نقاش بين المختصين في القانون الدستوري حول ظهير المعاش الاستثنائي لبنكيران
بِحذر كبير يتعاطى المختصون في القانون الدستوري مع الإشكال القانوني والدستوري الذي طرحه “الظهير” المتعلق بالمعاش الاستثنائي لرئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران؛ فبالرغم من أنّ أغلب الآراء صبّتْ في كونه غير صحيح، باعتبار أنّ الظهائر تُوقّع بالعطف من طرف رئيس الحكومة نيابة عن رئيس الدولة (الملك)، وليس من طرف أحد وزراء الحكومة، فإنّ هناك احتمالا بأن يكون “ظهير المعاش الاستثنائي لبنكيران” صحيحا.
بعد بحث دقيق في الموضوع، خلُص خبير في القانون الدستوري إلى أنّ الوثيقة سالفة الذكر، التي راجتْ على نطاق واسع، “غريبة وتطرح تساؤلات كثيرة ومتشابكة حوْل ما إذا كانت صحيحة أم مزيّفة”.
مشيرا إلى أنّ ما يجعل هذه الوثيقة غامضة هو أنَّه لم يسبق أن تمّ نشْر ظهائر المعاشات الاستثنائية من أجل معرفة صيغتها القانونية، وما إذا كانت موقعة من طرف وزير المالية أم من طرف رئيس الحكومة.
وحسب الخبير في القانون الدستوري ذاته، فإنّ عدد الظهائر المتعلقة بالمعاشات الاستثنائية التي استفاد منها وزراء وشخصيات عمومية، كالمسؤولين السابقين والفنانين وغيرهم، يناهز 300 ظهير، لكنها لمْ تُنشر، “ولوْ نُشرت لسَهُل التأكد من مدى صحّة ظهير المعاش الاستثنائي لبنكيران، وذلك بالمقارنة بينه وبين الظهائر السابقة”.
وفي الوقت الذي ذهب فيه بعض المختصين في القانون إلى القول إنّ ظهير المعاش الاستثنائي لبنكيران “صحيح ولا يشوبه أي تزوير، والشكل القانوني للوثيقة صحيح”، كما ذهب إلى ذلك المحامي محمد الهيني في تصريحات صحافية، اعتبر الخبير الدستوري أنّه لا يُمكن الحسْم في مَدى صحّة الوثيقة سالفة الذكر، لكوْنها تفتقر إلى الشروط والشكليات الدستورية والقانونية، ما يجعلها لا ترقى إلى مرتبة ظهير.
وقال المتحدث ذاته : “نحن أمام قضية مثيرة للانتباه تستحق البحث، وإذا ثبُت أنّ الوثيقة صحيحة فهذه مصيبة، لأنَّها مخالفة لدستور المملكة، الذي ينصّ في الفصل الثاني والأربعين على أنّ الظهائر، ما عدا التي استثناها الدستور، تُوقع بالعطف من طرف رئيس الحكومة، ولا يُمكن للملك أو لرئيس الحكومة أنْ يفوِّض توقيع ظهير إلى أحد الوزراء”.
واستبعد المتحدث ذاته أنْ تسقُط الدولة في خطأ كبير من هذا النوع، خاصة وأنّها راكمتْ تجربة قانونية ودستورية مهمة على مدى عقود من الزمن، قبل أن يستدرك بأنَّ التأكّد من مدى صحّة “ظهير المعاش الاستثنائي” لرئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، أو زيْفه، رهين بالاطلاع على ظهائر المعاشات الاستثنائية السابقة، لمعرفة ما إذا كانت تُوقّع بالعطف من طرف رئيس الحكومة أو من طرف وزير المالية.
وبالرغم من أنّ “ظهير المعاش الاستثنائي” لرئيس الحكومة السابق يفتقر إلى الشكليات الدستورية والقانونية، التي يُفترض أن تتوفّر في الظهائر، حيث لا يحمل حتى الترقيم، فإنَّ وجُودَ ظهائر سابقة، غير منشورة في الجريدة الرسمية، يجعل باب التأويل مفتوحا، حيث لا يُعرف ما إنْ كانت هناك ظهائر مُوقّعة من طرف وزير المالية بدل رئيس الحكومة (الوزير الأول سابقا)، أم لا.
في هذا السياق، أوضح الخبير الدستوري أنَّ “ظهير المعاش الاستثنائي” لرئيس الحكومة السابق سيطرحُ إشكالا كبيرا جدا في حال ثبتت صحّته لكونه لم يُنشر في الجريدة الرسمية قبل تطبيق مضمونه؛ فإذا كان القانون لا يشدد على نشر الظهائر في الجريدة الرسمية، سابقا، فإنّ دستور 2011 نصّ على أنّ أيّ نصّ قانوني لا يكون له أثر في الواقع إلى إذا تمّ نشره في الجريدة الرسمية.
جدير بالذكر أنَّ الظهائر تُوقّع بالعَطف من طرف رئيس الحكومة، باعتبار أنّ المَلك غيرُ مسؤول قانونيا وسياسيا عمّا يترتّبُ عليها من الحقوق، وبالتالي فإنَّ آثارها القانونية يتحملها رئيس الحكومة، وثمّة ظهائرُ أخرى يُفوّض توقيعها إلى مستشاري الملك، وتتعلق بالمجالات التي لا يُمكن أن يوقّع فيها رئيس الحكومة، كتعيين رئيس الحكومة نفسه.
منقول عن هسبريس – محمد الراجي.