مجلة مغرب القانونالقانون الخاصدور الاجتهاد القضائي في تكريس الحقوق والحريات والدستورية

دور الاجتهاد القضائي في تكريس الحقوق والحريات والدستورية

  • الدكتور حســن فتــوخ : مستشار  بمحكمة النقض و أستاذ بالمعهد العالي للقضاء.

في إطار النهج الملكي الرشيد لصاحب الجلالة الملك محمد السادس دام له النصر والتأييد، وبمناسبة الذكرى الثالثة على الدستور المغربي الجديد الذي يشكل بحق ميثاقا للحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، ارتأينا أن نقف وقفة تأمل بشأن آثارها من حيث التطبيق والممارسة العملية، لا سيما وأن كونية هذه الحقوق توحي بأنها كل غير قابل للتجزئة، مما يفترض لزوما عدم التمييز داخل منظومة حقوق الإنسان، إذ ينبغي حماية كافة الحقوق والحريات مجتمعة بالنظر لأهميتها في تحقيق الكرامة البشرية، وبعدم إمكانية تفضيل حق على آخر، أو العمل على تحقيق وضمان بعض الحقوق دون حقوق أخرى. فحقوق الإنسان بكل أجيالها وأنواعها وتجلياتها وصلت الآن إلى أكثر من 150 حقا هي حقوق غير قابلة للتجزئة، حيث يكمل بعضها البعض، وإذا مس حق معين فلا شك أنه سيؤثر سلبا على ممارسة العديد من الحقوق الأخرى.
واعتبارا من كون السلطة القضائية هي الوجه الآخر لحقوق الإنسان المثبتة في المواثيق الدولية وفي التشريعات الوطنية، فإن القرارات والأحكام الصادرة عنها هي التي تبت الحركة في النصوص القانونية الجامدة، وتجسد الحماية القضائية في الواقع على أساس أنها عنوانا للحقيقة، لأنها تدعم حقوق وحريات المواطنين المكفولة دستويا، وتعتمد على تفسير النصوص بما يحقق العدل والإنصاف والاستقرار داخل المجتمع.
وإذا كانت رسالة محكمة النقض تتمثل في إرساء النص القانوني وسلامة تطبيقه تكفي وحدها لتعظيم دورها وإجلال قدرها، فإن دورها يزداد علوا عندما لم تكتف بتطبيق النصوص القانونية، وإنما تعمد إلى تطويع تلك النصوص بالتأويل أو التفسير أو القياس لزيادة الحماية المقررة لحقوق الإنسان وتجسيد الضمانات التي تكفل صون أو صيانة حريته وماله، وهو ما يتجلى بشكل ملموس من خلال العديد من اجتهاداتها القضائية التي نعرض لبعضها على سبيل المثال لا الحصر كما يلي:

أولا: حقوق الانسان المضمنة في الاتفاقيات الدولية

لقد تم التنصيص في الفقرة ما قبل الأخيرة من ديباجة دستور 2011 على:

” جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة “.

ولعل التطبيق العملي لهذا المقتضى الدستوري من طرف محكمة النقض يظهر بجلاء في أحد قراراتها التي اعتبرت من خلاله بأن ” اعتداء المدرس على تلميذه بالضرب يشكل خطأ جسيما وخرقا لاتفاقية حقوق الطفل المؤرخة في 1989.11.20 والمصادق عليها من طرف المملكة المغربية بمقتضى الظهير الشريف بتاريخ 1996.11.21 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4440 وتاريخ 1996.12.19، وأن المشغل إن كان ملزما بسلوك مسطرة الفصل المنصوص عليها بالمادة 62 وما يليها من مدونة الشغل فإن ذلك رهين بتمسك الأجير بوجوب تطبيقها وبإصدار المشغل مقررا بالفصل وهو ما لم يتم في النازلة لثبوت مغادرة الأجير عمله تلقائيا إثر ارتكابه الخطأ المذكور.
كما أن مسؤولية الدولة عن الإخلال بحق المواطن في الصحة كما هو منصوص عليه في الاتفاقيات الدولية سبق أن أكدت بشأنه محكمة النقض على ضرورة أن تكون الاتفاقيات المحتج بها نافذة فوق التراب المغرب تبعا للحيثيات التالية:
” إن محكمة الموضوع بما قضت به في الدعوى المرفوعة في مواجهة الدولة الرامية إلى تحميلها مسؤولية عدم تقديم العلاج المناسب للمريض وإلزامها بذلك على نفقتها، لم تبن قرارها على أساس، لأنها من جهة لم تقم بالتثبت من كون الاتفاقيات الدولية المستند إليها في تقرير مسؤولية الدولة بهذا الشأن نافذة فوق التراب الوطني بمصادقة المغرب عليها، ومن جهة ثانية أقرت مسؤولية الدولة بهذا الخصوص دون تقديرها لجسامة الواجبات الملقاة على عاتقها، وما تتوفر عليه من وسائل وإمكانات فعلية، إذ من المعلوم أن الدولة لا تكون مسؤولة عن خطأ إذا كان لا يمكن لها تفاديه، إلا باتخاذها إجراءات استثنائية تتجاوز قدرتها الفعلية “.

ثانيا : الحدود الفاصلة بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية 
كرس الدستور المغربي الجديد صراحة مبدأ الفصل بين السلط من خلال الفصل 107 الذي يجري سياقه على ما يلي:

” السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية. الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية.

كما أضاف الفصل 113 من نفس الدستور على أن ” المجلس الأعلى للسلطة القضائية يسهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، ولاسيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم “.
إن الوظيفة الإيجابية لمحكمة النقض جديرة بالاعتبار بالنسبة لتقويم اختلالات الإدارة والارتقاء بثقافة الديمقراطية وتحسين علاقة الإدارة بموظفيها وحماية الموظف والقاضي من الشطط وخلق جو ملائم لاستقراره يدفعه لخدمة الشأن العام دون خوف من الانتقال، من خلال اشتراط عدم التعسف وعدم الانحراف في استعمال السلطة والمساس بمبدأ المشروعية أثناء ممارسة الإدارة لسلطتها التقديرية.
وفي هذا الصدد اعتبرت محكمة النقض أن ” سلطة الانتداب المخولة لوزير العدل هي استثناء من القاعدة التي تقضي بأن القضاة لا ينقلون ولا يعزلون إلا بظهير وهذا الاستثناء مقرون بشرط الحاجة وملئ الفراغ وعلى الإدارة أن تثبت قيام الشرطين والا اعتبر تصرفها تجاوزا للسلطة يستلزم الحكم بإلغاء القرار لعدم مشروعيته “.
وفي إطار مراقبة سلطات وزير العدل في علاقته بالنيابة العامة اعتبرت محكمة النقض في أحد قراراتها ما يلي:
” السلطة الرئاسية المخولة لوزير العدل تقتصر صلاحيتها على إعطاء التعليمات، ولا تتجاوز ذلك إلى إبطال ما قد يقوم به رئيس النيابة العامة من الإجراءات المخالفة لتعليمات وزير العدل، كما أن قرارات الحفظ المتخذة من طرف النيابة العامة ليست بقرارات قضائية ونهائية بل هي إدارية. يحق التراجع عنها كلما ظهر دليل جديد أو حتى بدون ظهور عنصر جديد.”
وفي إطار العلاقة بين الاختصاصات الممنوحة للجهات الإدارية ونطاق صلاحيات القضاء الإداري في مراقبة قرارات هذه الأخيرة من خلال الطعن فيها بسبب الشطط في استعمال السلطة، نشير إلى أن المشرع خول للإدارة حق حماية المزروعات من الفطريات الفتاكة، وذلك بممارسة سلطات الضبط الإداري المتجلية في إجراءات التفتيش الصحي ومراقبة الأغراس والنباتات عند دخولها للتراب الوطني أو خلال عبورها منه.
لذلك فقد اعتبرت محكمة النقض بأن عيب التجاوز في السلطة يتحقق كلما خرج القاضي الإداري عن حدود اختصاصه وتطاول على اختصاصات السلطة التشريعية أو التنفيذية ولو عرضا.
وأضافت نفس المحكمة بأنه إذا كان من اختصاص القضاء الإداري البت في طلب إلغاء قرارات السلطة الإدارية بسبب تجاوز السلطة، وكذا فحص شرعية القرارات الإدارية فإنه ليس من صلاحياته منح ترخيص لإخراج القمح المحجوز بمطامير ميناء الدار البيضاء والإذن بطحنها قبل أن يستصدر في هذا الشأن قرار من الجهة الإدارية المختصة.

ثالثا: حقوق المواطنين تجاه الإدارة وتكريس مبدأ المساواة بين الجنسين

تنص ديباجة الدستور الجديد على ” أن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة “.
كما أضاف الفصل السادس من نفس الدستور التنصيص على أن ” القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين واعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له.
تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية… “.
وفي إطار مراقبة القضاء لعلاقة الإدارة بالمواطنين ومدى تقيدها بمبدأ المساواة اعتبرت محكمة النقض ما يلي:

1- إن صفة المنفعة العامة لنزع الملكية والاحتلال المؤقت تتعارض وعنصر المضاربة عندما تلجأ الإدارة إلى نزع الملكية من أجل تجزئة الأراضي وبيعها بمبالغ لا تتناسب مع تلك الفترة المقترحة على المالكين.
2- أموال الإدارة المخصصة لتعويض الأملاك المنزوعة ملكيتها والتي توجد في حوزة الإدارة أموالا ذات صفة خصوصية يمكن حجزها ولا يجوز معارضة ذلك بعدم قابليتها للحجز باعتبارها أموالا عمومية مرصودة لأمور تهم سير المرفق العام.
3- الإدارة ملزمة بالتقيد بمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، وأن قيام الإدارة بمنح رخص البناء لبعض المالكين على الشياع، ورفض منح نفس الرخص للبعض الآخر من المالكين على الشياع، يشكل خرقا لمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون المنصوص عليه دستوريا.
4- تعلل الإدارة بكون قرارها بعدم أحقية المستفيد من الأقدمية لعلمه اليقيني بها قد تحصن بمرور الوقت لعدم مطالبته بها منذ سنتين، يشكل إخلالا بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين الموظفين الذين هم في نفس وضعيته.”

مقال قد يهمك :   دور المطالبة بتحقيق الدين في استمرار الحجز التحفظي على العقار

رابعا: إجبار الإدارة على تنفيذ الأحكام القضائية

ينص الفصل 126 من الدستور الجديد على ما يلي:
” يجب على الجميع احترام الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء.
يجب على السلطات العمومية تقديم المساعدة اللازمة أثناء المحاكمة، إذا صدر الأمر إليها بذلك، ويجب عليها المساعدة على تنفيذ الأحكام “.
إذا كان القضاء هو ملاد الناس في تأمين حقوقهم، وملاد المظلومين في رفع الظلم عنهم، فإن هذه الصلة المتصلة بين المواطنين والسلطة القضائية، وهذا الأمل في الحصول على الحق، من شأنه توطيد الثقة التامة في توزيع العدل بين الناس، ووضع السلطة القضائية موضوع المهابة والقدسية والجلال، وجعل بابه مفتوحا للجميع يلجه كل راغب في التماس العدل مهما كان مركزه أو موقعه.
غير أن ما يتوخاه المتقاضي من دعواه، ليس فقط صدور حكم لمصلحته، وإنما ترجمة منطوقه على أرض الواقع، أي عن طريق تنفيذه دون أدنى نكول من جانب الإدارة، سواء كان المحكوم عليه شخص من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص. وفي هذا الصدد قررت محكمة النقض ما يلي:

  • 1- يمكن الحكم بغرامة تهديدية في مواجهة الإدارة الممتنعة عن تنفيذ حكم قضى عليها بالقيام بعمل أو بالامتناع عن القيام بعمل استنادا إلى الفصل 448 من قانون المسطرة المدنية والمادة السابعة من القانون رقم 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية التي تنص صراحة على تطبيق المحاكم الإدارية للقواعد المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية.
  • 2- تماطل الإدارة في تنفيذ حكم يقضي بتسوية وضعية إدارية ومالية ورفضها يعتبر خطأ مرفقيا يرتب مسؤوليتها ويعطي المعني بالأمر حق المطالبة بالتعويض عن حرمانه من الاستفادة من الترقية المحكوم له بها.

خامسا : حرية الصحافة والحق في التعبير

ينص الفصل 28 من الدستور الجديد على ما يلي:
” حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية.
للجميع الحق في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء، بكل حرية، ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة.
تشجع السلطات العمومية على تنظيم قطاع الصحافة، بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية، وعلى وضع القواعد القانونية والأخلاقية المتعلقة به.
يحدد القانون قواعد تنظيم وسائل الإعلام العمومية ومراقبتها. ويضمن الاستفادة من هذه الوسائل، مع احترام التعددية اللغوية والثقافية والسياسية للمجتمع المغربي.
وتسهر الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري على احترام هذه التعددية، وفق أحكام الفصل165 من هذا الدستور “.
ولعل محكمة النقض في تطبيقها للقوانين الموضوعية ذات الصلة بحرية التعبير تعمد إلى تفسيرها بما يدعم الحريات ويساهم في تعزيز مناخ الأمن والثقة والانفتاح كما يظهر بعض قراراتها كالتالي:

1- إن الأصل هو حرية طبع ونشر الكتب والجرائد والنشرات بعد القيام بالإجراءات القانونية، وأن المنع هو الاستثناء، وكل استثناء على الأصل يجب أن يكون مدعما بما يبرره. وإذا كانت الإدارة غير ملزمة بتعليل قرارتها عند صدورها، فإنها تكون بالمقابل ملزمة بعد الطعن فيها أمام القضاء ببيان الأسباب والدواعي التي حدت بها إلى اتخاذ قرار إيقاف صحيفة أو حجزها أو منعها من الصدور لتمكين القضاء من بسط رقابته.

2- القذف لا يتحقق إلا بنسبة أمر واقعة معينة إلى الشخص المقذوف على سبيل التأكيد، أما مجرد انتقاد شخص دون توجيه اتهام له بما يشينه فلا يعتبر قذفا، إذ هو مجرد ممارسة لحرية التعبير.

3- إن المحكمة المصدرة للقرار المطعون فيه ولما أعادت التكييف وخلصت إلى أن وقائع القضية تنطبق عليها العناصر التكوينية لجنحة نشر وإذاعة بواسطة الخطب في أماكن عمومية تخـل بالنظام العام وتثير الفـزع بين الناس طبقا للفصلين 38 و 42 من قانون الصحافـة والنشر الصادر بتنفيذه ظهير 15/11/1958 وقضت بمؤاخذة الظنين من أجل ذلك، لم تبرز معه العناصر الواقعية والقانونية للجنحة التي أدانت بها العارض وفق ما يقتضيه الفصلان 38 و42 من قانون الصحافة بما في ذلك بيان الادعاءات التي نسبت إلى الظنين نشرها وسوء نيته في القيام بهذا الفعل وما نتج عنه من إخلال بالنظام العام وما أثاره من فزع بين الناس، الأمر الذي جاء معه قرارها قاصر التعليل المنزل منزلة انعدامه ومعرضا للنقض والإبطال .

4- إن المسؤولية الجنائية عن القذف تتحقق حتى وإن كان القذف والسب قد نقل عن جريدة أخرى حسب التعليل التالي: ” المحكمة لما قضت على الجريدة بأدائها تعويضا مدنيا لفائدة المطلوبة من جراء ما لحقها من ضرر، تكون قد اعتبرت الضرر لحق بها من جراء ما تضمنته الجريدة من سب وقذف وجه صراحة وعلنا للمطلوبة وتناولت تحقيرا جليا وإنقاصا من كرامتها ومكانتها كمؤسسة سياحية وأساءت إلى سمعتها وكرامتها دون الإدلاء بأي وسيلة إثبات في الموضوع، مما يجعل مسؤولية الجريدة قائمة حتى وإن كان القذف والسب المذكور قد نقل عن جريدة ما فإن ذلك لا يمنع من قيام المسؤولية في ذلك النقل “.

5- متابعة المشارك في جرائم الصحافة أو إدانته غير مشروطة بمتابعة الفاعل الأصلي
من بين أهم الخصوصيات المشاركة في جرائم الصحافة لا تخضع للمقتضيات العامة المنظمة لصور المشاركة المنصوص عليها في الفصل 129 من القانون الجنائي، وإنما تطبق عليها المادة 68 من قانون الصحافة التي لا تشترط متابعة الفاعل حتى يتسنى معاقبة المشارك.

وقد كرست محكمة النقض هذا المقتضى في أحد قرارتها لما اعتبرت: ” أن متابعة المشارك في الفعل الجرمي أو إدانته غير مشروطة بمتابعة الفاعل الأصلي، والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما قضت بإدانة الطاعن من أجل جنحة المشاركة في القذف ونشر خبر زائف إنما طبقت مقتضيات المادة 68 من قانون الصحافة التي تعتبر كاتب المقال مشاركا وليس فاعلا أصليا، وأن هذه المادة لا تشترط متابعة الفاعل الأصلي لمتابعة المشارك “.

سادسا :الحقــوق السياسيــة

وفي هذا السياق وعلى سبيل المثال لا الحصر أشير إلى أن محكمة النقض ومساهمة منها في تخليق الحياة السياسية ولسد الباب أمام مجموعة من الممارسات التي تمس مصداقية الانتخابات وبالثقة في العمل المؤسساتي والسياسي، استقر عملها واجتهادها على أن ” التنازل عن الطعن في صحة نتائج العملية الانتخابية يبقى غير مقبول لتعلقه بحق عام وليس بحق شخصي يملك الطاعن التنازل عنه. ”

كما أن محكمة النقض ومساهمة منها في تخليق الحياة السياسية اعتبرت أنه :
” لا يجوز لشخص منتخب باسم حزب معين في إحدى غرفتي البرلمان أن يترشح باسم حزب آخر غير الحزب الأول الذي زكاه – للانتخابات الجماعية، ما لم يتم انسحابه من حزبه الأول كما تقضي بذلك المادة 26 من قانون الأحزاب السياسية، وفي ذلك مسايرة للمادة الخامسة منه التي تمنع الترحال الحزبي، ولديباجته التي جعلته وسيلة لإضفاء الشفافية على تشكيل الأحزاب السياسية وتسييرها والارتقاء بها وتأهيلها للتداول على تدبير الشأن العام، على اعتبار أن القانون المذكور يندرج ضمن القوانين الانتخابية. ”

كما أن نفس المحكمة فسرت العلاقة القائمة بين المادة 26 من مدونة الانتخابات والفصل 5 من قانون الأحزاب السياسية من خلال احد قراراتها كما يلي:
” إن مدونة الانتخابات ليست هي الإطار القانوني الوحيد المنظم لشروط قبول الترشيحات وموانعه، فقانون الأحزاب السياسية وخاصة مادته 5 الواردة ضمن الأحكام العامة يندرج هو كذلك ضمن القوانين الانتخابية، بدليل أن التصريحات الفردية بالترشيح أو لوائح المرشحين بالنسبة لذوي الانتماء السياسي تتضمن وجوبا بيان الانتماء السياسي وترفق بالتزكية المسلمة من الهيئة السياسية التي يتقدمون باسمها، وأن تلك الترشيحات ترفض عند مخالفاتها للقانون ومن مقتضياته الإدلاء بتزكية مخالفة لأحكام المادة 26 من قانون الأحزاب السياسية التي تمنع من الانخراط في أكثر من حزب سياسي واحد، ما لم يتم الانسحاب منه طبقا لنظامه الأساسي تحت طائلة العقوبة الجنائية، وأنه لا يمكن لترشيح ينطوي على خرق للإجراءات المقررة أن يعتبر مطابقا للقانون طبقا للمادة 74 من الانتخابات، إذ مؤدى ذلك انتخاب مرشحين تختلف انتماءاتهم بين عضويتهم في البرلمان وعضويتهم بالجماعات المحلية، مما يعتبر خرقا للقانون، والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما اعتبرت أن مقتضيات المادة 5 من قانون الأحزاب السياسية غير قابلة للتطبيق في نازلة الحال التي تتعلق بطعن الحزب الذي ينتمي إليه البرلماني في ترشيحه للانتخابات الجماعية باسم حزب آخر، لم تجعل لما قضت به أساسا من القانون وعرضت قرارها للنقض “.

مقال قد يهمك :   رضا بلحسين : آثار التحفيظ في القانون العقاري المغربي

سابعا: الحقــوق الاجتماعيــة

نشير إلى أنه في مجال الحقوق الاجتماعية والاقتصادية ساوى قضاء محكمة النقض بين الرجل والمرأة معتبرة في أحد قرارتها أن ” الدستور لا يميز الرجل والمرأة في تولي منصب القضاء وكذا الظهير الشريف المكون للنظام الأساسي لرجال القضاء لا تميز مقتضياته بين الجنسين للانخراط في سلك القضاء. وبمقتضى الفصل 6 من الظهير المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة يمكن لكل غرفة من غرف محاكم الاستئناف وهي مكونة من قاضيات أن تحكم في كل القضايا المعروضة عليها أيا كان نوعها وإن تعلق الأمر بقضايا الأحوال الشخصية “.
كما أن محكمة النقض وفي إطار مراقبتها لشروط العقد المخالفة للنظام العام المغربي أكدت أن ” التزام المضيفات في النقل الجوي ببقائهن في حالة عزوبة بناء على عقد العمل يؤدي إلى التمييز بين المرأة والرجل وإلى المساس بالحقوق الثابتة للإنسان، ورتبت على ذلك بطلان الشرط وأبقت على الالتزامات الأخرى في العقد صحيحة “.
واحتراما لحرية الأجيرة في ارتدائها للحجاب داخل مقر العمل اعتبرت محكمة النقض بأن مطالبة الأجير لها بإزالته يعد مساسا بحريتها الشخصية حسب الحيثيات التالية:
” لئن كان نظام العمل داخل المقاولة يفرض على العاملين وضع قبعة واقية على الرأس، فإن تقيد الأجيرة بما فرض عليها، مع ارتدائها أيضا سترة للرأس التزمت بها كطريقة خاصة في لباسها، لا يشكل إخلالا بذلك النظام ، ومن تم فإن مطالبتها من طرف المشغل بإزالة الحجاب الموضوع على رأسها يعد مساسا بحريتها الشخصية ، مادام لم يثبت أن لباسها على النحو المذكور يحول دون قيامها بعملها على الوجه المطلوب، أو أنه يعرقله بأي شكل من الأشكال. وأنه أمام تمسك الأجيرة بممارسة حريتها في لباسها فإن مغادرتها لعملها، إن تمت من قبلها ، أمام إصرار المشغل على موقفه تعتبر طردا مقنعا من عملها تستحق معه التعويضات التي يخولها قانون الشغل عن الفسخ التعسفي لعقد الشغل “.
أما بالنسبة للحق في الإضراب فقد ميزت محكمة النقض بين الإضراب المشروع والإضراب غير المشروع كالتالي:

1- الإضراب التضامني:

هو ذلك الاضراب الذي يهدف إلى الدفاع عن حقوق غير مشروعة للعمال. وقد جاء في أحد قرارات محكمة النقض ما يلي:
” لكن حيث إن القرار اعتمد في تعليله على أن الطاعن قد قام بإضراب تضامني مع عامل تم توقيفه عن العمل من طرف مشغلته هو ما ثبت للمحكمة من شهادة الشهود المستمع إليهم في المرحلة الابتدائية والإضراب وإن كان حقا مشروعا فإن الغاية منه الدفاع عن حقوق مكتسبة ومشروعة للعمال وأن الإضراب التضامني لا يهدف إلى مصلحة عامة للمضربين ويشكل بالتالي عملا غير مشروع وهو ما انتهى إليه القرار الذي رد دفوع الطاعن في هذا الصدد وأنه لا يوجد أي تناقض في تعليل القرار الذي اعتمد وعن صواب مقتضيات الفصل السادس من قرار 23/10/1948 حين اعتبر أن الإضراب التضامني يشكل خطئا جسيما يستوجب الطرد من العمل مما كان معه معللا ومطابقا للقانون والوسائل جميعها على غير أساس “.

2- الإضراب المؤدي إلى عرقلة حرية العمل وإحداث شلل بنشاط المشغل:
تواتر عمل محكمة النقض على اعتبار الإضراب حق يمارسه الأجراء في مواجهة المشغل لتحقيق بعض المطالب كما يضمنه الدستور، ويجب أن لا يتجاوز حدود المشروعية ولا يؤدي إلى عرقلة حرية العمل وإحداث شلل بنشاط المشغل، أو إلحاق ضرر بليغ به يكتسى صبغة الأخطاء الجسيمة المبررة لفصل الأجير ومن معه من عمله “.
وقد جاء في حيثيات هذا القرار ما يلي:
” لكن من جهة أولى، لئن كان الإضراب يعتبر حقا يمارسه الأجراء في مواجهة المشغل لتحقيق بعض المطالب كما يضمنه الدستور، إلا أنه يجب أن لا يتجاوز حدود المشروعية حينما يؤدي إلى عرقلة حرية العمل وإحداث شلل بنشاط المشغل، أو إلحاق ضرر به ، ذلك أنه من الثابت من وثائق الملف أن الطالب ومن معه من العمال قاموا بنصب خيمة داخل مقر الفندق المطلوب ودخلوا في اعتصام وتوقف عن العمل، وقد استصدر المطلوب في مواجهتهم حكمين استعجاليين بإفراغهم مقر الفندق، كما أنهم قاموا بمنع عمال الرصاصة من القيام بالإصلاحات الضرورية بالفندق بتاريخ 7-3-2003 لافتقاره للماء، الأمر الذي أدى ببعض زبناء الفندق إلى مغادرته، وفضلا عن ذلك فإنهم منعوا تزويد الفندق بالماء بعدما أحضرت إدارة الفندق جرارا يجر صهريجا من الماء، وهذه الأفعال كلها استخلصت المحكمة المطعون في قرارها وفي إطار سلطتها التقديرية والتي لا رقابة عليها من قبل محكمة النقض إلا من حيث التعليل منها أنها تشكل عرقلة لحرية العمل، وأفعالا خطيرة أثرت على السير العادي لمؤسسة الفندق (المطلوب) وألحقت ضررا بليغا اكتسى صبغة الأخطاء الجسيمة المبررة لفصل الطالب ومن معه من عمله “.

ثامنا: الحقوق الاقتصادية.

1- مسؤولية الدولة عن القوة القاهرة أو الظروف الطارئة التي تخل بالتوازن الاقتصادي
أكدت محكمة النقض بأن ” وجود حوادث او ظروف طبيعية او اقتصادية او من عمل جهة أخرى غير الجهة الإدارية المتعاقد معها لم تكن في حساب المتعاقد عند ابرام العقد ولا يملك لها دفعا من شأنها أن تنزل به خسائر فادحة تختل معها اقتصاديات العقد اختلالا جسيما، من شانه ان يلزم الجهة الادارية المتعاقدة بان تشارك المتعاقدة معها في تحمل نصيب من الخسارة التي لحقت به طوال فترة قيام الظرف الطارئ … ثبوت ذلك يجعل من حق المتعاقد المتضرر المطالبة من الادارة ان تشاركه في هذه الخسارة بتعويضه عنها تعويضا جزئيا “.

2- اختيار الدولة لأسلوب القانون الخاص لتحقيق أهدافها الاقتصادية
جاء في قرار لمحكمة النقض أن ” مؤسسات العمران ورغم أنها انبثقت عن المؤسسات الجهوية للتجهيز والبناء، و أن الدولة اكتتبت بكامل رأسمالها، فإنها مع ذلك لا تعتبر مؤسسات عمومية بل هي أشخاص معنوية خاصة، بعد أن أخذت بمقتضى القانون رقم 03/27 شكل شركات مساهمة جهوية، وبالتالي فإن العقود التي تبرمها مع الخواص، ولو أتت في سياق تنفيذ برامج عمومية كالسكن الاجتماعي ومشاريع القضاء على مدن الصفيح، لا تعد عقودا إدارية بل هي عقود تندرج في إطار نشاطها العادي كشركة، وتكون خاضعة لقواعد القانون الخاص، علما أنه من المبادئ العامة أن للدولة اختيار أسلوب القانون الخاص لتحقيق أهدافها سواء بصفة مباشرة أو بواسطة الأشخاص المعنوية الخاصة تحت إشرافها.
3- الأمن الغذائي
في إطار تحقيق الأمن الغذائي أكدت محكمة النقض بغرفتين مجتمعتين ” أحقية السلطة الإدارية المختصة في إصدار قرار إداري يلزم المستورد بإرجاع شحنة القمح الطري المصاب بفطريات خطيرة ومحظورة ومنع دخولها إلى المغرب ، وخولت لها الصفة في تقديم الطلب المستعجل، إذا كانت تقتضيه المصلحة العامة بهدف صيانة المنتوج الفلاحي للمحافظة على الأمن الغذائي “، واعتبرت في النتيجة أن ” امتناع الطاعنة من تنفيذ المقرر الإداري وكذا القرار القضائي يعطي الصلاحية لقاضي المستعجلات بالإذن ببيع القمح عن طريق المزاد العلني على أساس أن يقوم المشتري بإبعاده خارج التراب الوطني ” .

تاسعا: حق المرأة في المناصفة وعلاقته بمبدأ المساواة

تعززت مكانة المرأة المغربية بعد صدور الدستور الجديد الذي كرس آليات ومؤسسات دستورية لحمايتها من كافة أشكال التمييز ضد النساء، وتدعم وصولها إلى مواقع صنع القرار، وتسمو بثقافة المساواة كقيمة في بعدها الإنساني، وحق المناصفة كممارسة واقعية لتجسيد الصورة الإيجابية لمشاركة المرأة على قدم المساواة مع الرجل داخل المجتمع، بدليل أن النساء يشكلن نسبة تفوق 30% في السلك القضائي.
ولتعريف المناصفة يذهب البعض إلى القول أن من بين أحد المعاني اللغوية للمناصفة هو الإنصاف. في حين يذهب البعض الآخر إلى القول أن المناصفة تعني نصف الشيء، فيقال: يملك هذان الشخصان البيت مناصفة، أي أن لكل واحد منهما نصف في التملك.
وبصرف النظر عن هذا الخلاف في المعنى اللغوي، فإن الاتجاه الغالب ينصرف عن حق إلى تبني الرأي الثاني، على اعتبار أن الدلالة اللغوية لمصطلح المناصفة تنصرف حكما إلى العمل والسعي إلى المناصفة.

مقال قد يهمك :   الوريقي عادل: التحصين التشريعي للقرارات الإدارية بين المراقبة القضائية ومسؤولية الدولة على الأعمال القضائية

1- المناصفة حق دستوري
من بين أهم المبادئ التي تقوم عليها حقوق الإنسان، والتي تؤكدها كل الإعلانات والمواثيق الدولية، مبدأ المساواة في التمتع بالحقوق، وعدم التمييز. وفي هذا السياق ينص المشرع الدستوري في ديباجة دستور 2011، على الالتزام بالعمل على: ” حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي، مهما كان”.
وفي نفس السياق، نص الفصل 19 من دستور 2011، على أن : “يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها.
تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء.
وتُحدث لهذه الغاية، هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز “.

2- محكمة النقض وسؤال الحق في المناصفة
إن تفعيل محكمة النقض لحق المرأة في المشاركة الإيجابية إلى جانب الرجل، يندرج ضمن حرصها على التطبيق السليم للقانون، والعمل على تأويله وتكييفه مع التطور الاقتصادي والاجتماعي، وإثراء ثقافته بما يجعلها تساهم بشكل ملموس، في تطوير الفقه القانوني المغربي، من خلال حكامة قضائية جيدة، ووفق خطة استراتيجية مضبوطة تعتمد أدوات المقاربة التشاركية، العصرية والمسؤولة، لرفع التحديات والارتقاء بدور المرأة إلى المكانة التي دعا إليها القاضي الأول للمملكة صاحب الجلالة الملك محمد السادس دام له العز والتمكين – قبل الدستور الجديد- حسبما ورد في خطابه السامي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة الثانية من الولاية التشريعية السابعة للبرلمان بالرباط يوم الجمعة 10 – 10 – 2003 :
“.. إلى متى سنستمر في اللجوء إلى التمييز الإيجابي القانوني، لضمان مشاركة واسعة للمرأة في المؤسسات ؟ لا ريب أن الأمر يتطلب نهضة شاملة، وتحولا عميقا في العقليات البالية والوعي الجماعي، وفتح المجال أمام المرأة، بما يناسب انخراطها في كل مجالات الحياة الوطنية، لما أبانت عنه من جدارة واستقامة وتفان، في خدمة الصالح العام..”. انتهى النطق الملكي.
وما دام العدل من أسماء الله الكبير المتعال من جهة، وأساس الملك من جهة أخرى، فيتعين أن يكون للمناصفة معناها المجرد الثابت الواضح الذي لا يتغير باختلاف الأشخاص والأفكار، حتى يتسنى للمرأة والرجل، في أي زمان ومكان، التمتع على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وذلك في نطاق أحكام الدستور الجديد الذي يعتبر تعاقدا تاريخيا جديدا بين العرش والشعب، وكذا ثوابت المملكة وقوانينها، ومضامين الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادقت عليها، وهو ما يجعل محكمة النقض ملزمة بممارسة وظيفتها المعيارية من أجل استخراج مبادئ وتعاريف تتفاعل مع الجيل الجديد من الحقوق والحريات الأساسية، وتكرس المسار الإيجابي للعدالة المتطورة والمتجددة ، حسبما يتضح من خلال أحد قراراتها الذي جاء فيه ما يلي:
” الدستور لا يميز الرجل والمرأة في تولي منصب القضاء، وكذا الظهير الشريف المكون للنظام الأساسي لرجال القضاء لا تميز مقتضياته بين الجنسين للانخراط في سلك القضاء.
بمقتضى الفصل 6 من الظهير المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة يمكن لكل غرفة من غرف محاكم الاستئناف وهي مكونة من قاضيات أن تحكم في كل القضايا المعروضة عليها أيا كان نوعها وإن تعلق الأمر بقضايا الأحوال الشخصية “.
ومن جهة أخرى، فإن السياق العام للظرفية الحالية والمتميزة في المجال الحقوقي يفضي بكل تفاعلاته إلى انتهاج محكمة النقض لبعد جديد يتجاوب مع هذا النوع من الحقوق على المستوى الجهوي والوطني والدولي، والاجتهاد في إقامة معايير قضائية لتبيان الخيط الرفيع بين حق المرأة في المناصفة ومبدأ المساواة مع الرجل، وعلاقتهما معا بالمصلحة العامة حسبما هو ثابت من خلال حيثيات أحد قراراتها كما يلي:
” إن العمل على تجنيب الاناث المدرسات المشاق والانشغالات التي تعرضهن لها عند تعيينهن في المناطق النائية , وجعل هذا التعيين مقتصرا على المدرسين الذكور لا يمس بمبدأ المساواة وانما يخدم المصلحة العامة المتمثلة في رفع المردودية … “.
كما أن الغرفة الإدارية بنفس المحكمة قد عملت على التوفيق بين مبدأي تكافؤ الفرص ومساواة المواطنين أمام التكاليف وضرورة خضوع جميع الأطباء نساء ورجالا لعملية القرعة للتعيين في مستشفيات المملكة معتبرة في حيثيات أحد قراراتها ما يلي:
” إن تكافؤ الفرض ومساواة المواطنين أمام التكاليف يعتبران مبدئين أساسيين يحكمان النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية دون حاجة للنص عليهما قانونا . وان هذين المبدئين يقتضيان معاملة جميع الموظفين على قدم المساواة . وان عملية القرعة التي قررت وزارة الصحة إجراءها لتعيين أطباء بمختلف مستشفيات المملكة لم تخضع لها كافة الأطر الطبية كما عللت بذلك المحكمة قرارها المطعون فيه بما أوردته في تعليلها. من أن البحث الذي تم إجراؤه في المرحلة الابتدائية تبين منه أن بعض الطبيبات وقع استثناؤهن من عملية القرعة واستخلصت من ذلك ان مبدأ تكافؤ القرض لم يطبق بكيفية صحيحة وألغت المقرر المطعون فيه تكون عللت قرارها تعليلا سليما “.

عاشرا: الحق في العناية الصحية والعلاج

لا شك أن مسؤولية الطبيب الجنائية والمدنية والتأديبية الناتجة عن ممارسة مهنته تؤطرها نصوص تشريعية عامة وقوانين خاصة بمهنة الطب، إضافة إلى مجموعة من المبادئ المتعارف عليها في إطار العمل الطبي. أي بعبارة أخرى، أن كل تحركات الطبيب بمناسبة عمله تتحرك معها تلك النصوص عند إثارة مسؤوليته الناتجة طبعا عن إخلاله بالتزام قانوني أو بأحد مبادئ أصول مهنة الطب. ومن هذا المنطلق، فإن العلاج كحق دستوري يستفاد من صياغة الفصل 31 من الدستور الجديد الذي أشار إليه ” كواجب على الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، يفرض عليهم العمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة، من الحق في العلاج والعناية الصحية “.
1- بعض مظاهر مسؤولية الدولة عن الإخلال بالحق في العلاج
نشير في مجال حماية الصحة العامة وتخليق مجال الممارسة إلى أن محكمة النقض ” خولت الصفة لأي شخص بمن فيهم الاطباء ليقدموا شكاية أمام الهيئة الوطنية للأطباء ضد زملائهم في المهنة في حال إخلال أحدهم بواجباته المهنية وذلك استنادا على مقتضيات الفصل 46 من الظهير المنظم لهذه المهنة “.
وضمانا للحق في العلاج وفق المقتضيات العلمية الحديثة ولأصول مهنة الطب فان محكمة النقض حملت الدولة المسؤولية عن تعويض الاضرار الناتجة عن أخطاء مستخدميها عند اخلالهم بواجب تقديم العناية اللازمة للمريض وفق ما تقتضيه ظروفه الصحية.
كما رتبت في نازلة أخرى ” مسؤولية المركز الاستشفائي الجامعي طبقا لمقتضيات الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود، عن كافة الأضرار الجسمانية اللاحقة بالهالك إذا لم يتخذ المستشفى الإجراءات الضرورية والاحتياطات اللازمة للحيلولة دون وفاة الضحية من جراء الإلقاء بنفسه من نافذة الغرفة بالطابق الثالث للمستشفى بسبب ما كان يعاني منه من حالة نفسية وعصبية جد متدهورة، ويعتبر تقصيرا في التشخيص بقاء المريض حوالي أسبوع بمستشفى الاختصاصات دون إرساله إلى مستشفى الأمراض العقلية، مما يجعل الحادثة مشمولة بالضمان.”

2- حق المريض في التكوين المستمر للطبيب
إن المهمة الإنسانية للطبيب والتزامه المتمثل في بذل العناية لإسعاف المريض وضمان سلامته يصطدم مع إشكالية تحيين المعلومات والمعارف الطبية الحديثة وجدلية الحق والواجب المتعلق بالتكوين المستمر للطبيب. فهل هذا الأخير يعتبر حقا للمريض والتزاما على الطبيب أم أنه حق للمريض والطبيب معا وواجبا على الدو

 

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]