مجلة مغرب القانونالقانون العامالزكراوي محمد : منازعات قضايا الاعتداء المادي الصادرة عن الجماعات الترابية.

الزكراوي محمد : منازعات قضايا الاعتداء المادي الصادرة عن الجماعات الترابية.

  • من إعداد : الزكراوي محمد استاذ باحث في الشؤون القانونية و الإدارية و إطار متصرف بوزارة الداخلية.
  • عنوان المقال : منازعات قضايا الاعتداء المادي الصادرة عن الجماعات الترابية بين إشكالية وجوبية إدخال الوكيل القضائي للجماعات الترابية و جوازية إعمال قاعدة التظلم الإداري.

تقديم :

إن البحث عن إشكالية إعمال التظلم الإداري في قضايا الاعتداء المادي الصادرة عن الجماعات الترابية مرده الإجابة القويمة عن التساؤلات المطروحة حول مدى صحة رفع التظلمات الإدارية من عدمها في موضوع دعاوي الاعتداء المادي الصادرة عن الإدارات بشكل عام والجماعات الترابية بشكل خاص فمن المعلوم وانه في ظل مستجدات القوانين التنظيمية للجماعات الترابية أصبحت هذه الأخيرة تمارس اختصاصاتها في استقلال تام طبقا للمبدأ القائم على مرتكزات التدبر الحر لأعمالها،ولما كانت أعمالها تلك قد تمس بحقوق الأفراد من حيت دائرة الحريات العامة و الأساسية المعترف لهم بها،فقد اوجب القانون أن تصدر تصرفاتها وفق لمبادئ القانون وأحكامه،واخضع سديد قراراتها بحدود احترامها لمبدأ المشروعية،ولا شك أن المشرع جعل من قراراتها الإدارية أحـد امتيازات السلطة العامة التي تتمتع بها الإدارة وتستمدها من القانون العـام،فبواسطته تستطيع الإدارة بإرادتها المنفردة – على خلاف قواعد القانون الخاص – إنشـاء حقـوق أو فرض التزامات،بغية حماية المصالح العامة والتي يجب تغليبهـا علـى المصـالح الفرديـة الخاصة،تكريسا لمبدأ المشروعية.

إلا انه ونظرا لتشعب الاختصاصات الموكولة للجماعات الترابية و الأدوار التي أضحت تقوم بها،فقد تعمد هذه الأخيرة على إصدار قرارات تحيد بها عن دائرة الأعمال المشروعة فيجعل منها سببا لتكون موضع طعن من طرف الاغيار الذين تضرروا من تصرفاتها تلك،

و وعيا،من المشرع المغربي بأهمية صيانة الحقوق والواجبات لكلا الطرفين وتفاديا لتغليب مصلحة ما على الأخرى،بادر إلى تنظيم جميع الإجراءات سواء منها الإدارية او القضائية كضمانات فعلية لفائدة المرفق الترابي و المر تفق،وعليه سن قواعد جوهرية ألزم بها المتقاضين في العمل الإداري بضرورة التقيد بها،ونظرا لخصوصية المنازعات المتعلقة بالجماعات الترابية،وما يشوبها مكن بعض الإشكالات المطروحة بخصوص المساطر المتبعة في ظلها،خاصة فيما يتعلق بمدى و جوبية إدخال الوكيل القضائي للجماعات ضد الدعاوي المرفوعة في مواجهة الجماعات الترابية من جهة،ومن جهة أخرى مدى نطاق إعمال قاعدة التظلم الإداري بخصوصها.

و نحن في مقالنا هذا سنحاول إيضاح معالم الإشكالية المطروحة في هذا الصدد،حيادا عن مؤيد او معارض منطقنا في ذلك النصوص القانونية وما استقر عنه الفقه و القضاء من الناحية النظرية و العملية مع بيان وجهة نظرنا الشخصية في الموضوع،و ذلك من خلال الفقرات الثاالية :

الفقرة الأولى : ماهية الاعتداء المادي فقها وقضاء.

إن تحديد ماهية فعل الاعتداء المادي الصادر عن الإدارات الترابية،وهي تباشر تصرفاتها اتجاه الغير ،يحيل بنا إلى ضرورة تحديد مفهومه و دلالته بالنظر إلى ما استقر عليه الفقه و العمل القضائي،وفي هذا الصدد،یعرف-Laubadére De André -ماهية الاعتداء المادي بما یلي:( تكون حالة الاعتداء المادي عندما ترتكب الإدارة أثناء قیامها بنشاط مادي تنفیذي مخالفة جسیمة تمس بحق الملكیة أو حریة عمومیة)،ویعرفه Charle Debbash بأنه(تصرف إداري مشوب بمخالفة جسیمة تمس بحق ملكیة أو حریة أساسیة)،وبالنظر إلى كلا التعريفين،يتضح جليا وحدتهما في شمولية المحل الذي بموجبه نكون أما فعل الاعتداء المادي و المتمثل في صدور عمل او تصرف مادي بسبب غياب السند القانوني له يتسبب في إيقاع ضرر يمس بحق الملكية او حرية عمومية او أساسية.

أما من حيث ما استقر عنه العمل القضائي في هذا التوجه،فقد جاء في تعريف مجلس الدولة الفرنسي لفعل الاعتداء المادي في قرار له بتار یخ 18-11-1949 في قضیة “كارلي Carlier ” بأنه ( تصرف متمیز بالخطورة صادر عن الإدارة،والذي بموجبه تمس هذه الأخیرة بحق أساسي أو بالملكیة الخاصة)،وبالتالي ینزل التصرف إلى مرتبة العمل المادي مما یخول للقضاء العادي في فرنسا النظر في ذلك،كما عرفته محكمة التنازع الفرنسیة بأنه تصرف صادر عن الإدارة لا یمكن ربطه بتطبیق. نص قانوني أو تنظیمي،أما الغرفة الإداریة بالمجلس الأعلى في الجزائر فترى بأنه كل تصرف إداري لیس له علاقة إطلاقا مع السلطة التي تملكها الإدارة،

وفي نظرنا الشخصي يمكن القول أن ما يجعل من فعل الإدارة مشوب بعيب فعل الاعتداء المادي،هو شرود الإدارة عن تطبيق القانون مما يجعل من قراراتها تفتقد الشرعية والسند المنظم لها،وليس لافتقاده المشروعية،

ذلك ان القرار المكسو بفعل الاعتداء لم يخالف النص القانوني الذي ينظم عمل الإدارة وهي بصدد إصدار قراراتها حتى نتحدث عن عيب المشروعية،ولكن الأحق قولا في ذلك انه يفتقد دعامة الشرعية التي هي سند القرار المشوب بالاعتداء المادي لها على حقوق يكفلها السند الشرعي،مما يجعل منه قرار معدوما لا اثر له على المراكز القانونية بالنسبة لمن يطوله.

و بذلك فهو عملیة مادیة مشوبة بمخالفة جسیمة وتمس بحق أو هو تصرف مادي للإدارة مشوب بعیب جسیم وماس بإحدى الحریات الأساسیة للفرد بشكل یفقد التصرف الصادر عن الإدارة طابعه الإداري ویجعله في حكم القرار المنعدم وتعامل الإدارة بشأنه معاملة الأفراد لا بصفتها تتمتع،بامتیازات السلطة العامة،ويكون مقطوع الصلة تماما بالمشروعية إما لخروجه عن اختصاصها أو لكونه داخلا في اختصاصها ولكنها لم تتبع في اتخاذه الأوضاع،والإجراءات  القانونية المنظمة بسبب انعدام أساس الشرعية وصحيح القانون،فالإدارة عند إصدارها القرار الإداري يفترض فيه أن يكون محله متفقا مع القواعد القانونية التي تسمو عليه أيا كانت طبيعة هذه القواعد ومصدرها،مما يجعل من غياب السند القانوني إنزال قراراتها مرتبة الفعل المادي المعدوم الأثر من الناحية القانونية ويعرضه لفقدان حصانته،ولا تزول بزوال عيبه بفوات ميعاد الستين يوما لكونه صدر أصلا صدر معدوما وميتا،ومثاله،الاعتداء الواقع على الملكیة أو حریة أساسیة مكفولة بضمانات دستورية وقانونية.

و لذلك فان الأساس في الوقائع المادية المشمولة بوقع الاعتداء يفترض فيها أن یشكل التصرف الإداري المادي مساسا خطیرا بالملكیة الخاصة أو بحریة أساسیة لكون الاعتداء المادي أوسع من حالة الاستيلاء و الترامي او الاحتلال،ویختلف عنهما تماما،إذ یستوي الأمر بأن یكون الحق عینیا أو شخصیا أو متعلقا بحق شخصي،كأن یقع على المنقولات كتحطیمها واقتحام المنازل السكنیة و الاعتداء على حق شخصي،كالانتفاع من العین المؤجرة،و قد تقوم الإدارة بحجز أموال منقولة للغیر تشمل حضر الإبداعات الفكرية في غياب السند القانوني،مما يعل منها تشكل موضوعا للاعتداءات على الملكیة الفكریة أو المعنویة،یستوجب وضع حد له من قبل القاضي الإداري المختص طبقا للقواعد المحددة،والحقيقة انه،لا يشترط وجود أعمال   مادية تنفيذية للقول بتوافر حالة الاعتداء المادي بل يكفي أن يصدر قرارا معدوما يتضمن تنفيذه في طياته دون حاجة إلى تنفيذه فهو يستنفذ غايته بمجرد صدوره كالأمر بإغلاق مقر جريدة يومية أو منع عقد اجتماع حزبي أو نقابي بكيفية تعسفية وخارج حدود القانون والنصوص التنظيمية الجاري يهما العمل.

الفقرة الثانية : صلاحية القضاء الإداري بالبت في قضايا الاعتداء المادي الصادرة عن الجماعات الترابية.

مع دخول القوانين التنظيمية للجماعات الترابية،ونظرا لأهمية التصرفات التي يمكن أن تصدر عنها عهد النصوص التنظيمية الثلاث للجهات المركزية رقابة ممارسة السلطات اللامركزية للاختصاصات المقررة لها،وتكمن حساسية ودقة هذه الوظيفة في أن مراقبة كيفية ممارسة عمل ما أصعب من مباشرته لأن جهة الرقابة،قد لا يتوفر تحت تصرفها جميع المستلزمات و الإمكانيات التي تسمح لها بمعرفة معطيات قضية ما،ونكمن الإشكالية في صعوبة تحديد الخط الفاصل بين أداء هذه الجهة لوظيفتها وضرورة الحفاظ على تمتع الجهات الخاضعة للإشراف بقدر من الاستقلال و الحرية في تصرفاتها،ووعيا من المشرع بضرورة إحاطة أعمال و تصرفات الإدارة الترابية للرقابة الجادة،عمد الى منح الولاية بالنظر و البت في قضايا و دعاوي الاعتداء المادي لفائدة القضاء الإداري خصوصا بعد مرحلة دخول المحاكم الإدارية في منظومة التنظيم القضائي للملكة،حيث كان النظر فيها سابقا كان موكولا لجهات القضاء العادي وهذا ما كرسه العمل القضائي في هذا الصدد،حيث ذهب المجلس الأعلى منذ تأسيسه سنة 1957 إلى اعتبار قضايا الاعتداء المادي تدخل ضمن اختصاص القضاء العادي الذي يبت فيها طبقا لقواعد القانون الخاص، لان الإدارة عندما تقوم بالاعتداء المادي على حق الملكية او على الحريات الأساسية للأفراد فإنها تتجرد من امتيازاتها كسلطة عامة و تنزل إلى منزلة الأفراد،و بالتالي يتعين التعامل معها على هذا الأساس،و في هذا السياق قضت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى في قرار لها بتاريخ 4 دجنبر 1958 ملف عدد 667،على أن محكمة الاستئناف بالرباط قد خرقت طبيعة سلطاتها عندما فصلت في دعوى مرفوعة ضد الدولة المغربية تتعلق باستيلاء هذه الأخيرة على أرض الطاعنين بدون سند قانوني وهي تبت في المادة الإدارية ، في حين كان عليها أن تبت فيها طبقا لقواعد القانون المدني و في إطار سلطاتها القضائية العادية، لكون الإدارة قامت بعمل مادي لا علاقة له بأي شكل من الأشكال بممارسة السلطات التي تختص بها،وكما اشرنا سابقا انه وبعد إنشاء المحاكم الإدارية واستقرار الاختصاص في مادة الاعتداء المادي للإدارة لها،فإن القضاء الإداري للمحاكم الإدارية سرعان ما استقر على اعتبارها مختصة للبت في طلبات رفع الاعتداء المادي وإيقاف أشغاله منذ أن أقرت الغرفة الإدارية هذا الصدد بمقتضى قرارها الصادر بتاريخ 20/06/1996 في الملف الإداري رقم 96.150 الذي أقر اختصاص المحاكم الإدارية المذكور،ثم كرس هذا الاتجاه بعد ذلك كما في قراره رقم 658 الصادر بتاريخ 19/09/1996 الذي جاء فيه:

مقال قد يهمك :   قراءة في أثر القانون رقم 32.09 المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق على قضايا المستهلك

” وحيث إنه إذا كان الاجتهاد القضائي السابق للغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى قد سار على أن المحاكم الإدارية تقتصر على الاختصاص بالنظر في دعاوى التعويض عن الأضرار الناتجة عن نشاطات أشخاص القانون العام ومنها دعاوى التعويض عن احتلال الإدارة غير المشروع لأراضي الخواص كما يفهم من الفصل 8 من قانون 41.90 المنشئ للمحاكم الإدارية دون النظر في رفع الاعتداء المادي على أساس أنه من اختصاص المحاكم العادية، فإن الاتجاه الجديد للغرفة الإدارية كما ترجمه القرار الصادر بتاريخ 20/06/1996 في الملف 150/96 هو اختصاص المحكمة الإدارية وهي بصدد البت في طلبات التعويض عن الأضرار الناتجة عن نشاطات أشخاص القانون العام في مجال الاعتداء المادي تكون ملزمة لا محالة بالبت والتأكد من قيام عناصر الاعتداء المادي والمبررات التي تتذرع بها الإدارة من جهة، ومن جهة أخرى فإنها في هذه الحالة ستنظر في شقين متلازمين لدعوى واحدة تجمعها رابطة واحدة ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، وإلا فما هي المحكمة المتوخاة من إسناد الاختصاص بالبت في طلبات التعويض عن الاعتداء المادي للإدارة إلى المحاكم العادية في الوقت الذي كان من المفروض قانونا أن يكون الاختصاص في المجالين معا موكولا لجهة قضائية واحدة.

هذا فيما يخص الولاية الشاملة لقضاء الموضوع،أما فيما يخص أحقية البت في حالات ووقائع الاعتداء المادي ضد الجهات الإدارية في قضاء الاستعجال،فقد أصبح رئيس المحكمة الإدارية بصفته قاضيا للمستعجلات هو المختص بالنظر في طلبات إيقاف الاعتداء المادي،وهو ما كرسه المجلس الأعلى آنذاك في قراره عدد 87 بتاريخ 09 ماي 1996،والذي تم تأييده من طرف الغرفة الإدارية واعترفت ضمنيا باختصاص القاضي الإداري في وضع حد للاعتداء المادي،وذلك بناء على عنصر الاستعجال وليس بناء على نظرية الاعتداء المادي،وجاء في قرار أخر للغرفة الإدارية الصادر بتاريخ 20/09/1996 تحت عدد 474،(إن النص التشريعي العام الذي يسند الاختصاص إلى جهة قضائية معينة بالنظر في نوع من المنازعات، لا يمكن تفسيره ولا القياس عليه للقول بأنه الأولى بالتطبيق إذا تعارض مع نص تشريعي خاص يسند الاختصاص إلى جهة قضائية أخرى بالنظر في منازعة مماثلة، وإلا اعتبر ذلك تجاوزا لإرادة المشرع ، ما دام النص الخاص يقدم على النص العام.)

إلا انه ورغم كون ولاية القضاء الإداري شملت اختصاصها في البت في قضايا الاعتداء المادي فان مجال الاختصاص ذلك مرهون بعدم وجود نص قانوني أخر يقضي بخلاف ذلك،فلئن كانت المادة 23 من القانون رقم 41/90 المحدثة بموجبه محاكم إدارية تسند الاختصاص لهذه المحاكم بالنظر في دعاوى الإلغاء الموجهة ضد القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة، وهو نص عام، فإن الفصل 12 من الظهير الشريف رقم 1.62.105 الصادر بتاريخ 1962.6.30 بشأن ضم الأراضي الفلاحية الذي يسند الاختصاص بالنظر في دعوى الإلغاء الموجهة ضد قرار ضم الأراضي إلى المجلس الأعلى هو نص خاص ،وبالتالي فهو الواجب التطبيق مادام لم يطله أي تعديل.

الفقرة الثالثة : إشكالية إعمال التظلم الإداري في وقائع الاعتداء المادي الصادر عن الجماعات الترابية.

مما لا شك فيه انه للحصول على الحق بإعمال قاعدة التظلم الإداري من القرارات المجحفة الصادرة عن العمل الإداري للجماعات الترابية دون دعوى قضائية مزايا لا تنكر,فهو أقل كلفة إذ يوفر على صاحب الشأن مصاريف التقاضي وهى كثيرة قد ينوء بها وهو أكثر سرعة لما يكتنف المخاصمة القضائية من إجراءات سواء أثناء تحضير الدعوى أو إثناء نظرها،وهو يحفظ العلاقة بين صاحب الشأن ( لا سيما إذا كان موظفاً )؛والجهة الإدارية مصدرة القرار من حساسيات تنتج عن الطعن القضائي وأخيراً فإن إنصاف الإدارة للمواطنين والموظفين يحفظ وقت القاضي,ويخفف العبء عنه،لكن الإشكال يطرح نفسه حينما نكون أمام وقائع الاعتداء المادي، فهل يصح الاستناد على وجوبية سلوك مسطرة التظلم الإداري أمام الجماعات الترابية التي أصدرت قرارات منعدمة أساسا او بمجرد تصرفاتها المبنية دون سند ولا قرار في الموضوع؟

إن القرار المنعدم لا يعتبر قراراً إدارياً وإنما هو واقعة مادية، لذا فليس من المنطق قبول الطعـن بإلغاء قرار م منعدم،لأن هدف دعوى الإلغاء هو التأكد من مشروعية القرار الإداري المطعون فيه،إلا أن القضاء الإداري جرى على قبول الطعن الموجه ضد القرار المنعدم وذلك لإزالة الحالة المادية المترتبة على ذلك القرار،فمن غير المعقول حماية الأفراد في مواجهة القرارات المشوبة بعيب يسـير وتـركهم بدون حماية في مواجهة حالات الانعدام المنطوية على أبشع العيوب.

مقال قد يهمك :   نورالدين الأودي: تجريح القضاة في ضوء قانون المسطرة المدنية

و من وجهة نظرنا،فلئن كان لتظلم الإداري يتضمن صراحة طلباً بإعادة النظر في القرار الإداري المعيب إما بسحبه أو إلغاءه أو تعديله،وان التظلم الإداري يقوم على اعتبارات وإجراءات قانونية معينة ويقدم خلال ميعاد مُعين كي ينتج أثرهُ القانوني،فإننا نرى انه من الأفضل إعمال مسطرة التظلم الإداري في قضايا معينة دونما قضايا الاعتداء المادي،لكون هذا الأخير إنما هو وليد تصرف غير مرعي للأوضاع القانونية ويتنافى مع طبيعته الاستعجالية،وهو التوجه الذي اقره القضاء المصري في المادة (10) من قانون مجلس الدولة المصري رقم (47) لسنة 1972،و لكن في ميادين محددة وهي طلبات التعيين في الوظائف العامة او الترقية او بمنح العلاوات وكذلك طلبات الموظفين العموميين بإلغاء القرارات الإدارية المتعلقة بإحالتهم على التقاعد او فصلهم وما يتعلق أيضا بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية وبالنسبة لفرنسا فان المشرع قد اقتصر على حالة التظلم الوجوبي عند تعلق الطعن بالقرار الإداري غير المشروع ومطالبة الطاعن بالحصول على التعويض نتيجة لضرر مادي او معنوي او كلاهما تحقق له استنادا للقرار الإداري غير المشروع وعلى الإدارة أن تبت في التظلم من تاريخ تقديمه خلال مدة(4) أشهر بموجب المرسوم رقم 49 لسنة 1945،أما في العراق فان جميع التظلمات هي وجوبية من اجل رفع دعوى الإلغاء وهذا ما نصت عليه المادة (7) من قانون التعديل الخامس لقانون مجلس شورى الدولة رقم 17 لسنة 2013 وذلك كشرط إلزامي قبل تقديم الطعن إلى محكمة القضاء الإداري وعلى الجهة الإدارية أن تبت بالتظلم خلال مدة (30) يوم من تاريخ تسجيل التظلم لديها وعند عدم البت في التظلم او رفضه خلال المدة المحددة تقوم المحكمة بتسجيل الطعن لديها على المتظلم أن يقدم طعنه إلى المحكمة خلال مدة (60) يوم من تاريخ انتهاء مدة (الثلاثين) يوما المنصوص عليها في الفقرة(أ) من المادة السابعة وإلا سقط في الطعن.

و في المغرب،و من خلال الظهير المؤسس للمجلس الأعلى فان سلوك المسطرة الإدارية،أو ما يعرف بالتظلم الإداري كان من بين الإجراءات الإلزامية،حيث لا يجوز رفع دعوى بإلغاء أي قرار صادر عن الإدارة قبل التظلم من ضمن الآجال المحددة لذلك،ويسوغ تقديم طلب الإلغاء داخل أجل شهرين حسب الفصل 14 تحسب من تاريخ الرفض الكلي أوالجزئي.

بينما إعمال قاعدة التظلم الإداري في قانون المسطرة المدنية،ضلت جوازية،فقد نص في مادته 360 على أن سلوك مسطرة التظلم الإداري قبل رفع دعوى الإلغاء إجراء اختياري،بحيث يجوز للموظف المتضرر أن يطرح نزاعه مع الإدارة مباشرة على القضاء الإداري،وتبعا لنفس المادة 360 من المسطرة المدنية،فإن المعني بالأمر يمكنه اللجوء إلى التظلم الإداري شرط احترام الآجال المضروبة لذلك، وهي ستين يوما ابتداء من تاريخ نشر أو تبليغ المقرر المطعون فيه،ويعتبر سكوت الإدارة عن الرد على طلب التظلم أكثر من ستين يوما رفضا ضمنيا، مما يمكن معه صدور قرار الإدارة،سواء كان رفضا ضمنيا بالسكوت أو رفضها صريحا. لكن، حينما دخل قانون المحاكم الإدارية حيز التطبيق، فقد أصبحت القاعدة العامة هي عدم وجوبية سلوك المسطرة الإدارية قبل رفع التظلم القضائي شرط إتباع المسطرة المذكورة وضمن الآجال المنصوص عليها في الفصل 360 من قانون المسطرة المدنية إلا انه ومع دخول قانون المحاكم الإدارية أصبحت القاعدة في التظلم الإداري اختيارية وليست وجوبية.

حيث انه لا يوجد أي مقتضى قانوني في قانون المحاكم الإدارية يلزم بسلوك مسطرة تظلم إداري أولي هذا فضلا عن أن هذه الطلبات تقدم ضد قرارات وليس في مواجهة أشخاص نظرا لطبيعتها العينية ،

إلا انه ونظرا لما بمكن أن ينجم عن التصرفات الصادرة عن الجماعات الترابية،المكسوة بفعل الاعتداء المادي ومساسها بالحريات الأساسية و المادية وأملاكهم،وكذا لما ينجم عنها من التغير في المراكز القانونية للأفراد،ولكونها من قضايا الموصوفة ظبيعتها بالاستعجال، نرى من جانبنا أن هذه الوسيلة –التظلم الإداري- غير كافية لتوفير الحماية المطلوبة واللازمة لمبدأ المشروعية،وهذا ما دفع المشرع إلى ضرورة البحث وإيجاد وسيلة أخرى توفر الحماية العاجلة لهذا المبدأ وخلق توازن بين مركز ا لأفراد وبين مركز الإدارة التي تملك امتيازات السلطة العامة ولو مؤقتا،والتي تستدعي السرعة لتحقيق مصالح الأفراد والحماية الوقتية والعاجلة دون أن تكسب حقا أودره، وتتمثل هذه الوسيلة في الدعوى الاستعجالية الإدارية،والتي جاءت لخلق توازن مؤ قت بين الوسائل المتاحة للفرد و وسائل السلطة العامة التي تمتلكها الإدارة وذلك بموجب التدابير الوقتية و العاجلة لحماية الحقوق و الحريات الأساسية للأفراد .

الفقرة الرابعة : إشكالية إدخال الوكيل القضائي للجماعات الترابية ضد دعاوي الاعتداء المادي المرفوعة ضد الجماعات الترابية.

إن تصاعد عدد القضايا المرفوعة أمام المحاكم،يرجع بالأساس إلى عدة عوامل ذاتية وموضوعية سبق و أن تم معالجتها في عدد من الدوريات و المناشير السابقة. وتتمثل هذه العوامل على الخصوص فيما يلي:

  • عدم إعداد دراسة مادية وقانونية للوقائع والظروف المحيطة بالعمل الذي أقدمت عليه الجماعة وكذا عدم تقدير الأسباب التي تم الاستناد   إليها ؛
  • عدم احترام النصوص القانونية والتنظيمية المعمول بها في كل موضوع تطلب تدخل أو عمل الإدارة مثل الإقدام على احتلال ملك الغير دون إتباع مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة.
  • الإمتناع لأسباب وحجج واهية، عن التعويض عن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة .
  • الامتناع عن أداء الديون المترتبة في ذمة الجماعة والناتجة عن عقود التوريد والأشغال و الخدمات
  • الاعتداء على ملك الغير من أجل القيام بمشروعات جماعية دون إتباع مسطرة نزع الملكية و بدون تعويض.
  • التدخلات المادية للإدارة التي تؤدي إلى إحداث أضرار مادية للغير نتيجة عدم اتخاذ الإجراءات الإحترازية.
  • عدم الالتزام بالوفاء بالديون المترتبة في ذمة الجماعة نتيجة تعاملها مع الخواص داخل الآجال القانونية.

ووعيا من الشارع بضرورة مواكبة منازعات الجماعات الترابية خصوصا في القضايا التي يترتب عتها اثر مالي،جاء و لأول مرة ذكر مؤسسة الوكيل القضائي للجماعات الترابية(المساعد القضائي سابقا) في القوانين التنظيمية الترابية بمقتضى المادة 268 من القانون التنظيمي رقم 14/113 المتعلق بالجماعات و المقاطعات ،و كداك بموجب المادة 242 من القانون التنظيمي رقم 14/111 المتعلق بالجهات تم أخيرا المادة 212 من القانون المتعلق بالعمالات والأقاليم تحت رقم14/112,حيت تم التنصيص على انه يعين بقرار لوزير الداخلية وكيل قضائي للجماعات الترابية يتولى تقديم المساعدة القانونية للجماعات و هيئاتها و مؤسسات التعاون بين الجماعات و مجموعات الجماعات الترابية و يؤهل للترافع أمام المحاكم المحال إليها الأمر،حيث تم التنصيص على وجوب إدخال الوكيل القضائي للجماعات الترابية تحت طائلة عدم القبول وفي جميع الدعاوي التي تستهدف مطالبة الجماعات وهيئاتها و مؤسسات التعاون بين الجماعات ومجموعات الجماعات الترابية بأداء دين او تعويض,كما يخول له بناء على دالك إمكانية مباشرة الدفاع عن الجماعة في مختلف مراحل الدعوى,وعلاوة على ذالك،يؤهل الوكيل القضائي للجماعات الترابية للنيابة عن الجماعات و هيئاتها في جميع الدعاوي الأخرى بتكليف منها,ويمكن أن تكون خدماته موضوع اتفاقيات بينه وبين الجماعة وهيئاتها و مؤسسات التعاون بين الجماعات و مجموعات الجماعات الترابية.

مقال قد يهمك :   محمد بحماني : دعاوى التعويض و دور صندوق التأمين في المنازعات العقارية

فبالإضافة إلى الشروط الشكلية العامة في المنازعات الإدارية الصفة الأهلية المصلحة،فهناك شروط خاصة عندما تكون الجماعة الترابية أحد أطراف الدعوى سوءا مدعى أو مدعى عليها وهو شرط تقديم مذكرة إخبارية قبل رفع الدعوى،حيث توجه هذه المذكرة توجه إلى رئيس المجلس الجماعي والى سلطة الوصاية وقد نص على هذا الإجراء المادة 48 من الميثاق الجماعي،إذ أن تقديم هذه المذكرة يعتبر من النظام العام حيث أنه عدم القيام بهذا الإجراء ينجم عنه عدم القبول .

والحقيقة أن إعمال قاعدة إدخال الوكيل القضائي للجماعات الترابية لا تشمل دعاوي الاعتداء المادي الصادر عنها بتلك الصفة رغم كونها مجالا للمطالبة بالتعويض عن فعل الاعتداء،ومؤثرة في مالبة الجماعات الترابية على أساس أن الوقائع المرتبطة بمنازعات الاعتداء المادية لا سند لها من الناحية القانونية،كما أن إدخال الوكيل القضائي للجماعات الترابية سوف يطيل من أمد دعاوي الاعتداء المادي ويتعارض مع طبيعتها الاستعجالية.كما ان مفهوم الدين الوارد بالقوانين التنظيمية لا يشمل إلا ما هو موضوع تعاقد بين الجماعات الترابية وان دلالة التعويض المضمنة بها لا تمتد نطاق الاعتداء المادي او المسؤولية الإدارية التقصيرية للجماعات،وهو ما كرسه المجلس الأعلى في القرار بغرفتين عدد 360 الصادر بتاريخ 2015/11/26 ملف إداري رقم 1830/4/2014 بقوله لما كانت المادة 38 من القانون 08.45 المتعلق بالتنظیم المالي للجماعات المحلیة ومجموعاتھا تنص على أنه یجب إدخال المساعد القضائي في الدعوى تحت طائلة عدم قبول المقال كلما أقیمت دعوى قضائیة بغرض التصریح باستحقاق دیون على جماعة محلیة، فإن مفھوم الدین ینسحب إلى المبالغ الناتجة عن علاقة تعاقدیة ولا یدخل ضمنھا دعاوى المطالبة بالتعویض الناتج عن مسؤولیة إداریة تقصیریة.

فالاعتداء المادي ھو كل عمل يستعصى إدخاله ضمن الممارسات الشرعیة للإدارة ـ يجعل من قاضي الأمور المستعجلة مختص بالتدخل لحماية الملكیة و الحريات الأساسية،كلما كان الاعتداء علیھا بینا،إما بتوقفه او إزالته أو حذر القیام به ـ

فمنع مالكي العقار من التصرف في عقارھما بغیر حق و القیام بأعمال الحفر و ھدم البناءات المتواجدة به دون أي إذن منھما و دون سلوك المساطر المقررة قانونا لنزع الملكیة لأجل المنفعة العامة یعد من أبشع صور الاعتداء المادي على حق الملكیة المصان دستوریا يستوجب إعمال مسطرة الاستعجال لإنهائه .

لكن لجوء الفرد إلى القضاء و إتباعه إجراءات التقاضي المنصوص عليها في القوانين التنظيمية الموجبة لإدخال الوكيل القضائي للجماعات الترابية في الدعوى المتعلقة بالاعتداء المادي و اخبار الجماعة قبل رفع الدعوى ،يجعلها تتصف بتمديد زمنها الإجرائي وطول المدة في الفصل فيها،قد يؤدي إلى تنفيذ الإدارة لقرار وهذا ما ينتج عنه ضياع الحقوق.وفي هذا الاتجاه جاء في قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 15-12/2017 تحث عدد 1/927 في الملف الإداري رقم 14/4/359 لئن نصت مقتضيات المادة 38 من القانون رقم 45/08 المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات ومجموعاتها على انه يجب إدخال المساعد القضائي –حاليا الوكيل القضائي للجماعات- في الدعوى تحت طائلة عدم القبول كلما أقيمت دعوى قضائية بغرض التصريح باستحقاق ديون علة جماعة ترابية فان ذلك يتعلق فقط بالديون ذات الصيغة التعاقدية دون دعاوي التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشطات أشخاص القانون العام ومن بينها دعاوي التعويض عن الاعتداء المادي على عقارات.

وفيما يخص شرط ضرورة إشعار الجهات المعنية الواردة في النص التنظيمي نص قرار محكمة النقض 16/07/2015 تحت عدده 1616/1 رقم الملف 1827/4/1/13 على ان الغاية من التنصيص على إجراءات إجبارية إخبار الجماعة قبل رفع الدعوى في مواجهتها طبقا لمقتضيات المادة 48 من الميثاق الجماعي –سابقا- هو مجرد وسيلة لإيجاد فرصة لحل النزاع عن طريق الصلح وانه لا يسوغ أن يتوقف حق اللجوء إلى القضاء على إنذار او إخبار،وبالتالي فان توصل الجماعة الترابية بنسخة من المقال يعتبر بمثابة إخبار بموضوع الدعوى ويقوم مقامه .

تقييم :

إن الاختصاصات الواسعة التي  أنيطت بالمجالس الترابية و رؤسائها في مختلف   الميادين ذات الارتباط بتدبير الشأن المحلي، جعلتها تدخل في علاقات متعددة و متشعبة مع الغير،سواء عن طريق تدخلها من اجل تنظيم نشاطات الأفراد داخل الجماعات بواسطة مقررات فردية او تنظيمية،او عن طريق التعامل مع الأشخاص الاعتبارية او المعنوية بواسطة الاتفاقيات و العقود من اجل استغلال و تسير مرافق عمومية جماعية او أداء خدمات و القيام بأشغال لفائدة هده الجماعات ،الأمر الذي أدى إلى المس بالحقوق وتضارب المصالح و بالتالي كثرة المنازعات أمام القضاء تكون فيه الجماعات طرفا مدعيا او مدعى عليها.

إلا انه وارتباطا بموضوعنا نشير انه يجب التفريق بين القضايا المرفوعة ضد الجماعات بين ما هو مصدرها الخطأ المادي و فعل الاعتداء المادي،فبينما الأول يستند عن تصرف شخصي لموظفيها يرجع التحمل فيه للموظف الذي ترتب عن نشاطه خطا مادي جسيم الحق بالعير ضررا مباشرا،في حين أن الضرر الناجم عن فعل الاعتداء المادي للإدارة ينسب لذاتها في إطار قواعد المسؤولية التقطيرية الإدارية اتجاه الغير حيث تتجلى مسؤليتها التقصيرية في إصدار قرار معدوم من الناحية القانونية تجاوزا لها بذلك مسالة تطبيق القانون،فالجماعات الترابية لاتسأل إلا عن الأخطاء المرفقية التي يرتكبها الموظف “ الفصل 79 ″أما الأعمال التي توصف بالجسيمة أو تنطوي على تدليس فهي دائما أخطاء شخصية يتحمل الموظف مسؤوليتها بصفته الشخصية،ويدفع التعويض من ماله الخاص، ولا يمكن إثارة مسؤولية الجماعات المحلية عنها إلا بعد ثبوت إعسار الموظف وعجزه عن دفع التعويض المحكوم به لفائدة المضرور،ففي حكم صادر بالمحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 1995/2/23 ،في قضية فاطمة العنصري ضد رئيس المجلس البلدي لمدينة القصر الكبير،وبعد أن أقر القاضي بفداحة الأخطاء المرتكبة من قبل قائد ورئيس بلدية القصر الكبير اللذان أعطيا أوامر شفوية لهدم منزل المدعية دون أي مبرر أو مسوغ قانوني، جمل هذا الأخير المسؤولية كملة في شخص القائد ورئيس المجلس الجماعي نظرا لجسامة الخطأ الصادر عنهما بصفة شخصية.

و من وجهة نظرنا الموضوعية يجب تحميل الإدارة التعويض الكامل،إذا كان خطا مرفقيا كما يحمل الموظف المخطئ خطا جسيما كامل التعويض إذا ثبت خطاه الشخصي في حين يوزع المسؤولية بينهما بقدر إسهام كل واحد منهما في الخطأ المرتكب عندما يكون هذا الخطأ مشتركا، أي مرفقيا وشخصيا، وفي جميع الحالات فان الإدارة   تؤدي عن الموظف ما نابه على ان ترجع عليه فيما بعد باسترداد ما دفعته لفائدته.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]