لا وجه لإقامة الدعوى العمومية لعدم صدور حكم داخل أجل معقول: تعليق على قرار قضائي
تعليق على قرار محكمة الجنايات الإبتدائية بتطوان عدد 576/2016.
أصدرت غرفة الجنايات الإبتدائية بمحكمة الإستئناف بمدينة تطوان قرارا بتاريخ 11/10/2016 تحت عدد 576/2016 في الملف الجنائي رقم 463/2610/2015 قضت فيه بمؤاخذة المتهم من أجل المنسوب اليه ومعاقبته باربع سنوات حبسا نافذا وتحميله الصائر والإجبار في الأدنى [1] . وكان ذلك عن الوقائع والدفوع المثارة التالية :
ملخـص الوقـائع :
فخلال شهر غشت من سنة 2003 ابلغت الشرطة القضائية بتطوان بوقوع حادثة سير على مستوى الطريق الرئيسية الرابطة بين مكناس وسبتة غير بعيد عن المركب السياحي كابلا ، وعند وقوفها بعين المكان تبين ان الأمر يتعلق باصطدام بين سيارتين وعدم تواجد سائقيهما وعند تفتيشهما تم العثور على سيف كبير الحجم ومدية وبعض الهراوات الخشبية ، وانتقلت الضابطة القضائية الى مصحة الريف بتطوان واستمعت الى المسمى ن.ش.الذي اكد ان الأمر لا يتعلق بحادثة سير وانما باعتداء تعرض له الى جانب رفيقه ع.ح.من طرف اشخاص كانوا على متن سيارات ينتمون الى عصابة م.ر. قامت بملاحقتهما وصدم سيارتهما من الخلف مرات عديدة الى ان انقلبت بهما فانهالوا عليهما بالضرب والجرح بواسطة هراوات وعصي حديدية .وبمدخل مصحة الريف عثرت الشرطة على مسدس من نوع كرفينا زارطافا يوغسلافي الصنع وبداخله شحان يحتوي على خرطوشتين ، وتم ايقاف متزعم العصابة وعدد من الفاعلين والمساهمين في مسرح الأحداث واحيل الجميع على القضاء بمحكمة الإستئناف بتطوان حيث تمت المتابعة بعد التحقيق والإدانة بعقوبات متفاوتة وصلت الى عشرين سنة حبسا نافذا وغرامات كبيرة وذلك عن تهم مختلفة منها تكوين عصابة اجرامية والإتجار في المخدرات ومحاولة القتل ..كما قررت المحكمة ايضا عدم الإختصاص بخصوص حيازة سلاح ناري ..حيث تم احالة هذا المقتضى على المحكمة العسكرية الدائمة للقوات المسلحة الملكية بالرباط ، وتم الأمر بمتابعة الفاعل في 7/10/2003 وقام السيد وكيل الملك بها باستدعاء المعني بالأمر لمحاكمته امامها يوم 13/4/2015 بتهمة حمل مسدس ناري وخرطوشتين بدون قانون المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصل 15 من ظهير 31/3/1937 والفصلين 1و2 من ظهير 2/9/1958.وبقي الملف امام المحكمة العسكرية يروج في عدة جلسات الى ان بدأت المقتضيات القانونية الجديدة للقضاء العسكري في التطبيق حسب القانون رقم 108.13 بتاريخ 10/12/2014 وبموجبها احالت المحكمة العسكرية الملف على السيد الوكيل العام لدى محكمة الإستئناف بتطوان للإختصاص ، وبدوره احاله على غرفة الجنايات الإبتدائية لمحاكمة المتهم حسب التهم الموجهة اليه حول السلاح . وبدأت دراسة القضية حيث تقدم دفاع المتهم بدفوعه في القضية .
الدفـوع المـثـارة :
تقدم دفاع المتهم بعدة دفوع منها على الخصوص إن هذه الوقائع التي أحيلت محاضرها على المحكمة العسكرية منذ تاريخ الأمر الصادر عن الوزير الأول في 7/10/2003 ولم يتم بشأنها أي تعيين للجلسة إلا في 13/4/2015 أي بعد مدة تزيد عن أحد عشرة سنة ونصف (11 سنة و6 أشهر)،الى ان احيل ملف المحكمة العسكرية على السيد الوكيل العام لمحكمة الإستئناف بتطوان حيث احاله على غرفة الجنايات الإبتدائية بها وسجل تحت عدد 463/2015 وهذه المدة التي بقي فيها الملف بدون اجراءات هي مدة طويلة جدا لم يتم بشأنها أي إجراء من إجراءات المحاكمة مما يشكل خرقا لمقتضيات دستور المملكة لسنة 2011 وخرقا للمعاهدات والاتفاقيات الدولية.والتمس الدفاع التصريح بأن لا وجه لإقامة الدعوى العمومية ولا لمتابعتها لفوات فترة طويلة جدا على عدم قيام الاجراءات بشأنها داخل أجل معقول طبقا لدستور المملكة لسنة 2011 والقانون الداخلي (ف 1 م ج) والمعاهدات والاتفاقيات الدولية وبالتالي الأمر بحفظها. وبعد المداولة عللت المحكمة رفضها للدفع على اساس :” انه صدر امر بالإستدعاء المباشر من طرف السيد الوزير الأول محرر في 7/10/2003 من متابعة الفاعل وإحالته على المحكمة العسكرية الدائمة للقوات المسلحة الملكية .وان احالة الملف من طرف المحكمة العسكرية على النيابة العامة بهذه المحكمة كان نتيجة صدور القانون المتعلق بالقضاء العسكري الجديد ( قانون 108.13 ) . وان هذه المحكمة عند عرض هذه القضية عليها بأول جلسة لها بتاريخ 20/9/2015 بتت في النازلة عند صدور هذا القرار ، وان هذه المحاكمة مرت في ظروف مناسبة تمتع فيها المتهم بجميع الضمانات القانونية وتم البت في قضيته في اجل معقول وموافق لمقتضيات الفصلين 23 و 120 من دستور المملكة لسنة 2011 ” .
فهل تعليل قرار المحكمة هذا في محله ؟ أم فقط ارادت المحكمة به النأي والإبتعاد عن هذا الموضوع الحساس الذي
يهم القضاء ككل وليس محكمة دون اخرى ، أي يهم جميع المحاكم في المملكة سواء كانت عادية ام استثنائية
بالنسبة للميدان الزجري ؟ . فمن هنا يظهر ان الأمر يتعلق ويخضع لفصول من قانون سامي وهو دستور المملكة
لسنة 2011 من جهة ، وللمعاهدات والإتفاقيات الدولية التي هي اسمى من القانون الداخلي بنص دستوري ، وبالتالي وجب اعمالها وتطبيقها على النوازل كلما اقتضى الحال ذلك وتمت اثارة الموضوع بشأنها ، وهو الموضوع الذي يتعلق بقاعد: “البت في القضية في اجل معقول ” من جهة (/) مع ترتيب النتائج الواقعية أو القانونية حين الإخلال بهذه القاعدة أو هذا المبدأ من جهة أخرى (//) .
(/) قاعدة : البت في القضية داخل أجل معقول :
إن قاعدة:”البت في القضية داخل أجل معقول”هي قاعدة دستورية قبل كل شيئ (ثانيا)،فضلا عن كونها قاعدة تضمنتها معاهدات واتفاقيات دولية (ثالثا)وقبل ذلك كله فان هذه القاعدة تداولتها الشريعة الإسلامية (أولا).
أولا :القاعدة في الشريعة الإسلامية :
لقد اهتمت الشريعة الإسلامية بانهاء الخصومات وتعجيل الحكم ؛اذ الأصل انه اذا تبين للقاضي الحكم واستنارت له الحجة وظهر وجه الحق حكم فورا ،لأن تأخير الحكم تأخير للحق عن موضعه ،والشريعة الإسلامية جاءت لوضع الحق وانهاء الخصومات على الفور وبأسرع وقت وأقصر مدة .يقول القاضي ابو يعلى :” وليس للقاضي تأخير الخصوم اذا تنازعوا اليه إلا من عذر” [2] .
فالمتهم من حقه سرعة البت في التهمة حتى لا يلحق به ضرر مادي أو معنوي والذي يبدأ منذ توجيه التهمة اليه والأمر بالقبض عليه .ولقد تنبه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأثر طول المدة على الإنسان الذي يحبس للنظر في الدعوى ، فقد كتب الى معاوية يقول :” تعاهد الغريب فانه ان طال حبسه أي طالت اقامته وبعده عن أهله من أجل هذه الدعوى ترك حقه وانطلق الى أهله ، وانما ابطل حقه من لم يرفع به رأسا ” [3] .
ثانيا : القاعدة الدستورية :
ينص الفصل 120 من الدستور المغربي لسنة 2011 على أن :” لكل شخص الحق في محاكمة عادلة وفي حكم يصدر داخل أجل معقول” . ويلاحظ ان ما ورد في هذا الفصل هو من المستجدات التي جاء بها دستور المملكة
لسنة 2011 وبالتالي فان الدساتير السابقة للمملكة لم تتضمن مثل هذه القاعدة الدستورية [4] .
اما الدستور المصري فقد نص على هذه القاعدة في المادة 68/1 بقوله :” التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الإلتجاء الى قاضيه الطبيعي ،وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا ” .
وقد نص العهد الأعظم في بريطانيا على هذه القاعدة بقوله : “اننا لن ننكر على انسان حقه في العدالة ولن نؤجل النظر في القضايا “.
هذا وإن ” الأجل المعقول” هو مرتبط بالحق في الحرية وافتراض البراءة، وحق المرء في الدفاع عن نفسه، والهدف هو ضمان البت في مصير المتهم دون أي تأخير لا مبرر له، وكذلك ضمان عدم المساس بحقه في الدفاع عن نفسه بسبب انقضاء فترة زمنية مفرطة في الطول قد تتلاشى معها تفاصيل الوقائع من ذاكرة الشهود أو تتشوه، أو قد يتعذر إيجادهم أو تتلف الأدلة الأخرى أو تختفي، كما يهدف هذا أيضا إلى ضمان اختصار فترة القلق التي يكابدها المتهم خوفا على مصيره والمعاناة التي يقاسيها من جراء الوصمة التي تلحق به نتيجة اتهامه بارتكاب فعل جنائي، رغم افتراض براءته، ويحسد الحق في سرعة المحاكمة في عبارة موجزة الحكمة القائلة أن:” العدالة البطيئة نوع من الظلم”.
ثالثا : القاعدة في معاهدات واتفاقيات دولية :
ان نص الدستور المغربي في الفصل 120 على أن يكون لكل شخص الحق في حكم يصدر داخل أجل معقول ، هو مطابق لما نصت عليه المعاهدات والاتفاقيات الدولية، إذ أن المادة 14/3/ج من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المعتمدة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1966 والمصادق عليها من طرف المملكة المغربية ، ينص على مايلي:” لكل متهم بجريمة أن يتمتع أثناء النظر في قضيته، وعلى قدم المساواة التامة، بالضمانات الآتية:ج) ”أن يحاكم دون تأخير لا مبرر له” .وهذه الصيغة هي نفسها الواردة في المادة 21/4/ج من النظام الأساسي ليوغسلافيا والمادة 20/4/ج من النظام الأساسي لرواندا والمادة 67/1/ج من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كما وردت صيغة مشابهة للصيغة السابقة من المادة 7/1/د من الميثاق الافريقي ، والمادة 8/1 من الاتفاقية الأمريكية، والمادة 6/1 من الاتفاقية الأوربية والتي تنص كلها على: ” أن تجري جميع المحاكمات (جنائية وغير جنائية) في غضون فترة زمنية معقولة”.
هذا ومما تجدر الإشارة إليه، هو أن تصدير الدستور المغربي لسنة 2011، و الذي هو جزء لا يتجزأ من الدستور، جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملائمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة .
(//) الآثار الواقعية والقانونية للإخلال بالقاعدة :
ان قاعدة البت في القضية داخل اجل معقول ، وقع تطبيقها في عدة دول من دول العالم وكانت لها آثار معينة ،
خلاف دولة المملكة المغربية التي لم يعرف لهذه القاعدة تطبيق لحد الآن رغم كون الفرصة كانت مناسبة في نازلتنا
هذه موضوع هذا التعليق .
ففي جمهورية باناما احتجز رجل اتهم بارتكاب جريمة قتل لأكثر من ثلاث سنوات ونصف قبل صدور الحكم ببراءته، وقد اعتبرت اللجنة المعينة لحقوق الإنسان أن هذه الفترة الفاصلة بين صدور لائحة الاتهام والمحاكمة ”لا يمكن تبريرها بالاستناد فحسب إلى تعقد وقائع الدعوى وطول التحقيقات”.
وفي أمريكا، اعتبرت المحكمة الأمريكية الدولية أن فترة الخمسين شهرا التي استغرقها نظر الدعوى إلى حين انتهائها قد تجاوز بشدة الشروط الأساسية المحددة في المادة 8/1 من الاتفاقية الأمريكية” [5] .كما ان القانون الفدرالي الأمريكي لسرعة المحاكمة الصادر سنة 1974 قد اجاز رفض الإتهام [6] .
أما في أوروبا، فقد اعتبرت المحكمة الأوربية أن انقضاء 15 شهرا ونصف بين رفع دعوى الاستئناف وإحالتها إلى سجل محكمة الاستئناف ذات الصلة فترة تجاوز الحد المعقول حيث قدمت السلطات تفسيرات غير مرضية لتبرير هذا التأخير”. وقضت أيضا من أنه اذا خفف القاضي الوطني العقوبة بسبب طول اجراءات المحاكمة ، فان هذا الإجراء يعد تعويضا ملائما يحول دون تمكين المتهم من طلب التعويض من المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان [7] .
وفي فرنسا ،فقد اجاز القضاء الفرنسي تأسيسا على ما نص عليه قانون تنظيم القضاء الفرنسي(المادة1-781.L ) الذي يجيز التعويض عن الخطأ القضائي ،لصاحب الشأن ان يطلب التعويض بسبب المدة غير المعقولة التي استغرقتها المحاكمة مما يعد انكارا للعدالة [8] . وهكذا فقد أصدرت محكمة الإستئناف الإدارية بفرنسا حكما بتعويض الدولة للسيد مجيرا (Magira) عن الضرر الناشئ عن تأخير البت في دعواه لأكثر من سبع سنوات ونصف ،فتصدى وزير العدل لهذا القرار وقد طلب بابطاله ، غير ان الهيئة العامة لمجلس الدولة الفرنسي خالفه في
ذلك مستندا على احكام المادة 6/1 من الإتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية [9] .
وكذلك قضت المحكمة الإبتدائية بمدينة مو ( Meaux) الواقعة في الشمال الشرقي للعاصمة باريس بان تؤدي الدولة الفرنسية تعويضات قدرها 476.000 اورو لصالح 120 مدعيا وحكمت عليها ان تؤدي لكل متقاض تعويضا حددته في مبلغ يتراوح ما بين 3000 و 4500 اورو حسب الوقت الذي استغرقته قضيته ،وذلك من أجل انكار العدالة على اساس ان التأخيرات الطويلة جدا وغير المبررة التي عرفتها جلسات نظر دعواهم امام محكمة الشغل تشكل انكارا للعدالة .وعللت المحكمة قضائها بان “انكار العدالة” يكون قائما عندما لا تستطيع الدولة وضع وسائل وادوات العمل الضرورية امام العدالة لحسم النزاعات في آجال معقولة . وان تزاعات الشغل تقتضي صدور احكام سريعة لا يجب ان تتعدى سبعة اشهر .والحال ان المسطرة في الملفات موضوع الإدعاء تجاوزت السنتين ، وان بعضها وصل الى خمس سنوات [10] .
وفي اليابان فقد اصدرت المحكمة العليا في 16/12/1974 حكما يقول بانه اذا طالت مدة الإجراءات الجنائية مما الحق الضرر بحق المتهم في الدفاع عن نفسه ضد التهمة ، فان المحكمة يجوز لها ان تصدر حكما بعدم قبول الإتهام بناء على ما نص عليه الدستور الياباني من سرعة في المحاكمة في المادة 73/1 [11] .
وفي مصر فقد عبرت المحكمة الدستورية العليا بقولها :” ان سرعة الفصل في الدعوى جزء من الحق في محاكمة منصفة ،فلا يجوز ان يكون الإتهام متراخيا أو معلقا امدا طويلا بما يثير قلق المتهم ، ويعوق بالضرورة مباشرته للحقوق والحريات التي كفلها الدستور، وعلى الأخص ما تعلق فيها بحرية التعبير ، وحق الإجتماع ،والإسهام في مظاهر الحياة العامة وقد يلحق به احتقار فيما بين مواطنيه أو يفقد عمله ، كما ان محاكمة المتهم بطريقة متأنية تمتد اجراءاتها زمنا مديدا ، يعرقل خطاه ،ويقترن بمخاطر تتهدد بها فرص الإتصال بشهوده ، ويرجح معها كذلك احتمال اختفائهم ، ووهن معلوماتهم في شأن الجريمة حتى مع وجودهم ،وهو كذلك يثير داخل كل متهم اضطرابا نفسيا عميقا ومتصلا ، اذ يظل ملاحقا بجريمة لا تبدوا لدائرة شرورها من نهاية ،وقد يكون سببها أن الإتهام ضده كان متسرعا مفتقرا الى دليل [12] .
أما في المغرب فيظهر ان القضاء المغربي بدأ يسير في نفس اتجاه المحاكم الأجنبية في هذا المجال ؛ ذلك ان المحكمة
الإدارية بالرباط حكمت على الدولة المغربية بتعويض عن الخطأ القضائي الناتج عن كون ان النيابة العامة لم تقم
باحضار المتهم المعتقل لجلسة المحاكمة ليتمتع بحق المثول امام قاضي الحكم لعدة جلسات سواء بمفرده احيانا او مع مجموعة من المعتقلين في نفس الملف مما كان يترتب عنه تأخير الملف لجلسة اخرى ويتم تفويت فرصة المحاكمة عليه باستمرار …وعللت حكمها بما يلي :
” ان عدم تنفيذ النيابة العامة لمقرر المحكمة باحضار المتابعين لجلسات المحكمة بالمخالفة للأسس الدستورية والقانونية الوطنية والدولية ألحق ضررا مباشرا ماديا ومعنويا للمدعي تمثل في تفويت فرصة المحاكمة العادلة عليه،وبقائه اكثر من سنة بدون محاكمة في حالة “اعتقال احتياطي” غير مبرر مس بمبدأ قرينة البراءة وبحريته، وما سببه ذلك من اثر نفسي ومعاناة والم من جراء هذه الإجراءات،وتحملات مادية عن مصاريف الدفاع [13],
النزاعات المالية وما تخلفه من آثار على اصحابها والتأخير لن يزيدها الا تعقيدا وتأزيما [14] .
ومن مراجعة الحكم موضوع هذا التعليق يظهر جليا ان المحكمة ولتملصها من الجواب الجدي والمقنع عن الدفوع
المثارة بشأن هذه النقطة موضوع هذا التعليق ،وبدل ان تجتهد في موضوع هذه النازلة ، صرحت بانها :” لما عرضت عليها القضية باول جلسة لها بتاريخ 20/9/2015 بتت في النازلة ، وان المحاكمة مرت في ظروف مناسبة تمتع فيها المتهم بجميع الضمانات القانونية وتم البت في القضية في اجل معقول وموافق لمقتضيات الفصل 23 و 120 من دستور المملكة لسنة 2011 ” .غير ان هذه المقتضيات المصرح بها من طرف المحكمة هي فعلا تنطبق على النازلة منذ بداية عرضها على جلسة الجنايات بمحكمة الإستئناف بتطوان ، ولكن رغم ذلك ، فان السؤال الذي يطرح نفسه هو : اليس القضاء وحدة متكاملة غايته توخي العدل والإنصاف وتطبيق القانون وحماية المواطنين مهما كانت نوعية واختلاف المحاكم ؟ . فاذا كان الأمر كذلك فلم لم يعط حلولا لهذه النازلة بدل التملص منها ؟؟ .
واعتقد ان الحلول لهذه النازلة في موضوع تعليقنا هذا، هي متعددة عند القضاء لسكوت المشرع حاليا ، وقد تكون اما عدم اعتبار الإتهام قائما ، او اعتباره كأن لم يكن ، أو تعويضه بعقوبة رمزية ، او توجيه المتهم الى مباشرة حقه في التعويض ضد المتسبب له في الضرر …وهذا كله بطبيعة الحال في اطار دستوري وحماية للحقوق والحريات التي يكفلها للمواطنين .ذلك لأن القاضي دستوريا يتولى حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وامنهم القضائي وتطبيق القانون (الفصل 117 ) كما أنه ودستوريا أيضا فان لكل متضرر من خطإ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة ( الفصل 122) .
هذا ، ومما ينبغي الإشارة اليه ،في هذا الصدد ؛ان من جملة خلاصات الندوة الصحفية لوزارة العدل والحريات حول آجال البت في القضايا ،والمنعقدة بمقر الوزارة يوم 7/9/2016 خلاصة :”ان خرق مبدأ “البت في آجال معقولة ” من قبل القاضي قد يؤدي الى :
- مساءلته من طرف المجلس الأعلى للسلطة القضائية .
- تعويض المتضرر .