سليمة فراجي: أخطار الفيضانات بين القوة القاهرة، وخرق القانون، والتقصير في الحماية والوقاية
سليمة فراجي محامية وبرلمانية سابقة
بتاريخ 23 دجنبر 2015 ، خلال الولاية البرلمانية السابقة ،قدمت الوزيرة السابقة السيدة شرفات افيلال مشروع القانون 15-36 المتعلق بالماء داخل لجنة البنيات الاساسية والطاقة والمعادن والبيئة ، بمجلس النواب ، موضحة ان القانون يعد بمثابة مراجعة شاملة وعميقة للقانون الذي كان ساريا انذاك ، بسبب المتغيرات القانونية والمؤسساتية ، ومواكبة التوجهات الاستراتيجية الوطنية للماء.
ومما يثير الانتباه انه اثناء تقديم المشروع تم التركيز على الوقاية من الفيضانات وتعزيز آليات مواجهة الظواهر القصوى ،وتدبير الاخطار المتصلة بالماء ، وجاء الفصل 117 من القانون المذكور ليمنع إقامة البنايات او التجهيزات او الحواجز في الاراضي التي يمكن ان تغمرها المياه الا بشروط حددها النص ، كما ينص الفصل 118 على التزام وكالة الحوض المائي بوضع ” اطلس المناطق المعرضة للفيضانات “ ، ومخططات للوقاية من اخطار الفيضانات للمناطق المهددة بخطر متوسط او مرتفع للفيضان لمدة عشرين سنة ، بتنسيق مع الادارة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية ولجان العمالات والأقاليم للماء المعنية التي تسهر على تنفيذها كل فيما يخصها.
الشيء الذي يطرح للنقاش مدى مسؤولية المرافق العامة المختصة من دولة وجماعات ترابية ومؤسسات عامة في تفادي أضرار التقصير في الحماية ، وعدم التقيد بمقتضيات قانون صدر في اطار مقتضيات الفصلين 42و50 من دستور 2011 هذا القانون الذي حدد قواعد الوقاية من المخاطر المرتبطة بالماء بما يضمن حماية وسلامة الاشخاص والممتلكات والبيئة ، علما ان بناء ملعب لكرة القدم في مجرى الوادي الذي يظل وفيا لذاكرته ومنبعه و مجراه ، والذي يعتبر خطر الفيضان بالنسبة له مرتفعا بمفهوم الفصل 118 من القانون 15-36 يعتبر في منتهى اللامبالاة بنصوص قانونية وتقصيرا في الحماية ادى الى ازهاق ارواح مواطنين بسبب التقصير في الحماية وعدم وضع مكان الكارثة في اطلس المناطق المعرضة لخطر مرتفع للفيضان.
وبالتالي عدم الترخيص بإقامة بناء او تجهيزات وفي حالة عدم وجود الترخيص عدم السماح بالبناء او هدم ما تم إقامته من طرف السلطات المختصة لتعارضه مع مقتضيات الفصل 117من القانون المشار اليه أعلاه مهما كانت الجهة المشرفة على انجازه طالما لم يتم احترام المقتضيات القانونية بشأنه.
ناهيك عن عدم التدخل في الوقت المناسب وعدم الاكتراث بإنذارات الأرصاد الجوية في مناطق ذات الخطر المرتفع او المتوسط ، واذا كانت مسألة القوة القاهرة قد طرحت للنقاش من طرف بعض الباحثين على اعتبار ان الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود عرفها بانها كل امر لا يستطيع الانسان ان يتوقعه كالظواهر الطبيعية من فيضانات وجفاف وعواصف وحرائق وجراد وغارات العدو وفعل السلطة ويكون من شأنه ان يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا ، فانه لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الامر الذي كان من الممكن دفعه ما لم تقم ادلة على بذل كل العناية لدرئه ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق.
نستنتج من ذلك ان فيضان اكادير بعودة الوادي الى مجراه الطبيعي كان من الممكن توقعه ودفع الخطر لكون الالتزام لا يتسم بالاستحالة وذلك بعدم إقامة بنايات ومنجزات لا يسمح بإقامتها القانون المشار اليه أعلاه.
الشيء الذي يجعل الفيضانات التي شهدتها مدينة تارودانت غير ذات صلة بالقوة القاهرة سواء تعلق الامر باهمال صارخ للقانون الذي اسال الكثير من الحبر وتمت المصادقة عليه خلال الولاية البرلمانية السابقة ، او توقع هطول الأمطار القوية وعدم غلق الطرقات وإخلاء الساكنة من مجاري وأماكن الوديان واتخاذ الحيطة والحذر في اماكن الخطر المرتفع ، وعدم تصنيف مكان الوادي اين تم إنجاز ملعب للقرب في اطلس المناطق المعرضة للفيضانات واتخاذ المتعين بعدم إقامة المبنى او هدم ما تم انجازه ضدا على الضوابط والقوانين.
وبالتالي تتحمل الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العامة والمراكز الفلاحية المكلفة بتدبير السدود كل حسب اختصاصه مسؤولية الأضرار اللاحقة بالمتضررين.
وفي الختام ما فائدة الصياغة والغليان التشريعي وعرض الحكومة لمشاريع قوانين تمر عبر قنوات عديدة وتكلف نفقات باهظة تتم المصادقة عليها بعد استنفاذها مختلف المساطر ولا تفعل على ارض الواقع ؟