محمد الهيني : قضاء المساطر المرجعية على لسان المتهم الضحية.
- محمد الهيني : دكتور في الحقوق و محامي بهيئة المحامين بتطوان.
سألني متهم ضحية مسطرة مرجعية، أين أصلها وفصلها وفرعها؟ أجبته بأنه لا أصل ولا فصل ولا فرع لها؛ فهي لقيطة دون حسب ولا نسب قانوني، غير مؤسسة على أي فصل من القانون، ولا على أي اجتهاد قضائي لمحكمة النقض، فلا هي تحمي الحقوق، ولا هي تصون الحريات، ولا هي ترعى أمنا قانونيا ولا أمنا قضائيا، ولا هي داخلة في التطبيق العادل للقانون، بل هي عنوان ظلم الممارسة القضائية، وصنو التطبيق الهمجي للقانون.
سيدي القاضي،
كيف لكم كقضاة أن تصدقوا متهما بتصريح يتهم فيه شخصا آخر بريئا لم يسبق له أن رآه في حياته، فأحرى أن تجمعهما جريمة، والدستور يقول إن الأصل هو البراءة؟ وهل اعتراف المتهم على نفسه يسري على غيره؟
سيدي القاضي،
إنكم تجعلون من المتهم المرجعي طرفا وخصما وحكما، فإليه يرجع توجيه الاتهام، فهو من يحدد صكوك الاتهام والإدانة والبراءة، أي سوبرمان قانوني وقضائي هذا؟ يملك سلطة أكبر من المشرع والقاضي والحكومة، فحتى الشاهد تقدرون شهادته وتزنوها بميزان الحق والعدل؛ بل ونملك حق تجريحه. أما المتهم المعترف على غيره، فلا نملك حق رد تصريحه، ولا حق تجريحه، بالرغم من أن اعترافه على نفسه لا يمكن أن يسري قانونا وفقها وقضاء على غيره؛ لأن الاعتراف حجة قاصرة غير متعدية.
سيدي القاضي،
بأي شريعة سماوية أو أرضية يحق هذا؟ ألم تقولون إن المشرع والقاضي منزهان عن العبث؟ فلماذا تنزهون المسطرة المرجعية أيضا عن العبث، وهي عنوان العبث والطغيان والتجبر والحكرة؟
سيدي القاضي،
ألا تعلم بأن المسطرة المرجعية تباع وتشترى مثل ما تباع السلع والبضائع، فلا حديث في السجن إلا عليها، فأصبحت حديث العام والخاص؛ فهي أصول تجارية يرتفع رصيدها وسعرها حسب سوق العرض والطلب. إنها سوق الابتزاز والنصب على الأبرياء، فمن يرغب في تلبيس أي شخص جريمة، فما عليه إلا الإشارة على من تطوع للتوريط، بذكر الضحية كمتهم مشارك في الجريمة. إنها حقا وسيلة بسيطة وسهلة للاتهام والبيع والشراء، وأسلوب رخيص ومبتذل للإيقاع في الجريمة من أصحاب انعدام الضمير. إنها لعبة خفية يشارك فيها الجميع حسب دفاع الضحايا الأبرياء في ساحات العدالة بالمحاكم، من بعض أفراد الشرطة القضائية والنيابة العامة والقضاة، فهي أشبه بالعصابات الإجرامية والمقاولات الإدارية والقضائية التي تقتات من فتات هذه الجريمة، وتنشط بورصتها بدون خجل ولا حياء ولا ضمير؛ أناس اعتقدوا أنهم فوق القانون، لا تشملهم محاسبة أو مراقبة، قادرون على تحوير الحقيقة وإلباسها لبوس الصدق، بإضفاء حجية مقدسة على عمل مدان ومزور ونتن.
سيدي القاضي،
إذا كنت تعتقد بسلامة المسطرة المرجعية، فإني قادر على أن آتيك بأخرى مذكور فيها كل قضاة المحكمة ورئيسها ووكيلها، بل ورئيس البرلمان والوزراء والحكومة، فهل ستعطيها حجية أيضا، ولو انطبقت فصولها عليكم، وعلى سامي الشخصيات؟
لا أعتقد، سيدي القاضي، أنك الآن، لم تشعر بمخاطرها ومنزلقاتها على قرينة البراءة، وعلى سمعة الأبرياء، ومستقبلهم المهني والتجاري، بل ورأسمالهم الإنساني الرمزي.
سيدي القاضي،
إنكم بأخذكم بمساطر الزور، تسهمون في صنع الجريمة، وفي تناسلها وفي تضخيم أصول المتجرين فيها، عن وعي أو غير وعي.. إنكم تصادرون ضميركم وسلطتكم، لفائدة متهم تاجر ونصاب ومزور ولفائدة سماسرة المحاكم والشرطة من مختلف التخصصات.
سيدي القاضي،
إني أنزهكم عن هذا العبت وهذه الترهات، فنزهوا أنفسكم عنه؛ لأني لا أقبل بأن تكون عدالة بلدي في سوق النخاسة، وضمير قضاتها محبوس ومعتقل وأسير عن رؤية الحق والعدالة؛ تلكم العدالة ناصعة البياض والتي لا تقبل بالابتزاز والانتقام، ولا تعتمد شهادة أو تصريح المتهمين لإدانة آخرين أبرياء، لا حجة ولا قرينة، ضدهم غير تصريحات وأقوال مزورة لشركاء وهميين.
سيدي القاضي،
فهل تقبل ويرتاح ضميركم أن أشتري براءتي من المتهم الذي ذكرني في المسطرة المرجعية زورا، ليتراجع عن أكاذيبه أمامكم، وقد فاوضني وساومني في السجن فرفضت؟
وأحكي لكم عن قصة حية رواها لي أحد السجناء الأبرياء، الذي أدين من لدن هيئتكم بعقوبة قاسية، لرفضه دفع الرشوة إلى المتهم والسماسرة، لشراء تراجع المتهم عن تصريحاته أماكم، في حين برئ شريكه الضحية المتهم الثاني من قبل المحكمة نفسها، وفي المسطرة ذاتها، وفي الجلسة عينها، لقبوله الابتزاز، ولتراجع المتهم الأصلي عن تصريحاته بخصوصه.
سيدي القاضي،
هل تعلم كم من أسرة مغربية تعاني في صمت وفلذات أكبادها في السجون، بسبب مساطر العار، وبسبب الثقة في القضاء؛ لأنها لو ساومت، لفك قيد أسر أبنائها؟.
سيدي القاضي،
لقد أصبح المؤمنون بالرشوة الحاصلون على البراءة يضحكون على القابضين على جمر العدالة، والتي التهمت الأبرياء نيرانها؛ لأنه أصبح يروج أن رشوة المضطر والمكره تجوز، وأن قضاء المضطر والمكره أيضا جائز، وأن القاضي يحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر.
كلا ثم كلا سيدي القاضي، إن القاضي مسؤول عن الظلم، ومسؤول عن استمرار توسع هذه الجريمة، وكثرة ضحاياها؛ لأنه خان العدالة، وباع ضميره، وفوّض سلطته إلى غير القانون، لأن المساطر المرجعية جريمة في حق الوطن والمواطنين الأبرياء؛ ولا يمكن للقاضي العادي وذي ضمير أن يقتنع بزوريتها وظلاميتها، لأن المتهم مجبول على الكذب، وإرادة الانتقام واضحة ومتجلية فيها، لأن من يعوزه الإثبات يركب طريق القول واللسان، وهو أقصر الطرق للكذب، والتجني على حقوق الأغيار.
سيدي القاضي،
إني بريء، ومستعد لتحمل مسؤوليتي الجنائية، بأي دليل علمي. أما الدليل القولي، فسيكون أنتم أول سلاح تدانون به، فاسلم تسلم؛ فقد قال الرسول الكريم: “لو صدق الناس بدعواهم لادعى أناس دماء الناس وأموالهم”.
سيدي القاضي،
إن محكمة النقض اعتبرت أن أقوال متهم ضد آخر تعدّ مجرد تصريح، ولا ترقى إلى مرتبة الدليل الجنائي، ودعتكم لاستعمال سلطتكم التقديرية في اعتماد تصريح متهم ضد آخر، واستعمال هذه السلطة يخضع للتعليل وليس للأهواء والرغبات؛ فالأمر يتجاوز مشيئة القضاء إلى الاستعمال العقلاني لوسائل الإثبات، وتحري صدقها ويقينيتها، والابتعاد عن ما يبطلها من نية الكيد والانتقام وفقا للمستقر عليه من اجتهاد محكمة النقض، والاستعانة بدليل محايد كالدليل العلمي وبتعاضد الأدلة، وليس فقط بشهادة المتهم المنتقم.
سيدي القاضي،
إن قضاء المساطر المرجعية قضاء غير حرفي وغير مهني، قضاء جهل وتجهيل، قضاء يبحث عن الإدانة ولا يبحث عن تطبيق القانون بصفة عادلة، إنه قضاء عبثي واعتباطي، وتبريري لما لا يجوز تبريره، لا يقيم للعلم ولا للعقل وزنا، ويرتكز على الظن والتخمين ويبتعد عن الجزم واليقين؛ لأنه يكرس الانتقام والابتزاز، ويبرر الرشاوى والنصب ويشجع عليها، فاحترس واحترز. ولا أحب أن أسمع منك ما يقوله بعض من زملائك القضاة: “تبكي مو وما تبكيش مي”، فاطمئن أن أمك لن تفرح بالظلم، وإنما ستفرح بالعدل وبالإنصاف وستتفاخر بك، أنك من أصحاب الضمير، وسيذكرك الشرفاء بشجاعتك أينما حللت ورحلت.
سيدي القاضي،
إنني أناشد عدالتكم، فباسم الحق والعدالة، أطالب بنفي المساطر المرجعية، وإقبارها للأبد؛ لأنها سلاح الجبناء والضعفاء والجهلاء، وسلاح من يريد الشر للوطن، ونشر الفتن والقلاقل، بتعميم الظلم، وإدخال الأبرياء إلى السجون، وإبقاء المجرمين أحرارا طلقاء، ضدا على مبدأ الإفلات من العقاب.