مجلة مغرب القانونفي الواجهةتباين أحكام القضاء المغربي بخصوص العملات المشفرة في ظل غياب إطار قانوني

تباين أحكام القضاء المغربي بخصوص العملات المشفرة في ظل غياب إطار قانوني

مغرب القانون/ الدار البيضاء

خلف غياب إطار قانوني واضح يؤطر التعامل بالعملات المشفرة تبايناً في وجهات النظر لدى المحاكم المغربية، التي عرضت عليها بعض القضايا التي كان موضوعها عملة “البيتكوين” خلال السنوات الماضية.

وتفيد معطيات صادرة عن رئاسة النيابة العامة بأن عدد القضايا المسجلة بشأن استعمال العملات المشفرة بالمغرب لم يتجاوز خلال السنوات الثلاث الماضية 20 قضية، 13 قضية منها كانت سنة 2019، مع ارتفاع ملحوظ خلال سنوات 2020 و 2021 وبداية سنة 2022

ومع تعاظم ظاهرة العملات المشفرة في العالم، أبدت رئاسة النيابة العامة اهتماماً بها، وقد أثار انتباهها تسجيل قضايا تتعلق باقتناء تكنولوجيا لتعدين هذه العملات المشفرة، وخاصة “البيتكوين”.

ويقصد بالتعدين “Minage” تلك العملية التي يباشرها أشخاص يطلق عليهم Les mineurs نسبة للعمل المنجمي، حيث يتم إجراء مجموعة من العمليات الرياضية والمعادلات اللوغاريتمية في إطار سلسلة الكتل لاكتشاف كتلة جديدة. ويتلقى هؤلاء الأشخاص كمقابل عن ذلك مكافأة عبارة عن عملات افتراضية جديدة.

وتباينت الأحكام الصادرة عن القضاء المغربي في قضايا التعاملات بالعملات المشفرة خلال السنوات الماضية، إذ تمت إدانة متهمين تعاملوا بعملة “البيتكوين” بعلة عدم قانونية هذا النوع من المعاملات، فيما تمت تبرئة آخرين بعلة أن فصول قانون الصرف التي توبعوا بها تخص العملات التقليدية وليس العملات الإلكترونية.

ويرجع تضارب مواقف المحاكم المغربية بشأن التعامل بالعملات المشفرة بالأساس إلى اختلافها بشأن تحديد طبيعة هذه العملات، فهناك اتجاه قضائي أول يعتبر أنها تدخل ضمن مخالفات قانون الصرف، والفصل 339 من القانون الجنائي الذي يجرم صنع أو تداول عملة تقوم مقام النقود المتداولة.

أما الاتجاه القضائي الثاني فينحو نحو عدم اعتبار العملات المشفرة عُملة أو نقودا، بل أخرجها من نطاق النصوص القانونية سالفة الذكر، ويخلص إلى أن التعامل بها لا يشكل جريمة في غياب نص جنائي صريح.

وحري بالتنويه أن العمل القضائي بالمغرب لا زال يستعين بالظهير الشريف المؤرخ في 30 ستنبر 1949 المتعلق بجزر ما يرتكب من المخالفات للضابط المتعلق بالصرف دون وجود أي تحيين يتعلق بمستجدات العملات الرقمية، وهو ما ينتج صعوبات حقيقية في تكييف التعامل بمثل هذه العملات.

وأمام هذا الوضع، كشفت رئاسة النيابة العامة ضمن تقريرها السنوي لـ2019 أنها عقدت اجتماعاً لتدارس هذه المشكلة حضرته مجموعة من القطاعات المعنية، منها بنك المغرب ووزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، ووزارة الداخلية، ووزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر الرقمي.

مقال قد يهمك :   تتميم مدونة التجارة بمقترح قانون لملاءمة الممارسة البنكية في المغرب مع أوروبا

واتفق خلال الاجتماع سالف الذكر على توسيع عضوية اللجنة المشكلة على مستوى بنك المغرب لتدارس هذه المشكلة، وإنجاز دراسة شاملة لهذه الظاهرة قصد الوقوف على تفاصيلها وإيجاد الحلول الكفيلة بتأطيرها على مستوى السياسة المالية والسياسة الجنائية.

ومن أجل معالجة الإشكالية القانونية التي واجهت القضاء المغربي في بته في هذا النوع من القضايا خلال السنوات الماضية، في ظل استمرار خلقها جدلاً على مستوى العالم، قررت رئاسة النيابة العامة القيام بدراسة مستفيضة حول هذا الموضوع.

وسبق لعبد الرحمان اللمتوني، رئيس شعبة تتبع القضايا الجنائية الخاصة برئاسة النيابة العامة، أن اقترح وضع نظام للترخيص والتسجيل يسمح بإحداث منصات للتعامل بالعملات المشفرة، مع إخضاع المقاولات التي تستعملها لمراقبة بنك المغرب أو وحدة معالجة المعلومات المالية، على غرار ما هو معمول به في عدد من الدول.

وعلى مستوى القانون، اقترح القاضي، ضمن مقال له بمجلة رئاسة النيابة العامة، وضع نصوص زجرية رادعة بشأن الممارسة السرية لنشاط تحويل العملات المشفرة دون مراعاة قواعد التسجيل والترخيص، وتعديل المقتضيات المتعلقة بمكافحة غسل الأموال، بجعل المقاولات التي تباشر نشاط تحويل العملات المشفرة ضمن لائحة الأشخاص الخاضعين، وإلزامها بواجبات اليقظة والتصريح بالاشتباه لوحدة معالجة المعلومات المالية.

جدير بالذكر أن ثلاث مؤسسات رسمية، وهي بنك المغرب والهيئة المغربية لسوق الرساميل ووزارة الاقتصاد، سبقت أن حذرت، سنة 2017، من التعامل بعملة “البيتكوين”، بعدما لاحظت إقبالاً على شرائها من طرف فئة من المغاربة، نظراً إلى الارتفاعات الخيالية لسعرها في سوق العملات الافتراضية.

وعللت السلطات المالية المغربية موقفها من التعامل بعملة “البيتكوين” باعتبارها نشاطاً غير منظم، ينطوي على مجموعة من المخاطر المرتبطة بغياب إطار حمائي للزبون المتعاطي لهذا النشاط، وتقلب سعر صرف العملات المشفرة، وإمكانية استعمالها في ارتكاب بعض الجرائم الخطرة.

مقال قد يهمك :   يونس الزهري : دعوى إتمام إجراءات البيع العقاري في التشريع المغربي

وفي مارس من السنة الماضية، غير بنك المغرب موقفه بخصوص العملات المشفرة، خلال مؤتمر دولي حول التحول الرقمي في الرباط، حيث قال الوالي عبد اللطيف الجواهري إن البنوك المركزية مدعوة إلى “وضع حلول مؤقتة للأصول المشفرة في ظل غياب مرجع قانوني يخول لها ذلك”.

وسبق لمكتب الصرف أن أصدر بلاغاً سنة 2017، ينهي فيه إلى علم العموم أن المعاملات بالنقود الافتراضية تشكل مخالفة لقانون الصرف الجاري به العمل، وتعرض مرتكبيها للعقوبات والغرامات المنصوص عليها في النصوص ذات الصلة.

ودعا مكتب الصرف الجميع إلى الاحترام التام لمقتضيات قانون الصرف الجاري بها العمل، والتي تنص على أن المعاملات المالية مع الخارج يجب أن تتم عن طريق الأبناك المعتمدة بالمغرب وبواسطة العملات الأجنبية المعتمدة من طرف بنك المغرب.

 

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]