مصطفى أمزيان: البعد الاقتصادي للسياسة الخارجية المغربية السمة السياسية والعقيدة الاقتصادية
مصطفى أمزيان طالب باجث في سلك الدكتوراه.
تقوم السياسة الخارجية المغربية على مجموعة من المبادئ والخيارات الاستراتيجية، تشكل إطارا يوجه سلوك المغرب الخارجي، وقد سطر بعضها في ديباجة الدستور وورد ذكر البعض الآخر في مواثيق المنظمات الدولية والإقليمية التي يحظى المغرب بعضويتها بحيث تأتي جميع قرارات سياسته الخارجية ضمن الإطار المحدد ولا تخرج عنه.
ولقد رسمت الدولة المغربية الحديثة المبادئ الأساسية لسياستها الخارجية وقد آمنت بها وعملت على توجيه سياستها على أساسها، لم تكن تلك المبادئ وليدة لحظة الاستقلال ولكنها كانت مخرجات لتاريخها الطويل وتفاعلها مع المنتظم الدولي والإقليمي ومازالت هي نفسها المبادئ الثابتة التي تسير السياسة الخارجية ومازال صانع القرار في السياسة الخارجية المغربية يتخذ قراراته على أساسها ويعمل جاهدا ألا يحيد عنها.
ولكي نفهم ونستوعب ثبات السياسة الخارجية المغربية لابد أن ندرك محدداتها الدستورية والسياسية. وهو ما يطرح مدلول “الثبات” موضع السؤال الإشكالي خاصة في مواجهة “المتغيرات” الإقليمية والعالمية. فما إذن هي هذه الثوابت؟ وما مدى مواكبة هذا الثبات مع النسق العالمي والإقليمي التنافسي والمتغير والمتسارع باستمرار خاصة في الجانب الاقتصادي، أي مدى قدرة المغرب على الجمع بين المبادئ الثابتة لسياسته الخارجية والعمل على عدم المحيد عنها وبين مصالحه الوطنية واختياراته السياسية والاقتصادية؟.
نجيب عن هذه الأسئلة من خلال التصميم التالي:
- المطلب الأول: الثوابت الدستورية والسياسية للسياسة الخارجية المغربية أو سمتها السياسية.
- المطلب الثاني: الاختيارات الاقتصادية أو بناء العقيدة الاقتصادية للسياسة الخارجية المغربية.
المطلب الأول: الثوابت الدستورية والسياسية للسياسة الخارجية المغربية أو سمتها السياسية.
يقصد بثوابت السياسة الخارجية المغربية إطار الحركة السياسية الخارجية للدبلوماسية بما يتضمنه من قواعد ومبادئ تضبط سلوك الفاعل الدبلوماسي في المجال الدولي[1]، وقد سطر المغرب بعض هذه الثوابت في ديباجة دستور الدولة وورد ذكر بعضها الآخر في مواثيق المنظمات العالمية والإقليمية، مما يلقي معها مسؤوليات ويقيدها بالتزامات. لقد جاءت الوثيقة الدستورية متكيفة مع المتغيرات الإقليمية والعالمية وذلك من خلال السعي نحو تنويع الشركاء في علاقات المغرب الخارجية. لقد عرف العالم خلال العقدين الأخيرين تحولات سياسية واقتصادية مهمة أدت إلى ظهور مفاهيم وقيم ومقومات جديدة ساهمت في إعادة تحديد عدد من الأولويات والأهداف الاستراتيجية المغربية انسجاما ومتغيرات النظام الدولي. كان لهذه المتغيرات دور في اضمحلال العديد من الرهانات الجيو استراتيجية لكن هذا لا يعني أن كل الرهانات والأهداف التي كانت تتبناها الدولة قد تغيرت بل بقي جزء كبير منها على ما هو عليه بينما الذي تغير هو طريقة التعامل مع هذه القضايا في علاقاتها بمفهوم المصلحة والسيادة والهوية الوطنية والإقليمية[2].
الفقرة الأولى: المبادئ الدستورية وتأسيس الهوية المغربية الصلبة.
حددت الدساتير المغربية[3] في تصديرها أو ديباجتها جملة من الثوابت التي توجه سلوك الفاعل في السياسة الخارجية على الصعيد الدولي والإقليمي وذلك بشكل صريح ومباشر، لكن هذا لا يعني أن الدستور المغربي لا يخلو من الإشارة إلى مبادئ ومقومات وأسس أخرى، بل هناك ثوابت أخرى يفترض أن تؤطر عمل الدولة المغربية دون الحاجة إلى تدوينها في وثائق رسمية وهي ما جاء بها ميثاق الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية والتي تعهد المغرب بالتزام ما تقتضيه هذه المواثيق من مبادئ وأحكام.
تضمن الدستور المغربي لسنة 2011 على مستوى التصدير[4] مقتضيات جديدة تهم التوجهات الدبلوماسية مع توجيهات السياسة الخارجية في هذا الصدد تؤكد المملكة المغربية وتلتزم ب:
_ العمل على بناء الاتحاد المغاربي كخيار استراتيجي؛
_ تعميق أواصر الانتماء إلى الأمة الإسلامية وتوطيد وشائج الأخوة والتضامن مع شعوبها الشقيقة؛
_ تقوية علاقات التعاون والتضامن مع الشعوب والبلدان الإفريقية ولا سيما بلدان الساحل والصحراء؛
_ تعزيز روابط التعاون والتقارب والشراكة مع بلدان الجوار الأورو-متوسطي؛
_ توسيع وتنويع علاقات الصداقة والمبادلات الإنسانية والاقتصادية والعلمية والتقنية والثقافية مع كل بلدان العالم؛
_ تقوية التعاون جنوب – جنوب؛
_ حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما والإسهام في تطويرهما، مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق وعدم قابليتها للتجزيء.
وتم التأكيد في نفس الديباجة على سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية، الأمر الذي من شأنه توفير الشروط من أجل التموقع الإيجابي والفعال للمغرب في منظومة العوالم السياسية والاقتصادية المتقدمة. أوجدت هذه المقتضيات الدستورية العديد من الالتزامات اتجاه المنتظم الدولي بما يفيد تعاطي المملكة مع منطوق هذه الثوابت لا يمكن أن يجد تفعيله إلا عبر السياسة الخارجية التي يمكن تعريفها بأنها كل مخرجات النظام السياسي للبيئة الخارجية وللمنتظم الدولي[5]. قدمت العملية الدستورية المغربية انجازات تترك مبادئ وأنظمة على صعيد الفكر والسياسة والقيم الإنسانية وتنعكس آثارها على الشؤون الخارجية حيث يقوم النظام على بناء أجواء الثقة بينه وبين مختلف الفاعلين في الداخل والخارج، فلا يقتصر التزام المغرب بهذه المقومات الدستورية على المجال السياسي بل يتجاوزه إلى المجال الاقتصادي وهذا ما جعل من المغرب ليس فقط الشريك السياسي المرغوب فيه بل كذلك الشريك الاقتصادي الآمن.
تنطلق النظرية البنائية للسياسة الخارجية من مسلمة أولى هي أن الدولة فاعل اجتماعي وليس عقلانيا، فهي توجه سياستها الخارجية بناء على مجموعة من التوقعات القيمية حول السلوك الملائم وهو ما يسمى ب “المعايير”. وتؤكد في مسلمة ثانية أن الدولة كفاعل اجتماعي إنما تتخذ قرارات سياستها الخارجية وفق منطق الملاءمة فهي لا تختار بديلا ما إلا بعد أن تقيم مدى ملاءمة نتائج ذلك لدورها الاجتماعي[6]، وهويتها أو عقيدة سياستها الخارجية وفق منطق الملاءمة الاجتماعية، لتنتهي النظرية إلى التسليم أخيرا بأن أهداف السياسة الخارجية للدولة هي أسس معيارية يسعى من خلالها الفاعل للحفاظ على دوره الاجتماعي، إنها بتعبير آخر “سياسة الثبات على الهوية”[7]. وبهذا ترفض النظرية البنائية معاملة الدول كوحدات عقلانية تتخذ قراراتها بناء على حسابات عقلانية دقيقة، وبدلا من ذلك تعد قراراتها وتتخذ على أساس المعايير وهي القواعد التي تعكس عوامل ذاتية وتجارب تاريخية[8] وثقافية ومضامين مؤسسات الدولة، ويكون الالتزام بالمعايير هدفا للسياسة الخارجية للدولة وهي التي تضع مقاييس في سلوك السياسة الخارجية لتحديد ما هو صحيح وما هو خاطئ وما هو عادل وما هو غير عادل وبالنسب إلى الفاعل في السياسة الخارجية وصانع قراراتها تصبح هذه المعايير والثوابت بمنزلة توجيهات للسلوك السياسي[9].
بناء على ذلك، وتأسيسا على التفاعل المزدوج للدولة الداخلي والخارجي، يمكن القول أن الهوية المغربية هي مزدوجة تجد مصادرها في المعايير ذات المستوى الوطني والدولي. الهوية المغربية على المستوى المحلي هي التي تعرف بالهوية الوطنية والتي تعكس ثقافة الأمة المغربية وقيمها وتصوراتها، وتتضمن القيم المشتركة والرؤى حول ما تمثله الدولة المغربية لشعبها وللعالم الخارجي والأدوار التي يفترض أن تضطلع بها في قضايا السياسة العالمية بما ينسجم وهوية المجتمع المغرب الداخلي. أما هوية المملكة المغربية على المستوى الدولي فهي ما تعرف بالهوية الدولية أي مجموعة المعايير المشتركة التي تتلقاها الدولة ضمن المجتمع الدولي وتقتنع بها وتتبناها إلى حد تصبح فيه تعبيرا عن هويتها الدولية وعاملا معرفا بأهدافها الجماعية[10] كمبدأ عدم الانحياز أو مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتجعل الدول باستمرار من مثل هذه المعايير ثوابت مرجعية لسياستها الخارجية في كل أبعادها.
تمكنت السياسة الخارجية المغربية من بناء هوية خاصة بها انطلاقا من الثوابت والمقومات التي سطرت في الدستور وكذا انطلاقا من تجاربها وخبراتها ومعتقداتها السياسية التي تراكمت لديها عبر الزمن والتي يمكن النظر إليها كمتغيرات محددة ل “نسق الدولة الأسطوري” حسب تعبير لويد جنسن[11]. عرفت هذه الهوية للسياسة الخارجية على المستوى الدولي، حيث مكن تبني المغرب لمجموعة من القيم ومعايير السلوك الدولي والثبات عليها في مواقفها الدولية والالتزام بها واقعيا في علاقاتها الدولية، من اكتساب صورة الدولة المحترمة لسيادة الدول وصورة الدولة المقبولة لدى الأطراف الاقتصادية الدولية، ما أهل المغرب لتحقيق نجاحات دبلوماسية بارزة في الشأن الاقتصادي ومنحه في الوقت نفسه دورا قياديا متميزا كقوة اقتصادية إقليمية في سياق الفضاء المغاربي والإفريقي وعلى مستوى دول العالم الثالث والنامي.
الفقرة الثانية: الأولويات السياسية والمصلحة الوطنية.
تنطلق النظرية الواقعية للسياسة الخارجية من مسلمة مركزية أولى متعلقة بالفاعل، مقتضاها أن الدولة فاعل واحد وموحد وعقلاني وفقا لافتراضات نموذج “الفاعل العقلاني” الذي تتبناه هذه النظرية. تأخذ كذلك بمسلمة ثانية مرتبطة هذه المرة بنسق التفاعل أي أنها متعلقة بفوضوية النسق الدولي المتميز بغياب مركزية دولية لتحقيق الأمن والاستقرار دوليا[12]، لتنتهي أخيرا بالطبيعة النفعية لأهداف السياسة الخارجية النهائية التي تسعى الدولة لتحقيقها أي الدفاع باستمرار عن المصلحة الوطنية.
يشير مفهوم المصلحة الوطنية إلى مجموعة قيم أساسية مرتبطة بوجود الدولة ويمكن تقسيمها إلى ثلاث محاور: يرتبط المحور الأول بالدفاع عن الوجود المشترك، ويتعلق المحور الثاني بالهوية، والثالث مرتبط بالسيادة[13]، وهذه القيم معرفة عبر تاريخها كله، وهي بذلك أهداف وجود واستمرار لا تتغير على الرغم من أن وسائل تحقيقها قد تتغير، وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات الدولية تستند بشكل أساس إلى هذه القيم[14]. وترى الواقعية بأن تأمين البقاء يبقى الهدف الأساسي لأن تحقيق أي هدف في قطاعات أخرى غير القطاع الأمني كالتجارة والاقتصاد مرتبط أساسا بتحقيق درجة كافية من الأمن، وتكون نتيجة لذلك المصلحة في تحصيل الأمن هي المصلحة الأساسية لجميع الدول وتعرف باستمرار سلوكاتها الخارجية. يعد سلوك السياسة الخارجية للدول محكوما بالمصلحة الوطنية على أن المسألة الأكثر أهمية لأي مصلحة وطنية تكون بتحقيق البقاء[15]، وضمان الأمن الوطني في شكل السلامة الترابية والاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي في بيئة دولية تنافسية، ما يعني أن السياسة الخارجية للدولة تتعلق كليا أو نسبيا ،على الأقل، بالقيم المادية وأنه يمكن قياسها بالمنظور الاقتصادي للتكاليف والمكاسب، أي كيف يمكن تحقيق المكاسب بأقل التكاليف؟[16].
لقد حدد الخطاب الملكي السامي الذي وجهه الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى العاشرة لاعتلائه عرش البلاد ستة مصالح وطنية في السياسية الخارجية: قضية الصحراء والبناء المغاربي، التضامن مع قضايا وهموم العالم العربي والإسلامي، تعزيز التعاون والشراكة مع الدول الإفريقية الشقيقة، مضاعفة الجهود للتفعيل الأمثل للوضع المتقدم مع الإتحاد الأوربي، الانخراط في المبادرة الواعدة للاتحاد من أجل المتوسط، والانخراط الفعال في الأجندة متعددة الأطراف وفي حل القضايا العالمية الشمولية. وتعتبر هذه المصالح بمثابة القوة الدافعة والمحددة لاتجاهات السياسة الخارجية المغربية إلى جانب الثوابت العريقة التي ستظل الدبلوماسية المغربية وفية لها في التعامل مع العالم الخارجي “على أساس الثقة في الذات، واحترام الشرعية الدولة، والالتزام بكل ما يعزز السلم والأمن الدوليين، ومناصرة القضايا العادلة، وتقوية علاقات التعاون الدولي في كل مجالاته”[17].
المصالح الوطنية هي المحددات الأساسية والحاجات الجوهرية الضمنية أو المعايير النهائية التي بموجبها تصوغ الدولة أهدافها ومقاصدها وترسم سياستها الخارجية واستراتيجياتها وتكتيكاتها عبر مؤسساتها الدستورية وعلى أساس مشاركة أكبر قطاع ممكن من الأجهزة المختصة والرأي العام.[18]وفي هذا السياق، سنقوم بتحليل المصالح الوطنية المغربية في ظل الأولويات السياسية المعلنة وغير المعلنة عبر استحضار ثلاثة منظورات وهي: المنظور الإيديولوجي، المنظور الجيوسياسي والمنظور المؤسساتي[19].
أ_ المصالح الوطنية المغربية من المنظور الإيديولوجي:
يقصد بالمنظور الإيديولوجي العمل من أجل مصالح الأمة العليا[20]. إنه مفهوم مرتبط بالدولة_الأمة ويعود إلى قيام نمط العلاقات الدولية القائم على نموذج”الدولة_الأمة” كفاعل أساسي وككيان موحد ومستقل وذي سيادة. وهو بالتالي مفهوم يعزز شرعية الحكم عبر توظيف “الرموز” في السياسة الخارجية ويعطي للملكية شرعية داخلية وخارجية وتقوي من موقع الملك على المستوى الدولي[21]. هذا المنظور متجذر في السياسة المغربية لاعتبارات تاريخية ودينية وثقافية عديدة، وهو يظهر جليا في المصطلحات السياسية لمختلف الخطابات السياسية للألوان السياسية المغربية وهو المجال المنظوري الذي تتقاطع فيه تطلعات الرأي العام المغربي ومشاعر الشعب مع آراء ومواقف المؤسسات السياسية صانعة القرار الخارجي. تظهر المصالح الوطنية المغربية هنا كمعيار يوحد الحالة السياسية والقضية المعينة والموقف أو السلوك الذي يجب على الدولة أو صانع القرار اتخاذه حيالها ولا يستدعي المجهود التبريري أو إيجاد الفتاوى التعليلية لأن صياغة القرار قد نال الدعم الشعبي الداخلي. وفي هذا السياق تحتل قضية الصحراء المغربية مقدمة أولويات أهداف السياسة الخارجية المغربية، بالإضافة إلى الأمن والمكانة الاستراتيجية للدولة، فهذه العناصر مجتمعة تكمل بعضها خدمة لهدف حماية المصالح الحيوية العليا للمغرب، بذلك تتوفر المناخات الملائمة لحماية الأمن القومي للمغرب وللجذب الاستثماري الخارجي وتحقيق التنمية الاقتصادية إضافة إلى توفير حماية الدولة وتعزيز أمنها واستقرارها، فالتجربة التي تمر بها بعض الدول التي تعيش عدم أو نقص في عائد استقرارها، تعطل في العمق عملية التنمية الاقتصادية.
استطاع النظام السياسي المغربي الجديد أن يسبق الأحداث والمطالب عبر مساراتها المختلفة وأن يقدم لها الأجوبة السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال تقديم نموذج فريد عمل على إعادة أجواء الثقة بين النظام ومختلف الفاعلين في الداخل والخارج. لقد شعر النظام السياسي في المرحلة الجديدة هذه بضرورة الاستثمار في السياسة الخارجية المغربية التي أصبح عليها أن تواكب التغيرات الداخلية باعتماد أسلوب جديد يشمل تغييرا في الفكر والمنهجية والممارسة[22].
لا يتوقف الأمر وفق هذا المنظور عند نيل دعم القواعد المحلية فقط بل يتجاوز ذلك إلى العمل على تعزيز مكانة المغرب ضمن دول المغاربية والعربية والغربية لتشكيل قاعدة خارجية داعمة سياسيا وماديا للمملكة المغربية في قراراتها واستراتيجياتها الخارجية في ضوء ضعف قاعدة الموارد المادية في مقابل شدة التحديات الخارجية والتغيرات السريعة التي تعرفها المنظومة الدولية على كل المستويات. فمن مصلحة المغرب أن يتحقق الاندماج والتفاهم بين الدول المغاربية، وبين الدول العربية والإسلامية وضمنها فلسطين حرة وذات سيادة على أراضيها، وقبل ذلك كان المغرب يرى انه من مصلحته ألا ينتصر المعسكر الشرقي في الحرب الباردة باعتبار الشيوعية مهددة للعقيدة الإسلامية والهوية العربية والنظام في البلاد، قبل أن يجد المغرب اليوم نفسه مضطرا اقتصاديا إلى ربط علاقات تجارية واتفاقيات للتبادل مهمة مع دول شيوعية وعلى رأسها الصين وروسيا، كما كان يرى أن انتصار المعسكر الغربي يمثل أهون الشرين بالنسبة للمغرب وللعالم العربي والإسلامي رغم دعمه لإسرائيل قبل أن يجد نفسه في علاقات تجارية واقتصادية واتفاقيات تبادل حر بينه وبين الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن، ولأسباب واعتبارات عدة كالخلافات العربية الناشئة عن تعدد الاتجاهات الإيديولوجية وظهور محاور سياسية وعسكرية واقتصادية عديدة بالإضافة إلى تدخلات القوى الخارجية التي تمكنت من تعميق الانقسامات وتأثر المصالح الجوهرية للشعوب وتفاوتات في سلم الأولويات لدى هذه الدول، دفع المغرب إلى تبني سياسات ومواقف لا يمكن فهمها سياسيا واقتصاديا ضمن المنظور الإيديولوجي للسياسة الخارجية وحدها بل من منظورات أكثر براغماتية. وهنا تطرح إشكالية الثنائية السياسية_الاقتصادية ألا وهي “مبدأ عدم الانحياز السياسي والمصالح الاقتصادية” هل المغرب وخاصة ضمن سلم أولوياته التي حددها الملك محمد السادس الذي وضع الاقتصادي والتنموي قبل السياسي، متجه نحو تعديلات في مصالحه الوطنية أم سيكتفي بالتكيف وتغيير الطرائق وليس الأسس والثوابت؟.
ب_ المصالح الوطنية المغربية من المنظور الجيوسياسي:
يطرح المنظور الجيوسياسي كمنظور يكمل المنظور الإيديولوجي ولا يلغيه وذلك لفهم تطور صياغة مصالح المغرب الخارجية وحمايتها. إن جوهر العلاقات الدولية وسياسات الدول الخارجية بما فيها عملية تحديد مصالحها الوطنية ووسائل إدامتها، حسب المنظور الجيوسياسي، يتمثل في الصراع من أجل البقاء وعماده الأساسي والوحيد هو القوة. العلاقات الدولية في واقع الحال هي صراع وتنافس بين الدول من أجل تعزيز القوة وبقائها وإدامة مصالح الدولة وحمايتها، ومصالح الدولة الوطنية تتحدد من خلال علاقاتها بقوة الدولة ويتم تبويبها على هذا الأساس. إن المصالح الوطنية للدولة هي كيانات وجودها المادي كوحدة سياسية واقتصادية وعسكرية…وغيرها.
في مسعى تحقيق هذه المصالح وأمنها بصفة عامة، تكافح المملكة المغربية من أجل زيادة قوتها عبر نهجها خياري الاستقلال والنفوذ. تحاول المملكة المغربية العمل على تجنب سيطرة الدول على إقليمها وتوجهاتها السياسية والاقتصادية وقراراتها مع الوعي التام بأن أي قصور في ذلك يمكن أن يؤدي إلى اختزال قدرتها في الاعتماد على الذات كسلوك ضروري لتحقيق أمنها. أما من ناحية خيار النفوذ، فالمغرب استطاع أن يمارس تأثيرا في بيئته الخارجية سواء بالنسبة إلى السياسات الخارجية للدول الأخرى أو القرارات الجماعية التي تخدم مصالحه، فأكثر الدول قدرة على التأثير في بيئتها تكون هي الأكثر فعالية في متابعة مصالحها وتحقيقها[23]. يحضر المنظور الجيوسياسي في السياسة الخارجية المغربية، ونتلمس ذلك بوضوح في قول الملك الراحل الحسن الثاني في كتابه ذاكرة ملك :”ليس بإمكاني تغيير موقع كل من المغرب والجزائر، ويجب أن يتذكر المغاربة والجزائريون دائما أنهم لن يقدروا على تغيير موقع بلديهم” وهو ما يؤكد أن الأفراد يمكن لهم أن يغيروا التاريخ لكنهم لا يستطيعون تغيير الجغرافيا، فالجغرافيا حسب بسمارك هي العنصر الدائم في السياسة. لقد استخدم الملك محمد السادس المنظور الجيوسياسي لحماية المصلحة الوطنية المغربية، فموقعه الجغرافي يجعله ملتقى القارتين الإفريقية والأوربية وحلقة وصل بين حضارات مختلفة، هويته متوسطية، إفريقية، عربية، إسلامية، شرقية، غربية… كل هذا جعل المغرب ينهج سياسة الانفتاح على الفضاءات الأوربية ويجعل الارتباط العضوي بالمجموعة الأوربية مصلحة وطنية جيوسياسية وصل إلى حد تقديم طلب رسمي للانضمام إلى المجموعة عام 1985، وقد حصل المغرب على إثره على الوضع المتقدم، كما ربط المغرب مصلحته الوطنية بالعودة إلى الاتحاد الإفريقي وتجاوز سياسة الكرسي الفارغ مع اقتحام الأسواق الإفريقية الواعدة خدمة لقضيته الأولى والثابتة الأساسية في سياسته الخارجية قضية استكمال وحدته الترابية، كما يجعل من مصلحته الانفتاح على باقي دول العالم.
ج_ المصالح الوطنية المغربية من المنظور المؤسساتي:
ينظر المنظور المؤسساتي إلى السياسة الخارجية بنفس المنظور الذي ينظر به إلى السياسة الداخلية، وبالتالي تكون السياسة الخارجية هي امتداد للسياسة الداخلية، و السلوكان الداخلي والخارجي خاضعان لمؤسسة القانون وللمرجعية القانونية وللمؤسسات التي تحكم السياسة الداخلية. يقول الملك محمد السادس :”في إطار التكامل والانسجام بين السياسة الداخلية والخارجية لبلادنا فإننا نعمل على حسن استثمار نموذجنا الديمقراطي والتنموي من أجل تعزيز صورة ومكانة المغرب على الساحة الدولية والدفاع عن مصالحه العليا وقضاياه العادلة…”[24]. العلاقات الدولية لا تقام في عالم فوضوي أو غابة يكون البقاء فيها للأقوى، بل في عالم تسوده مبادئ وقوانين ومواثيق ومؤسسات دولية تمثل المصلحة العليا المشتركة للبشرية على الجميع مراعاتها عند تجديد مصالحها الوطنية الخاصة.
يقدر المغرب ميثاق الأمم المتحدة وميثاق جامعة الدول العربية ومبادئ الشرعية الدولية ويحترمها عند تحديد مصالحه الوطنية أثناء ممارسته لسياسته الخارجية، لذلك تأتي قرارات المملكة في سياسته الخارجية متوافقة ومنسجمة مع قرارات المنظمات الدولية والإقليمية، وفي هذه الحالة تكون المصالح الوطنية المغربية متوائمة مع المصالح العامة للبشرية وخير مثال على ذلك مشاركة المغرب في حفظ السلام ببعض الدول الإفريقية أو المشاركة في تنمية بعض الشعوب العربية والإفريقية غبر مساعدات تقنية وعلمية ومادية. وعلى هذا الأساس وضع الملك محمد السادس التنمية البشرية ومعالجة المعضلات الاقتصادية سواء على مستوى البلاد أو على مستوى العالم الثالث والدول الإفريقية أولوية وثابت سياسي لا محيد عنه في سياسته الخارجية، وفي هذا الإطار يقول الملك محمد السادس :”… دبلوماسية متجددة الهياكل وملتزمة بالجوار والشرعية الدولية كوسيلة فعالة للمكافحة الجذرية للكراهية والتطرف والإرهاب ولانتشار أسلحة الدمار الشامل… والنضال من دول الجنوب من أجل تحقيق التنمية المستدامة في إطار الاندماج الإقليمي والانخراط الإيجابي في عولمة ذات بعد إنساني”[25].
المطلب الثاني: الخيارات الاقتصادية أوالعقيدة الاقتصادية.
المغرب بلد نام واقتصاده يؤول نحو اقتصاد السوق، مع حضور قوي للسلطات العمومية في الاستثمار وتوجيه السياسات الاقتصادية الخارجية. لقد نجح المغرب وبطريقة تدريجية في إرساء مناخ مؤسساتي محفز وجذاب للاستثمار الدولي، وهذا المناخ الاقتصادي كان ثمرة خيارات سياسية ساعدت على بروز جيل جديد من المقاولات والمقاولين. كما عبء المغرب من أجل تجسيد هذه الخيارات السياسية والاقتصادية على أرض الواقع عدة وسائل وإمكانات توجت بالتنصيص الدستوري على مبادئ الحرية الاقتصادية والمبادرة الحرة والمقاولاتية كإحدى مبادئ الليبرالية الاقتصادية وكذلك سياسة الانفتاح على المحيط الدولي وتحرير المبادلات الخارجية الأمر الذي تجسد عمليا في انضمامه سنة 1994 إلى المنظمة العالمية للتجارة في إطار تبنيه سياسة اقتصاد السوق. فما هو النظام الاقتصادي الذي يمكن استنتاجه من القراءة الاقتصادية لدستور 2011 والذي يمكن أن يعرف بالعقيدة الاقتصادية المغربية؟.
الفقرة الأولى: الليبرالية الاقتصادية في دستور2011 .
اختار المغرب منذ تولي الملك محمد السادس العرش سيناريو التغيير وهو سيناريو “المغرب الممكن” لأنه كان يعلم أن سيناريو الاستمرارية سيدخل المغرب في النفق المسدود على كل الأصعدة والميادين ويؤدي إلى الفوضى وعدم الاستقرار، ومقومات المغرب الممكن السياسية هي الليبرالية السياسية، هي مغرب الإصلاح والحداثة والديمقراطية والتضامن والانفتاح على العالم وعلى الحضارة الكونية، ومقومات المغرب الممكن الاقتصادية هي مبادئ الليبرالية الاقتصادية.
تنبني السياسة الخارجية المغربية على الفكر الليبرالي كركيزة إيديولوجية وذلك انطلاقا من الموقع الذي أخذه المغرب عمليا إبان الحرب الباردة، وهناك شواهد كثيرة لانخراط المغرب في التوجه الليبرالي[26]، وهذه المسألة نابعة من التوجه الفكري ذي المرجعية الغربية التي يمتح منها الملك الراحل الكثير من ثقافته والتي أصبحت توجها استراتيجيا للمملكة حتى بعد وفاته[27].
تاريخيا، شهد التحول الليبرالي في المغرب عوائق كبيرة، الأمر الذي جعله يكتسي طابعا مميزا من غيره من التجارب الأخرى، باعتبار أن هذا التحول كان صادما، وذا تأثير قوي في المؤسسات المخزنية القديمة. المؤسسات المخزنية كانت دائما حاضرة في قلب عملية الإصلاح والتحديث الأمر الذي جعلها تعكف على إعادة ترتيب الحقل السوسيو_اقتصادي، وما يعني ذلك من عمليات تكييف إيديولوجي على المستوى السياسي، وتحقيق نوع من التلاؤم والتوافق بين ثوابت المشروعيات القديمة والتحالفات المخزنية مع مختلف الشرائح البرجوازية ومكونات المشهد الثقافي والديني[28]، وهو ما يعني ضرورة تكييف الحقلين السياسي والديني مع النخب المالية والتجارية عن طريق نسق التحالفات المخزنية وربط المغرب بالدوائر الرأسمالية الأوربية وإخضاعه لسياسة الحمايات القنصلية عبر شبكة الاتفاقات التجارية والمالية[29].
قبل البدء في استخراج المبادئ الاقتصادية من فصول الدستور المغربي ل 2011، لا بد أولا من البحث في شرعية القراءة الاقتصادية للدستور. فالمبدأ الذي يشتغل به الدستور هو كونه، ونظرا لطبيعته الخاصة، محددا للنظام القانوني من حيث بناءه وطبيعته. وجوهر الدستور الحقيقي هو ما كان قبل الدستور نفسه، وفي النموذج المغربي هو الملكية وفي الدستور الفرنسي مثلا هو مبادئ الثورة الفرنسية، وهو ما كان يعرف ب “خارج الدستور” أو “فوق الدستور” والذي لم يعد موجودا مع وجود الدستور. لأن ما كان قبل الدستور أصبح مع الدستور هو “الجامد” الذي لا يمكن مراجعته أو تعديله ولكنه أضحى مبدأ كل القوانين والثابت الوحيد فيها[30] وأصبح يمثل الثوابت السياسية لأساسية في الدستور. ووفق هذا المنطق، ألا يمكن القول بوجود مبادئ وثوابت اقتصادية لا يمكن أن تتغير أو تطالها تعديلات يمكن أن نعتبرها “دستورا اقتصاديا” للدولة، وهو المحدد للنظام الاقتصادي للدولة من حيث بناءه وطبيعته؟.
كان المؤسسون الأوائل للدستور المقارن يعتبرون أن النظام القانوني الصرف هو المحدد الواحد والوحيد للسلوك السياسي والاقتصادي والاجتماعي للأفراد وللمؤسسات داخل الدولة. لكن بعد نهاية الحرب العالمية الثانية تنبه علماء الاقتصاد الألمان وخاصة المنتمون إلى مدرسة فريبورغ[31] إلى وجود مبادئ اقتصادية أولية وأساسية ينبغي اعتبارها “دستورا اقتصاديا” ضمن الدستور الفيدرالي الألماني.
وعليه نجد مشروعية قراءة الدستور المغربي قراءة اقتصادية لاعتبارين أساسيين: الاعتبار الأول يتمثل في كون النظام القانوني والسياسي هو نظام مفتوح على النظام الاقتصادي، والنظام القانوني لا يغفل الاقتصاد أثناء اشتغاله وفي وظيفته خاصة ما يتعلق بقرارات الإنتاج والاستهلاك والاستثمار الداخلي والخارجي. ويتمثل الاعتبار الثاني في أن داخل الدستور المغربي لا بد من تواجد لفصول وفقرات تهم النظام الاقتصادي (دستور اقتصادي)، والدولة كمؤسسة لا بد أن تتضمن بعدا اقتصاديا بالإضافة إلى الأبعاد الأخرى ضمن توجهاتها وبرامجها وسياساتها.
في البداية يجب الإشارة إلى أن الاقتصاد والنظام الاقتصادي لم يأت التعبير عنهما بشكل صريح في الدستور المغربي وخاصة دستور 2011. فمن بين الفصول المائة والثمانين [32] فإن الفصول التي لها علاقة بالاقتصاد، ليس كعلم ولكن كممارسة، عددها لا يتجاوز العشرة بالإضافة إلى الفصول التي تنص على المؤسسات الدستورية والمجالس التي تهتم بالاقتصاد أو ذات الطبيعة الاقتصادية في تركيبتها أو تقع ضمن اهتماماتها واختصاصاتها. هناك من يرجع ضعف النصوص والمواد القانونية المتعلقة بالاقتصاد ضمن الوثيقة الدستورية ل 2011 أي أن المشرع المغربي أثناء إعداده للوثيقة اختار النموذج الفرنسي والإنجليزي كمرجعية، وفي المقابل هناك نموذج آخر أعطى للاقتصاد مكانة في الوثيقة الدستورية وهو النموذج الألماني[33].
يتعلق الفصل 31 من دستور 2011 بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وضمان هذه الحقوق للمواطن، كما ينص الفصل 36 على الحق في السوق التنافسية والمنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية ويسهر القانون على ضمان التنافس النزيه ويضع لأجل ذلك أجهزة ضامنة لممارسة هذا الحق. ويشير الفصل 39 إلى واجب تحمل الجميع التكاليف العمومية وواجب دفع الضرائب. يحدد الفصل 49 القضايا التي يتداول فيها المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك وخاصة ما يتعلق بالتوجيهات الاستراتيجية لسياسة الدولة والتعيين في المناصب العليا والاستراتيجية وكذا ما يتعلق بالشؤون الخارجية و الاتفاقيات والمعاهدات، بينما يحدد الفصل 92 القضايا التي يتداول فيها المجلس الحكومي الذي يرأسه رئيس الحكومة. تطرق الدستور إلى التشريعات الخاصة بالموازنة المالية وسلطات الحكومة والبرلمان في إعداد المخططات التنموية الإستراتيجية وذلك في الفصول 75 و76 و77. والفصول من 135 إلى 146 والمتعلقة بالجهات والجماعات الترابية الأخرى تطرقت إلى التنافس بين الدولة والجماعات باعتبارها “حكومات بلديات” أو “حكومات الوحدات التابعة” في التنمية مع الإشارة إلى مبادئ اشتغال هذه الوحدات الترابية كمبدأ التعاون والتضامن والتدبير الحر. اهتمت الدساتير المغربية منذ دستور 1962 باقتصاد السوق أو الاقتصاد الرأسمال الليبرالي بتأمينها لحق الملكية وحرية المقاولة، وقد أكد الفصل 35 من دستور 2011 ذلك بتنصيصه على حق الملكية والذي يمكن الحد من نطاقه بموجب قانون إذا اقتضت متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، كما يضمن القانون حرية المبادرة والمقاولة والتنافس الحر و يضمن تحقيق تنمية بشرية مستدامة من شأنها تعزيز العدالة الاجتماعية.
إن قراءة بسيطة لهذه الفصول الدستورية خاصة المفاهيم التي تضمنتها، يتضح معها أنها لا تتضمن نفس النموذج الاقتصادي، فمرة يبدو أننا أمام اقتصاد ليبرالي ومرة أمام اقتصاد اجتماعي اشتراكي ومرة يبدو أننا أمام ليبرالية اجتماعية. لكن، هل حرية المقاولة وحرية الملكية وحرية المنافسة التي جاءت بها الدساتير المغربية لوحدها كافية لتحديد النظام الاقتصادي المغربي على أنه ليبرالية اقتصادية؟ وهل الفقرة الثانية والثالثة من الفصل 36 من دستور 2011 يمكن لهما أن تعطيان انطباعا بأننا أمام ليبرالية اقتصادية اجتماعية عندما نقرأ تأكيد الدستور على التنمية البشرية المستدامة والعدالة الاجتماعية كأهداف دستورية؟.
حسب المنظور المعتمد عند الأوساط الليبرالية خاصة الأمريكية، فإن النظام الاقتصادي المغربي ليس ليبراليا بمعنى الكلمة والسبب لا يعود إلى المبادئ الأساسية الدستورية لكن يعود السبب إلى السياسة. السياسة تخنق الاقتصاد وهو ما يعرقل ويقيد حرية الملكية والمقاولة والمبادرة الحرة والمنافسة[34]. ونعلل لهذا الطرح من خلال النقط التالية: حسب الفصل 49 من الدستور المغربي ل 2011 فإن الملك يترأس المجلس الوزاري وهو الذي يحدد السياسة العليا للبلاد منها طبعا ما يتعلق بالاقتصاد، بالإضافة إلى تعيينه للمناصب العليا السياسية و”الاقتصادية” كما يوجه عمل الحكومة من خلال رسائله وخطبه. النقطة الثانية تتعلق بالألوان السياسية المختلفة للأحزاب المغربية منها المحافظة ومنها النيوليبرالية وهو ما يطرح السير نحو تبني ليبرالية اقتصادية صرفة. وتتعلق النقطة الثالثة بتدخل الدولة (السياسة) في الاقتصاد عبر اختصاص المحافظة على التوازن المالي للدولة وكذا بتقنية القانون المالي السنوي بالإضافة إلى المخططات التي تضعها الدولة في المجال الاقتصادي، وهو ما يطرح إشكالية الحياد الاقتصادي في الدستور المغربي.
وحسب منظور “العالم الثالث” الرافض لليبرالية الاقتصادية والمطالب بالملكية المشتركة لوسائل الإنتاج، بالنسبة لنظر هؤلاء، كان المغرب في السنوات الماضية والبعيدة ليبراليا[35]. يتهم هذا المنظور الليبرالية الاقتصادية ويصفها بجميع الصفات القدحية لأنه يعتبرها ضارة كمدخل رأسمالي لتنظيم المجتمع، إذ تكون نتيجة الليبرالية هي ضعف الأجور وعدم احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مع نسبة ارتفاع الشغل والعمل، بالإضافة إلى رداءة الخدمات العمومية الموجه إلى المجتمع خاصة الفئات الأقل حظا مع تغول الاقتصاد على السياسة والقضايا الاجتماعية. وأصحاب هذا التيار يلومون على دستور 2011 أنه عظم من الليبرالية الاقتصادية من خلال التنصيص الدستوري على حرية المنافسة، وحسبهم فقد خطا المغرب خطوة إلى الأمام في اتجاه النيوليبرالية أو “فوق الليبرالية”.
إن دستور 2011 بعيد جدا من السقوط، حسب نظرنا، في الليبرالية الجديدة. الأمر لا يتعلق فيما يخص المبادئ المعرفة للنظام الاقتصادي المغربي والذي تطرق لها الدستور صراحة أو بشكل ضمني في فصوله، بالليبرالية بمفهومها القدحي والمتوحش لكن بليبرالية اجتماعية تشاركية متصفة بالحكامة حسب مفاهيم مدرسة فريبورغ. وما يؤكد هذه الخلاصة المفهوم الذي أعطاه الدستور لاقتصاد السوق كمفهوم سياسي أكثر منه اقتصادي أو علمي. لقد حدد دستور 2011 النموذج المغربي لاقتصاد السوق.
الفقرة الثانية: اقتصاد السوق في النموذج المغربي.
يتبنى المغرب نظام اقتصاد السوق منذ دستور 1962 واستمر التأكيد على ذلك في دستور 2011 ونعتقد أنه لن يتراجع عنه على اعتبار أن النظام الرأسمالي أصبح نظاما عالمياuniversel . لا يعتبر نظام اقتصاد السوق نظاما أحاديا أو واحدا بل يختلف من دولة إلى أخرى مع الاحتفاظ بالخصائص الأساسية والمميزة للنظام، ولا يوجد نظام اقتصاد السوق خالصpure بمعنى غياب الدولة أو عدم تدخلها في الاقتصاد إلا نظريا، والاختلاف بين الدول يرجع بالأساس إلى العلاقة بين الدولة والاقتصاد أو بالأحرى بين النظام السياسي والنظام الاقتصادي والملاحظ أن في المغرب السياسة تهيمن على الاقتصاد إلى درجة خنقه[36].
إن تتبع التطور التاريخي للدساتير المغربية يظهر أن التنصيص الدستوري على نظام الاقتصاد الاجتماعي للسوق كان متقدما زمنيا قبل التنصيص على نظام اللوردو ليبراليةordo-libéralisme أو الليبرالية بمفهوم مدرسة فريبورغ الألمانية. طرحت الدساتير المغربية ابتداء من دستور 1962 إلى غاية دستور 1996 مقومات الاقتصاد الاجتماعي للسوق، أما دستور 2011 فقد طرح مقومات اللوردوليبرالية، وهو نفس الوقت يقوي من الطابع الاجتماعي للسوق. لم يكن نظام اقتصاد السوق في النموذج المغربي متصفا بكونه اجتماعيا بدرجة كبيرة مع دستور 1962 ودستور 1996، لقد كانت هناك إشارة خجولة عندما أكد الدستور على الطبيعة الاجتماعية للملكية المغربية وهي الملكية الاجتماعية سياسيا واقتصاديا في الفصل الأول من دستور 1962 والفصل 15 والفصل 18 والفصل 18 “جميع المواطنين متساوين أمام حق التعليم والشغل“. ليأتي بعد ذلك دستور فاتح يوليو ز 2011 ليصرح صراحة بالطبيعة الاجتماعية لاقتصاد السوق الذي يعتمده المغرب كتعريف لنظامه الاقتصادي.فما هي أهم خصائص هذا النموذج؟
يقول لودويج إيردهارد Luduig Erhard [37] بأن الاقتصاد الاجتماعي للسوق هو نموذج ناتج عن تركيب ومزج بين نظام الليبرالية الاقتصادية ونظام التضامن الاجتماعي والاقتصادي المتميز بحماية حقوق الطبقة الضعيفة والهشة وبتوسيع التنمية الرأسمالية الشعبية وبتوجيه السياسة نحو التعليم والثقافة واللامركزية وحماية البيئة، ولن يتأت هذا إلا في إطار مؤسساتي وهو النظام التنافسي الموجه والمحدد والمراقب من طرف الدولة وذلك من أجل الحفاظ على الاستقرار المالي والاقتصادي، وهذا ما ينص علية الفصل 77 من دستور 2011 في فقرته الأولى “يسهر البرلمان والحكومة على الحفاظ على توازن مالية الدولة“. وهنا قد نتساءل، هل يمكن اعتبار ما جاء في هذه الفقرة قاعدة دستورية لعدم المصادقة على كل قانون مالي لا يراعي الجانب الاجتماعي والعجز في ميزانية الدولة؟؟ وما دور البرلمان والحكومة في الاستقرار المالي للدولة علما بأن بنك المغرب هو المسؤول على ضمان استقرار مالية الدولة ووالي البنك يعينه الملك(الفصل 49) وعليه ليس للحكومة أي سلطة على والي البنك وبالتالي هناك استقلالية البنك المركزي عن الحكومة.؟
ينص دستور 2011 في تصديره، والذي هو جزء لا يتجزأ منه، على التضامن الاجتماعي والعدالة الاجتماعية. كما يضمن للمواطن الحق في الرعاية الصحية والحق في المسكن والحق في العمل وحماية البيئة في الفصل 31 منه، بالإضافة إلى ضمانه حقوق الأطفال (الفصل 32) وحق الثقافة وتنمية الشخصية (الفصل 33). كما “تقوم السلطات العمومية بوضع وتفعيل سياسات موجهة إلى الأشخاص والفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة…” (الفصل 34)، و”تسهر الدولة على ضمان تكافؤ الفرص والرعاية الخاصة للفئات الاجتماعية الأقل حظا” (الفصل35). كما ينص الدستور كذلك “على الجميع أن يتحمل…. التكاليف العمومية..” (الفصل 39)، و” على الجميع أن يتحمل بصفة تضامنية التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد” (الفصل 40)، وتحرص الدولة والجماعات على علاج”… العجز في مجالات التنمية البشرية…” (الفصل 142)، و” الرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة” (الفصل 136). نستنتج من هذه الفصول الدستورية العلاقة الوطيدة بين النظام الاقتصادي بالمغرب بالمجتمع وبالتنمية المستدامة وبتنمية الفرد، وأن نموذج اقتصاد السوق الذي اختاره المغرب هو اقتصاد السوق الاجتماعي.
على النقيض من الاختيارات الاشتراكية لمجموعة من دول الجنوب التي حققت استقلالها منذ النصف الثاني من القرن العشرين، اتجه المغرب إلى تبني اقتصاد السوق والليبرالية الاقتصادية[38]، ولكن بالمفاهيم التي قدمناها سابقا، ويقوم اقتصاد السوق الاجتماعي ونموذج الليبرالية الاقتصادية المغربي على عدة مرتكزات، وهي في اعتقادنا ما تشكل العقيدة الاقتصادية للنظام الاقتصادي المغربي في بعديه الداخلي والخارجي.
_ رافعة القطاع الخاص: دور القطاع الخاص (المنافسة، المبادرة الحرة، المقاولة…) وانخراطه في المشاريع التنموية الاقتصادية والاجتماعية. دور القطاع البنكي في المغرب الذي وصل لمراحل مكنته من الاستثمار في الخارج خاصة في إفريقيا.
_ الدولة ضابطة للاقتصاد: تعتبر الدولة المغربية دولة متدخلة في الاقتصاد الوطني حيث وفرت الدولة البنية التحتية ومستويات منخفضة من الضرائب والإعانات الاقتصادية، وقد تطلب هذا التوجه من الدولة التزاما ودعما نشطا لنظامها الاقتصادي خاصة في بعده الخارجي[39]. وتوجهت إلى الاستثمار في المؤسسات الداعمة للسوق، والاستثمار في الرأسمال البشري والاجتماعي، والاستثمار في الاقتصاد الأخضر والرقمي.
_التنمية كهدف للاقتصاد: من خلال هذا المرتكز سيعمل المغرب على تحقيق مبدأين أساسيين يحكمان سياسته الخارجية في بعدها الاقتصادي. المبدأ الأول هو تحقيق التنمية الداخلية مع تحريك التنمية في العالم، وهكذا انصهر المغرب ايجابيا وبكل مصداقية في الأنظمة العالمية واستطاع أن يعمق مفهوم المصلحة المتبادلة بين الدول وتحقيق المنافع المتبادلة والمكاسب للجميع، أما المبدأ الثاني فهو تكريس مفهوم التنمية الجديد المترابط مع المفهوم الجديد للأمن الإنساني وهو المتمثل في تنمية الإنسان والشعوب، وذلك بتشجيع الانفتاح بدل العزلة والمنافسة النزيهة بدل الأنانية ودعم التكامل مع الجيران بدلا من القطيعة مع وضع بنية تجارية منفتحة وعادلة لإصلاح البنيات المالية الدولية وإيجاد حل سليم للاحتكاك الاقتصادي والتجاري عبر الحوار وقبول مطالب الآخرين خاصة الدول الإفريقية ودول الجنوب[40].
_ الانفتاح على الأسواق الخارجية والصادرات كرافعة: تبنى المغرب سياسة الانفتاح على الأسواق الخارجية وتكثيف اتفاقيات التعاون الاقتصادي الثنائي والمتعددة الأطراف وصولا إلى اتفاقيات التبادل الحر، وذلك نتيجة تنامي أهمية البعد الاقتصادي في الحياة الدولية في شكل البحث عن أسواق للمنتوجات أو البحث عن المواد الخام التي تتوقف عليها الصناعات أو في شكل البحث عن رؤوس أموال أجنبية عبر تقديم كل المحفزات السياسية والاقتصادية والمالية لجلبها[41]. شجع المغرب الصادرات الخارجية واعتبرها رافعة للنمو وأفضل طريقة لتعزيز التنمية وذلك رغبة منه للاندماج في توزيع العمل الدولي، وتبنى كذلك سياسة تنمية التصنيع[42] الموجه نحو التصدير كما فعلت دول كثيرة خاصة الدول الصناعية الحديثة جنوب آسيا كسنغفورة وهونج كونج[43].
_ الحكامة الاستراتيجية للاقتصاد المغربي: يتضمن الدستور المغربي 2011 نظاما “للحكامة الاستراتيجية” للاقتصاد، الهدف منه ضمان نمو اقتصادي داخلي وخارجي ذو طابع إنساني. فقد أحال المشرع المغربي على مجموعة من النصوص القانونية الرامية إلى ضمان المساواة والعدالة الاقتصادية وكذلك إلى مجموعة من مؤسسات الحكامة كمؤسسات حماية الفرد. مكنت هذه الإجراءات من ثقة الطرف الدولي في المغرب وتمكينه من الاندماج مع الدول الأخرى كالاتحاد الأوربي وربط علاقات اقتصادية وتجارية. تتمثل الحكامة الاستراتيجية للاقتصاد في منظور المملكة المغربية في حلق مجال للالتقائية التفاوضية الاقتصادية بين الدول فيما بينها وبين الدول والوحدات الاقتصادية الأخرى وبين هذه الوحدات فيما بينها حول وضع رؤية مشتركة ومنظمة وواضحة من حلال إشراك الجميع وذلك عبر استغلال المعلومات والخبرات المشتركة المدعومة بقنوات للتفاوض الشفاف[44]. وعلى هذا الأساس ضمن المغرب حرية التعاقد مع مكونات البيئة الخارجية وقد يكون طرفه الدولة أو القطاع الخاص أو الوحدات الترابية أو مؤسسات ومقاولات، لكن في نفس الوقت وعملا بالحكامة الاستراتيجية يضمن المغرب حماية المستهلك الداخلي وحماية النسيج الاقتصادي الداخلي.
خاتمة:
عرفت السياسة الخارجية المغربية خاصة في بعدها الاقتصادي ديناميكية منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش عام 1999 انطلاقا من المحاور الاستراتيجية الملكية لإعادة تموقع المغرب ضمن المنتظم الدولي والإقليمي، وديناميكية أكبر مع دستور 2011 الذي عمل بشكل دقيق ومفصل على تحديد أولويات وأهداف ومبادئ السياسة الخارجية بإعطائها سمة سياسية وعقيدة اقتصادية ثابتتين.
لكن ونظرا لشمولية وحركية المتغيرات الداخلية( السياسية، الاقتصادية، الطبيعية، والبشرية) والخارجية (النسق الدولي، النظام الاقتصادي العالمي، التفاعلات الدولية…) المؤثرة في صياغة السياسة الخارجية فإن السياسة الخارجية المغربية ليست تجسيدا لمفردات بيئتها الداخلية وحسب وليست انعكاسا وردا للفعل لتأثيرات البيئة الحارجية بل هي تعبير عن تفاعل هذه المتغيرات ككل. ولهذه المتغيرات دور في اضمحلال العديد من رهانات السياسة الحارجية المغربية، لكن هذا لا يعن أبدا أن كل الأهداف والثوابت التي كانت تتبناها المملكة المغربية قد تغيرت بل ما تغير هو طريقة التعامل مع هذه القضايا ومقاربتها في علاقتها بمفهوم المصالح الوطنية المغربية وهويتها الوطنية والدولية وكذا سيادتها على قراراتها.
يعمل المغرب جاهدا على مراعاة “التوازنات” في سياسته الخارجية لأن الأمر مرتبط بانتساب المغرب وانتمائه الثابت لعدد من الفضاءات الدولية وكذلك لتاريخ تفاعلاته الخارجية والتي تعتبر ركائز الفعل السياسي الخارجي.
الهوامش:
(*) تم تحكيم هذا المقال العلمي من طرف اللجنة العلمية لمركز مغرب القانون للدراسات و الأبحاث القانونية.
1_ سعد مصطفى عبد السلام بلقات، السياسة الخارجية المغربية:دراسة في الثوابت والمتغيرات وعملية صنع القرار، رسالة لنيل شهادة الماجستير، الجامعة الأردنية، كلية الدراسات العليا، سنة 1995، ص.4.
2_ محمد الخليل العلوي، الرهان الجيواستراتيجي للدبلوماسية المغربية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الخامس، الرباط، السنة الجامعية 2006_2007 ، ص. 2.
3_ تحديد المراجعة الدستورية لسنة 1996 ودستور 2011، كمحل الدراسة.
[4]_ الفقرة الثالثة والرابعة.
5_ عبد اللطيف بكور وحسنة كجي، السياسة الخارجية في دستور 2011 الفاعل والأدوار، مجلة مسالك في الفكر والسياسة والاقتصاد، العدد 49/50 ، السنة 15، ص.94.
[6]_ خالد المصري، النظرية البنائية في العلاقات الدولية، مجلة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد 30، العدد الثاني، 2014، ص. ص. 317_ 318.
7_ رابح زغوني، أزمة السياسة الخارجية الجزائرية بين ميراث المبادئ وحسابات المصالح، مجلة سياسات عربية، العدد 23، نونبر 2016، ص.88.
8_ التجارب التاريخية للدبلوماسية المغربية موزعة بين الدول التي كانت في اتصال مع المغرب حتى قبل دخول الإسلام وتأسيس الدولة به. تاريخ مليء بتجارب تبين مساعي المغرب الحميدة من أجل بناء السلام ومساعدته للبلدان المحتاجة ووجهة نظره ومواقفه في مجموعة من القضايا والمبادرات الدولية. لمزيد من التوضيحات الاطلاع على: عبد الهادي التازي، الموجز في تاريخ العلاقات الدولية للمملكة المغربية،دار نشر المعرفة، الطبعة الثالثة، السنة 2008.
[9] _Pinar Ipek, ideas and change in foreign policy instruments : soft power and the case of Turkish international cooperation and development agency, Foreign policy analysis, vol. 11,n° 2, 2015,P.175.
_ رابح زغوني، مرجع سابق، ص. 87.[10]
11_ لويد جنسن، تفسير السياسة الخارجية، ترجمة محمد بن أحمد مفتي ومحمد السيد سليم، عمادة شؤون المكتبات بجامعة الملك سعود، السنة 1989، ص. 83.
[12] _ Christopher J. Hill,The Changing Politics of Foreign Policy,( Hampshire ,Palgrave Macmillan Limited, 2003), P. 7.
[13] _ Mohamed Harakat, la nouvelle diplomatie économique en afrique paradigmes et modèles, El maàrif al jadida, RABAT,2020,P.78.
[14] _ E. Berge, Diplomatie et intérêt national de la France en 2017, www.definat,tribune,n°. 915.
_ عبد الناصر جندولي، التنظير في العلاقات الدولية، دار الخلدونية، السنة 2007، ص. 156.[15]
[16]_ Olav Knudsen, national interests and foreign policy : on the national pursuit of material interests, cooperation and conflict, vol, 14, n° 11, 1979, P.12.
16_ الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الثالثة عشر لاعتلاء الملك محمد السادس سدة الجكم بتاريخ 30 يوليوز 2012 على الموقع: الرابط
[18]_ محمد بوبوش، المصالح الوطنية للسياسة الخارجية المغربية، بتاريخ الاثنين 24 غشت 2009، على الموقع: الرابط تاريخ الاطلاع: 16_04_2020.
[19] _ نفسه.
_ إذا نحن انطلقنا من دلالة “الايدلولوجيا” عند الماركسيين باعتبار هدفها والمتمثل في خدمة مصالح فئة أو طبقة معينة.[20]
[21] _ Rachid El houdaigui, la politique étrangère sous la règne de HASSAN // acteurs, enjeux et processus décisionnels,l’Harmattan,P.15.
17_ محمد السنوسي، الإصلاح الدستوري وجغرافية السياسة الخارجية المغربية الجديدة، ضمن كتاب جماعي: تجربة الإصلاح الدستوري في المغرب، تنسيق: سعد الدين العثماني، منشورات منتدى العلاقات العربية والدولية، الطبعة الأولى، السنة 2015، ص.126.
[23] _ إبراهيم أركان، العلاقات السورية التركية، المحددات والقضايا، العربي للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، السنة 2019، ص.ص. 22_24.
[24]_ خطاب الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 15 لعيد العرش المجيد بتاريخ 30 يوليوز 2014، على الموقع: http://www.maroc.ma/ar/
[25]_ الحطاب الملكي الموجه إلى الأمة بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب بتاريخ 20 غشت 2002، على الموقع: الرابط
25_سعيد الصديقي، صنع السياسة الخارجية المغربية، أطروحة لنيل دكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وجدة، السنة الجامعية 2002_2003، ص.32.
_ فريد لمريني، صراع الحداثة والتقليد: معيقات التحول الليبرالي في المغرب، دفاتر وجهة نظر، السنة 2006، الدار البيضاء، ص.76.[28]
_ فريد لمريني، صراع الحداثة والتقليد: معيقات التحول الليبرالي في المغرب، مرجع سابق، ص. 88.[29]
- 29. _ Lahcen Oulhaj, De la constitution économique marocaine de 2011, lien
30_ تظم مدرسة فريبورغ مجموعة مهمة من النيوليبراليين الألمان، تأسست بداية 1930 بفريبورغ. وحسب هذه المدرسة فإن على الدولة(السياسة) مهمة خلق إطار قانوني ومؤسساتي للاقتصاد وأن تبقى على مسافة آمنة من المنافسة والقانونية عبر اتخاذها لإجراءات تتناسب مع قانون السوق وأن تقوم بدور الآمر. وعدم تدخل الدولة في الاقتصاد قد يهدد النظام الديمقراطي عبر تحول القوى الاقتصادية إلى قوى سياسية, تضع هذه المدرسة قطيعة مع مفهوم الفردانية المنهجية الذي تبنته الليبرالية الكلاسيكية وتتعارض مع ما تبناه ريكاردو ودعوته الفصل بين الدولة والاقتصاد ولا تتفق مع سميث حيث تقول اليد الخفية يجب أن تكون هي يد الدولة: وتخلص إلى أن الدولة أو السياسة عليها أن تنظم الاقتصاد الاجتماعي للسوق في بعده الأساسي وهو الاقتصاد التنافسي.
_ الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 29 يوليوز 2011، الجريدة الرسمية عدد 5964 مزدوج، بتاريخ 30 يوليوز 2011.[32]
[33] _ L.Jaidi, la constitution économique de l’Etat, la vie éco, hebdomadaire, casablanca, 8 Avril 2011.
[34] _ Lahcen oulhaj, Op. cit.
34_ قال وزير المالية في حكومة محمد بنهيمة ل 1967 :”المغرب اختار طريق الليبرالية وأنه سيعطي المثل لإفريقيا في هذا المجال”. ذكره: نجيب أقصبي في كتابه الاقتصاد السياسي والسياسات الاقتصادية في المغرب،ترجمة نور الدين سعودي، مركز محمد بنسعيد آيتا يدر للأبحاث والدراسات، الدار البيضاء، طبعة 2018،ص.20.
35_ باشر المغرب بعد الاستقلال برامج إصلاحية بعد خروج المستعمر لبناء عقيدته الاقتصادية. ثم إصلاحات أخرى نتيجة للأزمة الاقتصادية لنهاية 1970 وبداية 1980، إصلاحات في إطاربرنامج إعادة الهيكلة مع بداية 1990 الذي أصبحت معه الدولة (السياسة) توجه الإنتاج والاستثمار، وإصلاحات في إطار برامج لها علاقة بالتزامات المغرب الخارجية سواء في إطار الجوار أو الوضع المتقدم مع الاتحاد الأوربي أو في إطار اتفاقيات التبادل الحر حيث تدخلت الدولة لتوجيه الاقتصاد.
[37]_ عمل لودويج إيرهارد وزيرا للاقتصاد في حكومة مستشار الفيدرالية الألمانية كونراد أندنوار، وقد شغل هو كذلك منصب مستشار ألمانيا من 1963 إلى 1966. عمل ارهارد بمنظور مدرسة فريبورغ منذ 1948 وبمقومات نظام اللوردوليبرالية، وأسس لمنظور عملي يقوم على مواجهة البراغماتية السياسية برؤية منظمة للسياسة الاقتصادية والاجتماعية.
[38] _ Abderrahman Belgourch , les politiques étrangères maghrébines, université Cadi Ayyad, collection de F.S.J.E.S, Marrakech, 2001, P.44.
_ ميشيل توادور، التنمية الاقتصادية، ترجمة محمود حسن حسني ومحمود حامد محمود، دار المريخ، السعودية، السنة 2006، ص. 563.[39]
[40]_ انظر الخطاب الملكي الذي ألقاه الملك محمد السادس في الجلسة الختامية للقمة الإفريقية في دورتها الثامنة والعشرين بتاريخ الثلاثاء 31 يناير 2017 بأديس أبابا. الرابط
_ سعيد الصديقي، صنع السياسة الخارجية المغربية، مرجع سابق، ص.29.[41]
41_ على عكس معظم البلدان التي اعتمدت بعد استقلالها التصنيع الذي كان يعني المدخل إلى التنمية، اختار المغرب الفلاحة كأولوية لنموذجه التنموي لبناء المغرب بعد الاستقلال، لكن النموذج الفلاحي الذي اختاره المغرب آنذاك تحكمه عدة اعتبارات، كان هو الفلاحة السقوية الموجهة الى التصدير وكان الاعتبار الثاني وهو سياسي يتمثل في خلق أعيان قروية ستمكن من أن تكون مركز الثقل في النظام السياسي لفائدة الملكية، حسب تعبير ريمي لوفو في مؤلفه “الفلاح المغربي المدافع عن العرش”.وهذا الخيار التنموي سوف لن يتراجع عنه المغرب في عهد الملك محمد السادس.
_ ميشيل توادور، التنمية الاقتصادية ، مرجع سابق، ص.566.[43]
_ محمد حركات، مفارقات حكامة الدولة في البلدان العربية، مرجع سابق، ص.ص. 119_122.[44]