مجلة مغرب القانونالقانون الخاصناجم توفيق: المحاكم الرياضية: النشأة، التخصص والإكراهات

ناجم توفيق: المحاكم الرياضية: النشأة، التخصص والإكراهات

ناجم توفيق دكتور في القانون العام. باحث في العلوم الإدارية

تمهيد:

الرياضة هي نشاط اجتماعي وثقافي يهدف إلى تنمية القدرات البدنية والعقلية والروحية للفرد والجماعة. ولكن الرياضة ليست خالية من المشاكل والنزاعات التي تحتاج إلى تسوية قانونية عادلة وسريعة. لذلك ظهرت فكرة إنشاء محاكم رياضية متخصصة تتولى الفصل في القضايا الناشئة من ممارسة الرياضة أو التنظيم الرياضي. في هذا المقال سنحاول تسليط الضوء على أهمية وخصوصية المحاكم الرياضية، وكذلك التحديات والصعوبات التي تواجهها على المستوى الدولي.

أما وطنيا، يمثل تطوير الرياضة أحد الركائز الأساسية في بناء مجتمع ملتزم بالدمقراطية ومؤمن بالحداثة، وهي جزء من مشروع المبادرات الكبرى التي قام بها العاهل المغربي الملك محمد السادس منذ توليه العرش.

وتحمل الرياضة أهمية كبيرة بالنسبة لأي مجتمع يسعى لنشر قيم الوطنية والمواطنة والتضامن والتسامح. إنها تشكل وسيلة لتعزيز التنمية البشرية وتسليط الضوء على أهمية التربية والثقافة والصحة.

وبالنظر إلى الدور الاجتماعي والاقتصادي البارز للرياضة، يصبح تدخل الدولة في هذا القطاع أمرا ضروريا. يجب على الدولة تقديم الإشراف والرقابة على ممارسة الرياضة وتعزيزها، بالإضافة إلى توفير هياكل وبنى تحتية للرياضة. وهذا يشمل التربية البدنية وتطوير الأنشطة الرياضية كجزء من الصالح العام. كما تقع هذه المسؤولية على الأفراد الذاتيين والكيانات القانونية الأخرى الواجبة امتثالها للقانون العام أو القانون الخاص.

بالإضافة إلى ذلك، إذا تمت ممارسة الأنشطة الرياضية بشكل صحيح، يمكن أن تساهم في تحقيق الرفاهية ومكافحة الفقر والتهميش. إن رياضة النخبة تلعب أيضا دورا كبيرا في جذب الاهتمام والشغف من قبل المجتمع. ومن هنا، يأتي دور الدولة لتعزيز هذا القطاع وتأكيد دور المغرب كدولة رياضية كبيرة.

ولضمان النجاح والتطوير في رياضة المستوى العالي، تلعب الدولة دورا مركزيا، بما في ذلك تدريب النخب وإعداد المنتخبات الوطنية للمشاركة في المسابقات الرياضية العالمية. إن تمكين الرياضيين من الاندماج في المجتمع وتزويدهم بالتدريب المهني يعتبر أمرا هاما من دون شك.

أما على الجانب القانوني، عانت الرياضة الوطنية من بعض الاختلالات التي عجلت بالحاجة إلى تنقيح الإطار القانوني. حيث يهدف هذا القانون إلى جعل الرياضة جزءا أساسيا من النموذج الاجتماعي المغربي وزيادة تأثير المغرب على الساحة العالمية.

لذلك، سنعمل في هذا المقال، على الإجابة عن الإشكال الرئيس، والمتمثل في:

أهمية المحاكم الرياضية وخصوصيتها على الصعيدين الوطني والدولي، بالإضافة إلى التحديات والصعوبات التي تواجه هذه المحاكم فيما يتعلق بالبنية التحتية والتنظيم.

وعلى هذا الأساس، اخترنا تقسيم مقالنا إلى مبحثين أساسيين، وذلك وفق الشكل التالي:

  • المبحث الأول: فكرة إنشاء محاكم رياضية متخصصة على الصعيد الدولي
  • المبحث الثاني: المحاكم الرياضية في المغرب بين الإمكانية والاستحالة

المبحث الأول: فكرة إنشاء محاكم رياضية متخصصة على الصعيد الدولي

في إطار التطور المتسارع للرياضة وزيادة النزاعات المرتبطة بها، نشأت فكرة إنشاء محاكم رياضية متخصصة على الصعيد الدولي. تلك المحاكم تهدف إلى توفير منصة لحل النزاعات الرياضية بطرق سلمية ومحايدة، وللنظر في القضايا التي تتعلق بالقوانين والأخلاقيات الرياضية على الصعيد الدولي، سنعمل على تناول أهمية وخصوصية المحاكم الرياضية والتحديات التي تواجهها (المطلب الأول)، ثم سنأتي بالحديث على محكمة التحكيم الرياضية الدولية لفض النزاعات (المطلب الثاني).

المطلب الأول: أهمية وخصوصية المحاكم الرياضية والتحديات التي تواجهها

تشكل المحاكم الرياضية عمقا أساسيا في منظومة الرياضة العالمية، حيث تسهم بفاعلية في تحقيق العدالة وفض النزاعات الرياضية على الصعيد الدولي. ومع ذلك، تواجه هذه المحاكم تحديات متعددة تتعلق بتطورات القوانين والتقنيات والأخلاقيات الرياضية، مما يستدعي التفكير الجاد في تطويرها وتعزيز دورها في تحقيق الشفافية والعدالة في عالم الرياضة.

الفقرة الأولى: أهمية وخصوصية المحاكم الرياضية

المحاكم الرياضية هي هيئات قضائية مستقلة تتألف من قضاة أو محكمين لهم خبرة ومعرفة بالقانون الرياضي، وتختص بالفصل في النزاعات الرياضية التي تنشأ بين الأطراف المتعلقة بالرياضة، مثل الرياضيين والأندية والاتحادات والجامعات والهيئات الإدارية وغيرها.[1]

وتتمتع المحاكم الرياضية ببعض الخصائص التي تميزها عن المحاكم العادية، منها:

السرعة: تسعى المحاكم الرياضية إلى حسم النزاعات في أقصر وقت ممكن، نظرا لطبيعة الأنشطة الرياضية التي تتطلب التزام بالجدول الزمني والبرامج المحددة. كما أن بعض القضايا تحتم التدخل الفوري لإصدار قرار احترازي أو استثنائي.[2]

التخصص: تتطلب المحاكم الرياضية معرفة عميقة بالقانون الرياضي، وهو فرع من فروع القانون يتأثر بالتطورات والابتكارات في مجال الرياضة، كما يشتمل على مجموعة من المبادئ والقوانين والأنظمة والاتفاقات التي تنظم علاقات الأطراف المشاركة في الحقل الرياضي.[3]

الانسجام: تسعى المحاكم الرياضية إلى تحقيق التوافق بين قوانين وأنظمة كل دولة أو منطقة، وبين المبادئ والقوانين التابعة للمنظمات الرياضية الدولية، مثل اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم وغيرها. كما تحترم المحاكم الرياضية القواعد والأعراف والتقاليد الرياضية التي تنظم سير المنافسات والبطولات.

الفقرة الثانية: التحديات والصعوبات التي تواجه المحاكم الرياضية

على الرغم من أهمية المحاكم الرياضية في تسوية النزاعات الرياضية، إلا أنها تواجه بعض التحديات والصعوبات التي تحد من فعاليتها ونجاعتها، منها:

التنافس مع التحكيم الرياضي: يعتبر التحكيم الرياضي أحد أشكال حل النزاعات بالتراضي، حيث يلجأ الأطراف إلى محكم أو هيئة تحكيم لفصل خلافهم بدلا من المحكمة. ويتمتع التحكيم الرياضي ببعض المزايا، مثل سرية المسطرة وسهولة تنفيذ القرارات وإمكانية اختيار المحكم بناء على خبرته وثقته. كما أن بعض المنظمات الرياضية تفرض على أعضائها التخلي عن حقهم في اللجوء إلى المحكمة والقبول بالتحكيم كوسيلة حصرية لحل النزاعات.[4]

التباين في التشريعات والأنظمة: تختلف التشريعات والأنظمة المنظمة للقضاء الرياضي من دولة إلى أخرى، فبعض الدول تنشئ محاكم رياضية مستقلة، وبعضها تخصص أقسام أو غرف رياضية داخل المحاكم العادية، وبعضها لا توجد به محاكم رياضية على الإطلاق. كما تختلف درجة استقلالية وفعالية هذه المحاكم باختلاف طبيعة علاقتها بالسلطات الإدارية والسياسية والرياضية.[5]

الصعوبات في تطبيق وتنفيذ الأحكام: قد تواجه المحاكم الرياضية صعوبات في تطبيق وتنفيذ قراراتها، خصوصا إذا كانت هذه القرارات تتعارض مع قانون أو نظام دولة أخرى، أو إذا كان هناك نزاع بشأن اختصاص المحكمة أو شروط قابلية التنفيذ. كما قد يستأنف بعض الأطراف قرارات المحاكم الرياضية إلى مؤسسات تحكيم دولية، مثل محكمة التحكيم الرياضية (CAS)،[6] مما يؤدي إلى تأخير الحسم في النزاع من الناحية العملية.

وعلى العموم، فإن حسم النزاعات الرياضية يتطلب تعاونا وتنسيقا بين المحاكم الرياضية والهيئات التحكيمية والمنظمات الرياضية على المستوى الدولي، واحترام مبادئ القانون والعدالة والشفافية والحياد. كما يتطلب توحيد وتطوير التشريعات والأنظمة المنظمة للقضاء الرياضي، وتدريب وتأهيل القضاة والمحكمين المتخصصين في القانون الرياضي، وتوفير الإمكانات والموارد اللازمة لسير المحاكم الرياضية بكفاءة وجودة.

المطلب الثاني: محكمة التحكيم الرياضية الدولية لفض النزاعات

تمثل محكمة التحكيم الرياضية هيئة شبه قضائية دولية متخصصة في النزاعات المتعلقة بالرياضة، تعتبر سلطة متخصصة قادرة على البت في النزاعات الدولية من خلال آلية قضاء مرنة وغير مكلفة. وتحظى قرارتها التحكيمية باحترام المؤسسات الرياضية في العالم.

الفقرة الأولى: سياق تأسيس محكمة التحكيم الرياضية وبنيتها المؤسساتية

أولا: تأسيس محكمة التحكيم الرياضية

تأسست محكمة التحكيم الرياضية[7] سنة 1984، وتمتلك فروعا في مدينتي نيويورك بالولايات المتحدة وسيدني بأستراليا، بالإضافة إلى محكمة مؤقتة تنشأ في المدن المضيفة للألعاب الأولمبية أثناء فترة إقامة هذه الألعاب.[8]

وتكمن فكرة إنشاء هذه المحكمة في إنشاء هيئة قضائية مختصة لفض النزاعات المتعلقة بالرياضة، سواء كانت تلك النزاعات مباشرة أو غير مباشرة، بالإضافة إلى إنشاء سلطة متخصصة قادرة على حسم النزاعات الدولية باستخدام إجراءات مرنة وسريعة واقتصادية.[9]

ثانيا: الهيكلة المؤسساتية لمحكمة التحكيم الرياضية

تتميز محكمة التحكيم الرياضية باستقلالها التام عن أي منظمة رياضية، حيث تكون تحت الإشراف الإداري والمالي للمجلس الدولي للتحكيم الرياضي (ICAS)،[10] وقد أقرت اللجنة الأولمبية الدولية قانونها الأساسي الذي بدأ العمل به اعتبارا من 30 يونيو سنة 1984.

تضم المحكمة ما يقرب من 300 محكم من 87 دولة مختلفة، حيث يتم انتقاء هؤلاء المحكمين بناء على خبرتهم الخاصة في مجال التحكيم وقانون الرياضة. وتسجل حوالي 300 قضية سنويا أمام هذه المحكمة، مما يظهر أهمية وازدهار الطلب على حل النزاعات الرياضية عبر هذا الجهاز المختص.

ثالثا: أهداف محكمة التحكيم الرياضية

تهدف محكمة التحكيم الرياضية إلى حل النزاعات المرتبطة بالأنشطة الرياضية بوسائل متعددة، بدءا من التحكيم وصولا إلى الوساطة والقواعد الإجرائية المعدلة خصيصا لتتناسب مع تطلبات واحتياجات العالم الرياضي. وبالإضافة إلى ذلك، تقدم المحكمة استشارات قانونية (فتاوى) فيما يتعلق بالقضايا والمسائل المتعلقة بالرياضة، مما يسهم في توجيه الأفراد والكيانات الرياضية في الامتثال للأنظمة والتشريعات المعمول بها.[11]

مقال قد يهمك :   حــــماية الأجيرة خـــلال فــترة الأمــومة

الفقرة الثانية: القضايا التي تعنـى بها محكمة التحكيم الرياضية

شكل إنشاء محكمة التحكيم الرياضية سنة 1984 خطوة مهمة في مجال حل النزاعات المتعلقة بالأنشطة الرياضية. حيث يمكن للأفراد والكيانات المختلفة مثل الرياضيين، والأندية، والاتحادات الرياضية، والمنظمين للأحداث الرياضية، وشركات البث التلفزيوني، اللجوء إلى هذه المحكمة لحل النزاعات الرياضية المتنوعة.[12] يكمن جوهر عمل المحكمة في تسوية هذه النزاعات بطرق متعددة مثل التحكيم والوساطة واستخدام القواعد الإجرائية المصممة خصيصا لقضايا الرياضة.

وفيما يتعلق بقانونية اللجوء إلى هذه المحكمة، يجب أن يكون هناك “اتفاق تحكيم” بين الأطراف المتنازعة يحدد اللجوء إلى المحكمة ويعترف بولايتها. كما يعتبر اللجوء إليها اختياريا وقائما على إرادة الأطراف، لكنه تمت المصادقة على ولايتها القضائية من قبل اللجنة الأولمبية الدولية ومعظم الاتحادات الرياضية الدولية.

ناهيك عن أن قرارات المحكمة التحكيمية لها قوة إنفاذ قانوني تشابه الأحكام الصادرة عن المحاكم العادية. يمكن الاستئناف ضد هذه القرارات أمام المحكمة العليا الفدرالية السويسرية، وعلى الرغم من ذلك، نادرا ما تنجح هذه الاستئنافات وتقتصر غالبا على المسائل الإجرائية دون التأثير على جوهر النزاع.[13]

تعتمد لجان التحكيم في المحكمة على ثلاثة محكمين مستقلين عن الأطراف، ويتعين على الأطراف المتنازعة الاتفاق على القانون الواجب تطبيقه في القضية المعنية. إذا فشلوا في التوصل إلى اتفاق بشأن القانون، يطبق القانون السويسري تلقائيا.

وتتميز المحكمة بقدرتها على حسم النزاعات في فترة زمنية نسبيا قصيرة، حيث تستغرق القضايا عادة من 6 إلى 12 شهرا. كما يمكن أن تصدر القرارات الطارئة في الحالات العاجلة، وتنفذ بسرعة وفقا لمتطلبات الوضع.[14]

وتهدف المحكمة إلى توفير آلية فعالة ومختصة لحل النزاعات في عالم الرياضة، حيث يمكن لأي شخص ذو أهلية قانونية اللجوء إليها. تشمل هذه الأهلية الرياضيين، والأندية، والاتحادات الرياضية، والمنظمين للأحداث الرياضية، وشركات البث التلفزيوني. وبفضل استقلاليتها عن أي منظمة رياضية وتابعيتها للمجلس الدولي للتحكيم الرياضي، فإنها تضمن إجراءات قضائية مستقلة وعادلة.[15]

عموما، يعتبر إنشاء محكمة التحكيم الرياضية واحدة من الخطوات الهامة في تطوير الرياضة وتعزيز تفعيل قوانينها وقواعدها. إنها تساهم في تعزيز النزاهة والعدالة في عالم الرياضة وتعزيز مبادئ الانضباط والتضامن والتعاون بين الأطراف المختلفة في هذا القطاع.[16]

المبحث الثاني: المحاكم الرياضية في المغرب بين الإمكانية والاستحالة

حقيقة، لا يوجد محاكم رياضية في المغرب حاليا، ولكن هناك مبادرة تشريعية تروم إحداثها لفض النزاعات الرياضية.[17] وفقا لمقترح القانون، ستتألف المحاكم الرياضية من قضاة متخصصين في القانون الرياضي، وستختص بالنظر في القضايا المتعلقة بالعقود الرياضية، والمنشطات، والشغب في الملاعب، والتلاعب بالنتائج الرياضية، وغيرها. ومن المتوقع أن تسهم هذه المحاكم في تحسين الحوكمة الرياضية وحماية حقوق الرياضيين والجمعيات والأندية.

ولكن يبدو أن هذه المبادرة تواجه مقاومة من قبل الحكومة، التي رفضت مقترح القانون بحجة أنه يتعارض مع مبدأ توحيد القضاء وأنه يخلق تشتتا في التشريعات والأنظمة.[18] كما أن بعض الخبراء يشككون في فعالية المحاكم الرياضية في حل النزاعات، خصوصا إذا كانت هذه النزاعات تخضع للقانون الدولي الرياضي أو للاتحادات الدولية أو للجان التحكيم.[19]

إذن، يمكن القول إن إحداث محاكم رياضية في المغرب هو مشروع طموح وجدير بالدراسة والنقاش، لكنه يحتاج إلى توافق سياسي وقانوني ورياضي. وعلى هذا الأساس، سنناقش مسألة الرياضة المغربية وإنشاء محاكم وقضاء مختص بين الضرورة وعد الضرورة لذلك (المطلب الأول)، ناقلين الطرح نحو التطوير الرياضي في المغرب بين مشروع المحاكم الرياضية والمجلس الأعلى للرياضة (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الرياضة المغربية وإنشاء محاكم وقضاء مختص بين الضرورة واللاضرورة

تجد المملكة المغربية نفسها أمام حاجة ملحة إلى تأسيس هيئة قضائية متخصصة في مجال الرياضة، ويعتبر هذا الاقتراح ذا أهمية بالغة نظرا للتحديات التي تواجه القطاع الرياضي في البلاد. إذ يشهد المشهد الرياضي المغربي تصاعدا في عدد وتعقيد النزاعات التي تنشأ بين مختلف الأطراف المتورطة فيها، بدءا من الرياضيين وصولا إلى الأندية والجامعات والاتحادات والحكام والمنظمات الدولية. تلك النزاعات تتطلب تواجدا متخصصا يتقن قوانين الرياضة والقواعد الرياضية بشكل عميق.

بالإضافة إلى ذلك، يشهد القطاع الرياضي في المغرب ضعفا في مجال الحوكمة، وانتشار ظواهر سلبية مثل استخدام المنشطات والتلاعب بالنتائج وحوادث الشغب في الملاعب. هذه الأمور تشكل تهديدا كبيرا لسمعة ومصلحة الرياضة المغربية.

علاوة على ذلك، يشهد القطاع التحكيمي في المغرب تأخرا في تطبيق القانون 30-09، الذي ينص على إنشاء غرفة التحكيم الرياضي، والتي يتوقع منها أن تلعب دورا حيويا في فض النزاعات الرياضية. وبالتالي، فإن تأسيس هيئة قضائية متخصصة في الرياضة يمكن أن يسهم في تحسين الحوكمة الرياضية وحماية حقوق الرياضيين والأندية.[20]

إلى جانب ذلك، يمكن أن يخدم هذا المشروع الطموح في تقليل التكلفة والزمن المرتبطين بالتحكيم الدولي في النزاعات الرياضية، حيث يتطلب هذا التحكيم تطبيق القوانين الدولية للرياضة والقوانين الخاصة بالاتحادات واللجان الأولمبية، مما قد يتعارض في بعض الأحيان مع المصلحة الوطنية أو حقوق الرياضيين المغاربة.

إذن، يمكن القول إن تأسيس هيئة قضائية متخصصة في الرياضة في المغرب يمثل تحديا ملحا يتطلب التوافق والنقاش بين الأطراف السياسية والقانونية والرياضية، ولكنه يعد خطوة ضرورية نحو تعزيز وتنمية القطاع الرياضي في البلاد.[21]

الفقرة الأولى: طبيعة الأنشطة الرياضية والنزاعات التي تتخللها

تمثل الأنشطة الرياضية أنشطة جسدية أو عقلية يمارسها الأفراد أو الجماعات بهدف الترفيه أو المنافسة أو التعبير عن الهوية أو تحسين الذات. في هذا السياق، يمكن تصنيف النشاطات الرياضية كوسيلة لبناء اللياقة البدنية والنفسية، وكذلك وسيلة لتعزيز الروح الرياضية والتضامن المجتمعي.

مع ذلك، لا يمكن تجنب حدوث النزاعات الرياضية بين الأطراف المختلفة المتعاملة في هذا القطاع، وهؤلاء يشملون الرياضيين والجمعيات والأندية والجامعات والاتحادات والحكام والمنظمات الدولية. طبيعة هذه النزاعات تتفاوت وتعتمد على نوع الرياضة ومستواها وقوانينها المحددة. يتطلب حل هذه النزاعات تدخلا متخصصا وسريعا وعادلا، حيث يتعين مراعاة القوانين والقواعد المعمول بها في مجال الرياضة والمستندات المتعلقة بالنزاع.[22]

أولا: طبيعة الأنشطة الرياضية

لا يمكن تصنيف أي نشاط تلقائيا كنشاط رياضي، إلا إذا كان مرتبطا بمفهوم الرياضة نفسه. وبالنظر إلى أن الرياضة تتطلب امتثالا لمجموعة من الضوابط، فإنه يجب أن يتوافر في النشاطات الرياضية الجوانب التي تنسجم مع هذه الضوابط، وذلك سواء بناء على الطبيعة الخاصة للرياضة نفسها أو استنادا إلى التنظيمات والأنظمة المعمول بها.

إحدى الضوابط الأساسية تقتضي أن يؤدي النشاط الرياضي بطبيعته إلى إمكانية تطبيق المسائلة القانونية عند الحاجة. على الرغم من وجود إجراءات قانونية في المجال الرياضي، إلا أنها غالبا ما تكون غير كافية لحل النزاعات بشكل فعال. وهناك نقص في وجود محاكم رياضية متخصصة تعنى بفض النزاعات الرياضية.[23]

وبصرف النظر عن هذا النقص، تكمن مشكلة أخرى في التكلفة الباهظة للتحكيم الدولي في النزاعات الرياضية، حيث يتطلب هذا التحكيم تطبيق القوانين الدولية للرياضة أو للاتحادات واللجان الأولمبية، وهذا يمكن أن يكون تحديا للمصلحة الوطنية ولحقوق الرياضيين المغاربة. لهذا السبب، تظل الرياضة في بلادنا في حاجة ملحة إلى قضاء متخصص، قضاء يمتلك القدرة على مواكبة الظاهرة الرياضية المتسارعة والمتطورة والتي غالبا ما تنتج نزاعات تتطلب حلا فوريا.

الرياضة تمثل فنا وأخلاقا، ولهذا يجب على جميع من ينتمون إلى المجال الرياضي أن يتحلى بالأخلاق الرفيعة ويحترموا قوانين اللعبة والالتزام بالانضباط في التحكيم. إن تجاوز الحدود المحددة في القوانين الرياضية يمكن أن يفتح الباب أمام التدخل القانوني العاجل من قبل المحكمة الرياضية، وهذا يمكن أن يؤدي إلى فصل سريع وعادل في القضايا الرياضية المعلقة. وبالتأكيد، سيساهم ذلك بشكل كبير في تصحيح العديد من السلوكيات غير المقبولة في المجتمع الرياضي.

بالإضافة إلى ذلك، سيساهم إنشاء محاكم رياضية متخصصة بشكل كبير في تنمية وتطوير مختلف الأنشطة الرياضية. ستتيح هذه المحاكم وسائل فعالة لمراقبة الجامعات والجمعيات والشركات الرياضية، وسيكون بالإمكان اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لإدارة القطاع الرياضي بفعالية.

بعبارة أخرى أكثر تركيز، سيسهم إرساء مبادئ المحاكم الرياضية بشكل كبير في تهذيب السلوكيات السلبية في الوسط الرياضي وتعزيز الأخلاقيات الرياضية وتطوير الرياضة عموما.

ثانيا: خصوصية النزاعات الرياضية

تتسم النزاعات الرياضية بخصوصيتها، حيث تنشأ غالبا نتيجة لمخالفة قواعد اللعبة وعدم الامتثال للأخلاقيات الرياضية. في هذه الحالات، يتم حسم النزاعات عادة خلال المباراة نفسها عن طريق الحكم الرياضي الذي يفرض العقوبات المناسبة على المخالفين.

مقال قد يهمك :   تــــــزوير جواز التلقيح .. أيــــة عقوبات؟

ومع ذلك، قد تتعدى النزاعات الرياضية هذا الإطار الضيق وتتعلق بقضايا تتعلق بإدارة وتنظيم الأنشطة الرياضية والعلاقات بين الجهات المشاركة فيها. وهذا يشمل قضايا العقوبات التي تفرضها الأندية والجامعات الرياضية على اللاعبين والمسؤولين. في هذه الحالات، يكون هناك حاجة لنظام قضائي يستطيع التعامل مع هذه القضايا بشكل فعال وفقا للقوانين واللوائح الرياضية، وهذا ما يمكن أن يوفره القضاء الرياضي المتخصص.

بالإضافة إلى ذلك، تنشأ العديد من النزاعات الرياضية نتيجة للعقود الرياضية، مثل عقود الاحتراف، حيث أصبحت الرياضة في العصر الحالي ذات قيمة اقتصادية كبيرة. يتضمن هذا وجود عقود تحمل قيمة مالية عالية، مما يزيد من تعقيدات القضايا القانونية المتعلقة بها ويؤدي إلى نشوء العديد من النزاعات.[24]

ومن المهم أيضا مراعاة أن النزاعات الرياضية تتطلب إجراءات سريعة وفعالة، نظرا لأهمية القرارات والحقوق المتورطة فيها. يعتمد مصير اللاعبين أو الجمعيات الرياضية أو العقود الرياضية على حسم هذه النزاعات في أقرب وقت ممكن، وبأقل تكلفة ممكنة. وهذا يتطلب وجود قواعد قانونية خاصة تناسب الأنشطة الرياضية وتتطلب وجود جهات قضائية متخصصة للتعامل مع هذه القضايا بشكل فعال وسريع.[25]

الفقرة الثانية: غياب قضاء متخصص في المجال الرياضي

في الماضي القريب، لم يكن التخصص ضرورة حتمية في عدة مجالات، ولكن الوضع تغير جذريا في الوقت الحاضر. أصبح التخصص مكملا للتقدم والتطور، ويمكن القول إنه أصبح ضرورة ملحة. ففي مجال العدالة، لم يعد القاضي يتخذ قرارات في جميع القضايا، والمحامي لم يعد يتعامل مع كل القضايا أيضا. بدلا من ذلك، بدأنا نشهد تخصصات دقيقة، مثل المحامي العقاري أو المحامي التجاري.

وبجانب هذه التخصصات، بدأ التخصص يتوسع أكثر في عالم العدالة، حيث ظهر محامون متخصصون في حل النزاعات الرياضية. يعكس هذا التوجه الحاجة المتزايدة للمعرفة والخبرة في هذا المجال الخاص، حيث يشتمل القاضي في الوقت الحالي على تحديات عديدة تتطلب منه مستوى عال من الخبرة والمعرفة.

لذا، أصبح من الضروري وجود قضاء متخصص في المجال الرياضي، تماما كما هو الحال في مجالات القضاء المدني والتجاري والإداري. إذ أن هذا التخصص يتطلب معرفة عميقة بالأمور الرياضية وقوانينها المعقدة. وبالنظر إلى الأهمية المتزايدة للرياضة كقطاع اقتصادي واجتماعي، يعتبر وجود قضاء رياضي متخصص ضرورة ملحة لضمان تطوير هذا القطاع وحماية حقوق الأطراف المعنية.[26]

كما إن وجود قضاء متخصص في المجال الرياضي بالمغرب سيكون له تأثير إيجابي كبير على تسيير الجمعيات والشركات الرياضية. سيكون لدى المسؤولين عن هذه الجهات الإحساس بوجود نظام قضائي يمكن أن يطبق عليهم في حالة انتهاك القوانين واللوائح الرياضية. وهذا سيشجعهم على اتخاذ قرارات مدروسة ومسؤولة في إدارة الجمعيات والشركات الرياضية، وبالتالي سيسهم في تحسين مستوى التنظيم والإدارة في هذا القطاع.

بالإضافة إلى ذلك، سيشعر الرياضيون المحترفون الذين يعقدون عقودا مع الشركات أو الجمعيات الرياضية بالثقة في حقوقهم. في حالة حدوث نزاعات أو مشكلات مع جهات العقد، سيكون لديهم القدرة على اللجوء إلى القضاء الرياضي المتخصص لحل هذه النزاعات بشكل عادل وفقا للقوانين الرياضية.[27]

المطلب الثاني: التطوير الرياضي في المغرب بين مشروع المحاكم الرياضية والمجلس الأعلى للرياضة

تعتبر الرياضة في المغرب عاملا حيويا في بناء مجتمع ديمقراطي وحداثي. واكتسابها أهمية خاصة يتطلب البحث عن آليات تعزز تنميتها وتطويرها. في هذا السياق، تظهر مبادرة مشروع المحاكم الرياضية والرؤية المستقبلية للمجلس الأعلى للرياضة في المغرب كخطوتين مهمتين لتطوير القطاع الرياضي بالبلاد. سنبحث في هذا المقال عن كيفية جعل هذين المشروعين عوامل رئيسية في دعم وتعزيز الرياضة المغربية.

الفقرة الأولى: مشروع تشريعي لتقوية الرياضة المغربية عبر إقامة محاكم رياضية متخصصة

تم تقديم مقترح قانون لإنشاء محاكم رياضية متخصصة في مجلس النواب، مستلهم من تجارب دولية ناجحة في هذا المجال.

وتهدف هذه المبادرة إلى مواجهة الظواهر السلبية التي تهدد الحقل الرياضي، مثل استعمال المنشطات والتلاعب بالنتائج والعنف والشغب في وسط وخارج الملاعب، والتي تشكل تهديدا لسلامة وأمان الرياضيين والجماهير والممتلكات.

تم تحديد تشكيلة واختصاصات المحاكم الرياضية ومحاكم الاستئناف الرياضية في هذا المقترح، حيث يجب أن تتألف من قضاة متخصصين في القانون الرياضي وتقسم إلى غرف حسب طبيعة القضايا المعروضة عليها. وتختص هذه المحاكم بالدعاوى المتعلقة بالعقود الرياضية والمنشطات والشغب في الملاعب والتلاعب بالنتائج وغيرها من القضايا ذات الصلة بالقانون الوطني الرياضي.

ويؤكد المقترح على سرعة إجراءات المحكمة الرياضية وإمكانية الاستئناف أمام محكمة الاستئناف الرياضية، بالإضافة إلى إمكانية التفاوض بين الأطراف على اختيار المحكمة المختصة. وتستثنى من اختصاص المحكمة الرياضية القضايا التي تتعلق بالقانون الدولي الرياضي أو الاتحادات الدولية أو للجان التحكيم.[28]

كما يؤكد المشروع على سرعة إجراءات المحكمة الرياضية وإمكانية الاستئناف أمام محكمة الاستئناف الرياضية، بالإضافة إلى إمكانية التفاوض بين الأطراف حول اختيار المحكمة المختصة. كما تم استثناء القضايا التي تتعلق بالقانون الدولي الرياضي أو بالاتحادات الدولية أو بلجان التحكيم من اختصاص المحكمة الرياضية.[29]

الفقرة الثانية: المجلس الأعلى للرياضة في المغرب كرؤية تنظيمية لتطوير القطاع الرياضي

المجلس الأعلى للرياضة في المغرب هو مؤسسة دستورية مقترحة تهدف إلى تنظيم وتطوير القطاع الرياضي في المملكة. وفقا لمشروع القانون 30-09، سيكون المجلس الأعلى للرياضة هيئة استشارية تضم ممثلين عن مختلف الجهات ذات العلاقة بالرياضة في المغرب. ستكون له مهام هامة تشمل إعداد استراتيجية وطنية للتنمية الرياضية وتقديمها للملك، وإصدار آراء وتوصيات حول القضايا الرياضية المختلفة، وتشجيع التعاون بين الأطراف المختلفة في المجال الرياضي.

ومن المتوقع أن يلعب المجلس الأعلى للرياضة دورا مهما في تحسين حوكمة القطاع الرياضي في المغرب وحماية حقوق الرياضيين والأندية والجمعيات الرياضية. سيكون له أيضا دور في تحديد معايير الجودة والأخلاق في ممارسة الرياضة، وتشجيع البحث العلمي والابتكار في مجال الرياضة، وتكريم ودعم الرياضيين المتميزين.

ومع ذلك، يبدو أن هذه المؤسسة واجهت صعوبات في رؤية النور حيث لم يتم إقرار مشروع القانون 30-09 منذ إصداره في عام 2010.[30] هذا يشير إلى وجود تحديات قانونية أو سياسية قد تكون وراء عدم تنفيذه حتى الآن. بالإضافة إلى ذلك، هناك شكوك من بعض الخبراء بشأن فعالية المجلس المقترح في حل المشاكل التي تعاني منها الرياضة المغربية، خصوصا إذا تورط في قضايا إدارية أو جامعية أو سياسية.

إضافة إلى المعلومات التي تم ذكرها في النص السابق، يمكن إضافة بعض الجوانب والملاحظات الإضافية حول هذا الشأن:

تأثير السياسة والتشريع على التنظيم الرياضي: يمكن التطرق إلى كيفية تأثير القوانين واللوائح التي يمكن أن تتماشى أو تتعارض مع مهام المجلس الأعلى للرياضة. قد يكون هناك تحديات تتعلق بالتوافق بين السياسات الحكومية واستقلالية المجلس في اتخاذ قراراته.

التمويل والاستدامة: يمكن التطرق إلى مسألة تمويل المجلس الأعلى للرياضة وكيفية تأمين الموارد المالية اللازمة لتحقيق أهدافه. قد يكون هذا تحديا في بعض الأحيان، خاصة إذا كان المجلس يعتمد جزءا كبيرا من ميزانيته على تمويل حكومي.

الشفافية ومكافحة الفساد: يمكن التركيز على دور المجلس في تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد في الرياضة المغربية. هذا يمكن أن يشمل مراقبة الانتخابات في الأندية والاتحادات الرياضية، وتوفير آليات للإبلاغ عن الفساد، وتعزيز معايير الحوكمة.

العلاقات الدولية: يمكن التطرق إلى كيفية تفاعل المجلس مع المنظمات والهيئات الرياضية الدولية، مثل اللجنة الأولمبية الدولية، والتعاون معها في مجالات مثل إعداد الرياضيين للبطولات الدولية وتنظيم الأحداث الرياضية على المستوى العالمي.

تحديات الرياضة المغربية: يمكن التطرق إلى التحديات الفعلية التي تواجه الرياضة المغربية، مثل قضايا التطوير البنيوي للبنية التحتية الرياضية وتطوير المواهب الشابة.

آفاق المستقبل: يمكن أن يتم التحدث عن توقعات المجلس الأعلى للرياضة وكيف يمكن أن يسهم في تحقيق أهداف التنمية والتقدم في ميدان الرياضة في المغرب.

خاتمة:

هل هناك قضاء متخصص رياضيا في المغرب؟ لا يوجد إجابة واضحة على هذا السؤال، لأن إنشاء قضاء رياضي في المغرب يتطلب توافقا سياسيا وقانونيا ورياضيا بين مختلف الفاعلين المعنيين. ومع ذلك، يمكننا القول أن هذا المشروع ليس جديدا، فقد تم إعداد مشروع قانون 30-09 في سنة 2010 لإحداث غرفة التحكيم الرياضي، ولكنه لم يتم إقراره حتى الآن.

وفقا لهذا المشروع، ستكون غرفة التحكيم الرياضي هيئة مستقلة تتألف من قضاة وخبراء في القانون الرياضي، وستختص بالبت في النزاعات الرياضية التي تنشأ بين الأطراف الموافقة على التحكيم. كما ستكون قراراتها نهائية وملزمة للأطراف، ولا يجوز الطعن فيها إلا أمام المحكمة العليا.

مقال قد يهمك :   رئيس النيابة العامة: ضرورة ملاءمة المواقع الإلكترونية مع قانون الصحافة والنشر الجديد

ولكن هذه الغرفة لن تكون قضاء رياضي بالمعنى الكامل، فهي لن تكون جزءا من هرمية المحاكم، ولن تستطيع التدخل في القضايا التابعة للقانون الدولي الرياضي أو للاتحادات أو للجان التحكيم الدولية. كما أنها ستكون اختيارية وليست إلزامية للأطراف.

ولذلك، قد يكون من المستحسن إحداث محاكم رياضية متخصصة تكون جزءا من السلطة القضائية، وتختص بالبت في جميع أنواع القضايا الرياضية، سواء كانت مدنية أو جزائية أو إدارية. وهذه المحاكم ستكون مؤلفة من قضاة مدربين على القانون الرياضي، وستطبق قوانين ولاسائل خصصت لهذه المجال. كما ستكون قادرة على التعامل مع القضايا التابعة للقانون الدولي الرياضي أو للاتحادات أو للجان التحكيم الدولية.

ولإحداث هذه المحاكم، يجب على المشرع المغربي تعديل الدستور والقانون 30-09 والقانون 15-86 المتعلق بالسلطة القضائية، وإصدار قانون خصص لتحديد تشكيل وسير وإجراءات المحاكم الرياضية. كما يجب على السلطات المختصة تخصص مخصصات مالية كافية لإحداث هذه المحاكم وتجهزه بالبشر والبنى التحتية.

كما أنه لا يمكن تحديد مدة زمنية محددة لإنشاء قضاء رياضي في المغرب، فهذا يعتمد على الإرادة السياسية والقانونية والرياضية لتحقيق هذا المشروع. ولكن يمكن القول أن هذا المشروع ضروري وملح لتطوير الرياضة المغربية وحماية حقوق الرياضيين والمؤسسات الرياضية.

فإحداث هذه المحاكم سيمكن من حل النزاعات الرياضية بسرعة وفعالية، وسيسهم في تحسين مستوى الأداء الرياضي في المغرب على الصعيدين الوطني والدولي. بالإضافة إلى ذلك، سيمكن وجود هذا التخصص القانوني من توجيه وتنظيم الأنشطة الرياضية وضمان احترام القوانين والأخلاقيات الرياضية.

على الساحة الدولية، سيكون لهذه المحاكم الدور الكبير في تعزيز مكانة المغرب كمشارك فاعل في الأحداث والمنافسات الرياضية العالمية. إن إقامة هذه المحاكم ليست مجرد مسألة تنظيمية بل هي استثمار في تطوير القطاع الرياضي وتعزيز الشفافية والعدالة فيه.

بالنهاية، نجدد الدعوة إلى النظر الجاد في إنشاء هذه المحاكم الرياضية المتخصصة، لضمان استدامة تطور الرياضة المغربية والارتقاء بمكانتها على الساحة الدولية، وتحقيق مصلحة الرياضيين والأندية والمجتمع الرياضي بشكل عام.

في هذا الباب، تناولنا موضوع الرياضة في المغرب من مختلف الجوانب، لا سيما التشريعية والقضائية منها. ومن خلال هذه الدراسة، نستطيع أن نستخلص بعض النتائج والتوصيات، منها:

  • الرياضة في المغرب جزء لا يتجزأ من الهوية والثقافة والتنمية الوطنية، وتمثل عاملا مهما في تعزيز التماسك الاجتماعي والانفتاح على الآخر.
  • الرياضة في المغرب تشهد تقدما ملحوظا في مختلف المجالات، سواء على المستوى الفني أو التنظيمي أو التشريعي، وتحقق إنجازات مشرفة على الصعيد الإقليمي والدولي.
  • الرياضة في المغرب تواجه صعوبات وعقبات في بعض الجوانب، مثل ضعف الحوكمة والتمويل والبنية التحتية والتكوين والبحث، وانتشار ظواهر سلبية مثل المنشطات والتلاعب بالنتائج والشغب في الملاعب.
  • الرياضة في المغرب تحتاج إلى رؤية استراتيجية شاملة ومتكاملة تستجيب للتحديات والفرص التي تطرحها التغيرات العالمية والمحلية، وتستثمر في قدرات وإمكانات الشباب المغاربة.

ولذلك، ندعو جميع المسؤولين والفاعلين في المجال الرياضي إلى تكثيف جهودهم وتعزيز تعاونهم من أجل تطوير الرياضة المغربية، وإبراز دورها في خدمة المجتمع والوطن عبر ضمان تقاضي مختص في نزاعاتها ووضع محاكم تعنى فقط بهذا المجال.


الهوامش:

[1] Justice: The Court of Arbitration for Sport.” Springer.

[2] صابر دراج، مدى حاجة الرياضة بالمغرب إلى قضاء متخصص، 10 شتنبر 2019 مجلة مغرب القانون www.maroclaw.com

[3] محمود رضا، ما لا تعرفه عن المحاكم الرياضية، مجلة الأهرام، 09/06/2022

https://gate.ahram.org.eg/News/3544278.aspx

[4] Blackshaw, I. (2017). “Sports Law.” Hart Publishing.

[5] إيفا هولوبي ورومين كابوسيني، محكمة التحكيم الرياضية: التحكيم في الرياضة الدولية، هارت للنشر (Hart Publishing)، بريطانيا، طبعة 2016.

[6] CAS هو اختصار لـ “المحكمة الرياضية الدولية”، وبالإنجليزية تعرف باسم “Court of Arbitration for Sport”. هي محكمة دولية مستقلة تأسست لحل النزاعات المتعلقة بالرياضة بطرق تحكيمية. تُعتبر CAS السلطة القضائية الرئيسية في مجال القضايا الرياضية على الصعيدين الوطني والدولي.

يُشرف على CAS المجلس الدولي للتحكيم الرياضي (ICAS)، وهو المجلس الذي يضم أعضاؤه قضاة مستقلين وخبراء قانونيين في مجال الرياضة. تعتمد CAS على قواعد تحكيم متخصصة لحل النزاعات الرياضية بطريقة سريعة وعادلة.

تُستخدم CAS لحل مجموعة متنوعة من القضايا الرياضية، بما في ذلك القضايا المتعلقة بمختلف الرياضات والأحداث الرياضية، والقضايا المتعلقة بالمنشطات والانتهاكات القوانينية واللوائح الرياضية. تتخذ CAS قراراتها بشأن هذه القضايا وتُعتبر قراراتها نهائية وملزمة بالنسبة للأطراف المتنازعة.

بالإضافة إلى مقرها الرئيسي في لوزان، سويسرا، تحتفظ CAS بمحاكم مؤقتة في المدن المستضيفة للأحداث الرياضية الكبرى مثل الألعاب الأولمبية.

[7] يقع مقرها الرئيسي في مدينة لوزان بـسويسرا.

[8] ما هي محكمة التحكيم الرياضية؟ 25/9/2016 www.aljazeera.net

[9] Zimbalist, A. S. (2015). “Circus Maximus: The Economic Gamble Behind Hosting the Olympics and the World Cup.” Brookings Institution Press.

[10] ICAS هو اختصار لـ “المجلس الدولي للتحكيم الرياضي”، وبالإنجليزية يُعرف باسم “International Council of Arbitration for Sport”. ICAS هو الهيئة التي تشرف على المحكمة الرياضية الدولية (CAS) وتدير شؤونها.

ICAS تُعتبر هيئة إشراف وإدارية مستقلة تتألف من مجموعة من الخبراء القانونيين والقضاة المستقلين الذين يمتلكون معرفة خاصة بمجال القانون الرياضي. تأسست ICAS لتكون السلطة القضائية العليا في مجال الرياضة والتي تتخذ قرارات نهائية بشأن النزاعات الرياضية.

من مهام ICAS:

اختيار محكمي المحكمة الرياضية الدولية (CAS) وتعيينهم.

تحديد قواعد التحكيم التي تُستخدم في حل النزاعات الرياضية.

الإشراف على إدارة وسير أعمال CAS وضمان تنفيذ قراراتها.

ICAS تساهم في تعزيز الشفافية والعدالة في مجال القانون الرياضي وتضمن استقلالية المحكمة الرياضية الدولية في حل النزاعات الرياضية.

[11] الموقع الرسمي للمحكمة الدولية للتحكيم الرياضي (CAS)، يمكنك زيارة الموقع هنا: www.tas-cas.org

[12] Gardiner, S., & Welch, M. (2015). “Global Sport Law and Taxation Reports.” Wolters Kluwer Law & Business.

[13] إيفا هولوبي ورومين كابوسيني، محكمة التحكيم الرياضية: التحكيم في الرياضة الدولية، مرجع سابق.

[14] الموقع الرسمي للمحكمة الدولية للتحكيم الرياضي (CAS)، يمكنك زيارة الموقع هنا: www.tas-cas.org

[15] Anderson, J. (2016). “Modern Sports Law: A Textbook.” Hart Publishing.

Gardiner, S., & Siekmann, R. C. (Eds.). (2016). “International Sports Law and Business.” Springer.

[16] الموقع الرسمي للمحكمة الدولية للتحكيم الرياضي (CAS)، يمكنك زيارة الموقع هنا: www.tas-cas.org

[17]إدريس التزارني، مبادرة تشريعية تروم إحداث محاكم رياضية بالمغرب لفض النزاعات، العمق المغربي، 9 مايو 2023

مبادرة تشريعية تروم إحداث محاكم رياضية بالمغرب لفض النزاعات

[18] عبد الرحيم العسري، الحكومة ترفض إحداث محاكم متخصصة في المنازعات الرياضية، هسبريس، الخميس 9 يناير 2020

www.hespress.com

[19] حصري. المغرب يحدث محاكم التحكيم الرياضي، 2019-02-18، مغرب انتليجنس بالعربي

www.maghreb-intelligence.com/ar

[20] Rigozzi, A. (2016). “The Court of Arbitration for Sport 1984-2004.” Kluwer Law International.

[21] عبد الكريم العلمي، محكمة التحكيم الرياضي في المغرب: تأسيس ووظيفة، بحث أكاديمي، 2018.

[22] Mitten, M. J., & Davis, B. M. (2014). “Fundamentals of sports law.” American Bar Association.

[23] عبد الكريم العلمي، محكمة التحكيم الرياضي في المغرب: تأسيس ووظيفة، مرجع سابق.

[24] محمد سليمان الأحمد، زبير حسين يوسف، القضاء الرياضي البديل للقضاء العادي في النزاعات الرياضية ذات الطابع المالي، ص 15.

[25] كريم رحيم، القانون المغربي ومحكمة التحكيم الرياضي، بدون دار نشر، طبعة 2017.

[26] كريم رحيم، القانون المغربي ومحكمة التحكيم الرياضي، مرجع سابق.

[27] مصطفى الكردي، الرياضة والقانون في المغرب، بدون دار نشر، طبعة 2015.

[28] قدم الفريق الحركي بمجلس النواب مقترح قانون يقضي بإحداث محاكم رياضية، وذلك للنظر في القضايا والمنازعات الرياضية أو النزاعات التي تكون الرياضة طرفا فيها، كما هو حاصل في عدة تجارب دولية، بتاريخ 9 ماي 2023.

[29] مصطفى الكردي، الرياضة والقانون في المغرب، مرجع سابق.

[30] ظهير شريف رقم 150-10-1 صادر في 13 من رمضان 1431 (24 أغسطس 2010 ) بتنفيذ القانون رقم 09-30 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]