مجلة مغرب القانونالقانون الخاصعادل الفيضا: قانون العقوبات البديلة والصلاحيات الجديدة لجهاز النيابة العامة -دراسة في ضوء القانون 43.22 ومرسومه التطبيقي-

عادل الفيضا: قانون العقوبات البديلة والصلاحيات الجديدة لجهاز النيابة العامة -دراسة في ضوء القانون 43.22 ومرسومه التطبيقي-

ذ\عادل الفيضا باحث في العلوم القانونية

قانون العقوبات البديلة والصلاحيات الجديدة لجهاز النيابة العامة – دراسة في ضوء القانون 43.22 والمرسوم التطبيقي رقم 2.25.386-


المقدمة:

   تعتبر النيابة العامة جهازا قضائيا يجسد ويمثل الحق العام المجتمعي، فهي ليست خصما في الدعوى العمومية وفقط، وإنما هي خصم شريف ذو طبيعة مؤسساتية، يهدف الى تعزيز الثقة في منظومة ومسار العدالة الجنائية.

  و معلوم ان ما تقدم أعلاه، يشكل إحدى الوظائف الكلاسيكية التقليدية للنيابة العامة، لكن الملاحظ أنه  منذ صدور قانون المسطرة الجنائية الأخير سنة 2002، أصبحت النيابات العامة بالمغرب تقوم بأدوار توصف بالحديثة و الرائدة بالمقارنة مع دول كانت في السابق ينظر اليها انها الحاملة لمشعل العدالة الجنائية، و يظهر ذلك من خلال منح النيابة العامة صلاحيات جديدة تعزز طابعاها القضائي و تساهم من خلالها في حسم قضايا الكم، التي لا تحدث أي اضطراب في المجتمع و لكنها بالمقابل تروج في المحاكم لجلسات تطول اطوارها، و هنا اقصد من الصلاحيات الدور الاقتراحي لمؤسسة النيابة العامة في كل من السند التنفيذي للمخالفات و الامر القضائي في الجنح، بالإضافة الى اشرافها على مسطرة الصلح الجنائي و تكريسها مفهوم العدالة التصالحية في المادة الجنائية.

   وان كانت النيابة العامة قد حققت نتائج جد متميزة في تفعيل ادوارها وصلاحياتها الجديدة السابق ذكرها، بالرغم من بعض المعيقات، الا ان النقاش تمحور في السنوات الأخيرة حول موضوع تضخم عدد الساكنة السجنية بالمغرب وما خلقه هذا الأخير من تداعيات وآثار سلبية ارخت بظلالها على عدة مستويات، سيتم التفصيل في بعضها.

   ومن المؤكد أن معضلة ارتفاع عدد النزلاء بالمؤسسات السجنية تطرح تساؤلات عميقة حول أسباب هذه الظاهرة الغير مسبوقة، لكن الواضح ان هناك مجموعة من المسببات، بعضها عادي ومنطقي، كتزايد عدد سكان المغرب مواطنين وأجانب، وتطور اساليب الجريمة وامتدادها الى الفضاء الرقمي، غير ان هناك أسباب أخرى اجتماعية واقتصادية وقانونية، تتطلب معالجة فورية للحد من هذه الظاهرة.

   ما يهمنا في هذا السياق، هو المقاربة القانونية الزجرية او ما يصطلح عليها بسياسة التجريم والعقاب، التي كانت ترى في السابق ان العقوبة السالبة للحرية وسيلة للردع بنوعيه، وتنظر في المؤسسة السجنية على انها مرفق للإصلاح والتهذيب وإعادة الادماج، غير انه وإن كانت الفكرة الأخيرة صحيحة ولازالت قائمة، إلا أن الفكرة الأولى أصبحت محل نظر خاصة في التعامل مع الفئة التي ترتكب جرائم قليلة الخطورة ولأول مرة، حيث اثبت الواقع عودها للجريمة، رغم الحكم عليها بعقوبة سالبة للحرية (قصيرة المدة)،ومرورها بالمؤسسة السجنية.

   وفي ظل هذا الواقع، كان على المشرع معالجة الوضع وتغيير المقاربة العقابية القائمة، بمقاربة أخرى، وان كانت عقابية الا انها بمفهوم مغاير وواعد، يساير توجه المنتظم الدولي نحو اصلاح وتحديث آليات السياسة العقابية والسجنية، وبالتالي الحد من تصاعد عدد النزلاء بالمؤسسات السجنية نها نتاج  انلامم.

  وفي هذا المقام لابد من التذكير ان العقوبات البديلة نظام اخذت به اغلب التشريعات على المستوى الدولي، وحتى تلك التي يتميز نظامها العقابي بالقسوة كدول اوروبا الشرقية حيث تتبنى نظام العقوبات السالبة للحرية من اجل ابسط الجرائم[1].

   ومما لا شك في ان قانون 43.22المنظم للعقوبات البديلة الذي صدر بتاريخ 24 يوليوز 2024 ونشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 22 غشت 2024، اتى في سياق إصلاحي الهدف منه تغيير بعض المفاهيم السابقة للسياسة الجنائية، وقد منح المشرع من خلاله صلاحيات ومهام جديدة للنيابة العامة تعزز ادوارها القضائية النبيلة وتضاف الى الصلاحيات الأخرى التي جاء بها قانون المسطرة الجنائية لسنة 2002.

   وعليه سوف نحاول معالجة الموضوع من خلال طرحنا الإشكالية الرئيسية التالية:

كيف يمكن للنيابة العامة من خلال صلاحياتها الجديدة، تفعيل مضامين قانون العقوبات البديلة؟

 ما هي العقوبات البديلة؟ وما هي شروط تفعيلها؟ والصلاحيات الجديدة التي منحها القانون 43.22 لجهاز للنيابة العامة؟

للإجابة عن الإشكالية الرئيسية وكافة التساؤلات الفرعية سوف نعمل على تقسيم الموضوع الى مطلبين:

المطلب الاول: ماهية العقوبات البديلة

   إن قانون العقوبات البديلة يشكل طفرة نوعية في منظومة العدالة الجنائية، ودخوله سوف يغير مفاهيم كلاسيكية راسخة في مجموعة من القوانين ذات الصلة، كالقانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية والقوانين المرتبطة بالمنظومة السجنية، لذلك لابد في البداية من تعريف العقوبة البديلة، وشروط تفعيلها، مع الإشارة الى السياق الدولي والوطني الذي أتت فيه.

الفقرة الاولى: مفهوم العقوبة البديلة

   نصت الفقرة الأولى ضمن الفصل 14 من مجموعة القانون الجنائي المغربي، على ما يلي: “تكون العقوبات، إما اصلية أو بديلة أو إضافية”.

   وان كانت العقوبات الاصلية والإضافية معلومة واحكامها معروفة، فانه من اللازم تعريف العقوبات البديلة وبيان شروطها وأنواعها.

أولا: تعريف العقوبات البديلة وبيان شروطها وأنواعها

  1. تعريف العقوبات البديلة

البدائل في مجال العقوبات والمساطر الجنائية هي وضع لحلول مسطرية وعقابية بديلة للمساطر والعقوبات التقليدية[2]، وعرف المشرع المغربي العقوبة البديلة، بأنها تلك العقوبة التي يحكم بها بديلا عن العقوبات السالبة للحرية[3].

   وفي هذا المقام لابد من الإشارة، ان مفهوم العقوبة البديلة يختلف اختلافا جوهريا عن مفهوم آخر مشابه، و هو مفهوم بدائل الدعوى العمومية، فالعقوبات البديلة كما هو معلوم تدخل ضمن أصناف العقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي بعد تعديله، اي الى جانب العقوبات الاصلية و العقوبات الإضافية، بينما بدائل الدعوى العمومية، هو مفهوم يتسع ليشمل الصلح الجنائي و السند التنفيذي في المخالفات وكذلك الامر القضائي في الجنح بالإضافة الى التماس إيقاف سير الدعوى العمومية، وهنا لابد من الإشارة ان عبارة بدائل العقوبات السالبة للحرية، لها معنى أعم من المفهومين السابقين، حيث يتسع لتشمل كلا من العقوبات البديلة و بدائل الدعوى العمومي، مادام انه يمكن تفعيل الصلح الزجري في الجنح الضبطية التي يعاقب عليها المشرع بعقوبات حبسية قصيرة المدة ونفس الأمر بالنسبة لالتماس إيقاف سير الدعوى العمومية، وربما في هذا التفصيل ضرورة لرفع اللبس و الاختلاط، بين المفاهيم السابقة المختلفة من حيث الدلالة و المعنى.

  1. أنواع العقوبات البديلة:

بالرجوع لمقتضيات المادة 2-35 من مجموعة القانون الجنائي، نجدها تحصر لنا مجموعة من العقوبات البديلة عن العقوبات الحبسية السالبة للحرية وهي التالي:

– الخدمة لأجل المنفعة العامة

  هي عقوبة بديلة عن العقوبات السالبة للحرية، يمكن للمحكمة أن تحكم بها عند النظر في الدعوى العمومية المعروضة امامها، كما يمكن للسيد قاضي تطبيق العقوبات ان يستبدل بها العقوبة الحبسية السالبة للحرية الصادرة بموجب حكم سابق حائز لقوة الشيء المقضي به، وهي تفيد الزام المحكوم عليه البالغ من العمر عمس عشرة (15) سنة على الأقل، القيام بعمل ذو منفعة  بدون اجر لمدة تتراوح بين 40 الى 3600 ساعة لفائدة مصالح الدولة أو الجماعات الترابية أو المؤسسات العمومية أو المؤسسات الخيرية أو دور العبادة أو غيرها من المؤسسات ذات الطبيعة الاجتماعية النفعية العامة[4].

  وتحدد مدة العمل لليوم الواحد، في ثلاث ساعات يجب ان يستغرقها المحكوم عليه داخل المؤسسة المحددة في نص الحكم مع مراعاة الحدين الأدنى والأقصى للعدد الساعات المحددة قانونا.

   وقد يثار التساؤل عن عدم الانسجام بين المدة العقوبة الحبسية المحددة في خمس سنوات، وبين الحد الأقصى لعدد الساعات الممكن الحكم بها والمحددة في 3600 ساعة، لنقول انه لا يجود أي تناقض في الموضوع خاصة إذا علمنا باستثناء يومي السبت والاحد من إلزامية العمل لأجل المنفعة العامة، وللتوضيح نطرح العملية الحسابية التالية:

3 ساعات في اليوم الواحد × خمس 5 أيام في الأسبوع = خمس عشرة 15 ساعة؛

خمس عشرة 15 ساعة × أربع 4 أسابيع = 60 ساعة في الشهر؛

ستون 60 ساعة في الشهر × اثنا عشرة 12 شهرا = 720 سبع مائة وعشرون ساعة في السنة؛

سبع مائة وعشرون 720 ساعة في السنة × 5 سنوات = ثلاثة الاف وست مائة 3600 ساعة التي يساوي الحد الأقصى لعدد ساعات الخدمة لأجل المنفعة العامة الممكن الحكمة بها.

ومعلوم أيضا ان القاضي الجنائي عند اختياره لهذه العقوبة البديلة يجب ان يراعي سن المحكوم عليه وقدرته الجسدية ومؤهلاته المهنية أو حرفته حتى لا تأثير العقوبة على مساره وحياته الاسرية ووضعه الصحي …

  ولعل هذه العقوبة سوف تجد اعمالها في جرائم مثل اهمال الاسرة وجرائم الشيك التي كانت من اهم العوامل الرئيسة في ارتفاع معدلات الاعتقال.

-الغرامة اليومية

هي العقوبة البديلة ذات الطبيعة المالية التي يحكم بها لفائدة خزينة الدولة، وتؤدى بالعملة المتداولة قانونا بالمملكة وهنا نعني الدهم المغربي ويدخل في حكمها الأورو والدولار ، وقد حدد المشرع مبلغا الأدنى في 100 مائة درهم والأقصى في 2000 الفي درهم عن كل يوم من العوبة الحبسية النافدة المحكوم بها.

ونشير هنا انه للحكم بعقوبة الغرامة اليومية لابد من وجود ضحية او متضرر، قدم تنازله كتابة او شفويا اثناء المحاكمة، تحت طائلة عدم تنفيذ العقوبة مدام المشرع حدد لها شرطا أساسيا لا غنى عنه.

   كما انه لا بد للقاضي عن الحكم بالغرامة اليومية مراعاة الوضعية المادية للمتهم، إذ من غير المتصور المحكوم بعقوبة الغرامة اليومية في جرائم مثل اهمال الاسرة وجرائم الشيك ولو قدم تنازل في الملف، لكون المتهمين في مثل هذه الجرائم اغلبهم لديهم مشاكل مالية واقتصادية هي السبب الرئيسي في مثولهم امام القضاء، فلو ان مرتكب جريمة الإمساك عمدا عن أداء النفقة المحكوم بها قادر على أداء مبلغ الغرامة اليومية، لما امتنع عن أداء مبلغ النفقة.

مقال قد يهمك :   صالح أزحاف : مسطرة نزع الملكية وسؤال البعد الإنساني

وفي هذا الإطار نطرح السؤال التالي: هل تنازل الضحية في جريمة الخيانة الزوجة لفائدة الزوج او الزوجة دون المشارك، يخول للقاضي الجنحي ان يحكم بالغرامة اليومية، ام ان تنازل الضحية لفائدة الزوج الاخر لا يؤثر ليشمل المشارك في جريمة الخيانة الزوجية؟ ونترك الإجابة الى العمل والاجتهاد القضائيين.

– تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية وقائية

ولو ان هذه العقوبة هي واحدة لكن صورها متعددة حيث تشمل ما يلي:

  • مزاولة المحكوم عليه نشاطا مهنيا محددا او تتبع دراسة أو تأهيلا مهنيا محددا؛
  • التعهد بعدم التعرض أو الاتصال بالأشخاص ضحايا الجريمة بأي وسيلة كانت؛
  • خضوع المحكوم عليه لعلاج نفسي أو علاج ضد الإدمان؛
  • تعويض المتضرر او الضحية أو اصلاح الاضرار الناتجة عن عمله الاجرامي؛

-السوار الإلكتروني

   من خلال هذه العقوبة البديلة يتم مراقبة تحركات وتنقلات المحكوم عليه بطريقة ذكية ورقمية، عبر الاليات المعلوماتية الإلكترونية التي تتوفر عليها الإدارة المكلفة بالسجون، ومن أبرزها السوار الإلكتروني الذي يوضع على معصم اليد او أرجل المحكوم عليه، وهو الشكل المتحرك والنظام المتنقل من أنظمة المراقبة الإلكترونية  المزود بنظام GPS حيث يمكن للمحكوم عليه ان يواصل حياته وحريته في التنقل بشكل طبيعي مدام محترما للبقعة الجغرافية المحدد، وهناك نظام آخر للمراقبة الكترونية، وهو النظام الثابت الذي يتم وضعه بمنزل المحكوم عليه او في أي مكان يقيم فيه او يتردد عليه تحدده المحكمة ضمن مقررها القضائي، إذ يكون المحكوم عليه ملزما بالتواجد في المكان المشمول بالمراقبة الإلكترونية في الأوقات المحددة[5].

  1. شروط الاستفادة من نظام العقوبات البديلة

سوف يتم تحديد شروط الاستفادة من نظام العقوبات البديلة من خلال التقسيم التالي:

أ- الشروط المرتبطة بصنف الجريمة

    فيما يخص صنف الجريمة، استثنى المشرع المغربي من خلال قانون العقوبات البديلة إمكانية استفادة مرتكبي بعض الجرائم من مزية العقوبة البديلة، وهذه الجرائم كتالي:

  • جرائم امن الدولة والإرهاب: إن كانت هذه الجرائم تدخل ضمن زمرة الجنايات، الا انها قد تتخلل المقتضيات المنظمة لها أفعال جنحيه؛
  • الإتجار الدولي في المخدرات: حيث تكون هناك المطالب المدنية لإدارة الجمارك في اغلب الأحيان لمخالفة المتهمين مقتضيات مدونة الجمارك والضرائب الغير مباشرة؛
  • الإتجار في المؤثرات العقلية؛

   نشير هنا ان القانون المغربي لا يفرق بين المخدرات والمؤثرات العقلية ضمن قوانينه الداخلية، لذلك من الممكن جدا إثارة مثل هذه الدفوع للاستفادة من العقوبة البديلة، في جرائم يكون فيه المتهم لا يروج المخدرات و انما المؤثرات العقلية، ـلكن وإن غابت التفرقة في القانون المغربي، فإن المملكة منخرطة في مجموعة من الاتفاقيات التي تمييز بينهما لعل أهمها، الاتفاقية المتعلقة بالعقاقير المنشطة للذهن المبرمة في فيينا بتاريخ 21فبراير 1971، التي عرفت المؤثرات العقلية في المادة الأولى منها على انها “كل المواد سواء أكانت طبيعية أو تركيبية وكل المنتجات الطبيعية المدرجة في الجدول الأول أو الثاني أو الثالث أو الرابع.”[6]  ايضا هناك اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية الموقعة بفيينا في 20 ديسمبر 1988، التي حددت المقصود بكل من المخدر والمؤثرات العقلية، في مادتها الاولى[7].

   ويبقى السؤال حول الاتجار الدولي في الأقراص المهلوسة والمواد المعتبر مؤثرات عقلية، حسب الاتفاقيات الدولية السالف ذكرها، إذ ما أخد بعين الاعتبار التفرق بين المخدرات والمؤثرات العقلية، إذ من الممكن جدا القيام بترويج المؤثرات العقلية على الصعيد الدولي عن طريق نقلها من مكان الى اخر.

  وفي نظرنا، يبقى كل مؤثر عقلي هو مخدر، لكن ليس كل مخدر مؤثر عقلي إذ ان مفهوم المخدرات اعم واشمل من المؤثرات العقلية التي تعتبر مخدرات كثيرة الخطورة على مستهلكها والمجتمع ككل ومثلها الأقراص المهلوسة ومادة الكوكيين.

  • الجرائم العسكرية؛

نشير أيضا، أن الجرائم العسكرية لا يمكن لمرتكبها الاستفادة من العقوبة البديلة، إلا إذا ارتكب العسكري جرائم متعلق ومرتبطة بالحق العام، إذ من الضروري هنا من التفكير في الطريقة التي سينفذ بها العسكري العقوبة البديلة، لان طبيعة الخدمة تفرض احاطتهم بتدابير تراعي خصوصية رجال الخدمة العسكرية، كالتفكير في تنفيذ العمل لأجل المنفعة العامة داخل الثكنات العسكرية دون غيرها من الأماكن.

  • الاختلاس او الغدر او الرشوة او استغلال النفوذ او تبديد الأموال العمومية؛
  • غسل الأموال؛
  • الاتجار في الأعضاء البشرية؛
  • الاستغلال الجنسي للقاصرين او الأشخاص في وضعية إعاقة.

   وهنا جاء مصطلح الاستغلال الجنسي ومرتبطا بفئتين اثنتين هما القاصرين والأشخاص في وضعية إعاقة، حيث يمكن ان نكون اما جنحة التغرير بقاصر او جنحة التحريض على الدعارة وفقا للفصل 497 من مجموعة القانون الجنائي، او هتك العرض طبقا للفصل 484 من مجموعة القانون الجنائي او انتاج او عرض مواد اباحية سواء في الانترنت او غيرها من الوسائط والدعائم الإلكترونية كما تم التنصيص عليها وعلى في الفصلين 1-448 و448-4 من مجموعة القانون الجنائي.

ب- الشروط المرتبطة بطبيعة العقوبة ومدتها

من المعلوم انه للاستفادة من العقوبة البديلة، يجب ان يقضي الحكم، بعقوبة اصلية سالبة للحرية لا تتجاوز مدتها 5 سنوات نافدة، بمعنى أخرى العبرة ليست بالعقوبة المنصوص عليها في المسطرة في النص التشريعي، وإنما بالعقوبة التي أصدرها القاضي الجنائي بعد عملية التفريد التي يقوم بها، كما نشير ان العقوبات البديلة غير موجها للمخالفات[8] وللجنايات، وكذلك الحالات التي يعطي فيها القاضي عقوبة موقوفة التنفيذ، لأنها تتنافى وغاية المشرع من اصدار قانون للعقوبات البديلة.

  ومن المعلوم أيضا، ان تنفيذ العقوبات البديلة لا يحول دون تنفيذ العقوبات الإضافية والتدابير الوقائية، إذا سطرها منطوق الحكم القاضي بالعقوبة البديلة.

   كما ان تقادم العقوبة الاصلية لا يبدأ الا من تاريخ بالإخلال الالتزامات التي يفرضها الحكم، للاستفادة من ميزة العقوبة البديلة، فمثلا إذا حكم على عمر بعقوبة اصلية، واستفادة من عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة، وبعد مرور سنتين عن صدور الحكم النهائي، أخل بالتزامه ولم يعد يقوم بالإشغال ذات المنفعة العامة المحددة، فان امدة تقادم العقوبة الاصلية لا يبدا الا من تاريخ اخلال المحكوم عليه بالالتزامات التي نص عليه الحكم، حيث عامله المشرع بنقيض قصده.

ت‌. انعدام حالة العود

   معلوم ان المتهم يكون في حالة العود، عندما يرتكب جريمة بعد ان حكم عليه بحكم حائز لقوة الشيء المحكوم به من أجل جريمة سابقة، ويشترط لوجود حالة العود في الجنح ان تكون الجريمة المرتكبة والجريمة السابقة متماثلان، بمفهوم الفصلان 157 و158 من مجموعة القانون الجنائي، بمعنى انه ولو سبق ان حكم على المتهم من اجل جناية معينة           وارتكب جنحة بعد تنفيذ العقوبة السجنية، قد يستفيد من عقوبة بديلة أو أكثر لعدم وجود التماثل بين الجرائم المرتكبة. 

   وغني عن البيان، أن إثبات حالة العود أمر موكول لقضاة النيابة العامة الذين يجب عليهم الإشارة الى وجودها ضمن صك المتابعة وإرفاق الملف بالبطاقة رقم 2 من السجل العدلي، مالم تمضي على تنفيذ العقوبة مدة رد الاعتبار القانوني المحددة في 5 سنوات من تاريخ تنفيذ العقوبة الحبسية المحكوم بها.

  كما لقضاة للنيابة العامة في الجلسة وقبل البت في الملف، ان يطلبوا مهلة من هيئة الحكم من اجل التأكد من وجود او عدم وجود حالة العود.

الفقرة الثانية: أسباب اعتماد نظام للعقوبات البديلة بالمغرب

   هناك أسباب رئيسية ساهمت في صدور قانون العقوبات البديلة، أولها التوجه الدولي العام ومفهوم السياسة العقابية المعاصرة، وثانيها السياق الوطني الذي كان على المشرع التفاعل معه، وأخيرا الإشكاليات الواقعية المرتبطة أساسا بالتداعيات السلبية التي تخلفها العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة.

أ- الملاءمة مع الاتفاقيات والتوجهات الدولية

  1. مؤتمرات الأمم المتحدة للوقاية من الجرمية والعدالة الجنائية، ولا سيما المؤتمر الرابع عرش المنعقد بطوكيو باليابــــان ما بين 07 و12 مارس 2021.

حيث اوصت بضرورة توسيع نطاق العمل بالعقوبات البديلة للتخفيف من الاكتظاظ السجني.

  1. مبادئ الأمم المتحدة؛

 اخدت الأمم المتحدة بمجموعة من القواعد والأسس ذات الصبغة التوجيهية، والتي يمكن اعتبارها مرجعا يؤسس لمفهوم العقوبات البديلة، ومن اهم هذه الأسس نجد:

  • قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لإدارة شؤون قضاء الاحداث

حيث جاء في القاعدة رقم 13-2 انه “يستعاض عن الاحتجاز رهن المحاكمة، حيثما أمكن ذلك، بإجراءات بديلة، مثل المراقبة عن كثب، الرعاية المركزة أو الالحاق بأسرة أو بإحدى مؤسسات أو دور التربية”.

  • قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا للتدابير غير الإحتجازية

حيث نصت القاعدة الخامسة على ما يلي: “ينبغي عن الاقتضاء، بما لا يتعارض مع النظام القانوني، تخويل الشرطة أو النيابة العامة أو غيرهما من الأجهزة المعنية بمعالجة القضايا الجنائية سلطة إسقاط الدعوى المقامة على الجاني متى رأت أن السير فيها غير ضروري لحماية المجتمع أو منع الجريمة أو تعزير احترام القانون وحقوق المجني عليهم … وفي القضايا البسيطة يجوز لوكيل الملك أن يفرض تدابير غير احتجازية حسب الاقتضاء”.

  • إعلان واكادوكو من أجل التسريع بالإصلاح الجنائي والسجني بإفريقيا؛
  • لقرار رقم 25/2013 المصادق عليه من طرف المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة بتاريخ 25 يوليوز 2013 حول القواعد الدنيا النموذجية معاملة السجناء؛
  • مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجرمية ودليله حول المبادئ الأساسية؛ والممارسات الواعدة في مجال بدائل العقوبات السالبة للحرية؛
مقال قد يهمك :   أطروحة جامعية : التدبير المالي العمومي بالمغرب ومتطلبات الحكامة المالية

ب- السياق الوطني

   صدر قانون العقوبات البديلة وكذلك مرسومه التطبيقي، استجابة وتنفيذا للتوجهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، التي عبر عليها في العديد من الخطابات الملكية السامية، وأيضا انسجاما مع التوصيات التي جاء بها ميثاق اصلاح منظومة العدالة بالإضافة الى دور التوصيات والآراء الصادرة المجلس الوطني لحقوق الانسان.

  1. الخطابات الملكية:

  موضوع العقوبات البديلة بالمغرب، من المواضيع التي تندرج في إطار التحولات الاقتصادية       والاجتماعية والمؤسساتية التي تعيشها المملكة، لكن رغم ذلك فإن مرجعيته والحديث عنه وطنيا، كان في بداية الالفية الثانية، وبالضبط عندما القى جلالة الملك محمد السادس خطابا ملكيا ساميا بمناسبة عيد العرش لسنة 2008 دعت من خلاله لحوار واسع لبلورة مخطط مضبوط يروم الإصلاح العميق للقضاء.

 وكذلك الخطاب السامي الذي وجهه جلالة الملك إلى الأمة بمناسبة الذكرى ال السادسة والخمسون لثورة الملك والشعب المؤرخ في العشرين من غشت سنة 2009.

حيث دعا جلالته الى ” نهج سياسة جنائية جديدة، تقوم على مراجعة وملاءمة القانون والمسطرة الجنائية، ومواكبتهما للتطورات، بإحداث مرصد وطني للإجرام، وذلك في تناسق مع مواصلة تأهيل المؤسسات الإصلاحية والسجنية…”

وبموازاة ذلك، دعا جلالته الى ” تطوير الطرق القضائية البديلة، كالوساطة والتحكيم والصلح، والأخذ بالعقوبات البديلة… “.

  ونشير هنا انه بعد صدور دستور 2011 قام جلالة الملك بإحداث الهيئة العليا للحوار الوطني حول اصلاح منظومة العدالة، وفي حفل تنصيب أعضاءها وضع جلالته الخطوط العريضة التي يجب على اللجنة العمل عليها، والتي من بينها اصلاح النظام العقابي والسياسة الجنائية بما يتماشى ومتطلبات التنمية والاستثمار وضمان حقوق الانسان.

  1. ميثاق اصلاح منظومة العدالة:

    أشار ميثاق اصلاح منظومة العدالة ضمن التوصية رقم 69 منه الى ضرورة إقرار بدائل العقوبات السالبة للحرية، في سياق ارساء سياسة عقابية ناجعة، كما أكد الميثاق على وجوب وضع نظام يساهم في الحد من حالات العود للإجرام، تشارك فيه جميع القطاعات الحكومية المعنية ضمن حدود اختصاصاتها، وذلك بمناسبة التوصية رقم 75 من الميثاق.

  1. توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان

أكد المجلس الوطني لحقوق الانسان في غير ما مرة الى ضرورة اعتماد تدابير وآليات بديلة عن الاعتقال الاحتياطي والعقوبات السجنية السالبة للحرية، لدور ذلك في ضمان الحقوق الانسان والحريات، خاصة في ظل المفرزات السلبية لظاهرة الاكتظاظ السجني.

ج-إشكاليات واقعية

هناك مجموعة من المشاكل الواقعية التي فرضت نفسها بقوة وعجلت بصدور قانون العقوبات البديلة ولعل أبرزها ما يلي:

  1. تضخم عدد الساكنة السجنية وارتفاع حالات العود

 حسب اخر المعطيات فإن المؤسسات السجنية بالمغرب عددها سبعة وسبعون مؤسسة، ومع ذلك فهي تبقى غير قادرة على استيعاب المعتقلين والمحكوم عليهم بأحكام نهائية، ويمكن توضيح ذلك من خلال طرح الأرقام والمعطيات التالية:

إذ بلغ عدد النزلاء مائة ألف سجين إلى غاية أكتوبر من سنة 2023 وفق بيانات المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، في وقت لا تتجاوز فيه الطاقة الاستيعابية للسجون أربعة وستون ألفا وست مائة سرير، ويمثل المحكومون ب بخمس سنوات نحو 25% من نزلاء المؤسسات السجنية، وفق ما أعلن عنه نواب برلمانيون خلال مناقشة القانون في لجنة العدل والتشريع، وهذه الأرقام والمعطيات قائمة رغم العفو الملكي الكريم الذي يشمل سنويا عدد كبيرا من السجناء، ورغم احداث عددا من المؤسسات السجنية.

وهذه المعطيات تعكس حجم الظاهرة، ولنا ان نتخيل مدى تأثير ذلك على ظروف اعتقال السجناء وضمان حقوقهم، وكذلك على حسن سير برامج الإصلاح والتأهيل، إذ ان فشل هذه الأخير، يوجهنا للحديث عن ارتفاع حالات العود، خاصة بالنسبة للمحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية قصيرة المدة.

  1. فشل برامج التأهيل والإدماج:

  قامت الدولة المغربية بمجهودات جبارة في سبيل تحسين وضعية السجناء، فمن بناء السجون الى الاهتمام بالوضعية المادية لإيواء المعتقلين وتحسين ظروف اقامتهم بما فيها العناية بتغذيتهم ووضعهم الصحي، مرورا بتطوير برامج التكوين والتعليم، وفتح المؤسسات السجنية في وجه المجتمع المدني، لكن رغم هذه المجهودات، فان هناك جانب مظلم خفي في هذه المعادلة يكمن في عدم قبول المجتمع وتقبله التعامل مع ذوي السوابق القضائية، حيث تعتبر بطاقة السوابق القضائية سببا لرفض المرشحين للوظائف العمومية، وكذلك الامر في القطاع الخاص، الامر الذي يجعل هذه الفئة معرضة للإبعاد الاجتماعي.

  1. ارتفاع تكلفة السجن

  مما لا شك فيه أن المؤسسات السجنية في اغلب دول العالم تستهلك أموالا كبيرة من الميزانية العامة، والتي كان من المفترض ان تستغل في مجالات منتجة ونافعة، حيث تخصص مالية السجون لبناء مرافقها وتسير مصالحها وضمان حقوق السجناء المتواجدين بها من تطبيب ومأكل … وبلغة الأرقام يخصص لكل سجين مبلغ 23 درهم لليوم الواحد بغض النظر عن مصاريف التنقيل ولمحاكمة والتطبيب والمساعدة القضائية … بينما يخصص للتلاميذ مبلغ 10 درهم لليوم الواحد.

المطلب الثاني: دور النيابة العامة في تفعيل مضامين قانون العقوبات البديلة

   تشير اللمحة الشكلية الدلالية على ورود مصطلح النيابة العامة في عديد المرات ضمن قانون 43.22 العقوبات البديلة، القاضي بنسخ وتتميم بعض مقتضيات كل من مجموعة القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية المغربيين، وهذا يبين مبدئيا، الأهمية التي منحها المشرع لجهاز النيابة العامة، كمؤسسة مستقلة قادرة على تفعيل مضامين النص التشريعي بما يتماشى ومعالم السياسة الجنائية الحديثة، ويسهر على حماية حقوق وحريات كافة الفئات المجتمعية، اما على مستوى المضمون، فالنيابة العامة لديها صلاحيات جديدة سواء اثناء مرحلة المحاكمة او بعدها.

الفقرة الاولى: خلال مرحلة المحاكمة

   في مرحلة المحاكمة يمكن للنيابة العامة من خلال القانون 43.22 أن تقدم ملتمسا تقترح من خلاله الحكم على المتهم بعقوبة بديلة عنن العقوبة السالبة للحرية او اكثر، اما بشكل مكتوب او شفوي ، و ان كانت الملتمسات الكتابية اكثر دقة فإنه لا ما نع يمنع ممثل النيابة العامة ان يلتمس شفويا تطبيق استبدال العقوبة الحبسية بعقوبة بديلة او اكثر مع ضرورة تعليل ملتمسه بمرافعة  يبين من خلالها توافر المتهم على الشروط المحددة للاستفادة من نظام العقوبات البديلة، و نشير هنا ان هذه الصلاحية ليست مطلقة و انما يجب ان يكون اعمالها منسجما مع وضعية المتهم من جهة ،   و ظروف و ملابسات القضية من جهة أخرى، بمعنى اخر انه و لو توفرت الشروط التي سبق الإشارة اليها في القانون للحكم بالعقوبة البديلة، و تبين للنيابة العامة ان المتهم يشكل تهديدا على المجتمع، فيمكن لها الامتناع عن  التماس الحكم عليه بالعقوبة البديلة، و هي غير مضطرة للتعليل ذلك مدامة فقط مكنة خولها لها المشرع ، إذ أن التعليل يكون واجبا عند تقديمها للملتمس الحكم بالعقوبة البديلة او الاعتراض ذلك.

نشير أيضا انه في حالة تقدم المتهم او مؤازره بملتمس استبدال العقوبة الحبسية بعقوبة بديلة، يمكن للنيابة العامة ان تلتمس من هيئة الحكم مهلة قصد اجراء بحث اجتماعي عن المتهم، الذي يمكن للمحكمة ان تعتمد عليه في تكوين قناعتها بشأن استبدال العقوبة الحبسية بأخرى بديلة ام لا.

 كما ان النيابة العامة لا يمكنها ان تعترض على التماس المتهم او دفاعه الحكم بالعقوبة البديلة، الا في حالات خاصة وهي:

  • طبيعة الجريمة: وتحديد طبيعة الجرائم التي يمكن للنيابة العامة ان تعترض بخصوصها على تطبيق العقوبة البديلة يرتبط أساسا بمفهوم السياسة الجنائية بالإضافة الى ظروفها وملابسات.
  • خطورة الفعل: نقصد هنا الفعل المرتكب من قبل المتهم وليس خطورة هذا الأخير التي تحدد من خلال ارتكابه حالات العود.
  • عند انعدم شرط من شروط الاستفادة منها.

الفقرة الثانية: دور النيابة العامة في مرحلة ما بعد المحاكمة

    تلعب النيابة العامة أدوارا مهمة في مرحلة ما بعد المحاكمة، وذلك في سبيل التنزيل الأمثل للقانون الجديد، وضمان التنفيذ السليم للعقوبات البديلة وما تتضمنه المقررات القضائية الصادرة بشأنها.

أولا: عدم الطعن والموافقة

   من المعلوم ان المشرع من خلال قانون العقوبات البديلة، نص على إمكانية موافقة النيابة العامة على تنفيذ العقوبة البديلة او الاعتراض على تنفيذها، قبل مرور أجل الطعن، كما منح للنيابة العامة حق الطعن في الحكم بالكيفية المشار اليها أعلاه، و يطرح التساؤل ما الجدوى من موافقة النيابة العامة، إذ ان عدم الطعن بمثابة موافقة ضمنية على الحكم الصادر، لكن المشرع في وجهة نظرنا كان ذكيا لان ألية الموافقة، تعطي للحكم الفورية في التنفيذ قبل مرور اجل الطعن بالاستئناف، و من جهة أخرى في حالة عدم الموافقة و عدم الطعن، ينفذ الحكم مالم يطعن المتهم، وسنوضح هذه المسائل من خلال  الحالات التالية :

مقال قد يهمك :   تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي: النظام الضريبي دعامة للنموذج التنموي الجديد

الحالة الأولى: إذا لم تطعن النيابة العامة ووافقت على تنفيذي المقرر القاضي بالعقوبة البديلة وطعن المتهم، هل ينفذ الحكم القاضي بالعقوبة البديلة؟، هنا بناء على الاشغال التحضيرية لهذا القانون فغاية المشرع كانت في تنفيذ العقوبة بمجرد عدم الطعن والموافقة من قبل النيابة العامة ولو طعن المتهم في الحكم الابتدائي القاضي بالعقوبة البديلة، بل وقبل انتهاء اجل الطعن.

الحالة الثانية: عدم موافقة النيابة العامة وعدم طعنها في الحكم القاضي بالعقوبة البديلة، هنا الحكم الابتدائي ينفذ، بشرط عدم طعن المتهم في الحكم القاضي بالعقوبة البديلة.

ثانيا: إحالة المقرر القضائي الى السيد قاضي تطبيق العقوبات

وفقا للمادة 647-2 من قانون المسطرة الجنائية، ” تقوم النيابة العامة بإحالة المقرر المضمن للعقوبات البديلة بعد اكتسابه لقوة الشيء المقضي به الى قاضي تطبيق العقوبات الذي يصدر مقررا تنفيذيا بذلك”.

  ويمكن ان تتم هذه الإحالة الى السيد قاضي تطبيق العقوبات قبل صيرورة الحكم حائزا لقوة الشيء المقضي به، إذا ما وافقت النيابة العامة على الحكم القاضي بالعقوبة البديلة ولم تمارس حقها في الطعن.

ثانيا: التماس تغيير العقوبة وإثارة التنفيذ الأصلي عند الاخلال

   سواء حكم على الشخص بعقوبة حبسية نافدة او حكم عليه بعقوبة حبسية نافدة وقررت المحكمة استبدالها بعقوبة بديلة او أكثر، يمكن للنيابة العامة تلقائيا ان تقدم ملتمسا مكتوبا    ومعللا، الى السيد قاضي تطبيق العقوبات من اجل تغيير العقوبة المقررة، حساب طبيعة وظروف كل قضية على حدة وذلك باستبدالها بعقوبة بديلة او أكثر، أو المطالبة بتنفيذ العقوبة الحبسية الاصلية عند اخلال المحكوم عليه بإحدى الالتزامات المفروضة عليه حسب طبيعة ونوع كل عقوبة بديلة.

ثالثا: مراقبة السجلات الممسوكة لدى إدارة السجون

بناء على المادة 18 من المرسوم التطبيقي لقانون العقوبات البديلة، فإن السجلات الممسوكة لدى المصلحة المختصة محليا بكل مؤسسة سجنية، تخضع لمراقبة وكيل الملك الى جانب قاضي تنفيذ العقوبات، والإدارة المكلفة بالسجون.

ويمكن مبدئيا تحديد السجلات المشمولة بالمراقبة في التالي:

  • سجل العقوبات البديلة؛
  • سجل تغيير العقوبة الحبسية بعقوبة بديلة؛
  • سجل العمل لأجل المنفعة العامة؛
  • سجل الغرامة اليومية؛
  • سجل المحكوم عليهم برقابة تلزمهم بالتقدم الى المؤسسة السجنية؛
  • سجل المراقبة الإلكترونية؛
  • سجل عقوبة تقييد بعض الحقوق وفرض تدابير رقابية او علاجية أو تأهيلية.

  ونشير هنا ان هذه السجلات ليست على سبيل الحصر، وانما أتاح ذات المرسوم إمكانية إضافة سجلات أخرى كلما دعت الحاجة ذلك، كما انيطت مهمة تحديد بيانات ونماذج السجلات الى الإدارة المكلفة بالسجون باستثناء سجل العقوبة البديلة، حيث تكلف المشرع في المادة 12 منه بضبطه وتحديد بياناته الضرورية.

  وعموما فوكيل الملك يقوم بمهامه في هذا الشأن، من خلال مراقبته مدى احترام المصالح المحلية المكلفة بمسك السجلات للشروط والمعايير المحددة في المادة 19، حيث فرضت هذه الأخيرة، ضرورة الاعتناء بالسجلات والمحافظة عليها وحفظها حتى بعد انتهاء العمل بها، وذلك من خلال ما يلي:

  • المحافظة على سرية المعلومات المضمنة بها، وعدم اتاحتها الا لمن تستدعي مسؤوليتهم المهنية ذلك؛
  • عدم التشطيب او الكشط او المحو او البياض مع وضع عبارة “بل” بخط احمر عند كل خطأ في السجل؛
  • الكتابة بخط واضح وبلون موحد، مع استعمال أسلوب بسيط وسليم؛
  • عدم وضع السجلات في متناول العموم أو تكليفهم بملئها؛
  • التأكد من صحة جميع المعلومات قبل تدوينها؛

وإن كانت هذه المهمة ذات طابع رقابي صرفه، فان المرسوم اناط بالنيابة العامة أدوارا أخرى تدعم وتساعد من خلالها باقي الأجهزة، في سبيل التنزيل السليم للقانون ورفع كل الصعوبات التي تواجه تطبيقه.

خاتمة:

من خلال ما سبق يظهر ان للنيابة العامة أدوارا أساسية و محورية في تنفيذ مضامين قانون العقوبات البديلة، حيث تبدأ مهمة النيابة حتى قبل المحاكمة من خلال اثبات توفر او عدم توفر المتهم على الشروط، و الإشارة الى وجود حالة العود ضمن صك المتابعة و ارفاقه بالبطاقة رقم 2 من السجل العدلي مرورا بمرحلة المحاكمة التي يبرز من خلالها الدور الاقتراحي للنيابة العامة باستبدال العقوبة الحبسية بعقوبة بديلة او اكثر ، مع إمكانية الاعتراض على الحكم بالعقوبة البديلة حسب ظروف كل قضية،  كما رأينا انه بعد صدور الحكم بالعقوبة البديلة تناط مهام أخرى بجهاز النيابة العامة لضمان تنفيذ ما تضمنته المقررات القضائية  في اجال معقولة، سواء الصادرة عن المحكمة او قاضي تطبيق العقوبات .

وفي الأخير نشير الى بعض الملاحظات التي نتمنى ان تحاط بالمعالجة التشريعية والاستدراك وهي كالتالي: 

  • غياب معايير واضحة، يمكن للقاضي الجنائي ان يستنير بها لتحديد العقوبة البديلة الملاءمة، لشخص المتهم وطبيعة الفعل الجرمي، اذ ترك المشرع تحديد نوع العقوبة البديل للقاضي حسب سلطته التقديرية.
  • اعتبار حالة العود مبررا لرفض الاستفادة من العقوبة البديلة فيه اجحاف لبعض الفئات التي ارتكبت جنحا بسيطة مماثلة، إذ كيف يعقل لشخص ارتكب جناية تم ارتكب جنحة من الجنح، ان يستفيد من العقوبة البديلة لعدم وجوده في حالة عود، بينما الفئات المشار اليها أعلاه لن تستفيد لتوافر شروط حالة العود.

لائحة المراجع :

–  ذ. عبد الجليل الفيداني، بدائل الدعوى العمومية وبدائل العقوبات السالبة للحرية، المجلد الأول ضمن الاعمال التحضيرية للمناظرة الوطنية حول السياسة الجنائية بالمغرب واقع وافاق التي نظمتها وزارة العدل بمكناس أيام 9 و10 و11 من دجنبر سنة 2004، الطبعة الثالثة، منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والقضائية، سلسلة الندوات والأيام الدراسية العدد 3، 2004 سنة.

–   الدليل الإسترشادي لقضاة النيابة العامة حول تنفيذ العقوبات البديلة، صادر عن رئاسة النيابة العامة، سنة 2025، ص 51 و52.

–      اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية الموقعة في فيينا بتاريخ 20 ديسمبر 1988، والتي صادق عليها المغرب ونشرت في الجريدة الرسمية بموجب الظهير الشريف رقم1.92.283، الصادرة في 15 من ذي القعدة 1422 الموافق لـ 29 يناير 2002.

   –   الاتفاقية المتعلقة بالعقاقير المنشطة للذهن للمبرمة في فيينا بتاريخ 21 فبراير 1971، التي صادق المغرب ونشرت في الجريدة الرسمية بموجب الظهير الشريف رقم 1.80.140 الصادر في 9 صفر 1401 الموافق لـ 17 دجنبر 1980.


[1] نص المشرع الفرنسي على العقوبات البديلة في الفصلين 131 و132 من القانون الجنائي الفرنسي، ونفس الامر نجده بالنسبة للتشريع الاسباني والإيطالي والبلجيكي والبريطاني والأمريكي، اما بالنسبة للدول العربية فالمشرع التونسي وضع منذ سنة 1999 نظام العقوبات البديلة المتمثل في العمل لفائدة المصلحة العامة، وقد عرفت هذه التجربة نجاحا واستحسانا كبيرا من داخل الوسط الحقوقي والجمعوي التونسي.

[2]  الأستاذ عبد الجليل الفيداني، بدائل الدعوى العمومية وبدائل العقوبات السالبة للحرية، المجلد الأول ضمن الاعمال التحضيرية للمناظرة الوطنية حول السياسة الجنائية بالمغرب واقع وافاق التي نظمتها وزارة العدل بمكناس أيام 9 و10 و11 من دجنبر سنة 2004، الطبعة الثالثة، منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والقضائية، سلسلة الندوات والأيام الدراسية العدد 3، 2004، ص 71.

[3]  ونشير ان هناك فريقان، الفريق الأولى غير متفق مع فكرة البدائل، ويطالب بالتخلي على هذا المصطلح بعلة ان العقوبة الحبسية هي المثلى،        و البدائل مجرد استثناء، إذ ان هذا الاتجاه لا يعتبر البدائل، عقوبات حقيقية، لكن الفريق الثاني يرى ان السجن ليس الحل الوحيد للعقاب و لا يجب للجوء اليه الا عند الضرورة القصوى، لكن يبقى الواقع هو الوحيد الذي يبين مدى نجاعة العقوبات البديلة في تحقيق الأهداف و الغايات التي رصدها المشرع، إذ ان اعتمادها محفوف بالمخاطر، والهواجس السلبية كثيرة، أهمها وعي المجتمع ككل و اقتناعه بالعقوبة البديلة وبصفة خاصة ضحايا الاجرام الجنحي، الذي يرون في العقوبة الحبسية النافدة، الوسيلة الوحيدة التي تشفي غليلهم، لكن تبقى العقوبة البديلة وتحدي لا بد منه لتحديث وعصرنة السياسة الجنائية وتطوريها لتنسجم مع توجهات المنتظم الدولي بهذا الشأن.

[4] الدليل الإسترشادي لقضاة النيابة العامة حول تنفيذ العقوبات البديلة، صادر عن رئاسة النيابة العامة، سنة 2025، ص 51 و52.

[5]   الدليل الإسترشادي لقضاة النيابة العامة حول تنفيذ العقوبات البديلة، صادر عن رئاسة النيابة العامة، سنة 2025، ص 52 و 53 و 54 .

[6]    الاتفاقية المتعلقة بالعقاقير المنشطة للذهن للمبرمة في فيينا بتاريخ 21 فبراير 1971، التي صادق المغرب ونشرت في الجريدة الرسمية بموجب الظهير الشريف رقم 1.80.140 الصادر في 9 صفر 1401 الموافق لـ 17 دجنبر 1980.

[7]    اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية الموقعة في فيينا بتاريخ 20 ديسمبر 1988، والتي صادق عليها المغرب ونشرت في الجريدة الرسمية بموجب الظهير الشريف رقم1.92.283، الصادرة في 15 من ذي القعدة 1422 الموافق لـ 29 يناير 2002.

[8]   الملاحظ هنا ان مشروع القانون الجنائي قد ألغى الاعتقال في المخالفات، وذلك بموجب المادة 18 حيث نصت على ما يلي: العقوبة الأصلية المتعلقة بالمخالفات هي الغرامة التي تقل عن 2000 درهم” لذلك فقانون العقوبات البديلة جاء منسجما مع مشروع القانون الجنائي.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]