مجلة مغرب القانونالقانون الخاصهيئـة المطابقـة ودورهـا فـي الإشـراف علـى عمـل البنـوك التشاركيـة

هيئـة المطابقـة ودورهـا فـي الإشـراف علـى عمـل البنـوك التشاركيـة

عبد الصمد نيت أكني طالب باحث في سلك الدكتوراه


تمهيد:

تعد الرقابة الشرعية أحد الأجهزة الضرورية للمؤسسات المالية الإسلامية، إذ بها يعرف مدى شرعية الخِدْمات والعمليات التي تقدمها للجمهور، لهذا فهي تشكل أبرز فارق بين البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية.

ويرتكز دور الرقابة الشرعية على أساسي الإفتاء والرقابة الداخلية للمؤسسة المالية الإسلامية، حفظا لمقصد المال في تكثيره ودرء ما قد يشوبه من محظور ومفاسد، فهي تنظر في أنشطة البنك الإسلامي من الناحية الشرعية حتى تكون موافقة لأحكام الشريعة الإسلامية، كما تضمن تنفيذ تلك الفتاوى بواسطة الرقابة الداخلية أو ما يسمى بلجان التدقيق والمراجعة، وذلك لتحقيق الهدف الرئيس من وجود الرقابة المتمثل أساسا في الالتزام بالمبادئ الشرعية في المعاملات المالية، ولا يتحقق ذلك إلا بربط الجانب التنظيري بالجانب التنزيلي.

ونظرا لخطورة عمل الرقابة الشرعية لكونها تختص بالدور الإفتائي القائم على إصدار الأحكام الشرعية في العمليات والأنشطة المالية الكبيرة، أُسند هذا الدور إلى هيئة شرعية مختصة، لأن من شروط الفتوى تحقق الأهلية في صاحبها، مما يعزز الثقة والاطمئنان في عمل البنوك الإسلامية، وهذا ما فعله المشرع المغربي في تجربة البنوك التشاركية حينما أسند إصدار الآراء الشرعية لجهاز المجلس العلمي الأعلى الذي يعد المرجع الشرعي في الإفتاء في المملكة المغربية، وذلك عبر اللجنة الشرعية للمالية التشاركية التابعة له، ويدخل هذا في إطار توحيد المرجعية الشرعية التي تعد من مستلزمات الحكامة الفعالة للبنوك التشاركية.

وقد عبر المشرع المغربي على الرقابة الشرعية بمصطلح هيئات المطابقة، في الباب الثاني من القسم الثالث، من قانون 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، “وتتجلى هذه الرقابة في المجلس العلمي الأعلى ولجنة التدقيق، وفق ما جاء في الصيغة الجديدة لمشروع القانون الخاص بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، والذي صادق عليه مجلس الحكومة بتاريخ 14 ربيع الأول 1435 الموافق ل 16 يناير 2014م”.[1]

وقد تعددت مسميات الجهاز الشرعي الذي يراقب عمل البنوك الإسلامية ويقدم آراء شرعية فيها، منها: هيئة الفتوى والمتابعة الشرعية، وحدة الفتوى والمتابعة الشرعية، إدارة الفتوى والبحوث، هيئة الرقابة الشرعية، المستشار الشرعي، والهيئة الشرعية، إضافة إلى مصطلح هيئة المطابقة في التجربة المغربية.

وسنحاول في هذا العرض المتواضع أن نقتصر على رقابة المجلس العلمي الأعلى عبر اللجنة الشرعية للمالية التشاركية (هيئة المطابقة)، دون الحديث عن رقابة لجنة التدقيق الشرعي، منطلقين من التساؤلات التالية:

ما طبيعة هيئة المطابقة، وما إطارها القانوني؟  وكيف نظم المشرع المغربي عملها واختصاصاتها على النحو الذي تؤدي به دورها؟

وسنحاول الإجابة على هذه التساؤلات من خلال المبحثين التاليين:

  • المبحث الأول: مفهــوم هيئــة المطابقــة وفوائـدها
  • المبحث الثاني: دور هيئــة المطابقـة في الإشـراف على عمــل البنوك التشاركيــة

 المبحث الأول: مفهوم هيئــــة المطابقة وفوائـــــدها

 المطلب الأول: مفهوم هيئة المطابقــــة

سنبين مفهوم هيئة المطابقة لغة وشرعا في (الفقرة الأولى)، ثم علاقتها بالمصطلحات المشابهة لها (الفقرة الثانية).

 الفقرة الأولى: مفهوم هيئة المطابقة لغة وشرعا

  1. هيئة المطابقة لغة:

الهيئة من هاء يهوء ويهيء هيئة، وهي الحالة الظاهرة[2].

المطابقة من طابق يطابق مطابقة وطِباقا، يقال طابقه أي وافقه وساواه[3].

  1. هيئة المطابقة في الاصطلاح الشرعي:

لم يرد مصطلح هيئة المطابقة في الفقه الإسلامي، وإنما يعد مصطلحا حديثا تتطلب معرفته بمعرفة واضعه الذي يتجسد في قانون 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها[4]، حيث ورد ذكره في القسم الثالث المعنون بالبنوك التشاركية في الباب الثاني منه المتسم بهيئات المطابقة.

وتتكون هيئات المطابقة من جهةٍ تصدر الآراء بموافقة عمليات البنوك التشاركية وأنشطتها لأحكام الشريعة الإسلامية، وتتمثل في اللجنة الشرعية للمالية التشاركية التابعة للمجلس العلمي الأعلى، إضافة إلى جهةٍ تضمن تتبع وتطبيق الآراء بالموافقة الصادرة عن المجلس العلمي الأعلى ومراقبة احترامها، وقد أطلق المشرع المغربي على هذه الجهة مصطلح وظيفة التقيد بآراء المجلس العلمي الأعلى في المادة: 64 من قانون 103.12.

إذن، فهيئات المطابقة تتضمن اللجنة الشرعية للمالية التشاركية المختصة بإصدار الفتاوى والآراء، كما تتضمن وظيفة التقيد أو -ما يصطلح عليه كذلك بالتدقيق الشرعي- المختصة بضمان تنفيذ تلك الآراء.

والمقصود في هذا العرض بهيئة المطابقة: اللجنة الشرعية للمالية التشاركية التابعة للمجلس العلمي الأعلى، سنحاول بيان إطارها التنظيمي واختصاصاتها.

وقبل ذلك، نرى ضرورة الإتيان على بعض المصطلحات التي لها علاقة بالهيئة المطابقة من أجل معرفة معانيها وأوجه الارتباط بينها.

 الفقرة الثانية: علاقة هيئة المطابقة بالمصطلحات المشابهة لها

هناك مجموعة من المصطلحات التي تتعلق بهيئة المطابقة الممثلة في المجلس العلمي الأعلى عبر اللجنة الشرعية للمالية التشاركية، لابد من الوقوف عليها، من بينها:

لجنة التدقيق الشرعي، الرقابة الشرعية، الفتوى، والحسبة الشرعية.

  1. هيئة المطابقة ولجنة التدقيق الشرعي:

اتضح مما سبق أن هيئات المطابقة تتمثل في المجلس العلمي الأعلى ولجنة التدقيق الشرعي، وقد تحدث المشرع المغربي عنهما في أربع مواد من قانون 103.12 ابتداء من المادة 62 إلى المادة 65.

وقد نصت المادة 62 على أن المجلس العلمي الأعلى يصدر الآراء بالمطابقة المنصوص عليها في القسم الثالث من قانون 103.12.

وعند نهاية كل سنة محاسبية، ترفع البنوك التشاركية إلى المجلس العلمي الأعلى، تقريرا تقييميا حول مطابقة عملياتها وأنشطتها للآراء بالمطابقة الصادرة عن المجلس العلمي الأعلى السالف الذكر كما نصت على ذلك المادة 63.

وضمانا لتطبيق الآراء بالمطابقة الصادرة عن المجلس العلمي الأعلى وتتبعها ألزم المشرعُ المغربي -في المادة 64- البنوكَ التشاركية بأن تحدث وظيفة للتقيد بآراء المجلس العلمي الأعلى، والتي حددت شروط وكيفيات سيرها بمنشور صادر من والي بنك المغرب رقم 16/ و16[5].

يتبين مما سبق، أن المشرع المغربي فصل بين هيئة الفتوى (م: 62-63) ولجنة التدقيق الشرعي (م:64)، حيث إن هيئة الفتوى المتمثلة في المجلس العلمي الأعلى عبر اللجنة الشرعية للمالية التشاركية تختص بالفتاوى والآراء، أما لجنة التدقيق الشرعي فهي الإطار التنزيلي والتطبيقي لتلك الفتاوى والآراء[6]، حيث تقوم بعمليتي الفحص والتقييم لمدى التزام المؤسسة المالية الإسلامية بمبادئ الشريعة والفتاوى والآراء الصادرة عن هيئة الفتوى[7].

  1. هيئة المطابقة والرقابة الشرعية:

تعددت تعاريف الرقابة الشرعية، من بينها:

(مجموعةٌ من المتخصصين لبيان الحكم الشرعي في معاملات المصرف، والإشرافِ على التزام المصرف به)[8].

(وضع الضوابط الشرعية ومتابعة تنفيذها)[9].

اتضح مما سبق أن مفهوم الرقابة الشرعية يشمل الرقابة السابقة الممثلة في بيان الحكم، وكذلك الرقابة اللاحقة الممثلة في التأكد من تطبيقه[10].

وقد سبق بيان أن الرقابة الشرعية في البنوك التشاركية تتخذ شكلين:

الشكل الأول: الرقابة الشرعية للجنة الشرعية للمالية التشاركية، وهي من الناحية الرقابية أصلية لا تبعية[11].

الشكل الثاني: الرقابة التنزيلية الداخلية، وهي عبارة عن وظيفة للتقيد، تتولى النظر في العمليات التمويلية التي تجريها البنوك التشاركية وفق إجراءات محددة[12].

اتضح أن مفهوم الرقابة الشرعية أعم من مفهوم هيئة المطابقة (المجلس العلمي الأعلى)، إذ هذا الأخير يمثل جزءا من الرقابة الشرعية الذي يتعلق بالتنظير الشرعي للبنوك التشاركية، أما الرقابة الشرعية فتشمل التنظير والتنزيل.

  1. هيئة المطابقة والفتوى:

مما عرفت به الفتوى: (الإخبار عن حكم شرعي لا على وجه الإلزام)[13]، فدل هذا على أن الفتوى غير ملزمة، ولا يكلف مفتيها بمتابعة التطبيق، أما الرأي بالمطابقة الصادر عن المجلس العلمي الأعلى فهو ملزم بقوة القانون، ومبديه –المجلس العلمي الأعلى- غير مكلف بمراقبة التطبيق[14]، أي أن المفتي في الفتوى مخبرٌ عن حكم غير مُنفِّذٍ[15]، أما في الرأي بالمطابقة فهناك إلزام بقوة القانون.

  1. هيئة المطابقة والحسبة الشرعية:

مما عرفت به الحسبة أنها (الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله)[16]، فدل هذا على أن الحسبة ملزمة وصاحبها مكلف بمتابعة التطبيق، وتشمل المراقبة في العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق، أما الرأي بالمطابقة فإنه ملزم بقوة القانون وصاحبه –المجلس العلمي الأعلى- غير مكلف بمراقبة التطبيق، كما أنه لايشمل مجالات كثيرة، بل ليس حتى حسبة مالية عامة لجميع المعاملات المالية ولجميع البنوك، وإنما هو حسبة خاصة بالبنوك التشاركية فقط، مهمته الكشف عن المطابقة وليس الإشراف على التطبيق[17].

 المطلب الثاني: فوائد هيئة المطابقة

نظرا لأهمية هيئة المطابقة يمكن أن نبين بعض فوائدها بدءا بفائدة التنظيم والتوحيد في (الفقرة الأولى)، ثم فائدة إضفاء الصبغة الشرعية على البنوك التشاركية في (الفقرة الثانية).

  الفقرة الأولى: فائدة التنظيم والتوحيد

إن ذروة ما تتوخاه الرقابة الشرعية على البنوك التشاركية بصفة عامة هو توحيد المرجعية الشرعية والمحاسبية والقانونية والرقابية للمؤسسات المالية التشاركية، بحيث يثمر هذا التوحيد نموذجا موحدا للعمل المالي والبنكي التشاركي، وَفق أنماط محددة تنظمها المرجعيات العليا، وتمثل المرجعية الشرعية الموحدة قمة تلك الذروة، وقد اختار القانون المغربي أن يقف على القمة، حيث نص على أن المرجعية الشرعية ستكون في المجلس العلمي الأعلى حصرا وهو المجلس الشرعي على مستوى المملكة المغربية، وله مجالس إقليمية على كامل التراب المغربي[18]، ومن شأن ذلك أن يدفع آفة الفوضى في الفتاوى التي قد تعرقل سير البنوك التشاركية نحو تحقيق أهدافها.

مقال قد يهمك :   آليات إصلاح الإدارة المغربية

   الفقرة الثانية: فائدة إضفاء الصبغة الشرعية على البنوك التشاركية

إن الأساس الذي قامت عليه البنوك الإسلامية والتي جعلت أنظار المسلمين تتجه إليها هو تقديم البديل الشرعي للاستثمارات التي تقوم بها البنوك التقليدية، والتي تتضمن نسبة من الفوائد، ولا يحقق هذا البديل هدفه إلا إذا كان موافقا للشريعة، ومن متطلبات ذلك: وجود الرقابة الشرعية، مهمتها التحقق والتثبت من أن المعاملات البنكية يتم تنفيذها وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، وبدون مراعاة هذا الهدف تتلاشى الفوارق بين البنوك التشاركية وغيرها[19].

فالرقابة الشرعية أحد أجهزة المصرف الإسلامي التي تحميه من مخالفة أحكام الشرع الإسلامي من خلال ممارساته لأعماله، وتقدم له الحلول الشرعية بما يضفي عليها الصبغة الشرعية[20]، ومنه إعطاء الثقة والارتياح للمتعاملين بالبنك، خاصة وأن هؤلاء العملاء يهدفون إلى استثمار أموالهم بالطريقة الشرعية، ووجود الرقابة (المجلس العلمي الأعلى) يضمن لهم إلى حد كبير تحقيق هذا الهدف[21].

المبحث الثاني: دور هيئــة المطابقـة في الإشـراف على عمــل البنوك التشاركيــة

يمكن أن نستشف دور هيئة المطابقة المتمثلة في رقابة المجلس العلمي الأعلى عبر اللجنة الشرعية للمالية التشاركية من خلال بيان الإطار القانوني والتنظيمي لهذه اللجنة مع بيان اختصاصاتها في (المطلب الأول)، ثم نحاول بيان ما أمكن بعض أعمالها وأدوارها من خلال ما تصدره من عمليات مصادق عليها بالمطابقة مع الإشارة إلى طريقة عملها في (المطلب الثاني).

 المطلب الأول: الإطار القانوني التنظيمي للجنة الشرعية للمالية التشاركية واختصاصاتها

 الفقرة الأولى: الإطار القانوني التنظيمي للجنة الشرعية للمالية التشاركية

نظرا لما يحمله موضوع الرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية عامة من أهمية، نظمه المشرع المغربي في قانون 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، فخصص القسم الثالث حول البنوك التشاركية، وأفرد الباب الثاني بالحديث عن هيئات المطابقة.

وتتجلى هيئات المطابقة -كما تقدم ذكره- في اللجنة الشرعية للمالية التشاركية، وهي لجنة علمية متخصصة لدى الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء بالمجلس العلمي الأعلى، ثم وظيفة التقيد بآراء المجلس العلمي الأعلى، ويتم إنشاؤها داخل البنوك التشاركية للنظر وتتبع تنفيذ الفتاوى والقرارات الصادرة عن الهيئة المكلفة بالفتوى[22].

وليس الغرض عندنا هنا الحديث عن الرقابة الداخلية الممثلة في التدقيق الشرعي (وظيفة التقيد)، وإنما المقصود في هذا العرض هو الحديث عن الرقابة الخارجية المتمثلة في المجلس العلمي الأعلى عبر اللجنة الشرعية للمالية التشاركية.

ويؤطر هذه الرقابة الخارجية قانون وظهير ملكي شريف:

  • – قانون 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، القسم الثالث: البنوك التشاركية، الباب الثاني: هيئات المطابقة، وقد نشر في الجريدة الرسمية في 22 يناير 2015 عدد: 6328.
  • – الظهير الشريف 1.15.02 الصادر في 28 من ربيع الأول 1436 الموافق ل: 20 يناير 2015، بتميم الظهير الشريف رقم 1.03.300 الصادر في 2 ربيع الأول 1425 الموافق ل 22 أبريل 2004 بإعادة تنظيم المجالس العلمية، وقد صد بالجريدة الرسمية في 9 فبراير 2015 عدد: 6333، بموجبه أحدثت اللجنة الشرعية للمالية التشاركية.

هذا على المستوى القانوني، أما على المستوى التنظيمي فسنبينه انطلاقا من المواد التالية:

  • – المادة 62 من قانون 103.12.
  • – المواد: 3- 10 من ظهير 1.15.02 الصادر في 20 يناير 2015.
  1. المادة 62 من قانون12:

 نصت هذه المادة على أنه: (يصدر المجلس العلمي الأعلى المنصوص عليه في الظهير الشريف رقم 1.03.300 الصادر في 2 ربيع الأول 1425 (22أبريل 2004) بإعادة تنظيم المجالس العلمية، الآراء بالمطابقة المنصوص عليها في هذا القسم).

أي أن المجلس العلمي الأعلى هو المختص بإصدار الآراء بالمطابقة.

  1. المواد: 3- 10 من ظهير15.02 الصادر في 20 يناير 2015:
  • المادة 3 من الظهير الشريف 1.15.02:

نصت هذه المادة على أن من المهام التي تناط بالمجلس العلمي الأعلى: (إبداء الرأي بشأن مطابقة الأنشطة والعمليات التجارية والمالية والاستثمارية التي تقوم بها المؤسسات والهيئات المشار إليها في الفصل الخامس من الباب الثاني من هذا الظهير الشريف لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها).

وفي ظل إسناد هذ المهمة للمجلس العلمي الأعلى تم إحداث لجنة علمية متخصصة لدى الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء بالمجلس نفسه تسمى اللجنة الشرعية للمالية التشاركية[23]، نصت المادة الآتية على ما تتألف منه.

  • المادة 10 من الظهير الشريف 1.15.02:

تحدثت هذه المادة عن مكونات اللجنة الشرعية للمالية التشاركية، ونصها كالآتي:

(تتألف اللجنة الشرعية للمالية التشاركية من منسق اللجنة وتسعة (9) أعضاء من العلماء الفقهاء المشهود لهم بالمعرفة الراسخة والإلمام الواسع بأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها، وبالقدرة على الإفتاء وبيان حكم الشرع في القضايا المعروضة على اللجنة، يعينون بمقرر للأمين العام للمجلس العلمي الأعلى من بين أعضاء هذا المجلس.

تستعين اللجنة على سبيل الاستشارة بخمسة (5) خبراء دائمين على الأقل يختارون من بين الأشخاص الذاتيين أو الاعتباريين المشهود بكفاءتهم وخبرتهم في مجال من مجالات القانون والمالية التشاركية والمعاملات البنكية وقطاع التأمينات وسوق الرساميل، يعينون بمقرر للأمين العام وتحدد وضعيتهم بموجب عقود.

وعلاوة على ذلك، يمكن لمنسق اللجنة أن يدعو لحضور اجتماعات اللجنة بصفة مؤقتة، والمشاركة في أشغالها على سبيل الاستشارة، كل شخص من ذوي الخبرة والاختصاص قصد تقديم إفادات إلى اللجنة بخصوص القضايا المعروضة عليها.

تشكل اللجنة عند الاقتضاء من أجل ضمان حسن تنظيم أشغالها، مجموعات عمل متخصصة من بين أعضاءها، يعهد إليها بدراسة القضايا المعروضة على اللجنة وإعداد تقارير مفصلة بشأنها.

تتنافى العضوية في اللجنة مع العضوية في أي جهاز لأي هيئة أو مؤسسة من الهيئات والمؤسسات المشار إليها في هذا الفصل من هذا الظهير الشريف).

انطلاقا من هذه المادة يتضح ما يلي:

  • – تكريس الاجتهاد الجماعي في القضايا المعروضة على اللجنة الشرعية لمواجهة الحوادث المتجددة في الجانب المالي، خاصة وأن العمليات البنكية تعرف نوعا من التغير والتجدد والاستحداث يستلزم نظرا فقهيا دقيقا من جميع الجوانب، ويتحقق ذلك أكثر بالاجتهاد الجماعي.
  • – تفعيل مبدأ الاستشارة بالخبراء المختصين في المجال القانوني والتشاركي والبنكي من شأنه أن يقرب صور العمليات والأنشطة المالية المعروضة على اللجنة مما يحقق تصورا أكثر شمولية ودقة لها.
  • – تثبيت مبدأ الاستقلالية من خلال الاشتراط على أعضاء اللجنة عدم عضويتهم في أي جهاز آخر من المؤسسات والهيئات، تحقيقا للمصداقية والحيادية في الآراء.

فمن الإشكاليات المطروحة اليوم على الرقابة الشرعية في البنوك التشاركية، نجد إشكال استقلاليتها الإدارية والمالية، لأن فقدانها يؤدي إلى التأثير على قراراتها وإجراءاتها الرقابية المتخذة، وإلى انحصار إلزامية ما تتخذه من أعمال رقابة تجاه ما يجري في البنوك التشاركية[24].

لهذا فالاستقلالية تمثل أهم الأسس التي تكون (تؤصل) لمفهوم الرقابة الشرعية، وهي الضمانة القانونية والأدبية التي توفر حرية اتخاذ الفتوى، والرأي بالمطابقة من غيره، على أن يكون هو والقرار الشرعي الصادر عن اللجنة الشرعية متسما بالموضوعية والتجريد، وبعيدا عن أية ضغوط قد تؤثر في أداء هذه الأخيرة لمهامها الشرعية ولدورها الاستراتيجي، مادام أن قرارها سيكون مرجعا لعملها ودليلا له[25].

ولا يمكن أن نتحدث عن رقابة شرعية ما لم تحدد اختصاصاتها، حتى تؤدي دورها المنشود، وحتى تكون واضحة في عملها الرقابي المتمثل هنا في الجانب التنظيري فقط، أو ما سماه الدكتور جمال بوشما بالرقابة الشرعية المركزية[26].

 الفقرة الثانية: اختصاصات اللجنة الشرعية للمالية التشاركية

نصت المادة 10 من من الظهير الشريف 1.15.02 على اختصاصات ومهام اللجنة الشرعية للمالية التشاركية، وهي كالآتي:

(علاوة على اللجان العلمية المشار إليها في المادة 8 أعلاه، تحدث لدى الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء لجنة علمية متخصصة، تحمل اسم “اللجنة الشرعية للمالية التشاركية”، تكلف بالمهام التالية:

  1. إبداء الرأي بشأن مطابقة المنتوجات المالية التشاركية التي تقدمها مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها لزبنائها، ونماذج العقود المتعلقة بهذه المنتوجات، لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها، كلما كان تقديم هذه المنتوجات وإبرام العقود المتعلقة بها رهينا بصدور الرأي المذكور طبقا للتشريع الجاري به العمل؛
  2. إبداء الرأي بشأن مطابقة مضمون المناشير التي يصدرها والي بنك المغرب لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها، المتعلقة بالمنتوجات المالية التشاركية، والودائع الاستثمارية، والعمليات التي ينجزها صندوق ضمان ودائع البنوك التشاركية؛
  3. إبداء الرأي بصفة خاصة بشأن مطابقة عمليات التأمين التكافلي التي تقوم بها مقاولات التأمين وإعادة التأمين، في إطار المالية التشاركية، لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها، وذلك طبقا للتشريع الجاري به العمل؛
  4. إبداء الرأي بشأن مطابقة عمليات إصدار شهادات الصكوك طبقا للتشريع الجاري به العمل مع أحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها، كيفما كانت الجهة المصدرة لها.

تعد اللجنة من أجل تمكينها من القيام بالمهام المسندة إليها دليلا مرجعيا لعملها ودلائل استرشادية، عند الاقتضاء توضع قصد الاستئناس رهن إشارة الهيئات والمؤسسات المشار إليها في المادة 10 المكررة ثلاث مرات من هذا الظهير الشريف تتضمن بصفة خاصة، الأحكام الشرعية المتعلقة بالمنتوجات المالية التشاركية والعمليات المتعلقة بها.

لا يحول إصدار اللجنة لهذه الدلائل دون طلب إبداء رأيها بشأن المنتوجات والعمليات المذكورة طبقا للنصوص التشريعية الجاري بها العمل).

مقال قد يهمك :   الإطار القانوني لجريمة الاختفاء القسري في المغرب

كما أشارت المادة 10 المكررة ثلاث مرات من الظهير نفسه إلى مصادر تلك الطلبات التي تحال إلى اللجنة الشرعية من أجل ‘إبداء الرأي بالمطابقة، ونصها كالآتي:

(تحال إلى اللجنة الشرعية للمالية التشاركية طلبات إبداء الرأي في الأنشطة والعمليات المشار إليها في المادة الثالثة أعلاه، عن طريق:

  • – بنك المغرب بالنسبة لطلبات إبداء الرأي المقدمة من قبل مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها؛
  • – هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي بالنسبة لطلبات إبداء الرأي المقدمة من قبل مقاولات التأمين وإعادة التأمين المعتمدة؛
  • – الهيئة المغربية لسوق الرساميل بالنسبة لطلبات إبداء الرأي المقدمة من قبل الجهة الراغبة في إصدار شهادات الصكوك).

تلك هي مهام اللجنة الشرعية للمالية التشاركية التي نص عليها الظهير الشريف، إلا أنه لابد من توفر الاستقلالية حتى تؤدي اللجنة مهامها على الوجه المطلوب.

فالاستقلالية تمنح هيئة الرقابة القوة والنفوذ للقيام بعمليات الفحص والتدقيق دون وجود أي تدخل إداري، وذلك بغرض التأكد من مطابقة جميع الأعمال التي يقوم بها البنك لأحكام الشريعة الإسلامية، ويستند مبدأ الاستقلالية المنشود في هيئة الرقابة إلى طبيعة المهام التي تقوم بها هذه الهيئة كالحسبة والفتوى وغيرها، وهي كلها مهام لا تتحقق إلا بالتجرد والإطلاق، وإن لم تكن الاستقلالية فهذا سيؤدي إلى استمرار وجود المخالفات الشرعية والاعتياد عليها من قبل المستخدمين، وهذا ما يجعل أحيانا أمر الرقابة الشرعية في البنوك التشاركية صوريا وشكليا[27].

وفي إطار تكريس الاستقلالية حتى تؤدي اللجنة الاختصاصات المنوطة بها، نص المشرع على قضية تنافي العضوية مع عضوية هيئة أو مؤسسة أخرى ضمانا لذلك المبدأ الذي يعد مرتكزا للرقابة الشرعية عموما.

فاللجنة الشرعية للمالية التشاركية – حسب القانون- جهة استشارية مركزية داخل المجلس العلمي الأعلى، تفتي في المسائل المعروضة عليها فقط، ولا صلة لها بأي عمل خارج مهامها، ولهذا فاللجنة لاتربطها أية علاقة سواء أكانت مباشرة أم غير مباشرة مع بنك المغرب، فعلاقتها تحدد في إطار العلاقة المباشرة مع المجلس العلمي الأعلى[28].

ومن مكملات الاستقلالية وأهدافها، إلزامية فتاوى اللجنة الشرعية، للمصارف التشاركية في معاملاتها ومنتجاتها وعقودها كافة التي تقدمها لعملائها في حينه، فمن شأن التقيد بالفتاوى أو الرأي بالمطابقة هو حماية خارجية لحكامة داخلية للوليد الجديد الذي لا زالت أرضيته تُعبَّد في ظل ترقب كبير للعملاء قصد دخول هذه المصارف للاستفادة من خدماتها[29].

ولابد أن نشير إلى أن تنظيم الإفتاء الشرعي للمؤسسات المالية يتخذ أربعة أشكال –على حد ما ذهب إليه المراقب والمستشار الشرعي محمد أحمين-:

  • الأول: هيئة شرعية مركزية فقط، مثل التجربة المغربية.
  • الثاني: هيئة شرعية مركزية مع هيئات شرعية خاصة، مثل تجربة السودان وماليزيا.
  • الثالث: هيئات خاصة بالمؤسسات المالية دون وجود هيئة شرعية مركزية، وهذا الشكل يجري به العمل في أغلب الدول، مثل البحرين، الأردن، السعودية، إندونيسيا، وإن كان هناك من ينتقدها لكونها قد تؤدي إلى سريان قانون غريشام على الفتاوى المالية، حيث تطرد الفتوى الضعيفة الفتوى الجيدة من التداول.
  • الرابع: هيئة شرعية دولية، مثل: المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، وهي أنجح تجربة لهيئة شرعية دولية إلى الآن[30].

بعدما تحدثنا عن اختصاصات اللجنة الشرعية فينبغي لنا أن نبين شيئا عن كيفية اشتغالها مع إيراد بعض النماذج في إطار ربط النظري بالتطبيقي.

   المطلب الثاني: نماذج من أعمال اللجنة الشرعية للمالية التشاركية وطريقة عملها

في (الفقرة الأولى) سنشير إلى نماذج من أعمال اللجنة الشرعية (الفقرة الأولى) ثم نستخلص طريقة عملها في (الفقرة الثانية).

      الفقرة الأولى: نماذج من أعمال اللجنة الشرعية للمالية التشاركية

تفعيلا لاختصاصات اللجنة الشرعية المنصوص عليها في المادة 10 من الظهير السابق، صدرت مجموعة من آرائها، منها:

  1. بعض آراء اللجنة الشرعية بخصوص مشاريع المنشورات الصادرة عن والي بنك المغرب:
  • رأي اللجنة الشرعية للمالية التشاركية رقم (1) الصادر بتاريخ 10 دجنبر 2016م بشأن مشروع المنشور الصادر عن والي بنك المغرب المتعلق بتحديد المواصفات التقنية الخاصة بمنتجات التمويل التشاركي وكيفيات تقديمها إلى العملاء.

وقد أبْدتِ اللجنةُ ملاحظاتٍ في بعض مواد مشروع القانون، ثم أُخذت بعين الاعتبار حيث عُدِّلَت، وقررت في الأخير أن ما ورد في المشروع المعروض عليها وفق صيغته النهائية المرفقة بهذا الرأي، مطابق لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها.

  • رأي اللجنة الشرعية للمالية التشاركية رقم (2) الصادر بتاريخ 10 دجنبر 2016م، بشأن مشروع المنشور الصادر عن والي بنك المغرب المتعلق بتحديد شروط وكيفيات تلقي وتوظيف الودائع الاستثمارية من قبل البنوك التشاركية وغيرها من مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها.

نصت في الأخير على أن ما ورد في مشروع المنشور المعروض عليها في صيغته النهائية، والمرفق بهذا الرأي مطابق لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها.

  • رأي اللجنة الشرعية للمالية التشاركية رقم (3) الصادر بتاريخ 10 دجنبر 2016م، بشأن مشروع المنشور الصادر عن والي بنك المغرب المتعلق بتحديد شروط وكيفيات مزاولة البنوك للأنشطة والعمليات التي تزاولها البنوك التشاركية.

أكدت اللجنة في الأخير على أن ما ورد في مشروع المنشور المعروض عليها في صيغته النهائية المرفقة بهذا الرأي مطابق لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها.

  • رأي اللجنة الشرعية للمالية التشاركية رقم (6) الصادر بتاريخ 20 يوليو 2017م، بشأن الشروط العامة والخاصة المضمنة في نموذج عقد البيع بالمرابحة للآمر بالشراء، لتمويل اقتناء عقار، الخاص بالبنوك التشاركية.

أكدت على أنه بعد فحص مواد هذا المشروع وبعد إدخال التعديلات التي اقترحتها اللجنة خلال الجلسات التي عقدتها من أجل ذلك، أكدت على أن الصيغة النهائية لمشروع نموذج هذا العقد مطابق لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها.

  • رأي اللجنة الشرعية للمالية التشاركية رقم (7) الصادر بتاريخ 20 يوليو 2017م، بشأن مشروع نموذج الوعد الأحادي الجانب بالشراء في إطار عملية المرابحة للآمر بالشراء، الخاص بالبنوك التشاركية.

أكدت على أنه بعد فحص مواد هذا المشروع وبعد إدخال التعديلات التي اقترحتها اللجنة على الصيغة النهائية لوثيقة نموذج الوعد، خلال الجلسات التي عقدتها من أجل ذلك، أكدت على أن الصيغة النهائية لهذا المشروع مطابقة لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها.

  • رأي اللجنة الشرعية للمالية التشاركية رقم (37) الصادر بتاريخ 23 دجنبر 2018م، في شأن مشروع المنشور الصادر عن والي بنك المغرب المتعلق بتحديد شروط وكيفيات مزاولة صندوق الضمان المركزي للأنشطة والعمليات التي تزاولها البنوك التشاركية.

أكدت في الأخير أنه أخذا في الاعتبار برأيها السابق في شأن منشور والي بنك المغرب رقم 3/و/17 المطبق على النوافذ التشاركية، التي تحدثها البنوك، تؤكد أن مشروع المنشور المعروض عليها في صيغته النهائية المرفقة بهذا الرأي مطابق لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها.

  • رأي اللجنة الشرعية للمالية التشاركية رقم (39) الصادر بتاريخ 09 مارس 2019م، بشأن مشروع المنشور الصادر عن والي بنك المغرب، المتمم للمنشور رقم 1/و/2017، الصادر في 27 يناير 2017م، المتعلق بالمواصفات التقنية الخاصة بمنتجات التمويل التشاركي وكيفيات تقديمها إلى العملاء (عقد الاستصناع).

أكدت في الأخير أن مشروع المنشور المعروض عليها في صيغته النهائية المرفقة بهذا الرأي والمتضمنة للتعديلات المقترحة من قبلها مطابق لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها.

  1. رأي اللجنة الشرعية بناء على طلب رئيس هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي:

أطر المشرع المغربي التأمين التكافلي بإطار قانوني سنة 2016م قانونِ 13.59 المتمم والمعدل لقانون 99.17 لمدونة التأمينات، من أجل إدراج التأمين التكافلي فيها، وقد عرض قانون 17.99 على أنظار اللجنة الشرعية للمالية التشاركية بناء على رسالة رئيس هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، قصد إبداء الرأي بالمطابقة بشأن مشروع التعديلات المقترح إدخالها على القانون رقم 17.99 المتعلق بمدونة التأمينات كما تم تغييره وتتميمه فيما يخص التأمين التكافلي.

وقد أبدت اللجنة الشرعية ملاحظاتها حول مشروع قانون 13.59، وذلك في رأيها رقم (32) الصادر في 2 غشت 2018م من أجل أن يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها[31]، وأخذ بعين الاعتبار ملاحظاتها وتم إعداد مشروع قانون رقم 18.87 المتمم والمعدل لمدونة التأمينات، وقد صودق عليه في 9 يوليوز 2019م، ونشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 22 غشت 2019 عدد: 6806 الصفحة: 5787[32].

الفقرة الثانية: طريقة عمل اللجنة الشرعية للمالية التشاركية

انطلاقا من المادة 10 المكررة أربع مرات من ظهير 1.15.02 نجدها قد أشارت إلى ما يتعلق بعمل اللجنة الشرعية، ونصها كالآتي:

تبدي اللجنة رأيها بشأن الأنشطة والعمليات التجارية والمالية والاستثمارية ونماذج العقود، والمناشير المعروضة عليها المتعلقة بالمالية التشاركية، بناء على تقارير مفصلة وموثقة، تتضمن المعطيات المتعلقة بكل نشاط أو عملية من العمليات أو نموذج من نماذج العقود أو مشروع من مشاريع المناشير المراد إصدارها، والاستنتاجات التي توصلت إليها، بشأن مدى مطابقتها لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها.

تصدر اللجنة الشرعية آراءها باسم المجلس العلمي الأعلى، وبإجماع أعضائها الحاضرين الذين شاركوا في مداولاتها.

يجب أن تكون الآراء الصادرة عن اللجنة الشرعية معللـة، ويمكن أن ترفق بتوصية أو توصيات اللجنة المذكورة بشأن القضية المعروضة عليها كلما اقتضى الأمر ذلك.

مقال قد يهمك :   لأول مرة في المغرب : صدور المرسوم المتعلق بتنظيم أعمال الطب عن بعد

تضمن مداولات اللجنة في محاضر خاصة تحمل توقيع الأعضاء الحاضرين المشاركين في هذه المداولات).

وقد سبق معنا في الفقرة الخاصة باختصاصات اللجنة ذكرُ مصادر الطلبات التي تحال إلى اللجنة الشرعية من أجل إبداء الرأي بالمطابقة من خلال المادة 10 المكررة ثلاث مرات من الظهير السابق، وهي باختصار:

  • بنك المغرب بالنسبة لطلبات إبداء الرأي المقدمة من قبل مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها؛
  • هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي بالنسبة لطلبات إبداء الرأي المقدمة من قبل مقاولات التأمين وإعادة التأمين المعتمدة؛
  • الهيئة المغربية لسوق الرساميل بالنسبة لطلبات إبداء الرأي المقدمة من قبل الجهة الراغبة في إصدار شهادات الصكوك.

من خلال هذين النصين التشريعيين، وبناء على الآراء الصادرة عن اللجنة الشرعية للمالية التشاركية بناء على ما تلقت من مشاريع من طرف والي بنك المغرب – وقد ذكرنا نماذج منها في الفقرة الأولى- يمكن استخلاص المنهجية التالية[33]:

  1. تأصيل القرار تأصيلا قانونيا بذكر مراجعه.
  2. تلخيص المشروع الذي يراد إبداء الرأي فيه.
  3. فحص المشروع ودراسته من الناحية الفقهية.
  4. إدخال التعديلات بخصوص ما لا يطابق الشريعة من المشروع.
  5. إبداء الرأي في المشروع وفق صيغته النهائية المرفقة بالرأي بعد التعديلات بأنه مطابق لأحكام الشريعة.
  6. صدور إبداء الرأي بإجماع جميع أعضاء اللجنة المكلفة، وباسم المجلس العلمي الأعلى، وبتوقيع أمينه العام.

 خـــاتمـــــة:

من خلال ما سبق يتضح أن المشرع المغربي قد نظم عمل هيئة المطابقة المتمثل في رقابة المجلس العلمي الأعلى من خلال اللجنة الشرعية للمالية التشاركية على عمليات وأنشطة البنوك التشاركية، مبرزا وظيفتها ومهامها، وقد أحسن صنعا حينما حصر مهمة الفتوى في المجلس نفسه، توحيدا للمرجعية الشرعية التي تعد معيارا من معايير الحكامة الجيدة التي تساعد على تعزيز عمل المؤسسة المالية الإسلامية، والفصل بين الفتوى والتدقيق (وظيفة التقيد)، إضافة إلى كونها توحد شروط المنافسة بين المؤسسات المالية.

إلا أن هذا المعيار يستلزم معيارا آخر من معايير الحكامة الفعالة الذي لا يقل أهمية عنه، وهو مبدأ الاستقلالية الذي يتحقق من خلال عدم التأثير على أعضاء هيئة الفتوى (المطابقة) حتى تؤدي مهامها المنوطة بها على الوجه المطلوب المتمثل أساسا في إصدار الآراء بالمطابقة لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها، إذ قوتها في استقلالها وفي إلزامية قراراتها.

وقد أسند المشرع المغربي مهمة ضمان تنفيذ قرارات هيئة المطابقة للجنة التدقيق الشرعي (وظيفة التقيد) تفعيلا لآثار الفتاوى وتكريسا لمبدأ إلزامية القرارات الصادرة عن هيئة المطابقة الممثلة في اللجنة الشرعية للمالية التشاركية، “فالمفتي محتاج إلى قوة في العلم وقوة في التنفيذ” كما قال ابن القيم[34].

فإلى أي حــد استطــاع المشرع تنظيـم مهـام لجنة التدقيق الشرعـي تنظيما يخـرج الرقابـة الخارجية للمجلس العلمي الأعلى عبر اللجنة الشرعية من الجانـب التنظيري إلى الجانب التنزيلـي، استكمـالا لمكونات جهاز الرقابة الشرعيـة وتحقيقا لأهدافــه؟


لائحة المصادر والمراجع:

  • – إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن قيم الجوزية تحقيق: مشهور، دار ابن الجوزي، ط: 1/ 1423هـ.
  • – بغية الإربة في معرفة أحكام الحسبة لابن الديبع، تحقيق: طلال الرفاعي، معهد البحوث العلمية – مركز إحياء التراث الاسلامي- جامعة أم القرى، مكة المكرمة ط: 1/ 2002م.
  • – البنوك التشاركية الإسلامية بالمغرب في إطار الفقه المالكي وأدلته للفقيه عبد الله بن الطاهر، ط: 2/ 2019م، مطبعة النجاح الجديد، البيضاء.
  • – تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي، تحقيق مجموعة من المحققين، دار الهداية.
  • – التأمين التكافلي بالمغرب الإطار التشريعي والآفاق ليونس الرياحي، مقال منشور في موقع: مجلة القانون والأعمال الدولية.
  • – دور الرقابة الشرعية في ضبط أعمال البنوك الإسلامية: أهميتها شروطها وطريقة عملها، إعداد: الدكتور أحمد بن حميد، الدورة التاسعة عشرة إمارة الشارقة دولة الإمارات.
  • – الرقابة الشرعية على المصارف: ضوابطها وأحكامها ودورها في ضبط عمل المصارف، للدكتور يوسف الشبيلي، الدورة التاسعة عشرة، إمارة الشارقة، دولة الإمارات.
  • – الرقابة الشرعية في البنوك التشاركية للدكتور جمال بوشما، دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري –دبي- منتدى فقه الاقتصاد الإسلامي 2015م.
  • – الرقابة الشرعية وأثرها في المصارف الإسلامية د. أحمد محمد السعد، كلية الشريعة – جامعة اليرموك – الأردن.
  • – قانون البنوك التشاركية في المغرب دراسة شرعية واستشرافات مستقبلية لعلي نجم، منشورات دار الأمان، مطبعة الأمنية –الرباط-.
  • – المالية التشاركية ورهانات التنمية للدكتور محمد الوردي، ط:1/ 2019م، طبع وتوزيع: قرطبة حي السلام أكادير.
  • – مدخل إلى الرقابة الشرعية (دليل علمي وعملي للفتوى والتدقيق الشرعي في المؤسسات المالية الإسلامية) لمحمد أحمين، مراجعة وتقديم: عبد الستار أبو غدة.
  • – المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للفيومي، المكتبة العلمية بيروت.
  • – مقومات الرقابة الشرعية ودورها في ترشيد العمل المصرفي الإسلامي للدكتور محمد الوردي، رابطة العالم الإسلامي، الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل، ندوة المصارف الإسلامية بين تحديات الواقع ورهانات المستقبل، فاس – المغرب (12 أبريل 2014م).
  • – ملخص رسالة عقود المالية التشاركية في المغرب وتطبيقاتها في ضوء أصول مذهب مالك لحمزة لحجوجي، رسالة ماجيستير قسم الاقتصاد الإسلامي والفقه، إشراف: الدكتور محمد شريف العمري يوليوز 2019م.
  • – مواهب الجليل في شرح مختصر خليل للحطاب المالكي، دار الفكر ط: 3/ 1992م.
  • – النظام القانوني للبنوك التشاركية –دراسة نقدية- للدكتور محمد خطابي، تقديم: يحي علوي، ط: 1/ 2020م، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء.
  • – هيئات الرقابة الشرعية بين الدور الشرعي والنص القانوني: اللجنة الشرعية للمالية التشاركية بالمملكة المغربية نموذجا لرشيد صبيح، ضمن مقالات في الإدارة الإسلامية.

الهوامش:

[1] مقومات الرقابة الشرعية ودورها في ترشيد العمل المصرفي الإسلامي لمحمد الوردي ص: 773، ندوة المصارف الإسلامية بين تحديات الواقع ورهانات المستقبل فاس- المغرب 12 أبريل 2014م.

[2] المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للفيومي (2/ 645).

[3] تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي (26/ 50).

[4] صادق مجلس الحكومة على هذا القانون في 14 ربيع الأول 1435 الموافق ل 16 يناير 2014.

[5] صدر هذا المنشور في 18 يوليوز 2016، ونشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 25 رجب 1439 الموافق ل 22 أبريل 2018، عدد: 6664.

[6] قانون البنوك التشاركية في المغرب دراسة شرعية واستشرافات مستقبلية لعلي نجم، ص: 258- 259 بتصرف.

[7] مدخل إلى الرقابة الشرعية (دليل علمي وعملي للفتوى والتدقيق الشرعي في المؤسسات المالية الإسلامية) لمحمد أحمين ص: 129.

[8] الرقابة الشرعية، بحث لأحمد بن حميد ص: 3.

[9] الرقابة الشرعية على المصارف ضوابطها وأحكامها ودورها في ضبط عمل المصارف ليوسف الشبيلي ص: 4.

[10] الرقابة الشرعية، بحث بن حميد ص: 3.

[11] النظام القانوني للبنوك التشاركية دراسة مقارنة لمحمد خطابي ص: 173.

[12] المرجع نفسه ص: 175.

[13] مواهب الجليل في شرح مختصر خليل للحطاب (1/ 32).

[14] البنوك التشاركية الإسلامية بالمغرب في إطار الفقه المالكي وأدلته لعبد الله بن الطاهر ص: 248 بتصرف يسير.

[15] إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم (6/ 70). تحقيق مشهور.

[16] بغية الإربة في معرفة أحكم الحسبة لابن الديبع ص: 54.

[17] البنوك التشاركية لعبد الله بن الطاهر ص: 248 بتصرف يسير.

[18] النظام القانوني للبنوك التشاركية لمحمد خطابي ص: 167.

[19] المرجع نفسه ص: 161.

[20] الرقابة الشرعية وأثرها في المصارف الإسلامية لأحمد محمد السعد ص: 2.

[21] النظام القانوني للبنوك التشاركية ص: 161.

[22] المالية التشاركية ورهانات التنمية لمحمد الوردي ص: 319.

[23] المالية التشاركية ورهانات التنمية للوردي ص: 321.

[24] النظام القانوني للبنوك التشاركية ص: 155.

[25] هيئات الرقابة الشرعية بين الدور الشرعي والنص القانوني: اللجنة الشرعية للمالية التشاركية بالمملكة المغربية نموذجا لرشيد صبيح، ضمن مقالات في الإدارة الإسلامية. ص: 37.

[26] الرقابة الشرعية في البنوك التشاركية لجمال بوشما ص: 37.

[27] الإطار القانوني للبنوك التشاركية ص: 155. بتصرف.

[28] هيئات الرقابة الشرعية بين الدور الشرعي والنص القانوني لرشيد صبيح ص: 38. منشور ضمن مقالات في الإدارة الإسلامية.

[29][29] المقال نفسـه ص: 38.

[30] يراجع التفصيل: مدخل إلى الرقابة الشرعية لأحمين ص: 27- 32.

[31] بخصوص رأي اللجنة الشرعية، يراجع:

  • – تقرير لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية حول مشروع قانون رقم: 87.18 بتغيير وتتميم القانون رقم: 17.99 المتعلق بمدونة التأمينات.

[32] للتفصيل يراجع:

  • مقال: التأمين التكافلي بالمغرب الإطار التشريعي والآفاق ليونس الرياحي، منشور في موقع: مجلة القانون والأعمال الدولية.
  • ملخص رسالة عقود المالية التشاركية في المغرب وتطبيقاتها في ضوء أصول مذهب مالك لحمزة لحجوجي ص: 10- 11.

[33] البنوك التشاركية الإسلامية بالمغرب لعبد الله بن الطاهر ص: 249.

[34] إعلام الموقعين لابن القيم (6/ 113).

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]