مـــلود عشعاش: علاوة الأقدمية في مدونة الشغل -قراءة في القانون وموقف القضاء وواقع الممارسة-
الدكتور مـــلود عشعاش
عضو مكتب الجمعية المغربية لمفتشي الشغل
مقدمة:
لقد عرف المغرب مجموعة من الإصلاحات القانونية في إطار مواكبة التطورات التي يشهدها العالم وذلك من أجل خلق بيئة مناسبة لتشجيع الاستثمار وجلب المستثمرين، ومن بين الإصلاحات التشريعية الهادفة التي تمس بشكل مباشر ميدان التجارة والأعمال والاستثمار وكذلك الميدان الاجتماعي نجد صدور مدونة الشغل التي عملت على جمع شتات الأحكام التشريعية وضمها في وثيقة واحدة يسهل الرجوع إليها مع صياغتها بشكل منسجم من حيث التوجهات، والمصطلحات والمستجدات التي أفرزتها الممارسة العملية والاجتهادات القضائية.
كما جاءت هذه المدونة من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف من أهمها السعي إلى تسهيل الإجراءات المتبعة في مجال الشغل والتشغيل مع إضفاء طابع المرونة عليها بما يوفر للمقاولة المغربية ظروفا مناسبة لكسب الرهانات الاقتصادية من جهة ومن جهة أخرى ضمان حقوق الاجراء وتعزيزها بما يضمن استقرار علاقات الشغل واستمراريتها.
وفي نفس الإطار، فمدونة الشغل تترجم بالأساس مجموعة من الضمانات الأساسية التي ترسم حدود العلاقة بين الأجير والمشغل وتعطي لكل واحد منهم مجموعة من الحقوق في مقابل ذلك تحمله مجموعة من الالتزامات.
ومن بين أهم الضمانات التي تساعد على استقرار العلاقة الشغلية وتشجيع الأجير على البقاء داخل المقاولة نجد أحقية الأجير في الاستفادة من علاوة الأقدمية كلما استمر في عمله لدى نفس المقاولة وذلك وفق ما يحدده القانون.
فعلاوة الأقدمية في قانون الشغل هي ميزة تمنح للأجراء بناء على مدة خدمتهم في المقاولة، حيث تهدف هذه العلاوة إلى مكافأة الأجراء على ولائهم واستمراريتهم في العمل، وتحدد علاوة الأقدمية عادة كنسبة مئوية من الأجر أو كقيمة مالية ثابتة تضاف إلى الأجر حيث تساهم في تحسين الدخل الإجمالي، مما يزيد من رغبتهم في العمل لتعزيز إنتاجية المقاولة.
وتعتبر مدة علاوة الأقدمية من القضايا الأساسية في حياة الأجراء المهنية والاجتماعية، مما يجعلها مجالًا خصبًا للنزاعات والمطالب النقابية، بالإضافة إلى ذلك، تمثل هذه العلاوة أحد المعايير المهمة المستخدمة لتقييم تطور تشريع العمل وطابعه الاجتماعي التقدمي.
وقد حدد المشرع المغربي في المادة 350 من مدونة الشغل الحد الأدنى لعلاوة الأقدمية، حيث يحصل الأجير بعد مرور سنتين على أول منحة للأقدمية، تليها منح أخرى بعد قضاء عدد محدد من السنوات وهذه المنح هي عبارة عن زيادة في الأجرة بنسب معينة حسب أقدمية الأجير.
وعلا خلاف المشرع المغربي الدي أعطى تنظيما دقيقا لعلاوة الأقدمية بمقتضى المواد من 350 إلى 354 من مدونة الشغل فإن التشريع الفرنسي وبالرغم من كونه المصدر الأساسي للتشريع المغربي فإنه لم يتناول علاوة الأقدمية ولم تعط للأجير الحق في الاستفادة منها بشكل تلقائي كما هو الشأن بالنسبة للمشرع المغربي وإنما أوكل لعقد الشغل أو اتفاقيات الشغل الجماعية تنظيمها وتحديد معايير الاستفادة منها.
وعلى العموم فعلاوة الأقدمية بصفة عامة هي زيادة دورية في نسبة الأجر الممنوح للأجير وفقا للقيمة والفترة المحددة في القانون تشجيعا للأجير من أجل الارتقاء بالجانب المادي وضمان مسار مهني متطور.
غير أن جمالية النصوص القانونية المسطرة في مدونة الشغل والمنظمة لعلاوة الأقدمية قابلها في واقع الأمر أزمة في التطبيق بفعل مجموعة من الإكراهات التي واجهت تنزيل هذا المقتضى القانوني، منها ما يتعلق بغموض النص القانوني أو عدم تناوله لبعض الحيثيات من جهة وإما للتهرب من تطبيق وتنفيد هذا المقتضى الهام أو تطبيقه على غير ما هو عليه في إطار مدونة الشغل.
ومن خلال ما سبق فالإشكالية الأساسية لهذا الموضوع تتمثل فيما يلي : إلى أي حد ساهم التنظيم القانوني لعلاوة الأقدمية في التشريع المغربي في رسم معالم تطبيق هذا الحق القانوني للأجير من جهة وواقع تطبيقه في خضم الإشكالات التي واجهها وموقف القضاء الاجتماعي من جهة أخرى؟
وانطلاقا من هذه الإشكالية فعلاوة الأقدمية يطرح في واقع الأمر مجموعة من الأسئلة المشروعة من قبيل هل علاوة الأقدمية في حقيقة الأمر التزام قانوني يقع على عاتق الجهة المشغلة أم أنه لابد من الاتفاق عليها بمقتضى عقد الشغل أو الاتفاقية الجماعية؟ وما هو أساس احتساب علاوة الأقدمية؟ وكيف تتقادم هل تتقادم السنوات أم تتقادم نسبة الزيادة؟ وكيف يتم التعويض عنها…؟ هذه تبقى فقط عيينة من مجموعة من الأسئلة التي سنحاول معالجتها خلال هذا المقال.
ومن أجل الإجابة عن هذه الإشكالية وكذلك مجموعة من التساؤلات الفرعية لهذا الموضوع الهام الذي لم يلقى العناية اللازمة من الدراسة والبحث نظير ما يثيره من إشكالات في واقع الأمر، سنتناول الشق الأول في التنظيم القانوني لعلاوة الأقدمية في التشريع المغربي، لننتقل للتطرق في الشق الثاني لإشكالات تنزيل علاوة الأقدمية بين واقع الممارسة وموقف القضاء.
المحور الأول: التنظيم القانوني لعلاوة الأقدمية في التشريع المغربي
بالرجوع إلى مدونة الشغل نجد المشرع المغربي قد تناول علاوة الأقدمية في المواد من 350 إلى 354 حيت حاول المشرع المغربي من خلال هذه المواد إعطاء تنظيم دقيق لعلاوة الأقدمية سواء من حيث تاريخ استحقاقها أو من حيث النسب المئوية لهذه الزيادة وأساس احتسابها إلى غير ذلك، غير أنه هل توفق المشرع في ذلك أم لا؟ هو السؤال الذي يبقى مطروح وسنحاول الإجابة عنه عبر مدار صفحات هذا المقال.
ومن أجل التفصيل أكثر في التنظيم القانوني لعلاوة الأقدمية في التشريع المغربي فإنه يلزم الحديث أولا عن الاستفادة من هذه العلاوة كيف تتم، نسبها، وأحكامها القانونية ثم التطرق ثانيا إلى تقادم علاوة الأقدمية والتعويض عن عدم الاستفادة منها.
أولا: أحكام الاستفادة من علاوة الأقدمية
في البداية لابد من الإشارة إلى أن منحة أو علاوة الأقدمية ترتبط بأقدمية الأجير لدى نفس المقاولة ولا علاقة لها بالمردودية، وقد حدد المشرع الحد الأدنى لها كما سبقت الإشارة، ويمكن التفاوض حول رفع نسبة العلاوة في إطار الاتفاقيات الجماعية التي توقع بين النقابة والمشغل، أو عند توقيع عقد العمل.
وعليه فبالرجوع للمادة 350 من مدونة الشغل نجدها تنص على أنه ” يجب أن يستفيد كل أجير، ما لم يحتسب له الأجر على أساس الأقدمية بموجب بند من بنود عقد الشغل، أو نظام داخلي، أو اتفاقية شغل جماعية، من علاوة الأقدمية تحدد نسبتها على النحو التالي: %5 من الاجر المؤدى عنه بعد قضاء الاجير سنتين في الشغل،10% من الاجر المؤدى عنه بعد قضاء الاجير خمسة سنوات في الشغل، 15 % من الاجر المؤدى عنه بعد قضاء الاجير اثني عشرة سنة في الشغل، %20 من الاجر المؤدى عنه بعد قضاء الاجير عشرون سنة في الشغل، %25 من الاجر المؤدى عنه بعد قضاء الاجير خمسة وعشرين في الشغل”
فباستقراء مقتضيات المادة أعلاه نجدها أولا تعطي الحق للأجير في الاستفادة من زيادة في الأجر خلال مساره المهني من جهة ونسب هذه الزيادة من جهة أخرى وأساس احتسابها من جهة ثانية، فالتوجه العام الذي أرسته المادة 350 من مدونة الشغل هو أنه كلما زادت أقدمية الاجير لدى نفس المقاولة كلما ارتفعت قيمة علاوة الاقدمية بالنسبة له.
وفي نفس السياق ومن أجل تفسير فترة الشغل المشار إليها في المادة 350، نص المشرع المغربي بمقتضى المادة 351 على أنه “يراد بالشغل المشار إليه في المادة 350 أعلاه، فترات الخدمة التي أداها الأجير متصلة، أو غير متصلة في نفس المقاولة أو لدى نفس المشغل، ولا يعتد بفترات الخدمة، متصلة كانت أو غير متصلة، لاستحقاق علاوة الأقدمية، إذا كانت قد أدخلت عند احتساب المبلغ الذي سبق للأجير أن تسلمه عند تعويضه عن الفصل من الشغل، وذلك بالنسبة للأجير الذي فصل من الشغل ثم عاد إليه.
ومن أجل التدقيق أكثر في فترة الشغل المعتمدة لحساب الاقدمية نصت المادة 352 من مدونة الشغل على بعض الفترات التي تعد فترات شغل فعلي، بحيث لا يمكن إسقاطها من مدة الشغل المعتد بها، لتخويل علاوة الأقدمية ويتعلق الأمر بفترات توقف عقد الشغل المنصوص عليها في المادة 32 من مدونة الشغل، ثم العطلة السنوية المؤدى عنها؛ الانقطاع المؤقت عن الشغل بسبب توقف المقاولة كليا أو جزئيا بفعل قوة قاهرة، كحالة الكوارث، أو توقف تيار كهربائي، أو تخفيض، أو خصاص في المواد الأولية؛ الإغلاق المؤقت للمقاولة بسبب قوة قاهرة أو بمقتضى حكم قضائي أو قرار إداري.
وهكذا نلاحظ أن مدونة الشغل قد فسرت تفسيرا دقيقا لفترات الشغل او الخدمة كشرط للاستفادة من علاوة الأقدمية حيث تمت إضافة مجموعة من الفترات لحساب هذه المدة عل الرغم من أنها ليست فترات شغل حقيقية.
فالمادة 350 من مدونة الشغل تحدد نسبًا مئوية معينة لحساب علاوة الأقدمية، ومع ذلك هناك إمكانية الاتفاق على نسب أفضل للأجير سواء في عقد الشغل أو ضمن اتفاقيات الشغل الجماعية وذلك طبقا للمادة 11 من مدونة الشغل،[1] كما أن هذه المادة لم تذكر بوضوح ما الأثار في حالة الاتفاق على نسب أقل من تلك المحددة قانونيا، غير أن هذا الأمر يمكن الإجابة عنه من خلال ديباجة مدونة الشغل التي جاء فيها ” تعتبر الحقوق التي يقرها حدا أدنى لا يمكن التنازل عنه”.
وبناء على ذلك، يعتبر أي اتفاق يقلل من نسبة علاوة الأقدمية أو يلغيها باطلا، في حين أن الاتفاقات التي تزيد من نسبة العلاوة أو تطيل عدد سنوات العمل اللازمة للاستفادة منها تعد صحيحة، وهذا التفسير يتوافق مع الهدف الأساسي لقانون الشغل، وهو حماية حقوق الأجراء وضمان عدم المساس بالحد الأدنى من حقوقهم التي تكفلها المدونة.
وفيما يخص طريقة احتساب علاوة الأقدمية فقد تدخل المشرع المغربي بمقتضى المادة 353 من مدونة الشغل التي نصت على أنه يراعى عند احتساب علاوة الأقدمية، الأجر بمعناه الأساسي وتوابعه، والزيادات المستحقة عن الساعات الإضافية، باستثناء التعويضات العائلية؛ الحلوان، ما لم يتعلق الأمر بالأجراء الذين تقتصر أجورهم عليه؛ المكافآت التي تمنح إما على أقساط، وإما دفعة واحدة في نهاية السنة، أو في نهاية السنة المالية، بما فيها المكافآت المقدرة على أساس نسبة مئوية من أرباح المقاولة، أو من رقم معاملاتها؛ المساهمات في الأرباح، وكل تبرع يتسم بطابع الاحتمال ولا يمكن توقعه، ما لم يوجد ما يخالف ذلك في عقد الشغل، أو اتفاقية الشغل الجماعية، أو النظام الداخلي؛ التعويضات أو المنح التي تؤدى للأجير عن استرداد مصاريف أو نفقات سبق أن تحملها بسبب شغله؛ المسؤولية؛ وضعية صعبة؛ إنجاز أشغال مضنية أو خطرة؛ التعويض الممنوح للأجير عند حلوله مؤقتا محل أجير آخر في منصب من فئة أعلى من فئته، وكذا عن شغل أنجزه الأجير مؤقتا في منصب من المناصب التي تتطلب شغال استثنائيا.
وإذا كان المشرع المغربي قد تدخل بمقتضى المادة أعلاه لتحديد أساس احتساب علاوة الأقدمية فإن السؤال الذي يبقى مطروح ولن نقفل هذا البحث إلى بعد الإجابة عليه هو هل توفق في ذلك من جهة وهل ينفد ذلك في واقع الأمر من جهة أخرى؟
ثانيا: تقادم علاوة الأقدمية والتعويض عن عدم الاستفادة منها
من خلال استقراء مقتضيات مدونة الشغل وخاصة المادة 395 من مدونة الشغل نجدها تنص على أنهه ” تقادم بمرور سنتين كل الحقوق الناتجة عن عقود الشغل الفردية، وعن عقود التدريب من أجل الإدماج المهني، وعن عقود التدرج المهني، وعن الخلافات الفردية التي لها علاقة بهذه العقود، أيا كانت طبيعة هذه الحقوق، سواء كانت نابعة عن تنفيذ هذه العقود أو عن إنهائها “.
ومن خلال ربط هذه المادة بعلاوة الأقدمية باعتبارها أحد الحقوق الناتجة عن عقد الشغل أو اتفاقية الشغل الجماعية كما نصت على ذلك المادة 350 من مدونة الشغل يتبين لنا أن التعويض عن علاوة الأقدمية من الأداءات الدورية التي تتقادم بسنتين طبقا للمادة 395 من مدونة الشغل.
وفي نفس السياق، فالتعويض عن الأقدمية يعتبر من توابع الأجر ويخضع للتقادم المنصوص عليه في الفصل 388 من قانون الالتزامات والعقود والذي سبق لتحديد مدة التقادم في سنتين كما هو الشأن بالنسبة لمدونة الشغل[2].
غير أنه إذا كان ظاهريا هذا التقادم يبدو واضحا فإن السؤال الذي يطرح هل تتقادم السنوات أم تتقادم النسب، ومن أجل توضيح ذلك نفترض أن أجير اشتغل لمدة ستة وعشرون سنة ولم يستفيد من أقدميته إلا في السنة الأخيرة فهل تحتسب الأقدمية، بنسبة 5% أم 25% وهذا ما لم تجب عنه بوضوح المدونة.
وفي هذا الإطار يمكن القول أن الحق في علاوة الأقدمية مكفول بقوة القانون في الأصل و يمكن أن نستند في ذلك بالعبارات الواردة في المادة 350 من مدونة الشغل والتي جاءت عامة ولا تنبني على أي شرط أخر غير قضاء المدة وذلك على الشكل التالي “..%25 من الاجر المؤدى له بعد قضاء الاجير خمسة وعشرين في الشغل” وبالتالي فإن الأجير وبمجرد قضاء 25 سنة من الشغل يستحق نسبة 25% من الأجر، حيث لا يسقط بسقوط الحق في استيفاء ما تراكم من المبالغ المترتبة عن الأقدمية و التي سقطت بالتقادم.
ومن أجل الحسم في ذلك فإنه يلزم التمييز بين الحق في الأقدمية الذي يقرره للأجير ويكفله وفق ما تم تسطيره أعلاه حيث يلزمه المطالبة به، وفي حالة عدم تمكينه منه تلقائيا من طرف مشغله من جهة، ومن جهة أخرى الحق في الاستفادة من المبالغ المتراكمة المترتبة عن الأقدمية، والتي سقطت بالتقادم لعدم المطالبة بها حيث أن التقادم يشمل الحق في استيفاء المبالغ المتراكمة برسم العلاوة، ولا يسقط الحق في الاستفادة من نسبة العلاوة الواجبة عن مدة الأقدمية في الشغل المستحقة.
وبالإضافة إلى كل ما سبق فإنه يحق للأجير التعويض عن عدم الاستفادة من علاوة الأقدمية مع الأخذ بعين الاعتبار نظام التقادم، ومن أجل توضيح ذلك نفترض أن أجير قضى مدة عشرين سنة في العمل دون استفادته من الأقدمية فهنا يحق له المطالبة بالأقدمية بنسبة 20 % كزيادة في الأجر من جهة، والتعويض عن عدم الاستفادة منها في حدود السنتين السابقتين من الشغل من جهة أخرى.
ويتم حساب التعويض عن طريق استخراج مجموع النسب المئوية المستحقة والمتمثلة في نازلة الحال في 15 % من الأجر الشهري وضربها في أربعة وعشرين شهرا (السنتين السابقتين) وذلك للحصول التعويض الإجمالي المستحق.
وحساب التعويض عن عدم الاستفادة من الأقدمية يتم وفق ما سطرته المادة 353 أي الأجر بمعناه الأساسي وتوابعه والزيادات المستحقة عن الساعات الإضافية مع بعض الاستثناءات التي سبق التطرق إليها.
مسألة أخرى لابد من الإشارة إليها في هذا الإطار وهي أنه بالرغم من الأهمية الكبيرة التي تلعبها علاوة الأقدمية في تحفيز الأجراء على البقاء والاستمرار في العمل لدى نفس المقاولة، مما يساهم بشكل إيجابي في زيادة إنتاجية العمل وتعزيز الاستقرار الاجتماعي داخل بيئة العمل، فإن التشريع الضريبي في المغرب لم يستثنِي هذه العلاوة من الخضوع للضريبة على الدخل.
وبالإضافة إلى خضوع علاوة الأقدمية للضريبة على الدخل فإنها بالإضافة إلى ذلك تخضع لاقتطاع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مما ينقص من قيمتها المادية، حيث يجبر المشغل على اخضاع مجموعة من العلاوات منها علاوة الاقدمية لوعاء اقتطاعات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
وإذا كان المشرع المغربي وعلى خلاف مجموعة من التشريعات المقارنة ومنها التشريع الفرنسي قد تطرق إلى علاوة الأقدمية، سواء من حيث إقرارها كحق للأجير من جهة وإعطاء تنظيم قانوني مهم لها من جهة أخرى، فإن تطبيق هذا المقتضى القانوني الاجتماعي في واقع الأمر قد اعترضته مجموعة من الصعوبات والإشكالات والمغالطات وهوما سنحاول توضيحه في المحور الثاني لنسائل القضاء بعدها ماذا أعد لرفع اللبس وإبراز عنوان الحقيقة فيما يخص هذا الموضوع الذي أثار ولازال يثير الكثير من الجدال القانوني بين مختلف المتدخلين.
المحور الثاني: إشكالات تنزيل علاوة الأقدمية واقع الممارسة وموقف القضاء
بعد الانتهاء من الشق الأول في الموضوع بالتطرق لما أعطاه المشرع من تنظيم قانوني لعلاوة الأقدمية في مدونة الشغل سواء من خلال أحكام الاستفادة منها، تقادمها، والتعويض عن عدم التمتع بها، فإنه لا يمكن أن تتضح الصورة بشكل أكثر دقة حول هذا الموضوع دون التطرق للإشكاليات الكبرى التي واجهت تطبيق هذا المقتضى القانوني على أرض الواقع، من جهة ومن جهة أخرى موقف القضاء من ذلك هل تدخل لمعالجة هذه الإشكاليات.
فواقع الممارسة يؤكد أن علاوة الأقدمية من أكثر مواضيع قانون الشغل التي ثارت ولازالت تثير العديد من الإشكاليات والتساؤلات المشروعة من طرف كل من له علاقة بالمجال، ويرجع ذلك بالأساس إلى تضارب مصالح أطراف العلاقة الشغلية في ما يخص هذا الحق، فمصلحة الأجير تقتضي استفادته من علاوة الأقدمية وفق قاعدة حسابية معينة تصب لصالحه مثلا، فيما مصلحة المشغل يقبل وبشكل مضطر إلى منح هذه الأقدمية لكن وفق قاعدة حسابية ليست كما يراها الأجير، حيث كل طرف يقوم بتأويل القانون وفق مصلحته.
أولا: إشكالات تنفيد علاوة الأقدمية بين النص القانوني وواقع الممارسة
وفي هذا الإطار سنتحدث أولا عن غموض بعض مقتضيات النصوص القانونية المؤطر لعلاوة الأقدمية لننتقل ثانيا إلى البحث في أزمة تطبيق مقتضيات علاوة الأقدمية في واقع الممارسة.
أ-غموض بعض مقتضيات النصوص القانونية المؤطر لعلاوة الأقدمية
إن أول تساؤل نطرحه في هذا السياق هو هل حقا المشغل ملزم بمنح علاوة الأقدمية للأجير بمجرد قضائه المدة المطلوبة؟ وهنا نرجع إلى الصيغة الواردة في المادة 350 من مدونة الشغل والتي جاءت على الشكل التالي: “يجب أن يستفيد كل أجير، ما لم يحتسب له الأجر على أساس الأقدمية بموجب بند من بنود عقد الشغل، أو نظام داخلي، أو اتفاقية شغل جماعية، من علاوة الأقدمية…”
في حقيقة الأمر هناك إلزام للمشغل من أجل منح علاوة الأقدمية من خلال عبارة “يجب” غير أنه القالب التي يجب أن تمنح وفقه هذه الأقدمية هو “بند من بنود عقد الشغل أو النظام الداخلي، أو اتفاقية الشغل الجماعية” بمعنى أنه لكي يستفيد الاجير من علاوة الأقدمية فإن أساسها الحقيقي والمباشر ليس هي مدونة الشغل وإنما بند من بنود في عقد الشغل أو النظام الداخلي أو اتفاقية الشغل الجماعية.
وبالتالي لكي يلتزم المشغل بهذا المقتضى أي بمنح علاوة الأقدمية فإنه يلزم أن يكون العقد كتابيا إذا كانت المقاولة لا تتوفر على نظام داخلي أو اتفاقية شغل الجماعية، لأن صيغة المادة 350 والتي جاء فيها ” بموجب” تفرض ذلك، لأنه كيف يعقل أن نتصور وجود بند متعلق بعلاوة الأقدمية دون وجود عقد شغل كتابي؟
وفي نفس الساق في حالة الإخلال بذلك أي عدم منح علاوة الأقدمية فإن الجزاء ليس هو تعويض الأجير عن علاوة الأقدمية وإنما الجزاء هو ما تم الإشارة إليه في المادة 361 التي جاء فيها “يعاقب بغرامة من 300 إلى 500 درهم عما يلي: عدم أداء علاوة الأقدمية المنصوص عليها في المادة 350، أو أدائها بما دون المبلغ المحدد في نفس المادة، أو احتسابها بطريقة لا تطابق أحكام المواد 352 إلى 355″.
ومن خلا ما سبق يمكن القول أن الصيغة التي جاءت بها المادة 350 لم تكن موفقة، ويلزم أن تحذف منها عبارة ” …. بموجب بند من بنود عقد الشغل، أو نظام داخلي، أو اتفاقية شغل جماعية…” وتبقى المادة على الشكل التالي: “يجب أن يستفيد كل أجير، ما لم يحتسب له الأجر على أساس الأقدمية من علاوة الأقدمية…”. وذلك لتفادي كل التأويلات التي هي في حقيقة الأمر تأويلات مشروعة ناتجة بالأساس عن بعض العيوب التشريعية.
وبالإضافة إلى ذلك فعبارة “ما لم يحتسب له الأجر على أساس الأقدمية” تطرح أكثر من علامة استفهام وتفتح باء التأويلات، ماذا يقصد المشرع بهذه العبارة؟ وما هو الهدف من ذلك؟ وكيف يمكن أن نحتسب للأجير أجرته على أساس الأقدمية في بداية العلاقة الشغلية ونعفى من تطبيق المادة 350 فيما بعد؟
مسألة أخرى نشير إليها في هذا الإطار ويتعلق الأمر بعلاوة الأقدمية والزيادة في الحد الأدنى للأجور، في واقع الأمر هذه المسألة تطرح بعض التساؤلات المشروعة حول عدم المساوات بين الأجراء، حيث يمكن أن نجد في مقاولة واحدة أجيرين، الأول قضى لدى نفس المقاولة عشر سنوات مثلا والثاني أتم شهره الأول في العمل ويتقاضون نفس الأجرة، كيف ذلك؟ حيث نجد أن الأول كلما استفادة من الأقدمية وزاد أجره أتت بعدها زيادة عامة في الحد الأدنى للأجور ولم يستفد منها لأن أجره يفوق ذلك، فيما الأجير الثاني يستفيد من هذه الزيادة.
ب-أزمة تطبيق مقتضيات علاوة الأقدمية
وفي هذا الإطار يمكن القول على أن هنالك شريحة واسعة من المشغلين لا يكترثون بتطبيق علاوة الأقدمية، وذلك بالزيادة الدورية في الأجور وفق النسب المحددة في المادة 350 من مدونة الشغل، ويرجع ذلك بالأساس إلى التكلفة المالية التي تفرضها هذه العلاوة، وبالتالي التغاضي عن تنفيد هذا المقتضى القانوني.
غير أن هذا التهرب من تنفيذ علاوة الأقدمية يقابل بالتصدي الحازم من طرف جهاز تفتيش الشغل باعتباره المسؤول عن إنفاد قانون الشغل بالمغرب، ذلك أنه ومن خلال زيارات المراقبة والتفتيش الذي يقوم بها هذا الجهاز يتم افتحاص أوراق الأداء وبرامج الأداء بالإضافة إلى استفسار الأجراء لمعرفة مدى استفادتهم من علاوة الأقدمية وفق ما يحدده القانون، وإذا تبين غير ذلك فإنه يتم توجيه ملاحظات للمشغل قصد تسوية الوضعية أو تحرير محضر مخالفات في الموضوع وإحالته على النيابة العامة قصد تحريك المتابعة، وبالإضافة إلى ذلك فإن الأجراء الذين يحرمون من هذا الحق يتقدمون بشكاية في الموضوع إلى السيد مفتش الشغل الذي يقوم باستدعاء الجهة المشغلة واتخاذ المتعين بشأنها، غير أنه على الرغم من الدور الإيجابي للجهاز تفتيش الشغل فإنه يبقى جد محدود بالنظر لعدد مفتشي الشغل بالمغرب مقارنة بالكم الهائل للمقاولات وكذلك القطاع الغير مهيكل وضعف الإمكانيات الممنوحة لهذا الجهاز.
وبالإضافة إلى التهرب من تنفيد علاوة الأقدمية فإن هنالك شريحة واسعة من المشغلين ممن ينفدون علاوة الأقدمية، ويطبقونها على غير ما هو منصوص عليه في القانون، ويمكن أن نعبر على ذلك بالقول “هنالك وضوح في النص القانوني يقابله مع ذلك أزمة في التطبيق فيما يخص طريقة احتساب علاوة الأقدمية”.
فالمشرع المغربي قد حدد الطريقة الحسابية التي يتم اعتمادها لحساب علاوة الاقدمية في المادة353 من مدونة الشغل، حيث يتم اعتماد الاجر الأساسي وتوابعه والزيادات المستحقة عن الساعات الإضافية على، باستثناء التعويضات العائلية؛ الحلوان، ما لم يتعلق الأمر بالأجراء الذين تقتصر أجورهم عليه؛ المكافآت التي تمنح إما على أقساط، وإما دفعة واحدة في نهاية السنة، أو في نهاية السنة المالية، بما فيها المكافآت المقدرة على أساس نسبة مئوية من أرباح المقاولة، أو من رقم معاملاتها؛ المساهمات في الأرباح، وكل تبرع يتسم بطابع الاحتمال ولا يمكن توقعه، ما لم يوجد ما يخالف ذلك في عقد الشغل، أو اتفاقية الشغل الجماعية، أو النظام الداخلي؛ التعويضات أو المنح التي تؤدى للأجير عن استرداد مصاريف أو نفقات سبق أن تحملها بسبب شغله؛ المسؤولية؛ وضعية صعبة؛ إنجاز أشغال مضنية أو خطرة؛ التعويض الممنوح للأجير عند حلوله مؤقتا محل أجير آخر في منصب من فئة أعلى من فئته، وكذا عن شغل أنجزه الأجير مؤقتا في منصب من المناصب التي تتطلب شغال استثنائيا.
أما فيما توابع الأجر من تعويضات ومنح ومنها الزيادة السابقة[3] في علاوة الأقدمية الغير المذكورة في المادة 353 من مدونة الشغل فهي تضاف الى حساب علاوة الاقدمية مما يزيد من قيمتها.
غير أن الواقع افرز مجموعة من الممارسات المغلوطة، حيث يعمد أغلب المشغلين إلى احتساب علاوة الأقدمية على أساس الأجر الأساسي دائما دون توابعه باستثناء ما أستثي بنص، وهذا غير صحيح وفيه خرق للمادة 353 من مدونة الشغل.
كما أفرز الواقع فئة ثالثة من المقاولات، تحتسب علاوة الأقدمية على أساس الأجر الأساسي وتوابعه غير أنها تقصي نسبة الزيادات السابقة في علاوة الأقدمية وترجع دائما للأجر الأساسي وتوابعه وهذا غير صحيح كذلك، ومنافي لمقتضيات للمادة 353 التي لم تستثني الزيادات السابقة من أساس احتساب علاوة الأقدمية، وذلك لأن الزيادات التي تتم بمقتضى علاوة الاقدمية ابتداء من 5% إلى 25% هي من توابع الأجر وغير مستثنات بمقتضى المادة 353 وبالتالي يلزم أخذها بعين الاعتبار عند حساب علاوة الأقدمية، وهذا الإشكال يطرح ابتداء من المرحلة الثانية أي بعد قضاء خمس سنوات في العمل واستحقاق 10% من الاجر.
فالنص واضح في هذه المسألة ولا مجال للتأويل، وما زاد من وضوحه هي العبارة الواردة في المادة 350 بعد تحديد كل نسبة والمتمثلة في ما يلي “… من الأجر المؤدى له”، فالزيادات السابقة أصبحت أجرا و تؤدى للأجير وغير مستثنات بمقتضى المادة 353 وبالتالي يجب أن تدخل في أساس احتساب علاوة الأقدمية، فأين هو الغموض الذي يمكن أن يحتج به البعض؟
إشكال أخر يمكن إثارته في هذا السياق ويتعلق بأساس احتساب التعويض عن عدم الاستفادة من الأقدمية في حالة الفصل من العمل، وهكذا ففي حالة إثارة التقادم من طرف المشغل بعد 20 سنة من الحرمان من منحة الاقدمية، فما هو الأجر الذي يعتمد أساسا لاحتساب التعويضات في حالة الفصل التعسفي، فهل يعتمد ألأجر الذي كان يتقاضاه الاجير عند التحاقه بالعمل والذي ظل ثابتا ولم يتغير أم يؤخذ تراكم مستحقات الأقدمية رغم سقوط الحق في تفاضيها بالتقادم؟
ففي واقع الممارسة وبالاطلاع على مجموعة من مقالات الافتتاحية للدعوى للسادة المحامين وكذلك الأحكام والقرارات القضائية فإن ما يتم المطالبة به والحساب على أساسه هو الأجر الذي كان يتقاضاه الأجير عند فصله من العمل، وينقسم إلى الأجر الخام فيما يتعلق بالتعويض عن الفصل، والأجر الصافي فيما يتعلق بباقي التعويضات، وإذا كان الاجير يتقاضى أقل من الحد الأدنى للأجر فإنه يتم المطالبة بحساب التعويضات وفق الحد الأدنى للأجور.
غير أنه في رأينا فإن الأجر الذي يجب أن يتم على أساسه حساب التعويضات من طرف السادة المحامين للمطالبة بها وكذلك السادة مفتشي الشغل في إطار الصلح التمهيدي المنصوص عليه في المادة 41 من مدونة الشغل هو الأجر الذي يتقضاه الأجير يضاف إليه النسبة المئوية المستحقة نظير عدد سنوات العمل، أما القضاء فإنه يحكم في حدود ما طلب منه لذلك يلزم أن تكون المطالبة وفق هذا الأساس.
وما يؤكد طرحنا هذا هو قرار صادر عن محكمة النقض والدي يسير في نفس الاتجاه ويمكن القياس عليه حيث جاء فيه “الثابت من وثائق الملف وخاصة شهادة العمل والأجر المدلى بها من المطلوبة في النقض، أن مدة عملها لدى المطلوبة في النقض زادت عن ست سنوات، وأن المحكمة اعتمدت في احتساب التعويضات المستحقة لها على الأجرة المحددة في العقد متجاهلة إقرار المطلوبة في النقض بأجرة مخالفة لذلك، والمحكمة بعدم جوابها على هذا الدفع رغم ما قد يكون له من تأثير على قضائها، يكون قرارها مشوبا بخرق المقتضيات القانونية المستدل بها، ومعللا تعليلا فاسدا موازيا لانعدامه وهو ما يعرضه للنقض”.[4]
ثانيا: موقف القضاء الاجتماعي من علاوة الأقدمية
مما لا شك فيه على أن الأحكام والقرارات القضائية، كما يقال، تبقى عنوان الحقيقة مهما اختلفنا معها، لذلك فإن دراسة أي موضوع كيفما كان نوعه لن تتضح الصورة الكاملة بشأنه إلا بمقاربته قضائيا ومسائلة موقف القضاء منه ومن المشاكل التي يطرحها، وهنا نتساءل حول موقف القضاء الاجتماعي من علاوة الأقدمية والإشكالات التي تطرحها؟
وفي هذا السياق وباطلاعنا على مختلف القرارات القضائية التي تناولت علاوة الأقدمية نجدها قد مست مجموعة من الجوانب منها تقادم علاوة الأقدمية، دليل استفادة الأجير منها، عبء إثبات أدائها وكذلك طبيعتها.
وفي هذا الإطار ففي ما يخص تقادم علاوة الأقدمية، جاء في قرار صادر عن محكمة النقض ما يلي “البيّن أن الطاعنة سبق ان دفعت بتقادم التعويض عن الاقدمية طبقا للمادة 395 من مدونة الشغل، وان المحكمة المطعون في قرارها انتهت في تعليلها الى كون المبلغ المحكوم به ابتدائيا بخصوص هذا التعويض لم يتجاوز المبلغ المستحق للأجيرة مع الأخذ بعين الاعتبار المادة المتعلقة بالتقادم، وأيد الحكم الابتدائي بهذا الخصوص رغم أن هذا الاخير لم يبين العملية الحسابية التي انتهى بها إلى هذا المبلغ حتى تتمكن محكمة النقض من بسط رقابتها على القرار ومطابقة المبلغ المحكوم به للقانون، ليكون بذلك القرار قد جاء مخالفا للنصوص القانونية المستدل بها ويتعين نقضه في هذا الشق”[5]
وفي نفس السياق جاء في قرار أخر لمحكمة النقض على أنه ” طبقا للمادة 395 من مدونة الشغل، تتقادم بمرور سنتين كل الحقوق الناتجة عن عقود الشغل الفردية، وأن الثابت من خلال وثائق الملف، أن المحكمة بناء على تمسك المطلوب في النقض بتقادم علاوة الأقدمية طبقا للمادة 395 من المدونة أعلاه، عدلت التعويض المحكوم به عنه، وحصرته في 24 شهرا فقط، فجاء قرارها بذلك مستندا على أساس سليم، ومعللا تعليلا كافيا”.[6]
وفيما يخص دليل استفادة الأجير من علاوة الأقدمية قد جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي ” الثابت من ورقة الأداء المدلى بها من قبل المطلوب رفقة مقاله الافتتاحي أنه كان يتوصل بعلاوة الأقدمية ضمن مشتملات الأجر، وأن الطالبة دفعت من خلال مقالها الاستئنافي بعدم أحقيته في هذه العلاوة استنادا إلى ما ضمن من بينات في ورقة الأداء، والتي تثبت تقاضيه لهذه المنحة، غير أن المحكمة لما أيدت الحكم الابتدائي الذي قضى لفائدة المطلوب بعلاوة الأقدمية، دون الأخذ بعين الاعتبار ورقة الأداء التي أدلى بها هو نفسه، و الحال أن من أدلى بحجة عد قائلا بما فيها، تكون قد خرقت المقتضى القانوني المستدل به و عرضت قرارها للنقض”.[7]
أما فيما يخص عبء إثبات أداء علاوة الأقدمية فإنه يقع على عاتق المشغل كما جاء في القرار التالي ” يقع على المشغل عبء إثبات استفادة الأجير من علاوة الأقدمية”.[8] كما جاء في قرار أخر في نفس الإطار أنه ” لئن كان المشغل هو الملزم بإثبات أداء علاوة الأقدمية فإن منازعة الأجير في أوراق الأداء التي تفيد أدائها يعتبر مبررا لاستبعادها”.[9]
وفيما يخص طبيعة علاوة الأقدمية قد جاء في قرار صادر عن محكمة النقض ما يلي: “إن علاوة الأقدمية تندرج ضمن عناصر الأجر بقوة القانون”.[10]
من خلال هذه الاجتهادات القضائية يمكن القول أن القضاء قد لعب دورا مهما في رفع اللبس عن مجموعة من الإشكالات التي تثيرها علاوة الاقدمية في مدونة الشغل، غير أن هذا الدور قد بقي محدودا لأنه وقف عند الإشكالات العامة ذلك أن واقع الأمر يؤكد أن هنالك مجموعة من الإشكالات والتساؤلات الأخرى والتي سبق وأن أشرنا إليها في هذا البحث لم نجد لها جواب قضائي دقيق يعفينا من التأويلات ويساعدنا الفهم الصحيح لهذه الإشكالات وترجع محدودية دور القضاء في هذه المسألة لسبب أساسي وهو عدم إثارة هذه الإشكالات ممن له الصفة في ذلك وأخص بالذكر هنا السادة المحامين عند مرافعاتهم وتقديم طلباتهم في كل ما يتعلق بأقدمية الأجير.
خاتمة:
في ختام هذا البحث نعود لنؤكد على أن علاوة الأقدمية هي من المواضيع الحساسة داخل رواق مدونة الشغل، والتي حاول المشرع من خلالها إعطاء تنظيم قانوني دقيق لهذا الحق الممنوح للأجير، غير أن واقع الأمر يؤكد أنه إذا كان المشرع قد وفق في توضيح جانب من أحكام علاوة الأقدمية فإنه قد أخفق في جوانب أخرى، سواء من حيث غموض النص القانوني أو سكوت المشرع عن الإجابة عن مجموعة من الإشكالات من جهة أو من حيث أزمة تطبيق هذا المقتضى القانوني الهام من جهة أخرى.
لذلك فإنه يلزم تدخل تشريعي يعيد النظر في مجموعة من مقتضيات مدونة الشغل المتعلقة بعلاوة الأقدمية التي تتسم بالغموض والقصور من جهة، و من جهة أخرى سن قواعد وأحكام قانونية واضحة لكل الإشكالات التي يطرحها التنظيم القانوني الحالي، وذلك في أفق ضمان ولوج الأجير لهذا الحق واستفادته منه وفق ما يؤطره القانون.
كما نشير في الأخير أنه يقع على عاتق جهاز تفتيش الشغل العمل على التصدي لكل الممارسات التي تهدف التهرب من منح علاوة الأقدمية أو منحها بشكل مخالف للقانون وذلك من خلال زيارة المراقبة والتفتيش التي يقوم بها هذا الجهاز المهم للمقاولات بشكل دوري.
الهوامش:
[1] – حيث تنص المادة 11 من مدونة الشغل على أنه ” لا تحول أحكام هذا القانون دون تطبيق مقتضيات الأنظمة الأساسية، أو عقد الشغل، أو اتفاقية الشغل الجماعية، أو النظام الداخلي، أو ما جرى عليه العرف من أحكام أكثر فائدة لأجراء”.
[2] – حيث تنص المادة 388 من قانون الالتزامات والعقود المغربي على أنه ” تتقادم بسنتين… دعوى الخدم من أجل أجورهم وما قاموا به من مصروفات وغير ذلك من الأداءات المستحقة لهم بمقتضى عقد إجارة العمل، وكذلك دعوى المخدومين ضد خدامهم من أجل المبالغ التي يسبقونها لهم على أساس تلك الرابطة؛ دعوى العمال والمستخدمين والمتعلمين والمتجولين ومندوبي التجارة والصناعة ، من أجل رواتبهم وعمولاتهم، وما أدوه من مصروفات بسبب وظائفهم، وما يستحقونه من عطلة سنوية مؤدى عنها أو ما يعوضها وذلك عن السنة الجارية وعند ثبوت الحق في عطل مجتمعة، عن السنة أو السنتين الماضيتين”
[3] – ونقصد بالزيادة السابقة هي نسبة علاوة الأقدمية التي سبق أن استفاد منها الأجير، وللتوضيح نعطي مثال على ذلك أجير اشتغل خمس سنوات في العمل فهو يستحق 10 بالمئة من الأجرة والزيادة السابقة هنا هي نسبة 5 بالمئة التي سبق أن استفاد منها عندما أتم السنتين والتي يجب أن تدخل في أساس احتساب علاوة الأقدمية.
[4] – قرار محكمة النقض عدد 83 الصادر بتاريخ 31 يناير 2023، في ملف اجتماعي رقم 2956/5/1/2021، منشور بالمنصة الرقمية لقرارات محكمة النقض:
https://juriscassation.cspj.ma –
[5] – قرار محكمة النقض عدد 293/1 الصادر بتاريخ 14 مارس 2022، في ملف اجتماعي رقم 1654/5/1/2022، منشور بالمنصة الرقمية لقرارات محكمة النقض:
https://juriscassation.cspj.ma –
[6] – قرار محكمة النقض عدد 270/1 الصادر بتاريخ 07 مارس 2023، في ملف اجتماعي رقم 1135/5/1/2022، منشور بالمنصة الرقمية لقرارات محكمة النقض:
https://juriscassation.cspj.ma –
[7] – قرار محكمة النقض عدد 136/1 الصادر بتاريخ 07 فبراير 2023، في ملف اجتماعي رقم 2794/5/1/2022، منشور بالمنصة الرقمية لقرارات محكمة النقض:
https://juriscassation.cspj.ma –
[8] – قرار عدد 613 الصادر بتاريخ 18/04/2013، في ملف اجتماعي عدد 1421/5/2/2012، منشور بنشرة قرارات محكمة النقض، الغرفة الاجتماعية، العدد7، السلسلة 3، السنة 2014، ص 105 وما يليها.
[9] – قرار عدد 627/2، الصادر بتاريخ 05/09/2025، في ملف اجتماعي عدد 2702/5/1/2017 – قرار غير منشور-
[10] – قرار محكمة النقض عدد 189 الصادر بتاريخ 15 فبراير 2022، في ملف اجتماعي رقم 1256/5/1/2021، منشور بالمنصة الرقمية لقرارات محكمة النقض:
https://juriscassation.cspj.ma –