحق في الإضراب، يشكل صورة خاصة لممارسة العدل بصفة شخصية سعيا إلى تحقيق توازن اجتماعي، و كذلك إلى كونه يتداخل ويتناقض مع حقوق أخرى، يضمنها القانون كالحق في عدم الاعتداء على الملكية الخاصة وحرية العمل، والإضراب لا ينحصر فقط في إطار خلافات الشغل الجماعية، بل يرتبط ظهوره في الحقيقة بأصول الإنسانية باعتباره سلوكا احتجاجيا على وضعية غير مرضية.
فهو يعتبر منذ زمن بعيد تجربة قوة في العديد من المجتمعات كروما وأثينا، وكذا في مصر القديمة، حيث قام العمال الذين كانوا يقومون بحفر قبر فرعون بالإضراب عن العمل من أجل تنظيم أجورهم[1].
وفي فرنسا ظل الإضراب من الأمور الممنوعة التي يعاقب عليها القانون الجنائي لسنة 1813، غير أنه بعد الاعتراف بالنقابات منذ سنه 1848 أصبح الإضراب يفرض نفسه كظاهرة اجتماعية إلى أن أصبح حقا دستوريا بمقتضى دستور 1946 و 1958[2].
وهو الأمر الذي أقرته منظمة العمل الدولية، وذلك عند تناولها للحق في الإضراب، إما ضمن الحرية النقابية أو المفاوضة الجماعية،بحيث أنه ليست هناك اتفاقية دولية، تطرقت بصفة مباشرة وصريحة إلى الحق في الإضراب.
ومن بين الاتفاقيات والتوصيات الدولية التي تناولت الحق في الإضراب نشير إلى ما يلي :
- الاتفاقية الدولية المتعلقة بحماية الحق النقابي رقم 87 لسنة 1947، حيث أشارت إلى حق منظمات العمال و المشغلين، التي تستهدف إنعاش و الدفاع عن حقوق أعضائها، في تنظيم طرق تدبيرها و أنشطتها و بلورة برامج عملها.[3]
- التوصية رقم 92 الصادرة عن منظمة العمل الدولية لسنة 1951 والتي تقضي بأنه لا يمكن منع طرفي النزاع الجماعي، سواء في ذلك الأجراء أو المؤجرين من اللجوء إلى تجارب القوة أثناء نظر النزاع من طرف الجهة المختصة، إلا إذا كان عرض النزاع على هذه الأخيرة، قد تم بموافقة الطرفين.
- الاتفاقية الخاصة بتحريم السخرة أو العمل الإجباري رقم 105 لسنه 1957، التي تمنع الدول التي تصادق عليها من الالتجاء إلى العمل الإجباري، إذا كان يهدف تحقيق جملة من الأهداف التي نصت عليها المادة الأولى من الاتفاقية، ومن ضمنها اللجوء إليه كعقوبة على المشاركة في الإضرابات[4]. وفي المغرب الإضراب لم يكن معروفا قبل الحماية، وذلك لعدم وجود صناعة عصرية[5]، و أيضا لانتفاء روح الطبقية[6].
وفي عهد الحماية لم يصدر أي نص تشريعي في الموضوع، لكن في الواقع كانت تحدث إضرابات في القطاع الصناعي، لكن وجود الإضراب و مشروعيته كان يعترف بها ظمنيا ظهير 13 يناير 1946 المتعلق بالمصالحة والتحكيم في المنازعات الجماعية للشغل[7]، حيث كان ينص فصله الأول على وجب إخضاع النزاع الجماعي لمسطرتي المصالحة و التحكيم قبل كل إضراب أو إغلاق.
وقد نصت الدساتير المغربية صراحة على حق الإضراب، من أول دستور لسنة 1962 إلى أخر دستور لسنة 2011 والذي ينص على أن حق الإضراب مضمون، ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفية ممارسته.
هذا القانون التنظيمي المعلن عنه لم يصدر بعد، إلا أن الحكومة المغربية تسعى جاهدة إلى إخراج هذا القانون لحيز الوجود، ونظرا لأهمية معرفة كيفية ممارسة الإضراب بالمقاولة، هو ما كان وراء اختيار الموضوع ” تنظيم ممارسة حق الإضراب بالمقاولة” في هذا المقال” .
والذي سنحاول معالجته من خلال مناقشة الإشكالية المركزية التالية:
مدى تنظيم ممارسه حق الإضراب بالمقاولة بما يضمن التوازن بين طرفي الإنتاج ؟
وذلك من خلال زاويتين أساسيتين:
شروط ممارسة حق الإضراب (المبحث الأول).
ممارسة حق الإضراب خلال سريانه (المبحث الثاني).
المبحث الأول : شروط ممارسة حق الإضراب.
نظرا لما قد يحدثه الإضراب من أثار سلبية على العلاقات المهنية للطرفين لا سيما في حالة سوء استعماله، فقد تقرر في التشريعات الوطنية بعض الشروط، قصد تنظيم اللجوء إليه من قبل الأجراء، وكذلك قصد التمييز بين الإضراب المشروع الذي يحضى بالحماية القانونية و الإضراب غير المشروع الذي لا يحضى بتلك الحماية، تلك شروط، منها ما قد يتعلق باشتراط استنفاذ مسطرة المصالحة والتحكيم في النزاع الجماعي أو نفاذ أجل معين يمنح للمشغل قبل إعلان الإضراب أو توفر شروط إعلان قرار الإضراب من جهة معينة كالنقابة مثلا.
ومن أجل الوقوف على ذلك، ارتأينا تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين، سنتناول في الأول مدى إمكانية اللجوء إلى مسطرة المصالحة والتحكيم على أن نتناول في المطلب الثاني الإعلان عن قرار الإضراب.
المطلب الأول: مدى إمكانية اللجوء إلى مسطرة المصالحة والتحكيم.
بالرجوع إلى مشروع القانون التنظيمي رقم 15-97 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، نجده يقرر في المادة 7 من الباب الثاني المتعلق بشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب في القطاع الخاص، على انه في حالة تعذر إجراء المفاوضات بشأن الملف المطلبي أو فشلها لأي سبب من الأسباب يتعين القيام ببذل جميع المساعي اللازمة لإجراء محاولة التصالح بين الطرفين طبقا للتشريع الجاري به العمل، شأنه في ذلك شأن بعض التشريعات العربية كالتشريع الجزائري، الذي أكد على انه لا يشرع في الإضراب إلا بعد التأكد من فشل محاولات التسوية الودية، المتمثلة في الوساطة والمصالحة، وبعد التأكد من انعدام أي طريق أو وسيلة لحل النزاع[8].
وفي هذا الإطار يلاحظ أن مشروع القانون التنظيمي، يتلائم من هذه الناحية، مع ما ذهب إليه رأي لجنة الحرية النقابية عندما قررت أن التشريعات التي تنص على مساطر المصالحة والتحكيم في النزاعات الجماعية، لا تعتبر ماسة بمبادئ الحرية النقابية.
بشرط أن لا تمنع عمليا من اللجوء إلى الإضراب[9].
المطلب الثاني : الإعلان عن قرار الإضراب.
هل ينبغي تعليق مشروعية الإضراب على شرط احتكار النقابة للدعوة إليه؟ أو سيعتبر الإضراب مشروعا حتى ولو خاضته الجماعة العمالية خارج أي تأطير نقابي أو ضد قرار نقابي بعدم شن الإضراب؟
وفي العلاقة بين الداعين إلى الإضراب والجهة موجه ضدها هل يعتبر الإضراب مشروعا حتى ولو لم يسبقه إنذار أو إشعار به؟
بالرجوع إلى مشروع القانون التنظيمي، نجده قد وسع من إمكانية اللجوء إلى ممارسة الحق في الإضراب، حيث لم يجعله حكرا على النقابة، فقرار الإضراب يمكن أن يتخذ من لدن النقابة أو من لدن الجمع العام للأجراء (المادة 16).
وهو نفس المقتضى الذي كان يكرسه، سواء مشروع 2001 في المادة الخامسة أو مشروع فبراير 2003 في مادته العاشرة أو مشروع شتنبر 2003 في المادة الحادية عشر.
ولهذه الإمكانية التي أعطاها المشرع للأجراء، نتائج هامة، حيث ستمكنهم من اللجوء إلى الإضراب في حالة عدم تواجد النقابة داخل المؤسسة، وكذلك في حالة عدم رغبة النقابة للقيام بالإضراب، رغم تواجدها داخل المؤسسة.
وتجدر الإشارة إلى أن المقتضى المذكور، يتلائم مع المادة 549 من مدونه الشغل، التي لم تجعل أعمال مسطرة تسوية نزاعات الشغل الجماعية حكرا على النقابات، بل مددتها إلى الجماعات العمالية غير المؤطرة نقابيا، رغم أنها حرمتها من حق المشاركة في إدارة التفاوض الذي قصرته على النقابة الأكثر تمثيل وذلك من خلال المادة 92 من مدونة الشغل.
أما بخصوص مدى تمكين المشغل بمهلة الإخطار، يجب التذكير بان مهلة الإخطار في ضوء الممارسات الحالية لحق الإضراب غير محددة، بحيث أن المضربين غير ملزمين في حالة عزمهم على القيام بالإضراب، بإخطار المشغل بأجل معين قبل تنفيذ قرار الإضراب.
لكن بالرجوع إلى مشروع القانون التنظيمي، نجده في المادة 18 بأنه يتعين قبل الشروع الفعلي في تنفيذ الإضراب، قيام الجهة الداعية للإضراب بتبليغ المشغل بقرار الإضراب بأي وسيلة من وسائل التبليغ وذلك خمسة عشر يوما على الأقل قبل التاريخ المقرر لخوضه.
ونعتقد أن واضع المشروع حسنا فعل عندما مكن المشغل من هذه المهلة، بحيث ستكون برهان له على العزم الجدي للأجراء باستعمال حقهم القانوني في الإضراب، إذا لم يساهم بجدية في إيجاد الحلول السليمة التي ترضيهم.
فهذه المهلة، وكما ذهبت إلى ذلك لجنة الحرية النقابية التابعة لمنظمة العمل الدولية، ستساعد الطرفين على التفاوض من جديد واحتمالا يمكن أن يؤدي ذلك إلى التوصل إلى إتفاق يحول دون اللجوء إلى الإضراب[10].
المبحث الثاني: تنظيم ممارسة حق الإضراب خلال سريانه.
الإضراب أشكال وأنواع، ومن هنا التساؤل عن الضمانات المقررة لممارسة الأشكال المشروعة(المطلب الأول) وعن الآثار المترتبة عن الأشكال المشروعة بالنسبة للأجراء المضربين أو الأجراء غير المضربين(المطلب الثاني).
المطلب الأول: ضمانات ممارسة حق الإضراب.
في مجال الضمانات التي قررها مشروع القانون التنظيمي لفائدة العمال المضربين، يمكن تلمسها في عدة جوانب منه.
ففي البداية تنص المادة 9 المشروع على منع المشغلين من عرقلة ممارسة حق الإضراب بواسطة الاعتداء والانتقام أو الإغراء أو بواسطة أي وسيلة من الوسائل التي يمكن أن تحول دون ممارسة الإجراء حقهم في الإضراب.
وقد دعم المشروع هذه الضمانة بجزاءات نصت عليها المادة 36، إذ يعاقب بغرامة من 20.000 درهم إلى 50.000 درهم كل مشغل أو منظمة مهنية للمشغلين أو منظمة نقابية، عرقلت ممارسة حقهم في الإضراب.
إلا أن هذه الغرامة المنصوص عليها، في نظرنا تبقى هزيلة لأنها لا تتناسب مع حجم المخالفة، فالأمر يتعلق بعرقلة ممارسة حق الإضراب المعترف به دستوريا.
و من بين الضمانات كذلك ما قرره المشروع في المادة الثامنة، وذلك ببطلان كل شرط تعاقدي أو التزام يقضي بتنازل الأجير عن ممارسة حق الإضراب.
كما نصت المادة 10 على منع المشغل من استبدال الأجراء المضربين بأجراء آخرين، لا تربطهم به أي علاقة شغل قبل تاريخ تبليغه قرار الإضراب، وقد نصت المادة 37 على عقوبة الغرامة بين 2000 إلى 5000 درهم.
ويلاحظ أن في المقتضى المذكور تلاؤما وتناغما مع المادتين 16 و 496 من مدونة الشغل.
كما يتلائم هذا المقتضى مع ما ذهبت إليه بعد التشريعات المقارنة كالتشريع الجزائري الذي منع أي استخلاف للعمال المضربين من قبل صاحب العمل طوال مدة الإضراب، مهما كان شكل وهدف الاستخلاف، سواء بتوظيف عمال آخرين، أو تحويل عمال وحدة أو ورشة أخرى إلى الورشة أو الواحدة التي يقوم فيها الإضراب[11].
كما نصت المادة 11 على منع المشغل من اتخاذ أي إجراء تمييزي في الأجراء بسبب ممارستهم حق الإضراب، يكون من شانه خرق مبادئ المساواة و تكافؤ الفرص والمساس بالضمانات الممنوحة لهم والمتعلقة على الخصوص بحقوقهم و وضعياتهم ومسارهم المهني، وقد نصت المادة 38 على عقوبة الغرامة من 15.000 إلى 20.000 درهم على كل مخالفة لهذا المنع.
ونعتقد أن هذا المقتضى هام في سبيل حماية حرية ممارسة حق الإضراب، حيث يبين مدى رغبة المشرع في إيجاد ضمانات لممارسة حق الإضراب.
وهكذا يتبين لنا بصورة جلية آن واضع المشروع قد بادر إلى حماية المضربين الذين يمارسون حق الإضراب وفق الشروط والشكليات التي حددها لممارسته.
المطلب الثاني : أثر ممارسة حق الإضراب على حقوق الأجراء.
يترتب على ممارسة حق الإضراب العديد من الآثار القانونية التي لا تقتصر على العلاقة بين صاحب العمل وعماله المضربين، بل تمتد هذه الآثار كذلك للعمال غير المضربين، لذلك يمكن طرح العديد من التساؤلات: ما هي أثار ممارسة حق الإضراب على عقد الشغل؟ وإذا كان الإضراب حقا، قد اعترف به مشروع القانون التنظيمي، فهل معنى هذا أن الأجير يحتفظ بأجره؟ أم أن الأجير يفقد أجره على أساس توقفه عن أداء الشغل؟
وإذا كانت جميع تلك التساؤلات تتعلق بضبط العلاقات بين المشغلين والمضربين، فيبقى أيضا التساؤل مشروعا حول صيغ ضبط الوضع الحقوقي للأجراء غير المضربين حالة كون مقاولتهم تعرف حركة إضراب.
فما هو مصير أجر غير المضرب الذي لم يتمكن من إنجاز العمل بفعل الإضراب في وقت أبدى فيه رغبته للعمل؟
للإجابة عن هذه التساؤلات : يجب أن نبحت المسالة بالنسبة للأجراء المضربين والى الأجراء غير المضربين وذلك من خلال الفقرتين التاليين :
- أثر ممارسة حق الإضراب على حقوق المضربين(الفقرة الأولى).
- أثر ممارسة حق الإضراب على حقوق الغير المضربين (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : أثر ممارسة الحق الإضراب على حقوق المضربين.
يتعين النظر إلى هذه الآثار من زاوية عقد الشغل(أولا) ومن زاوية الأجر(ثانيا)
أولا : مصير عقد الشغل.
كان القضاء في فرنسا والمغرب، يعتبر سابقا أن الإضراب يفسخ عقد الشغل[12].
إلا انه أمام الانتقادات التي وجهت للقضاء باعتبار الإضراب منهيا لعقد الشغل، اضطر إلى التراجع عن هذا الموقف، وهكذا قضت المحكمة العليا للتحكيم[13] بفرنسا بأن الإضراب يترتب عليه وقف عقد العمل، و هو الحكم الذي أخذ به القضاء المغربي[14].
و إذا كان موضوع أثر الإضراب على عقد الشغل قد أثار هذا الجدل، فقد تدخل مشروع القانون التنظيمي ليضع حد له، وذلك من خلال المادة 14 التي نصت بصراحة على أن الأجراء المشاركين في الإضراب يعتبرون في حالة توقف مؤقت عن العمل.
و هو نفس المقتضى الذي ينص عليه المشرع الفرنسي صراحة بمقتضى المادة الرابعة من قانون 11 فبراير 1950 المتعلق بالاتفاقيات الجماعية وكذا المشرع الجزائري[15].
ثانيا : مصير أجر الأجير المضرب.
من خلال الاطلاع على مقتضيات مشروع القانون التنظيمي، نلاحظ أنه أجاب عن هذه النقطة، وذلك من خلال المادة 14 حيث تنصت على عدم إمكانية الاستفادة من الأجر خلال مدة الإضراب.
و المشروع هنا تماشى مع القواعد العامة، وخاصة الفصل 723 من ق.ل.ع الذي عرف الأجر بأنه مقابل أداء عمل معين، مما يفيد بأن عقد الشغل من العقود المتبادلة التي ترتب التزامات متبادلة في ذمة طرفيه، الأجير والمؤاجر، بحيث يلتزم الأول بتقديم العمل المتفق عليه ويلتزم الثاني بدفع الأجر المقابل له.
ومن ثم فتعليق الأجير لالتزامه بتقديم العمل أثناء الإضراب، يترتب عنه حق المؤاجر بدوره في إيقاف التزامه بدفع الأجر المقابل للمدة التي توقف خلالها الأجير المضرب.
إلا أن تعليق الحق في الأجر، في نظرنا يمكن الخروج عنه، إذا حصل الاتفاق بين الطرفين عند نهاية الإضراب على استحقاق الأجراء المضربين لأجورهم، أو عندما يكون لجوء الأجراء إلى الإضراب كان بفعل خطأ واضح للمشغل.
الفقرة الثانية: أثر ممارسة حق الإضراب على حقوق غير المضربين.
يتعين النظر إلى هذه الآثار من زاوية حرية غير المضرب في العمل(أولا) و زاوية مصير أجر الأجير غير المضرب(ثانيا)
أولا: حرية غير المضرب في العمل.
لقد نصت المادة 13 من المشروع على منع عرقلة حرية العمل خلال مدة سريان الإضراب، أي منع كل فعل يؤدي أو قد يؤدي إلى منع الأجير غير المضرب من ولوج أماكن العمل أو من القيام بمزاولة نشاطه المهني.
وقد دعم واضع المشروع هذا المقتضى بجزاءات نصت عليها المادة 40 حيث يعاقب كل من عرقل حرية العمل بغرامة من 5000 إلى 10.000 درهم دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد.
ومن تم فإن واضع المشروع، قد ضمن حرية العمل، بالنسبة للعمال الذين لا يوافقون على قرار النقابة أو جماعة العمال، حيث يستمرون في العمل لعدم اقتناعهم بوجاهة الإضراب أو بظرفية إعلانه.
ثانيا: مصير أجر الأجير غير المضرب.
ما هو مصير أجر غير المضرب الذي لم يتمكن من إنجاز الشغل بفعل الإضراب في وقت أبدى رغبته للعمل؟
يجب التذكير بداية أن مشروع القانون التنظيمي قد سكت عن ذلك.
أما جانب من الفقه المغربي[16]، فقد بحث الموضوع انطلاقا من القواعد العامة التي تحرر الملتزم عادة من التزامه.
وهو تحديد لا ينبغي في نظره أن يتم إلا بناء على قوة قاهرة يعجز المؤاجر معها عن تنفيذ التزامه، على أن هذه القوة القاهرة يجب أن تؤخذ بمفهوم ضيق وتحت مراقبة القضاء ليعتبرها على أساس أن الأمر صعب أو يتطلب تكاليف باهظة، لكن بناء على استحالة التنفيذ.
و نرى مع جانب من الفقه[17]، أن الإضراب ممارسة يضعها المؤاجر دائما في اعتباره، وهو ما يجعل صفة القوة القاهرة من الأمور التي يصعب إضفاؤها على الإضراب، والتي على أية حال يبقى على المؤاجر الالتزام بإثباتها أمام القضاء باعتبارها صعوبة لا تعود إليه ولم يتمكن من التغلب عليها رغم اتخاذه كافة الوسائل والتدابير لتمكين غير المضربين من العمل.
خاتمة:
عبر تتبعنا إذن لتنظيم ممارسة حق الإضراب بالمقاولة من خلال مشروع القانون التنظيمي، يتبين أن المشروع يعتبر جد متقدم سواء على مشروع 2001 أو مشروع فبراير 2003 أو مشروع شتنبر 2003، إذ حاول تنظيم احد أهم وأخطر مظهر من مظاهر خلافات الشغل الجماعية، وتحقيق التوازن في علاقات الشغل.
فهشاشة هذه العلاقات وما يتبناها من نزاعات وأحداث بسبب الفراغ القانوني، تشكل غالبا السبب الرئيسي في الاضطراب الذي تعرفه العديد من المقاولات مما يسفر على انعكاسات سلبية على الاقتصاد الوطني وعلى علاقات الشغل بشكل خاص.
وبذلك فالمشرع المغربي يحاول سد الثغرات الناجمة عن هذا الفراغ، لأن هناك كثير من النواقص، نتمنى أن تعمل المؤسسة التشريعية على تفاديها، حتى يكون قانون الإضراب جزءا من واقع المقاولة المغربية.
الهامش:
(*) تم تحكيم هذا المقال العلمي من طرف اللجنة العلمية لمركز مغرب القانون للدراسات و الأبحاث القانونية.
[1] الحاج الكوري : القانون الاجتماعي المغربي، الطبعة الأولى 1999 ص : 245.
[2] عبد الكريم الغالي : مواضيع في القانون الاجتماعي، الطبعة الثانية 1999- 2000 الرباط، ص : 268.
[3] Article 10 de la convention 87 de 1947 conornant la protection de liberté syndicale .
[4] Ahmed bouhrraou « La problematique de l’exercice du droit de gréve au maroc » la reveue de droit marocain n° 1 Jaun 2002, P9 .
[5] موسى عبود، دروس القانون الاجتماعي، طبعه 1994، ص 280.
[6] أطروحة عبد اللطيف الخالفي، الوسائل السليمة لحل المنازعات العمل الاجتماعية، جامعة عين شمس، كليه الحقوق القاهرة، 1987، ص 88.
[7] موسي عبود، مرجع سابق، ص 280.
[8] تنص المادة 24 من القانون رقم 90-02 المتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية في العمل وتسويتها ممارسة حق الإضراب المنشور بالجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية عدد 6 المؤرخة في 7 فبراير 1990 صفحه 233 على انه” إذا استمر الخلاف بعد استنفاذ إجراءات المصالحة و الوساطة المنصوص عليها أعلاه.
وفي غياب طرق أخرى للتسوية، قد ترد في عقد أو اتفاقية بين الطرفين، يمارس حق العمال في اللجوء إلى الإضراب وفقا للشروط و الكيفيات المحددة في أحكام هذا القانون”
[9] BIT : comite de la liberté syndicale 238 é rapport cas n°1300 Page : 292.
[10] BIT : Recueil du comite de la liberté syndicale Genève 1985 Page : 382.
[11] المادة 57 من القانون الجزائري.
[12] جاء في حكم المحكمة بالدار البيضاء بتاريخ 12 ابريل 1937 إلى أن” الإضراب لا يعتبر عملا موقفا للعقد، بل إجراء يؤدي إلى فسخه دون الحق في أي تعويض” أشار إليه الأستاذ محمد سعيد بناني، قانون الشغل بالمغرب، الجزء الثاني، علاقات الشغل الجماعية، طبعة 1985 ص 228.
[13] Cour Supérieur d’arbitragé en France, 19 mai, 1939 Revue de droit social, 1939 page 199.
[14] قرار الغرفة الاجتماعية بالمجلس الأعلى عدد 72 بتاريخ 10 ديسمبر 1977، في ملف عدد 32688، أشار إليه ” Abdellah boudahrain, droit social marocain sochepress, université, Casablanca 1984 P 125.
[15] الفقر الثانية من المادة 32 من القانون الجزائري.
[16] محمد سعيد بناني، م.س ص 306-307.
[17] عبد اللطيف الخالفي، م.س، ص 157.