محكمة الاستئناف بطنجة تلغي حكما ابتدائيا قضى بثبوت النسب من علاقة غير شرعية.
ويقضي القرار بإلغاء الحكم المستأنف ويحمّل المستأنف عليها بأداء المصاريف على الدرجتين، بعدما كانت قد نالت حقها في التعويض عن الضرر الذي لحقها من جراء إنجاب ناتج عن علاقة غير شرعية حسب القانون المغربي.
وكان المعني بالأمر قد استأنف الحكم الذي صدر ضده في المرحلة الابتدائية لصالح الطرف الثاني، ونال حكماً لصالحه بعد عشرة أشهر من الاستئناف بمحكمة طنجة.
وكان الحكم الابتدائي، غير المسبوق، قد اعتمد على عدد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الطفل التي صادق عليها المغرب، مُقراً بحق الطفل الطبيعي في معرفة والديه البيولوجيين، ووضع حداً لاجتهاد قضائي ترسخ على مدى أزيد من 60 سنة، منذ صدور مدونة الأحوال الشخصية بالمغرب.
هذا الاجتهاد كان يقضي بعدم قبول الاعتراف بنسب الأطفال المولودين خارج إطار مؤسسة الزواج، وإعفاء آبائهم من أي التزامات تجاههم لكونهم أبناء غير شرعيين يلحقون بنسب أمهاتهم؛ إذ تشير المادة 148 من مدونة الأسرة أنه لا يترتب عن البنوة غير الشرعية بالنسبة للأب أي أثر من آثار البنوة الشرعية.
وبحسب معطيات الملف، تعود القضية إلى أواخر سنة 2015، حيث تقدمت امرأة بدعوى أمام قسم قضاء الأسرة بطنجة بداية 2016، تعرض فيها بأنها أنجبت طفلة من المدعى عليه خارج إطار الزواج ورفض الاعتراف بها، رغم أن الخبرة الطبية أثبتت نسبها إليه، ملتمسة من المحكمة، الحكم ببنوة البنت لأبيها، وأدائه لنفقتها مند تاريخ ولادتها.
فيما اعتبر المدعى عليه أن طلب المدعية غير مؤسس قانوناً، على اعتبار أن الخبرة الطبية المدلى بها في الملف وإن أثبتت العلاقة البيولوجية بينه وبين البنت، فإنها لا تثبت العلاقة الشرعية، وبأن النسب في مدونة الأسرة يثبت بالزواج الشرعي، وبأن البنوة غير الشرعية ملغاة للأب، ولا يترتب عنها أي أثر.
وقد أدلى بحكم محكمة قضى بإدانته من أجل جنحة الفساد (علاقة جنسية خارج الزواج)، طبقاً للفصل 490 من القانون الجنائي، ملتمساً رفض الطلب.
لكن المحكمة الابتدائية كانت قد اعتمدت على حيثيات غير مسبوقة، معللة قرارها لصالح المرأة بنصوص من اتفاقيات دولية، ومن الدستور الجديد؛ إذ أشارت بالنسبة إلى الاتفاقيات الدولية إلى الفقرة الأولى من المادة الثانية من اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها المغرب بتاريخ 21/6/1993، والتي تنص على أن القضاء يتوجب عليه إيلاء الاعتبار الأول لمصالح الأطفال الفضلى عند النظر في النزاعات المتعلقة بهم.
إضافة إلى اعتمادها على المادة 7 من الاتفاقية نفسها التي تنص على أن الطفل يسجل بعد ولادته فوراً ويكون له قدر الإمكان الحق في معرفة والديه وتلقي رعايتهما. زيادة على الاتفاقية الأوروبية بشأن حماية حقوق الطفل الموقعة بستراسبورغ بتاريخ 25/1/1996، التي صادق عليها المغرب بتاريخ 27/3/2014.
الاتفاقية الأخيرة ورد في الفقرة الأولى من المادة السادسة منها ما يلي: “في الإجراءات التي تشمل الطفل تقوم السلطة القضائية قبل اتخاذ القرار بدراسة هل لديها معلومات كافية تحت يدها من أجل اتخاذ قرار في صالح الطفل، وعند الضرورة الحصول على معلومات إضافية”.
في حين تنص المادة السابعة من الاتفاقية نفسها على أنه “في الإجراءات التي تشمل الطفل، تعمل السلطة القضائية بسرعة لتجنب أي تأخير غير لازم، وتكون الإجراءات مناسبة لضمان تنفيذها على وجه السرعة، وفي الحالات العاجلة تكون للسلطة القضائية الصلاحية، متى كان ذلك مناسباً، لاتخاذ القرارات التي تنفذ على الفور”.
بالإضافة إلى ذلك، استندت المحكمة الابتدائية في قرارها التاريخي سابقاً إلى الفقرة الثالثة من المادة 32 من دستور 2011 التي تنص على أن: “الدولة تسعى لتوفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال بكيفية متساوية بصرف النظر عن وضعهم العائلي”.
الحكم الابتدائي الذي صدر في 30 يناير 2016، والذي تتوفر هسبريس على نسخة منه، يتضمن في تفاصيله “الاعتراف بالبنوة من دون النسب، حيث قضت المحكمة بثبوت البنوة بين الطفلة وبين المدعى عليه اعتماداً على نتائج الخبرة الطبية التي أثبتت العلاقة البيولوجية بينهما، مميزة في هذا الصدد بين البنوة والنسب الذي لا يؤخذ به وبمفاعيله إلا في حال البنوة الشرعية”.
إضافة إلى حكمها بالتعويض للأم بدلاً عن النفقة للابنة، حيث رفضت المحكمة طلب المدعية بإلزام المدعى عليه بتحمل نفقة البنت، وعللت قرارها بكون النفقة من آثار النسب الشرعي. لكنها وفي أول سابقة، لجأت إلى إعمال قواعد المسؤولية التقصيرية لتلزم الأب البيولوجي بدفع تعويض للمدعية نتيجة مساهمته في إنجاب طفلة خارج إطار مؤسسة الزواج.
وجاء في حكم المحكمة:
“حيث يؤخذ من الحكم الجنحي عدد 4345 بتاريخ 2016/03/16 في الملف 278/16/2012 الصادر عن هذه المحكمة أن المدعى عليه توبع من أجل جنحة الفساد، وأدين بشهر واحد موقوف التنفيذ، وهو الحكم الذي أصبح نهائيا بعد تأييده استئنافياً “.
وأشار الحكم:
“حيث لما ثبتت المسؤولية الجنائية للمدعى عليه بارتكابه للفعل الجرمي المذكور والذي نتج عنه ولادة الطفلة تكون العناصر القانونية لقيام المسؤولية المدنية ثابتة في نازلة الحال، وفقا لما ينص عليه الفصل 77 من قانون الالتزامات والعقود الذي جاء فيه: كل فعل ارتكبه الانسان عن بينة واختيار ومن غير أن يسمح به القانون، وأحدث ضرراً مادياً أو معنوياً للغير، ألزم مرتكبه بتعويض عن الضرر، إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر”.
وارتأت المحكمة بعد ثبوت علاقة البنوة بين البنت والمدعى عليه، وما يستلزمه ذلك من رعايتها والقيام بشؤونها مادياً ومعنوياً والحفاظ على مصالحها كمحضونة، وما يتطلبه ذلك من مصاريف، أن تمنح المدعية تعويضاً يحدد في 100 ألف درهم.
لكن بصدور قرار محكمة الاستئناف بطنجة، يكون القرار التاريخي الذي شكل سابقة في القضاء المغربي للمحكمة الابتدائية قد تبخر، إلا إذا نالت قراراً إيجابياً من طرف محكمة النقض مستقبلاً.
*منقول عن الجريدة الإلكترونية هسبريس.