إلياس بالعلام : الخبرة القضائية في المنازعات الضريبية
- من إعداد : إلياس بالعلام طالب باحث بسلك الدكتوراه.
تقديم :
تلعب الخبرة القضائية في المنازعات الضريبية، دورا مهما في إحاطة المحكمة بالمعطيات التقنية والواقعية المعتمدة في تحديد الوعاء الخاضع للضريبة وتصفيته[1]، ذلك نظرا لتعقد هذه المادة، مما يستعصي على القاضي الإداري الفصل في النزاع المعروض عليه، دون مساعدة على فهم واستيعاب الإثباتات التي يقدمها أطراف المنازعة الضريبية[2].
فإذا اتضح للقاضي انطلاقا من القضية المعروضة أمامه، أن هناك نقص في المعطيات، الشيء الذي لا يسمح له بإصدار حكم في القضية، يمكنه من تلقاء نفسه أو بطلب من الملزم أو الإدارة الضريبية، أن يعمق البحث عن طريق اللجوء إلى الخبرة[3]، خصوصا في القضايا التي يتخذ فيها النزاع بعدا عمليا، حيث يستعصي على القاضي البحث في النزاع الذي يقتضي التوفر على آليات محاسبية تقنية تتعلق بوقائع مادية، لذا فغلبة الطابع الواقعي التقني على النزاع الضريبي تفرض على القاضي اللجوء للخبرة.
ونظرا للدور المهم الذي تلعبه الخبرة القضائية، فقد صدر القانون85.00[4]، الرامي لتعديل الفصول 59 و 61 و 62 و 63 و 64 و 65 و 66 من قانون المسطرة المدنية[5] المنظمة للخبرة كإجراء من إجراءات التحقيق، ليعقبه بعد ذلك القانون رقم 45.00 المتعلق بالخبراء القضائيين[6] ، والذي ينظم مهنة الخبير القضائي.
إلى حين صدور قانون المسطرة الإدارية، يبقى قانون المسطرة المدنية المرجع الأساسي الواجب التطبيق في إطار المنازعات الضريبية، والذي أحالت عليه المادة 7 من القانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية[7]، خلافا لما ذهبت إليه بعض القوانين كالقانون الجزائري الذي نص على إجراءات معينة للتحقيق في الدعوى الضريبية[8]، بالإضافة إلى المادة 242 من المدونة العامة للضرائب[9]، والمادة 59 من مدونة تحصيل الديون العمومية[10]، والتي حاول فيها المشرع معالجة بعض خصوصيات المادة الضريبية.
وبناءً على ما سبق فإن الإشكالية المحورية للموضوع تتمثل في مدى إعتبار الإطار القانوني والعملي المرتبط بالخبرة آلية لحل المنازعات الضريبية المطروحة على القضاء، في سبيل تحقيق العدالة للملزم والمردودية للإدارة الضريبية .
سيتم معالجة هذه الإشكالية وفق المطلبين الآتيين:
- المطلب الأول : الطبيعة القانونية للخبرة القضائية ومبررات اعتمادها.
- المطلب الثاني : السلطة التقديرية للقاضي من الخبرة.
المطلب الأول : الطبيعة القانونية للخبرة القضائية وآليات اعتمادها.
تلعب الخبرة القضائية دورا أساسيا في تنوير العدالة، من أجل الفصل بين حقوق الملزمين من جهة وحقوق الإدارة الضريبية والخزينة من جهة أخرى[11]، فبمناسبة بثها في القضايا المعروضة على أنظارها ومحاولتها الإحاطة بكل جوانبها، قد تصطدم المحكمة بوقائع عملية وإثباتات تقنية أو حسابية، تقتضي مؤهلات خاصة وكفاءة علمية معينة لا يفترض توفرها في القاضي، الذي يتعين عليه العلم بالقانون فقط.
ولقد اختلفت التشريعات والآراء الفقهية والتوجهات القضائية حول الطبيعة القانونية للخبرة[12]، بين من اعتبرها وسيلة فقط لتوضيح الأمور، إذ لابد في القضاء أن يكون محايدا[13]، وبين من اعتبرها عنصرا أساسيا للبث في القضايا الضريبية.
ففي هذا المطلب الأول المتعلق بالطبيعة القانونية للخبرة القضائية سيتم التطرق في فقرة أولى للخبرة القضائية في المادة الضريبية، باعتبارها إجراء من إجراءات التحقيق، على أن يخصص الفقرة الثانية لأسباب اللجوء للخبرة في الدعوى الضريبية .
الفقرة الأولى : الخبرة كإجراء للتحقيق في الدعوى الضريبية
عملت معظم التشريعات على اعتبار الخبرة وسيلة من وسائل الإثبات، وأدرجتها ضمن الأبواب المخصصة لهذه الوسائل[14] ، وقد أيد هذا الإتجاه جانب من الفقه[15]، على اعتبار أن البيانات الواردة في تقرير الخبير والمتعلقة بإثبات الوقائع، تعد وسيلة اثبات من شأنها توضيح وإظهار عناصر النزاع.
وفي المقابل نجد من التشريعات من ذهب خلافا لهذا، كالمشرع المغربي الذي اعتبر الخبرة القضائية وسيلة من وسائل التحقيق في الدعوى[16]، قد تلجأ إليها المحكمة للوصول إلى حل للنزاع[17].
وبالرجوع للقانون المغربي، وبالضبط لقانون المسطرة المدنية، نجد أن المشرع قد خص الخبرة بالفصول من الفصل 59 إلى الفصل 66، ضمن الباب الثالث والمعنون بإجراءات التحقيق، إلى جانب إجراءات التحقيق الأخرى، كمعاينة الأماكن والأبحاث وتحقيق الخطوط والزور الفرعي، باعتبارها كوسائل متاحة أمام القاضي التي قد يلجأ لها.
هكذا، نص الفصل 55 من قانون المسطرة المدنية في فقرته الأولى على أنه :
” يمكن للقاضي بناءا على طلب الأطراف أو أحدهم أو تلقائيا أن يأمر قبل البت في جوهر الدعوى بإجراء خبرة أو وقوف على عين المكان أو بحث تحقيق خطوط أو أي إجراء آخر من إجراءات التحقيق”.
ومن هنا فالخبرة لا يؤمر بها أمام قضاء الموضوع بناءا على طلب أصلي؛ بمعنى أنه لا يمكن تصور وجود طلب أمام المحكمة يتوخى إجراء خبرة، بل يؤمر بها في إطار دعوى الموضوع المعروضة على أنظار المحكمة[18]، وهو ما أكده المجلس الأعلى من خلال عدة قرارات صادرة عنه، حيث اعتبر أن الخبرة إجراء للتحقيق قصد إعداد الحجة، فلا يمكن الأمر بها إلا في إطار دعوى قائمة أمام المحكمة، وتكون مستوجبة لعدم القبول الدعاوى التي ينحصر موضوعها في الأمر بإجراء خبرة فقط[19].
وبناء على ذلك، فإجراءات التحقيق في المنازعات الضريبية هي نفسها المطبقة في المنازعات العادية، على خلاف ما ذهبت إليه بعض القوانين المغاربية، وبالخصوص القانون الجزائري الذي نص على إجراءات معينة للتحقيق في الدعوى الضريبية.
بالرجوع للمادة الأولى من القانون رقم 45.00 المتعلق بالخبراء القضائيين، نجدها تنص على أن:
” الخبراء القضائيين من مساعدي القضاء ويمارسون مهامهم وفق الشروط المنصوص عليها في هذا القانون وفي النصوص الصادرة تطبيقا له“.
فالخبراء القضائيون يعتبرون من مساعدي القضاء، وعليه يكون المشرع المغربي قد اعتبر الخبرة اجراء مساعدا للقاضي من أجل الوصول إلى حقيقة تتطلب معرفة تقنية أو علمية لا علاقة لها بالقانون، وذلك تحت طائلة البطلان لإجراءات الخبرة.
وهو ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من الفصل 59 من ق.م.م، حيث أنه من واجب الخبير أن يقدم جوابا محددا وواضحا على كل سؤال فني، كما يمنع عليه الجواب على أي سؤال يخرج عن اختصاصه الفني وله علاقة بالقانون.
الفقرة الثانية : أسباب اللجوء للخبرة في الدعوى الضريبية
هناك مجموعة من الأسباب تدفع القاضي للجوء إلى الخبرة في النزاعات الضريبية، والتي نذكر منها كثرة القضايا المعروضة عليه، وعدم وجود وقت كافي من أجل البحث بنفسه في الأمور التقنية، مما يطرح صعوبات على مستوى استيعاب وفهم بعض وسائل الإثبات المقدمة[20]، خاصة الوثائق المحاسبية نظرا لإحتوائها مسائل تقنية تتطلب دراية واسعة بالتقنيات المحاسبية، دون نسيان الأهمية التي تحظى بها مستنتجات الخبرة من طرف القضاء[21].
ويعتبر القاضي صاحب الولاية وحده في المسائل القانونية، ذلك أنه يمنع عليه أن يفوض للخبير اختصاصه بشأنها، لأن تفويض السلطة القضائية يخالف النظام العام[22]، فمن العناصر الأساسية في الخبرة أن تكون هنالك صعوبات تقنية تتجاوز معرفة القاضي وثقافته العلمية، بحيث يكون للخبير الكفاءة العلمية والفنية المتخصصة ليكون قادرا على إيضاح الصعوبات التي تعترض القاضي.
لعل السبب وراء ذلك يكمن في تشعب المادة الضريبية وتعقدها[23]، حيث قد يطرح بحدة إشكال الفصل بين المسائل القانونية والمسائل الواقعية، مما قد يفضي إلى خروج الخبير عن مجاله التقني، وأحيانا إبداء رأيه في مسائل قانونية من اختصاص القاضي[24].
ويعد التمييز بين المسائل التقنية والمسائل القانونية من الأمور الدقيقة التطبيق على المستوى العملي، وهو الأمر الذي لطالما أثارته الإدارة الضريبية التي رأت أن أغلبية الأمور التي ينتدب من أجلها الخبير؛ هي أمور قانونية تبقى من صميم اختصاص القضاء وتخرج عن مجال اختصاص الخبير.
من الأمثلة البارزة في هذا الباب مسألة تحديد ما إذا كانت واقعة ما تدخل في نطاق تطبيق ضريبة معينة أو مسألة البحث في الطبيعة القانونية لتصرف معين، أو البحث في سلامة مساطر الفرض أو التصحيح الضريبيين[25].
إزاء موقف الإدارة الضريبية الرامي إلى تدقيق اللجوء للخبرة، نجد الفقه والقضاء الفرنسيين ذهبا إلى أن تشعب القوانين وكثرتها في مادة قانونية كالمادة الضريبية، يعطي للقاضي إمكانية أن يعهد للخبير بمأمورية البحث عن النص القانوني الواجب التطبيق في مادة النزاع[26].
غير أنه وبالرجوع للمادة 242 من المدونة العامة للضرائب فقد نصت في فقرتها الخامسة على أن الخبير : ” لا يمكنه أن يبدي رأيه في مسائل قانونية غير تلك التي تهم مطابقة الوثائق والأوراق المقدمة له للتشريع المنظم لها”.
ولهذا فرأي الخبير المتعلق بمطابقة الوثائق، يشكل استثناء عن القاعدة العامة المنصوص عليها في المادة 59 من المسطرة المدنية[27]، استنادا إلى قاعدة النص الخاص يقيد النص العام.
المطلب الثاني : السلطة التقديرية للقاضي من الخبرة
تكمن مهمة القاضي الإداري في النزاع الضريبي في تحقيق التوازن المنشود بين المصلحة العامة للخزينة وحماية الملكية الخاصة، وهذا يتطلب منه أن يتوفر على تكوين متميز ودراية وإلمام بتقنيات المجال الضريبي والمحاسبي، يجنبه اللجوء المفرط للخبرة[28]، لذلك ينبغي أن يبقى للقاضي كلمة الفصل اعتمادا على النص القانوني الواجب التطبيق[29].
فالقاضي الإداري، في هذا المجال مكلف بالفصل في النزاع بين طرفي الدعوى الضريبية، وحماية الخاضع من تجاوزات الإدارة الضريبية أثناء بحثها عن الموارد الضريبية، بالإضافة إلى تمكين الخزينة من ظروف التمويل، وهذا ما يتطلب معرفة تامة بالعملية الضريبية، بالإضافة إلى التوفر على حس اجتماعي كبير يمنع تجاوز السلطة والتعسف في استعمال الحق[30].
ويلاحظ من خلال أغلبية القضايا المتعلقة بالمجال الضريبي والتي تم اللجوء فيها إلى اعتماد الخبرة، أن القاضي يكتفي بالمصادقة أو التصديق على تقرير الخبير دون أن يكلف نفسه عناء تعليل الأحكام الذي يعتبر دينا عليه[31]، واجب الأداء نحو المتقاضين؛ فهو ضمان أكيد لحياده ولإحترام حقوق الدفاع، كما يشكل الوسيلة الأساسية لضمان رقابة محكمة النقض على حسن تطبيق القانون، ويؤدي بالتالي إلى تطمين الرأي العام بعدالة القضاء[32].
ومن هنا فالسلطة التقديرية للمحكمة في تقييم تقرير الخبرة قد يجعلها تتبنى عدة مواقف[33]، مما يحيلنا لمعالجة سلطة القاضي من الخبرة في نقطة أولى ثم كيفية تعامل القاضي مع نتائج الخبرة في نقطة ثانية .
الفقرة الاولى: إعتماد المحكمة لتقرير الخبرة
يعتبر تقرير الخبير ورقة رسمية بخصوص ما أثبته من وقائع سواء تلك التي تمت بمحضره، أو سمعها، أو علمها إذ لا يجوز الطعن فيها إلا بالزور[34]، إلا أن القاعدة العامة[35] هي أن المحكمة حرة في الأخذ بتقرير الخبير، ولها سلطة تقديرية واسعة في ذلك، غير أنها تبقى ملزمة بتعليل مواقفها، وإلا عرّضت حكمها للنقض.
أولا : التصديق على تقرير الخبرة
إذا اقتنعت المحكمة بما جاء في تقرير الخبرة، باعتباره مستوفيا لكل الشروط الشكلية والموضوعية ومبني على أسس واضحة وسليمة، فإنها تأخذ به وتعتمده في حكمها.
هذا الإعتماد قد يكون بدون قيد أو شرط وذلك حينما لا تكون هنالك طعون جدية في تقرير الخبرة، حيث تكاد تتشابه حيثيات جميع الأحكام ولا تختلف عن إحدى العبارات التالية : “حيث أن تقرير الخبرة جاء مطابقا لمقتضيات الفصل 63 من قانون المسطرة المدنية “، أو ” وحيث أن المحكمة وبالنظر لما تبين لها من موضوعية الخبرة، ارتأت المصادقة عليها، واعتماد الأسس والمبالغ الضريبية المفصلة فيها بعد إلغاء الضرائب المفروضة تلقائيا على المدعية، وحيث يتعين جعل الصائر بين الطرفين”،[36] إلى غير ذلك من العبارات التي توحي بأن دور المحكمة لم يتعد مجرد المصادقة على تقرير الخبرة[37].
أما إذا كانت هناك طعون جدية على تقرير الخبير ومؤيدا بحجج، فإنه يتوجب على المحكمة في حالة الأخذ بتقرير الخبير، أن تردّ على هذا الطعن وإلا كان حكمها مشوبا بقصور يُبطله، لكن الإشكال الذي يثار هو جدية الطعون، بحيث يخضع بدوره لتقدير المحكمة [38].
والملاحظ أن هناك تضاربا على مستوى الإجتهاد القضائي، حيث نجد بعض القرارات التي توجب الرد على الدفوع الجدية ضد تقرير الخبرة، ومن ذلك ما جاء به المجلس الأعلى في إحدى قراراته[39] :
” حيث أن الخبرة التي أمرت بها المحكمة لم يبين فيها الخبير كيف توصل إلى إدماج مبلغ 351.305,25 درهم في أساس الضريبة برسم سنة 1993، واعتبار المستأنف عليه مني بخسارة تحدد مبلغها في 100.925,25 درهم مع أن هذا الأخير صرح بأنه حقق ربحا قدره 110.547,00 درهم، وأن المحكمة لما صادقت على هذه الخبرة بالرغم من التناقض المذكور دون أن تعلل ذلك كان حكمها مجانبا للصواب وواجب الإلغاء”.
وبالتالي فإن المحكمة غير ملزمة بالرد على الطعون التي وجهت للتقرير، إذ في أخدها به محمولا على أسبابه، ما يفيد أنها لم تجد في تلك الطعون ما يستحق الرد أكثر مما تضمنه التقرير[40].
ثانيا : سلطة القاضي في عدم الأخذ بتقرير الخبرة.
إذا تبين للقاضي عدم دقة الخبرة، أو عدم قيامها على أسس علمية سليمة، أو لوجود تقصير في عمل الخبير أو في بحثه، قام بإرجاع التقرير لكي يصحح العيوب ويكمل النقص الذي جاء فيه، أو لجأ إلى خبرة مضادة، كما أن للقاضي الحق في إجراء خبرة جديدة إذا ثبت بطلان الخبرة الأولى لأي سبب من الأسباب التي نص عليها المشرع[41].
فالمحكمة لا تقضي إلا على أساس ما تطمئن إليه، فهي غير ملزمة بالأخذ برأي الخبير، لكن الفقه اختلف حول ما إذا كان القاضي ملزما عند استبعاد التقرير بإيراد الأسباب والمبررات التي جعلته يستبعده، أم هو مقيد بالمبدأ القاضي بضرورة تعليل الأحكام[42].
فيرى جانب منه، أن القاضي غير ملزم بذكر أسباب خاصة لاستبعاد تقرير الخبير، ما دام أن الحكم عُلل تعليلا كافيا وقانونيا[43]، في حين يرى جانب آخر من الفقه أن القاضي ملزم بتعليل حكمه وبذكر الأسباب التي دعته إلى ترك التقرير[44].
وفي جميع الحالات فمبادئ العدالة تقتضي أن لا تلجأ المحكمة إلى إعادة إجراء الخبرة، إلا إذا لم تكن أمامها حل آخر، منعا من تأخير الفصل في الدعوى وتفاديا للنفقات الزائدة.
عموما يمكن أن نظم صوتنا إلى الرأي الذي يقول أن القضاء يمنح دورا كبيرا للخبير في العملية الضريبية أكبر من دور الإدارة وأكبر حتى من دور اللجن، وأحيانا من دور القضاء نفسه، بحيث أنه من النادر جدا أن يغير من هذه الاستنتاجات، وحتى إذا كان هناك تغيير فإنه في الغالب ما يكون طفيفا، بحيث ستنصب هذه الرقابة فقط على إجراءاتها دون مضمونها، بل ان القاضي في هذه الحالة ما يكتفي بالتعليل العام الذي مفاده : ” بأن الخبرة جاءت حضورية ومستوفية لشروط قبولها مما يتعين المصادقة عليها“.
خاتمة :
و تأسيسا على ما سبق، فالخبرة القضائية إذن تعتبر من أهم إجراءات التحقيق في الدعوى الضريبية، فقد يتعذر أحيانا على القاضي الإداري مباشرة التحقيق بنفسه في كل الوقائع التي تقوم عليها المنازعة ، بحيث يتطلب بحثها وتحقيقها دراية خاصة.
إذا سلمنا بالدور الكبير الذي يمنحه القضاء للخبير في العملية الضريبية، فإن تحقيق التوازن بين الإدارة الضريبية والملزم، لن يتأتى إلا بإخضاع القضاة لتكوين يراعي خصوصية المادة الضريبية وتقنياتها المعقدة، تكوين يمكن القاضي من العمل بمقتضيات القانون الضريبي وليس القانون المدني.
فضلا عن ضرورة تكوينهم في مادة المحاسبة، هذه الأخيرة التي لا محيد عنها أثناء النظر في النزاع الضريبي، وذلك في سبيل الرقي بالقاضي الإداري إلى مستوى يمكنه من القيام بدور فعال، يستطيع من خلاله مواجهة أي تعسف من أطراف النزاع.
وينبغي التنبيه إلى ضرورة تبسيط الترسانة القانونية المتعلقة بالمادة الضريبية، ونشر القرارات القضائية، إذ أن أهم عقبة تحول دون اجتهاد القاضي قبل صدور المدونة العامة للضرائب، هي طبيعة البناء التشريعي الضريبي الذي تعتريه مجموعة من السلبيات، التي يبقى من أهمها كثرة الإحالات والتعديلات بمقتضى قوانين المالية المتلاحقة، والتي قد تؤدي إلى التطبيق السيئ للقانون من طرف القاضي.
وهو ما يترتب عليه خرق لمبدأ الأمن القانوني، الذي يعتبر من أهم الأسس التي يقوم عليها بناء دولة القانون، ويقصد به تحقيق الثبات النسبي للقاعدة القانونية، بهدف نشر الأمن والطمأنينة بين أطراف النزاع الضريبي، ودون التعرض لتصرفات مفاجئة من شأنها خلخلة الإطمئنان واستقرار العلاقات القانونية.
الهوامش :
- نصير مكاوي ، تأويل القاضي الاداري لقواعد القانون الضريبي ، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون العام والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس السويسي الرباط ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا السنة الجامعية 2012-2013.ص : 344 ↑
- Khalid HALOUI , les garanties du contribuable dans le cadre du contrôle fiscale en droit marocain, thèse pour obtenir le grade du docteur en droit privé, université de Grenoble , année universitaire: 2011-2012,p: 201. ↑
- كريم مفتاح، خصوصية الإثبات في المادة الجبائية، مكتبة دار السلام ، الرباط ، طبعة 2016،ص : 26 ↑
- الظهير الشريف رقم 1.00.345 المؤرخ في 29 رمضان 1421(26 دجنبر 2000) بتنفيذ القانون 85.00 ،ج.ر عدد 4866 بتاريخ 23 شوال 1421 ( 18 يناير 2001)، ص: 233. ↑
- ظهير شريف رقم 1.74.447 الصادر بتاريخ 11 رمضان 1394 الموافق ل 28 شتنبر 1974 ، الجريدة الرسمية عدد 5584، بتاريخ 25 ذي القعدة 1428 الموافق ل 6 ديسمبر 2007،ص: 3894. ↑
- الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.01.126 المؤرخ ب 29 من ربيع الأول 1422 (22 يونيو 2001)، ج.ر عدد 4918 في 19/07/2001، ص 1868. ↑
- ” تطبق أمام المحاكم الادارية القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية ما لم ينص قانون على خلاف ذلك “الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.91.225 في 22 من ربيع الأول 1414 الموافق ل 10 شتنبر 1993. ↑
- عبد الحق اعميمي، أحكام اجتهاد القضاء الاداري المغربي في مادة المنازعات الضريبية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،جامعة محمد الخامس- كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال ، الرباط، 2012/2013،ص : 148 ، ص : 148 ↑
- المحدثة بموجب المادة 5 من قانون مالية رقم 43-06 للسنة المالية 2007 الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 232.06.1 بتاريخ 10 ذي الحجة 1427 الموافق لـ 31 ديسمبر 2006. ↑
- الظهير الشريف رقم 1.00.175 الصادر في 3 مايو 2000 بتنفيذ القانون رقم 97-15 بمثابة مدونة الضرائب ، الجريدة الرسمية عدد 4800 بتاريخ 1 يونيو 2000. ص 1256. ↑
- عزيز بودالي، الاشكاليات المرتبطة بالخبرة القضائية في المجال الضريبي، وارد في الاشكالات القانونية والعملية في المجال الضريبي، دفاتر المجلس الاعلى، عدد 16، ص 290 ↑
- هنالك بعض التشريعات التي اعتبرت الخبير في حد ذاته وسيلة من وسائل الاثبات التي يمتلكها الاطراف وليست كمساعد للقاضي
- MANUEL GARCIA CASTELLON « indépendante et autorité de l’expert » intervention au conférence organisé à paris le mardi 15 décembre 2009 sous thème « expertise civile et procès équitable en Europe » publié dans le site ;www.cybel.fr/html/communaute/fr-am/151209.pdf
- يشرح ادان بيدان وبروا معنى الحياد بمعنى ليس عدم التحيز impartialité. فإن هذا واجب بداهة على القاضي بل معناه أن يقف القاضي سلبيا من كلا الخصمين على حد سواء neutralité . أورده عزيز بودالي ، المرجع نفسه ، الصفحة 290. ↑
- كالمشرع الفرنسي الذي أدخل الخبرة ضمن القواعد الاجرائية التي نص عليها قانون المرافعات الفرنسي الصادر في 1975 ، والمشرع المصري الذي أوردها في الباب الثامن من قانون الاثبات المصري، والمشرع اللبناني الذي أوردها في الباب الثالث المخصص للإثبات من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني، وأيضا المشرع الجزائري الذي أوردها في الباب الرابع المتعلق بوسائل الاثبات من قانون الاجراءات المدنية والادارية الجزائري . ↑
- وقد أيد هذا الاتجاه بعض الفقه، كالفقيه الايطالي Ranieri والذي اعتبر الخبرة بأنها اقرارات علمية أو فنية يدلي بها شخص خارج العلاقة الاجرائية لما له من أهمية خاصة، يتمثل في رأي خبير أو تقديره للدليل محل البحث ، وهذا الرأي بدوره يعد موضوع اثبات، وفي نفس الاتجاه اعتبر الفقيه Sabatini ان الخبرة وسيلة اثبات من شأنها اظهار عناصر النزاع وهي من وسائل الثبات المباشرة .عبد الرحيم عثمان ، الخبرة في المسائل الجنائية – دراسة مقارنة- رسالة الحصول على درجة دكتور في العلوم الجنائية، كلية الحقوق ، جامعة القاهرة 1964 : ص: 14-17 ↑
- تعتبر الخبرة في التشريع المغربي، وكاستثناء على ما سبق ذكرة وسيلة من وسائل الاثبات ومن ذلك إثبات النسب ، دعاوي القسمة ، حوادث الشغل والامراض المهنية . للمزيد راجع :نسرين بن الشافعي، الخبرة القضائية في عمل قضاء الاسرة، رسالة لنيل دبلوم ماستر متخصص في المهن القضائية والقانونية ، كلية الحقوق السويسي – الرباط ، السنة الجامعية 2006 – 2007 .محمد أيت الحاج، الخبرة القضائية في حوادث الشغل والامراض المهنية، تقرير لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في القانون الخاص، كلية الحقوق عين الشق، السنة الجامعية 2006 – 2007 . ↑
- هناك من اعتبر من الفقه المغربي الخبرة وسيلة اثبات :عز الدين الدين ماحي ، دور الخبرة القضائية في تفعيل مسيرة اصلاح القضاء ، مجلة القصر، عدد 13 ، 2005 ، ص 167محمد الكشبور، الخبرة القضائية في قانون المسطرة المدنية (دراسة مقارنة ) الطبعة الأولى ، 2000 ، ص : 7 ↑
- هذا مع العلم أن الاختصاص ينعقد لرئيس المحكمة، سواء في إطار الاختصاص الولائي طبقا للمادة 148 من ق,م,م في أن يبث في طلب أصلي يتعلق موضوعه بصفة حصرية بخبرة، إذ يتم اللجوء إلى هذه المسطرة لمن يرغب في الحصول على سند لإثبات وقائع معينة بواسطة خبرة تنجز بأمر قضائي، وإن كان بعض الفقه يذهب إلى أن الخبرة ليست وسيلة إثبات في حد ذاتها لكونها لا ترمي إلى إثبات وجود أو نفي واقعة ما ولكنها وسيلة لتقدير عنصر الاثبات في الدعوى .إدريس العلوي العبلاوي ” الوسيط في شرح قانون المسطرة المدنية، الجزء الأول ، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ، الطبعة الأولى 1998، ص : 260 ↑
- قرار عدد 3 الصادر بتاريخ 1987-01-12 ↑
- الحكم الصادر عن المحكمة الادارية بالرباط رقم3774، بتاريخ 15 شتنبر 2015، في الملف رقم 18/7113/2015، غير منشور. الذي جاء فيه : “حيث أن المحكمة وأمام عدم توفرها على العناصر والمعطيات الضرورية والكافية التي من شأنها أن تساعد على البت في موضوع النزاع، ولا سيما ما يتعلق بمواصفات العقار المبيع وقيمته التجارية الحقيقية بتاريخ تفويته، فقد أمرت تمهيديا بمقتضى الحكم التمهيدي… بإجراء خبرة حسابية عهد للقيام بها للخبير توفيق بنعبد الله..”. ↑
- ما يزيد عن 95 % من القضايا الرائحة والمتعلقة بمنازعة الملزمين في ضرائب صادرة إثر منازعة ضريبية يتم اللجوء فيها للخبرة من طرف القاضي الاداري .
- أنظر بهذا الخصوص عبد الرحمان أبليلا، خصوصيات الخبرة في المادة الضريبية، وارد في الاشكالات القانونية والعملية في المجال الضريبي، دفاتر المجلس الاعلى، عدد 16، ص: 110
- محمد المجدوبي الادريسي ، إجراءات التحقيق في الدعوى في القانون المسطرة المدنية المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، مطبعة الكاتب العربي، دمشق، الطبعة الأولى ،1996 ، ص : 89 ↑
- تعتبر قواعد القانون الضريبي ذات طبيعة معقدة، مما يستدعي تبسيطها لتسهيل فهمها، مما يمكن من تقليص عدد النزاعات المثارة بشأنها وفي هدا الإطار عملت فرنسا على إصدار عدة قوانين مند سنة 2007 لتبسيط وتحسين جودة القانون الضريبي . ↑
- خالد زعزوع ، إعادة تقدير الضريبة، وارد في الاشكالات القانونية والعملية في المجال الضريبي، دفاتر المجلس الاعلى ،عدد 16، 2011، ص: 123 ↑
- عبد الرحمان أبليلا، الإثبات في المادة الجبائية بالمغرب بين القواعد العامة وخصوصيات المادة، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص بجامعة القاضي عياض ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش، السنة الجامعية 2006 – 2007.ص: 230 ↑
- اشار اليه عبد الرحمان أيليلا ، المرجع نفسه، ص : 238 ↑
- الفقرة الرابعة من المادة 59 : ” يجب على الخبير أن يقدم جوابا محددا وواضحا على كل سؤال فني كما يمنع عليه الجواب على سؤال يخرج عن اختصاصه الفني والتقني. ↑
- جواد العسري ،المنازعات الضريبية بين التحقيق والاثبات، مقال منشور بجريدة المساء بتاريخ 18.08.2011، ص: 9 ↑
- نصير مكاوي ، مرجع سابق، ص : 363 ↑
- يرتبط التعسف في استعمال الحق بالتصرف غير العادي في التسيير، هذا الأخير يعرف بأنه ” كل تصرف يخالف مصالح المقاولة ” CGI France comité de l’abus de droit fiscale, articles 1653C à 1653 E Rapport 2008 du comité consultatif pour la répression des abus de abus de droit , in revue de droit fiscal, n 29, 9 juillet 2009 ↑
- ومن ذلك ما جاء به الحكم الصادر عن المحكمة الادارية بالرباط حيث جاء فيه: ” وحيث أن الخبير المنتدب احترم في تقريره كافة الشروط الشكلية المتطلبة قانونا، وضمنه جميع المعطيات والعناصر التي من شأنها أن تساعد المحكمة على البث في الطلب، مما يتعين التصريح بالمصادقة عليه واتخاده كأساس للبت في الطلب وتصفية الحكم التمهيدي موضوعه..”حكم عدد 4448 بتاريخ 20 أكتوبر 2015 في الملف عدد 05/10/2015 ، غير منشور ↑
- السعدية جماني، الخبرة القضائية في المادة الضريبية، السلسلة المغربية للعلوم والتقنيات الضريبية، مطبعة الأمنية،2014، الرباط، العدد 5،ص: 92 ↑
- محمد أيت الحاج، الخبرة القضائية في حوادث الشغل والامراض المهنية، تقرير لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في القانون الخاص، كلية الحقوق عين الشق، السنة الجامعية 2006 – 2007 .ص: 95 ↑
- الطعن بالزور طلب فرعي مرتبط بدعوى أصلية، وبالتالي فهو يرتبط بها وجودا أو عدما كما يكون الطعن بالزور على شكل دعور أصلية في إطار دعوى أصلية في إطار مقتضيات المسطرة المدنية أو في إطار مقتضيات المادة الجنائية المتعلقة بالتزوير.أنظر بهذا الخصوص: أحمد بحمان، مسطرة الزور الفرعي طبيعتها وإجراءاتها في القانون المغربي ، مقال منشور بموقع العلوم القانونية بتاريخ 14 يناير 2014 http://www.marocdroit.com ↑
- تنص المادة 66 من ق.م.م في قفرتها الأخيرة على أنه : ” لا يلزم القاضي بالأخذ برأي الخبير المعين ويبقى له الحق في تعيين أي خبير آخر من أجل استيضاح الجوانب التقنية في النزاع”.وهو نفس التوجه الذي سارت عليه المادة 156 من قانون الإثبات المصري على أن ” رأي الخبير لا يقيد المحكمة “. ↑
- الحكم الصادر عن المحكمة الادارية بالدار البيضاء رقم 538 الصادر بتاريخ 19/03/2008 في الملف عدد 513/2004، منشور بملحق ، السعدية جماني ، مرجع سابق، ص 151. ↑
- السعدية جماني ، مرجع سابق ، ص : 93 ↑
- أشداوي أمينة، مدى فعالية الرقابة القضائية على مقررات اللجنة الوطنية، أعمال الندوة الوطنية حول المنازعات الضريبية، مرجع سابق، ص:143. ↑
- القرار الصادر عن المجلس الأعلى رقم 520 صادر بتاريخ 30/05/2007 في الملف الإداري عدد 2025/4/2/2004، منشور بمجلة الحقوق المغربية ، ص : 80 ↑
- علي عوض حسن، الخبرة في المواد المدنية والجنائية، دار الفكر الجامعي ، الاسكندرية ، 2007، ص : 92 ↑
- السعدية جماني ، مرجع سابق ، ص : 93. ↑
- لطيفة الحليمي، الخبرة القضائية في قانون المسطرة المدنية المغربي، تقرير لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في القانون الخاص ، جامعة الحسن الثاني عين الشق، السنة الجامعية 2201-2002، ص: 215 ↑
- محمود جمال الدين زكي، محمود جمال زكي ،الخبرة في المواد المدنية والتجارية ، مطبعة جامعة القاهرة، 1990، ص : 165 ↑
- محمد الكشبور، القسمة القضائية في القانون المغربي ، ص : 186، اشارت اليه لطيفة الحليمي ، مرجع سابق ، ص 161وهو ما أكدته محكمة الإستئناف الإدارية في قرار لها: ” حيث صح ما نعاه المستأنف ذلك أن الخبير المنتدب أحمد المصباحي حدد قيمة العقار المبيع سنة 2014 ذي مساحة 2500 متر مربع في 560 درهم للمتر المربع الواحد أي بما مجموعه ,001.400.000 درهم استنادا إلى معالمه المتمثلة بأنه مخصص لبناء فيلات من الحجم الكبير عبارة عن قطع غير مجهزة مستطيلة الشكل بعيد عن الأسواق والمنشآت الإدارية وغير محفظ الأمر الذي يكون معه التقدير المذكور موضوعي ويتعين أخذه في الأساس الضريبي المطعون فيه ويكون الحكم المستأنف عندما لم يعتمده واستند إلى تقدير قطع مجاورة دون بيان مطابقتها له قد جانب الصواب وعرضه للإلغاء”. القرار عدد 671 الصادر بتاريخ 14/03/2011 في الملف عدد 593/09/9، غير منشور. ↑
مقال علمي متميز جدا في موضوع جدير بالاهتمام؛
متمنياتي للطالب الباحث إلياس و مزيدا من التألق المعرفي.