عبد الحق خلافة: وحدات القوات المساعدة – النشأة والحداثة-
عبد الحق خلافة، طالب باحث في صف الدكتوراه بمختبر البحث حول الديناميات الأمنية جامعة الحسن الأول، كلية العلوم القانونية والسياسية، سطات.
ملخص:
إن عمل القوات الأمنية يعد عنصرا ضروريا من عناصر تحقيق استمرار عمل مؤسسات الدولة في خدمة مصالح المواطنين وتحقيق شروط أمنهم.
وفي هذا الإطار، فإن هذا المقال يسلط الضوء على مجموعة من المعطيات التي تسبر أغوار تأسيس مؤسسة القوات المساعدة منذ حصول بلدنا على الاستقلال مرورا بتحديد المحطات الهامة في مهامها وحضورها الدؤوب في سبيل خدمة المواطنين ومؤسسات الدولة.
ولمسايرة وثير ة التطور المستمر لمجتمعنا ولحاجياته الملحة، فإن مؤسسة القوات المساعدة قد جملة من الإجراءات التحديثية ان على مستوى الهيكلة أو على مستوى القانون المنظم لها.
الكلمات المفتاح:
- مؤسسة القوات المساعدة،
- التنظيم العام للقوات المساعدة،
- الظهير الشريف الصادر في 14 شوال 1439 الموافق ل 28 يونيو 2018.
مقدمة:
ما من شك في أن عمل القوات الأمنية يعد عنصرا ضروريا من عناصر تحقيق استمرار عمل مؤسسات الدولة في خدمة مصالح المواطنين وتحقيق شروط أمنهم، وهو العمل الذي تشترك فيه مختلف القوات الأمنية كل حسب اختصاصاته والقانون المنظم له. معطيات تدفع إلى ظروف وطبيعة نشأة القوات المساعدة بعد حصول المغرب على الاستقلال، باعتبارها من الأجهزة الأمنية للدولة، التي ألقيت عليها مهام نبيلة، وتم تنظيم اختصاصات عملها وفق ما أوجبته الظروف التاريخية لتطور مؤسسات الدولة في علاقتها بتطور المجتمع المغربي بشكل عام، وما رافقه من تحديات أمنية فضلا عن رسم معالم البناء الهيكلي لتلك القوات، والذي يعد آلية من آليات التنظيم المتكامل لجهاز أمني عرف تطورات مسترسلة منذ نشأته إلى الفترة المعاصرة. فماهي طبيعة تلك المحطات؟ وما هي ظروف تنظيم جهازه الإداري في علاقته ببقية مؤسسات الدولة؟
أولا: القوات المساعدة بين النشأة والحضور في المحطات الوطنية
كان طبيعيا أن تعمل قيادة البلاد في إطار بناء مؤسسات الدولة وتدبير أمر تسييرها، على وضع أجهزة أمنية تتناسب مع طبيعة فترة الاستقلال، والمهمات الملقاة على عاتق الدولة في الحفاظ على الأمن والاستقرار. حيث شكل تنظيم وحدات القوات المساعدة إلى جانب بقية القوات الأمنية الأخرى من قوات مسلحة وأجهزة أمنية موازية، عنصرا محوريا من عناصر بناء مقومات الدولة. وهكذا، في سنة 1956 تمت إعادة تنظيم وحدات القوات المساعدة بعد حل وحدات التدخل التي كانت تعرف: بمخزن الشرطة المتنقلة ومخزن الحماية، وتعويضها بالمخزن المتنقل أو نصف متنقل[1]. كما ستضاف إلى هذا الجهاز تشكيلات المخزن بالمنطقة الخليفية إضافة إلى مجموعة من عناصر جيش التحرير في العام 1957[2].
وهكذا، أصبحت هذه القوات تقوم بأعمال موازية لمهمات أمنية خفيفة، مرتبطة بالسهر على تأمين المؤسسات العمومية، فضلا عن حماية رجال السلطة وتسهيل مأموريتهم على مستوى التنقل والحضور الرسمي ضمن مختلف الأنشطة التي يقومون بأدائها. كما أن عناصر القوات المساعدة عرفت مساهمة فعالة في تأمين وتنظيم السكان خلال مختلف الأنشطة الملكية، حيث كانت تلقى على عاتقها مهمة تأمين الطرقات وتنظيم الاستقبالات الرسمية إلى جانب بقية العناصر الأمنية الوطنية الأخرى. خاصة وأن بداية الاستقلال قد عرفت نشاطا موسعا لملك البلاد من خلال قيامه بعدد من الزيارات عبر مختلف أرجاء الوطن، بدأ من شمال المغرب نحو جنوبه.
واستمر حضور عناصر القوات المساعدة عبر مختلف المحطات الحاسمة في تاريخ المغرب المعاصر، حيث كان لها دور بارز على مستوى تأمين العملية الكبرى التي أطلقها العاهل محمد الخامس طيب الله ثراه، عبر مشروع وطني مميز في العام 1958، تمثل في طريق الوحدة، حيث اشتغلت إلى جانب بقية القوات الأمنية الأخرى بما في ذلك عناصر القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي وأجهزة وزارة الداخلية، في تنظيم الشباب المغربي المساهم بكل حماس في المشروع الوطني المتعلق بربط شمال المغرب بجنوبه.
بل تعزز دورها أيضا على مستوى المهام التي أوكلت لها بعد الكارثة الكبرى التي عرفتها مدينة أكادير على إثر الزلزال القوي الذي كان له وقع مؤثر على المغاربة وهم في المرحلة الحاسمة من البناء والتشييد. فكان من الضروري أن تتعاون القوى الأمنية المغربية فيما بينها لتحقيق التضامن المنشود وتأمين الرعايا وممتلكاتهم التي لحقها التلف وأصبحت عرضة للضياع.
وتعزز هذا الدور على عهد الراحل المغفور له الملك الحسن الثاني، حيث ظلت عناصر القوات المساعدة حاضرة في المحطات الحاسمة، بدءا بدورها الفعال في المساهمة في تنظيم المسيرة الخضراء في العام 1975، حيث تنقلت عناصرها مواكبة للحركة السكانية المغربية الكبرى التي هبت لخدمة قضية الوحدة الترابية.
واقع الحال أن عمل القوات المساعدة عبر مختلف المحطات الوطنية، لم يكن ليستقيم إلا بفضل تنظيم محكم لها، يواكب موجبات وضرورات تطور مؤسسات الدولة المغربية، وهو التطور الذي يمكن ملامسته من خلال فهم الهيكل التنظيمي للقوات المساعدة على مستوى أجهزتها الأمنية وطبيعة المهام الملقاة على عاتق كل قطاع إداري يهمها، في صلتها الوثيقة مع بقية الأجهزة الأمنية الوطنية على المستويين المركزي والجهوي معا.
ثانيا: القوات المساعدة في ظل تحديث المؤسسات الأمنية
تم وضع مجموعة من القوانين المنظمة لعمل جهاز القوات المساعدة، وهي القوانين التي ظلت تعرف تطورا ملموسا انسجاما مع طبيعة الخدمات والمسؤوليات الملقاة على عاتقها، فكان على رأس تلك القوانين التنظيمية، ظهير 22 فبراير للعام 1973 المتعلق بالتنظيم العام للقوات المساعدة والدي عدل بالظهير الصادر في14 شوال 1439 الموافق 28 يونيو 2018.
وقد نظم هذا الظهير في فصله الأول القوات المساعدة على شكل وحدات التدخل تحت إمرة جلالة الملك، يجري عليها النظام العسكري وتوضع تحت وصاية وزير الداخلية. وهو ما منحها صبغة عملية مباشرة على المستوى الأمني ضمن بقية المؤسسات الأمنية بالبلاد. فيما حدد الفصل الثاني من الظهير المذكور، المهام المسندة إلى هذه القوات، والتي تتمثل في المحافظة على النظام والأمن العموميين، إلى جانب قوات الأمن الأخرى، في توضيح مباشر لعلاقتها بمجال اختصاصات السلط الأمنية ونوعية العلاقة التي تؤطرها ببقية الأجهزة الأمنية بالبلاد.
كما أقر النظام القانوني المذكور، إمكانية استدعاء القوات المساعدة لتقديم العون والمساعدة إلى السكان في حالة الآفات الخطيرة والكوارث الطبيعية. وهو مطلب اجتماعي بارز في طبيعة المهام النبيلة لهذه القوات في علاقتها ببقية مكونات المجتمع المغربي. وفضلا عن ذلك، يمكن للقوات المساعدة بناء على النص القانوني المنظم لها، أن تضم وحدات للتدخل، تؤلف فرقا احتياطية، تكون رهن إشارة عاهل البلاد، وتوضع تحت إمرة مفتش ممتاز يعهد إليه بقيادتها وإدارتها وتدبير شؤونها.
مع مراعاة الاختصاصات والصلاحيات المسندة إلى إدارات أو مؤسسات أو هيئات أخرى، تتولى القوات المساعدة مهمة المساهمة في حفظ النظام والأمن العموميين بسائر تراب المملكة. كما تقوم بتقديم مختلف أشكال العون والمساعدة للسكان عندما تصيب البلاد إحدى الآفات أو الكوارث الطبيعية.ويمكـن، علاوة على ذلك أن تقوم هذه القوات بكل مهمة أخرى تسند إليها في نطاق اختصاصها.
تمارس القوات المساعـدة مهامها من خلال وحـدات للتدخل، يرجع أمـر تسخيرها إلى جلالة الملك، ويجري عليها النظام العسكري، وتوضع تحت سلطة وزير الداخلية. وذلك تسهيلا لمهامها وتنظيما لشؤونها في مواكبة ما يلقى على عاتقها على المستوى الأمني والتنظيمي باعتبارها حلقة فعالة في مواكبة الاحتياجات الأمنية للمؤسسات العمومية وما يربط المواطن بها من خدمات مختلفة.
وحتى تكون للمهام المنوطة بالقوات المساعدة الفعالية والجاهزية اللازمة لذلك، تم تنظيم إدارة القوات المساعـدة وفق مصالح مركزية ومصالح غير ممركزة، فضلا على وحدات للتدخـل العام، ووحدات للدعم، تتوفر جميعها على الشروط المهنية اللازمة، وهي الشروط التي يتم صقلها وتأطيرها داخل مدرسة لتكوين أطر القـوات المساعدة ومراكز لتكوين أفراد القوات المساعدة بشكل مسترسل وتخضع لتطور دائم حسب متطلبات التكوين وموجبات التأطير المهني اللازم.
وتشتمل المصـالـح المركزية لإدارة القوات المساعدة على مفتشيتين عامتين، تضم كل واحدة منهما، بالإضافة إلى ديوان المفتش العام، المديريات التالية:
– مديرية التسخير والتدبير الميداني والتكوين؛
– مديرية الموارد البشرية والأعمال الاجتماعية؛
– مديرية الشؤون الإدارية والمالية واللوجيستيك.
وهي مديريات يطبعها التنسيق المشترك والعمل وفق ضوابط مهنية واضحة المعالم، فضلا عن تحقيق شروط التكوين والتموين وتقديم الخدمات الاجتماعية، وهي عناصر تشكل بنية مهنية متناسقة ومتكاملة. توازيها على المستوى غير مركزي قيادات إقليمية وجهوية ممثلة في:
– قيادات جهوية؛
– قيادات إقليمية؛
– وحدات للحرس الإقليمي.
ويمكن، إذا دعت الظروف إلى ذلك، أن يتم، في حدود الاعتمادات المفتوحة في الميزانية العامة، تأسيس تشكيلات أخرى للقوات المساعدة بصفة مؤقتة، قصد تعيينها إلى جانب التشكيلات الرسمية.
الواضح، أن الهيكل التنظيمي للقوات المساعدة، يشمل من خلال عناصره آليات العمل البناءة، التي تستجيب مع شروط تحقيق الأمن والمساهمة في الحفاظ على النظام العمومي، فضلا عن دورها في دعم الجوانب الأمنية لمختلف أجهزة الدولة. كما واكب تطورها مسار تقدم البلاد وفق آليات معرفية ومهنية مضبوطة وموازية لتطور المهام والمسؤوليات الملقاة على عاتق عناصرها، وذلك في ظل نظام مغربي له مميزاته وخصوصياته على مستوى بنية أجهزة الدولة تجمع ما بين الأصالة والتحديث معا.
[1] – Note N°952/I.F.A. Portant modification à l’appellation des unités d’intervention, Inspection des forces auxiliaires, 13 Juin 1956.
[2] – Note sur l’origine des forces auxiliaires, op.cit., P.5.