مجلة مغرب القانونفي الواجهةمارية جوهري: مذكرة المندوبية السامية للتخطيط  9 شتنبر 2025: أرقام تتحسن لكن فقر مستمر

مارية جوهري: مذكرة المندوبية السامية للتخطيط  9 شتنبر 2025: أرقام تتحسن لكن فقر مستمر

الدكتورة مارية جوهري رئيسة المركز المغربي للدراسات المالية والضريبية باحثة في التدبير العمومي والسياسات العمومية

 أصدرت المندوبية السامية للتخطيط مذكرة بتاريخ 9 شتنبر 2025 تحت عنوان “مكافحة الفقر، والحد من التفاوتات الاجتماعية والترابية، التنمية البشرية، والمساواة بين الجنسين في المغرب: التطور والتحديات”.

  أبرزت هذه المذكرة مسار التنمية في المغرب خلال الفترة الزمنية 2000 و2023، والتقدم المحرز في تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، والحد من الفقر والتفاوت الاجتماعي والترابي، ومن بين أهم الملاحظات المثارة، تراجع مستمر في سياسات القضاء على الفقر المدقع والمتعدد الأبعاد وعلى التفاوتات الاجتماعية.  وبالرغم من ارتفاع الدخل الإجمالي المتاح للفرد بأكثر من الضعف ( 2.5 مرة ) كما صرحت به المندوبية بين سنتي 2000-2023، لكن لم يؤثر هذا الدخل في الرفع من معدل القدرة الشرائية، حيث انخفض متوسط ​​القدرة الشرائية للأسر المغربية من 2.8% سنويا خلال الفترة 2000-2009 إلى 1.1% خلال الفترة 2010-2023.

 صحيح أنه بعد تطور ملحوظ ومستمر في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تباطأت وتيرة النمو في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وأعادت مؤشرات سنة 2022  الفوارق إلى مستويات مماثلة لتلك التي كانت قائمة مطلع الألفية، حيث تميزت هذه السنة(2022) بارتفاع التضخم الى معدل (6.6%)، مدفوعا بشكل خاص بارتفاع أسعار الطاقة والسلع الأساسية، مما أثر على تدهور القدرة الشرائية للأسر، حيث سيعاود الفقر المدقع الإرتفاع مرة أخرى ليصل إلى 3.9% سنة 2022، وهي نسبة تقارب تلك المحققة سنة 2014 ( 4.8 %) وكأن عجلة التنمية تعود إلى الوراء. مما يطرح التساؤل هل فعلا تمكنا من تحقيق الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة 2030 كما صرحت به المندوبية السامية للتخطيط والمتعلق أساسا بالقضاء على الفقر بكل أشكاله بين جميع المغاربة؟

مقال قد يهمك :   على هامش نشرالتقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات : نقاش قانوني وسياسي

 لنعد إلى تحديد خط الفقر الدولي (IPL)  والذي يعكس التعريف النموذجي للفقر المعتمد بين الدول منخفضة الدخل، نجد أن المعطيات الواردة في مذكرة المندوبية تقر بشكل خفي باستمرار الفقر المدقع بالتوازي مع تدهور القدرة الشرائية وارتفاع التضخم. وما يؤكد فرضية التراجع، هو المفارقة التي أحدثها تعريف خط الفقر الدولي، ذلك أن قياس معدل الفقر المدقع بناء على العتبة الدولية التي اعتمدتها المندوبية السامية للتخطيط ارتفع مرتين منذ 2015، فبعد أن كان 1.90 دولار للفرد يوميا سنة 2015 وهي السنة المرجعية المعتمدة لمعطيات المندوبية( الصفحة4)، ارتفع هذا المعدل من 2.15 دولار سنة 2017 الى 3 دولار يوميا للفرد في يونيو من هذه السنة 2025.

بما يعني أن فئة كبيرة تعيش على أقل من 2.15 دولار في اليوم، هي في حالة فقر مدقع ولم يتم تصنيفها ضمن المعطيات الوطنية للسنوات ما بين 2017-2022، مما يجعل مؤشرات التقدم المحرز في القضاء على الفقر المدقع خلال هذه الفترة غير متناسبة مع العتبة الدولية للفقر لسنة 2017. فإذا كانت عتبة الفقر الدولي تقاس بقيمة الدولار الامريكي أو “القوة الشرائية” بما يمكن شراؤه بدولار أمريكي واحد في المغرب ومع ارتفاع الأسعار والتضخم، فبناء على العتبة الدولية الجديدة لسنة 2025، والتي تقدر ب 3 دولار للفرد يوميا، فإن قيمة الدولار لسنة 2015 أقل من قيمة الدولار لسنتي 2017 و2025. حيث يؤدي هذا التحول في سعر صرف الدولار الى ارتفاع القيم لكل من الدخل وخط الفقر الدولي، فلشراء الكمية نفسها من السلع والخدمات التي كانت تباع سنة 2015، نحتاج حاليا (2025) إلى المزيد من الدولارات.

 من الواضح تماما، وإن أدرجت المندوبية أرقاما تقر بتحسن وضعية الفقر والهشاشة الاجتماعية، فهي لا تتماشى مع التعريف الدولي الجديد للفقر المدقع، هذا بغض النظر عن دقة هذا التعريف،  فتطور خط الفقر من 1.90 إلى 2.15 دولار للفرد، ليرتفع إلى 3 دولار سنة 2025، وهو بحكم تعريفه الحد الأدنى اليومي المقدر للمبلغ المالي المطلوب في بلد منخفض الدخل لتغطية الاحتياجات الأساسية – عادة الغذاء والملبس والمأوى. مع هذا التحديث الأخير الذي طرأ على خط الفقر الدولي، سيجعل السياسات العمومية والبرامج العمومية الموجهة للحد من الفقر سواء المدقع أو المتعدد الأبعاد تحت مجهر التقييم والمساءلة، وحتى وإن سلمنا بتجاوز الاشخاص هذا التعريف المتطرف للفقر، فالعديد من السكان في القرى النائية والجبال وحتى في الأحياء شبه الحضرية يواجهون ظروفا معيشية يصعب تصورها بالنسبة لمعظم سكان الدول الغنية.

وبالرغم من ارتفاع بعض مستويات الدخل كما هو وارد في المذكرة، توسع تعريف الاحتياجات الأساسية إلى ما هو أبعد من الغذاء والملبس والمأوى، وأصبح يشمل الآن أيضا النظام الغذائي الصحي، والخدمات الصحية جيدة المستوى، وهنا تبرز مؤشرات سنة 2022 عودة التفاوتات الاجتماعية إلى مستوى يُضاهي ما كان عليه في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

حيث بلغ مؤشر جيني لعدم المساواة في الحياة 4.5 سنة 2022 وهي نفس النسبة المحرزة سنة 2001(40.6). وكأن زمن التنمية يراوح مكانه، وينذر بأزمة في سياسات الحد من التفاوتات الترابية والاجتماعية، ويفند فرضية النجاح في القضاء على الفقر المدقع لجميع المغاربة كهدف أولي لأهداف التنمية المستدامة لسنة 2030، ويعكس هشاشة المكاسب الاجتماعية التي تعاقبت طيلة العشريتين الأولى والثانية بل وحتى الثالثة لهذه الألفية، وإذا ما واصلنا السير بنفس النهج سيكون من الواضح أننا نسير في الطريق الصحيح نحو الفشل في القضاء على الفقر المدقع بحلول سنة 2030، خاصة مع تطور مستويات قياس معدل الفقر الدولي، وبروز مؤشرات جديدة لقياس خط الفقر.

مقال قد يهمك :   الوكالة في الطلاق والتطليق: من ضعف الرؤى التشريعية إلى الحاجة لتنزيل الصلح عن بعد
error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]