قراءة أولية في المرسوم المحدد للحالات الجديدة للجوء إلى عقود الشغل محددة المدة
مـحمد الشرقاني أستاذ التعليم العالي متقاعد أستاذ التعليم العالي
مـحمد القري اليوسفي محامي بهيئة مكناس بكلية الحقوق بمكناس
قراءة أولية في المرسوم المحدد للحالات الجديدة للجوء إلى عقود الشغل محددة المدة
(سكت دهرا و نطق كفرا )
لا شك أن تنظيم مدونة الشغل لعقد الشغل محدد المدة ، اعتبر لحظة صدورها قفزة نوعية في حقل العلاقات المهنية ، عندما تقرر مبدأ واضح يعتبر من المبادئ الأساسية في قانون الشغل المغربي ، و المتمثل في اعتبار عقد الشغل غير محدد المدة هو الأصل طالما جاءت حالات عقد الشغل محدد المدة واردة على سبيل الحصر .
لكن سرعان ما سيتضح أن إرادة المشرع كانت تتجه آنذاك إلى الوعد بتوسيع حالات عقد الشغل محدد المدة مستقبلا عندما أحالت الفقرة الأخيرة من المادة 16 من مدونة الشغل على نص تنظيمي سيضيف حالات جديدة في بعض القطاعات و الحالات الاستثنائية بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين و المنظمات النقابية للأجراء ، هذا فضلا عن الحالات الأربعة المقررة في المادة 16 ( حالة الإحلال و حالة ازدياد نشاط المقاولة بكيفية مؤقتة و حالة الشغل الموسمي و حالة الاتفاق على اللجوء إلى عقود شغل محددة المدة بمقتضى اتفاقية الشغل الجماعية ) و الحالات الثلاثة المقررة في المادة 17 ( حالة فتح المقاولة لأول مرة و حالة فتح المؤسسة لأول مرة داخل المقاولة و حالة انطلاق منتوج جديد لأول مرة ) .
و يجدر التذكير بأن المشغل إذا كان يستفيد من اللجوء إلى عقود الشغل محددة المدة في الحالات المشار إليها أعلاه ، فقد خول له المشرع ، أيضا ، اللجوء إلى العقود لإنجاز شغل معين من خلال الفقرة الأولى من المادة 16 و دون أي تنظيم تشريعي دقيق لذلك النوع من العقود ، و هو ما يعني تكريس هامش واسع من المرونة لفائدة المشغلين و توسيع لنطاق الهشاشة في العلاقات الشغلية .
و بغض النظر عن بعض الشوائب التي طالت الحالات الواردة في المادتين 16 و 17 من مدونة الشغل لاسيما بخصوص التمييز بين حالة التزايد المؤقت في نشاط المقاولة و الشغل الموسمي و كذا ما يتعلق بالسؤال حول مدى انصراف المدد المحددة في المادة 17 على الحالات الواردة في المادة 16 ، أو ما يهم مدى اشتراط الكتابة عند تجديد عقد الشغل محدد المدة ، فإن ما يهمنا أساسا من خلال هذه المقالة الموجزة هو بحث الفقرة الأخيرة من المادة 16 من مدونة الشغل التي تحيل على نص تنظيمي يسمح بإمكانية إبرام عقد الشغل محدد المدة في بعض القطاعات و الحالات الاستثنائية بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين و المنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا .
فبعد طول انتظار و تعدد المشاريع المتعلقة بذلك النص التنظيمي ، صادق أخيرا مجلس الحكومة في جلسته المنعقدة بتاريخ 16 يوليوز 2020 على المرسوم رقم 2.19.793 المشار إليه في المادة 16 من مدونة الشغل بعد أن تم إعداد مشروع أول في سنة 2005 رفضته الهيئات النقابية ، معتبرة إياه ، تراجعا عن المبدإ القاضي باعتبار عقد الشغل غير محدد المدة هو الأصل ، طالما أن المشروع المذكور قد وسع من دائرة القطاعات التي يمكنها إبرام عقد الشغل محدد المدة لحد تكاد تتضمن جميع القطاعات الإنتاجية مما كان يخشى معه تحول المبدإ أو الأصل في عقود الشغل إلى عقد الشغل محدد المدة و ليس العكس .
و بعد عدة سنوات أعدت الحكومة مشروعا آخر بتاريخ 14/02/2015 و الذي عمد إلى تحديد القطاعات و الحالات الاستثنائية التي يمكن فيها إبرام عقد الشغل محدد المدة ،و كذا تحديد مفهوم العمل الموسمي و وضع مجموعة من الضوابط التي تحول دون التعسف في اللجوء إلى هذا النوع من العقود كتحديد بعض الشروط الشكلية لعقد الشغل المحدد المدة كاشتراطه الكتابة في هذا النوع من العقود و تحديد البيانات التي يجب أن يتضمنها عقد الشغل محدد المدة .
لكن رغم أن هذا المشروع عرض على الأمانة العامة للحكومة من أجل إبداء الرأي ، إلا المنظمات النقابية رفضته رغم أنه جاء معتدلا في مقتضياته .
و ظل الحال على ما هو عليه إلى أن طلعت علينا الحكومة بمشروع ثالث ، هو مرسوم رقم 2.19.793 الذي تم الاتفاق على إخراجه إلى النور في إطار الحوار الاجتماعي الأخير تنزيلا لمخرجاته و التي طالب الاتحاد العام للمقاولات بالمغرب بضرورة التعجيل بإخراجه خصوصا و أن جائحة كورونا قد فرضت على الجهات الحكومية التفكير في إدخال الكثير من المرونة من أجل مساعدة المقاولات المغربية على تجاوز آثار و تداعيات جائحة كوفيد 19 .
و قد ذكر الناطق الرسمي باسم الحكومة بأن مشروع المرسوم المذكور ، يهدف إلى تحقيق نوع من المرونة المسؤولة اجتماعيا بما يسمح بإحداث فرص أكبر للمشغل ، و الحفاظ في نفس الوقت على حقوق الأجراء و محاربة الهشاشة في التشغيل و ذلك على غرار عدد من التجارب الدولية التي سارت في نفس الاتجاه .
و كما أكد على ذلك وزير الشغل خلال عرضه أمام مجلس الحكومة بتاريخ 16 يوليوز 2020 ، فإن هذا المرسوم قد تم التوافق حول مضامينه بين المنظمات المهنية للمشغلين و المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا .
فبعد انتظار 18 سنة ، صدر هذا المرسوم ليضيف إلى الحالات السبعة المقررة بمدونة الشغل ، حالات جديدة ليصبح عدد حالات اللجوء إلى عقد الشغل محدد المدة 18 حالة .
و بقراءة أولية للمقتضيات الجديدة المقررة لتلك الحالات الجديدة لعقود الشغل محددة المدة ، اتضح أن بعضها مقتبس حرفيا من القانون الفرنسي ، و بعضها لم يكن مجرد استكمال لنصوص تشريعية بمدونة الشغل ، و بعضها الآخر لم يعمل سوى على شرعنة الأمر الواقع ، في حين أن البعض الآخر من تلك الحالات لا يعدو أن يكون سوى تنزيل للاجتهادات القضائية لمحكمة النقض .
لذلك ارتأينا عنونة هذه المقالة بالمرسوم الذي نستحضر معه القولة العربية ” تمخض الجبل فولد فأرا ” . ، و هو ما يفسر أننا سنعالج هذا الموضوع من خلال محورين اثنين :
- المحور الأول : الحالات الجديدة لعقود الشغل محددة المدةمجرد استكمال لنصوص مدونة الشغل
- المحور الثاني : الحالات الجديدة لعقود الشغل محددة المدة مجرد شرعنة للأمر الواقع .
المحور الأول : الحالات الجديدة لعقود الشغل محددة المدة مجرد استكمال لنصوص مدونة الشغل
نعالج هذا الاستنتاج من خلال القطاعات من جهة ( أولًا ) و الحالات الاستثنائية من جهة أخرى ( ثانيا) :
أولًا : نطاق تطبيق المرسوم على مستوى القطاعات المعنيةبعقود الشغل محددة المدة:
إذا كانت الفقرة الأخيرة من المادة 16 من مدونة الشغل تشير إلى إمكانية إبرام عقد الشغل محدد المدة في بعض القطاعات ، فإن مشروع المرسوم نص في مادته الأولى على إمكانية إبرام تلك العقود في قطاعات الصناعة و التجارة و الخدمات و الفلاحة و الصناعة التقليدية ، و هو ما يعني أن المرسوم وسع من دائرة القطاعات التي يمكنها اللجوء إلى إبرام عقود الشغل محدد المدة ، في حين أن مقابلة المادة 16 مع المواد الأولى لمدونة الشغل ( من 1 إلى 4 ) تؤكد على هذه الإمكانية في بعض القطاعات مثل الفلاحة و الأشغال العمومية و الصيد البحري و السياحة مثلا ، و لعلنا بالمرسوم قد تجاوز نطاق تطبيقه بالتنصيص على إمكانية إبرام عقد الشغل محدد المدة في جل القطاعات تقريبا عوض الاقتصار فقط على القطاعات التي تحتاج إلى هذا النوع من العقود كالسياحة أو الفلاحة مثلا ، فباستثناء المهن الحرة و النقابات و الجمعيات فإن جميع القطاعات يظل بإمكانها إبرام عقود شغل محدد المدة في ظل هذا المرسوم إضافة ، خاصة إذا علمنا أن مدونة الشغل كتشريع عادي تأتي في درجة أعلى من المرسوم كنص تنظيمي و لا يمكن إطلاقا لهذا الأخير أن يخالف أو يتجاوز ما ينص عليه التشريع العادي .
و نعني بذلك أن ” التفويض ” الذي خولته المادة 16 من مدونة الشغل إلى النص التنظيمي ، يجب أن يظل منحصرا في تحديد حالات اللجوء إلى عقد الشغل محدد المدة في بعض القطاعات فقط و ليس جميعها ، طالما لاحظنا أن المرسوم توسع في تحديد تلك القطاعات مما قد يجعله متجاوزا لحدود المشروعية ، و يطرح بإلحاح مسألة تراتبية و هرمية القوانين .
هذا في حين كان مشروع المرسوم لسنة 2015 أكثر انسجاما مع مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 16 التي تحيل على هذا النص التنظيمي حين حدد بدقة بعض القطاعات التي يمكن بطبيعتها اللجوء إلى عقود الشغل محددة المدة مثل الخدمات التي تقدمها المقاولات السياحية بكيفية دورية خلال مدة محددة من السنة ( محطات التزحلق على الثلج ، المحطات الترفيهية الصيفية الشاطئية و الجبلية ) و كذا الأنشطة المتعلقة بتصبير أو تلفيف منتوج واحد ذي طابع موسمي و الصناعة السينمائية لا سيما تصوير الأشرطة و الأعمال التلفزيونية و الإذاعية و الأعمال الفنية المرتبطة بها و كذا الأنشطة المرتبطة بالمعارض ، فضلا عن القطاع الفلاحي لاسيما العمليات المتعلقة بتعهد زراعة الحبوب و القطاني وحصادها وجمع الانتاج و العمليات المتعلقة بتعهد زراعة الخضراوات و البقوليات و جنيها و العمليات المتعلقة بتعهد الأشجار المثمرة و جني ثمارها ، علاوة على الأنشطة التي استقر العرف و العادات المحلية على اعتبارها أنشطة موسمية .
ثانيا : نطاق تطبيق المرسوم على مستوى الحالات الاستثنائية المبررةللجوء إلى عقود الشغل محددة المدة :
في إطار تنظيمها لمدة الشغل ، عمدت مدونة الشغل إلى النص على بعض الاستثناءات الدائمة و المؤقتة التي تلحق بمدة الشغل العادية وهي الحالات المنصوص عليها في المواد 189 و 190 و 192 .
لذلك لا يسعنا إلا أن نستغرب كيف أن النص التنظيمي أشار إلى تلك المواد في إطار تحديده للحالات الاستثنائية التي تمكن المشغل من اللجوء إلى عقد الشغل محدد المدة .
فأصل اللجوء إلى هذا النوع من العقود في تلك الحالات هو التزايد المؤقت في نشاط المقاولة بسبب توقف الشغل جماعيا وضرورة استدراك الوقت الضائع مما سيؤدي لا محالة إلى تزايد نشاط المقاولة خلال المرحلة التي تتلو التوقف لتدارك ما ضاع من وقت .
هذا فضلا عن أننا لا نرى مسوغا منطقيا لإشارة المرسوم إلى أجل ثلاثين (30) يوما ، فإذا كان من حق المشغل أن يمدد ساعات الشغل اليومية العادية بمعدل ساعة في اليوم لاستدراك الساعات الضائعة دون أن تتجاوز مدة الشغل اليومية 10 ساعات في اليوم ، فيتعين عليه أن يعمل على تدارك هذه الساعات في أجل لا يتعدى 30 يوما في السنة ، أي أن الأجير يتعين عليه أن ينجز ساعة إضافية كل يوم على ألا تتعدى أيام الاستدراك ثلاثين يوما ، و بالتالي فلن يكون هناك مسوغ لاشتراط المادة الأولى من المرسوم أن يتم اللجوء إلى عقد الشغل محدد المدة لاستدراك ما تبقى من الساعات الضائعة داخل 30 يوما ! .
و نعتقد أن المرسوم كان بإمكانه أن يخول الخيار للمشغل بين إلزام أجرائه باستدراك الساعات الضائعة في الحدود التي نصت عليها المادة 189 أو اللجوء إلى أجراء في إطار عقود شغل محددة المدة في حدود الساعات التي يلزم استدراكها عوض النص على هذا الاستدراك في حدود ما تبقى من الساعات الضائعة ، و بالتالي تظل هذه الحالة غير مجدية و لا تأثير لها على عملية التشغيل على اعتبار أن غاية إرادة واضع المرسوم هي المساهمة في تحقيق المرونة المسؤولة اجتماعيا و إحداث فرص للشغل و محاربة الهشاشة ، و بالتالي يحق لنا أن نتساءل عن أي مسؤولية اجتماعية و محاربة الهشاشة نتحدث حينما يتم السماح بإبرام عقد شغل محدد المدة لما تبقى من ساعات يجب استدراكها قد لا تتجاوز مدة إنجازها يوما أو يومين .
و هي نفس الملاحظة التي يمكن طرحها بالنسبة لحالات اللجوء إلى عقد الشغل محدد المدة بمقتضى المادتين 190 و 192 من مدونة الشغل ، و ما تطرحه من أسئلة حول السقف الزمني المحدد لإنجاز تلك الأشغال التحضيرية أو التكميلية ، هل هو تاريخ الانتهاء من تلك الأعمال ؟ و كيف يمكن مراقبة ذلك ؟
لاشك أن هذه الحالة من اللجوء إلى عقود الشغل محددة المدة ستفرز إشكاليات عديدة من حيث تكييف طبيعة العقد و إثبات وجود الأعمال التحضيرية أو التكميلية ، اللهم إذا كان الغرض مرة أخرى هو اللجوء إلى أجير في إطار عمل عرضي ، الأمر الذي سيكرس الهشاشة عوض محاربتها و يعدم المسؤولية الاجتماعية للمقاولات التي قد تتحايل على القانون من أجل اللجوء إلى أجراء لفترة قصيرة بدعوى إنجاز أعمال تكميلية أو تحضيرية .
و نؤكد مرة أخرى أن الحالات المنصوص عليها في المادة الأولى من المرسوم و المتعلقة بإمكانية اللجوء إلى عقد الشغل محدد المدة في إطار مقتضيات المادتين 190 و 192 من مدونة الشغل يمكن للمشغل أن يلجأ إليها دون اعتماد هذا المرسوم طالما يتعلق الأمر ، مرة أخرى ، بتزايد مؤقت في نشاط المقاولة ، و بالتالي يتعذر اعتبار تلك من الحالات الاستثنائية التي كان من المفروض أن يشير إليها المرسوم موضوع هذه القراءة .
و نستحضر ، بالمناسبة ، إلى أن مشروع المرسوم لسنة 2015 قد تعثر ، هو أيضا ، في تحديد تلك الحالات الاستثنائية حيث اكتفت مادته الثانية بالإحالة على حالات إبرام عقد الشغل محدد المدة المشار إليها في المادة 16 أو بمقتضى نصوص خاصة ( فترة الغياب لاجتياز امتحان أو لقضاء تدريب رياضي وطني أو المشاركة في مباراة رسمية دولية أو وطنية ) و علما بأنها من التغيبات القانونية المنصوص عليها أصلا في المادة 32 التي أحالت عليها المادة 16 من مدونة الشغل .
المحور الثاني : الحالات الجديدة لعقود الشغل محددة المدةمجرد شرعنة للأمر الواقع :
فضلا عن الحالات المذكورة في المحور الأول ، تشير المادة الثانية من المرسوم إلى حالات أخرى لإبرام عقد الشغل في القطاعات التي نصت عليها المادة الأولى من المرسوم و التي اعتبرها ذلك المرسوم ، أيضا ، حالات استثنائية .
و في ضوء مقتضيات هذا المرسوم ، موضوع هذه القراءة ، نميز بين حالة القيام بأشغال مؤقتة ( أولًا ) و حالة الأنشطة التي تكتسي بطبيعتها طابعا مؤقتا ( ثانيا ) و حالة إنجاز ورش ( ثالثا ) و حالة التشغيل لاستكمال المدة اللازمة للاستفادة من راتب الشيخوخة ( رابعا ) و حالة التشغيل بعقود شغل محددة المدة على إثر مغادرة الأجير لعمله ( خامسا ) ، مع العلم أن جل تلك الحالات مستلهمة من قانون الشغل الفرنسي .
أولًا : حالة القيام بأشغال مؤقتة :
يتعلق الأمر – حسب المادة الثانية من المرسوم – بحالة ” القيام بأشغال مؤقتة لا تدخل ضمن الأنشطة العادية للمؤسسة و لا يمكن لأجراء المؤسسة القيام بها . “
فعلى الرغم من أن مصدر ذلك المقتضى هو نص الفصل 2 . 1242 L من قانون الشغل الفرنسي ، إلا أن الاقتباس جاء مبتورا طالما لم يحدد المشرع المغربي نطاق تلك الأنشطة غير العادية التي تنجز فيها الأشغال المؤقتة ، في حين ذهب المشرع الفرنسي بعيدا عندما أحال الفصل المذكور على مرسوم أو اتفاقية جماعية أو اتفاق جماعي ستعمل على تحديد تلك الأنشطة ” غير العادية “.
و إذا كانت هذه الحالة الأولى من المادة الثانية من المرسوم قد تلتبس مع الحالة المتعلقة بالتزايد المؤقت في نشاط المقاولة الواردة في المادة 16 من مدونة الشغل ، فإن الفرق بينهما يظل شاسعا ، طالما أن حالة المادة 16 من مدونة الشغل تمكن المشغل من اللجوء إلى عقود الشغل عند التزايد المؤقت لنشاط المقاولة من أجل أداء نفس الشغل الذي يؤديه الأجراء عادة ، أما حالة المادة الثانية من المرسوم فتتعلق بأشغال مؤقتة لا علاقة لها بالنشاط العادي للمؤسسة مثلا أن تقوم مقاولة للصناعة الكهربائية باللجوء إلى تقني في إطار عقد شغل محدد المدة للقيام بصيانة الآلات أو تلجأ إلى صباغ لصباغة المقاولة ، فهذه الأشغال لا تندرج ضمن النشاط العادي للمقاولة ، و بالتالي يمكن للمشغل أن يلجأ إلى أجير في إطار عقد شغل محدد المدة للقيام بهذه الأنشطة التي لا تدخل في اختصاص أجراء المؤسسة و لا يمكنهم بالتالي القيام بها .
و على الرغم من صعوبة التمييز بين النشاط المهني العادي و غير العادي الذي يسمح فيه بالقيام بالأشغال المؤقتة في إطار عقود شغل محددة المدة ، فإن من شأن النظام الأساسي للمقاولة أن يساعد على ضبط و تحديد نشاطها العادي و اعتبار ما هو غير وارد في الهدف الاجتماعي ( Objet Social ) قابل لإبرام عقود شغل محددة المدة ، و مع ذلك فقد يصعب في بعض الحالات الخاصة تحديد مدى اندراج بعض أنشطة المؤسسة في الأنشطة العادية أو غير العادية مثل الأنشطة المتعلقة بنقل الأجراء و التنظيف و الحراسة ، و خدمات المطعم و غيرها ، مما سيثير لا محالة مشاكل عديدة من أجل تحديد ما هي طبيعة النشاط العادي التي لا يسمح بإبرام عقد شغل محدد المدة و تلك التي لا تعتبر كذلك و تمكن بالتالي المشغل من اللجوء إلى إبرام عقود شغل محددة المدة .
ثانيا : حالة الأنشطة التي تكتسي بطبيعتها طابعا مؤقتا :
يتعلق الأمر بأنشطة متعددة منها على سبيل المثال المعارض العمومية و الأنشطة الترفيهية ، كالمعرض الفلاحي و معرض التمور و معرض الورود ، أما مثال المعرض الترفيهي ( La foire )الذي يمكن أن يشتغل من مدينة إلى أخرى و أن يستمر نشاطه طوال السنة ، فتستدعي طبيعة العمل بها إقصائها من هذه الحالة .
و هو ما يبرر أنه كان من المفترض أن يعمل المرسوم على تحديد مفهوم الطابع المؤقت لكي يكون واضحا منذ البداية وتفادي النزاعات التي قد تنشأ بسبب اللجوء إلى مثل هذه الحالة الاستثنائية .
و إذا كانت الفقرة الأولى من المادة 16 تشير بدورها إلى ما يماثل هذه الحالة حين أكدت أن عقد الشغل قد يبرم من أجل إنجاز شغل معين مما يعني أن هذا الشغل محدد في الزمان و المكان ، و ما يعنيه ذلك من أن هذه الحالة الاستثنائية الواردة في هذا المرسوم تكاد تكون اجترارا لمقتضيات المادة 16 المذكورة .
ثالثا : حالة إنجاز ورش :
بالنسبة لهذه الحالة لا يسعنا ، مرة أخرى ، إلا أن نستغرب من التمييز الذي نهجه المرسوم بين الورش الذي لا تتعدى مدة إنجازه سنة واحدة من جهة و الورش الذي يتجاوز السنة من جهة أخرى ، ففي الحالة الأولى يمكن إبرام عقد شغل محدد المدة مرتين متتاليتين مع نفس المشغل و بعدها يصبح عقد الورش عقد غير محدد المدة إذا استمر الأجير في العمل مع نفس المشغل ، و الحالة الثانية و التي تتعدى مدة إنجاز الورش سنة ، فأنذاك يمكن إبرام عقد الورش مع الأجير حتى بعد الانتهاء من إنجاز ذلك الورش أو المشروع و لا يمكن بعد ذلك للمشغل تشغيل ذلك الأجير في إطار عقد ورش جديد .
ففي كلتا الحالتين ، يجسد المشروع موقف الهشاشة في التشغيل وحرمان الأجير من الاستمرار في العمل مع نفس المشغل مما سيجعل من أجراء الأوراش عمالا عرضيين بقوة القانون ، بل إن مقتضيات المشروع قد ضربت في العمق الحماية التي خص بها القضاء هذا النوع من الأجراء و الذي كان دائما متشددا في قبول عقد الورش لضمان استمرارية الشغل و بالتالي حماية منصب شغل الأجير
رابعا : حالة التشغيل لاستكمال المدة اللازمة للاستفادة من راتب الشيخوخة :
تتعلق هذه الحالة بالأجراء البالغين من العمر 58 سنة فما فوق و الذين فقدوا شغلهم ، حيث يمكن تشغيلهم في إطار عقود شغل محددة المدة ، و ذلك بغاية استكمال مدة التأمين المحددة في 3240 يوم اشتراك في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي .
و نشير بهذا الصدد إلى أن محكمة النقض سبق لها أن كرست حق الأجير حتى بعد تجاوزه سن التقاعد في إبرام عقد شغل مع المشغل و أن كل فسخ لهذا العقد بدعوى سن الأجير يعتبر تمييزا و بالتالي فصلا تعسفيا ، و هو ما يؤكد موقفنا المبدئي من أن هذا المرسوم قد اجتر مقتضيات نافذة في ثنايا القانون المغربي ، هذا مع العلم أن من حق الأجراء – باتفاق مع المشغل – الاستفادة من تقاعد مبكر ابتداء من 55 سنة بعد استنفاذ الشروط التي حددها القانون .
خامسا : حالة ما سُمي بمغادرة الأجير لعمله :
نشير بداية إلى أن المرسوم – موضوع هذه الدراسة الموجزة – قد ميز بين حالتين اثنتين ، تعلقت الأولى بحالة تعويض أجير غادر عمله في انتظار التحاق الأجير الجديد بهذا العمل ، و ذلك في حدود تعاقد واحد لا تتجاوز مدته سنة لكل مركز عمل ، بينما تعلقت الحالة الثانية بمغادرة أجير بصفة نهائية لمنصب عمله الذي تقرر حذفه ، و ذلك في حدود تعاقد واحد لا تتجاوز مدته سنة .
نؤكد بداية أن مقتضيات هذه الحالة المتضمنة لحالتين فرعيتين جاءت اقتباسا مشوها لمقتضيات الفصل 1242.2 . L من قانون الشغل الفرنسي ، و مع ترجمة ركيكة تفقد تلك المقتضيات قيمتها القانونية و وضوحها اللازم في صياغة أية قاعدة قانونية .
فبالنسبة للحالة الفرعية الأولى التي تتعلق بتعويض أجير غادر عمله في انتظار التحاق الأجير الجديد بهذا العمل ، فيظهر جليا من خلال مراجعة النص الفرنسي المذكور أن الترجمة العربية جاءت غير دقيقة و تطرح أكثر من سؤال خاصة ما يتعلق بالمقصود بالمغادرة و هل يقصد بها المشرع المغادرة التلقائية ؟ أم انتهاء العقد أو انحلال الرابطة التعاقدية خاصة أن المشرع الفرنسي يستعمل عبارة المغادرة النهائيةDépart définitif ) ) في حين أن المرسوم اكتفى باستعمال عبارة مغادرة العمل بينما يختلف المفهومان اختلافا جوهريا .
لذلك نرى أن واضع المرسوم لعله يعني بالمغادرة انتهاء العلاقة الشغلية أيا كان سببها بما في ذلك انتقال الأجير من مكان شغل إلى آخر ، مع استمرار منصب الشغل شاغرا ، و مثال هذه الحالة أن يشترط الأجير المفترض أن يعوض الأجير الذي فقد شغله ، مهلة معينة للشروع في عمله الجديد ، بعد أن يكون قد انخرط في عقد شغل غير محدد المدة مع المشغل الجديد ، و ذلك لارتباطه مثلا بأجل إخطار مع مشغله السابق .
و حيث سيُبرم عقد الشغل محدد المدة مع أجير معين في الفترة الممتدة ما بين انتهاء عقد الشغل لأي سبب من الأسباب و بين بداية العمل الجديد للأجير الجديد . و هي الفترة التي لا يجب أن تتجاوز السنة .
أما بالنسبة للحالة الفرعية الثانية ، فتتعلق بما سُمي بالمغادرة النهائية الناتجة عن حذف منصب شغل و بالتالي انتهاء علاقة الشغل سواء على إثر فصل تأديبي أو بعد إعادة هيكلة المقاولة أو على إثر فصل للأجراء لأسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية، أو عند تغيير تقنيات العملية الإنتاجية من آلات و معدات ، وحيث يكون تعويض الأجير غير ممكن في إطار عقد شغل غير محدد المدة ، و حيث يتعلق الأمر بتأمين هذه المرحلة الانتقالية الممتدة من تاريخ انصراف الأجير بصفة نهائية و الحذف الفعلي لمنصب شغله ، و في إطار تلك الشروط و الكوابح يمكن للمشغل إبرام عقود شغل محددة المدة لا يتجاوز سقف مدتها السنة .
و هو ما يستلزم معه مراجعة صياغة المرسوم لأنها تظل غامضة بخصوص مفهوم المغادرة ، و حيث أن الأمر يتعلق حقيقة بانتهاء العلاقة الشغلية و ليس بالمغادرة التي عادة ما تنسب للأجير .
في ختام هذه المقالة نرى تسجيل الاستنتاجات و المقترحات التالية :
– إن المرسوم الذي كان منتظرا منه أن يبدع حالات جديدة لعقد الشغل محدد المدة ، جاء فقط مكملا لمقتضيات تشريعية في ثنايا مدونة الشغل ، و بذلك لا يسعنا إلا الإقرار بفوز المنظمات النقابية في حوارها الاجتماعي / القانوني مع المنظمات المهنية للمشغلين .
– إن واضع المرسوم إذْ عمد إلى استلهام مقتضيات قانون الشغل الفرنسي ، فقد جاء ذلك بشكل مبتور و غامض و بترجمة ركيكة ستحمل القضاء عبء التفسير و التأويل ، و هو الأمر الذي سيمس بمبدإ الأمن القانوني .
– إن مرسوم 2020 جاء متخلفا حتى عن مشروع 2015 الذي اعتُبر ، آنذاك ، متوازنا من شأنه أن يضمن المرونة و في نفس الآن الحماية الضرورية للأجراء من تجاوزات المشغلين في اللجوء إلى عقود الشغل محددة المدة .
و في ضوء تلك الملاحظات السابقة ، و من أجل تنقيح مقتضيات ذلك المرسوم مستقبلا عند عزم المشرع إعادة النظر فيه نرى :
– تخصيص مذكرة تقديمية أو ديباجة للمرسوم كما هو معروف في جميع القوانين ، لاسيما تلك التي قد تثير حساسية بالنسبة للمخاطبين بأحكامها و تمثل أهمية خاصة ، و هو الأمر الذي انتبه إليه واضع مشروع مرسوم 2015 .
– العمل على توخي الصياغة التشريعية الواضحة بالنسبة للمُخاطب بالقاعدة القانونية ، خاصة إذا تعلق الأمر بنص مقتبس من نص تشريعي أجنبي ، هذا مع العلم أن التوافق بشأن نصوص قانونية تنظم أوضاعا حقوقية من منطلق عدم التكافؤ بين مصالح الأطراف المتفاوضة غالبا ما يتم على حساب الدقة و الرصانة في الصياغة التشريعية .
– العمل على مراعاة واضع المرسوم للمواد الأولى لمدونة الشغل المحددة للقطاعات الخاضعة لأحكامها ، و ذلك من أجل الالتزام بمنطق انتقاء ” بعض ” القطاعات التي يسمح فيها بإبرام عقود الشغل محددة المدة ، و إلا فقد النص التنظيمي قيمته القانونية بمقابلته مع النص التشريعي .
– العمل على استدراك واضع المرسوم ما فات مدونة الشغل من اعتبار عقود الشغل محددة المدة عقودا كتابية لتسهيل الوقوف على حالاتها الحصرية و تجنيب المشغل عبء إثبات توافر تلك الحالات ، علما بأنها تتحول إلى عقود شغل غير محددة المدة كلما تعذر إثبات توافر حالة من حالاتها .
و هو التوجه الذي ذهب إليه البعض من التشريعات الاجتماعية مثل قانون الشغل الفرنسي[1] و قانون العمل الجزائري[2] كما اشترطت مدونة الشغل الموريتانية أن يتم إثبات كل عقد عمل محدد المدة تم إبرامه لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر[3] ، هو ما كان عليه الأمر في مشروع المرسوم لسنة 2015 الذي حرصت مادته الخامسة على أن ينعقد عقد الشغل محدد المدة كتابة و أن يتضمن مجموعة من البيانات الإلزامية .
-التفكير في تخويل مفتش الشغل صلاحية مراقبة عقود الشغل محددة المدة على الأقل بخصوص الحالات الجديدة المضمنة في هذا المرسوم . و هو المقترح الذي انتبه إلى تبنيه قانون العمل الجزائري عندما نص على أن مفتش العمل المختص إقليميا يتأكد ، بحكم الصلاحيات التي يخولها إياه التشريع و التنظيم المعمول بهما ، من أن عقد العمل لمدة محدودة أُبرم من أجل الحالات المنصوص عليها صراحة في المادة 12 من هذا القانون ، و أن المدة المنصوص عليها في العقد موافقة للنشاط الذي وظف من أجله العامل[4].
و هو المقتضى الذي ليس غريبا على المشرع المغربي خاصة عند استحضارنا القانون المتعلق بتحديد شروط الشغل و التشغيل المتعلقة بالعاملات و العمال المنزليين الذي يخول لمفتش الشغل إثارة انتباه الطرفين إلى المقتضيات المخالفة لأحكام ذلك القانون قصد مراجعة العقد و تعديله[5] ، و كذا القانون المنظم للتجارة البحرية الذي يشترط المراقبة القبلية لعقود شغل البحارة ، و خاصة ما يتعلق بتأشيرة ضابط الملاحة البحرية على عقود الشغل [6].
و أخيرا نعتقد أن المرسوم – موضوع هذه المقالة – يتطلب مراجعة شاملة سواء على مستوى صياغته الفنية أو على مستوى مضامينه التي يفترض أن تشجع اللجوء إلى عقود الشغل محددة المدة لتشجيع و تنمية وتيرة التشغيل و التخفيف من حدة البطالة من جهة و أن تراعي حقوق الأجراء خاصة من زاوية الحفاظ على مناصب الشغل و استقرار علاقات الشغل من جهة أخرى .
الهوامش:
[1] -راجع الفصل 12 – 1242 L من قانون الشغل الفرنسي .
[2] – راجع المادة 11 من قانون العمل الجزائري .
[3] – راجع الفقرة الثانية من المادة 18 من مدونة الشغل الموريتاني .
[4] – راجع المادة 12 – مكرر من قانون العمل الجزائري .
[5] – راجع الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة من القانون رقم 12 . 19 المتعلق بتحديد شروط الشغل و التشغيل المتعلقة بالعاملات و العمال المنزليين .
[6] – راجع المواد 167 و 170 و 172 من قانون التجارة البحرية .