مجلة مغرب القانونالقانون العام الفساد الجمركي و إدارة الموارد البشرية

 الفساد الجمركي و إدارة الموارد البشرية

    خالد شهيم إطار باحث

إنطلاقا من بيان أروشا (المعدل) حول الإدارة الرشيدة و النزاهة في الجمارك، ارتأينا تسليط الضوء على ما جاء به البيان الذي تمت صياغته على شكل مجموعة من العوامل يبلغ عددها العشرة، و تهدف إلى معالجة مسألة الفساد في الإدارات الجمركية.

و لقد استرعى انتباهنا كلا من العامل الثامن و التاسع من هذا البيان، باعتبارهما عاملين موكول في نجاحهما  إلى خطة مديرية الموارد البشرية بالإدارة الجمركية.

فبحسب قناعات المشاركين في  هذا الإعلان،  لا يمكن مكافحة الفساد إلا كجزء من مجهود وطني شامل، و أن على جميع الحكومات أن تضع في أولوياتها  ضمان خلو الجمارك من الفساد،  لذلك توج البيان بمجموعة العوامل تلك كان من أهمها:

– العامل الثامن المسمى “إدارة الموارد البشرية” الذي يقول: «تلعب عملية تنفيذ سياسات و إجراءات إدارة الموارد البشرية السليمة دورا رئيسيا في مكافحة الفساد في الجمارك.

   إن ممارسات إدارة الموارد البشرية قد أثبتت أنها مفيدة في السيطرة أو القضاء على الفساد في الجمارك، و هي تشمل ما يلي:

  • توفير رواتب و أجور كافية و ظروف أخرى لضمان أن المسؤولين قادرين على الحفاظ على مستوى معيشي لائق؛
  • تعيين و استبقاء الموظفين الذين لديهم و من يتوقع أن يحافظوا على مستوى عالي من النزاهة؛
  • التأكد من اختيار الموظفين و التأكد من أن إجراءات الترقية خالية من أي تحيز أو محسوبية و على أساس مبدأ الجدارة؛
  • التأكد من أن القرارات المتعلقة بالتوزيع و التناوب و نقل الموظفين تأخذ في الاعتبار الحاجة إلى التخلص من فرص بقاء المسؤولين في المناصب الحساسة لفترات طويلة من الزمن؛
  • توفير التدريب الكافي و التطوير المهني لموظفي الجمارك عند تعيينهم و طوال حياتهم المهنية التعزيز المستمر و التأكيد على أهمية المحافظة على المعايير الأخلاقية و المهنية العالية؛
  • تنفيذ تقييم مناسب للأداء و نظم الإدارة، و التي تعزز الممارسات السليمة و تغرس مستويات عالية من النزاهة الشخصية و المهنية.»

و إذا كانت هذه التوصيات تجد تطبيقها الأمثل داخل الإدارات الجمركية للدول المتقدمة، فإنها تعرف بعض التعثر  على مستوى التطبيق من طرف مديرية الموارد البشرية للمملكة في مواجهة موظفي الإدارة الجمركية بشكل لا يرقى إلى تطلعات و مساعي المنظمة العالمية للجمارك المنبثق عنها بيان أروشا كما سبقت الإشارة إليه، و لعل سوء التدبير هذا هو  ما حذا ببعض الفقهاء إلى القول أن الإدارة الجمركية غير الكفء يمكن أن تحول أحسن النظم الجمركية إلى أسوئها.(1)

و غني عن البيان، أن أسباب الفساد المنادى بها في أروشا تلتقي مع المعادلة التي طرحها الأكاديمي الأمريكي Robert klitgarrd   من أن:

الفساد=(الاحتكار+حرية التصرف)-(مساءلة + نزاهة + شفافية)

حيث مفاد ذلك أن حدوث الفساد يكون على الأغلب مرافق لامتلاك جهة معينة (شخص أو منظمة) سلطة احتكارية لسلعة أو خدمة معينة، حيث يمكن أن يكسب هذه السلطة بعدة طرق، إما بسبب المركزية الإدارية المتبعة، و إما بفعل النفوذ السياسي و الاجتماعي، أو ربما بسبب قلة الوعي و نقص الحريات بين المواطنين، مما يعطي محتكر السلطة أو الخدمة حرية التصرف و التقدير التي تكون مزاجية و لخدمة المصلحة الشخصية، و قد يساعده في ذلك ضعف الشفافية و نقص القوانين و الأنظمة و قواعد العمل، أو ربما غموض أو عدم ملاءمة التشريعات، مما يفتح الأبواب أمامه مشرعة لإشباع رغباته الخاصة سواء المادية منها أو المعنوية، خاصة إذا ما ترافق ذلك انعدام المساءلة و احتمالية العقاب.(2)

مقال قد يهمك :   تحيين جديد لمرسوم مزاولة أعمال "الطب عن بُعد" في المغرب

من هذا المنطلق يكون قرار نقل الموظفين الصادر عن مديرية الموارد البشرية بإدارة الجمارك مساهما في التحريض على الفساد من جهة عدم الحفاظ و عدم الاستبقاء على الموظفين المشهود لهم بالنزاهة، مثلما سبق تأكيده ضمن العامل الثامن من بيان أروشا، لأنه قرار يعكس قناعة مصدره المسبقة بفساد الأطر الجمركية ممن شملتهم الحركة الانتقالية دون تمييز بين الصالح و الطالح،  بحيث يتكبد هؤلاء الشرفاء عناء التنقل و مصاريف إضافية كانوا في غنى عنها، بدل الإشادة و التنويه  بنزاهتهم و سلوكهم القويم الذي أصبحت المنظمة العالمية للجمارك تتطلع إليه و توصي بالحفاظ و الاستبقاء عليه، ناهيك عن تقليص القدرة على التركيز  جراء تبعات التنقل و عدم الاستقرار النفسي، مما قد يجعلهم يطالبون بنقلهم إلى مديرية الموارد البشرية ذاتها ما دامت تنعم بالاستقرار في معزل عن أي حركة انتقالية أو أية مساءلة إدارية مهما بلغت جسامة الخطأ المقترف  من جهتهم، فتكون النتيجة بالتبعية فقدان الكفاءات القادرة على استئمان موارد الدولة و خدمة الوطن، و هو الأمر الذي يقوض من جهة أخرى ما خلص إليه بيان أروشا في العامل التاسع من الدعوة إلى إذكاء روح الانتماء و الاعتزاز و الفخر بإلانتماء الإداري.

– العامل التاسع المسمى “المعنويات و الثقافة و الثقافة التنظيمية” و الذي يقول بدوره : « إن الفساد يحدث غالبا في المنظمات حين تكون المعنويات أو “روح العمل الجماعي” منخفضة و ليس لدى موظفي الجمارك أي اعتزاز بسمعة إدارتهم، و من الأرجح أن يتحلى موظفو الجمارك بنزاهة أكثر عندما تكون المعنويات عالية، و حينما تكون ممارسات إدارة الموارد البشرية عادلة عندها تكون هناك فرص معقولة للتطوير الوظيفي و التقدم، و ينبغي إشراك جميع الموظفين و على كافة المستويات في برنامج مكافحة الفساد، و ينبغي تشجيعهم على قبول مستوى مناسب من المسؤولية لدعم النزاهة في إدارتهم.»

فإدارة الموارد البشرية حسب تعريف البعض، هي تخطيط و تنظيم و توجيه و مراقبة النواحي المتعلقة بالحصول على الأفراد و تنميتهم و تعويضهم و المحافظة عليهم بغرض تحقيق أهداف المنشأة. كما أن أبرز أهدافها هو تحقيق انتماء و ولاء الموظفين و تنمية علاقات التعاون فيما بينهم و تقوية رغبتهم في العمل، بالإضافة كذلك إلى إيجاد مناخ جيد للعمل.

مقال قد يهمك :   فدرالية رابطة حقوق النساء بالرباط تدعوا لمنظومة جنائية تقضي على التمييز والعنف ضد النساء وتؤصل مقاربة النوع الاجتماعي

فهي أشبه بجهاز لتعبيد الطريق و صيانتها من أجل ضمان انسيابة المرور و سلاسته، و ليس إقامة الحواجز و تعطيل الحركة، بحيث  ينبغي مسايرة الأهداف كما تم التعريف بها أعلاه،  من قبيل الإنصات و الرد على تظلملت الموظفين ضد قرارات النقل التعسفية، خاصة أن المرجعية القانونية لهذه القرارات لا تحيد عن مقتضيات النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية في فصله 64،  في غياب تام لأي نظام أساسي خاص يؤطر شريحة الجمركيين و يقنن نقلهم أو يمنع عنهم المطلب النقابي مثلما سبقت المحاولة إليه ضمن مشروع قوبل بالرفض من النقابة الوطنية المالية لإجهازه على مكتسبات موظفي الجمارك و النيل من حقوقهم، مما لا ينأى فحسب عن تحقيق المصلحة العامة، بل يساهم أيضا في إحداث اضطراب داخل العمل، مثل نقل الموظف من مصلحة التدقيق و التفتيش إلى  مصلحة أدنى ذات مهمات غير إعتيادية عليه بقرار أقرب إلى التأديب و الانتقام منه إلى ابتغاء المصلحة العامة.  كما أن توفير بيئة ملائمة للعمل، يفندها على مستوى الواقع عجز مديرية الموارد البشرية عن تحصين مناطق النفوذ الجمركي ضد أجهزة الأمن بشكل يكرس اغتصاب السلطة الجمركية في ضرب صارخ لقواعد الاختصاص المحلي و الوظيفي المكفول بموجب بنود مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة مع ما يخلفه ذلك أحيانا من صراع و شنآن بين الجمارك و أجهزة الأمن بسبب عدم تأمين بيئة سليمة للعمل.

ذلك أن الاختصاص من حيث النطاق المكاني داخل الحرم الجمركي يبقى منعقدا في الجرائم الجمركية بما فيها جرائم المخدرات و التهريب لإدارة الجمارك دون غيرها، و استشعارا من المحكمة الإدارية العليا في مصر لخطورة ركن الاختصاص في القرار الإداري، و لما له من أهمية في تحديد المسؤوليات إذا ما وقع أي خطأ إداري يستوجب المساءلة، فقد قضت بأن ” صدور القرار الإداري من جهة إدارية غير منوط بها إصداره قانونا يعيبه بعيب جسيم ينحدر به حد العدم، لما في ذلك من افتئات على سلطة جهة إدارية أخرى لها شخصية مستقلة” (3)

كما قضت محكمة القضاء الإداري بمصر في حكم آخر بأن ” الاختصاص الوظيفي لكل موظف إنما هو منوط بمكان معين” (4)

و بالتالي إذا سلمنا بأهلية الأجهزة الأمنية في قضايا المخدرات داخل الحيز الجمركي، فإن ذلك لا يمكن تصوره إلا في حالات ثلاث:

  • إما بناء على تفويض و ذلك وفق شروط معينة أولها استناد التفويض إلى نص يجيزه أي بمقتضى قانون، و ثانيها أن يصدر القرار بالتفويض، و ثالثها أن يكون التفويض جزئيا بحيث يشمل فقط جزءا من الاختصاصات و ليس كلها، و رابعها أن يكون التفويض محدد المدة بحيث لا يؤدي إلى سلب أبدي للاختصاصات المفوضة، و خامسها ألا يكون التفويض في اختصاص مفوض أصلا؛
  • و إما عن طريق الحلول كوسيلة غير مباشرة لممارسة الاختصاص، وفي ذلك تقول المحكمة الإدارية العليا بمصر: “الاختصاص و إن كان الأصل فيه أن يباشره صاحبه، إلا أن الأصول العامة تقتضي عند الضرورة أن يحال مباشرة الاختصاص إلى من يليه متى قام بالأصيل مانع أو عذر، حتى لا يتعطل سير العمل”(5). أي أن الحلول في واقع الحال يبقى حكرا بين أعضاء الإدارة الجمركية؛
  • و إما عن طريق الإنابة التي تفترض بدورها صدور نص قانوني يقررها متى تغيب صاحب الاختصاص الأصيل شريطة أن يكون النائب معادل لصاحب الاختصاص في الدرجة الوظيفية أو يليه فيها مباشرة.(6)

و بالخلاصة لما تقدم يكون لزاما على مديرية الموارد البشرية بالإدارة الجمركية رد الاعتبار إلى موظفيها المشهود لهم بالنزاهة و الاستقامة، عبر المحافظة و الاستبقاء عليهم ضمانا لاستقرارهم مثلما تفضل بيان أروشا إلى التأكيد عليه، خاصة في ظل ما تعرفه المهام الجمركية من إغراءات يكون التعفف عنها مدعاة للإشادة و التنويه بدل الإقصاء و التنقيل.


الهوامش:

مقال قد يهمك :   Imane Rahali: Les politiques publiques de protection sociale au Maroc: Quelle stratégie 

(1) د محمد جلال خطاب: إقتصاديات الجمارك بين النظرية و التطبيق. دار الفكر الجامعي الإسكندرية 2016، ص 38

(2) د خالد عيادة عليمات: الفساد و انعكاساته على التنمية الاقتصادية -دراسة حالة الأردن- دار الخليج للنشر و التوزيع 2020, ص 105 و 106)

(3) د. عبد العزيز عبد المنعم خليفة. القرارات الإدارية في الفقه و قضاء مجلس الدولة. دار محمود للنشر و التوزيع القاهرة ص 51 . المحكمة الإدارية العليا بمصر، طعن رقم 4001 لسنة 38 ق. جلسة 30/10/1993.

(4) د. عبد العزيز عبد المنعم خليفة: دعوى إلغاء القرار الإداري. دار محمود للنشر و التوزيع القاهرة 2015 ص 45

(5) د. عبد العزيز عبد المنعم خليفة. القرارات الإدارية في الفقه و قضاء مجلس الدولة. دار محمود للنشر و التوزيع القاهرة ص 56 إلى 68

(5) دة. شروق أسامة عواد حجاب: النظرية العامة للتفويض الإداري و التشريعي دراسة مقارنة. دار الجامعة الجديدة للنشر الاسكندرية ص 511 و ما يليها

(6) د. أبو بكر أحمد عثمان النعيمي: حدود سلطات القضاء الإداري في دعوى الإلغاء- دراسة مقارنة – دار الجامعة الجديدة للنشر الإسكندرية 2013 ص 124

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]