حوار حصري مع الدكتور نبيل تقني حول مهنة المحاماة و تطور عمل القضاء الإداري المغربي
- حاوره : ياسين إبن مسعود مدير نشر موقع مغرب القانون.
في إطار انفتاح موقع مغرب القانون على الكفاءات الشابة في ميادين المهن القانونية و القضائية ببلادنا استضاف موقعنا الإلكتروني الأستاذ نبيل تقني المحامي بهيئة المحامين بوجدة، من أجل تسليط الضوء أكثر على واقع مهنة المحاماة في المغرب، و العراقيل التي لا زال يواجهها الشباب الراغبون في الولوج لمهنة المتاعب ، و كذا الدور الذي من الممكن أن يلعبه المحامون كمساعدين للعدالة للنهوض و الرقي بمنظومة القضاء و ترسيخ دولة الحق و القانون ببلادنا .
و في ما يلي نص الحوار كاملا :
- مغرب القانون : من هو الأســتاذ نــبيل تــقنــي؟
الأســتاذ نــبيل تــقني من موالــيد مــدينـة زايــو سنــة 1984، درس بها التعليم الإبتدائي، الإعدادي و الثانوي، و التـحق بمـدينـة وجــدة لــدراسـة التعلـيم الجــامعــي، بحــيث التـحق بجــامعـة محمد الأول و اختار شـعبة القانون، حــصل عـلى الإجــازة ســنة 2006، و التحــق بعدها بدراسـة ذات طابع اقتـصادي بحــيث درس من أجل الحـصول على الدبلوم الجامعـي للدراسات العليا المتخـصصة في المحاسبة و المـالية باللغة الفــرنــسية، و بعدها التحــق بدراسـة ماستــر قانون المنازعات ذات الصبغة الإقتــصادية بالفرنـسية، و نـال دبلومها سنـة : 2010، ليلتحــق بعدهـا بسـلك الدكتــوراه في العلوم الســياسية و القانونية، بحيث نـال شــهادة الدكـتوراه في العلوم السياسيــة و الإقتـصادية من جــامعة محمد الأول بوجدة ســنة 2017. و قــد توج مــساره العلمــي بدكــتوراه فخــرية من جــامعة نيويورك الأمريكيــة، بحيث حــصل على شـهادة الدكـتوراه الفخـرية في مجــال القــضاء الإداري، غــير أنــه لم يكــتف بــهذا الحـد بــل التــحق من جـديد بكــلية الآداب و العلــوم الإنــسانية بــوجدة لــدراســة الأدب الفــرنسي.
و الأستــاذ نــبيل تقــني عــضو بمنظمـات و هــيئات دولـية، نخــص بالذكــر منها: اتــحاد المحــامين العــرب بالقــاهرة، و عــضو لجــنة حــقوق الإنــسان و الحريات العامـة بها، و كــذا عــضو المــعهد الدولي الخــاص للتحكــيم و الدراسات القـانونـية، و الأكـاديمــية الدولـية للتجكيم و الدراسات الـقانونـية، و عــضو نــقابة المحاميــن الدولـية لحــقوق الإنــسان، و عــضو المركـز الدولـي للدراسات و البحث العلمـي المتعدد التخصصات، و غــيرها من المؤسسات القانونية و الحقـوقية المعنـية بالمجــال القانونـي و الحقوقــي، و هــو عـضو اللجنـة العلمـية لعدد من المجلات الحقوقية و القانونية الوطنية و الدولــية، وهــو محكم دولـــي معــتمد، وأستـاذ زائر بعـدة كليات للحقوق بالمغرب.
- مغرب القانون : لا شك أن الأستـاذ نبيــل تـقني من المحامــين الشباب: كــيف تنظــرون إلى واقــع و مسـتقبل مهــنة المحــاماة في المــغرب من مركــزكم كمحــامي شــاب بدأ مــساره فــي مهنــة المــتاعــب؟
واقـــع كــل مهــنة أو وظيــفة كيفما كــان نوعها و دورها في أي مجتمع مرتــبط حتــما بعـدة عـوامل يأتــي على رأسهــا عــامل الوعــي المجتمــعي و الثــقافي و الأخــلاقــي للمجتــمع برمــته قبل مكــونات تلك المهنـة أو الوظيــفة، و مــهنة المحامــاة واحــدة من المهن التــي يــرتبط أداؤها باحتكــاك مبــاشر مع الأفـراد، الأمـر الـذي يـزيد من الصـعوبة في ممارستـها سيما إذا كـان الفـرد يحمــل في عمــق تفكــيره نــظرة مطــلقة عن القــضاء بأنه فــاسد، و الحــال غــير ذلك، فنــحن نمـارس مهنتنا فــي وسط يمتـزج فــيه الــسيء بالحــسن.
حـــقا لا يمكننا أن ننكــر أن هــناك محامون و قــضاة دون المــستوى الأخــلاقــي و المهنـي المطــلوب، غــير أن هنــاك عــدد كبيـــرا جدا منهم ممن يؤدون مهــنة المحاماة و وظيـــفة القــضاء بـــشكـل مبـهر و فــي غايـة الوقار و التجــرد و الحــياد و الإنضباط، نتعلم منهم كل يـوم مبادئ التجرد و المهنية العالية، بل منهم من يشكــل مدرســة ننهل منها.
فالمجتمع حــقا يروج لأفكـار لن أقــول عنها خــاطــئة بقــدر ما أراها مطــلقة و هــي أفكـار يعمم فيها الــسوء على الجميع بحيث يصـير الطيب منهم يحمــل عنوة وازرة الــسيئ،
دون أن يكــترث المجتمــع إلــى الجرح العميــق الــذي تولده هــذه الرؤيا فـي نفـوس المحامي المستقيم و القاضي النزيه،هـو جرح قد يندمل بمجرد استحـضار واقعـة غــياب ثقافة مجتمعـية مبنـية على النــقد المجرد و الموضوعــي لواقع العدالة ببلادنا.
- مغرب القانون : لمــاذا يمـيل الأستـاذ نــبيل تــقني للتخـصص في مجال المنازعات الإدارية؟
ممــا لا شـك فــيه أن الإنــسان مهما بــلغ من العـلم و المعـرفـة، لــن يدرك كــل شــيء و هذه مسألة لا خــلاف فــيها، و كل المهن و الوظــائف فـي العالم لن تــؤدي رسالتها إلا إذا كانت دقيقة و موضوعـية، فالطبيب مــثلا لا يمكنه أن يكـون عالما و ملمــا بكــل شــعوب مهنة الطب، لذلك و من أجل أداء رسالة الطب و صـون الحياة الـبشرية وخـلق تعاون و تكامل، كان من اللازم التخصص في مجال دقيق للطب، و مهنـة المحـاماة لا تــقل أهمـية فكمـا يمكن للمشاكل الصحية أن تشغـل بال المريض و تؤلمـه فالمشاكل الإجتماعية كذلك يمكن أن ترهقه و تؤلمـه و تشغل باله لذلك كان من اللازم على المحامي أن يكـون في مستـوى أداء رسالة المحاماة و تقديـم يد العون لطالبها و أن يكـون دوره دقيقا و موضوعيا و بعـيدا عن العموميات، و أن المحامي كلما كان متخـصصا في مجـال معـين إلا و استطــاع تبسـيط الأمـور بشكـل سلس و مفهـوم، و أن تكـون رسالته للقــضاء واضحـة و بعـيدة عن الغموض و أن يكون خــير مــساعد للـقضاء، و خــير مرشد للمواطــن؛
و عطــفا عما ذكرت فالتخـصص له فـوائد كثــيرة منهـا أنه يساعد على توزيع الأعمال بين المهنـيين حسب تخصصاتهم الشخصية و يزيد من إتقانهم لمهارات العمل و يؤدى إلى زيادة المعرفة و الخبـرة و الدراية بأحدث التوجهات القضائية. و يرفـع من مستـوى الدقـة و المهنيـة لديهم و يؤدى إلى اكتشاف في آليات عمل جديدة و مهــارات مستحدثـة، و هـي مجمــوعـة من الأمـور و الـتي من شأنها رفع جودة الأداء و الرقـي بالجانب المهنــي و بجـودة عمل المحامـي؛
- مغرب القانون : هــل يــؤيد الأســتاذ نــبيل تــقني فــكرة التخــصص لكــل من يـزاول مهنـة المحاماة أم أن المهنة فـي المغرب لازالت بعـيدة عن هذا السينـاريو؟
توكـيدا لما أشرت إلـيه ســابقا يكــون التخصص فــي مجال المحـاماة أمـر محمــود، غــير أنه يبقــى رهــين إرادة صــريحـة و واضحـة من المــشرع و الأنظمـة الداخـلية لنقابات هيئات المحامين بالمغـرب، لأن مهنـة المحاماة لا تمـارس دون رقابة أو قـيد و خـارج أي منظومـة تشريـعية، بـل تحكمها قـواعد قانونـية و أنظمة داخـلية و أعـراف و تقــاليد؛
و مهنـة المحاماة فـي المـغرب مقــننة أساسا بموجـب الظهير الشريف رقم 1.08.101 الصادر في 20 من شوال 1429 (20 أكتوبر 2008) بتنفيذ القانون رقم 28.08 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة، و كـذا الأنظمــة الداخـلية لكل هيـئة من هيئات المحامين بالمغـرب و الأعـراف و التـقاليد، و أن الـقانون رقم 28.08 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة قـد أشـار فـي المادة 91 إلـى أن لكــل هــيئة من هــيئات المحامــين وضع النظام الداخلي لــها وتعديله، وفق ما يتطلبه تطبيق قواعد المهنة وتقاليدها وأعرافها، و هــذا النـظام يـعتبر تشـريعا منظما للمهنـة يتوجب التـقيد به و عـدم مخالــفة مقتضياته، وهــو الــذي يحدد البيــانات الحصرية الواجب تضمينها بلوحـة المحامـي و مكتوباته و مراسلاته، و هيئة المحاميـن بــوجدة، مثلا، قد أوجبت في المادة 59 من نظامها الداخلي المصادق عليه بتاريخ: 09 ربيع الأول 1431 موافق 24 فــبراير 2010، ضــرورة التقيد بالبيانات الواردة بالمادة 59 المذكـورة في لوحـة المحامي، و لم تـشر إلى حق المحامـي في الإشــارة إلى تخصصــه.
و بالتـالي فإن التخصص في مــجال معـين يبقـى أمـر واقع و لا دليل عـليه بالترسانة التشريعـية الناظمـة للمهنة و لا بالأنظمـة الداخـلية و لا الأعــراف و التـقاليد.
و أن المحامـي المتخـصص يبقـى له أن يقــبل الـقضايا التـي تدخـل فــي باب تخصصه و أن يرد الـقضايا التـي لا تدخـل فـي اختـصاصـه و هـو السبيل الوحيد لإبـراز التخــصص،
على عـكس الأمـر بالولايات المتحدة الأمريكــية و بــعض البلدان الأوروبية التــي تسمــح للمحامي بأن يشـير على لوحـته التعريفـية بتخـصصه أو التخصصات التـي يشتـغل عـلــيها.
- مغرب القانون : يــثار نــقاش كــبير حول الــقانون 08/28 المنظم لمهنة المحاماة و التعديلات التـي من المحتمــل أن تشمــله: كــيف تنظــرون إلــى هــذه التعديلات كمحــامين شــباب؟ و هــل يتم إشــراككم بشكــل فعــال للإدلاء باقتراحاتكم فــي هــذا الــصدد؟
أولا كرجــال قــانون وجب عــلينا أن نذكــر بأن هــناك جــهود جــبارة من الفــاعليــن في مجال القــضاء للنهــوض و الرقــي بمنظومـة الــقــضاء بالمغـرب بصــفة عامـة، و هـي المنظومة التــي لن تستقــيم و لن تؤدي رسالة العدالة إلا باستــقامــة المهن المتصـلة بها و المتعـلقة بمــساعدي القــضاء، و على رأســها مهنــة المحاماة؛
و كأي عمل فكري فان المــشروع المــقترح يتضمن العديد من الجوانب الإيجابية كما يتضمن العديد من الأمــور التي لا تصادف الصواب أو تحتوي على تناقضات بالإضافة إلى العديد من الأمـور الــتي تم إغفال معالجتــها. وأظــن أنه قبل إصلاح أي قانــون فانه لابد من الوقوف على القطاع المراد تنظيمه وما ينتظره المجتمع من هذا القطاع حتى يتم الإصلاح على أســس لا لبـــس فيها، مع عدم الاقتصار على تعديل بعض الفصول التي لن يكون لها أي وقع على مستقبل القطاع أو لا تأثــير لها عــلى الغايات الموضوعــية للتعديــل، بــل يجـب وضـع الأصبع على مكــامن الخلل و معالجــته بغايـة إيجــاد حــل لمعضـلات كثــيرة؛ و أكثر من ذلك و بحــكم أن المحاماة جزء من كل .
فان التساؤل الــمطــروح ينــحصر فــي مـدى نجــاعة تعديــل بعض النــصوص القانونــية الناظمـة لمهنـة المحاماة لوحدها، دون أن يتطلب الأمر إعادة النظر في تنظــيم المهنـة ككل وإعادة النظر كذلك في العــديد من القطاعات ذات الصــلة،
كقطاع التعــليم وقـــطاع العدل ومن يــدور في فلكـه من خبراء وكتاب الــضبط وأعوان قــضائيين و غــيرهم للمرور إلى قطاعات أخرى لا تقل أهــمية عن الأولى كضباط الشرطة القــضائية و موظفي الإدارات والمؤسسات والوكالات العمومــية و غــيرهم؛
و بالنــسبة لإشــراك الفـاعلــين، فينــبغـي التأكــيد على أن إشــراك الفـاعليـن أمــر غــير اختــياري و إنما هـو أمـر واجـب لا جدال فـيه، و أن الجـهات المعنـية بتــنسيق مع بـعض الفاعلــين في مجال المحاماة قـد انكــبوا عـلى تدارس هـذه التعديلات، وقد قدمت شخــصيا مسـودة للقانــون بمنـاسبة الإجتماع المنعـقد بحـر ســنة 2015 بالرباط مع الــسيد رئيس جمـعية هـيئات المحاميـن الأستـاذ النقـيب حــسن وهــبي و الــسادة نقــباء هيئات كثــيرة بمـناسبة اللقاءات الــتي أجريت مع جمعــيات المحامــين الشـباب بالمغـرب، و الــتي توخت إشــراكهم في إعداد المشروع.
- مغرب القانون : عــادة مـا تكــون واجــبات الإنخــراط عــائقا يمـنع الكــثير من الحاملـين لشـهادة مزاولة مهنة المحاماة من الإنخــراط فـي المهنـة : كــيف تنظــرون إلــى هــذا الإجــراء الــذي قــد يكـون سببـا فـي نـفور الكــفاءات الشابـة من هــذه المهنـة؟ خــاصة أن البــعض يعتـبره احتكارا مقننـا للتــضييق من دائــرة المنخــرطــين فــي المهنـة.
لا يمــكننا أن نــبارك أي ســلوك كيــفما كان نوعــه و مهما علا شأنه، يمكنه أن يحد أو يــقيد حــق الطالب و الحامل لشهادة الكفاءة من مزاولة مهنـة المحاماة من أبنــاء الشعب، فــهذه المهــنة حـق لكل مواطن و له الحق في ممارستها طالما استوفى الشروط القـانونـية المنصوص عليها قــانونا، و أستــحضر بــهذا الــصدد قــضية سيــزار فارغاس التي أوردتها صحـــيفة “نيويورك تايمــز خلال شهر يونــيو 2015.
بحيث أن السيد ســيزار فارغاس البالغ من الـعمر 34 سنة، والذي كان قد دخل بطريقة غير قانونية إلى الولايات المتحدة مع والدته عندما كان في الخامسة من عمره، درس الحــقوق بجـامعة نيويورك، غــير أنه لم يسمـح له بمزاولة مهنـة المحاماة بعد حصـوله على الإجازة في الدراسات القانونـية، الأمـر الـذي دفـعه لمقاضاة الأجهـزة الحكومـية المكلـفة بقــيده، و قد صـدر لفائدته حكم قـضائي بـعد ثلاث ســنوات من التــقاضي، بحيث أصدرت المحكمة العليا في نيويورك، و هــي أعلى هيئــة قضائية بالولاية، قرارا يقضي بالسماح له بمـزاولة المهنــة رغم أنه مهــاجر غــير شــرعـي، و ذلك رعيا من المحكمة للأهـداف النبيلة لمهنة المحاماة التـي لا يمكن أن تحد منها الحدود الجغرافـية و لا الإنتمــاء الطبقــي.
غـير أن ما ينبـغي الوقـوف علـيه هو أن الهيئات لا تتوخا الحد من الولـوج بقــدر ما تتغيا ضمــان مورد مالـي يدر علــيها بمناسـبة القـيد في جدولها و تستفــيد منه في تأمــين أداء مجـموعة من النفقات، و كحــل وســط أرى ضــرورة العنــاية بأبنـاء الشعب الفقـراء و تقديم تسهيلات في الأداء أو دعم الدولة لهم إلى حين ميــسرتهم و إرجاع المبالغ، كما أن الدعم المادي لا يجب أن يتوقف عند مستحقات الإنخراط و إنما يجب أن يتعداه لتأمــين إنــشاء و تجــهيـز مكاتب المحامون الشباب.
- مغرب القانون : هل تــؤيد فــكرة إحــداث ” المعهد العـالي للمحاماة” كما هـو الشأن بالنــسبة ” للمعهد العالي للقــضاء”؟ و هـل تـؤيد الولوج للمهنة بشـهادة المـاستـر؟
ينــبغي أن نتــفق منــذ البداية عــلى أن المعهد لا يمــكنه تكـوين رجال القـانون، و إنما هــو مؤسسـة ستضع البــصمات الأخـيرة و الروتوشات العملـية على رجــل قــانون مفــترض أنه تــلقى القانون من مبـادئـه العامـه إلى مفاهيمـه الدقيقـة و العميـقة و ذلك بمدرجات الكليات، و المعـهد لا ينبــغي أن يعــول عــليه في تجــويد مهنـة المحاماة.
لأن إنتــاج محام أو قاض أو رجل قانون كيفما كـان، لا يمكنه أن يكــون حبيــس سنتــين أو ثلاث من التدريب، و إنما يفـترض أن يكون نتيـجة منطقــية لتعليم جامعــي فــعال.
و هـو الأمـر الــذي يــؤكد ضــرورة تأهيل الجامعـات لإنتاج مهــنيين و قـضاة أكفـاء عــن طــريق إنــشاء و خـلق تخصصات على مستـوى الدراسات العليا تعنــى بالــشؤون المهنـية و القـضائيـة، يمكنها إلى جانب السنـتين من التدريس بالمعهد أن تعـطي نتيجة مقبـولة.
و ما يتعـين أن نلتفت إلـيه بـهذا الخـصوص هو أن مهنة المحاماة مختـلفة عن القـضاء، فالمحامي يولـد محاميا، و مفاد المقولة أن المحاماة ابتكار و خلق و اجتهاد و فـــن لا يمكن أن تلقن فـهي فــطرة جبل عـليها المحامي منذ خروجه لهذا العالم. فملكة المرافـعة مرقـونة في جبلية و فـطرة المحامي الناجح لا يمكن تلقينها أو فـرضها، و هـي طالما أنها مهنـة حــرة، فإن الإبتكار و الإبداع عماد النجاح فيها.
- مغرب القانون : يــشرف الأستــاذ نــبيل تــقني عـلى مجموعــة فيسـبوكـية عرفــت انتــشارا لا نظــير له، و هـي مجموعـة ” القـضاء الإداري المغـربي و المــقارن”، كــيف راودتكم الفــكرة ؟ و ما هـي غاياتها؟
بمنــاسبــة مجــالستــي للحقـوقيين و المهتمــين و الأســاتذة الجامعــيين و الطلبة الباحثيـن لفـت انتبــاهـي أن النقــاش فــي مجـال المنازعات الإدارية لا يــزال عندهم بعــيد عن واقـع الممارسـة، و أن الحديث يــدور حــول أحكام قــضائية و اجتهادات قضائية أصبحت متجـاوزة، أو افتخارهم بالقضـاء الإداري الفرنــسي بسبب أحكام أو قـرارات قديمـة مع العلم أن القـضاء الإداري المغــربي المعاصـر قــد تجــاوزها بكــثير، كما لاحظــت غياب قــاعدة بيــانات محــينة في مجـال الأحــكام و الــقرارات القـضائية الــصادرة عــن الــقضاء الإداري المغــربي، مما جــعلنــي أتسـاءل مع نفــسي عن الأسبــاب و الخــلفيات التــي تقف وراء هــذا الوضــع.
لأهتــدي في الأخــير إلى أن السبب الرئــيس هو غيـاب انــفتاح عالم الممارسيـن على الباحثــين و كــذا صــعوبة ولوج الباحث، و لا سيمــا إخواننا الطــلبة، للمحاكم و صــعوبة حصولهم عــلى أحكام و قـرارات قــضائية قـد تفــيدهم فــي تحــيين المعلومة القــانونية و القـضائيـة. و وجدت بأن خــزانتــي القـضائية مليــئة باجتهادات قــضائية حديــثة جدا تســتحق أن تخــرج للباحث و أن تكون مادة دســمة للتعليــق و البحث و الدراسـة.
و هــي منــاسبــة لإخــبار العالم بأســره بأن الــقاضي الإداري المغــربي يشــتغل فــي صمت و أن المحــامي يشتــغل في الخــفاء و الكل من أجل الرقــي بعمل و جودة القــضاء المغــربي.
و هــو مجهـــود أقــل ما يمكن أن يكافأ به الــقاضي هــو إخــراجــه للعــلن ليكــون شــاهدا عــليه و يكــون حكما ينطـــق بالحق في حق القاضي و المحامي المغربي و بأنهما، عــكس المتداول، قـد فاقا أحيانا اجتهادات القضــاء الفـرنسي أو غيره، و ما زادنــي طاقــة أنني وجدت هــذه الأحكام تتداول فـــي لبنــان و مــصر و الجزائــر و تونــس و غــيرها، و بالتــالي و جدت أننـــي سفــير لبلــدي في الخـارج أعلن للعالم أن الــقضـاء الإداري المغـربي يكــد و يجتهـد و يــضاهــي أكــبر منظومة قــضائية متخـصصة في مجال القـضاء الإداري، وهو القـضاء الإداري الفــرنسي.
كمــا زادني طاقــة رســائل الباحثــين عــبر جمــيع تراب المملكـة الــتي تدعــو لنـا بالخــير و السداد لمــا نقدمــه لهم كباحــثين من اجتهادات قــضائيــة حديــثة جدا و غـير منــشورة، فــضلا عن تعاليقنا على الأحكام و القـرارات المنشـورة. و الله المستعان في أداء هــذه الرسالـة و هذه الصدقة الجارية.