المعيقات القانونية والتحديات التي تواجه عمل البنوك الإسلامية في فلسطين
ذ. بيرم غزال/ دولة فلسطين
محامي نظامي ومحكم معتمد، باحث دكتوراه في القانون الخاص
مختبر أبحاث القانون الخاص والقانون الاقتصادي – كلية الحقوق بالمحمدية – جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء
المقدمة:
شَهِدت المؤسسات المالية الإسلامية في العقدين الأخيرين ولا سيما في النصف الثاني من القرن العشرين تقدماً ملموساً ونمواً مضطرداً واهتماماً متزايداً على المستوى العالمي والإقليمي، وعملت العديد من الدول على وضع استراتيجيات لتطوير صناعة التمويل الإسلامي، بدءاً من تطوير البنية التحتية الممكنة والمرتبطة بتطوير المنظومة القانونية والتنظيمية، مروراً بابتكار منظومة المنتجات والخدمات التي تتوافق مع متطلبات وأحكام الشريعة الإسلامية، وتتمثل المؤسسات المالية الإسلامية (بالبنوك الإسلامية وشركات التأمين التكافلي وشركات الإجارة).
وتُعرَف البنوك الإسلامية[1] على أنها مؤسسات مالية ومصرفية، اقتصادية واجتماعية، تسعى إلى جذب الموارد من الأفراد والمؤسسات وتعمل على استخدامها الاستخدام الأفضل مع أداء الخدمات المصرفية المتعددة وتعمل على تحقيق العائد المناسب لأصحاب رأس المال كما تسهم في تحقيق التكافل الاجتماعي في المجتمع وتلتزم بمبادئ ومقتضيات الشريعة الإسلامية وذلك بهدف تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للأفراد والمؤسسات مع مراعاة ظروف المجتمع وهذا على خلاف البنوك التجارية التقليدية.
وتخضع البنوك الإسلامية للمعايير الشرعي بشأن البنوك الإسلامية[2]؛ حيث تتناول هذه المعايير آلية تحويل البنك التقليدي إلى مصرف إسلامي وطريقة التعامل مع البنك المركزي بشأن الإيداع والسيولة بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية وتعيين هيئة رقابة شرعية، بالإضافة إلى استبدال الاحتياطي القانوني بإيداع مستندات متعقلة بالمدينين كضمان، وفتح حسابات جارية بعيدة عن الربا وإصدار صكوك إسلامية بالإضافة إلى عدم جواز أخذ فوائد ربوية عن أي خدمة مصرفية، وضرورة إحلال صيغ الاستثمار والتمويل المشروعة كالمضاربة والمشاركة والمرابحة والإستصناع والسَلم بدلاً عن القروض الربوية، يجب تطبيق المعايير المحاسبية الإسلامية، يجب اجتناب الغرر الفاحش واجتناب المحرمات وإلغاء الشروط الفاسدة وسد الذرائع.
أولاً: المعيقات والتحديات الشرعية:
وتتمثل في تناقض وتعدد الفتاوى لدى هيئات الرقابة الشرعية للبنوك الإسلامية،[3]، بالإضافة إلى ضعف نظم المراجعة والرقابة الداخلية على معاملات المصارف الإسلامية، وعدم استقلالية هيئات الرقابة الشرعية للبنوك الإسلامية وخضوعها للسياسة التنفيذية الداخلية للبنك مما يعرقل عمل الهيئات الشرعية[4].
ثانياً: المعيقات والتحديات الإدارية والمجتمعية المتعلقة بثقافة البنوك الإسلامية:
وتتمثل في ضُعف العلم الفقهي الشرعي لدى بعض العاملين بالمصارف الإسلامية وعدم الإلتزام بمعايير الجدارة والسلوك الإسلامي، بالإضافة إلى رغبة بعض المتعاملين معها في سرعة إنجاز المعاملة ولو على حساب الضوابط الشرعية، بل يجعلهم ذلك أحياناً بالتوقيع على عقود المرابحة[5] بنسبة 90% والتوقيع على نموذج الوعد بالشراء وتسليم الشيك للعميل في آن واحد دون مراعاة المعايير الشرعية،[6] بالإضافة لمخاطر التشغيل التي تتمثل بنقص التجهيزات ووسائل التقنية[7].
كما أن ثقافة البنوك الإسلامية السائدة لدى بعض المواطنين تمنعهم عن التعامل مع المصارف الإسلامية لعدم مصداقيتها بأنها مطابقة لأحكام الشريعة الإسلامية، بالإضافة إلى أن بعض المتعاملين مع المصارف الإسلامية يسعون للتعامل معها لا لتجنب المعاملات الربوية مع البنوك التقليدية بل بهدف الحصول على السلعة أو النقد بأي وسيلة، كما ويتحايل بعض المواطنين بتقديم مستندات وهمية وتجاهل الضوابط الشرعية، قلة خبرة المضاربين والمشاركين المتعاملين مع المصارف الإسلامية في الأعمال الاستثمارية التي تقوم بالإفصاح بموجب المادة 22من القرار بقانون بشأن المصارف.
ثالثاً: المعيقات والتحديات التنظيمية والقانونية:
تخضع البنوك الإسلامية في فلسطين إلى القرار بقانون رقم 9 لسنة 2010بشأن المصارف[8]، وقرارات مجلس إدارة سلطة النقد بشأن تطبيق الأحكام الشرعية[9]، ودليل الممارسات الفضلى لحوكمة المصارف[10]، واتضح مما سبق أن هناك نقص في البنية التشريعية القانونية التي تنظم البنوك الإسلامية من حيث عدم وجود تنظيم شامل لأحكام المصارف الإسلامية وفقاً للشريعة الإسلامية ضمن إطار القرار بقانون بشأن المصارف، كما خلا قانون سلطة النقد من أي أحكام خاصة بالمصارف الإسلامية، كما أنه لا يوجد تعليمات قانونية صادرة من سلطة النقد بشأن هيئة الرقابة الشرعية العليا من حيث آلية عملها ودورها الرقابي، كما أن القضاء الفلسطيني يعاني الضعف من حيث عدم التخصص.
تعمل البنوك الإسلامية في فلسطين ضمن نظام اقتصادي غير إسلامي وبظروف غير ملائمة لها ولا تتناسب مع طبيعتها وخصوصيتها، ويفرض عليها العمل ضمن مبادئ وقوانين تختص بالبنوك الربوية[11]، كما تتعامل سلطة النقد مع البنوك الإسلامية كتعاملها مع البنوك التجارية الربوية حيث تفرض عليها سياسة الاحتياطي القانوني كما وتفرض أن لا تقل نسبة رأس المال بالنسبة للودائع عن نسبة معينة كما هي مقررات بازل، ووفقاً لمعايير بازل يجب أن لا يقل عن 10.5% في حين أن النظام الفلسطيني يفرض نسبة 13%[12]، ونتيجة لذلك تحجم البنوك الإسلامية عن التمويل طويل الأجل وتقتصر على التمويل قصير الأجل[13]، بالإضافة إلى تعرض البنوك الإسلامية لمخاطر الإئتمان ومخاطر الاستثمار[14].
كما و تعتبر البنوك الإسلامية مكلف ضريبي شأنها شأن البنوك التجارية التقليدية[15] ويفرض عليها قوانين ضريبية مصممة على أسس بعيدة عن الشرع الإسلامي وغير مناسبة لطبيعة عمل المصارف الإسلامية ، بحيث يفرض قانون ضريبة الدخل[16] على البنوك الإسلامية قاعدة خصم الضريبة من الأرباح الموزعة على الودائع الاستثمارية وذلك بنسبة 15%[17] من الأرباح كل نهاية سنة ضريبية ، مما يؤدي ذلك إلى عرقلة عملية تطور البنوك الإسلامية، ويؤثر سلباً على نشاطاتها ذلك لأن البنوك التقليدية تتفادى الشؤون الضريبية من خلال فرض الفوائد الربوية على خلاف البنوك الإسلامية التي لا تتمكن من فرض فوائد ربوية تخالف أحكام الشريعة الإسلامية وبالتالي تضعف قدراتها المالية والاقتصادية.
رابعاً: المعيقات والتحديات الخارجية:
تتأثر البنوك الإسلامية بالظروف السياسية السائدة في الدولة وذلك على اعتبار أنها عنصر وركيزة أساسية من عناصر القطاع المصرفي الفلسطيني[18]، حيث تتأثر البنوك الإسلامية بالأوضاع السياسية القائمة في فلسطين والمتمثلة بسياسات الانقسام الداخلي بين شطري الوطن وسياسات الاحتلال القمعية، بالإضافة إلى تعرض البنوك الإسلامية لمخاطر السوق التجارية.
الهوامش:
[1] عبد الحميد المغربي، الإدارة الإستراتيجية في البنوك الإسلامية، البنك الإسلامي للتنمية- المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب،مصر،2004،ص81.
[2] حسب نصوص المعايير الشرعية رقم 6 و26 و9 والصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية حول البنوك الإسلامية والتأمين الإسلامي والإجارة والذي اُعتُمِدَ في دورة المجلس الشرعي الثامنة و السادسة عشر المنعقدة في السعودية عام 2002 و عام 2006 والمدون في كتاب المعايير الشرعية ص151 و ص681 و ص237.
[3] إيمان الطحان، أثر العولمة المصرفية على المؤسسات المالية الإسلامية، جامعة عين شمس-مصر،2015 ،ص206.
[4] معتصم اسكافي، الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية الفلسطينية، مؤتمر الصيرفة الإسلامية في فلسطين،كلية الشريعة- جامعة النجاح الوطنية،2018،ص8.
[5] محمد هارون وآخرون، البنوك الإسلامية في فلسطين والتحديات التي تواجهها، الجامعة الوطنية الماليزية،2016،ص10.
[6] محمد زين العابدين، مقالة بعنوان”معوقات العمل المصرفي الإسلامي“، مجلة البيان،2012،العدد 306.
[7] هيئة سوق رأس المال الفلسطيني، الصكوك الإسلامية ومتطلبات تعزيز دورها في تنمية الاقتصاد الفلسطيني،2017،ص67.
[8] المواد 20-24 من القرار بقانون رقم 9 لسنة 2010 بشأن المصارف
[9] قرارات مجلس إدارة سلطة النقد الفلسطينية رقم (2) لسنة 2011 ورقم (9) لسنة 2017.
[10] تعليمات رقم 10 لسنة 2017 بشأن دليل القواعد والممارسات الفضلى لحوكمة المصارف في فلسطين،ص 71.
[11] محمد هارون وآخرون، البنوك الإسلامية في فلسطين والتحديات التي تواجهها، الجامعة الوطنية الماليزية،2016 ،ص12.
[12] حسب ما ورد في المحاضرة العلمية بعنوان “الرقابة والإشراف على المصارف والرقابة على كفاية رأس المال“، للمحاضر”محمد مناصرة”، جامعة بيرزيت،2020، الساعة11:25AM .
[13] بهاء الدين مشتهى، دور المصارف الإسلامية في دفع عجلة الإستثمارات المحلية في فلسطين، جامعة الأزهر-غزة،2011،ص58.
[14] هيئة سوق رأس المال الفلسطيني، الصكوك الإسلامية ومتطلبات تعزيز دورها في تنمية الاقتصاد الفلسطيني،2017،ص67.
[15] فاضل محمود، المعالجة الضريبية لمعاملات المصارف الإسلامية، كلية الدراسات العليا-جامعة النجاح الوطنية،نابلس،2005،ص65 .
[16] قانون ضريبة الدخل الأردني رقم 25 لسنة 1964، وقانون ضريبة الدخل الفلسطيني رقم 17 لسنة 2004،و القرار بقانون رقم 8 لسنة 2011 بشأن ضريبة الدخل الفلسطيني.
22.جدول الشرائح الضريبية لضريبة الدخل للأفراد والشركات المنشور لدى هيئة تشجيع الاستثمار الفلسطينية http://www.pipa.ps/ar_page.php?id=1b102fy1773615Y1b102f“”
[18] محمد هارون وآخرون، البنوك الإسلامية في فلسطين والتحديات التي تواجهها، الجامعة الوطنية الماليزية،2016،ص8.