كيف السبيل إلى درء شؤم المادة 9 من قانون المالية ؟
عبد الحكيم زرزة
طالب حاصل على الماستر
أثارت المادة التاسعة من قانون المالية زوبعة واسعة بين مؤيد مدافع عن نص المادة، ومعارض منتقد لها معتبرا في ذلك إقبارا لدور السلطة القضائية في صون حقوق الأفراد اتجاه الدولة ، بل ذهب بعض من رجال القانون ونسائه إلى وصف هذه المادة بمثابة ألية تحمل صفة الإهانة لجهاز القضاء والتبخيس من دوره في رد المظالم، وحماية الحقوق والحريات وبدوري أواكب هذا الإتجاه الأخير في تصوره وتشخيصه للمادة المشؤومة .
لكن بعد كل هذا الشد والجذب نتساءل ما الحل؟ هل ستتم مسايرة المادة ويتم تطبيق بنودها دون لف الجيد يمنة ولا يسرة ؟ أم أن الوضع القاتم يحتاج إلى سبيل يؤدي إلى مخرج لاتضاح الرؤية ومن ثم درء هذه المادة كنقطة سوداء أريد بها طلاء مسار القضاء ونكص سلطانه؟
إذا كانت المحاكم العادية تقوم بالفصل في النزاعات التي يكون أطرافها أفراد عاديون، فإن المحاكم الادارية تفصل في النزاعات ذات الصلة بين الادارة والمواطن، بمعنى بين دولة ذات سلطان وقوة وبين مواطن كطرف ضعيف يحتاج لمن يحميه لا لمن يتعاون عليه، وهنا أنذكر كلمة الاستاذ عبد العتاق فكير رئيس المحكمة الادارية بفاس والتي القاها لوسائل الإعلام يوم تنصيبه، حيث قال أنه إذا كان رمز العدالة عبارة عن تمثال امرأة معصوبة العينين يدل على أنها لا تميز بين أطراف النزاع بغض النظر عن موضعهم ونفوذهم حيث الكل متساو أمامها، فإنه عندما نكون بصدد القضاء الاداري يجب إزالة تلك الشارة المنصوبة على الاعين لأننا أمام طرفين أحدهما قوي وهو الدولة، والآخر ضعيف هو المواطن، ومن ثم فالقضاء الاداري وضع ليضع التوازن ويعيد الكفتين للتوازن. وليس من المعقول أن نعامل الطرفين على قدر المساواة.
الى هنا فإن القضاء الاداري من زاوية نظري يحتوي على مجموعة من المخرجات لدرء عبث المادة التاسعة من قانون المالية من بينها الاعتماد على الفصل 126 من الدستور باعتباره اسمى قانون في البلاد وأعلاهم والذي ورد فيه :“الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع”.
وعلى هذا الاساس فإنه إعمالا لمبدأ تدرج القوانين وتسلسلها فإن الأجدر بالتطبيق هو الفصل 126 السالف الذكر، وما دامت المادة المادة 9 متعارضة معه فإنه سيتم تعطيلها وعدم تطبيقها دون أن تكون لها أي الزامية حيال القاضي، بل والاكثر من ذلك نجد أن القانون رقم 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية يمنح للقضاء الاداري صلاحية فحص شرعية القرارات الادارية ضمن مادته الثامنة، وذلك اذا وجد قرار إداري مؤسس على نص تشريعي ودفع أحد الاطراف بعدم دستوريته فإن القاضي يوقف البت لحين النظر في الدفع المثار، وإذا كان النص التشريعي المؤسس عليه مخالف للدستور فإنه يستبعد دون أن يطبق (القاضي الاداري لا يحكم بعدم الدستورية للقوانين لانه اختصاص أصيل للمحكمة الدستورية بل يضع النص جانبا دون تطبيقه).
ولهذا فإنه بخصوص هذه النقطة الأخيرة فقد سبق للمحكمة الادارية بوجدة أن قضت بعدم قبول دفوع المحافظ العقاري الناص على عدم أحقية المدعي الطعن في عدم قبول التعرض الخارج عن الأجل العادي وفقا لنص الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري كما عدل وتمم بالقانون رقم 14.07، أو ما يسمى بالتعرض الاستثنائي، بدليل أن الفصل المبني عليه دفع المحافظ مخالف للدستور في فصله 118 القاضي بأن : “حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه ومصالح التي يحميها القانون.
كل قرار اتخذ في المجال الاداري سواء كان تنظيميا أو فرديا يمكن الطعن فيه أمام الهيأة القضائية الادارية المختصة”. لتكون المحكمة الاداريية استبعدت الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري القاضي بمنع قرار المحافظ برفض التعرض الخارج عن الأجل، من أي طعن لكونه مخالف لنص دستوري.
إلى جانب ذلك فإن إعمال الفصل 6 من الدستور موجب لدرء المادة 9 من قانون المالية من التطبيق، والذي يقضي بدوره : “القانون هو أسمى تعبير عن تعبير ارادة الأمة، والجميع أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين بما فيهم السلطات العمومية متساوون أمامه وملزمون بالامتثال له.
– ……….
تعتبر دستورية القواعد القانونية وتراتبيتها ووجوب نشرها مبادئ ملزمة”.
إضافة لما سبق فإن المساواة في تطبيق القانون تستدعي التنفيذ على الأموال العمومية للدولة لفائدة المواطن كما يتم تنفيذ الأحكام على الأموال الخاصة للمواطن لفائدة الدولة. كما يقضي هذا المبدأ أن تنزل الدولة عند القاضي الاداري منزلة الأفراد وأن تتخلى عن جبروتها وسلطانها، وتنصاع لأحكامه وقراراته.
صفوة القول فالمادة 9 من قانون المالية يمكن اعتبارها بمثابة الحشو والهدر في التشريع، وبالأحرى الولد الغير الشرعي الخارج عن دائرة ونطاق العدالة لأن مكانها الأصلي كان أن ترد في الفصل 458 من قانون المسطرة المدنية المحددة لأنواع الاموال التي لا تقبل الحجز. لذا فالكرة في يد القضاء وخاصة الاداري فوسائل التنفيذ بيده، ومنسوب الثقة من المواطن يزداد تجاهه يوما بعد يوم مذ عقود خلت ، ولا يزال كله أمل في أن يرد له الاعتبار ويصون حقوقه في مواجهة الدولة بالتنفيذ على أموالها، ومن ثم تبقى الحقوق غير قابلة للتجزئة عن طريق إعطاء حق في مقابل انتهاك حق.