الخدمات الضريبية الإلكترونية بالمغرب : التحديات و الرهانات
- يونس مليح كاتب و باحث بسلك الدكتوراه.
لقد سعت الحكومات المتعاقبة في السنوات العشر الأخيرة على تحديث الإدارة، وتنفيذ التوصيات الملكية السامية بإرساء إدارة عمومية قادرة على رفع التحديات المتمثلة في التغيرات السريعة والمتلاحقة، والحاجة إلى السرعة والجودة والمردودية في الإنجاز، وتحسين أداء الخدمات الإدارية وجعلها تستجيب لمتطلبات الفعالية. ولا يمكن تحقيق هذه الأهداف إلا من خلال استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصال التي تعد من أكثر المجالات الواعدة لدعم التقدم الاقتصادي سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، حيث حقق هذا المجال تطورا غير مسبوق في العلاقة بين الإدارة والمرتفقين، وتقريب المسافات للحصول على خدمات أفضل وأسرع وتحسين مردودية الإدارة وتقليل تكاليف التسيير.
ولابد من التطرق في بداية هذا الموضوع إلى شكل التنظيم بالإدارة الضريبية، الذي كان سابقا يتبع التصنيف الضريبي والذي ترتب عنه تعدد في مصالح الوعاء، في مصالح المراقبة وفي مصالح النزاعات، ولم يكن يخدم لا مصلحة الإدارة ولا مصلحة الملزم ولا مصلحة القانون الجبائي، ثم استقر حاليا بشكل نسبي على دمج وظيفي (polyvalence) تبعا في ذلك للعمليات الجبائية: الوعاء، التصفية، التحقيق، المراقبة والنزاعات والتحصيل الذي كان يشمل رسوم التسجيل والدمغة، إلا أنه ومنذ سنة 2004، أصبحت المديرية العامة للضرائب تتكلف بهذه الوظيفة بشكل تدريجي، والتي أسندت إلى قباض الإدارة الجبائية بدل الخزينة العامة للمملكة، حيث شملت العملية الضريبة على القيمة المضافة في السنة الأولى، وفي السنة الموالية الضريبة على الشركات ثم الضريبة على الدخل على الأرباح العقارية في السنة الثالثة. وعليه فقد تم حاليا تنظيم مرافق الإدارة الضريبية تماشيا مع خصائص الملزمين وحجمهم (منشآت كبرى، مقاولات متوسطة وصغرى وخواص ومهنيين). وتضطلع هذه المرافق بتدبير الملفات الضريبية للفئات المذكورة سعيا وراء تمكينها من خدمات تتسم بالقرب والجودة والنجاعة.
إن تحقيق أهداف أي نظام جبائي، وكما يؤكد العديد من المختصين في هذا المجال، يبقى رهينا بمستوى الإدارة التي تسهر على تطبيقه، وقد اختلفت أبعاد ووظائف الإدارة الجبائية بين الأمس واليوم. هذا وقد حاولت السلطة التنظيمية، في كل فرصة أتيحت لها بمناسبة إصلاح ضريبي، أن تعتني بتنظيم الإدارة الضريبية بالشكل الذي يجعلها تستجيب للأهداف المرجوة منها، وذلك عبر هيكلة مصالحها المركزية والخارجية، كلما دعت الضرورة لذلك وإرساء علاقة تشاركية مع الملزمين -الذين كانوا يعتبرون الحلقة الضعيفة أمام إدارة قوية تملك كل السلطات- وجعلهم يتقبلون الالتزامات الضريبية في ظل قوانين ضريبية معقدة، وتوعيتهم بأهمية الموارد الجبائية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلد، وفي تحسين الخدمات المقدمة إليهم. لذلك كان من الضروري خصوصا وأننا نتحدث اليوم عن التطبيق الفعلي لخدمات الأداء والإقرار الإلكترونيين، أن نثير هذا الموضوع وأن نتطرق له بقراءة نقدية لمختلف المساطر والخدمات التي جاءت بها المديرية العامة للضرائب في مجال تقديم خدمات إلكترونية لفائدة الملزمين وتسهيل المأمورية لديهم. فما هي هذه الخدمات الالكترونية التي جاءت بها إدارة الضرائب؟ وما هي العراقيل والمشاكل التي تثيرها على مستوى استخدامها؟ وهل يمكن مقارنة ما قامت به الإدارة الضريبية مع نظيراتها من الدول العاملة بهذه الخدمات؟
أولا : الأداء و الإقرار الضريبي الإلكتروني
يمكن تعريف الإدارة الضريبية الإلكترونية بأنها : ” استغلال الإدارة الضريبية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في القيام بمهامها ومسؤولياتها بهدف تحسين وتطوير عملياتها، وتبسيط الإجراءات في وجه المكلف الضريبي، وتيسير تبادلها للمعلومات بينها وبين جل الإدارات المرتبطة بالمجال، وتوفير الوقت والجهد في إنجاز الأعمال، بهدف تحقيق هدف الإدارة الضريبية والمتمثل في تعزيز الضبط الجبائي بأقل جهد ووقت“.
ويمكن تعريفها أيضا على أنها: “تحويل كافة الأعمال والخدمات الإدارية التقليدية من طول الإجراءات واستخدام الأوراق، إلى أعمال وخدمات إلكترونية تنفد بسرعة عالية ودقة متناهية، باستخدام تقنيات الإدارة، وهو ما يطلق عليه إدارة بلا أوراق. فهي وسيلة لرفع مستوى أداء الإدارة لتحقيق الكفاءة والفعالية، وليست بديلا عنها ولا تهدف إلى إنهاء دورها، وهي إدارة بلا ورق إذ تستخدم الأرشيف الإلكتروني والأدلة والمفكرات الإلكترونية والرسائل الصوتية. وهي إدارة بلا مكان وتعتمد وسائل الاتصال الحديثة، كما أنها إدارة بلا زمان، إذ تعمل 74 ساعة على 74 ساعة طوال الأسبوع بما يمثل يوما في السنة، أي أن العالم يعمل في الزمن الحقيقي 74 ساعة.
وفي خضم الحديث عن الإدارة الضريبية الإلكترونية، فقد جاء قانون المالية لسنة 2016 بجديد في هذا الصدد، كون أن جميع الإقرارات والأداءات الضريبية ستصبح إلزامية مع بداية شهر يناير من السنة الجارية، سواء بالنسبة للأشخاص الذاتيين والمعنويين المهنيين كيفما كان رقم أعمالهم، ويتم ذلك عن طريق العضوية (L’adhésion) في خدمات تطبيق Simpl أو خدمة الضرائب عبر الأنترنيت. وتتم هذه العضوية في مرحلتين اثنين أساسيتين، المرحلة الأولى يتم من خلالها تحميل ملف العضوية من موقع المديرية العامة للضرائب ووضعه أمام أنظار المديرية الجهوية للضرائب التابعة لمحل السكنى أو المقر الرئيسي للشركة، عندئذ يقوم مكتب الاستقبال بتسليم الملزم رمز الدخول، هذا الأخير يمكن من الدخول إلى التطبيق Simpl-Adhésion من أجل الاستعلام عن المعلومات التي تخص العضوية، كإمكانية إنشاء مستخدمين جدد، أو الاستعلام عنRIB أو غيرها من الخدمات.
ما يمكن قوله عن هذه الخدمة، أنها طويلة وغير مفهومة خصوصا من لدن الملزمين العاديين، فكيف لنا أن نتحدث عن خدمات إلكترونية وأن نضع ملف العضوية بشكل ورقي أمام أنظار المديرية الجهوية من أجل استخراج القن السري، الأمر الذي يتناقض مع هذا التوجه الذي تبتغيه المديرية العامة للضرائب، بالإضافة إلى الغموض الذي يلف المسطرة المتبعة من أجل الولوج إلى هذا التطبيق الذي يظل غامض في مجمله، فلماذا لم تقم المديرية العامة للضرائب بتبسيط المسطرة ووضع فيديو توضيحي لكيفية الولوج إلى مختلف هذه الخدمات (ملاحظة: الفيديو الوحيد التوضيحي على موقع المديرية لا يشتغل)، إضافة إلى إمكانية إرسال القن السري إلى هاتف المعني بالأمر مباشرة بعد استكمال مسطرة العضوية وإدخال المعلومات الكاملة المتعلقة بالملزم. زيادة على هذا، فالخدمات الالكترونية بصفة عامة جاءت لتبسيط المسطرة وتقليل الجهد المبذول من طرف الملزم الكامن في عدد المرات التي يطرق فيها الملزم أبواب الإدارة الضريبية سواء من أجل وضع إقراراه أو استعلامه عن المعلومات المتعلقة بملفه الضريبي، وليس من أجل زيادة العبء والغموض الذي يلف المساطر الضريبية ككل. هذا الأمر يزيد من تشنج العلاقة بين الإدارة الضريبية والملزم.
ثانيا: الخدمات الضريبية الإلكترونية في دول مقارنة
لقد بدأت إدارة الضرائب المصرية في سنة 2010 بنظام استقبال الإقرارات الضريبية من الممولين بصورة إلكترونية، وذلك بعد إدخال خدمة التوقيع الإلكتروني والسداد الإلكتروني، حيث يمكن للمولين من خلال هذا النظام إعداد وتعبئة وتقديم إقراراتهم الضريبية عبر موقع بوابة الحكومة الإلكترونية المصرية في المواعيد القانونية المحددة لتقديمها، من خلال اتباع الخطوات التي تم شرحها بالتفصيل في موقع مصلحة الضرائب المصرية. وبعد انتهاء تلك الخطوات واستكمالها للبيانات والشروط المطلوبة، يعد ذلك تقديما من الممول لإقراره الضريبي، ويحل هذا الإقرار الإلكتروني محل الإقرار الضريبي الورقي الذي كان يتم تقديمه من قبل الممول السابق. وهو ما يسهل على الملزم الإجراءات ويتناسب مع السرعة المطلوبة في التدبير الجبائي.
والأمر ذاته جرى العمل به في الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنة 1990، عن طريق نظام “FREE File “، وهو نظام إلكتروني يتم استخدامه من خلال شبكة المعلومات الدولية الانترنت، ويهدف إلى تيسير تقديم الممولين لإقراراتهم الضريبية بصورة إلكترونية سلسة عبر الانترنت، كما يسمح هذا النظام للملزمين بالحصول على كافة النماذج والاستمارات المتعلقة بجل الضرائب، وقد بلغ عدد المكلفين الذين استخدموا هذا النظام حتى سنة 2010 بأكثر من 100 مليون مكلف أمريكي.
وبالمقارنة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ووفقا لتقرير دولي صادر عن مجموعة البنك الدولي وشبكة (Price Waterhouse coopers) لسنة 2017، فقد احتلت هذه الأخيرة في العام 2015 المركز (54) من إجمالي (189 دولة)، وذلك من حيث سهولة دفع الضريبة، والتسهيلات التي تتوفر للملزمين في إجراءات تقدير وربط ودفع الضرائب المقررة عليهم، كما أشار هذا التقرير أيضا بأن الممول في الولايات المتحدة يحتاج إلى (175) ساعة في السنة لإكمال إجراءاته في دفع الضريبة.
في حين احتلت فرنسا في العام 2016 المركز (88) من إجمالي (189 دولة)، وذلك من حيث سهولة دفع الضريبة، والتسهيلات التي تتوفر للملزمين في إجراءات تقدير وربط ودفع الضرائب المقررة عليهم، كما أشار هذا التقرير أيضا بأن الممول في فرنسا يحتاج إلى ما يزيد على (139) ساعة في السنة لإكمال إجراءاته في دفع الضريبة.
وفي نفس السياق، ووفقا للتقرير الدولي، فقد احتل المغرب في العام 2016 المرتبة (64) من إجمالي (189 دولة)، وذلك من حيث سهولة دفع الضريبة، والتسهيلات التي تتوفر للملزمين في إجراءات تقدير وربط ودفع الضرائب المقررة عليهم.
كما أشار هذا التقرير أيضا بأن الممول في المغرب يحتاج إلى ما يزيد على (211) ساعة في السنة لإكمال إجراءاته في دفع الضريبة. وهو مركز إن دل على شيء فهو يدل على المكانة الدنيا التي تحتلها الإدارة الضريبية في ترتيب عدد الدول المشار إليها، هذا راجع بالأساس إلى تأثر الإدارة الضريبية بالعوامل السلبية والبيروقراطية التي تؤثر بلا شك في علاقة الملزم بالإدارة، على الرغم من الإصلاحات والتطورات التي شهدتها هذه ألأخيرة ومن هنا فعلى المشرع المغربي أن يتحرك في اتجاه خلق مزيد من الأريحية والطمأنينة في نفسية الملزمين، ومنحهم مزيدا من الضمانات سواء من حيث الإجراءات أو من حيث آجال التحصيل الحبي، حتى يتسنى للمغرب الصعود في سلم الترتيب العالمي من ناحية المردودية الجبائية أو من حيث الظروف والمناخ المتاح للملزم للأداء.
إن الهدف الرئيسي من تطبيق الإدارة الإلكترونية، يبقى بالأساس السرعة والدقة في إنجاز المهام، وتقليل الوقت والجهد، والقضاء على مشكلة تكدس الأوراق وغيرها من السلبيات التي يزول أثرها بتطبيق هذه الوسيلة، لذلك فإن للإدارة الالكترونية في المجال الضريبي أهداف كثيرة تسعى إلى تحقيقها في إطار تعاملها مع الملزم أو المرتفق، نذكر منها بغض النظر عن الأهمية والأولوية:
- التقليل من تعقد الإجراءات الإدارية داخل الإدارة الضريبية وما يتعلق بها من عمليات؛
- زيادة كفاءة عمل الإدارة الضريبية من خلال تعاملها مع الأشخاص الذاتيين والشركات؛
- اختصار وقت إنجاز وتنفيذ المعاملات المختلفة داخل الإدارة الضريبية؛
- الدقة والوضوح في تنفيذ العمليات المختلفة داخل الإدارة الضريبية؛
- تسهيل إجراء الاتصال بين جميع الإدارات التي لها علاقة بالإدارة الضريبية؛
- تقليل استخدام الأوراق بشكل ملحوظ مما يؤثر إيجابا على الإنجاز السريع والدقيق لمهام الموظف الضريبي؛
- تحقيق السرعة المطلوبة لإنجاز إجراءات في العمل؛
- التقليل من مخاطر فقد المعلومات أو تلفها داخل الإدارة الضريبية، فالاعتماد على الأوراق في التعاملات داخل الإدارة الضريبية قد يؤدي إلى تلفها مع مرور الوقت.
إن تحول الإدارة الضريبية من النمط التقليدي الورقي السائد إلى النمط الإلكتروني، أصبح ماثلا للعيان في كثير من دول العالم، التي صارت تعتمد على الوسائل الإلكترونية الحديثة في الوقت الراهن، وعلى شبكة الإنترنت في كثير من الإجراءات الضريبية، وكذا في تقديم الإقرارات الضريبية، وأيضا في دفع الضريبة عن طريق الأداء الإلكتروني، وحتى في إجراءات التظلم والطعن الضريبي، وذلك في اتجاه تحويل الإدارة الضريبية المغربية في المستقبل إلى إدارة تعتمد في معظم أعمالها على الوسائل الإلكترونية، بما في ذلك من ضمانات جديدة سيعطيها هذا التوجه للملزم الضريبي، وما سيواكب ذلك من إيجابيات مختلفة، لا تخلوا كما هو غني عن البيان من بعض المشاكل والمعوقات التي سترافقها. زيادة على كون الخدمات الإلكترونية من أداء وإقرار التي قامت بها الإدارة الضريبية تبقى دون المستوى ولا ترتقي إلى مثيلاتها من الدول المقارنة الرائدة في هذا الباب، كالتجربة الأمريكية على الخصوص والمصرية. لذلك وجب العمل على رفع التحديات والمعيقات من أجل بسط نموذج من الخدمات الإلكترونية تصب في خدمة الملزمين في المقام الأول، ومنافسة الدول الرائدة في المجال من جهة أخرى.
خصوصا وأننا نتحدث اليوم عن مدن ذكية، مدن تعمل وتقوم بجل خدماتها عن طريق نقرة زر واحدة في إطار نظام إلكتروني يسمى “Internet des objets”، فكيف يمكننا تطبيق هذا النموذج في ظل خدمات إلكترونية دون المستوى؟