مجلة مغرب القانونالقانون العامجمال أمقران : السياسات العمومية في مجال التربية والتكوين بالمغرب بين المقتضيات الدستورية والرؤية الإستراتيجية للإصلاح : رهان الحكامة نموذجا

جمال أمقران : السياسات العمومية في مجال التربية والتكوين بالمغرب بين المقتضيات الدستورية والرؤية الإستراتيجية للإصلاح : رهان الحكامة نموذجا

  • من إعداد : جمال أمقران باحث في القانون الإداري و تدبير التنمية و موظف إداري في وزارة التربية الوطنية.

مقدمة :

يكتسي موضوع التربية والتكوين ببلادنا أهمية بالغة ، وقد أضحى من القضايا الجوهرية في مشروع التنمية ، نظرا لمكانته المركزية داخل السياسات العمومية ، وتموضعه بخصوصيته داخل الحياة العمومية ، ويعتبر من بين الأسس التي تبنى عليها حضارة وثقافة وتقدم المجتمعات ،

فبناء هياكل الدولة يواكبه بالضرورة توسع في مجال التعليم والتربية ، ونهج سياسات عمومية في مجال التربية والتكوين لتحقيق تنمية بشرية والرقي بالفرد داخل المجتمع و توفير الكفاءات المختلفة .

و قد بوأت قضية التربية والتكوين مكانة متميزة لدى المشرع المغربي ولدى مختلف الفاعلين السياسيين والتربويين ، مما استلزم ضرورة تطوير منظومة التربية والتكوين والرفع من أدائها ومردوديتها عبر إحداث تغيير وإصلاح تربوي يستجيب لتطلعات المجتمع ، ويساير النموذج التنموي الذي يضع المدرسة العمومية في صلب المشروع المجتمعي ، وسعيا منه إلى إبراز الدورالمحوري للنظام التعليمي باعتباره منتجا للقيم والمؤسسة التربوية ، ومدخلا للتنمية البشرية ،سعى المشرع المغربي عبر المقتضيات الدستورية إلى إرساء حكامة ناجعة للتربية والتكوين ، انطلاقا من تطوير سياسة عمومية ، وبلورة سياسة ومخططات تستهدف النهوض بالمدرسة المغربية والإرتقاء بها ، كما بادر المجلس الأعلى للتربية والتكوين إلى وضع رؤية استراتيجية جديدة للإصلاح التربوي بغية استهداف حكامة جيدة في بعدها المتعلق بنجاعة التدبير وفي علاقتها بالمشاركة والشفافية وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة .

وتعرف الحكامة في مجال التربية و التكوين على أنها مجموع التدابير والإجراءات والقوانين وآليات الإعلام واتخاذ القراروالمراقبة التي توفر السير الجيد لمؤسسة أومنظمة بعينها أيا كان نوعها وطبيعتها، ولذلك فالحكامة هي أداة لضبط وتسيير التوجهات الإستراتيجية الكبرى بالمؤسسة التربوية ، كما يفيدمفهوم الحكامة كذلك التدبير الجيد والناجع  الذي تتوافر فيه النزاهة و العدالة و المساواة و الشفافية والمشاركة والمسؤولية مع المحاسبة المبنية على النتائج والتقييم الموضوعي ، وذلك في إطار دولة الحق والقانون.

يطرح موضوع السياسات العمومية في مجال التربية والتكوين بين المقتضيات الدستورية والرؤية الإستراتيجية للإصلاح : رهان حكامة نموذجا ، إشكالية رئيسية تتمحور حول تجليات الحكامة في الدستور المغربي والرؤية الإستراتيجية للإصلاح التي أسسها المجلس الأعلى للتربية والتكوين ، وتتفرع عن الإشكالية الرئيسية مجموعة من الأسئلة منهاماهي المبادئ والمعايير المؤسسة للحكامةفي قطاع التربيةوالتكوين؟و إلى أي حد استطاعت الحكامةالجيدة  الإرتقاءبمنظومة التربيةوالتكوين  والرفع من فعالية الإدارة وتحسين جودةخدماتها ؟.

سنحاول الإجابة عن الإشكالية التي يطرحها الموضوع من خلال المحاور التالية :

  • المطلب الأول : الحكامة التربوية بين المقتضيات الدستورية والرؤية الإستراتيجية للإصلاح
  • الفقرة الأولى : تكريس الحكامة التربوية من خلال الدستور
  • الفقرة الثانية : تكريس الحكامة التربوية من خلال الرؤية الإستراتيجية للإصلاح
  • المطلب الثاني : مقومات ومبادئ الحكامة في قطاع التربية والتكوين
  • الفقرة الأولى : تفعيل مقومات الحكامة
  • الفقرة الثانية :ترسيخ مبادئ الحكامة  في قطاع التربية والتكوين

المطلب الأول : الحكامة التربوية بين المقتضيات الدستورية والرؤية الإستراتيجية للإصلاح

أسست المقتضيات الدستورية ومضامين الرؤية الإستراتيجية للإصلاح (2015-2030) لحكامة من أجل الإرتقاء بالمدرسة المغربية وتطوير المنظومة التعليمية ، فالدستور المغربي لسنة 2011 أفرد بابا خاصا للحكامة الجيدة ( الفقرة الأولى )  وكانت المقتضيات الدستورية مرجعا بالنسبة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين لصياغة رؤية استراتيجية للإصلاح تتضمن رافعات للنهوض بالمدرسة المغربيةمن بينها الحكامة( الفقرة الثانية )

الفقرة الأولى : التأسيس الدستوري للحكامة التربوية وجودة التعليم

تبنى الدستور المغربي لسنة 2011 مجموعة من المقتضيات للنهوض بالحكامة الجيدة لحسن التدبيرو تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة بالمدرسة العمومية والارتقاء بها ، وقد بوء الدستور المغربي قضية التعليم مكانة متميزة باعتارها كمرفق عمومي يستهدف تحقيق المصلحة العامة وتطوير الفرد والمجتع وتحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية ، فجاءت هذه القواعد الدستورية بهدف ترسيخ حكامة المرفق العمومي وجعله في خدمة المواطن ،مكرسا بذلك مجموعة من الحقوق والحريات وضامنا لخدمات عمومية تستجيب لطومحات المواطنين العيش بكرامة [1].

وانسجاما مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص صراحة في المادة 26 على الإرتباط الوثيق بين الحق في التربية والتعليم و قضايا حقوق الإنسان ، ويشدد على جودة المشروع التربوي الذي يجب أن يهدف إلى إنماء شخصية الإنسان نماء متكاملا ، وإلى تعزيز احترام الإنسان والحريات الأساسية وتنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العنصرية والدينية [2]،عمل المشرع المغربي على ترسيخ حق التعليم للجميع  في دستور 2011  الذي يكفل هذا الحق  ويضمن ولوج المواطنين والمواطنات لتعليم حديث وميسر وذي جودة [3] ، وارتباطا بالحكامة الجيدة  فقد أفرد لها الدستور المغربي لسنة 2011 الباب الثاني عشر وهكذا فقد نصت الفقرة الثانية من الفصل 154 على أن  المرافق العمومية  تخضع لمعايير الجودة والشفافية والمسؤولية ، وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور[4]، و نص على أن أعوان المرافق العمومية يمارسون وظائفهم، وفقا لمبادئ احترام القانون والحياد والشفافية والنزاهة والمصلحة العامة. كما يشير الفصل 156 في الفقرة الثانية إلى أن المرافق العمومية تقدم الحساب عن تدبيرها للأموال العمومية ، طبقا للقوانين الجاري بها العمل ، وتخضع في هذا الشأن للمراقبة والتقييم ، ويتحدث الفصل 157 على أن يحدد ميثاقا للمرافق العمومية قواعد الحكامة الجيدة المتعلقة بتسيير الإدارات العمومية والجهات والجماعات الترابية والأجهزة العمومية [5] .

و قطاع التربية والتكوين من المرافق العمومية التي حضيت باهتمام دستوري ، والتي تستلزم تطوير أدائها عبرترسيخ حكامة جيدة  سواء على مستوى تأهيل الموارد البشرية أو تطوير نموذج بيداغوجي قوامه التنوع والانفتاح والنجاعة والنهوض بالبحث العلمي …الخ .

مقال قد يهمك :   مبشور عادل: الـــسياســة الــسكنية بـــــالمغرب

الفقرة الثانية : تكريس الحكامة التربوية من خلال الرؤية الإستراتيجية للإصلاح (2015 -2030)

تأسست الرؤية الإستراتيجيةللإصلاح على مجموعة من المرجعيات منها مرجعيات موجهة يمثلها كل من الدستور والخطب الملكية والميثاق الوطني للتربية والتكوين بوصفه لايزال يمثل الإطار المرجعي للإصلاح ، ومرجعيات العمل ، وهي تقارير وأعمال اللجان الدائمة للمجلس بالإضافة الى مجموعة من المساهامات الكتابية للأحزاب السياسية والنقابية والمجتمعالمدني …الخ [6]، وهي رؤية بلورها المجلس الأعلى للترية والتكوين للإصلاح التربوي ، وتستند إلى جملة من المقومات والمبادئ وتعتبر الحكامة الناجعة إحدى مرتكزاتها الأساسية ، والتي اعتبرها الميثاق الوطني للتربية والتكوين أنها تمثل الجانب الأساسي من جوانب تجديد نظام التربية والتكوين ، بحيث تسمح لهذا الأخير بالتوفر على أدوات القيادة وآليات التدبير الملائمة لأهداف الإصلاح[7] .

والمجلس الأعلى للتربية والتكوين باعتباره هيئة استشارية مستقلة للحكامة والتنمية المستدامة والديموقراطية التشاركية ، والذي أحدث بموجب القانون رقم 105.12 الصادر بتاريخ 16 ماي 2014 وذلك تطبيقا لمقتضيات الفصل 168 من دستور 2011 ، يسعى من خلال هذه الرؤية الإستراتيجية  إلى ترسيخ الحكامة  في منظومة التربية والتكوين بغاية تحقيق النجاعة والفعالية وربط المسؤولية بالمحسابة، وهكذا حضيت الحكامة بمكانة متميزة في مشروع الرؤية الإستراتيجية للإصلاح نظرا لارتباطها الوثيق بتطوروتحقيق الإصلاحات الحالية والمرتقبة للمدرسة المغربية ، ونظرا أيضا للتحديات التي تطرحها الحكامة الجيدة ، وفي هذا الإطار أبرزت الرؤية الإستراتيجية مجموعة من التحديات التي يتطلب الإستناد اليها ويمكن إجمالها في المستويات التالية[8]:

  • مستوى تحقيق التقائية السياسات والبرامج العمومية.
  • مستوى إرساء نظام للحكامة الترابية للمنظومة في أفق الجهوية المتقدمة .
  • مستوى إرساء مقومات الشراكة بين الأطراف المعنية في إطار تعاقدي بين الدولة ومؤسسات التربية والتكوين من جهة ، وبين الفاعلين الإقتصاديين والقطاع الخاص ، والمؤسسات العمومية الترابية .
  • مستوى إرساء نظام معلوماتي مؤسساتي لقيادة المنظومة التربوية وتقييمها.
  • مستوى تمويل منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي .

المطلب الثاني : مقومات و مبادئ الحكامة في قطاع التربية والتكوين

لتحقيق حكامة جيدة في قطاع التربوية والتكوين يستلزم اعتماد وإدماج مجموعة من المقاربات ومستلزمات الحكامة        ( الفقرة الأولى ) وترسيخ  مبادئها الأساسية في مختلف مراحل اعتمادها بغية تحقيق أهاف الإصلاحات المرتبطة برقي المدرسة المغربية ( المطلب الثانية )

الفقرة الأولى : تفعيل مقومات الحكامة

تتمثل مقومات الحكامة التربوية في مجموعة من المقاربات الحديثة التي تم اعتمادها في التدبير الاداري والمالي للمؤسسات العمومية ، ويعتبر قطاع التربوية والتكوين من القطاعات التي أسست لمقاربات حديثة منها االتدبير التشاركي ( أولا ) و التدبير بالنتائج ( ثانيا)  والتخطيط الإستراتيجي (ثالثا )

أولا :التدبير التشاركي

يعتبر التدبير التشاركي من الآليات الحديثة التي يتم اعتمادها في التسيير والتدبير الإداري والمالي ، الذي يقوم على إشراك مختلف الفاعلين الإجتماعيين والإقتصاديين وكذا المجتمع المدني في اتخاذ القرارات الحاسمة سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة ، فالمشاركة العمومية تشكل إحدى المداخل الكبرى لملائمة للسياسات العمومية مع متطلبات المرحلة ، خاصة مع ظهور مفهوم الحكامة أو التدبير الجيد [9].

من هذا المنطلق فإن إرساء ودعم الإصلاحات التي تهدف إلى إنجاح مشروع المدرسة المغربية الجديدة يتطلب  نهج تدبير تشاركي الذي يتأسس على إشراك كافة الفاعلين التربويين والمعنيين بالتربية والمهتمين بها، مع إشراك فعلي مبني على الشاور والحوار وضمان انخراط ممثلي التلاميذ وآبائهم وفتح حوار صريح مع محيط المدرسة وجميع مكونات المجتمع [10] ،  وتجديد صيغ الشراكة والتعاون مع الأسر و تقوية التواصل المنتظم معها اعتبارا لدورها الوازن إلى جانب المدرسة في ترسيخ القيم والمواقف ، وإشراك الأسر فعليا في بلورة المشاريع والبرامج التربوية على القيم ضمن مشروع المؤسسة  ، بالإضافة إلى نهج المدرسة ومؤسسات التربية و التكوين  لسياسات وشراكات مثمرة مع الفاعلين المؤسساتيين ولاسيما المتدخلين في مجالات الإعلام والصحافة والثقافة والفنون ، وتعزيز شراكة قوية مع منظمات  وجمعيات المجتمع المدني [11].

إن اعتماد المقاربة التشاركية في تدبير المنظومة الوطنية للتربية والتكوين سواء على المستوى المركزي أو الجهوي أو المحلي ، من شأنه أن يساهم في توفير مناخ ملائم للنهوض بالمدرسة المغربية  و إنجاح المشروع الإصلاحي والاستجابة لحاجيات المواطنين والمستفيدين من خدمات المدرسة المغربية .

ثانيا : التدبير بالنتائج

سعى المغرب في السنوات الأخيرة إلى تطوير وترشيد أساليب التدبير سواء على المستوى الإداري أوالمالي والتمكن من الإنتقال من ثقافة تدبيرية تقليدية تعتمد على الوسائل إلى ثقافة تهتم بالنتائج  وبالتغيرات التي تحدثها السياسات العمومية والبرامج المساهمة فيدعم سياسةالحكامة الإداريةالمرتكزةعلى التعاقد والمسؤولية والشفافية[12].

ويفيد مفهوم التدبير بالنتائج(gestion axée sur les résultas (gar ” طريقة تعتمدها منظومة أومؤسسة تربوية في التسيير ، من أجل الحرص على أن تكون أنشطتها وأعمالها،وكذا  صيروراتها وخدماتها ، تساهمفي تحقيق الأهداف المتوخاة والتوصل إلى النتائج المأمولة، وهي أيضا استراتيجية شمولية ، تسعى إلى تحقيق تغييرات ملموسة في المؤسسة وإدخال مواقف وسلوكات جديدة لدى الفاعلين نبعاية تحسين الإنجاز والرفع من المردودية الفردية والجماعية”[13]

وقد حرص الفاعلون التربويون والمعنيون بالتدبير والتسيير في قطاع التربيةوالتكوين على اعتماد المقاربةالجديدة المبنية على النتائج التي استقر المشرع المغربي في الإصلاح الإداري على تبنيها ،نظرالاعتمادها منلدن الدول المتقدمة ، فكانت البدايةمع سنة 2002 حيث نهجت الحكومات المغربية المتعاقبة ما يسمى ببرنامج دعم إصلاح الإدارة العمومية المبنية على تزويد المغرب بإدارةحديثة بهدف تحسين تدبير الميزانيات العموميةوترشيد وتحسين الخدمات العمومية [14].

مقال قد يهمك :   المرأة و القانون موضوع ندوة علمية بطنجة

ثالثا : التخطيط الاستراتيجي

يعدالتخطيط الإستراتيجي مفهوما وتطبيقا يرتكزعلى على الحاضر والمستقبل ، وتكمن أهميته في رصد حاجيات المؤسسة  الآنية و المستقبلية  ، وتحليل الإمكانيات المتوفرة لتحديد عناصر القوةوالضعف ، وصياغة رؤية واضحة معتمدا على التعاون بين جميع الأنشطة والتنسيق بين المتدخلين لتنفيذ استراتيجية المؤسسة [15].

وقد ظهر التخطيط الإستراتيجي كمنهجية بين خمسينيات  وسبعينيات القرن العشرين ، وأدى تطوره في السنوات الأخيرة إلى استخدامه في المؤسسات التعليمية ، وضرورة الإهتمام به كمنهجية للتطوير في المجال التربوي ، وتوسيع المشاركة المجتمعية ، والتأكيد على زيادة الإهتمام به لما له من أثر كبير في ضمان الجودة بالمؤسسات التعليمية .

ويعرف التخطيط الإستراتيجي على أنه « رؤية استراتيجية لإعادة بناء معادلات سياسية واجتماعية و اقتصادية و ثقافية وسلوكية تكشف عن القدرات الذاتية للخلق والإبداع الكامنة في ذخيرة المجتمع في لحظة استنفار التحدي سعيا إلى كسب رهان المستقبل ».

ويعرفه بعض الباحثين بأنه منهج نظامي يستشرف آفاق المستقبليات التربوية والمحتملة والممكنة ويستعد لمواجهتها بتشخيص الإمكانات المتاحة والمتوقعة وتصميم الإستراتيجيات البديلة واتخاذ قرارات عقلانية بشأنتنفيذها ومتابعة ذلك [16] .

والمغرب كبلد سعى منذ الستينيات إلى بلورة مخططات استراتيجية شملت مختلف القطاعات من بينها قطاع التربوية والتكوين الذي أولى عناية خاصة للمخطط الإستراتيجي ، ويعتبرميثاق التربيةوالتكوين المرجعية الأساسية للمخطط الإستراتيجي الذي يهدف إلى إعطاء نفس جديد لإصلاح المنظومةالوطنية للتربية والتكوين وإنجاح المدرسة المغربية الجديدة،وذلك باعتماد تحليل للبيئة الخارجية  للمؤسسة من أجل تحديد الحاجيات والأولويات ، ونهج مقاربة تستهدف تنظيم لقاءات ومشاورات في إطار مناخ من الديمقراطية و المشاركة الفعلية و الفعالة [17] .

وفي نفس السياق وفي إطار استهداف حكامة ناجعة لمنظومة التربيةوالتكوين ، بادر المجلس الأعلى للتربيةوالتكوين من خلال الرؤية الإستراتيجية التي وضعها ، إلى تطوير سياسةعمومية منسجمة تجعل المدرسة فيصلب اهتمامهحيث اعتمد مخططات على شكل مشاريع قابلة للتنفيذ  ،عبر مقاربة تكاملية بين التخطيط المرتكز على مشروع المؤسسة،وبين التخطيط المنطلق من التوجهات الوطنية والمعايير المرجعية في مجال التربية والتكوين [18].

الفقرة الثانية :ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة في قطاع التربية والتكوين

للحكامة التربوية مجموعة من المبادئ والقواعد التي تستلزم العمل على تجسيدهاعلى أرض الواقع حتى نتحدث عن حكامة فعلية  للمؤسسات التعليمية، وتتمثل هذه المبادئ في المساواة وتكافؤ الفرص (أولا) والشفافية وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة (ثانيا ).

أولا: تحقيق المساواة و تعزيز مبدأ تكافؤ الفرص

تشكل المبادئ الأساسية للحكامة الجيدة المنصوص عليها في الباب الثاني عشرمن دستور 2011 ، المرجعيةالأساسية لتدبير منظومة التربيةوالتكوين ، ويعتبر مبدأ المساواة ومبدأ تكافؤ الفرص من مرتكزات الحكامة الجيدة ،التي تهدف إلى الرفع من الفعالية ونجاعة ومردوديةعمل قطاع التربية والتكوين ، حيث من خلالها تظهر الأهمية التي كرسها المشرع الدستوري لهذا الموضوع باعتباره موضوعا يفتح الباب أمام مساواة المواطنين والمواطنات للإستفادةمن  تعليم حديث وميسر وذي جودة ، وهومبدأ تم إدراجه في الدستورحيث تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات ،  من الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة، و التأكيد على أن التعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الأسرة والدولة [19] ، وأن تنظيم المرافق العمومية يقوم على أساس المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج إليها ، والإنصاف في تغطية التراب الوطني ، والاستمرارية في أداء الخدمات  [20] ، بمايؤكد عزم المملكة المغربية على ترسيخ مبدأ المساواة في قطاع التربية والتكوين ،وتعزيز التربيةعلى ثقافة المساواة وتكافؤ الفرص ومحاربة التمييز ، وهو سلوك جسده المجلس الأعلى للتربية والتكوين من خلال الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015 – 2030  التي جعلت ضمن غايات المنظومة التربوية ضرورة اعتبار التربيةعلى القيم الديمقراطية والمواطنة الفاعلة وفضائل السلوك المدني والنهوض بالمساواة ومحاربة كل  أشكال التمييز خيارا استراتيجيا لا محيدعنه [21] ، وفي موضوع ذي صلة يقترح المجلس الأعلى للتربيةوالتكوين في تقريره السنوي إدماج المقاربة القيمية والحقوقية وتعزيز التربية على ثقافة المساواة ومحاربة التمييز والصور النمطية والتمثلات السلبية عن المرأة وذوي الإعاقات في المناهج والبرامج والوسائط التعليمية [22].

ومن هنا حرصت وزارة التربية الوطنية على  تنزيل هذه المبادئ الدستورية عبر التفعيل الناجع للرؤيةالإستراتيجية  للإصلاح وفي مقدمتها الإنخراط في تطوير حكامة التربية والتكوين ، ووضعها  ( الحكامة الجيدة ) في صلب الإنشغالات المركزية للإدارة بمختلف مكوناتها ومستوياتها ودعت عبر مذكرة وزارية إلى التقيد بمجموعةمن المبادئ في إطار الحكامةالإدارية، حيث اعتبرت أن مبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص يتخذ بعدا شموليا في قطاع التربيةوالتكوين المهني ممايستلزم تنزيله   وتطبيقه  في مختلف المجالات، خاصة تلكالمتعلقة بالتدبير الإداري وحكامةالمنظومة[23].

ثانيا : الشفافية وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة

إن تحسين التدبير العام لنظام التربيةوالتكوين يقتضي توفير المعلومات وإفساح المجال أمام الرأي العام للإطلاع عليها ، وتحسين ظروف استقبال المرتفقين  ، وتوضيح ونشر الإجراءات والوثائق المطلوبة للإستفادة من الخدمات التي تقدمها الوزارةعبر كل الوسائل المتاحة ، مع الحرص على تحديد وتوضيح المسؤوليات باعتبار ذلك يدخل في صميم إحكام التنظيمومدخلا لإعمال مبدأ المحاسبة [24]،وذلك تفعيلا لمبدأ الشفافية  وربط المسؤولية بالمحاسبة الهادف إلى تحقيق الحكامة الإدارية بمنظومة التربيةوالتكوين.

ونظرا لأهمية مبدأ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة فقد تكرس دستوريا ، عندما نصالمشرع الدستوري على مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة [25]،والتأكيد على أن المرافق العمومية  تخضع لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبةوالمسؤولية،وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور[26]، والتنصيص على أن أعوان المرافق العمومية يمارسون وظائفهم ،وفقا لمبادئ احترام القانون والحياد والشفافية والمصلحة العامة [27].

مقال قد يهمك :   القانون المتعلق بإحداث المقاولات بطريقة إلكترونية و مواكبتها (تحميل)

ومبدأ ربطالمسؤولية بالمحاسبة  الذي يعتبر كأحد المبادئ الأساسية للحكامة  ، يجد سنده أيضا في الخطب الملكية حيث تشكل هذه الأخيرة التوجيهات العامة للمسؤولين والمدبرين للشأن العام ،وعلى هذا الأساس  ركزت الخطب الملكية في أكثر من مناسبة  على ضرورة التحلي بروح الوطنية والمسؤولية والإرتقاء بعمل المرافق الإدارية  ، والرفع من جودة خدماتها[28] ، و قد شدد الملك محمد السادس في خطاب العرش ل 29 يوليوز 2017  على ضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور  التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة  ، ومساواةالمسؤولين والمواطنين في الحقوق وواجبات المواطنة [29].

الخاتمة :

إن الإرتقاء بالحكامة داخل منظومة التربية والتكوين يستلزم ترسيخ مبادئ الحكامة وذلك بجعل الإدارة في خدمة التلميذ والمواطن وتحسين معايير الجودة والشفافية والمسؤولية والمساواة بين المواطنين في الولوج إلى الخدمة التربوية ، وتفعيل مضامين الرؤية الإستراتيجة للإصلاح الخاصة بالحكامة الجيدة ، مع استكمال تفعيل اللامركزية واللاتمركز نحو تكريس حكامةترابية في افق الجهويةالمتقدمة ، وتفويض الاختصاصات والصلاحيات وترشيد وتسهيل المساطر .

فقد أصبح اعتمادالحكامة الجيدة داخل المنظومة التعليمية رهانا أساسيا ومطلبا مجتمعيا،لكونها إحدى ركائز التدبير العمومي الجيد للموارد البشرية والمالية والإدارية ،وفي هذا الصدد يتحتم تنزيل ما ورد في الخطب الملكية حول إصلاح قطاع التربية و التكوين أو في تقرير المجلس الأعلى للتعليم حول صياغيته للرؤية الإستراتيجية للإصلاح ،وتفعيل ماورد في الميثاق الوطني للتربيةوالتكوين حيث جعل من إرساء الحكامة للمنظومة التربوية هدفاأساسيا وغايةأساسية ينبغي تحقيقها .


الهوامش :

[1] – أحمد اجعون : المرفق العمومي في الدستور المغربي لسنة 2011 –  مجلة العلوم القانونية دستور 2011 : بناء دولة المؤسسات وتكريس سمو القانون العدد الخامس  الرباط 2016 ص 7

[2]– مناظرة دولية حول حق ولوج التعليم ومكافحة الهدر المدرسي تحت اشراف المجلس الوطني لحقوق الانسان  ولجنة دعم الفتيات القرويات ب بفضاء مركز التكوين واللقاءات التابع لوزارة التربية الوطنية بالرباط يومي 06/06/ دجنبر 2014

[3] – الفصل 31 من دستور 2011

[4] – الفقصل 154 من دستور 2011

[5] – الفصل 155 و الفصل 156 والفصل 157 من دستور 2011

[6] – من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والإرتقاء – رؤية استراتيجية للإصلاح 2015- 2030  من إعداد المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي 2015 ص: 9

[7] – التقرير التحليلي للمجلس الأعلى للتربي والتكوين والذي أعدته الهيئة الوطنية لتقييم مظومة التربية والتكوين والبحث العلمي  حول تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين 2000-2013  المكتسبات والمعيقات والتحديات في جدنبر 2014  ص : 48

[8] –  من أجل مدرسة الانصاف والجودة والارتقاء – رؤية استراتيجية للاصلاح 2015 -203 ص 49

[9] – محمد بوكطب التدبير الحكامتي للادارة الترابية بالمغرب مجلة مسالك العدد47/48  لسنة 2017 ص 74

[10] – عبد الكريم غريب : الرؤية الإستراتيجية للإصلاح في أفق 2015 – 2030 المنطلقات والمرجعيات والأسس  – منشورات عام التربية طبعة 2017 ص 126

[11] – تقرير المجلس الأعلى للتعليم : التربية على القيم بالمنظومة للتربية والتكوين والبحث العلمي تقرير رقم 17/1 يناير 2017ص :20

[12] جمال أمقران : عرض حول التدبير المبني على المنشور بالموقع الالكتروني مغرب القانون  بتاريخ 16 يناير 2018

[13] -عبد الكريم غريب مرجع سابق ص123

[14] – مولاي محمد البوعزاوي : تحديث الإدارة الترابيةبالمغرب –منشورات مجلة العلوم القانونية مطبعة الامنية – الرباط الطبعة الاولى 2015 ص : 103

[15]– نعمان أحمد علي عبد الله : التخطيط الإسترتيجي مدخل لتنمية الموارد البشرية في الجامعات اليمنية –  دراسة ميدانية كلية التربية ص:87 عن موقع https://www.slideshare.net/abduljabbar

[16] – نعمان أحمد علي عبد الله : مرجع سابق ص 89

[17]– عبد الكريم غريب:مرجع سابق ص :122

[18] – من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والإرتقاء – رؤية استراتيجية للإصلاح 2015- 2030  من إعداد المجلس الاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي 2015 ص :49

[19]– الفصل 32 من الدستور المغربي لسنة 2011

[20]-الفصل 154  من دستور المملكة المغربية

[21] – المجلس الأعلى للتربية والتكوين : التربية على القيم بالمنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي  – تقرير رقم : 17/1 ص 8

[22] -المجلس الاعلى للتربيةوالتكوين  تقريررقم 17/1 مرجع سابق ص : 16

[23] مذكرة وزارة التربيةالوطنية والتكوين المهني رقم064×16  بتاريخ 14 يونيو 2016

[24] – المذكرةالوزارية رقم064×16  مرجع سابق

[25] – الفصل الأول من دستور 2011

[26]– الفقرة الثانية من 154 مندستور 2011

[27] – الفصل 155 من دستور 2011

[28]الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة لسنة 14 أكتوبر 2016

[29] -الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 18 لعيد العرش 29 يوليوز 2017

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]