وجهة نظر: إشكالية الرسم على الخدمات المقدمة بالموانئ
خالد شهيم باحث في القانون الجمركي
تم إحداث الرسم على الخدمات المقدمة بالموانئ لفائدة الجهات بمقتضى القانون رقم 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات المحلية، خاصة في المادة 4 وكذا المادة 121 التي نصت على ما يلي: “يفرض لفائدة الجهة على الهيئات المعنية رسم على الخدمات المقدمة بالموانئ الواقعة بالنفوذ الترابي للجهة باستثناء الخدمات المرتبطة بالنقل الدولي والمتعلقة بالسلع العابرة غير الموجهة للسوق الوطني.”
وإذا كان وعاء هذا الرسم هو مبلغ مجموع الخدمات المقدمة بالموانئ كما تمت الإشارة إليه في المادة 122 من ذات القانون التي نصت على أنه: “يفرض هذا الرسم الذي يتحمله المستفيدون من الخدمات على المبلغ الإجمالي للخدمات المقدمة المنصوص عليها في المادة 121 أعلاه، حتى في حالة إعفائها من الضريبة على القيمة المضافة.” فإن الواقعة المنشئة للرسم لم تكن لتكتمل شروطها في ظل ربط السعر برقم الأعمال، حينما نصت على هذا المادة 123 بقولها: “يحدد سعر الرسم وفق الإجراءات والشروط المنصوص عليها في المادة 168 أدناه من 2 % إلى 5 % من رقم الأعمال دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة.”
ولئن كان المبدأ في الفرض الضريبي ألا يتم تقرير الضريبة إلا بنص، فإن النص الضريبي لابد أن يكون على درجة من الوضوح مما لا يجوز معه التأويل في تفسيره، مثلما سبق تأكيده في قرارات محكمة النقض كالقرار رقم 574 الصادر بتاريخ 24 شتنبر 2020 في الملف الإداري رقم 440/4/2/2020 الذي جاء فيه: “لا ضريبة إلا بنص، ولا يتوسع في تفسير النصوص الجبائية …”
فالمبلغ الإجمالي للخدمات المقدمة في الموانئ يختلف عن رقم الأعمال (chiffre d’affaires) الذي يقصد به مجموع مبيعات الشركة خلال مدة معينة تكون في حدود السنة وفقا للتشريعات المعمول بها.
وعلى سبيل المثال فإن رقم المعاملات الذي حققته مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط في عام 2022 يصل إلى 114,5 مليار درهم، وهو ما يعني حسب ظاهر المادة 123 المشار إليها أعلاه، نشوء دينا صافيا على عاتق مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط بمبلغ 1,832 مليار درهم بعد خصم مبلغ الضريبة عن القيمة المضافة. مع العلم أن مبلغ الرسم الذي تم تحصيله عن سنة 2022 من طرف مجلس جهة الدار البيضاء سطات لا يصل سوى إلى 24,159.885.880 وفق قائمة الموارد المالية المنشورة في الموقع الرسمي لمجلس جهة الدار البيضاء سطات، رغم ما يلاحظ على هذه الأرقام من مغالطات على مستوى العمليات الرياضية (طرح الموارد المحققة من مبلغ توقعات الميزانية ينبغي أن ينتج لنا رقما صحيحا للباقي استخلاصه).
وإذا ما انصرفت نية المشرع إلى اعتبار وعاء الرسم هو المبلغ الإجمالي لمجموع الخدمات المقدمة بالموانئ وليس رقم المعاملات للشركة المعنية التي تتمثل عادة في شركات التعشير، فإن هذه الخدمات تخضع جلها لرسوم تفرضها الوكالة الوطنية للموانئ وشركات استغلال الموانئ المرخص لها من طرفها، وبالتالي يكون الفرض الضريبي في هذه الحالة مزدوجا ينصب على نفس الوعاء ونفس الواقعة التي أنشأت الرسم.
بل أكثر من ذلك، فإن الرسم على الخدمات المقدمة بالموانئ يكون مستحق الأداء من جانب كل المتدخلين على مستوى الميناء وفي آن واحد، حيث يؤدى عن نفس البضاعة من طرف شركات الملاحة عن خدماتها، ومن طرف شركات استغلال الموانئ عن الشحن والتفريغ وغيره من الخدمات، ومن طرف الشركات الخاصة المعهود إليها من طرف الوزارة الوصية بمراقبة معايير جودة المنتجات المستوردة، مع ما يثيره هذا التفويض من تجاوز لمبدأ سيادة الدولة وحرصها على مراقبة البضائع ذات التأثير الأمني أحيانا، ومن طرف شركات التعشير عن إجراءات تخليص البضاعة ومن طرف شركات النقل عن خدمات نقل البضاعة، فيتم نقل عبء هذا الرسم الجهوي إلى صاحب البضاعة أكثر من مرة، مما ينعكس في الأخير على القدرة الشرائية للمستهلك.
وقد أشارت تعليمية مديرية مالية الجماعات الترابية بوزارة الداخلية الصادرة في هذا الإطار سنة 2021 إلى بعض هذه الخدمات المقدمة دون حصرها بالشكل الذي يقتضيه التشريع الجبائي الذي لا يحتمل التأويل أو التوسع في تفسير مقتضياته كما سبق ذكره أعلاه، حيث ذكرت الخدمات المقدمة للسفن (التفريغ، الصيانة، الإصلاح إلخ) والخدمات المقدمة للغير داخل الميناء (التجميد، الحراسة،..) واحتلال الملك العمومي المينائي.
ومعلوم أن هذه الخدمات تخضع للرسوم والإتاوات داخل الميناء المنصوص عليها على سبيل الحصر في تعريفات خدمات الوكالة الوطنية للموانئ، مثل رسم التخزين، رسم إرشاد السفن ، رسم التوقف بالرصيف، رسم تغيير الرصيف، رسم الرسو والاقلاع، رسم القطر، رسم استئجار المخازن والمسطحات، رسم مناولة البضائع بالأرض، رسم الوزن، رسوم الميناء المفروضة على الركاب والسياح الذين يقومون برحلة بحرية، إلخ.
ونعتقد أنه مادامت الخدمات محددة بشكل مسبق من طرف الوكالة الوطنية للموانئ، فإن تخصيص موارد للمجالس الجهوية ينبغي إدماجه في تسعيرة هذه الإتاوات والرسوم على شكل نسبة مئوية على غرار بعض القطاعات المدعمة كرسم دعم الإعلام السمعي البصري.
حيث إن من شأن ذلك أن يقي أولا مصالح المجالس الجهوية من انفلات الموارد من هذه الرسوم وسوء الإقرار الجبائي عند عزم مصالح الجهة على إجراء المراجعة الضريبية للإقرار المصرح به، وأن يعفيهم ثانيا من عبء مراسلة الوكالة الوطنية للموانئ بخصوص تزويدهم بلائحة الأشخاص الذاتيين والاعتباريين الذين قدموا خدمات مينائية خلال السنة المنصرمة، وذلك كله بالنظر إلى صعوبة التحقق من المداخيل الحقيقية التي قد يكون استفاؤها في الوقت الراهن جزافيا، على اعتبار وجود عمليات تجارية عند الاستيراد والتصدير لا تستفيد من مثل هذه الخدمات بالموانئ، ولا يحق استخلاص الرسم بشأنها، وعلى اعتبار وجود عمليات تجارية أخرى يتم تعشيرها في مخازن وساحات الاستخلاص الجمركي وليس بالضرورة داخل الموانئ البحرية.