مجلة مغرب القانونالقانون العاممحمد عشور : توجهات إستراتيجية للإصلاح المرتبط بالجهاز الإداري المغربي

محمد عشور : توجهات إستراتيجية للإصلاح المرتبط بالجهاز الإداري المغربي

محمد عشور باحث دكتوراه العلوم القانونية والسياسية جامعة ابن طفيل القنيطرة

تمهيد:

إن التنمية الإدارية عملية مجتمعية يتم من خلالها زيادة كفاءة الجهاز الإداري الحكومي، والحد من تعقيد الإجراءات الحكومية وتبسيطها باستمرار الانتقال نحو الإدارة الحكومية الموجهة بالأداء، والتحول نحو الإدارة التخطيطية والوقائية وليس الإدارة العلاجية والإدارة بالأزمات، وتتوجه نحو تخفيف الهدر وتداخل الصلاحيات ونحو رفع مستوى الخدمات الحكومية ومستوى رضاء المواطن عنها[1].

وانطلاقا من ذلك، فإن بعض الكتاب في علم الإدارة قد رسموا استراتيجيات إصلاح الجهاز الحكومي من حيث درجة احتواء جهود وبرامج الإصلاح للعناصر الحرجة المحددة لأداء المنظمات الحكومية (المبحث الأول)، ودرجة شمول الإصلاح لمنظمات وقطاعات الجهاز الإداري للدولة (المبحث الثاني).

المبحث الأول: درجة احتواء جهود وبرامج الإصلاح للعناصر الحرجة المحددة لأداء المنظمات الحكومية

إن إستراتيجية الإصلاح يمكن أن تركز على عنصر واحد أو عناصر محدودة أو أن تشمل مختلف العناصر والعوامل الرئيسية التي تؤثر وتصب في فعالية الأداء.

ففي الحالة الأولى تكون إستراتيجية الإصلاح كثيرة و قاصرة، وفي الحالة الثانية تكون الإستراتيجية متكاملة، فإستراتيجية الإصلاح التي ترتكز على تطوير الهياكل التنظيمية والوظيفية الرسمية، وتهمل نظم الرواتب والحوافز ومهارات وممارسات العاملين، ونظم وممارسات التنسيق والرقابة وقياس الأداء…إلخ، تعتبر استراتيجيات قاصرة مثلها مثل تلك التي تركز على عنصر من عناصر الأنظمة والممارسات وتهمل بقية العناصر الأخرى، وتعتبر هذه الاستراتيجيات القاصرة محدودة الأثر، لأن العنصر محل التطوير يتضافر مع عديد من العناصر الأخرى المكونة للنظام الكلي للأداء الإداري، فإنه مسه التطوير والتغيير دون بقية العناصر التي تتفاعل معها، فإن بقية العناصر التي لم يلحقها التطوير ستحيد على أقل تقدير.

وفيما يلي عناصر البدايات الإستراتيجية المقترحة لإصلاح الجهاز الحكومي[2]:

1/ إعادة هيكلة الحكومة:

تمثل إعادة تطوير أدوار الحكومة، لكن تتلاءم مع الإستراتيجية التنموية والسياسات والبرامج المنبثقة عنها، نقطة بدء أساسية في إصلاح الجهاز الحكومي الذي يدعم هذه الإستراتيجية ويخدمها، فإعطاء القطاع الخاص دور أكبر في التنمية وتفعيل آليات السوق والمنافسة والاهتمام بالتصدير، يتطلب تقليصا لأدوار الحكومة في الإنتاج والإدارة المباشرة لمؤسسات الإنتاج، وتنمية لأدوارها في مجالات أخرى عديدة[3].

إن تنمية دور الحكومة في هذه المجالات لا يمكن أن يتم في ظل هيكلها وتنظيمها على ما هي عليه لذلك فإن إعادة تنظيم الحكومة هيكلها الوزاري العضوي، يصبح ضرورة لا غنى عنها، أما الهدف من إعادة تنظيم الحكومة فهو تمكينها من مباشرة مهامها وأعمالها في المجالات السالفة الذكر، فضلا عن تمكينها من تحقيق إدارة وتنسيق ومتابعة السياسات التنموية الرئيسية.

2/ تطوير آليات عمل المراكز الإستراتيجية المسئولة عن السياسات التنموي:

لتحقيق إدارة فعالة للسياسات والبرامج التنموية، يتطلب الأمر أن يتم تطوير الهياكل التي تستخدمها المراكز العليا في الحكومة وتشمل هذه المراكز، واللجان الوزارية والمجالس العليا والوزراء[4].

ولعل أحد أبرز الآليات التنسيقية التي يستخدمها عديد من الدول المتقدمة، في هذا المجال، واستخدمتها اليابان منذ بداية تجربتها التنموية، كما استخدمتها النمور الأسيوية أيضا هي فرق ومجموعات المستشارين والخبراء متعددة التخصصات التي تكون بمجلس الوزراء، وتختص هذه الفرق والمجموعات بدعم المجلس وبتحليل المشكلات القومية القائمة والمتمثلة بدراسة المؤشرات والاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية… الخ، باقتراح وتحليل بدائل السياسات العامة، ومتابعة وتقيم نتائج السياسات والبرامج التنموية، وصياغة مشروعات القوانين التي تتقدم بها الحكومة وتعمل هذه الفرق بمثابة قوة وطاقة تحليلية وفكرية متعمقة تعزز عمل المراكز الإستراتيجية لصنع القرار.

3/ مشاركة المؤسسات غير الحكومية في وضع السياسات التنموية:

يخدم السياسات والبرامج التنموية ويدعم فعاليتها أن تشارك في صنعها مؤسسات القطاع الخاص والمؤسسات غير الحكومية التي تنعكس عليها هذه السياسات.

وتتمثل اتحادات المنتجين في قطاع الزراعة والغرف التجارية، والاتحادات الصناعية، وجمعيات رجال الأعمال، وجمعيات واتحادات المستهلكين أمثلة المؤسسات الحكومية التي تعتبر معينة بالسياسات التنموية.

فكلما تدخلت التنمية مع الاتجاهات الاجتماعية والشؤون المحلية ومعايير المعيشية، والحياة والتقاليد والأعراف الوطنية والمؤسسات الاجتماعية والمحلية التي تمس حقوق الناس ومستوى معيشتهم، رأت منظمات المجتمع المدني ضرورة التدخل – فمنظمات المجتمع المدني- تزيد المشاركة والتأثير في سياسة التنمية[5]

وقد اعتمد اليابان وسنغافورة وكوريا وماليزيا وتايلاند في الاعتماد على مجالس المشورة المختلطة، كآليات للتمازج والتداخل والتفاعل بين الأجهزة الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص والمؤسسات غير الحكومية في رسم ومتابعة سياسات عامة رئيسية مثل سياسات الاستثمار، والتصدير، والسياسات الصناعية، وسياسات الأجور… الخ[6].

وتعتمد دولا عديدة لهذا الأسلوب لتوفير مشاركة للأطراف المعنية بالسياسات العامة كوسيلة لزيادة فعالية هذه السياسات وفرص نجاحها.

4/ ضبط وتقليص حجم الجهاز الحكومي:

يمثل الحجم الكلي للجهاز الحكومي أحد نقاط البدء الاستراتيجي في إصلاحه وتطوره، فالحجم الكلي للجهاز الحكومي، سواء قيس بعدد العاملين في الحكومة أو بحجم الموازنة العامة مقارنة بالقطاعات الأخرى، يعتبر مؤشرا هاما لتوازن توزيع الموارد على مستوى المجتمع، كما أنه يعتبر مقياسا لدرجة ضبط وكفاءة الجهاز الحكومي و ترهله وتضخمه، ويعتبر ضبط وتقليص حجم الجهاز الحكومي وسيلة لبداية السيطرة على أدائه، ولتحسين أوضاع ورواتب وحوافز العاملين فيه، وللقضاء على الهدر الكبير في موارد المجتمع المتمثل في البطالة المقنعة التي تحتويها أجهزتها[7].

مقال قد يهمك :   قراءة في مدونة الأسرة محور مائدة مستديرة لمنتدى الحداثة والديمقراطية بالرباط

لذلك يتضمن سياسات التصحيح الاقتصادي إعادة النظر في حجم الجهاز الحكومي، بتخفيض وضبط حجم هياكله الإدارية والوظيفية، وإيقاف المد التوسعي لهذه الهياكل وردها في اتجاه عكسي بحيث يتم الإبقاء على الضروري منها الذي يلزم لأداء أدوار الجهاز الحكومي بعد إعادة تشكيلها.

المبحث الثاني: درجة شمول الإصلاح لمنظمات وقطاعات الجهاز الإداري للدولة

إن التطوير بصرف النظر عما إذا كان يركز على عنصر واحد أو على مختلف العناصر الحرجة، يمكن أن ينصرف إلى عدد محدود من المنظمات، أو على قطاعات محدودة من الجهاز الإداري للدولة كما يمكن أن يشمل كل أو الجزء الأعظم من منظمات وقطاعات هذا الجهاز.

بناء على المعيارين السابقين يمكن التمييز بين أربعة بدائل إستراتيجية لنطاق الإصلاح كما يبين الجدول التالي[8]:

عناصر الإصلاح الحرجة

القطاعات أو المنظمات المستهدفة الإصلاح

القلة من العناصر أغلب العناصر
القلة من المنظمات أو القطاعات إستراتيجية الإصلاح الجزئي إستراتيجية الإصلاح القطاعي
كل أو أغلب المنظمات أو القطاعات إستراتيجية الإصلاح الأفقي إستراتيجية الإصلاح الشامل

ولعل الاطلاع على تجارب الإصلاح الإداري في الدول المختلفة الغربية منها الاشتراكية والنامية يبين لنا التمييز بين أربع استراتيجيات للإصلاح الإداري تتبع أو تعتمد بناءً على مدى نطاق شمول الإصلاح وازدواجيته[9].

1/ إستراتيجية الإصلاح الجزئي:

وتمثل هذه الإستراتيجية جهود الإصلاح التطوير الإداري التي تنصب على قلة من العناصر المكونة للنظام الإداري الكلي، ويختار للتطوير الإداري فيها عدد محدود من المنظمات فقد يتم تبسيط إجراءات العمل، أو تطوير الهياكل التنظيمية والوظيفية، أو تدريب القيادات الإدارية… الخ، في عدد قليل من المنظمات الحكومية وتعتبر هذه الإستراتيجية من الاستراتيجيات القاصرة وهي أضيقها من حيث النطاق، فيتم استخدامها عندما تنبع جهود الإصلاح من داخل المنظمة ذاتها، في ظل غياب ضغوط الإصلاح أو ضعف ضغوط الإصلاح أو الرقابة من قبل جهات خارجية.

لذلك تأتي نتائجها في أضيق الحدود، ولخدمة مصالح واهتمامات ذاتية للمنظمة نفسها، والعاملين فيها ويمكن القول أن جزء كبير من جهود الإصلاح والتطوير التي تتم ذاتيا من داخل المنظمة الحكومية في البلاد العربية، تنطبق عليها ملامح ودوافع هذه الإستراتيجية[10] ولأن هذه الإستراتيجية تركيز على قلة من العناصر فإن أثرها على تحسن مؤشرات فعالية الأداء لهذه المنظمات يكون بالتالي محدودا.

2/ إستراتيجية الإصلاح الأفقي:

تمثل هذه الإستراتيجية جهود الإصلاح الإداري التي تنصب على قلة من العناصر المكونة للنظام الإداري، لكنها تطبق على كافة منظمات الجهاز الحكومي أو قطاعاته أو على أغلبها[11].

وتعتبر هذه الإستراتيجية من الاستراتيجيات القاصرة أيضا لأنها تركز على عنصر واحد أو قلة من العناصر فقط المكونة للنظام الإداري الكلي، ولا يشفع لجهود الإصلاح هنا كونها شملت الجزء الأغلب من منظمات أو قطاعات الجهاز الحكومي، فالتركيز على عنصر أو قلة من العناصر دون عناصر أخرى حرجة، يضع حدودا على الفعالية لا نهاية لجهود الإصلاح، حتى لو مست هذه الجهود أغلب منظمات الجهاز الحكومي[12].

3/ إستراتيجية الإصلاح القطاعي:

تمثل هذه الإستراتيجية جهود الإصلاح التي تنتقي عددا محددا من المنظمات الحكومية، وتركز على متطلبات التطوير لرفع فعالية أدائها، فيتم بذلك تطوير مختلف العناصر الحرجة لأنظمة هذه المنظمات وممارستها، ونقطة البداية في صياغة هذه الإستراتيجية هي الأداء النهائي للمنظمات المستهدفة بالتطوير، لذلك فإن تحديد متطلبات التطوير يتوجه إلى مختلف العناصر الأساسية والحرجة ليشخص ما يعتري كلا منها من قصور أو ما يلزم تغيره فيها يساند التطوير اللازم في عنصر آخر[13].

ولهذا فإن هذه الإستراتيجية تعتبر نموذجا مصغرا للتطوير المتكامل في النظام الإداري للجهاز الحكومي ككل.

وهناك مداخل عملية مختلفة يمكن بمقتضاها الأخذ باستراتيجيات الإصلاح القطاعي وفيما يلي بعض مداخل الاستراتيجيات القطاعية[14]:

أ/ مدخل المنظمات النواة:

وفي هذه الإستراتيجية يتم اختيار عدد محدود من المنظمات القائمة، لتكون نواة وتتم دراسة شاملة، ثم إجراء إصلاح كلي لأنظمتها وأوضاعها، وبناء على النجاح الذي يتحقق في هذه المنظمات النواة يتم التوسع في عينة الإصلاح باختيار منظمات أخرى تتوفر فيها مقومات النجاح التي تحققت في المنظمات الأولى وهكذا.

ب/ مدخل إنشاء منظمات جديدة موازية حول المنظمات المتعثرة:

يتضمن هذا المدخل الالتفاف حول بعض المنظمات القائمة المتعثرة التي تردت أوضاعها، وتفاقمت مشكلاتها، بإنشاء منظمات جديدة موازية.

ويتم تعزيز المنظمات الجديدة بتنظيم وأوضاع جديدة، وبعناصر قيادية وعناصر عمالة توفر لها احتمالات قوية للنجاح، وفي الوقت نفسه الذي يتم فيه تعزيز كيان المنظمات الجديدة وتوفير سبيل نجاحها، يتم العمل على تصفية المنظمات القديمة وإنهاء أوضاعها تدريجيا، بسحب اختصاصاتها ونقلها إلى المنظمات الجديدة.

ج/ مدخل اختيار منظمات ناجحة وتعميم مقومات نجاحها:

مقال قد يهمك :   تفاقم احتجاجات الأساتذة المتعاقدين في ضوء خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان (2018/ 2021)

ويتم وفق هذا المدخل على اختيار منظمات وحالات نجاح قائمة بالفعل وفق معايير معينة من القطاع أو مجموعة المنظمات المراد إصلاحها، وتتم دراسة هذه المنظمات التي تمثل جزءا متميزة دراسة وافية للتعرف على مقومات نجاحها، ومن وواقع هذه الدراسة يتم تعميم مقومات النجاح هذه وتوفيرها للمنظمات الأخرى، وتعتمد فعالية هذا المدخل على معايير اختيار المنظمات الناجحة وعلى الدراسة التي تجرى لأوضاعها وممارستها وعوامل نجاحها ومدى استخدامها لمقومات بيئية إيجابية.

4/ إستراتيجية الإصلاح الشامل:

تمثل هذه الإستراتيجية جهود الإصلاح الإداري التي تتناول بالتطوير مختلف العناصر الحرجة للأنظمة والممارسات الإدارية، وذلك في كل أو أغلب قطاعات الجهاز الحكومي ومنظماته[15].

وتعتبر هذه الإستراتيجية بمثابة ثورة في أنظمة وممارسات الجهاز الحكومي إذا تم تطبيقية دفعت واحدة وعلى نطاق شامل، لذلك فإن نجاحها متوقف على توفر الدوافع السياسية اللازمة والمقومات المجتمعية الكلية التي تدعم وتؤازر إصلاح نظام إدارة الجهاز الحكومي ككل[16].

فنجاحها يتطلب فضلا عن تبني القيادة السياسية لهدف التغيير والتطوير الإداري الشامل، تطويرا في الدور الرقابي للمؤسسات التشريعية وغيرها من مؤسسات الرقابة الخارجية على الحكومة، وتغيرا وتصحيحا في توازنات القوى بين المؤسسات والسلطات في المجتمع، كما يتطلب تطوير أو تغيير في نظم التعليم، وكذلك تطويرا في البناء الاجتماعي، لذلك فإن احتمالات نجاح هذه الإستراتيجية تعتبر أقوى عندما يمر المجتمع ككل بعمليات تغير وتنمية مجتمعية شاملة.

إن الإصلاح الإداري في هذه الحالة يمثل مقوما رئيسيا لنجاح خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومن جانب آخر يكون نجاح الإصلاح الإداري رهينا بما يحدث من إصلاح وتنمية للجوانب المجتمعية الأخرى، السياسية والاجتماعية والاقتصادية كافة.

خاتمة:

إن المجتمع “الحي” و”النابض” يتطور بحاجاته وتكيفه مع البيئة التي ما فتئت تتبدل، وهذا يحتم بالضرورة على المؤسسات أن تتطور أيضـا، وأن تعمل جاهدة على تطوير نجاعة أداءاتها. بحيث يلزم عليها الأخذ بممارسات سلوكية فضلى، تسنح لها بمواكبة التغير والتأقلم مع ما يحدث والاستجابة للمتطلبات الطارئة والملحة والمتجددة لشريحة عريضة من الأفراد داخل المجتمعات التي تقوم فيها ويتوطد عليها بنيانها.

وبشكل عام، يمكن التأكيد أن كل سياسة جديدة ومرحلة جديدة تظل في أمس الحاجة، وفق رؤية متجددة، إلى رؤى إدارية جديدة ومتطورة وموارد بشريـة كفأة ومتمكنة.

وقد حرصت سياسات الإصلاح الإداري في سائر بلدان المعمور على تلبية هذا الطموح وتغذيته بشكل ايجابي. فانطلاقا من الأهمية المتزايدة التي أصبحت تمثلها الإدارة العمومية، ونظرا للتحديات التي تواجهها في إطار تيار العولمة الجارف، الذي أدى إلـى توجيه الإدارات العمومية نحو تقنيات جديدة للتدبير والتنظيم، أصبح الوعي الشامل بالحاجة الكبــرى للإصلاح الإداري من طرف أغلبية الدول مصحوبا بضرورة العمل العميق نحو تمتين عمـل الإدارة للتقدم من أجل مواكبة العولمة والشمولية والتنافسية. هذه المواكبة تعد بالنسبة للمغرب بمثابة منطلق فلسفة الإصلاح الإداري، والتي ينبغي أن ينظر إليها في إطار كلي. فنظرا لارتباط إصلاح الإدارة بإصلاح الدولة في ظل ما يسمى بالتحديث الإداري، لم يعد من الممكن الحديث عن إصلاح للإدارة في غياب إصلاح شامل يستوعب الدولة نفسها.

إن الإصلاح الإداري بالمغرب ليس مطمحا وليد اليوم، بل إن المغرب نهج سياسة الإصلاح الإداري منذ استرجاعه لاستقلاله، في محاولة حثيثة منه لتجاوز سلبيات وأعطاب الإدارة الاستعمارية والرفع من النجاعة والمردودية، عن طريق القيام بمجموعة من الإصلاحات على هذا الصعيد.

هكذا، أولت واهتمت مختلف مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي عرفها المغرب بالإصلاح الإداري كآلية سياسية لتحديث وعصرنة الإدارة المغربية، حيث أعطت أولوية خاصة لتحسين ظروف العمل الإداري ووسائله ولكل ما يتعلق بأخلاقيات الوظيفة العمومية والاتصال المباشــر بالجمهور والإعلام، كما اهتمت بالجانب المسطري من خلال بعدين إثنين حاسمين، يتعلق الأول بتبسيط المساطر الإدارية والتخفيف من الإجراءات، فيما يهدف الثاني إلى تحسين العلاقة بيـن الإدارة والجمهور. كل ذلك يخلق نوعا من النمذجة “المثالية” بين تيمتي “الحكامة” و”الإصلاح الإداري”، باعتبارهما معا نتاجا خالصا للمسارات الإصلاحية المؤسساتية، أي أن للإصـلاح الإداري أدوارا تاريخية وتفاعلية ومؤسساتية تؤسس لإدارة الحكامة كإدارة “مواطنة” وكإدارة للتنمية البشريــة المستدامة، تتسم بكل خصائص التدبير الجيد من تخليق وشفافية وترشيد وعقلنة وانفتاح وتواصل وتبسيط وتحفيز.


الهوامش

(=)تم تحكيم هذا المقال من طرف اللجنة العلمية لمركز مغرب القانون للدراسات والأبحاث القانونية.

[1] – رعد حسن الصرف: “صناعة التنمية الإدارية في القرن الواحد والعشرين”، دار الرضاء للنشر والتوزيع 2007، ص 4.

[2] – إن من أهم البدايات للتنمية الإدارية وجود الإرادة السياسية وإرادة الإصلاح في كل مكونات الجهاز الإداري لان التنمية الإدارية تشكل مجموعة من العناصر المتغيرات التي يجب العمل على إصلاحها وتنميتها ابتداء من قمة الهرم الإداري للدولة حتى المستفيد من الخدمة وهو المواطن أو المدار، انظر محمد الصيرفي، الإصلاح والتطوير الإداري، كمدخل للحكومة اليكترونية، دار الكتاب القانوني، سلسلة إصدارات الإدارة العامة، الإسكندرية 2007، ص 44.

مقال قد يهمك :   الطريقة العملية لتسوية وضعية الشيكات بدون رصيد

[3] – وتتمثل هذه المجالات في توفير مرافق كفوه لخدمات البنية الأساسية التي تلبي احتياجات مؤسسات الإنتاج، وفي إيلاء أهمية عظمى للتنمية البشرية وذلك من خلال إحداث إصلاح جذري وشامل في نظم وخدمات التعليم والتدريب والصحة، وكذلك كل ما يرتفع بطاقات الموارد البشرية، ويرتقي بجودة حياتها، ومن هذه المجالات أيضا تنمية دور الحكومة في دعم البحوث والتطوير التي ترتقي بالإنتاجية والجودة، وفي الرقابة الصارمة على المواصفات والحفاظ على البيئة وحماية المنافسة وتنشيط الآليات السوق، وتوفير مناخ مشجع للاستثمار، والإدارة الكفاءة للاقتصاد القومي بما يحقق النمو مع الحفاظ على قدر ملائم من عدالة المشاركة في ثماره.

[4] – لدلالة على أهمية الآليات التي تستخدمها هذه المراكز الإستراتيجية، ما تقوم به اليابان من دورية منتظمة لآليات عمل مجلس الوزراء بهدف اكتشاف فرص التنمية والتطوير وتقويتها.

     وأيضا ما تقوم به العديد من الدول النامية لتشكيل العديد من اللجان المنبثقة عن مجلس الوزراء وأهم هذه اللجان:

  • لجنة القرارات السيادية والمشاركة السياسية والمدنية وهدفها تفعيل المشاركة السياسية والمدنية.
  • لجنة تطوير القطاع العام وهدفها الأساس تفعيل المسألة وقياس الأداء الحكومي.
  • لجنة التنمية الاقتصادية والنشاط الاقتصادي وهدفها تفعيل وتحفيز بيئة الاستثمار وتوسيع قاعدة الطبقة الوسطى.
  • لجنة التنمية البشرية وهدفها تمكين ودعم كفاءة المواطن والاهتمام بعناصر التنمية البشرية من تعلم وصحة ومستوى أداء مرتفع… إلخ.
  • لجنة التنمية والمشاريع الكبرى وهدفها تحفيز النمو الاقتصادي.
  • لجنة الخدمة وهدفها تحسين نوعية الخدمات المقدمة للمواطنين.
  • لجنة السياسات الاقتصادية وهدفها الملائمة في وضع السياسات القانونية والمالية.

       انظر 2022/08/08: www.ammonnews.net

[5] – للمزيد من الاطلاع حول دور منظمات المجتمع المدني في التأثير في السياسات التموين راجع:

www.ammonnews.net

www.annd.org/magees.

[6] – محمد الصيرفي: الإصلاح والتطوير الإداري، كمدخل للحكومة الإلكترونية، مرجع سابق، ص 48.

[7] – وتعطينا اليابان درسا هاما بكيفية اقتران استراتيجيها التنموية التي اختطتها بعد الحرب الثانية، سياسة صارمة في الحد من زيادة عدد العاملين في الجهاز الحكومي، وتضخم موازنته، وتعتبر اليابان من أقل دول العالم في نسبة عدد الموظفين في الجهاز الحكومي إلى العدد الكبير للسكان. إذ تبلغ هذه النسبة في اليابان باستثناء الدفاع 32 موظف حكومي لكل ألف من السكان، وتبلغ هذه النسبة 69 في الولايات المتحدة الأمريكية، 73 في المملكة المتحدة، 112 في فرنسا. كذلك عمدت اليابان إلى التضخم في الجهاز الحكومي عن طريق دفع النمو إلى القطاعات الاقتصادية الأخرى سعيا منها لتدارك ما يترتب على هذا التضخم من تأثير سلبي على الاقتصاد.

     – انظر محمد الصيرفي، مرجع سابق، ص 50.

     – انظر الإصلاح الإداري لدعم سياسات الإصلاح الاقتصادي في البلاد العربية “وثائق الاجتماع الوزاري حول التنمية الإدارية والإصلاح الإداري لدعم برامج التنمية والإصلاح الاقتصادي في البلاد العربية”، منشورات المنظمة العربية للتنمية الإدارية، وثائق الدورة الخمسين المستأنفة للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك 15- 19 أبريل 1996، ندوات ومؤتمرات، ص 53.

[8] – انظر محمد الصيرفي: “الإصلاح التطوير الإداري كمدخل للحكومة الالكترونية”، مرجع سابق، ص 61.

[9] – ديالا الحاج عارف: “الإصلاح الإداري الفكر والممارسة”، دار الرضاء للنشر والتوزيع عمان الاردن، 1997، ص 23.

[10] – محمد الصيرفي، “الإصلاح التطوير الإداري كمدخل للحكومة الالكترونية”، مرجع سابق، ص 63.

[11] – ديالا الحاج عارف: “الإصلاح الإداري الفكر والممارسة”، دار الرضاء للنشر والتوزيع عمان الاردن، 1997، ص 24.

[12] – وهناك أمثلة عديدة على هذه الإستراتيجية الأفقية، فتعتبر الجهود التي تستهدف توصيف الوظائف في الجهاز الحكومي، أو وضع تطوير الهياكل التنظيمية لمنظماته، أو تصحيح سلم الأجور والمرتبات، أو إجراء تقييم للوظائف، أو تصحيح الأوضاع الوظيفية للعاملين… الخ. في جميع قطاعات الجهاز الحكومي، أو معظمها أمثلة على الإستراتيجية الأفقية، طالما أن تصحيح أو تطوير هذه العناصر يتم بالتركيز على بعضها دون البعض الآخر من العناصر الحرجة.

[13] – ديالا الحاج عارف، “الإصلاح الإداري الفكر والممارسة”، مرجع سابق، ص 24.

[14] – محمد الصيرفي: “الإصلاح الإداري كمدخل للحكومة الالكترونية”، مرجع سابق، ص 66.

[15] – فهذه الإستراتيجية شبيهة بإستراتيجية الإصلاح القطاعي من حيث أنها تشمل مختلف العناصر الإدارية الحرجة التي تؤثر في أداء الجهاز الحكومي، وهي شبيهة بإستراتيجية الإصلاح الأفقي من حيث أنها تشمل الكل أو الجزء الأعظم من الجهاز الحكومي.

      انظر ديالا الحاج عارف، “الإصلاح الإداري الفكر والممارسة”، مرجع سابق، ص 25.

[16] – محمد الصيرفي، “الإصلاح التطوير الإداري كمدخل للحكومة الالكترونية”، مرجع سابق، ص 68.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]