مجلة مغرب القانونالقانون الخاصعبد العلي حفيظ: أتعــــاب المحامي ونظــــــام التقـــادم

عبد العلي حفيظ: أتعــــاب المحامي ونظــــــام التقـــادم

عبد العلي حفيظ دكتور في الحقوق

بالرغم مما يشكله نظام التقادم من وسيلة ناجعة في استقرار المعاملات وثبات المراكز القانونية، من خلال معاقبة الدائن المتراخي أو المفرط والجدير بالخسارة، إلا أنه يعكس من جانب المدين إفلاسا أخلاقيا في الاستتار بالزمن لحرمان الناس من حقوقهم المستحقة، ويجد هذا النظام في نطاق منازعات الأتعاب مجالا خصبا للتمسك والإعمال، إذ تؤدي خصوصية العلاقة التي تنشأ بين المحامي وموكله إلى تجاوز كثير من الواجبات المهنية المتصلة بتمكين الموكل من التواصيل أو الحرص على مناقشة مسألة الأتعاب في إبانها الملائم، وربط تصفيتها بانتهاء القضية، والذي يبقى غالبا الوقت الملائم لبروز كل الخلافات المتصلة بالأتعاب تحديدا ووفاء، إذ في هذا الوقت فقط يسترجع الموكل عافيته الذاتية لا سيما إذا كانت نتيجة القضية في مصلحته، كما يعيد المحامي حساباته المتصلة بالأتعاب.

ويطرح نظام التقادم في مجال الأتعاب إشكالا جوهريا يتعلق ببداية سريان التقادم، فإذا كان قانون المحاماة الحالي رقم 08/28 قد تضمن مقتضى خاصا بتقادم منازعات الأتعاب بموجب الفقرة الأخيرة من المادة 51، التي ورد فيها على أن جميع الطلبات والمنازعات المتعلقة بالأتعاب تتقادم ” بمرور خمس سنوات من تاريخ انتهاء التوكيل“، مما يطرح التساؤل حول محددات انتهاء التوكيل، وإذا كانت المحددات العامة المتعلقة بانتهاء الوكالة وفق ما هو محدد في قانون الالتزامات والعقود يبقى واضحا، من قبيل موت الموكل أو الوكيل أو عزل الوكيل أو التنازل عن الوكالة وغيرها مما هو مبين في الفصل 929 من ق.ل.ع، فإن انتهاء التوكيل بإنجاز المهمة الموكولة للمحامي وهي الدفاع أو النيابة في قضية مدنية أو جنائية يحتاج إلى تدقيق أكبر.

ويثار التساؤل في هذا الخصوص حول ثلاثة أمور، يتعلق أولها بربط انتهاء التوكيل بصدور حكم في القضية (أولا)، وثانيها بتحقق التقادم من عدمه بعد مباشرة المحامي لإجراء من الإجراءات المتعلقة بالقضية بعد مدة طويلة من صدور الحكم تستغرق مدة التقادم المحددة قانونا(ثانيا)، وثالثها ويخص مدى تأثير ارتباط القضايا الموكولة لنفس المحامي على تحقق التقادم (ثالثا).

أولا: هل ينتهي التوكيل بصدور حكم في القضية موضوع النيابة؟.

مثار التساؤل في هذا الخصوص يتصل بتحديد تاريخ انتهاء التوكيل في علاقته بالقضية موضوع النيابة أو الدفاع، هل ينتهي بانتهاء القضية سواء إجرائيابصدور حكم بالإشهاد على التنازل أو بعدم قبول الدعوى، أو موضوعيا بصدور حكم في القضية بالإشهاد على الصلح أو برفض الطلب أو وفق الطلب، أم باستنفاذ طرق الطعن الممكنة، أم بمباشرة التنفيذ أيضا.

جوابا على هذا التساؤل يمكن رصد توجهين على مستوى العمل القضائي في نطاق القرارات الصادرة عن محكمة النقض في الموضوع، توجه مؤيد لانتهاء التوكيل بصدور حكم قضائي في الموضوع(أ)، وتوجه غير مؤيد لانتهاء التوكيل بصدور الحكم القضائي(ب)، وينطلق التوجه الأول من مؤيدات من داخل النصوص القانونية الواردة في القانون المنظم لمهنة المحاماة.

أ: الموقف المؤيد لانتهاء التوكيل بصدور حكم قضائي في الموضوع.

يذهب هذا التوجه إلى تأكيد انتهاء التوكيل بصدور حكم قضائي في الموضوع، وعدم امتداد صلاحيات المحامي لما بعد صدور الحكم، ومن ذلك مثلا:

  • القرار عدد 1871 الصادر عن الغرفة المدنية بمحكمة النقض بتاريخ 05/04/1995 في الملف عدد 4388/92، الذي جاء فيه على أن المحكمة لما وجهت للوكيل الذي انتهت مهمته استدعاء بعد إحالة الدعوى عليها، ورتبت على عدم استجابته إصدار حكم غيابي على الموكل، تكون قد خالفت القواعد المقررة في الوكالة وعرضت قرارها للنقض(1).
  • القرار عدد 578 الصادر عن الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض بتاريخ 24/04/2014 في الملف عدد 1406/5/1/13، الذي تضمن على أن تبليغ نسخة من المقال إلى المحامي الذي كان ينوب عن طالبة النقض خلال المرحلة الابتدائية، وتوصل هذا الأخير بالاستدعاء لا يلزمها مادام لا يوجد بالملف ما يفيد توكيلها له خلال مرحلة الاستئناف، ويشكل مسا بحقها في الدفاع عن مصالحها(2).
  • القرار عدد 376 الصادر عن الغرفة التجارية بمحكمة النقض بتاريخ 13 شتنبر 2018 في الملف عدد 406/3/2/2017، الذي ورد فيه على أنه بمقتضى الفقرة الأولى من المادة 47 من القانون رقم 08/28 المنظم لمهنة المحاماة، فإنه يتعين على المحامي أن يتتبع القضية المكلف بها أمام الجهة المعروضة عليها، وهو ما يعني انتهاء وكالة المحامي بصدور حكم في القضية التي كلف بها، ولا تمتد وكالته للمراحل اللاحقة إلا إذا كلف صراحة من طرف موكله(3)، لتنتهي إلى عدم قانونية التبليغ الواقع للمحامي من طرف محكمة الاستئناف بعد النقض والإحالة، باعتبار أن نيابة المحامي بعد الإحالة من طرف محكمة النقض لا تعتبر قائمة بالضرورة.
مقال قد يهمك :   بلجيكا تحتجز نائب رئيس جامعة وجدة في معتقل للمهاجرين السريين بعد محاولته دخول أراضيها بشكل غير قانوني

ويمكن أن نجد لهذا الموقف القضائي مؤيدات قانونية أخرى من خلال المقتضيات الواردة في القانون المنظم لمهنة المحاماة أيضا، و من ذلك مثلا المادة 43 التي تنص على أن المحامي يخطر موكله حالا بصدور الحكم ويقدم له النصح والإرشاد بخصوص طرق الطعن الممكنة مع لفت نظره لآجالها، مما يستفاد منه عدم أهلية المحامي لمباشرة طرق الطعن دون تكليف من الموكل، وهو دليل على انتهاء التوكيل بصدور الحكم وإلا لما كانت هناك جدوى من لفت نظر الموكل لآجال الطعن، وكذا المادة 50 من نفس القانون التي تنص على مسؤولية المحامي عن الوثائق المسلمة إليه طيلة خمس سنوات من تاريخ انتهاء القضية، وهو ما آثرت بعض الأنظمة الداخلية النص عليه صراحة، ومن ذلك ما جاء في الفقرة الرابعة من المادة 92 من النظام الداخلي لهيئة المحامين بطنجة، من أنه ” ينتهي التوكيل بانتهاء المسطرة بحكم أو تنازل أو صلح أو تنفيذ جزئي أو نهائي أو قرار من طرف النقيب“، وإن كانت هذه الفقرة لا توضح نطاق العلاقة بين انتهاء المسطرة بحكم وبين انتهائها بالتنفيذ الجزئي أو النهائي، وما إذا كان المقصود بالحكم هو الحكم المنشئ أو التقريري الذي لا يتوقف على التنفيذ كثبوت النسب أو الزوجية أو الجنسية مثلا، و أن النيابة في حالات الأحكام الملزمة لا تنتهي إلا بمباشرة التنفيذ.

ب: الموقف المؤيد لعدم انتهاء التوكيل بصدور حكم قضائي في الموضوع.

يذهب هذا التوجه إلى عدم التلازم بين صدور الحكم في القضية وانتهاء التوكيل، إذ جاء في القرار عدد 190 الصادر عن الغرفة الإدارية بمحكمة النقض بتاريخ 21/02/2007، في الملف عدد 1914/4/12004، على أنه يجب على المحامي أن يحصل على موافقة مسبقة من زميله المنصب قبله قبل القيام بأي تدخل لفائدة نفس الموكل في نفس القضية التي لا يعد الحكم فيها ملازما لانتهاء التوكيل(1).

غير أن هذا التوجه لا يفصح عن المؤيدات القانونية الداعمة لهذا الفهم، لأن نفي التلازم بين صدور الحكم وانتهاء التوكيل إن صح في حالات التوكيل المكتوب المحدد لنطاق الصلاحيات ابتداء وانتهاء، وكذا حالات عدم المنازعة، فإنه يبقى قائما في حال الخلاف بين الطرفين وعدم وجود توكيل مكتوب أو حتى الخلاف حول نطاق التوكيل مع كونه مكتوبا، لا سيما وأن القانون المغربي لم يعالج هذا الأمر بمقتضى خاص، على خلاف القانون الفرنسي مثلا الذي نص في المادة 420 من قانون المسطرة المدنية، على أن المحامي يقوم  بالالتزامات  المتعلقة بالوكالة وإلى غاية تنفيذ الحكم دون حاجة لتفويض جديد (2).

وأعتقد أنه وللجمع بين الفهمين، ومع مراعاة أن التوجه القضائي المؤيد لانتهاء التوكيل بصدور الحكم قد تبلور بصدد نقاش آخر يتعلق بقانونية التبليغ الواقع للمحامي خلال مراحل التقاضي السابقة، وليس بصدد منازعات الأتعاب، فإن مناط الحسم في هذا النقاش إنما يرتبط باستنفاذ النيابة لموجباتها في ضوء القرائن المحيطة بكل قضية على حدة والمحددة لغاية الموكل من اللجوء للمحامي، وهو ما يتلاءم ومضمون ما ورد في الفصل 929 من ق.ل.ع بخصوص ربط انتهاء الوكالة ب“تنفيذ العملية التي أعطيت الوكالة من أجلها”، مع التأكيد في اعتقادنا أن مباشرة الطعون المختلفة وكذا إجراءات التنفيذ يتوقف على توكيل جديد وفق ما يفهم من صريح الفصول المشار إليها أعلاه، مما لا موجب معه لتحميل المحامي مسؤولية عدم الطعن وانحصار مسؤوليته فقط عن الإخلال بواجب الإخبار الفوري بصدور الحكم ولفت نظر الموكل لآجال الطعن، وهي واجبات مقررة قانونا وفيها الغنى عن المساءلة عن عدم مباشرة الطعن، كما أنها واجبات يتعين الاجتهاد في إقرار الصيغ العملية لاستيفائها، عبر مختلف الوسائط التي تقوم بها الحجة عند المنازعة، وهو أمر مقدور عليه، لا الدخول في مهاترات مع الموكل بخصوص وجود التكليف من عدمه قد يصل للتكذيب وتوجيه اليمين الحاسمة وغيرها من المطاعن، وهو وضع بإمكان المحامي الخروج منه بضبط علاقاته ومراسلاته مع الموكل.

مقال قد يهمك :   نور الدين لعرج: التغيير الإلزامي للشكل القانوني للشركات التجارية في التشريعين القطري والمغربي

وفي ضوء هذا الفهم فإذا كانت الغاية من اللجوء إلى المحامي هي استصدار حكم بثبوت الزوجية أو بأداء النفقة أو بالإفراغ وغيره، فمبدئيا تنتهي الغاية من اللجوء للدفاع بصدور الحكم الابتدائي سواء كان في صالح الموكل أم لا، على أن مباشرة الإجراءات اللاحقة يقتضي تكليفا خاصا، وهو ما من شأنه إبراز عمل المحامي وبيان المجهودات المبذولة من طرف الدفاع.

ثانيا:هل مباشرة المحامي لبعض أعمال الدفاع بعد مدة طويلة من صدور الحكم ينفي التقادم؟.

الصورة التطبيقية لهذا التساؤل المثار عمليا، يرتبط عادة بما يقدم عليه بعض المحامين من أجل تأكيد استمرار التوكيل قبل المطالبة بتحديد الأتعاب أمام النقيب، مباشرة بعض الإجراءات المسطرية المنتجة أحيانا وغير المنتجة في أحيان كثيرة، بعد مدة طويلة من صدور الحكم تستغرق أمد التقادم المحدد قانونا، كالمطالبة بنسخة تبليغية أو تنفيذية من الحكم الصادر في الموضوع، أو بتبليغ الحكم الصادر ضد مصلحة الموكل، أو تقديم طلب تنفيذه إن كان في مصلحته، وغيره من الإجراءات اللاحقة لصدور الحكم والمنجزة عادة في غير أوانها الإجرائي المألوف، وهو ما يقترن عادة بمنازعة من طرف الموكل في تكليف المحامي بهذه الأمور، بل وقد يستدل بصلح لاحق مع الخصم في الدعوى موضوع الحكم بما لا موجب معه للاستمرار في الإجراءات، على نحو يقتضي الحسم في استمرار التوكيل من عدمه وبالتبعية تحقق موجبات التقادم أم لا.

إن التعامل مع هذه الحالات، في نطاق ما أوردناه أعلاه بخصوص علاقة التوكيل بصدور حكم في القضية، يقتضي تقييما موضوعيا لهذه الإجراءات التي باشرها المحامي، وهل كانت ابتداء من مطلوبات النيابة أم لا، بحسب ظروف الحال والمركز القانوني للموكل وتأثيره في تحسين مركزه من عدمها، للانتهاء إلى موقف محدد بخصوص استمرار التوكيل من عدمه، وهكذا فإن مباشرة الطعون خارج الأجل القانوني وبعد مرور مدة التقادم مثلا، يحمل مبدئيا على وقوعه خارج نطاق التوكيل، مع التأكيد على أن غالبية مثل هذه الحالات تقع ضمن هذه الدائرة، وهو ما يقتضي في نظرنا تكليفا جديدا، وفي غيابه ينظر في النتيجة المحققة لفائدة الموكل جراء هذه الأعمال وتطبق بشأنها أحكام الفضالة عند تحقق شروطها.

ثالثا: هل النيابة عن نفس الموكل في قضايا أخرى، يوقف مفعول التقادم بالنسبة لما انتهى منها إجرائيا سواء بالتنازل أو الصلح أو التنفيذ أو غيره؟.

غالبا ما يتمسك الدفاع أيضالإثبات استمرار نيابته عن الموكل، وبالتالي تعطيل مفعول التقادم، بالتأكيد على كون الموكل يعتبر من زبناء مكتبه، وأنه ينوب عنه وعن عائلته في قضايا أخرى لا زالت سارية، وأن تلك القضايا بينها ارتباط وثيق، وأنه لا زال يباشر بشأنها الإجراءات المقررة قانونا، ومن ذلك مثلا أنه بعد صدور حكم بثبوت النسب وصيرورته نهائيا، تم تقديم دعوى بالتسجيل بسجلات الحالة المدنية، ثم دعوى أخرى لاحقة بالنفقة في مواجهة الأب وهكذا،في حين يتمسك الموكل بأن كل قضية مرتبطة بتوكيل خاص، وأنها وإن كانت مرتبطة بشخصه فإن موضوعها مختلف.

أعتقد أنه في غياب توكيل مكتوب، فإن استقلال كل قضية عن الأخرى بأتعابها وتقادمها والمسؤولية عنها، يبقى هو الأولى بالاعتماد نظرا لترجح مسألة تجدد التوكيل مع تجدد القضايا، لكون الأصل في نتيجة الدعوى ألا يلتزم المحامي بضمان تحققها، ومن تم الالتزام بتقديم دعوى موالية تأسيسا على نتيجة الدعوى السابقة، لوقوعها في دائرة الاحتمال الذي لا يفترض في غياب التكليف الصريح، فبالأحرى في الدعاوى غير المرتبطة بصيغة أو بأخرى.

وتبعا لذلك، يكون من باب أولى عدم الركون لموقف الموكل تصديقا أو تكذيبا لواقعة التكليف، والاعتماد على التوثيق في زمن كثرت فيه وسائط الإثبات وكثر للأسف اللجوء لليمين في مفارقة غريبة.

وتأكيدا لجملة الخلاصات الواردة أعلاه بخصوص موضوع التقادم، فقد جاء في الأمر     الصادر عن نائب الرئيس الأول لحكمة الاستئناف بطنجة بتاريخ 20/10/2020 في الملف عدد 135/1121/2019، ما يلي:

” حيث تمسك الطاعن بسقوط أتعاب المحامي لمرور المدة المقررة قانونا للتقادم بمقتضى المادة 51 من القانون المنظم لمهنة المحاماة، وذلك وفق التفصيلات المبينة أعلاه.

وحيث أجاب المستأنف عليه عن الدفع المذكور بكون المستأنف يعد من زبائنه وأن التقادم يسري ابتداء من تاريخ انتهاء العمل موضوع الوكالة، وخاصة إذا كان المحامي موكلا في قضايا متعددة يقوم بينها ارتباط يجعلها كلا غير قابل للتجزئة.

مقال قد يهمك :   عادل بن إيدامو: الزمــن القروي، أو في الحاجة إلى هوية عمرانية فاعلة ومتماسكة -دراسة تحليلية نقدية-

وحيث إنه لئن كان المشرع بمقتضى المادة 51 من القانون المنظم لمهنة المحاماة، قد ربط تقادم الطلبات والمنازعات المتعلقة بالأتعاب بمرور خمس سنوات من تاريخ انتهاء التوكيل، فإن انتهاء التوكيل ذاته يحصل بأمور متعددة حددها الفصل 929 من قانون الالتزامات والعقود كمقتضى عام يهم جميع أصناف الوكالة بما فيها وكالة المحامي، والذي يحدد من بين أسباب انقضاء الوكالة – فيما يخص نازلة الحال- تنفيذ العملية التي أعطيت الوكالة من أجلها، وكذا الفقرة الرابعة من المادة 92 من النظام الداخلي لهيئة المحامين بطنجة، كمقتضى خاص يهم وكالة المحامي، والتي جاء فيها على أنه ” ينتهي التوكيل بانتهاء المسطرة بحكم أو تنازل أو صلح أو تنفيذ جزئي أو نهائي أو قرار من طرف النقيب”.

وحيث إن القول باستمرار الوكالة رغم انتهاء القضية أو المسطرة أو الإجراء، أو غيرها من أعمال الدفاع المحددة بمقتضى المادة 30 من القانون المنظم لمهنة المحاماة، بعلة النيابة عن نفس الشخص وعن عائلته في قضايا لاحقة متتالية، إنما ينافي المقتضيات القانونية المشار إليها أعلاه، فضلا عن مجافاته للنظرية العامة للالتزامات بشأن ضرورة تحقق محل الالتزام كشرط لصحة العقود، وكذا بشأن أحكام انقضاء الالتزامات بتنفيذ محلها، وكذا لمقتضى المعقول المصادم لفكرة أن استمرار النيابة عن نفس الموكل في قضايا متلاحقة في الزمن يوقف سريان مفعول التقادم بالنسبة لما انتهى منها سلفا مهما تطاول الزمن بعلة الارتباط بقضية أخرى أو تعلقها بنفس الموكل، وهو أمر يقتضى نص صريحا يقره، زيادة عن كون مسألة استمرار التوكيل في غياب عقد وكالة مكتوب وصريح بخصوص النيابة في جميع القضايا أو ربط استحقاق الاتعاب بانتهاء جميع القضايا موضوع الوكالة – وهو الأمر غير الوارد في هذه النازلة-، يطرح التساؤل حول تعلق الأمر باستمرار للوكالة أم بإنشاء للوكالة مع كل عمل من أعمال الدفاع، وهو المعنى الذي تؤكده مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 47 من قانون المحاماة التي تلزم المحامي بتتبع القضية المكلف بها إلى نهايتها، وكذا المادة 50 من نفس القانون التي تنص على أن المحامي يبقى مسؤولا عن الوثائق المسلمة إليه طيلة خمس سنوات اعتبارا من تاريخ انتهاء القضية أو من آخر إجراء في المسطرة … .

وحيث إنه ترتيبا على ما تم بيانه أعلاه، فإن تدقيق النظر بشأن الأعمال التي بوشرت من طرف المستأنف عليه لفائدة المستأنف، وفقا للوثائق المضمنة في ملف النقابة المدلى به من طرف نائب المستأنف، أن التقادم قد طال جميع المساطر وأعمال الدفاع موضوع طلب تحديد الأتعاب، خاصة وأن صورة ملف النقابة لا تتضمن ما ورد في وقائع القرار المطعون فيه بخصوص إدلاء المستأنف عليه بإنذار قضائي مؤرخ في 22/10/2015 ومراسلة مؤرخة في 12/03/2016، ولا ما يثبت ما ورد في طلب تحديد الأتعاب بكون آخر إجراء أنجز لفائدة المستأنف كان بتاريخ 16/10/2017، خاصة  مع عدم حرص المستأنف عليه على ضم ملف النقابة رغم إمهاله بجلسة 07/07/2020، ومبادرة نائب المستأنف عليه للإدلاء بصورة منه.

وحيث إنه تأسيسا على ما ذكر أعلاه، يتعين التصريح بسقوط طلب الأتعاب المتعلق بالمساطر المذكورة للتقادم، مع إلغاء القرار المطعون فيه بخصوصها وتصديا الحكم بسقوط الطلب مع تحميل المستأنف عليه الصائر” (1).


(1)قرار منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 48، ص 52 وما يليها.

(2)قرار منشور بمجلة قضاء محكمة النقض، عدد 78، ص 322 وما يليها.

(3)قرار منشور بمجلة قضاء محكمة النقض، عدد 86، ص 74 وما يليها.

(1)عمر أزوكار: المحاماة من خلال العمل القضائي، مكتبة الرشاد، الطبعة الأولى 2012، ص 172 وما يليها.

(2)تنص المادة 420 من قانون المسطرة المدنية الفرنسية على ما يلي:

« L’avocat remplit les obligations de son mondat sans nouveau pouvoir jusqu’à l’exécution du jugement ».

(1)أمر غير منشور.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]