المراقبة الإلكترونية الطائرة : أية حماية قانونية ؟
- الدكتور فؤاد بنصغير : أستاذ جامعي خبير / مكون في القانون الإلكتروني
مقدمة :
من المعلوم أن المغرب عرف في السنوات الأخيرة استخداما متزايدا للطائرات المسيرة (الطائرات بدون طيار ) في عدة ميادين.و غالبا ما تكون هذه الطائرات المسيرة مجهزة بكاميرات للتصوير الفوتوغرافي و كاميرات للتصوير الفيديوي و أجهزة استشعار الصوت وغير ذلك.
وبالتالي يكون بإمكانها أن تلتقط صورا أو تقوم بتصوير مشاهد فيديو أو التقاط أصوات أو قراءة لوحات ترقيم السيارات أو تحديد الموقع الجغرافي للأشخاص وهذا دون أن يكون هؤلاء قد أعطوا ترخيصا بذلك.
بل إن البعض من هذه الطائرات مجهز بوسائل للتعرف على الوجه تقوم بالتقاط ونشر ( على مواقع التواصل الإجتماعي مثلا ) صورة شخص مع إسمه عندما يتم تحديد هويته.
نفهم إذا أن استخدام الطائرات المسيرة ينتج عنه التقاط صور الأشخاص الطبيعيين وغيرها من المعطيات ذات الطابع الشخصي دون ترخيص منهم و نشرها على الوسائط الإلكترونية.كما يتم كذلك تجميع ومعالجة معطياتهم الشخصية دون أن يتم إعلامهم بذلك أو تمنح لهم إمكانية التعرض على ذلك.
وبالتقاطها لسمات من سمات الحياة الخاصة متل الصورة أو الصوت فإن هذه التكنلوجيا تقوم دون أدنى شك بانتهاك المعطيات الشخصية والحياة الخاصة للأشخاص الطبيعيين.
هذا الأمر يطرح العديد من الأسئلة ذات الطابع القانوني تتعلق بحماية المعطيات الشخصية و الحياة الخاصة لهؤلاء.
فما هي المقتضيات القانونية التي تطبق في حال انتهاك حرمة الحياة الخاصة للأشخاص الطبيعيين والإعتداء على معطياتهم الشخصية التي تنتج عن استخدام هذا النوع من الطائرات ؟
من الناحية المبدئية الأشخاص الطبيعيون الذين يتم الإعتداء على حياتهم الخاصة أو معطياتهم الشخصية بفعل نشاط الطائرات المسيرة محميون بواسطة القانون 08-09 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية.
غير أن الحماية بواسطة هذا القانون تعترضه مجموعة من الإشكاليات تفرض على المشرع المغربي وضع نص قانوني خاص يأخد بعين الإعتبار خصوصيات هذه التكنلوجيا.
هذا بالضبط ما سنحاول أن نوضحه في ما يلي :
أولا : قابلية قانون حماية المعطيات الشخصية على التطبيق على تكنلوجيا الطائرات المسيرة ؟
من أجل تقرير ما إذا كان القانون 08-09 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية قابل للتطبيق من عدمه في هذا الشأن، يجب من جهة التحقق من كون صورة الشخص الذاتي ( صورة فوتوغرافية أو صورة ضمن شريط فيديو ) عبارة عن معطى شخصي.
كما يجب من جهة أخرى التأكد من أن ما تقوم به الطائرات من دون طيار عبارة عن معالجة آلية للمعطيات الشخصية.
أ- هل الصورة عبارة عن معطى شخصي ؟
الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون 08-09 تعرف المعطى ذو الطابع الشخصي على أنه : « كل معلومة كيفما كان نوعها بغض النظر عن دعامتها، بما في ذلك الصوت والصورة والمتعلقة بشخص ذاتي معرف أو قابل للتعرف عليه (…) ».
هذا النص يبين بجلاء أن الصور والأصوات عبارة عن معطيات شخصية محمية بموجب القانون 08-09 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية.
ب- هل نشاط الطائرات المسيرة عبارة عن معالجة آلية للمعطيات الشخصية ؟
الفقرة التانية من المادة الأولى من القانون 08-09 تعرف معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي بأنها : « كل عملية أو مجموعة من العمليات تنجز بمساعدة طرق آلية أو بدونها وتطبق على معطيات ذات طابع شخصي، مثل التجميع أو التسجيل أو التنظيم أو الحفظ أو الملائمة أو التغيير أو الاستخراج أو الإطلاع أو الاستعمال أو الإيصال عن طريق الإرسال أو الإذاعة أو أي شكل آخر من أشكال إتاحة المعلومات أو التقريب أو الربط البيني وكذا الإغلاق أو المسح أو الإتلاف ».
فالطائرات المسيرة والمجهزة بكاميرات للتصوير الفوتوغرافي أو كاميرات للتصوير الفيديوي أو أجهزة استشعار الصوت مثلا تقوم بالفعل بمعالجة مؤتمتة ( التجميع أو التسجيل أو التنظيم أو الحفظ …) للمعطيات الشخصية ( الصور والأصوات ولوحات ترقيم السيارات…) اتجاه شخص أو أشخاص ذاتيين.
وبالتالي فإن جميع القواعد المتعلقة بحماية المعطيات الشخصية تطبق على معالجة صور الأشخاص الطبيعيين ( وباقي معطياتهم الشخصية ) التي تقوم بها الطائرات المسيرة سواء تم التقاطها على شكل صورة فوتوغرافية أو على شكل شريط فيديو يظهر فيه شخص ذاتي معرف أو قابل للتعرف عليه.
فإذا كان القانون 08-09 لم يتطرق مباشة إلى الحالة الخاصة بالطائرات المسيرة فإنه على الرغم من ذلك يطبق دون أدنى شك في هذا الشان.
هذا القانون وضع على كاهل المسؤولين عن المعالجة ( مستخدمو الطائرات المسيرة ) مجموعة من الإلتزامات ( الإلتزام بإعلام الأشخاص المعنيين والتزام حماية المعطيات …) وأعطى للأشخاص المعنيين ( الأشخاص الذين تم تجميع ومعالجة معطياتهم الشخصية ) مجموعة من الحقوق (الحق في الإعتراض والحق في النفاد والحق في التصحيح…).
تانيا : حدود تطبيق القانون 08-09
غير أن تطبيق القانون 08-09 في إطار الطائرات المسيرة المجهزة بتكنلوجيا تسمح لها بتجميع ومعالجة معطيات ذات طابع شخصي يطرح العديد من الإشكاليات.
أ- التصريح أو الترخيص من اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية
من المعلوم أن من يريد تجميع ومعالجة معطيات ذات طابع شخصي يتوجب عليه بموجب القانون 08-09 أن يقوم بالتصريح أو طلب الترخيص ( حسب طبيعة المعطيات : عامة أو ذات طبيعة حساسة ) من اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية.
فكيف يستقيم أن نطلب من أشخاص غير مهنيين مثلا أن يقوموا بالتصرح أو طلب الترخيص من اللجنة الوطنية لاستخدام الطائرات المسيرة الغاية من استخدامها هو التسلية فقط.
ب- مشكل الموافقة القبلية
من المعلوم أن القانون 08-09 يمنع تجميع ( أو التقاط ) صورة الشخص المعني ( الشخص الذي تم التقاط صورة له أو تم تصويره بواسطة الطائرة المسيرة ) أو معالجتها إلا عندما يكون هذا الأخير قد أعطى موافقته على ذلك.
هذا الشرط يطرح صعوبات حقيقية عندما يراد مثلا أن تحلق الطائرة المسيرة فوق حشد من الناس أو في قلب المدينة حيث تتداخل الفضاءات الخاصة مع الفضاءات العامة.
في هذه الحالة كيف يتم الحصول على الموافقات الضرورية ( من أشخاص غير معروفين وعددهم يعد ولا يحصى ) من أجل مباشرة عملية المعالجة ؟
ج- مشكل إعلام الأشخاص المعنيين
من المعلوم أن القانون 08-09 يمنع تجميع صورة الشخص المعني ( الشخص الذي تم التقاط صورة له أو تم تصويره بواسطة الطائرة المسيرة ) أو معالجتها إلا عند إعلامه بهوية المسؤول عن المعالجة والغايات من المعالجة وسبل ممارسة الحقوق التي منحها له القانون إلى غير ذلك.
في هذه الحالة كيف يتم إعلام الأشخاص ( الذين يكون عددهم كبيرا جدا ) الذين من المحتمل أن يتم تجميع معطياتهم بواسطة الطائرات المسيرة بشروط التجميع والمعالجة قبل مباشرة هذه العملية كما ينص على ذلك القانون ؟
خاتمة :
كل شخص يتم الإعتداء على صورته أو غيرها من معطياته الشخصية بفعل نشاط الطائرات المسيرة محمي من الناحية المبدئية على أساس القانون 08-09.
هذا يعني أن الشخص المعني، وفي انتظار صدور القانون الجنائي الجديد الذي سيجرم ويعاقب على التقاط الصور في الأماكن الخاصة كيفما كانت الوسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية ( مثل الطائرات المسيرة )، بإمكانه أن يلجأ إلى اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية التي كلفها القانون 08-09 بالسهر على تطبيقه ومن خلالها إلى المحكمة من أجل التعويض.
غير أن تطبيق مقتضيات القانون 08-09 قد تعترضه العديد من الصعوبات تحدتنا عن بعظها وذلك بسبب القضايا الجديدة التي تطرحها تكنلوجيا الطائرات المسيرة.
لهذا لا بد أن تبدأ اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية ومعها المشرع منذ اليوم في التفكير جديا في وضع تقنين خاص باستخدام الطائرات المسيرة قادر على حماية المغاربة من الإنتهاكات التي قد يتعرضون لها في حياتهم الخاصة وفي معطياتهم الشخصية نتيجة للإستخدام المتزايد للطائرات المسيرة.
صحيح أن القانون يحمي اليوم إلى حد كبير المغاربة من المراقبة الإلكترونية التابتة ( التقاط المحادتات الهاتفية والإلكترونية مثلا ) فمتى سيتم حمايتهم من المراقبة الإلكترونية الطائرة ؟