التشطيب على التقييد الاحتياطي بين الفصلين 86 و 91 من ظهير التحفيظ العقاري (تعليق على قرار)

حسن مازوزي محام بهيئة المحامين بالقنيطرة
تعليق على قرار محكمة النقض عدد 979/1 المؤرخ في 5/11/2024 في الملف العقاري 2668/1/7/2024
موجز الوقائع:
تقدمت شركة ” ف ” أمام رئيس المحكمة الابتدائية بالقنيطرة بصفته قاضيا للأمور المستعجلة بمقال التمست فيه التشطيب على التقييد الاحتياطي المقيد على عقارها بتاريخ 6/1/2023 بناء على مقال تقدم به السيد ” ح ت ” في مواجهة مغرب باي البائعة لشركة ” ف “. و أجاب المدعى عليه بكون المدعية لم تدل بما يفيد صدور حكم نهائي في ألموضوع. فقضت المحكمة الابتدائية بعدم قبول الطلب بعلة عدم صدور حكم نهائي في الدعوى . استأنفته شركة ” ف ” استنادا إلى كونها المالكة في الرسم العقاري منذ 29/12/2022 أي قبل وقوع التقييد الاحتياطي , و أن السيد المحافظ على الأملاك العقارية بعد اطلاعه على العقد و تأكده من توافره على كافة الشروط و الأركان قام بتقييده على الرسم العقاري . و أن التقييد الاحتياطي هو إجراء يقوم به صاحب حق تعذر عليه تسجيله لسبب من الأسباب ليضمن لنفسه في المستقبل إمكانية هذا التسجيل عند زوال المانع و أن ذلك مشروط بأن يكون الحق المطلوب تقييده قابل للتقييد النهائي عملا بالأثر الإنشائي للتقييد , و أن التقييد الاحتياطي موضوع الدعوى غير قابل للتقييد النهائي في الرسم العقاري لكون العارضة غير في علاقة المالكة السابقة مع ” ح ت ” وأنه عملا بمقتضيات الفقرة ما قبل الأخيرة من الفصل 85 من ظهير التحفيظ العقاري التي تنص على أن: ” تاريخ التقييد الاحتياطي هو الذي يحدد رتبة التقييد اللاحق للحق المطلوب الاحتفاظ به .” و بالتالي فإن التقييد لن يمس بالمركز القانوني لها كما أن الفصل 62 من قانون التحفيظ العقاري صريح في أن ” الرسم العقاري نهائي و لا يقبل الطعن ويعتبر نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق العينية و التحملات العقارية .فقضت محكمة الاستئناف بالقنيطرة بإلغاء الأمر المستأنف وتصديا الحكم بالتشطيب على التقييد الاحتياطي بمقتضى المقال و أمر المحافظ على الأملاك العقارية و الرهون بالقنيطرة بالتشطيب على التقييدين من الرسم العقاري عدد 432047/ر. وتم الطعن فيه بالنقض من قبل ” ح ت ” , فقضت محكمة النقض بنقض القرار المطعون فيه و هو القرار موضوع التعليق . وقد استندت محكمة النقض في تعليل قضائها بأن:
” رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات محجر عليه بالأمر بالتشطيب على التقييد الاحتياطي المبني على مقال الدعوى قبل صدور الحكم النهائي الصادر بشأنها وكذلك محكمة الاستئناف وهي تنظر في ذات الطلب، ولما كان ذلك وكان المطلوب قد أقام تقييدا احتياطيا جرى تمديده حسبما تفصح عن ذلك شهادة الملكية موضوع الرسم العقاري عدد 32047/ الصادرة عن المحافظ على الأملاك العارية بالقنيطرة بتاريخ 6/1/2023 بناء على دعوى جارية بين الطرفين، فإن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما قضت بما جرى به منطوق قرارها وهي تنظر في استئناف المطلوبة لحكم السيد رئيس المحكمة القاضي بعدم قبول الدعوى شكلا بعلة: “أن الأمر بالتقيد الاحتياطي بناء على مقال لا يمنع قاضي المستعجلات طبقا للفقرة الأخيرة من الفاصل 86 من ظهر 1913/08/12 كما وقع تعديله وتتميمه بالقانون 14.07 الصادر بتاريخ 2022/11/22 من التشطيب عليه كلما كانت الأسباب المستند عليها غير جدية أو غير صحيحة، وحيث تبعا لذلك يكون أمر السيد رئيس المحكمة القاضي بعدم قبول دعوى المستأنفة بعلة عدم الإدلاء بما يفيد نهائية الحكم الابتدائي، دون تفحصه ظاهر المستندات والتأكد ما إذا كان التقييد الاحتياطي مبني على أسس صحيحة وجدية وفق ما تنص عليه الفقرة الأخيرة من الفصل 86 أعلاه وليس الاقتصار على العلة المذكورة، يجعل قضاءه قد بني على غير أساس مما يتعين إلغاؤه والحكم تصديا بالاستجابة للطلب وفق ما سيرد بمنطوق هذا القرار أدناه”، تكون قد خرقت القانون بتجاوزها ما هو موكول إليها النظر فيه بالحكم بعدم جدية الأسباب التي بنيت عليها الدعوى محل التقييد وغير المعروضة عليها بكل تفاصيلها، مما يوجب نقض القرار”.
التعليق على قرار محكمة النقض:
موضوع القرار يتعلق بمدى أحقية رئيس المحكمة الابتدائية بصفته قاضيا للأمور المستعجلة، بالتشطيب على التقييد الاحتياطي المبني على مقال للدعوى قبل صدور الحكم النهائي الصادر بشأنها , و كذا في تفحصه ظاهر المستندات والتأكد مما إذا كان التقييد الاحتياطي مبني على أسس صحيحة وجدية . و من خلال التعليل الذي اعتمده القرار موضوع التعليق في قضائه، يستشف بأن رئيس المحكمة الابتدائية و بصفته قاضيا للأمور المستعجلة محضور عليه الأمر بالتشطيب على التقييد الاحتياطي المبني على مقال للدعوى قبل صدور الحكم النهائي الصادر بشأنها وكذلك محكمة الاستئناف وهي تنظر في ذات الطلب , و أن المحكمة إن فعلت تكون قد خرقت القانون بتجاوزها ما هو موكول إليها النظر فيه بالحكم بعدم جدية الأسباب التي بنيت عليها الدعوى محل التقييد وغير المعروضة عليها بكل تفاصيلها.
وفي هذا الصدد تنص المادة 86 من قانون التحفيظ العقاري في فقرتها الأخيرة على أنه ” … يمكن اللجوء إلى رئيس المحكمة الابتدائية التي يقع في دائرة نفوذها العقار ، بصفته قاضيا للمستعجلات للأمر بالتشطيب على التقييد الاحتياطي كلما كانت الأسباب المستند عليها غير صحيحة .
فالتعليل الذي استند عليه القرار موضوع التعليق قد يسعف مقتضيات المادة 86 من ظهير التحفيظ العقاري في صيغته القديمة , قبل التعديل الأخير المذكور الذي منح قاضي الأمور المستعجلة صراحة صلاحية البحث في جدية الأسباب المعتمدة في التقييد الاحتياطي . بل إن طالبة التشطيب على التقييد الاحتياطي في القرار موضوع التعليق , بالنظر إلى كونها المالكة في الرسم العقاري محصنة بمقتضى المادة 2 من مدونة الحقوق العينية التي تنص على أن الرسوم العقارية و ما تتضمنه من تقييدات تابعة لإنشائها تحفظ الحق الذي تنص عليه وتكون حجة في مواجهة الغير على أن الشخص المعين بها هو فعلا صاحب الحقوق المثبتة فيها من جهة أولى و من جهة ثانية بمقتضى المادة 62 من ظهير التحفيظ العقاري التي تنص على أن الرسم العقاري نهائي و لا يقبل الطعن ويعتبر نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق العينية و التحملات العقارية , و من جهة ثالثة بمقتضى الفصل 66 من نفس القانون التي تنص على أن كل حق عيني متعلق بعقار محفظ يعتبر غير موجود بالنسبة للغير إلا بتقييده , وابتداء من التقييد في الرسم العقاري من طرف المحافظ على الأملاك العقارية .
ذلك أن المطلوبة في النقض طالبة التشطيب على التقييد الاحتياطي شركة ” ف ” هي مالكة للعقار منذ 29/12/2022 حسب شهادة الإيداع الصادرة عن المحافظة العقارية أي أن ملكيتها سابقة على التقييد الاحتياطي المؤرخ في 6/1/2023 , و بالتالي فهي خلف خاص للبائعة انتقلت لها الملكية غير مشغولة من أي تقييد احتياطي وفق الثابت من شهادة الإيداع الصادرة عن السيد المحافظ العقاري بالقنيطرة و هذا المعطى كاف كمبرر للبحث في جدية الطلب من عدمه من قبل قاضي الأمور المستعجلة . كما أن مآل الدعوى التي أسس عليها التقييد الاحتياطي لن يغير في شيء من المراكز القانونية للأطراف ما دام أن التقييد الاحتياطي هو إجراء يقوم به صاحب حق تعذر عليه تسجيله لسبب من الأسباب ليضمن لنفسه في المستقبل إمكانية هذا التسجيل عند زوال المانع .
وقد أبرزت محكمة النقض في إحدى قراراتها التحول الذي أحدثته تعديلات 14.07 و الذي جاء فيه : ”
تقييد احتياطي – تقييده بناء على مقال للدعوى في إطار القانون القديم – طلب التشطيب عليه – عدم اختصاص قاضي المستعجلات في إطار المادة 86 من ظهير التحفيظ العقاري – حكم بالتشطيب على التقييد طبقا للفصل 91 من الظهير المذكور.
.” إن المادة 86 بصيغتها الحالية التي جاء بها القانون 14.07 المعدل لظهير 12/08/1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري لا تطبق بأثر رجعي على التقييدات الاحتياطية المسجلة في إطار القانون القديم إعمالا لمبدأ عدم رجعية القوانين من حيث الزمان , لا سيما أن مقتضيات القانون الحديث أتت بمستجدات إجرائية و موضوعية لا يتضمنها القانون القديم و خالية من أي نص يجيز صراحة تطبيقها على التقييدات الاحتياطية السابقة “. القرار عدد 70 الصادر بتاريخ 27 يناير 2015 في الملف المدني عدد 2736/1/8/2014 ( منشور في التقرير السنوي لمحكمة النقض لسنة 2015 الصفحة 48 ).
فالقرار موضوع التعليق بتحجيره على رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات – كما ورد في تعليل القرار – بالأمر بالتشطيب على التقييد الاحتياطي المبني على مقال للدعوى قبل صدور الحكم يكون قد خرق مقتضيات صريحة متمثلة في الفقرة الأخيرة من الفصل 86 من قانون التحفيظ العقاري التي تمنح إمكانية اللجوء إلى رئيس المحكمة الابتدائية التي يقع في دائرة نفوذها العقار بصفته قاضيا للأمور المستعجلة للأمر بالتشطيب على التقييد الاحتياطي كلما كانت الأسباب المستند عليها غير جدية أو غير صحيحة. وبالتالي فالنص صريح ولا يحتاج إلى أي تأويل. وهذا المنحى نادى به الفقه وبدأت بوادره قضائيا تظهر قبل تعديل قانون 14.07 حينما لاحظ بعض قضاة الأمور المستعجلة يلاحظون أن هناك ضرورة ماسة للتشطيب على بعض التقييدات الاحتياطية التي تضل قائمة لسنين طويلة وتعوق تداول الملكية فأصبحوا يستجيبون لبعض طلبات التشطيب، نذكر على سبيل المثال لا الحصر أمر السيد رئيس المحكمة الابتدائية بمكناس بتاريخ 6/12/1983 والقاضي بالتشطيب على تقييد احتياطي مرت عليه 20 سنة. وقد أدى هذا المخاض إلى تدخل المشرع بمقتضى قانون 14.07 ومنح الصلاحية لقاضي المستعجلات للبت في التشطيب على التقييد الاحتياطي بناء على مقال والنظر في جدية الأسباب حفاظا على استقرار المعاملات وتحقيقا للأمن العقاري والتصدي للتقييدات الاحتياطية الكيدية والمنجزة بسوء نية. وأصبح بالتالي لقاضي المستعجلات ما يسمي بالرقابة البعدية على التقييد الاحتياطي.
إن القرار موضوع التعليق لا ينسجم مع التوجه العام لمحكمة النقض . فهل يمهد هذا القرار إلى تغيير في التوجه الذي سارت عليه محكمة النقض في التشطيب على التقييد الاحتياطي دون الرجوع إلى مقتضيات الفصل 371 من قانون المسطرة المدنية ( غرفتين – مجموع الغرف ) ؟
و في هذا الصدد نسوق القرار عدد 1/26 بتاريخ 21/03/2023 في الملف 160/7/1/2021 المنشور بمنصة قرارات محكمة النقض و هو قرار صادر عن نفس الغرفة . و الذي اعتمد في تعليل قضائه على :
“أن الفقرة الأخيرة من الفصل 86 من قانون التحفيظ العقاري تمنح إمكانية اللجوء إلى رئيس المحكمة الابتدائية التي يقع في دائرة نفوذها العقار بصفته قاضيا للمستعجلات للأمر بالتشطيب على التقييد الاحتياطي كلما كانت الأسباب المستند عليها غير جدية أو غير صحيحة، ولما كان التقييد الاحتياطي إجراء تحفظيا وقتيا يغل يد المالكين عن التصرف في عقارهم، ولما كانت جدية وصحة التقييد الاحتياطي منازع فيها وأن الطالبين أدلوا بشهادة الملكية العقارية تتعلق بالرسم العقاري تفيد أنه تم استخراجه من الرسم العقاري الأم في اسم المطلوبين بموجب رسم القسمة ولم يبق للتقييد الاحتياطي المقيد من طرف موروثهم أية جدوى سوى عرقلة حرية الطالبين في التصرف في عقارهم، فإن المحكمة لما عللت قضاءها بعدم اختصاص قاضي المستعجلات بناء على مقتضيات الفصل 86 من قانون التحفيظ العقاري وأن النازلة تسري عليها مقتضيات الفصل 91 منه للتشطيب على التقييد الاحتياطي أمام الجهة الإدارية المختصة دون بيان ما يحول دون تطبيق الفصل 86 أعلاه ودون أن تتناول ما استدلوا به بالتمحيص والمناقشة في ضوء مقتضيات الفصل أعلاه تكون قد أساءت تطبيق القانون وعللت قرارها تعليلا ناقصا وهو بمثابة انعدامه فعرضته للنقض ”
و كذا القرار عدد 9/2023 الصادر بتاريخ 1/3/2023 في الملف 1139/1/1/2020 الذي علل قضاءه بأن : ” المحكمة لما لم تناقش الدفع المثار من طرف الطاعنة، وتحقق بشأن علاقة الرسم العقاري المضروب عليه التقييد الاحتياطي موضوع النزاع بالعقار موضوع الخصومة، وبعلاقة الأسباب المعتمدة في مقال الدعوى المستند عليه لإيقاع التقييد المذكور ومدى تأثير الحكم الصادر في تلك الدعوى على مركز هذه الأخيرة لما لذلك من تأثير على الفصل في النزاع الحالي، والجزم والحسم فيما إذا كان هناك تعسف من عدمه من جانب طالبة التقييد الاحتياطي، يكون قرارها ناقص التعليل المنزل منزلة انعدامه وهو ما عرضه للنقض والإبطال “.
الخاتمـــة :
إعمالا للمادة 86 من قانون التحفيظ العقاري 14.07 فإن رئيس المحكمة الابتدائية بصفته قاضيًا للأمور المستعجلة له السلطة التقديرية للنظر في مدى جدية أو صحة الأسباب التي بني عليها التقييد الاحتياطي للبت في الطلب دون انتظار البت النهائي في الدعوى الأصلية التي على أساسها تم التقييد الاحتياطي , حماية لاستقرار المعاملات و تفادي ما يعوق التداول العادي و الطبيعي للعقار و لوضع حد للتقييدات الاحتياطية التعسفية الصادرة عن سيئي النية. كما أن القضاء مدعو إلى تفعيل إرادة المشرع بدون تردد أو تضارب للقرارات في احترام تام لمقتضيات الفصل 371 من قانون المسطرة المدنية كلما دعت الضرورة تغيير بعض التوجهات إن اقتضى الأمر ذلك – غرفتين , مجموع الغرف -.