مجلة مغرب القانونالمنبر القانونيتوجهات السياسة الجنائية في مجال الغش الضريبي

توجهات السياسة الجنائية في مجال الغش الضريبي

 رضا الريفي طالب باحث في   ماستر المهن القانونية والقضائية بطنجة الفوج الخامس.

     تنص المجموعة الجنائية المغربية الحالية على أن التشريع الجنائي يحدد أفعال الانسان التي يعدها جرائم ،بسبب ما تحدثه من اضطراب اجتماعي ويوجب زجر مرتكبيها بعقوبات وتدابير وقائية ,.أما الضريبة فإنها تعتبر تلك المساهمة أو الإنقطاع النقدي الذي يحصل من الأشخاص الملزمين بصورة اجبارية ونهائية وبدون مقابل، وذلك بقصد تمويل النفقات العمومية، ويتكون القانون الضريبي من مجموعة من القواعد التي تنظم هذا القطاع[1].

     من خلال هاذين التعريفين يتبين أن هناك نوع من الإرتباط بين القانون الجنائي و الضريبي حيت أن قواعد القانون الجنائي تمثل الضمان الأساسي لتطبيق قواعد القانون الضريبي بشكل سليم ومشروع .

      فالضريبة بمفهومها الحديث أصبحت وسيلة من الوسائل المالية الأساسية للدولة التي تستعملها بغية تنفيذ ميزانيتها وتغطية احتياجاتها من النفقات والخدمات العامة، بحيث أصبحت الهياكل المالية مرآة عاكسة للبنيان الإقتصادي والإجتماعي للبلدان ومقياسا لدرجة نموها ، وانطلاقا من هذه الأهمية البارزة للضريبة يمكن النظر إلى الغش الضريبي كعائق حقيقي يحول دون تحقيق أحد الأهداف الأساسية للضريبة ، والمثمثل في الهدف المالي الذي يعمل على تغذية الخزينة بإيرادات كافية لتغطية النفقات . وهذا دون الحديث عن الأهداف الاخرى الاقتصادية والاجتماعية وغيرها ، ومن ثم فإن الغش الضريبي سيقلل من الموارد المالية للدولة ويحد من امكانياتها للتدخل في المجال الاقتصادي لزيادة الدخل القومي وتوجيهه .الأمر الذي يترتب عنه نتائج جد خطيرة من مختلف الوجوه التى تمس الخزينة والمكلفين في ان واحد و المجتمع برمته.

       وهنا يبرز دور السياسة الجنائية الذي يتمثل في الفعل ورد الفعل والمنع ، بمعنى تضافر مجموعة من المجالات (سياسية التجريم والعقاب والوقاية ) من أجل حماية المجتمع.فإن الحلقة  التي تدور حولها السياسة الجنائية لا تخرج عن التجريم والعقاب.  ذلك أن هذا الأخير ما هو إلا تتويج طبيعي لسياسة المكافحة القمعية للجريمة ، وتبعا لذلك فإنه كلما كان العقاب فعالا كان محققا للأهداف المسطرة من قبل المشرع، وذلك يكون عبارة عن محاربة أسباب الجريمة وكبح اثارها.[2]

    بهذا فقد اقترن  وجود الضريبة بوجود السلطة في المجتمع السياسي منذ القدم ، وعرف أساس الإلتزام بها تطورا بتطور وظائف هذه السلطة وأهدافها. ومنذ أن نشأ الإلتزام بدفع الضريبة على عائق المكلف عرف التملص الضريبي منها والتحايل في أدائها شأنه شأن الجريمة   بمفهومها القانوني .إذ عرفت منذ أن وجد القانون . ففرض الضرائب دائما ما شكل مصدرا للسخط والغضب والإحتجاج لدى كثير من الشعوب عبر العالم  مما تسبب في مواجهة الضريبة و الوصول في الكثير من الأحيان الى حد التمرد على السلطات الضريبة . وكذلك اللجوء الى أشكال منظمة لرفض التوجهات الضريبية.

   ففي المغرب فقد نص الفصل 39 من الدستور” على الجميع أن يتحمل كل على قدر استطاعته التكاليف العمومية التي للقانون وحده الصلاحية لإحداثها وتوزيعها “لكن هذا التنصيص لا يعني أنه لا وجود للمقاومة الضريبية، فقد استمرت ردود الأفعال ضد هذه  الأخيرة في شكل تصرفات تهدف إلى التملص من العبئ  الضريبي المفروض على الملزمين من طرف الدولة .[3]

     ومن تمة  فالغش الضريبي هو ظاهرة عالمية لها أضرار وخيمة على اقتصاديات الدول المتقدمة والنامية على حد السواء ، وهذا ما جعله محط اهتمام الباحثين وموضوع دراسات وأبحاث علمية في محاولة لفهم أسباب هذه الظاهرة التي تنخر اقتصاديات الدول.

   وقد عرف المغرب أول محاولة لتجريم الغش الضريبي مع مشروع قانون الإطار في سنة 1984 في فصله 27حيث اقترحت لأول مرة عقوبة الحبس، وهكذا ورد في في هذا النص ما يلي” سيجعل من الغش في ميدان الضرائب جنحة يعاقب عليها القانون الجنائي”. وانتظر المشرع المغربي الى غاية سنه 1996 من أجل تجريم الغش الضريبي وذلك بموجب قانون المالية الإنتقاليي لسنة  1996 و 9719.

      وتأسيسا على ما سبق فإن هذا الموضوع يثير اشكالية جوهرية حول فعالية النظام الجنائي المغربي ( السياسة الجنائية ) في معاقبة المخلين بالتزاماتهم الضريبية وكذا الحد من ارتكاب جرائم الغش الضريبي؟.

 هذه الاشكالية التي تتفرع عنها العديد من الإشكاليات كالتالي :

ما مفهوم الغش الضريبي وما هي أسبابه و صوره ؟

 ما هي شروط ( أركان ) جريمة الغش الضريبي ؟

 ماهي سبل وآليات تفعيل السياسة الجنائية بالمغرب في مواجهة الغش الضريبي ؟

تقتضي الاجابة على مختلف هذه الاشكالات تقسيم هذا الموضوع الى مبحثين حيث سنعالج في المبحث الأول  الأحكام العامة للجريمهة الغش الضريبي (صوره ،أسبابه ،أركانه) أما في المبحث الثاني سوف أتطرق إلى دور وتوجه السياسة الجنائية للمشرع المغربي في مواجهة الغش الضريبي .

المبحث الأول :الأحكام العامة لجريمة الغش الضريبي في القانون المغربي.

     يقصد بتجريم الغش الضريبي فرض عقوبات جنائية على الأعمال التدليسية التي تستهدف التملص من أداء الواجبات الضريبية، ويستهدف من تكريس هذا المبدأ تحسين الموارد الجنائية و تحقيق مبدأ العدالة الضريبية. وقد جاء المشرع المغربي في قانون المالية لسنة1996 و 1977 كرد فعل على مثل هذه السلوكيات المنافية للأخلاق ليعتبر لأول مرة الغش الضريبي مخالفة معاقب عليها . وهكذا سوف أتطرق في هذا المبحث إلى أسباب وصور الغش الضريبي (المطلب الاول) مع النظر في المطلب الثاني إلى شروط جريمة الغش الضريبي (الاركان).

 المطلب الأول  :صور و أسباب الغش  الضريبي .

    إن الغش الضريبي ضاهرة معقدة وتبدو من حيث أصولها وواقعها المعاصر كرد فعل طبيعي على  عنف الضريبة عبر تاريخها ، فالتمرد على القوانين ظهر عند الحضارات القديمة وصولا إلى العصر الحديث وبالتالي فهي ظاهرة ليست بالغريبة و ليست وليدة العصر الحديث .

     والغش الضريبي يختلف عن التهرب الضريبي حيث أن هذا الأخير هو الأصل و هو الجنس أما الغش الضريبي فهو النوع وهو حالة خاصة من حالات التهرب الضريبي و هي حالة التهرب من الضريبة عن طريق انتهاك القانون بخلاف التهرب الذي يتم دون مخالفة القانون . إلا أن الغموض الذي يعتري الغش الضريبي هو حول الأسباب الحقيقية والفعلية التي تؤدي إلى استفحال هذه الظاهرة (الفقرة الاولى ).  بالاضافة إلى تحديد صور الغش الضريبي و الإشكالات التي تطرحها هذه الصور( الفقرة الثانية ).

 الفقرة الأولى  :صور الغش الضريبي.

    يأخد التهرب الضريبي عدة طرق وأساليب للإفلات من دفع الضريبة إما عن طريق التلاعب في العمليات المحاسبية ( أولا )  أو السعي إلى خلف أوضاع قانونية مخالفة لما هو معمول به في الواقع باستغلال المكلف للثغرات القانونيه (ثانيا) بالاضافة إلى التملص الضريبي (ثالثا ).

 أولا ;  التحايل المحاسباتي.

     ينطوى التحايل المحاسباتي على إخلال المكلف بالضريبة بالإلتزامات الجبائية والمحاسبية المترتبة في ذمته بمقتضى العلاقة الضريبية ، إذ يجبر القانون الجبائي المكلف بالضريبة على التصريح بوجود نشاط ممارس وعليه أن  يقدم للادارة الضرائب وفقا لقانون التصريحات التي توضح نتائج نشاطه خلال كل سنة مالية مدعما ذلك بوثائق ثبوتية في كالفواتير والسجلات المحاسبية (دفتر اليومية دفتر الجرد …) الذي يلتزم بمسكها ضمن محاسبة كاملة وشاملة.

       والتحايل المحاسباتي هو الأكثر استعمالا حيث يمكن للمكلف بالضريبة أن يزيف في محتوى التصريحات فيسعى إلى ادخال تغييرات في المحاسبة باعتبارها الأساس الذي تنطلق منه الإدارة الجبائية في تحديد الوعاء الضريبي و القيام بالمراقبة. ويبحث عن مطابقة القيود المحاسبية فيما بينها من جهة و بينها وبين المستندات الثبوتية من جهة أخرى ، إذ يعمل على تبرير الأعباء و إثبات المداخيل المقيدهة محاسيبا خلافا للواقع . وعليه  يتجسد التحايل المحاسبي في الواقع بقيام المكلف بالضريبة بتضخيم التكاليف أو تخفيض الإيرادات وعدم التصريح ببعضها عن طريق إنشاء محاسبة صورية.[4]

ثانيا ; التحايل القانوني.

      يتمثل في النص القانوني الذي بموجبه تم تحديد مجموعة من المخالفات التي يعاقب عليها بغرامة مالية أو العقوبات الحبسية ويتعلق الأمر بالمادة 192 من المدونة العامة للضرائب.التي تنص على أنه يتعرض لغرامة على الأفعال التي يعاقب عليها القانون الضريبي أو التملص من دفعها أو الحصول على خصم منها أو تقديم فاتورات صورية أو تقديم تقييدات محاسبية مزيفة أو صورية أو البيع بدون فاتورة بصفة متكررة،  إخفاء او اتلاف الوثائق المحاسبية المطلوبة قانونا، اختلاس مجموع أو بعض أصول الشركة أو الزيادة بصورة تدليسيهةفي خصومها  اعصارها [5] .ويتجلى التحايل القانوني في شكلين التلاعب في التكييف في الحالات القانونية أو الإعتماد على العمليات الوهمية.

 ثالثا ; التملص الضريبي.

      ويقصد به التملص من كل أو جزء من الوعاء الضريبي عن طريق التهرب من تحديد أساس الضريبة وربطها ، إذ الأصل أن ربط الضريبة هو الذي يحدد المبلغ الذي يلزم المسؤول بأدائه .كما يمكن ان يكون التملص من تصفية الضريبة ويقصد بها اعداد الجداول والانذارات وارسالها الى الجهة المختصة بتحصيل الضريبه .[6] كما يكون التملص من أداء الضريبة عن طريق الإمتناع الكلي أو الجزئي عن أداائها أو  الاستفادة من تسهيلات في أدائها.

 الفقره الثانية : أسباب الغش الضريبي.

      نظرا لأهمية الغش الضريبي وأثاره المتعددة فإنه ناتج عن العديد من الأسباب لا يمكن حصرها وهي تختلف باختلاف التشريعات والأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والمستوى الإجتماعي و الوعي العام و كفاءة الأجهزهة وفعالية الإجراءات و من أهم الأسباب:

  أولا : الأسباب القانونية.

     رغم التعديلات و الإصلاحات التي عرفها النظام الضريبي بالمغرب فإنه يبقى نظام معقد وغير مستقر، ويعرف الكثير من الثغرات وهو الأمر الذي يخشى معه أن يفتح المجال لكل أنواع الغش والتهرب الضريبي ، فالصياغة القانونية للتشريع الضريبي تلعب دورا مهما في تشجيع المكلف على الغش فكلما كانت هذه الصياغة معقدة كلما كان القانون أقل وضوحا ويترك المجال أمام التهرب والغش .

ثانيا : الأسباب الإقتصادية .

    فالجانب الاقتصادي يقاس على أساس قدرة المكلف على الأداء ،إذ نجد صاحب الدخل لا يحتفظ سوى بي 40% إالى 50 % من دخله وربحه  ويعطي الباقي للدولة فهذه الإقتطاعات الاجبارية تؤثر على دخل الشخص سواء كان شخصا معنويا أو طبيعيا فكلما ارتفع مستوى الاقتطاع إلا وارتفعت مستويات الغش الضريبي، والعكس صحيح ومعظم الدراسات الإقتصادية الدقيقة جاءت لتؤكد تلك المعاينات البديهية .[7]

مقال قد يهمك :   مجالات الوساطة الأسرية

ثالتا : الأسباب الإجتماعية.

    انطلاقا من الفصل 39 من الدستور فالعدالة الإجتماعية تقتضي  أن يساهم كل مكلف حسب قدرته في تغطية نفقات الدولة ، وهو الأمر الذي تتكفل به هذه الأخيرة عن طريق تحصيل مستحقاتها الضريبية من المكلفين على أن تعمل بعد ذلك على إعاده توزيعها من خلال انجاز مشاريع التنمية و مساعدة الفئات الضعيفة و محاربة الفقر والبطالة وما إلى ذلك من البرامج التي تهدف تحقيق التنمية الشاملة، وعليه فإنه إذا كان صحيحا أن من أهم ركائز تعريف الضريبة الحديثة أنها واجب بدون مقابل فإنه على الدولة وانطلاقا من المداخيل التي تحققها أن تعيد برمجتها عن طريق المشاريع الاجتماعية والاقتصادية .[8]

 رابعا : الأسباب النفسية.

      العوامل النفسية هي نتيجة لمحاربة بعض السلوكيات الأخرى ،كانعدام العدالة الجبائية و عدم تحقيق منافسة شريفة بين الشركات لأنه نجد في بعض الأحيان لا تكون هناك علاقة الضغط الجبائي بالغش الضريبي ، وإنما وجود جوانب نفسية من قبيل سرقة مال الدولة لا يشكل عيبا عند المكلف الذي يعتبره مالا مباحا ، وبالتالي عندما لا يؤدي ضرائبه لا يعتبر نفسه أنه يقوم بعمل اجرامي وإنما بعمل مشروع، وهذا يقتضي وعيا جبائيا لأن الأمر مرتبط بعوامل أخرى.[9]

المطلب الثاني : شروط ومساطر المتابعة في جريمة الغش الضريبي .

   إن الغش الضريبي يعتبر مصدرا للظلم الجبائي ويكرس عدم المساواة واللاعدالة الجبائية، وهي أسس تبرر محاربته وقد ثم تجريم الغش الضريبي في اطار قانون المالية لسنة 1996  1977 فما هي الأركان اأساسية للغش الضريبي( الفقرة  الأولى )، وما هي المسطرة المتبعة في جريمة الغش الضريبي مع العلم أن القانون المغربي لم يتطرق لقواعد إجرائية خاصة بالجرائم الضريبية ( الفقرة الثانية) .

 الفقره الأولى : أركان جريمة الغش الضريبي .

   لتجريم الغش الضريبي يتعين توفر ثلاثة أركان رئيسية وذلك على غرار باقي الجرائم الأخرى.

 أولا ;الركن القانوني .

     فالركن القانوني يتمثل في النص القانوني الذي بموجبه تم تحديد مجموعة من المخالفات الضريبيهطة واعتبارها غشا ضريبيا، في هذا الإطار نجد أن القانون المالي لسنة 1996 1977 نص على أن الغش الضريبي جريمة يعاقب عليها بغرامة ن 5000 درهم إلى 50 ألف درهم، وفي حالة العود قبل مضي خمس سنوات على الحكم بالغرامة يعاقب مرتكب المخالفة زيادة على الغرامة بالحبس من شهر إلى ثلاثه أشهر وهي نفس المقتضيات التي تم الحفاظ عليها في الماده 192 من المدونة العامة للضرائب الحالية .

     عموما لا يمكن اعتبار فعل أو امتناع بأنه جريمة إلا إذا لم يثم النص عليه وعلى العقاب المقرر له بمقتضى نص من النصوص الجنائية على جريمة الغش الضريبي التي لا تتمتع بذاتية خاصة بالنسبة إلى قاعدة شرعية الجرائم وأن من شأنها شأن الجريمة العادية في الخضوع  لهذه القاعدة وفي ضرورة توفر الركن القانوني.[10]

ثانيا : الركن المادي.

      بالنسبه للركن المادي فيتعلق الأمر بمجموعة من المخالفات التي يعتبرها المشرع غشا ضريبيا وقد حدد  مجالها ونوعيتها وكذا وسيلة ضبطها وجعل هذه العناصر مرتبطة ببعضها البعض.فالركن المادي يقتضي إثيان نفس الملزم بسلوك مطابق لأحد الوسائل التي أوردها القانون الضريبي في الماده 110 من الضريبة العامة على الدخل ( الإقرار بدخل إجمالي يشتمل على بيانات غير صحيحة ). و الماده 48 من قانون الضريبة علي القيمة المضافة (التصريح بالمداخيل و العمليات الخاضعة للضريبة ) ، والبند الثالث من قانون الضريبة على الأرباح العقارية .

       إذا فالركن المادي لجريمة الغش الضريبي يتمثل في مخالفة الإلتزام الضريبي، قياسا على ذلك لا يمكن تصور حدوث جريمة الغش الضريبي ما لم يقم الملزم الخاضع للضريبة بارتكاب إحدى الأفعال التي تؤدي الى مخالفة الإلتزام الضريبي اتجاه المصلحة المالية للدولة، وأن تكون هذه الأفعال المرتكبة من إحدى الضرائب الرئيسية الثلاثة التي تم تجريم الغش الضريبي فيها كما سبق القول، وهي الضريبة العامة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة والضريبة على الشركات.[11]

 ثالثا : الركن المعنوي .

      لكي توجد الجريمة قانونيا لا يمكن وجود فعل أو ترك منصوص ومعاقب عليه في القانون، وإنما يجب أن يكون هذا الفعل أو الإمتناع قد ينتج عن إرادة واعية ، وأن يكون الهدف من ذلك هو مخالفة القانون فهذه العلاقة بين النشاط الإداري وبين فاعله ما يطلق عليه الركن المعنوي للجريمة.[12]

      فالجريمة عموما لا تقع قانونا ما لم تتوفر الإرادة الثامة لدى الجاني أي الإرادة المخالفة للقانون، وهو ما يعبر عنه بقاعده لا جريمة بغير خطأ. إن الركن المعنوي في جريمة الغش الضريبي يتمثل في نية التضليل قصد تحقيق هذف غير مشروع ، هذا الهدف يتمثل في التملص والافلات من الخضوع للضريبة المفروضة عليه  قانونا ، وهكذا يمكن القول بأنه لا يمكن تعريف الجريمة بالنص على ما يمكن ارتكابه م من طرف المتهم ، بل يذهب النص إلى النيه في ساعة ارتكاب الجرم ويعني  ذلك ضرورة توفر القصد الجنائي.

     القصد العام : حيت ان المتملص يرتكب فعلا من أفعال الجريمة، هذه الأفعال التي من شانها أن تؤدي إلى الإفلات من الخضوع للضريبة أو التملص من دفعها أو الحصول على خصم منها أو استرداد مبالغ بغير حق .

     القصد الخاص : حيث تتجه إرادة المتملص إلى الإفلات من أداء  الضريبة كلها او جزء منها وبالتالي حرمان الإدارة الضريبية من الحصول على حقها من الضريبة .

 الفقرة الثانية : مسطرة المتابعة الجنائية.

       بعد مرور الوقت اقتنع المشرع المغربي بضرورة تجريم الغش الضريبي نتيجة الأزمات التي يخلفها هذا المشكل الكبير ، حيث حاول تدارك بعض نقاط الضعف في النظام الجبائي وبالتالي عاملا على السن القانون المتعلق بتجريم الغش الضريبي لجزىر المتلاعبين والمتهربين من الضرائب. وعليه فبعد قيام الجريمة الجنائية واكتمال أركانها يثم الإنتقال إلى مرحلة أخرى تمثل فيها الإدارة الجبائية و النيابة العامة دورا حاسما في السعي نحو معاقبة المخلين باللتزامات الضريبية معاقبة جنائية موقعة من طرف القاضي الزجري.

       وهذا الأمر الذي يثم من خلال مسطرة متابعة خاصة بهذا النوع من الجرائم . فلا يمكن إدانة المرتكب للمخالفة و توقيع العقوبة عليه طبعا إلا بعد استنفاذ مسطرة المتابعة الجنائية، وتتضمن هذه مجموعة من الإجراءات الجوهرية منها ما هو إداري ومنها ما هو قضائي.[13]

اولا : المسطرة الادارية.

        في البداية يجب تحرير محضر إثباث المخالفة من طرف المفتشين المنتدبين في اطار مراقبة ضريبية لهذا الغرض ، و محلفين وفق التشريع الجاري به العمل،  وبعد تحرير المحضرتعرض الشكاية  التي توحى إلى تطبيق العقوبة من طرف وزير المالية ،أو من ينوب عنه لهذا الغرض ،على لجنة تسمى ( لجنة المخالفة الضريبية) يترأسها قاضي وممثلين عن الإدارة الضريبية وممثلين  عن  الملزمين يختاران  من لوائح تقدمها المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا ، ويعين أعضاؤها من طرف الوزير الأول وتصدر رأيا استشاريا .

      بعد السلوك الإلزامي  لكل هذه المسادر المعقده ، تنتقل المتابعة إلى النيابة العامة في إطار دعوى عمومية ذات طابع قضائي محض. ويخضع تحريك الدعوى العمومية وممارستها بخصوص الجرائم الضريبية للعديد من الأحكام والإجراءات منها ما يدخل في نطاق الإجراءات العامة المتعلقة بتحريك الدعوى العمومية عموما ، ومنها ما يعتبر أحكاما خاصة ببعض الجرائم الضريبية بشكل خاص.[14]

 ثانيا : المسطرة القضائية .

        بعد استشارة لجنة المخالفات الضريبية يقوم وزير المالية أو الشخص المفوض إليه تحريك الدعوى العمومية من خلال إحالة  الشكاية إلى وكيل الملك بالملحقة الإبتدائية التي ترتكب المخالفات في دائرتها ، وبعد ذلك يتعين عليها أن تقوم بإجراء بحث تكميلي كي تتأكد من الطبيعة الجنائية للمخالفة التي ارتكبها وذلك قبل صدور الحكم بإدانته .

      وبالرجوع للقواعد العامه للمسطرة الجنائية  والمادة 231 من المدونة العامة للضرائب فإن اختصاص الحكم في جرائم الغش الضريبي يعود إلى المحاكم الابتدائية التابعة لها مكان ارتكاب جريمة الغش .

     وتجدر الإشارة في هذا الصدد ،إلى أنه طبقا لمقتضيات الفقرةالأخيرة من الماده 231 من المدونة العامة للضرائب ، يتوجب على وكيل الملك أن يحيل الشكاية إلى قاضي التحقيق ،هذا الأخير الذي يكون ملزما بالقيام بالمهام المسندة إليه طبقا لمقتضيات قانون المسطرة المدنيه.[15]

المبحث الثاني : السياسة الجنائية المغربية في مواجهة جريمة الغش الضريبي.

       إن السياسة الجنائية تعني  بالمرحلة التي تسبق ارتكاب الجريمة وذلك بسن سياسة وقائية شاملة من شأنها أن تحول دون وقوع الجرم ، وهذا الأمر يقتضي من الدولة خطة للتنمية الإقتصادية والاجتماعية والثقافية وتحسين مستوى المعيشة لدى ساكنتها، كما يدخل ضمن التدابير الوقائية في السياسة الجنائية تشديد العقوبة المقررة لبعض الجرائم التي استفحلت وتنامت في وقت معين. لذلك سنحاول مقاربة هذا المبحث وفق مطلبين  حيث سأتطرق في( المطلب الاول) إلى التشريع الجبائي المغربي ودوره في محاربة الغش الضريبي من خلال تأهيلهوتفعيل الرقابة ،أما في ( المطلب الثاني ) سوف أتطرق إلى كيفية تفعيل تجريم الغش الضريبي والحد من تفاقمهم .

 المطلب الاول : التشريع الجبائي و محاربة الغش الضريبي.

   الغش الضريبي ظاهرة سائدة في كل الدول،سواء منها  المتقدمة أو الدول في طريق النمو كالمغرب ، كما أن حدثه تختلف باختلاف الانظمة المالية، فكل دولة  تسعى إلى مكافحة هذه الظاهرةمن خلال وسائل متعددة . ومن هذه الوسائل نجد مختلف  القوانين التي تجرم الغش الضريبي و تنظم المساطر و الإجراءات وكذا كل ما يتعلق بالادارة الجبائية.  لذا وجب تأهيل  المنظومة القانونية وإيجاد الاليات والوسائل التي من شأنها المساعدة على محاربة هذه الظاهرة.(الفقره الاولى ) مع العمل على تفعيل وترسيخ الرقابة الجبائية من جهة ثانية ( الفقرة الثانية).

 الفقرة الأولى : تأهيل المنظومة القانونية و آايات محاربة الغش الضريبي.     

مقال قد يهمك :   أحمد عصيد: الهوة بين القانون الجنائي والمجتمع تعرقل العدالة الجنائية

         لا جدال في كون الهدف الأساسي من تجريم الغش الضريبي هو محاربته بالآليات القانونية ( أولا ) ثم التفكير في الآليات الأخرى عبر التفكير في التدابير الناجعة ووضع استراتيجية معقلنة لمحاربة  ( أولا ) . مع إجاد الآليات العملية لمحاربة الغش الضريبي وتفعيل دورها (ثانيا) .

 اولا : تأهيل المنظومة القانونية لمحاربة الغش الضريبي .

   إن حصانيطة التشريع الجبائي تكمن في مدى استيعاب القانون الضريبي لمقاربات علمية جديدة مضبوطة . تشمل جميع أركان المنظومة الضريبية وجوانبها، وذلك ابتداء من التحضير لسن  التشريع الضريبي الذي يجب أن تشارك فيه الفعاليات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والقانونية وغيرها ، ويراعى هذا الشريع الخصوصيات الإجتماعية المميزة للبلد ،وغيرها عند كل اقتباس أو استئناس بتشريعات أجنبية .

 وإصلاح القوانين يعتبر البداية الحقيقية لإنجاح السياسة التدبيرية للمنظومة الجبائية برمتها وبالتالي الخطوة الأولى لمقاومة الاشكالات و الاختلالات التي يعاني منها النظام الضريبي، حيث يشترط أن تكون القوانين المجرمةللغش الضريبي  سهلة وغير متناقضة في ذاتها ومحكمة في اجراءاتها، قابلة للفهم وقابلة للتفعيل والتطبيق وفي نفس الوقت مجديةو ذات مردودية. [16]

إذن فغياب مقتضيات قانونية قوية حتما يكون من أهم المسببات التي تزيد من حدة الغش الضريبي.

  و يمكن القول بأن الوضع الجبائي المغربي الحالي يبدوا فريسة لعدة تناقضات لا تخلو من انعكاس سلبي على حقوق الخزينة وأداء الممول لواجبه الضريبي ورفع هذه التناقضات،أو على الأقل  الحد منها رهين بتوفر عدة شروط أهمها، الكشف عن الأسباب العميقة  لتطور هذه العلاقة وهو أمر ليس من السهل تحقيقه في ظل غياب فقه جبائي وطني وعدم وجود قضاء مختص. وهو ما يجعل البحث عن سبل جديدة من أجل تفعيل عمليهطة تجريم الغش الضريبي أمرا ضروريا حيث لا نكون أمام قانون فارغ من كل محتوى .وكذلك لنضمن التطبيق الصحيح والسليم لكل المقتضيات القانونية التي جاء بها القانون .و اعتماد استراتيجية معقلنة لمحاربة الغش الضريبي ، قائمة على مقاربات جديدة قد تساعد على مكافح الغش الضريبي.[17]

 ثانيا : الآليات العملية لمحاربة الغش الضريبي .

    أجمع الكثير من الباحثين أن الوسائل التي أقرها المشرع في إطار محاربة الغش الضريبي غير كافية ما استوجب معه التفكير في وسائل جديدة خصوصا لتسهيل مهمة الإدارة وحتى تحصيل مستحقاتها بدون عناء أو منازعات. فكان من الضروري البحث عن أساليب لتحسين علاقة المكلفين مع الادارة الضريبية وكذلك تكريس الوعي الجبائي الذي له أهمية كبرى في تحسين هذه العلاقة:

– دعم جسور العلاقة بين الادارهة و الملزم  (جعل الادارة في خدمة الملزم ).

– تكريس   الوعي الجبائي ( نشر الثقافة الجبائية ) بالاستعانهن بوسائل الاعلام.

الفقرة الثانية : الرقابة الجبائية ودورها في محاربة الغش الضريبي.

 من أهم الوسائل التي ساهمت في تقليص حدة الغش هي الرقابة الجبائية، فقد حققت عده نتائج إيجابية لكونها مرتبطة مباشرة بالمكلف.فالرقابة الجبائية عبارة عن سلطة تتمتع بها الادارة الجبائية لهذا ينعمل في هذه الفقرة على دراسة دورالرقابة الجبائية في محاربة الغشالضريبي [18] . أولا يتجسد الأساس القانوني للرقابة الجبائية من خلال نصوص الدستور وبالضبط في الفصل 39 منه الذي كرس عدة مبادئ دستورية أهمها المساواة أمام القانون والمساواة أمام التكاليف العامة .[19] كما يتجسد تنضيمها كذلك من خلال القوانين المنظمة للضرائب على اختلاف أنواعها ، و النظام الجبائي المغربي يعتمد على مبدأ التصريح الضريبي من قبل المكلف لذا تكون الإدارة الضريبية ملزمة بما جاء في هذا التصريح . لكن الادارة الضريبية مع اعتماد هذا المبدأ فهي لها سلطة المراقبة و الفحص لتحقيق الشرعية  وجزر لكل محاولات مخالفة للواجب الضريبي ،إذن المراقبة القضائية تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية في الإسهام على القضاء على أعمال الغش في ميدان الضرائب، وكذا معاقبة المكلفين المخالفين للقوانين الجبائية .

وعموما يمكن القول ان أهداف الرقابة تتجلى في :

( مكافحة الغش والتهرب الضريبي ) (تحقيق مبدأ المساواة أمام الضريبة عبر تكريس الفصل 17من الدستور).( حماية حقوق الخزينة العامة).

 والادارة تعتمد في الرقابة الجبائية على مجموعة من الوسائل والاليات من أهمها المراقبة  المحاسبية والمراقبة المكتبية .وفي ممارسة هذه السلطة من قبل الإدارة يجب عليها احترام المكلف واحترام ضماناته.[20]

المطلب الثاني : سبل تفعيل تجريم الغش الضريبي .

   بالرغم من مباشرة المشرع المغربي بوضع  قانون تجريمي لظاهرة  الغش الضريبي. فمن المؤسف أنهه لم يعتبر طريقة ناجحة و فعالة لتحقيق مبدأ الردع لدي المكلفين ، نظرا لطبيعته المحتشمة وعدم جديته . فالبنظر للاثار السلبية التي خلفتها الظاهره كان من اللازم البحث عن السبل الكفيلة بمحاربتها ، ومن ثم الحد من عواقبها ومخلفاتها ، علما أن مقاومة الغش الضريبي ليس بالامر الهين ، ذلك أنه كلما تطورت وسائل التصدي إلا وتطورت معها تقنيات الغش كذلك ، علما أن أي محاولة للتصدي والقضاء على هذه الظاهرة هي محاولة نسبية يبقى الهذف من ورارئها محاولة التخفيف قدر الإمكان من هذه الضاهرة .

 وهكذا فإنه لتوخي إصلاح أمثل وضمان مقاومة للغش الضريبي فلابد من تفعيل قانون تجريم الغش الضريبي من خلال تفعيل دور القضاء الضريبي والإدارة الضريبية وتفعيل كذلك النظام الرقابي والجزري )الفقر الاولى). مع ضرورة توفير التكامل بين الاصلاحات الجبائية والجنائية )الفقره الثانية( .

الفقره الأولى : تفعيل دور القضاء والإدارة الضريبية وتفعيل النظام الرقابي الجزري.

  لقد أصبح لازم على القضاء في الوقت الراهن أن يأخد دوره في المجال الضريبي وأن يمسك بزمام الأمور، وذلك بالنظر إلى كم الإشكالات والصعوبات التي تواجهه في هذا المجال، إذ أن الإلحاح  على تفعيل دور القضاء لم يأتي إلا بعد  فشل الأجهزة المختصة في هذا الإتجاه ، كما أنه من الضروري تفعيل دور الإدارة وتقويتها عبر تبسيط اجراءاتها وعصرنتها . وتفعيل كذلك النظام الرقابي الجزري.

 أولا : تفعيل دور القضاء الضريبي .

على القضاء أن يتأهل أكثر من أجل تحقيق التوازن حين البث في النزاع  الجبائي، غيرأن هذا يتطلب تحديا كبيرا لتجاوز إكراهات الفصل في المنازعات الضريبية ما يستدعي :

  • تيسير المنازعات الظريبية وهذا لن يتحقيق إلا من خلال تحقيق الشكليات في المنازعات الجبائية. وحسم تنازع الإختصاص في القضاء الجبائي .
  • وكذلك خلق قضاء ضريبي متخصص[21]

 ثانيا : تفعيل دور الإدارة الضريبية .

الإدارة الضريبية تقوم بمهام ووظائف اساسية ومهمه سواء على مستوى البحث عن المادة الضريبية و تصفية الضريبة، و على مستوى مستوى عمليات التحصيل ، لكن تفشي  ظاهرة الغش الضريبي كشف عن  قصورها  وعجزها في معالجة الظاهرة، لذا وجب تفعيل دور الإدارة الضريبية لتكون على قدر المهام الموكولة لها وذلك عبر مجموعهة من النقاط الاساسية

  • تبسيط الإجراءات الضريبية
  • تقوية عمل الادارالضريبية[22] من خلال وضع استراتيجية شاملة لرفع قدراتها المؤسساتية ومواردها البشرية وطرق تدبيرها والحرص على الملائمة بين المهام والكفاءات وضمان تأهيل الموارد البشرية وتحفيز طرق العمل وإقرار نظام محكم لرقابة عمل الإدارة وجودتها .

ثالثا : تفعيل النظام الرقابي الزجري .

      السؤال الأول  الذي يطرح  عن ظاهرةالغش الضريبي  هو حول الرقابة ونجاعتها  والعقاب  وفعاليته ، فنظرا لانتشار هذه الظاهرة فقد باث من الضروري واللازم التفكير في التدابير الناجعة  للحد منها، أو على الأصح التخفيف منها على الأقل ، خاصة أن المغرب في أمس الحاجة للرفع من قدراته المالية حتى يتمكن من مواجهة متطلبات التنمية الإقتصادية والاجتماعية[23]

وهكذا فإن تفعيل المقتضيات الجزرية والرقابية تعد من الوسائل الاساسية لمحاربة هذه الظاهرة وذلك من خلال:

        _  تكريس مفهوم جديد للرقابة من خلال عقلنتها .

       _ ترشيد التبليغ.

– تفعيل النظام الزجري من خلال تشديد العقوبات وتنويع فلسفه العقاب وذلك من خلال حرمان المتهربين  من الضريبة و من بعض الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية وكذلك التشهير بالمتهربين .[24]

الفقرة الثانية : التكامل بين الإصلاحات الجبائية والجنائية.

     لقد عاش المغرب قضية الضغط الجبائي منذ أمد بعيد، وكان مرد ذلك لأسباب عديدة تنصب حول طريقه العرض و التوزيع الضريبي وكثرة الضرائب وآثارها في الزيادة من حجم الإقتطاع بالاضافة إلى طرق تحصيل الضريبة والتي قد تجعل منها ضريبة مجحفة  على اعتبار أن ارتكاز نظام الاستخلاص الجبائي على القهر السياسي والتجاوز الإجتماعي والقانوني من شأنه خلق تمرد من جانب الملزم  يتمظهر أساسا في تهرب أو غش ضريبي.[25]

 و لقد نشأت هذه الظاهرة أولا على المستوى الوطني لذا كانت التشريعات الداخلية سباقة إلى إدراك مدى خطورتها على الاقتصاديات الوطنية لكون الضريبة تعد من أهم مصادر الإيرادات العامة للدولة ، التي تساعدها على مواجهة  العديد من المشاكل الاقتصادية التي قد تتعرض لها من حببن إلى آخر .

     وتبلور هذا الإدراك في صورة  تشريعات وطنية تهدف إلى سد المنافذ التي يحاول من خلالها الملزم الإفلات من أداء الضريبة أو التخفيف من عبئها بل وتقرر العقوبات وجزاءات جنائية وإدارية متدرجة للقضاء على هذه الظاهرة ولم تقتصر مواجهة هذه الظاهرة على الجهات المكلفة بجباية الضريبة بل امتدت إلى أجهزة الدولة المختلفة  ، كل في دائرة اختصاصه .[26]

كما يجب تفعيل التواصل بين الادارة الضريبية والخاضعين لها ( الافرادو المقاولات) يعني الربط بين المرسل والمرسل إليه وذلك من خلال تفعيل التواصل الجبائي وكذلك المواطنة الجبائية وكذلك تحسين العلاقات بين الخاضعين للضريبة و الإدارة الجبائية مع إرساء ثقافة المواطنة الجبائية.

 وبعد ما قيل من قول في هذا الجزء من الموضوع فمنه لا يمكن التوصل لسياسة جنائية قوية في ميدان الغش الضريبي إلا بضرورة التكامل بين ما هو جبائي وماهو جنائي، وسأعرض فيما يلي بعض المستجدات التي من شأنها تعزيز دور السياسة الجنائية في مجال الغش الضريبي (أولا ) ، ومقترحات المناظرة الوطنية حول الجبايات 3  201(  تانيا )، ثم أيضا بعض التوصيات للمؤتمر العلمي الدولي الأول للعلوم الجنائية لينة  2017 ( ثالثا ).

 أولا : المستجدات التي من شأنها تعزيز دور السياسة الجنائية في ميدان الغش الضريبي .

 لقد وجهت الحكومة إنذارا صريحا في  للمتهربين من دفع الضريبة في المغرب، حيث نص مشروع قانون المالية الجديد على أنه لن يتساهل مع المهربين والاشخاص الذين يثبث تورطهم في جرائم الغش الضريبي. وسوف تشمل العقوبات التي نص عليها المشروع الأشخاص المرتكبين للغش الضريبي، حيث نص المشرع على عقوبة سجنية تتراوح بين شهر و سنتين. وغرامة مالية قدرها 50 ألف درهم مع لجوء الحكومه للعقوبات الحبسية بعد أن أثبتث الغرامات عدم جدواها وفعاليتها.

مقال قد يهمك :   مدى قانونية إسناد مهمة إعداد تقرير افتحاص نجاعة الأداء إلى المفتشية العامة للمالية

  كما اتخذت الحكومة اجراءات العفو الضريبي لصالح دافعي الضرائب الذين يتقدمون طواعية إلى مصلحة الضرائب المغربية، لكن تلك الإجراءات لم تلق نجاحا كبيرا ، حيث أن الأشخاص الذين قرروا التقدم إلى مصلحة الضرائب ثم وضعهم تحت مجهر النيابة العامة وهو  ما قد يجعلهم خاضعين للمراقبة المستمرة . وهيمنت على قانون المالية المقتضيات اللرامية إلى محاربة ظاهرة الغش الضريبي وذلك من خلال تضييق  هامش التهرب وتشديد العقوبات . كما أن الحكومة استجابت لتوصيات المناظرة الوطنية لسنة 3201 كما سنعرض للحديث عنه بعد[27] هذه النقطة.

ثالثا : مقترحات المناظرة الوطنية حول الجبايات 2013 .

   سنعرض فيما يلي خلاصة للإقتراحات المنبثقة عن المناظرة الوطنية حول الجبايات المنعقدة بالصخيرات 29 و 30 أبريل 2013 ، حيث أكدت  المناقشات وتبادل الأراء خلال أشغال هذه المناظرة علي ضرورة التوفر على رؤية واضحة بشان التنمية في المغرب وعلى إدراج الإصلاح الجبائي في إطاار سياسة اجتماعية واقتصادية شاملة .

 وفيما يلي خلاصه لهذه الاقتراحات والنقاشات التي جسدت الرؤية السياسية الشاملة للحكومة:

_   وضع سياسة شمولية ومتوافقة لمعالجة القطاع غير المهيكل .

_  وضع تدابير تحفيزيه لفائدة المقاولات الصغرى والمتوسطة .

_   محاربة الغش الضريبي و تقوية عمل الادارة الجبائية .

_  تحسين عمل اللجن الضريبية من خلال إصلاح طرق اشتغالها .

_ التحصيل الفعال للديون الضريبية .[28]

 ثالثا : توصيات المؤتمر الدولي الأول للعلوم الجنائية 2017 .

   المؤتمر الدولي العلمي الأول الذي احتضنته مدينة أكادير 26يناير 2017 ، والذي نظم من طرف جامعة ابن الزهر بأكادير بشراكة مع الجمعية الأردنية للدراسات والبحوث الجنائية و المكتب الجهوي للودادية الحسنية للقضاة بأكادير، هذا المؤتمر كان فرصه لإثارة نقاش علمي هادئ ورصين حول القضايا الانية التي تهم السياسة الجنائية بالمغرب والذيي خلص إلى جملة من التوصيات :

_  إعادة صياغة المواد 192 الى 231 من المدونة العامة للضرائب .

_   إحداث لجنة استشارية للنضر في المخالفات الجنائية .

_   رفع العقوبات الى الحد المعقول .

_   تحويل النيابة العامة اختصاص تحريك الدعوى العمومية .

_ وضع ترسانة  جزرية مع تشديد العقوبات في مجال الجريمة المالية .[29]

وهكذا كخلاصة لهذا المطلب يمكن القول أنه لتوخي إصلاح أمثل وضمان مقاومة ناجحة للغش الضريبي بواسطة العقوبات الجنائية والجبائية التي سبق ذكرها ، فلابد من إرفاق قانون تجريم الغش الضريبي بالتفعيل ، وبإصلاحات موازية تهم الإدارة الجبائية وهياكلها عبر تقوتها وتقوية وسائلها البشرية والمادية ، وتقوية دورها الرقابي مع تفعيل التوصيات والمقترحات التي جاء بها كل من المؤتمر الدولي للعلوم الجنائية 2017 وكذلك المناضرة الوطنية 2013 وكل ذلك بغية الوصول إلى نضام جبائي أمثل والحد أو حصر التهرب والتملص الضريبي .

خاتمة :

    صفوة القول فإن القانون الضريبي هو قانون قائم بالفعل ومتجسد في مجموعة من المقتضيات ذات الطبيعة الممتزجة ما بين مقتضيات القانون الضريبي  والقانون الجنائي ، غير أن هذا القانون لا يرقى الى المستوى المطلوب والقادر على حماية قواعد القانون الضريبي من الخرق والتجاوز فأصبح لازم اعتماد مجموعة من الإجراءات والتدابير الهادفه إلى إعاده الإعتبار للقانون الضريبي ، و من بين المضاهر الإصلاخحية تقوية الجزاءات الضريبية الجنائية و تبسيط مساطر إثبات الجرائم الضريبية وتوقيع الجزاء، ولتحقيق هذه المتطلبات يستلزم وجود  سياسية جنائية قوية تحاول بالفعل التخفيف من حدة مرتكبي هذه الجرائم وهو الامر الذي لا يتأتي إلا بتوفر عزيمة جادة  من كل الأطراف على جميع المستويات .

       كما نؤكد على أن إصلاح المنظومة  الجنائية  يتطلب التفكير في وضع استراتيجية شاملة تحدد طبيعة و خصائص النظام الجبائي الذي تريد بلورته و تأخذ بعين الإعتبار مختلف أبعادها السياسية والمالية والاقتصادية والاجتماعية للضريبة ، وتستجيب لمتطلبات المواطنين مهما كانت مستوياتهم الاجتماعية كما تلبي حاجياتهم بشكل منصف وعادل.

   ونقترح في الأخير جملة من الخلاصات للوصول إلى نضام جبائي فعال وتجاوز أو التقليل لحد ما من الغش الضريبي وذلك كما يلي :

  •  أولا  :  العمل على تفعيل دور الإدارة الضريبة والقضاء الإداري .
  • ثانيا : إدخال جميع الأفعال الجرمية المتعلقه بالضريبة في القانون الجنائي.
  • ثالثا :  توسيع نطاق تطبيق جريمة الغش الضريبي .
  • رابعا : إعادة النظر في العقوبات الجنائية و الجبائية المرصودة  للغش الضريبي .
  • خامسا : تبسيط المسطرة القضائية للمتابعة في جريمة الغش الضريبي .
  • سادسا  : تكوين قضاء ضريبي متخصص في هذا النوع .

لائحة المراجع

الكتب

–   طارق  السلومي . تجريم الغش في الماده الضريبية .مطبعة.الامنية الدار البيضاء 2014

-عبد الرحمان أبيلا . الاثبات في المادة الجنائية. مطبعة الامنية الرباط 2018 .

-عبد السلام بن حدو .الوجيز في القانون الجنائي. المطبعة الوطنية مراكش .

-الحسين البر . التهرب الضريبي بالمغرب السلسلة المغربية للعلوم والتقنيات الطبعة 2013 الرباط .

الرسائل والأطروحات

-الصديق جعوان أرده. اشكالية القانون الضريبي بالمغرب .اطروحة لنيل الدكتوراة في القانون الخاص جامعة محمد الخامس كلية الرباط أكدال 2012 .

-مريم الراقي . السياسة الجنائية في ميدان الغش الضريبي .بحث لنيل دبلوم الماستر في شعبة القانون الخاص السنة الجامعية 2017 2016 .

-أنس الدحيمي .توجهات السياسة الجنائية في مجال الغش الضريبي. بحث لنيل دبلوم الماستر في شعبة القانون الخاص .السنة الجامعية 2016.

– خالد بن موسى. اشكاليات الغش الضريبي و علاقه الإدارة بالمكلف. رسالة لنيل الماستر في القانون العام جامعة عبد المالك السعدي بطنجة 2018 .

-عبد الإلاه خيرون : اشكاليات النظام الضريبي المغربي و استراتيجية الاصلاح بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون الاداري للتنمية كلية الحقوق ‏ طنجة 2018.

– فاطمه نرميش . اشكالية التهرب  في القانون الضريبي المغربي. رسالة لنيل دبلوم الماستر كليه مكناس 2017.

– هند الرملي . التهرب الضريبي واشكالياة المواطنة الجبائية. رسالة لنيل دبلوم الماستر جامعة الحسن الأول سطات .

– البشير وعدي . مديرية الضرائب من الاصلاح الجبائي الى الاصلاح الاداري رسالة الماستر بكلية الرباط .السنة الجامعية 1991.

المقالات

– ادريس معكوش . جريمة الغش الضريبي . مقال منشور في الجريدة الالكترونية القانونية بالمغرب عدد 308 تاريخ اطلاع 8 -3- 2019 .

المواقع الالكترونية

– عبد الفتاح بلخال . الضرائب في المغرب. موقع معلومة القانونية 2009 تاريخ 8 3 2019 موسوعه المعارف الحديثه منشورات التهرب الضريبي اكتوبر 1996.

–  خلاصة الاقتراحات المناظرة الوطنية حول الجبايات بتاريخ 29 و 30 ابريل 2013 الصخيرات.

–  تقرير المؤتمر الدولي الاول للعلوم الجنائية مدينة اكادير 26 يناير 2016.

القوانين

– الدستور المغربي لسنة 2011 .

– المدونة العامة للضرائب .

– القانون الجنائي المغربي .

– قانون  المسطرة الجنائية .

الفهرس


الهوامش:

[1] -الدكتور ادريس بعكوش. جريمه الغش الضريبي، مقال منشور بالجريده الالكترونيه القانونيه بالمغرب، عدد 308 ،تاريخ الاطلاع 8- 3 -2019.

[2] – مريم الراقي .السياسة الجنائية في ميدان الغش الضريبي،بحث لنيل دبلوم الماستر في شعبه القانون الخاص،السنة الجامعية  2017/ 2016.

[3] -أنس الدحيمني.  توجهات السياسة الجنائية في مجال الغش الضريبي ،بحث لنيل دبلوم الماستر في شعبة القانون الخاص، السنه الجامعية 2015/ 2016.

[4] – مريم الراقي. السياسة الجنائية المغربية . مرجع سابق .ص .34

 -[5] الماده 192 .من المدونه العامه للضرائب.

[6] -طارق السلومي – تجريم الغش الضريبي المادة الضريبية – مطبعة الامنية الدار البيضاء  2014 صفحه 106.

[7]   خالد بن موسى. اشكاليات الغش الضريبي و علاقة الادارة بالمكلف،رسالة لنيل الماستر في القانون العام، جامعة عبد المالك السعدي .طنجة 2008 صفحه 26.

[8]  الدستور المغربي في فصله 39.

[9]  عبد الفتاح بلخال. الضرائب في المغرب .موقع المعلومة القانونية . سنة 2009.

[10] – طارق السلومي . تجريم الغش الضريبي في الماده الضريبية .السلسله المغربية للعلوم والتقنيات .العدد السادس، مطبعة الأمنية الرباط 2016.

[11]   د.عبد السلام بنحدو. الوجيز في القانون الجنائي المغربي. المطبعة الوطنية ،مراكش الصفحة221.

[12]  انس الدحيمني ، توجيهات السياسية الجنائية ، مرجع سابق صفحة 69.

[13]  مريم راقي السياسه الجنائيه المغربيه مرجع سابق ص 70

[14] – مريم الراقي.السياسة الجنائية المغربية . مرجع سابق .ص 70.

[15] – مريم الراقي . السياسة الجنائية المغربية .مرجع سابق. ص 70.

[16]  مريم الراقي السياسة الجناائية في مسدان مرجع سابق ص 70

[17]  عبد الاه خيرون. اشكليات النظام الضريبي المغربي واستراتيجيات الاصلاح .ص 24.

[18] انس الدحيمني . توجيهات السياسة الجنائية في مجال….. مرجع سابق ص 28

[19]  الفصل 39 من دستور 2011.

[20] مريم الراقي . السياسة الجنائية في ميدان … م ج ص 70 .

[21] د . فاطمة نرميش . إشكالية التهرب الضريبي في القانون الضريبي المغربي . محاولة في التحليل . رسالة لنيل دبلوم الماستر ، كلية مكناس . 2008.2009.

[22] هند الرملي .التهرب الضريبي وإشكالية المواطنة الجبائية ، رسالة لنيل دبلوم الماستر . جامعة الحين الأول .سطات .ص 257.

[23] خالد بنموسى .إشكالية الغش الضريبي …. مرجع سابق ، ص 70 .

[24] موسوعه المعارف الحديثه طبع في المغرب في اكتوبر 1996 صفحه 22

[25] البشير وعدي . مديرية الضرائب من الإصلاح الجبائي إلى الإصلاح الإداري . رسالة لنيل دبلوم الماستر بكلية الرباط . السنة الجامعية 1997 . ص 149 .

[26] البدر الحسين . التهرب الضريبي بالمغرب . السلسلة المغربية للعلوم والتقنيات الضريبية . الطبعة الأولى . 2013 . الرباط .ص 8 .

[27] – مشروع قانون المالية لسنة 2017.

[28]  خلاصة الإقتراحات المنبثقة عن المناضرة الوطنية حول الجبايات . المنعقدة بالصخيرات بتاريخ 29 و30 أبريل 2013 . ص 4 . 6 .

[29] تقرير حول الؤتمر العلمي الدولي الاول للعلوم الجنائية الذي احتضنته مدينة اكادير 26 يناير 2017.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]