صـــفة الــضبــط الــقضائي لـرجال الـجمارك
خالد شهيم باحث في العلوم القانونية
يقصد بأعمال الضبط القضائي في كل التشريعات تلك الإجراءات و الأبحاث التي تهدف إلى التثبت من وقوع الجرائم و جمع الأدلة عنها و البحث عن مرتكبيها، حيث أشارت المادة 18 من قانون المسطرة الجنائية المغربية إلى هذا الأمر بصريح العبارة حينما قالت: «يعهد إلى الشرطة القضائية تبعا للبيانات المقررة في هذا القسم، من التثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها.» فإذا كان الأمر لا يطرح إشكالا بالنسبة للأشخاص المشار إليهم كضباط للشرطة القضائية بصريح النص من قانون المسطرة الجنائية، فإن الغموض أو اللبس قد ينتاب إلى الذهن حول مدى اعتبار بعضا من الأشخاص الآخرين ضباطا للشرطة القضائية كذلك، خاصة بعد سكوت واضعي قانون المسطرة الجنائية عن الخوض في تفاصيل هؤلاء الذين تم إدراجهم تحت عبارة الموظفين، و نخص بالذكر هنا هيئة موظفي إدارة الجمارك. لهذا ارتأينا أن نسرد للموضوع تباعا من خلال النموذج الفرنسي، و بعض الدول العربية قبل التطرق إلى النموذج المغربي.
الصفة الضبطية للجمارك في فرنسا
تم إنشاء دائرة الجمارك القضائية الوطنية بموجب مرسوم مؤرخ في 5 ديسمبر 2002، و رغم أنها مصلحة تابعة مباشرة للمدير العام للجمارك و الضرائب غير المباشرة، إلا أن الإشراف على إدارتها يرجع إلى قاض من السلطة القضائية وليس إلى ضابط الجمارك، بحيث يعمل بدائرة الجمارك القضائية عدة مئات من موظفي الجمارك القضائيين الذين يؤذن لهم بإجراء التحقيقات في جميع أنحاء فرنسا.
وتتمتع الجمارك القضائية بنفس السلطات المخولة للشرطة القضائية من رجال الأمن و رجال الدرك و ذلك بموجب قانون المسطرة الجنائية في بعض المجالات التي ينص عليها القانون. حيث نص الفصل1 -28 على ما يلي:
” أولا– أعوان الجمارك للفئتين ألف و باء، المعينين خصيصا بقرار من الوزيرين المكلفين بالعدالة و الميزانية، المتخذ بعد موافقة لجنة يكون تشكيل و أداء عملها بقرار من مجلس الدولة، يجوز أن تكون لهم أهلية إجراء تحقيقات قضائية بناء على طلب المدعي العام أو على تفويض قاضي التحقيق.
ومن أجل القيام بالمهام المنصوص عليها في هذه المادة، يمارس هؤلاء الأعوان اختصاصهم في جميع أنحاء الإقليم الوطني.
وهم مختصون بالبحث و التأكد مما يلي:
1 ) الجرائم المنصوص عليها في قانون الجمارك؛
2 ) الجرائم المتعلقة بالضرائب غير المباشرة، و الاحتيال على ضريبة القيمة المضافة و سرقة الممتلكات الثقافية؛
3 ) الجرائم المتعلقة بحماية المصالح المالية للاتحاد الأوروبي؛
4 ) الجرائم المنصوص عليها في المواد من L.2339-1 إلى L.2339-11 ، L.2344-7 ، و L.2353-13 من قانون الدفاع الفرنسي؛
5 ) الجرائم المنصوص عليها في المواد 324-1 إلى 324-9 من القانون الجنائي؛
5 مكرر) الجرائم المتعلقة بتجمع المجرمين المنصوص عليها في المادة 450-1 من القانون الجنائي، عندما يكون الهدف منها إعداد إحدى الجرائم المذكورة في الفقرات من 1 إلى 5 ومن6 إلى 8 من هذه الفقرة؛
6 ) الجرائم المنصوص عليها في قانون الملكية الفكرية؛
7 ) الجرائم المنصوص عليها في المادتين 56 و 57من القانون رقم 2010-476 المؤرخ في12 مايو 2010 بشأن الانفتاح على المنافسة و تنظيم قطاع المقامرة عبر الإنترنت؛
8 ) الجرائم المرتبطة بالجرائم المشار إليها أعلاه”.
ويمتد عمل الجمارك بمقتضى المواد السابقة المقررة في قانون الدفاع، كما ورد في النقطة 4 من الفصل 28 أعلاه،ليشمل التصدي لكل من يتعاطى بصفة غير قانونية صناعة الأسلحة أو المتاجرة فيها أو يتوسط في ذلك. كما أن المقصود بالجرائم الوارد ذكرها في فصول القانون الجنائي ضمن النقطة 5 من الفصل المذكور، تتعلق أساسا بجرائم تبييض الأموال و هي جرائم يختص بمحاربتها و التحقيق فيها أعوان الجمارك، بينما تمنح المادتين 56 و 57 المشار إليهما بالنقطة 7 أعلاه الحق لإدارة الجمارك في ملاحقة كل من عرض أو اقترح على الجمهور عرضا للرهان أو المقامرة عبر الإنترنت دون أن تكون له حصريا الصلاحية أو الحق في ذلك.
الصفة الضبطية للجمارك ببعض الدول العربية
في النموذج المصري، نجد أن المشرع قد نص صراحة على صفة الضبط القضائي لرجال الجمارك، بحيث أشارت المادة 4 من قانون الجمارك المصري رقم 207 لسنة 2020 على ما يلي : »لموظفي المصلحة الذين يصدر بتحديد وظائفهم قرار من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير، صفة الضبطية القضائية وذلك في حدود اختصاصاتهم، ولهم أن يستعينوا في سبيل أداء مهامهم بالسلطات المختصة.«
و تتيح هذه الاختصاصات لموظفي الجمارك في مصر، الحق في تفتيش الأماكن والأشخاص والبضائع ووسائل النقل داخل الدائرة الجمركية وفي الأماكن والمستودعات الخاضعة لإشراف الجمارك ـ وللجمارك أن تتخذ كافة التدابير التي تراها كفيلة بمنع التهريب داخل الدائرة الجمركية، إذ بموجب المادة 7 من قانون الجمارك المصري، فإن»لموظفي المصلحة ممن لهم صفة الضبطية القضائية حق تتبع البضائع المشتبه في تهريبها عند خروجها من الدائرة الجمركية أو نطاق الرقابة الجمركية. و لهم في جميع الأحوال، حق ضبط البضائع المهربة ووسائل النقل المستخدمة في التهريب و المتهمين بالتهريب واقتيادهم إلى أقرب نقطة أو دائرة جمركية. «
كما أن القضاء المصري قد أكد في العديد من الأحكام على صفة الضبط القضائية لموظفي الجمارك، من ذلك مثلا حكم النقض بجلسة 5/2/1973 س 24 ق 30 الذي جاء فيه: «البين من استقراء نصوص المواد من 26 إلى 30 من القانون رقم 66 لسنة 1963 بإصدار قانون الجمارك (القانون السابق) أن الشارع منح موظفي الجمارك الذين أسبغت عليهم القوانين صفة الضبط القضائي في أثناء قيامهم بتأدية وظائفهم حق تفتيش الأماكن والأشخاص والبضائع ووسائل النقل داخل الدائرة الجمركية أو في حدود نطاق الرقابة الجمركية إذا قامت لديهم دواعي الشك في البضائع والأمتعة ومظنة التهريب فيمن يوجدون بداخل تلك المناطق. وأن الشارع بالنظر إلى طبيعة التهريب الجمركي وصلته المباشرة بصالح الخزانة العامة ومواردها وبمدى الاحترام الواجب للقيود المنظمة للاستيراد والتصدير لم يتطلب بالنسبة للأشخاص توافر قيود القبض والتفتيش المنظمة بقانون الإجراءات الجنائية أو اشتراطه وجود المراد تفتيشه في إحدى الحالات المبررة له في نطاق الفهم القانوني للمبادئ المقررة في القانون المذكور، بل أنه يكفي أن يقوم لدى الموظف المنوط بالمراقبة والتفتيش في تلك المناطق حالة تنم عن شبهة في توافر التهريب الجمركي فيها ـ في الحدود المعرف بها في القانون ـ حتى يثبت له حق الكشف عنها، فإذا عثر أثناء التفتيش الذي يجريه على دليل يكشف عن جريمة غير جمركية يعاقب عليها في القانون العام فإنه يصح الاستدلال بهذا الدليل أمام المحاكم في تلك الجريمة، لأنه ظهر أثناء إجراء مشروع في ذاته ولم ترتكب في سبيل الحصول عليه أية مخالفة. وإذ نتج عن التفتيش الذي أجرى دليلاً يكشف عن جريمة جلب جوهر مخدر فإنه يصح الاستشهاد بهذا الدليل على تلك الجريمة على اعتبار أنه نتيجة إجراء مشروع قانوناً.»
وفي حكم آخر بموجب النقض بجلسة 16/11/1978 س29 ق161 قال بأن: «القضاء ببطلان تفتيش المتهم داخل الدائرة لجمركية لانتفاء ما يجيزه طبقاً لأحكام قانون الإجراءات الجنائية دون أن يعرض الحكم لحق مأموري الضبط القضائي من رجال الجمارك في التفتيش لقيام مظنة لتهريب، هو خطأ في تطبيق القانون.»
و هو نفس الاتجاه الذي ذهب إليه تشريع دول الخليج، حيث أكدت المادة 126 من قانون الجمارك الموحد لدول مجلس التعاون الخليجي على أنه: « يجوز إجراء التحري عن التهريب وحجز البضائع وتحقيق المخالفات الجمركية بشأن جميع البضائع على امتداد أراضي الدولة في الحالات التالية :
1 . في النطاقين الجمركيين البري والبحري،
2 . في الدوائر الجمركية وفي الموانئ والمطارات وفي جميع الأماكن الخاضعة للرقابة الجمركية،
3 . خارج النطاقين الجمركيين البري والبحري عند متابعة البضائع المهربة ومطاردتها مطاردة متواصلة من قبل المسؤولين عن ذلك، بعد أن شوهدت ضمن النطاق في وضع يستدل منه على قصد تهريبها.»
وتم تأكيد صفة الضبطية القضائية لموظفي الجمارك بدول الخليج، بالإضافة إلى هذه الإجراءات، من خلال المادة 122 من القانون الجمركي خاصة في النقطة “ج” بقولها: «يحق لموظفي الإدارة في حالة وجود دلائل كافية على وجود مواد مهربة، وبعد الحصول على إذن من الجهة المختصة، تفتيش أي بيت أو مخزن أو أي محل وفقاً للأنظمة أي القوانين النافذة.»
بينما أوضحت المادة 137 من القانون نفسه بأنه : «لا يجوز القبض إلا في الحالات التالية:
1 . جرائم التهريب المتلبس بها.
2 . مقاومة رجال الجمارك أو رجال الأمن التي تعوق ضبط المخالفات الجمركية أو جرائم التهريب أو تحقيقها أو ضبط المتهمين فيها.
ويصدر قرار القبض من موظفي الجمارك المخولين صفة مأموري الضبط القضائي أو من السلطات الأمنية. و يقدم المقبوض عليه إلى المحكمة المختصة خلال 24 ساعة من وقت القبض عليه.»
و ينص قانون الجمارك للمملكة الأردنية في القسم الثاني المتعلق بالحبس الاحتياطي من خلال الفصل 192 منه على ما يلي:
» أ– لا يجوز التوقيف الاحتياطي للأشخاص إلا في الحالات التالية:
1 -في حالات جرم التهريب المشهود؛
2 -عند القيام بأعمال الممانعة التي تعيق التحقيق في جريمة التهريب أو ما في حكمه؛
3 -عندما يخشى فرار الأشخاص أو تواريهم تخلصـا من العقوبات والجزاءات والتعويضات التي يمكن أن يحكم بها عليهم.
ب– يصدر قرار التوقيف عن المدير أو من يفوضه بذلك وتبلغ النيابة العامة المختصة ويقدم الموقوف إلى المحكمة الجمركية المختصة خلال24 ساعة ويجوز للمدير تمديدها مهلة مماثلة ولمرة واحدة بعد موافقة النيابة العامة إذا اقتضت ضـرورة التحقيق ذلك شريطة أن يحال الموقوف إلى المحكمة الجمركية حال انتهاء التحقيق».
و المحكمة الجمركية في الأردن تسمى محكمة بداية الجمارك، يوجد مقرها في عمان، و تختص بالنظر في قضايا التهريب الجمركي، و قضايا الضريبة العامة على المبيعات أي الضريبة على القيمة المضافة، إضافة إلى بعض الاختصاصات المحددة في المادة 222 من قانون الجمارك رقم 20 لسنة 1998.
و يمثل النيابة العامة الجمركية لديها مدعي عام جمركي، و تكون قراراتها قابلة للاستئناف أمام محكمة استئناف الجمارك المؤلفة من ثلاثة قضاة و التي يوجد مقرها أيضا في عمان.
الصفة الضبطية للجمارك المغربية
أشارت المادة 19 من قانون المسطرة الجنائية إلى أن الشرطة القضائية تضم كذلك الموظفين و الأعوان الذين ينيط بهم القانون بعض مهام الشرطة القضائية. و يدخل موظفو الجمارك ضمن هذه الفئة، حيث خول لهم القانون من خلال مدونة الجمارك القيام بنفس المهام المنصوص عليها في المادة 18 من قانون المسطرة الجنائية، و التي مفادها التثبت من وقوع الجرائم و جمع الأدلة عنها و البحث عن مرتكبيها.
و ذلك ما أكده الفصل 41 من المدونة الجمركية بقوله :
» 1 – عندما تٌظهر دلائل جدية ارتكاب غش، أمكن لأعوان الإدارة المؤهلين لتحرير المحاضر، بعد إذن من مدير الإدارة أو ممثله، القيام بتفتيش ومعاينة المساكن والمحلات المعدة للاستعمال المهني :
أ) للبحث بجميع أماكن التراب الجمركي عن البضائع الخاضعة لمقتضيات الفصل 181 من هذه المدونة.
ب) للبحث عن البضائع الخاضعة لأنظمة الدائرة في مجموع المنطقة البرية لدائرة الجمارك.
غير أن الإذن المذكور أعلاه، لا يعتبر مطلوبا في حالة المطاردة عن كثب.
2 ـ يخضع تفتيش و معاينة المساكن والمحلات المعدة للاستعمال المهني للقواعد العامة الآتية:
أ) تطلب موافقة الشخص الذي يشغل الأماكن قبل الشروع في أية عملية للتفتيش وتكون موافقته كتابة؛
ب) يجب على أعوان الإدارة، إذا لم يقبل بكيفية صريحة الشخص الذي يشغل الأماكن إجراء التفتيش، أن يطلبوا مساعدة ضابط للشرطة القضائية.
ولا تطلب مساعدة ضابط للشرطة القضائية إلا لضمان الحرية الفردية للسكان ولتأمين حرمة مسكنهم.
ت) في حالة رفض فتح الأبواب يجوز لأعوان الإدارة العمل على فتحها بحضور ضابط للشرطة القضائية ؛
ث) في جميع الحالات التي يطلب فيها حضور ضابط للشرطة القضائية طبقا لأحكام هذه المدونة يلزم هذا الموظف بأن يحضر إذا ما توصل بطلب مكتوب من طرف أعوان الإدارة دون تمييز في درجتهم أو استثناء لأيام العطل، وإذا ما رفض الموظف المطلوب تقديم مساعدته تجاوز الأعوان هذا الرفض ونص على الحادث في المحضر بعد إشعار وكيل الملك.
ج) لا يمكن بدء تفتيش ومعاينة المساكن والمحلات المعدة للاستعمال المهني قبل الساعة السادسة صباحا وبعد الساعة التاسعة ليلا.
3 ـ غير أنه فيما يخص البحث عن البضائع الخاضعة لأنظمة الدائرة يمكن لأعوان الإدارة في حالة المطاردة عن كثب أن يقوموا بأبحاثهم في المنازل ومرافقها والمحلات المعدة للاستعمال المهني التي تقع فيما وراء الحد الداخلي لمنطقة الدائرة البرية حيث شاهد الأعوان دخول هذه البضائع إلى المنازل والمرافق المذكورة.»
على أن الاستعانة بضابط للشرطة القضائية من خارج الجهاز الجمركي، لا يعني إزالة صفة الضبطية القضائية للجمارك، على اعتبار أن هذه العبارة قد تم استنساخها من الفصل 64 من قانون الجمارك الفرنسي الذي اعترف مع ذلك للجمارك الفرنسية بحق الضبط القضائي.
كما اعترف القضاء المغربي من جهته بالصفة الضبطية لرجال الجمارك في عدد من المواضع حيث قال بصددها المجلس الأعلى بالرباط في قراره رقم 638 بتاريخ 18/09/2013 بالملف الإداري عدد 1713-4-1-2003: «إن عمليات التفتيش و المعاينة و الحجز التي تمت مباشرتها من طرف أعوان الجمارك في إطار الصلاحيات المخولة لهم بموجب الفصول 41 و 234 و 235 من مدونة الجمارك، هي أعمال تندرج ضمن أعمال الضبط القضائي و التي تخضع لمراقبة و إشراف النيابة العامة. وبذلك فإن مراقبة سلامة هذه العمليات و الإجراءات تخرج من نطاق اختصاص القضاء الإداري.»
ولما كانت المحاضر الجمركية تحظى من جهتها بقوة ثبوتية مثلما اعترف بذلك القضاء في قرار للمجلس الأعلى صادر بتاريخ 6 فبراير 2000 الذي جاء فيه بأن: » محاضر الجمرك المحررة من طرف عونين للإدارة أو أكثر والمتعلقة بالإثباتات المادية لا يمكن الطعن فيها إلا بالتزوير»، فإن انعكاسات هذه القوة امتدت إلى حد تقاسم السلط مع النيابة العامة، بدليل ما نص عليه الفصل 257 من مدونة الجمارك الذي يقول: «خلافا لمقتضيات الفصول 253 و254 و255 أعلاه يمكن أن يستفيد الظنيين المعتقل بصفة احتياطية من سراح مؤقت دون تقديم وديعة أو كفالة إذا ما قبلت ذلك النيابة العامة والإدارة.»
كما نص الفصل 249 من مدونة الجمارك في النقطة (أ) على أنه: »في حالة ارتكاب جنحة من الجنح الجمركية المنصوص عليها والمحددة في الفصلين 279 المكرر مرتين و281 بعده، يتولى تحريك الدعوى العمومية، النيابة العامة أو الوزير المكلف بالمالية أو مدير الإدارة أو أحد ممثليه المؤهلين لذلك.»
بل إن الفقرة (ب) من ذات الفصل قد منعت النيابة العامة من تحريك الدعوى لتجعلها بيد الإدارة الجمركية حينما قالت: »لا يمكن في حالة ارتكاب المخالفات الجمركية المنصوص عليها والمحددة في الفصول 285 و294 و297 و299 بعده، تحريك الدعوى العمومية إلا بمبادرة من الوزير المكلف بالمالية أو مدير الإدارة أو أحد ممثليه المؤهلين لذلك.»
أما الفصل 258 فقد حتم على النيابة العامة إخطار الإدارة الجمركية بكل دعوى تدخل في صميم اختصاصاتها فقال في ذلك: » في حالة تحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة طبقا لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 249 أعلاه وجب إشعار إدارة الجمارك الضرائب غير المباشرة بذلك و استدعاؤها لجلسة الأحكام قصد إيداع طلباتها. على أنه يجوز لها بكيفية استثنائية في حالة ما إذا لم يسبق استدعاؤها بصفة قانونية استئناف الحكم الصادر فيما يخص عقوبتي الغرامة و المصادرة خلال العشرة أيام الموالية لتاريخ تبليغ الحكم.»
و بالتالي فقد اعترف المشرع بخصوصية المادة الجمركية تجلت بعضا من معالمه فيما أكدته وزارة العدل بالمنشور رقم 201 بتاريخ 3 نونبر 1964، الموجه إلى السيد وكيل الدولة العام لدى محكمة الاستئناف بالرباط و فاس و طنجة، يحثه على دعوة ممثلي النيابة العامة العاملين في دائرة نفوذه إلى استشارة إدارة الجمارك حول صلاحية إقامة دعوى عمومية في حالة ما إذا كان الأمر يتعلق بمخالفات جمركية محضة، فكان ذلك اعترافا جعل الإدارة الجمركية تنتصب في ترافعها جنبا إلى جنب مع ممثلي النيابة العامة.
من هنا تكون صفة الضبطية القضائية قائمة في حق موظفي الجمارك المعنيين بهذا الأمر وفق فصول مدونة الجمارك كالفصل 238 الذي يقول: “مأمورو الإدارة المرتبون على الأقل في درجة مماثلة لسلم الأجور رقم 11 والآمرون بالصرف يمكنهم وحدهم لحاجات البحث التمهيدي أن يحتفظوا رهن إشارتهم، طبق شروط قانون المسطرة الجنائية بشخص أو بعدة أشخاص يرتابون في ارتكاب جنحة جمركية أو مشاركتهم فيها.”
هذا و تماشيا مع ما تقوم به الإدارة الجمركية من متابعات في إطار محاربة جرائم التهريب و جرائم البضائع المقلدة التي تستهدف الصحة العامة و أمن المملكة، فإن الواجب أن يتم تكريس هذا الدور بشكل جلي من خلال الترسانة القانونية للمملكة، و من ذلك ما يتعلق بصفة الضبط القضائي لأعوان الجمارك إن على المستوى النظري، أو على مستوى التطبيق مثل تفعيل الحراسة النظرية التي أهملتها الإدارة بحكم ضعف التكوين الذي يعكس بدوره ضعف مديرية الموارد البشرية و البرمجة التي اكتفت ببرمجة تنقيل الموظفين من غير طائل بدل تنويرهم بحقوقهم وواجباتهم المهنية وفق ما تقدم، مصداقا لقوله تعالى: “لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس”. صدق الله العظيم