التعليمات الكتابية القانونية لرئيس النيابة العامة.
- سليمة فراجي : محامية و عضوة سابقة بلجنة العدل و التشريع.
ولعل ما تمت الإشارة إليه من كون المشاكل القانونية يجب حلها عبر القانون وليس عبر الدوريات ليجعلنا نتساءل فعلا إن تم إطلاع البعض – ممن يقدمون الفتاوى القانونية- حتى ولو تعلق الأمر بالقاضي الكبير الذي استند مقال “الأسبوع الصحفي” إلى رأيه، على بنود الدستور والقوانين التنظيمية المكملة له، أم أن الأمر يتعلق بمجرد تصريحات مطلوقة على عواهنها و منعدمة السند؛
ذلك أنه بالرجوع إلى الفصل الـ110 من الدستور في فقرته الثانية نجده ينص على أن “قضاة النيابة العامة يلتزمون بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها، وأن أعلى سلطة هي رئاسة النيابة العامة”.
ومن ثمّ، شتان بين التعليمات القانونية الكتابية الصادرة عن سلطة مختصة بقوة الدستور والقانون، و التطمينات التي يؤخذ بها على سبيل الاستئناس كما ورد في مقال جريدة “الأسبوع الصحفي”، إضافة إلى ذلك نص الفصل الـ116 من الدستور بعلى أن التقارير التي تهم قضاة النيابة العامة يتم تقييمها من لدن السلطة التي يتبعون لها. وفي الاتجاه نفسه نص الفصل الـ66 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وتماشيا مع مقتضيات الدستور، على أن المجلس يراعي بالنسبة إلى قضاة النيابة العامة تقارير التقييم المقدمة من قبل الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيساً للنيابة العامة.
وفي السياق نفسه جاء الفصل الـ25 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة ليضع قضاة النيابة العامة تحت سلطة ومراقبة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، والسلطة تعني وجود علاقة تسيير بين الرئيس والمرؤوس، أما المراقبة فتفيد وجود علاقة مهنية تسمح بالاطلاع على أداء المرؤوس وتقييمه مع إمكانية التوجيه. ومن ثمّ، فإن تعليمات رئيس النيابة العامة ملزمة لأعضائها بقوة الدستور والقوانين التنظيمية المشار إليها أعلاه.. إضافة إلى ذلك، فإن القانون رقم 33.17، المتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيساً للنيابة العامة، ينص على أن هذا الأخير يحل محل وزير العدل في ممارسة الاختصاصات الموكولة إلى الوزير المتعلقة بسلطته وإشرافه على النيابة العامة وعلى قضاتها بما في ذلك “إصدار الأوامر والتعليمات الموجهة اليهم طبقا للنصوص التشريعية”.
وإذا كانت اختصاصات وسلطات وزير العدل قد تم نقلها إلى رئيس النيابة العامة فهذا يعني أن هذا الأخير قد أصبح هو المعني بتطبيق المادة الـ51 من قانون المسطرة الجنائية، إذ يشرف على تنفيذ السياسة الجنائية ويبلغها إلى الوكلاء العامين للملك الذين يسهرون على تطبيقها، علما أن لرئيس النيابة العامة تبليغ الوكلاء العامين ما يصل إلى علمه من مخالفات للقانون الجنائي..
وبالتالي، فإن وصف التعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن جهة مختصة بمجرد تطمينات يؤخذ بها على سبيل الاستئناس، والقول بأن استقلالية النيابة العامة عن تعليمات وزارة العدل زادت الأزمة تعقيدا؛ فإنه ينم عن عدم الاطلاع وعدم مواكبة الدستور والقوانين التنظيمية المكملة له والقانون المتعلق بنقل صلاحيات الوزير وسلطاته على النيابة العامة إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة.