الاستهتار بقانون السير ..سلوك بشري يخلّف مآسي إنسانية و اجتماعية.
- محمد الراجي .
- توج هذا المقال بجائزة أفضل عمل صحفي لسنة 2017 في مجال التوعية و التحسيس بالسلامة الطرقية التي تمنحها اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير كل 18 فيراير من كل سنة.
في المغرب أضحى “عاديا” أنْ ترى كثيرا من مستعملي الطريق يخرقون قانون السير، بالليل والنهار. سائقون لا يتوقفون عند إشارة الضوء الأحمر أو علامة “قف”، ولا يتورّعون في استعمال الهاتف المحمول أثناء القيادة، رغم مخاطره الجمّة، وراجلون يعبرون الطريق كيفما شاؤوا، دونَ العبور في الممرّات المخصصة لهم، أو احترام إشارات المرور، أو على الأقل التعاطي مع الطريق بما يكفي من الحيْطة والحذر.
هذه خُلاصةٌ ليست وليدةً انطباعات شخصية مُجرّدة أو انطباع عامّ سائد، بل هي خُلاصةٌ مُستقاة من الدراسات العلمية المنتظمة، التي تقوم بها اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير على مدار السنة، والتي تكشف أنَّ مستوى احترام قانون السير في المغرب ما زالَ مُتدنّيا، دون أن يعني ذلك أنَّ جميع مستعملي الطريق في المملكة لا يحترمون قانون السير، لكنَّ عدد الذين يخرقونه لا يزال مرتفعا.
أرقام دالّة :
في شهر فبراير سنة 2015، لم يكن عدد السائقين الذين يحترمون علامة “قفْ” يتجاوز 25،7 بالمائة، ثم ارتفعت النسبة في شهر غشت من السنة نفسها إلى 36،9 بالمائة، وسارت في مَنحى مُستقرّ إلى حدود شهر مارس من سنة 2017، حيث ارتفعت نسبة السائقين المحترمين للعلامة الحمراء إلى 48،1 بالمائة، حسب إحصائيات رسمية حول نسبة احترام المؤشرات السلوكية خلال الفترة 2015-2017، أنجزتها اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير.
وحسب الإحصائيات ذاتها، فإنَّ المؤشرات السلوكية المرتبطة بالمكان (الفضاء الطرقي)، خلال السنتين الأخيرتيْن، كانت تتأرجح بين الاستقرار والتذبذب؛ ففي شهر فبراير من سنة 2015، بلغت نسبة احترام الإشارة الضوئية 82،8 بالمائة، وفي مارس من سنة 2017 استقرت هذه النسبة في حدود 81،7 بالمائة، وخلال الفترة الزمنية نفسها انخفضت نسبة احترام أسبقية اليمين من 52،7 بالمائة إلى 35،7 بالمائة، بينما ارتفعت نسبة احترام الأسبقية داخل المدار من 55،6 بالمائة إلى 73،5 بالمائة.
وبالرغم من أنَّ المغرب شدَّد الإجراءات القانونية المتعلقة باحترام قانون السير، وتوسيع نطاق الحملات التحسيسية للوقاية من حوادث السير، فإنَّ نسبة كبيرة من مستعملي الطريق في المغرب لا يحترمون قواعد وقانون السير، ذلك أنَّ نسبة السائقين، الذين يستعملون حزام السلامة داخل وخارج المدار الحضري، لا تتعدى 56 بالمائة، و66 بالمائة على التوالي، حسب إحصائيات اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير لشهر مارس الماضي، في حين أنّ نسبة مستعملي خوذة السلامة من مستعملي الدراجات النارية داخل وخارج المدار الحضري، لا تتعدّى 61،9 بالمائة، و62،3 بالمائة على التوالي.
الأرقام الرسمية أعلاه تطرح سؤالَ: لماذا لا تَحترم نسبة مُهمة من مستعملي الطريق في المغرب قانون السير؟. سؤالٌ طرقْنا، في سعْينا إلى البحث عن جواب عِلميّ له، بابَ علْم النفس الاجتماعي، قصْد سبْر أغوار سيكولوجيّةِ مُستعملِ الطريق، سواء كانَ سائقَ عربة أو دراجة أو راجلا، واستكشاف الأسباب التي تدفعه إلى عدم احترام قانون السير، رغْم علْمه المُسبق بأنّ في ذلك خطرا داهما يُمكن أن يُودي بحياته وبحياة آخرين، أو قد يخرج منه بأعطاب جسدية ونفسيَّة وخيمة، وخسائرَ مادّية على الأقل.
مُشكل تربويّ :
ينطلق مصطفى السعليتي، أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة القاضي عياض بمراكش، في تحليله لسلوك مستعملي الطريق، الذين لا يحترمون قانون وضوابط الفضاء الطرقي، من ثلاث مقاربات أساسيّة، أولاها مرتبطة بالتنشئة الاجتماعية في المجتمع المغربي، والقائمة على المراقبة الخارجية وليس على المراقبة الداخلية، أيْ أنّ الفرد يحتاج دائما إلى من يراقبُه ليتصرّف بطريقة سليمة، وبالتالي فهو لا يحترم القانون انطلاقا من قناعة ذاتية، بل يمتثل له فقط خوفا من عواقب خرقه.
ويوضح السعليتي أنَّ هذا المشكلَ تربوي بالأساس، ذلك أنَّ الأساليبَ التربوية المُعتمَدة في التنشئة الاجتماعية لم تستطع أن ترسّخ في النفوس مبدأ المراقبة من الداخل، الذي يجعل مستعمل الطريق يحترم قانون السير، دونما حاجة إلى وجود عوْن مرور أو شرطي أو دركي يراقبه، ويُسمّى غياب هذا المبدأ في لغة علم النفس، كما يوضّح السعليتي، بأزمة “استدخال المعايير والقيَم” L’intériorisation des normes et valeurs ، مضيفا أنّ غياب مبدأ المراقبة الداخلية “يجعلنا نخضع للقانون فقط حين تكون هناك مراقبة خارجية، وحين تنتفي هذه المراقبة نَخرقه”.
غياب المراقبة الداخلية لدى نسبة مُهمة من مستعملي الطريق في المغرب تتجلّى في مجموعة من السلوكات التي تقع كل يوم على قارعة الطرق المغربية، من أبرزها أنَّ بعض المهنيين صاروا يُعلمون بعضهم، عن طريق إشارة مُعيّنة، أثناء المعاكسة على الطريق، بوجود حاجز أمني، من أجل التنبيه إلى تخفيض السرعة، لكنّ اللافت هو أنّ السائق الذي تمّ إعلامه بوجود حاجز المراقبة، سرعان ما يعود إلى السير بالسرعة التي كان يسير بها، مباشرة بعد تجاوُز الحاجز.
ثمّة سببٌ آخر يؤثر على سلوك مستعملِ الطريق سلبيا، وهو “انعدام إدراك المخاطر” La perception des risques . انعدام هذا الإدراك، يشرح السعليتي، يجعل مستعملَ الطريق يعتقد أنه في منأى عن أي خطر، وأنّه حتى لو لم يكن سائقا جيّدا فلن يؤثّر ذلك على قدرته في السياقة، ومن ثمَّ يركبُ المغامرة، مثل شخص واقف على ضفّة واد، معتقدا أنّه يستطيع قطعه إلى الضفة الأخرى، وحين يشرع في السباحة يغرق، لأنّه يفتقر إلى إدراك المخاطر.
قبل أسابيع شاهَد المغاربة مشهدا مؤسفا تجلّى فيه بقوّة انعدام إدراك المخاطر لدى بعض مستعملي الطريق، حين عمَدَ سائقُ حافلة كانت مليئة بالركاب إلى عبور قنطرة صغيرة وسط واد بنواحي مدينة مراكش، رغم أنَّ صبيب الواد كان مرتفعا في تلك اللحظة، بعد هطول الأمطار، وهو ما أدّى إلى سقوط الحافلة في قعر الواد، بعد أن فقد السائق السيطرة عليها وجرفتْها المياه، وخلّف الحادث إصابة عدد من الركاب بجروح متفاوتة.
يحكي إسماعيل (اسم مستعار)، وهو سائق محترف، لهسبريس، أنّه تعرّض لخمس حوادث سير، اثنتان منها كانتا خطيرتين، ويتذكر أنَّ الحادثة الأولى وقعت له بعد حصوله على رخصة السياقة، حيث كان يقود السيارة رفقة أصدقاء له، “طولْ الطريق وْحنا شاعلين الموسيقى الصاخبة والضحك والتهوّر والسرعة، وْباش نتفادى نضيّع ليصانص بْديت كنستعمل نقطة عطالة Point mort فكل هبطة، وملي وصلنا لواحد الهبطة وفيراج تقلبنا. الحمد لله كنا دايرين السمطة وما وقع والو فالجسد، لكن النفس بقات متأثرة لحد الآن”.
يُحلّل مصطفى السعليتي سلوك مستعمل الطريق الناجم عن انعدام إدراك المخاطر، انطلاقا من زاوية علم النفس المعرفي، موضحا أنّ هناك مخاطرَ ذاتَ بُعد ذاتي، مرتبطة بالطبيعة السيكولوجية للفرد، ومخاطر ذات بُعد موضوعي، ونتيجةُ انعدام إدراك المخاطر هي أنَّ الفرد يستخفُّ بالخطر sous- estimation de risque، حتى لو كان يدرك بأنه موجود، وهو ما يؤثّر بشكل خطير على السلوك، “ويجعل السائق يقول، مثلا، لن أرتكب حادثة سير حتى لو كنت أسير بسرعة 200 كيلومتر في الساعة”، يقول السعليتي.
ويضيف الباحث في علم النفس الاجتماعي أنَّ هذا السلوك الخطير ينجم عن عواملَ متعدّدة، أبرزُها ما يُسمّى بالاختلال المعرفي، أو اختلال على مستوى التفكير، مشيرا إلى أنّ الإنسان يعتقد أنّ الخطر لا يَلحق إلا بالآخرين “le malheur n’arrive qu’aux autres”، وهذا ناجم عن كون الشخص، الذي يسود لديه هذا الاعتقاد، يعاني تضخّم الوهم بالتحكم illusion de contrôle في كل شيء، ومن ثَمّ يتملّكه شعور بالثقة الزائدة، فيستخفّ بالمخاطر، حتى لو كان مُدركا بأنها موجودة.
العُنصر البشري.. وقودُ “حرب الطرق” :
في المغرب تقع عشرات الآلاف من حوادث السير سنويا، يموت ويُعطَب ويُجرح فيها آلاف الأشخاص، وتكلّف الدولة مبالغ مالية طائلة، كما تخلّف مآسي إنسانية واجتماعية، حتّى أضحت هذه الحوادث تُسمّى “حرب الطرق”؛ حرْبٌ تشير جُلّ المؤشرات إلى أنَّ وقودَها الأساس هو العنصر البشري.
“صحيح أنَّ حوادث السير تقع نتيجة تضافُر مجموعة من العوامل، تصل نسبة مسؤولية العنصر البشري فيها إلى حوالي 65 في المائة، لكنْ مع تضافر عوامل أخرى، مثل الحالة الميكانيكية للعربة، التي يُعتبر الإنسان مسؤولا عنها، فإنّ مسؤولية العنصر البشري ترتفع إلى حوالي 90 في المائة، يقول عبد الصادق معافة، رئيس قسم التواصل والتحسيس باللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير، في تصريح لهسبريس.
السائق إسماعيل، الذي تحدّث لهسبريس، مُقتنع بدوره بأنَّ العنصر البشري هو المسؤول الأول عن حوادث السير التي تقع في المغرب، إذ قال، وهو يستعيد شريط حيثيات حوادث السير الخمس التي ارتكبها سابقا، “داكشي اللي طْرا لي أنا السبب فيه”. ويُضيف أنّ مُستعملَ الطريق المغربي لا يحتاج إلى قوانينَ زجرية، وإن كانت ضرورية، بقدر ما يحتاج إلى تحسين سلوكه، “حْنا ما مْحتاجينش للقانون، مْحتاجين غيرْ نْكونو مْتسامحين مع بعضياتنا، كايْن بعض السائقين ما كيْرضاوش يضوبلْهم شي حدّ، وكيْبقاو يتسابْقو فالطريق، وهادشي اللي كيْأدّي للحوادث”، يقول إسماعيل.
بدوْره يؤكّد عبد الصادق معافة أنَّ تأطير السلوك البشري يكتسي أهمّية بالغة من أجل تقليص عدد حوادث السير التي تقع في المغرب، موضحا أنّ فهْم وتفسير السلوك البشري في الفضاء الطرقي يجب أن ينطلق من مجموعة من المداخل، ترتبط، أساسا، بالتمثل السائد لدى مستعملِ الطريق إزاء الفضاء الطرقي، والذي تنتج عنه مواقفُ وممارسات إمّا تكون سليمة أو غير سليمة، مشيرا إلى أنّ اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير تشتغل على تأطير هذا المدخل، من خلال الحملات التحسيسية والتواصلية التي تقوم بها لإبراز ضرورة احترام الفضاء الطرقي، والتعامل معه بكل مسؤولية.
واعتبر رئيس قسم التواصل والتحسيس باللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير أنّ الدراسات المنتظمة، التي تقوم بها اللجنة لقياس مؤشرات السلوك في الفضاء الطرقي، بيّنت وجود مؤشرات مشجعة، خاصة في العشرة أشهر الأولى من السنة الحالية، “ولكن ما زالَ ينتظرنا عمل طويل لتقليص نسبة حوادث السير، وتحقيق الأهداف الإستراتيجية التي سطّرناها”، يقول المتحدث، مضيفا أن “المسألة مسألة تربية وثقافة ووعي وتمثلات، وبالتالي يجب التركيز على تربية النّشء على احترام الضوابط والقواعد الأوَّلية للفضاء الطرقي، وعلى الاستعمال السليم لهذا الفضاء”.
بدوره يشير مصطفى السعليتي إلى أنّ الحملات التحسيسية للوقاية من حوادث السير، وبالرغم من أهميتها، فإنّها لن تحقق النتائج المرجوّة منها، ما لمْ يتمّ التركيز على المقاربة التربوية. وأضاف موضحا “يجب على كلّ المؤسسات التربوية أن تنهض بدورها في هذا المجال، فهذا الجيل الصاعد من الأطفال والمراهقين والشباب، يُمكن تأطير سلوكهم، بتنشئتهم تنشئة اجتماعية سليمة”.
غير أنّ تأطير سلوك الجيل الصاعد يجب أن يقوم على مقاربة حديثة وفعّالة، “فنحنُ لم نتأخّر، وما زال بالإمكان تحقيق الهدف الذي نصبو إليه، وهو تنشئة هذه الأجيال تنشئة اجتماعية سليمة، ولكنْ ليس بالأساليب القديمة، القائمة على المراقبة والعقاب، بل أن تكون هناك أساليبُ تربوية ذات فعالية، ترسِّخ في الإنسان القوانين والمبادئ التي تحاسبه داخليا، حتى يكون هذا الإنسان مُحَفَّزا، داخليا، على احترام القانون، دون حاجة إلى أن يكون خاضعا لمراقبة خارجية”، يقول الباحث في علم النفس الاجتماعي.
واستطرد قائلا إنَّ الحملات التحسيسية التي تقوم بها اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير مهمة، “ولكنَّ المقاربة المُتّبعة في هذه الحملات ينبغي تغييرها، لأنها تعتمد على تزويد الإنسان بمعلومات ومعارفَ ليغيِّر سلوكه، لكنَّ التجارب أثبتت أنَّ الحملات التحسيسية يُمكن أن تزوِّد الإنسان بمعلومات ومعارفَ يجهلها، غير أنها لن تُفضي بالضرورة إلى تغيير السلوك، مثل الإنسان الذي يَعلم خطورة التدخين وأنه مُميت، ومع ذلك فهو يستمرُّ في التدخين”.
حوادث السير ليست قدرا :
تُشير آخر المُعطيات الرقمية المتعلقة بحصيلة حوادث السير في المغرب إلى وقوع انخفاض في عدد القتلى وفي الحوادث المميتة. وحسب أرقام الحصيلة المؤقتة للعشرة أشهر الأولى من السنة الجارية، التي أعدتها اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير، فقد انخفض عدد القتلى بنسبة 1،53 بالمائة، كما انخفض عدد الحوادث المميتة بنسبة 2،30 بالمائة، لكنّ نسبة المصابين بجروح متفاوتة ارتفعت بـ8،60، كما ارتفع عدد المصابين بجروح بليغة بنسبة 2،36 بالمائة. أما العدد الإجمالي لحوادث السير فقد ارتفع بنسبة 10،00 بالمائة.
وبالرغم من أنَّ عدد حوادث السير في المغرب ما زالَ مرتفعا، فإنَّ عبد الصادق معافة بَدا متفائلا بشأن التقليص من هذا العدد مستقبلا، قائلا: “ينبغي أن نسجّل أنّ هناك انخراطا إيجابيا من طرف جميع الفاعلين، الحكوميين وغير الحكوميين، للتقليص من حوادث السير، والمؤشرات تؤكد أننا في الطريق الصحيح، فبالرغم من زيادة عدد العربات، وزيادة حركة السير والجولان، هناك استقرار في مؤشرات السلامة الطرقية، سواء على مستوى القتلى أو الحوادث، إنْ لم نقل إنّ هناك انخفاضا”.
واستنادا إلى المُعطيات الرقمية، التي قدمها رئيس قسم التواصل والتحسيس باللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير، فإنَّ “مُعدَّل الخطورة المُعَبَّر عنه بالقتلى والمصابين بجروح بليغة، في كل 100 حادث، عرف، خلال السنوات الستِّ الأخيرة، انخفاضا قدره 8 بالمائة، إذ انتقل من 24.9 بالمائة سنة 2011 إلى 16.8 بالمائة سنة 2017، “علما أن هناك زيادة في عدد السكان والعربات وحركة السير”، يوضح المتحدث، مضيفا “في الماضي كنا نسجِّل زيادة في عدد الحوادث بنسبة 5 بالمائة، ولو لم نضع إستراتيجية للوقاية من حوادث السير، ربما سنسجّل الآن 6 أو 7 آلاف قتيل في السنة”.
غير أنَّ الحدَّ من حوادث السير لا يتطلب فقط إجراءات تقنية ومقاربة تربوية، بل يتطلب مواكبة صارمة لما تمَّ تسطيره، حسب السائق إسماعيل، الذي قال إنَّ الإجراءات التي وضعتها وزارة النقل، والخاصة بمراقبة السرعة، لا يجب أن تقتصر فقط على تزويد الحافلات وشاحنات الوزن الثقيل بأجهزة لمراقبة السرعة، بل يجب أن تستهدف المراقبةُ جميع السائقين. “المراقبة الطرقية خاصها تتأكد من أي واحد شحال وهو صايگ ومنين جاي وفين غادي، حيتْ اللي عندو سيارة عادية بإمكانو يْصُوكْ من طنجة لكويرة دون حسيب ولا رقيب، وما كاينش اللي يحاسبو على أوقات الراحة القانونية، وبالتالي ممكن يتسبب فكارثة لا تُحمد عقباها لا قدر الله”، يضيف السائق إسماعيل.
فيما يشير مصطفى السعليتي إلى مسألة أخرى على درجة من الأهمّية، هي أنَّ المعتقدات تساهم بدورها في وقوع حوادث السير في المغرب، إذ يفسّرها البعض تفسيرا خاطئا، كأنْ يربط الإنسان دائما ما يقع له بالقضاء والقدَر، “وهذا خطأ كبير”، يقول الباحث في علم النفس الاجتماعي، مضيفا “نسمع، مثلا، مقولات من قبيل: رَا لا وْصل لك الأجل را وصلك، سواء كنت تسير بمائة كيلومتر أو مائتي كيلومتر في الساعة”.
ويشرح السعليتي أنَّ الإنسان يلجأ إلى تفسير المعتقدات والنصوص الدينية تفسيرا خاطئا حين يكون في حاجة إلى تبرير سلوك ما، يدرك هو بنفسه أنه غير سليم، كأن يكون مُحبّا للسير بسرعة مفرطة، فيلجأ إلى المعتقدات ليبرر بها سلوكه، بتفسيرها تفسيرا خاطئا. وتابع موضحا “وعندما يلجأ الإنسان إلى تفسير غيبي لسلوكه، فهذا يجعله لا يُحمّل المسؤولية لنفسه، لأن كل ما يحدث، في اعتقاده، هو ناتج عن عواملَ خارجية، وليس عن عوامل ذاتية شخصية، وهنا يكون الإحساس بالمسؤولية غائبا تماما”.