حكيم وردي يكتب عن مدى قدرة القانون لكبح ثقافة الفضيحة في عصر التكنولوجيا
حكيم وردي : باحث قانوني
العنوان الأصلي للمقال : الفضيحة و القانون
تعجز القاعدة القانونية رغم طموحها النظري لأن تصير مبدأ أخلاقيا و رادعا زجريا، عن احتواء الالتذاذ السادي لـ”لأنا” بفضحية “الآخر” وتقاسم هذه “المتعة” مع الأغيار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ففي الديمقراطيات الليبرالية حيث الطلب ملح على المعلومة لا يمكن للقانون أن يتدخل بشكل تلقائي كل مرة لكبح فضول الجمهور “في المعرفة” كيفما كان مضمونها وطريقة تحصيلها. وما انتعاش صحافة التابوليد/الفضائح في الديمقراطيات الغربية ( أمريكا، إنجلترا، فرنسا…) إلا إحدى التمظهرات العملية لحرية التعبير في مجتمع مفتوح على تبادل الأفكار والأخبار.
إن النقاش الكلاسيكي حول التداول غير الأخلاقي للفضيحة، يبقى دون معنى في البيئة الرقمية حيث للأخلاق معنى آخر أو على الأصح هي بدون معنى، فقد أصبح موت القيم و موت المعنى سمتان ملازمتان للمحتوى الأكثر استهلاكا في الفضاء السيبراني إذ الفضائح المستجدة تسبق كثيرا من يشرع لها.
لذلك لم تول التشريعات الجنائية المقارنة أهمية قصوى للجواب عن سؤال الأخلاق في انتهاك الحق في الخصوصية، واعتبرتها قضية شخصية لا يمكن للعدالة الزجرية أن تتحرك إزاءها إلا إذا طرقت أبوابها بشكاية. رغم رصد عقوبات جنحية للمساس بالحق في الخلوة داخل الأماكن الخاصة، وتنصيص الاتفاقيات الدولية والدساتير الوطنية على الحق في الخصوصية بعناصرها الثلاث ( السرية، العزلة و التخفي ).
وإذا كان القاضي Douglas (عضو المحكمة العليا في الولايات المتحدة الامريكية ) يرى بأن حق المرء في أن يترك وشأنه هو بداية كل الحريات فإن الفقيه Carbonier يجمل الحق في الحياة الخاصة ضمن القطاع السري الذي يمتلك فيه الفرد القدرة على الابتعاد عن الغير، والحق في الحياة الهادئة وفي إطار هذا التحديد حاول الاجتهاد القضائي المدني عبر دعوى المسؤولية التقصيرية اقتفاء مفهوم الخصوصية وحدود تماسه مع الحق في الاعلام لاسيما بالنسبة للشخصيات العامة.
لقد شكلت الولايات المتحدة الأمريكية مهد التقعيد الفلسفي والقانوني للحق في الخصوصية، فعندما شهرت الصحافة الصفراء في بوسطن سنة 1890 بزوجة المحامي و رجل الأعمال صامويل وارين لجأ إلى صديقه المحامي لويس برانديس فكتبا مقالة مرجعية نشراها بمجلة مدرسة القانون بهارفارد تحت عنوان “الحق في الخصوصية” خلصا فيه إلى أن (حدة وتعقيد الحياة المصاحبة لتقدم الحضارة، قد جعلت قدرا من الانسحاب من العالم ضروريا، وأصبح اﻹنسان، في ظل التأثير التهذيبي للثقافة، أكثر حساسية تجاه العلانية، ومن ثم فإن العزلة والخصوصية قد أصبحتا أساسيتين للفرد. ولكن الصناعة والابتكار الحديثين، من خلال غزوهما لخصوصية الفرد، قد ألحقتا به ألما معنويا وضيقا أكبر كثيرًا مما يمكن أن يلحقه به جرح مادي).
وبالنسبة للمغرب وغيره من المجتمعات التي تتصادم فيها قيم الحداثة مع رواسب التقليد فإن الإشكال الحقيقي هو مدى استعداد الجميع لتقبل النتائج الحتمية للدفاع عن الحق في الخصوصية الذي استخدمته المحكمة العليا الأمريكية سندا لحماية الحق في شراء واستخدام وسائل منع الحمل، والحق في الإجهاض، والحق في الانخراط في ممارسات جنسية مثلية.
فأن تدافع اليوم عن حقك في الخصوصية يمنع عنك الاعتراض مستقبلا على حقوق الأغيار في المثلية مثلا كإحدى تمظهرات الحق في الخصوصية باعتبارها المعادل الموضوعي للحق في الحميمية.
لا يخلوا الموضوع من تعقيد يصعب معه الحسم بجواب عن أسئلة القيم التي يمكن فرضها على الفرد داخل مجتمع حر و مفتوح. وميزة الهوية المغربية أنها لا تجنح إلى التطرف في فرض نموذج أحادي للسلوك باسم الدين أو الأخلاق أو القناعات الفكرية. إنه التسامح الأصيل في الشخصية المغربية الذي ينهض صمام أمان للتخفيف من حدة التوترات والتخوفات الناجمة عن زيادة الطلب على الترويج للفضيحة. أما القانون فسيبقى الملاذ الأخير للفرد عندما تحاصره الفضيحة وتعوزه النصيحة.