مختصون يقاربون موضوع المصلحة الفضلى للطفل في قضايا البنوة
تقرير تركيبي لأشغال محور ندوة فكرية للجنة الجهوية لحقوق الانسان بالدار البيضاء حول موضوع المصلحة الفضلى للطفل في قضايا البنوة
نظمت اللجنة الجهوية لحقوق الانسان بجهة الدار البيضاء سطات يوم الجمعة 28 ماي 2021 ندوة فكرية حول موضوع:
“المصلحة الفضلى للطفل في قضايا البنوة”
استهلت أشغال الندوة بكلمة رئيسة اللجنة الجهوية السيدة السعدية وضاح تناولت فيها سياق تنظيم هذا اللقاء من أجل إعادة طرح الإشكالات المتعلقة بالمصلحة الفضلى للطفل في ظل اتفاقية حقوق الطفل والمبادئ الدستورية ومدونة الأسرة، عقب صدور قرار محكمة النقض الأخير المتعلق برفض اثبات بنوة طفلة لأبيها البيولوجي اعتمادا على نتائج الخبرة الجينية، وهو القرار الذي أثار نقاشا قانونيا واجتماعيا، وأعاد الى الواجهة إشكالية مدى ملاءمة مدونة الأسرة مع مقتضيات اتفاقية حقوق الطفل، ومواكبتها للتحولات الاجتماعية والثقافية والتطورات العلمية التي تشهدها بلادنا.
في بداية أشغال الندوة قدم الدكتور أنس سعدون الباحث في قضايا الأسرة مداخلة حول “تطور قضايا النسب في ضوء الاجتهاد القضائي أي مجال لحماية المصلحة الفضلى للطفل؟”، استهلها بالتمييز بين النسب والذي يعني “لحمة شرعية بين الأب وولده تنتقل من السلف الى الخلف”، والبنوة والتي تعني “تنسل الطفل من أبويه، وهي اما شرعية أو غير شرعية”، معتبرا أن البنوة أشمل من النسب، وأن المشرع تعمد التمييز بين أسباب البنوة الشرعية وغير الشرعية، مقررا عدم ترتيب أي أثر عن البنوة غير الشرعية للأب، مما يطرح أكثر من سؤال حول مصير هذه الآثار من قبيل حرمة المصاهرة، فهل يمكن مثلا أن نقبل زواج الأخت من أخيها غير الشرعي، وفق هذا التفسير، وأضاف أن المشرع لم يحسم في الطبيعة القانونية للنسب، فثارة يعتبر حق للطفل كما نجد ذلك في المادة 54، وثارة يعتبره امتياز للأب ويعمل على حرمانه منه، متى كان سيء النية وكمثال على ذلك حالة الزواج الباطل.
وأضاف أيضا أن مدونة الأسرة أقامت نوعا من التمييز بين الجنسين على مستوى اللجوء الى اعمال وسائل الاثبات فالرجل يجوز له اثبات نسب الطفل اليه بمجرد قوله المجرد عن طريق الإقرار، دون حاجة لتسمية الأم، أو اثبات الزواج، وتاريخه، ودون حاجة للجوء الى الخبرة الجينية، أو اثبات الفراش بشروطه، فقول الرجل في قضايا النسب مصدق دون اثبات، بينما المرأة لا تصدق ان أرادت المطالبة بإجراء الخبرة الجينية، حيث يطلب منها اثبات وجود فراش أو شبهة خطبة واثبات شروطهما، مشيرا الى أن تتبع الاجتهاد القضائي في قضايا البنوة يكشف نوعا من الجمود مرده التمسك بحرفية النص، وهو ما يؤكده موقف المجلس الأعلى سابقا من اعمال الخبرة الجينية في نفي النسب قبل صدور المدونة، حيث ظل يتشبث بتفسير ضيق لمفهوم وسائل نفي النسب الشرعية بكونها تعني فقط اللعان دون الخبرة الجينية، كما أن محاولات بعض محاكم الموضوع لإثبات نسب الأطفال خلال الخطبة اعتمادا على فتوى الفقه الحديث كانت تصطدم بموقف المجلس الأعلى وتشبثه بحرفية النص القانوني، وهو ما فرض على المشرع ضرورة التدخل بتغيير هذا الوضع بنصوص جديدة تسمح بإعمال الخبرة الجينية، وبتوسيع مجال الشبهة المعمول بها لإثبات النسب، معتبرا أن الحاجة أصبحت ماسة لضرورة تدخل تشريعي يقطع مع هذا التمييز الموجود على مستوى النص والواقع مقترحا القيام بتعديل تقني لمقضياتالمادة 152 باضافة الخبرة الجينية الى أسباب لحوق النسب مثلها مثل الإقرار والفراش والشبهة، والتنصيص على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار لمبدأ المصلحة الفضلى للطفل في جميع الأحكام المترتبة عن الزواج وانحلاله، وعدم اقتصار اعمال هذا المبدأ على الباب المتعلقبالحضانة.ويبدو أن الدكتور عبد الكريم طبيحلم يوافق هذا الرأي حيث اعتبر أن الإشكالية لا تكمن في نصوص مدونة الأسرة، وانما مردها أساسا إساءة تطبيقها، واستعمال السلطة التقديرية الواسعة، وفي هذا السياق اعتبر طبيح في قراءتهلقرار محكمة النقض عدد 275/1 الصادر بتاريخ 29/09/2020 على ضوء الدستور واتفاقية حقوق الطفل، أنه قرار يؤسس لاستمرار مآسي الأطفال المزدادين خارج اطار مؤسسة الزواج، اعتمادا على أقوال الفقه، لا نصوص مدونة الأسرة التي تتضمن مقتضيات كفيلة بحماية حقوق الأطفال من قبيل التنصيص على أن النسب يثبت بالظن، وهو قرار تجاهل السياق الدستوري الجديد، الذي كرس مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية على التشريع الداخلي.
وفي نفس السياق حذرت رئيسة اتحاد العمل النسائي عائشة لخماسمن أخطار الاستمرار في اعمال التفسيرات الفقهية المحافظة لبنود مدونة الأسرة التي أضحت لا تواكب تطور العصر، مؤكدة أن جانبا كبيرا من الأصوات الرافضة لاقرار نسب الأطفال المزدادين خارج اطار الزواج، ينطلقون من أسباب اقتصادية للتهرب من التزاماتهم اتجاه الأبناء، وأن الاطار القانوني الحالي يشجع على تنامي الظاهرة، معتبرة أن المطلوب هو تظافر الجهود من اجل حماية حق الطفل في انتسابه لوالديه وتحملهما معا كامل الالتزامات المادية والمعنوية.
وأكدت الدكتورة نزهة كسوس أن التطور العلمي بإمكانه أن يقدم أجوبة شافية لقضايا البنوة، وأن التوافقات التي أدت الى اعداد مدونة الأسرة ساهمت في ايجاد هامش الغموض نتيجة عدم إمكانية الحسم في عدد من المواضيع وهو ما أفرز تناقضات داخل القانون، من قبيل كيف يمكن الاعتماد على الإقرار المجرد من الأب لحماية حق الطفل بالنسب، ولا يتم اعتماد الدليل العلمي لحماية هذا الحق في حالة امتناع الأب عن الإقرار؟ ولماذا استعمل المشرع عبارة “خبرة تفيد القطع”، ولم يستعمل عبارة التحليل الجيني أو الوسائل العلمية؟
معتبرة أن الاجتهادات الفقهية السابقة كانت في سياقها التاريخي جد متقدمة وقد أنتجت عدة وسائل لحماية حق الطفل في النسب من قبيل الشبهة والقيافة ونظرية الطفل الراقد، لكن اليوم آن الأوان لإعادة الاعتبار للدليل العلمي والاستفادة من التقدم الذي تتيحه العلوم.
وتواصلت أشغال اللقاء بعرض للدكتور المصطفى المريزق استعرض من خلاله الوضعية الاجتماعية للأطفال خارج مؤسسة الزواج دعا فيه الى الجرأة في معالجة هذا الموضوع، كما تناول الدكتور خالد حنفيوي إشكالية المصلحة الفضلى للطفل مقدما لمحة عن اللقاءات التي نظمها المجلس الوطني لحقوق الانسان مع الأطفال في تفعيله لمبدأ المشاركة.
وقد أجمع المشاركون على أهمية التعجيل بمراجعة جذرية لمدونة الأسرة لملاءمتها مع الدستور والاتفاقيات الدولية، واصدار مدونة لحقوق الطفل، ومراجعة مناهج التكوين في المعاهد والجامعات ذات الصلة بالمهن القانونية والقضائية، ونشر الأحكام القضائية، واعداد وثائق ودلائل استرشاديةلمهنيي العدالة لتيسير اعمال الاتفاقيات الدولية، وضرورة تعريف المصلحة الفضلى للطفل، أجرأة توصية المجلس الوطني لحقوق الانسان الرامية الى ضرورة حماية حق الأطفال في النسب بغض النظر عن الوضعية العائلية للأبوين.