إثبات النسب في فترة الخطبة بين مدونة اﻷحوال الشخصية و مدونة اﻷسرة
- من إعداد : سكينة نصور طالبة باحثة في ماستر العلوم القانونية-تخصص قانون مدني-
مقدمة :
قال الله تعالى : “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة” (الآية 21 سورة الروم). فالإنسان بطبعه ميال لمساكنة الآخر، وللحيلولة دون الوقوع في الآثار السلبية لهذه المساكنة، ثم تأطيرها ضمن مؤسسة الزواج،ومادام الأولاد هم ثمرة العلاقة الزوجية كما جاء في المادة 4 من مدونة الأسرة، فهم يمثلون أحد الأهداف المتوخاة في الحياة الزوجية، وأهم اللبنات التي يقوم عليها الوجود البشري. لذلك أعطتهم الشريعة الإسلامية وكذلك التشريعات الوضعية عناية كبيرة، وخصتهم بجانب من الاهتمام ، تمثل ذلك في شكل أحكام ضمن الكثير من الحقوق، لعل أبرزها الحق في النسب.
وقال الله تعالى: “وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسب وصهرا، وكان ربك قديرا”(الآية 25 سورة الفرقان) ،فالنسب من حقوق الله تعالى يقصد به النفع العام للعباد جميعا، كما أن هذا الحق ليس محلا للإسقاط أو التنازل، ولذلك كان من أهم الحقوق المتبادلة بين الزوجين.[1]
و نظرا لأهمية الموضوع ، أولاه المشرع المغربي بدوره عناية خاصة حيث خصص له مقتضيات جديدة ضمن الكتاب الثالث من مدونة الأسرة المتعلق بالولادة و نتائجها تحت عنوان البنوة و النسب، و قد عرفت مدونة الأسرة النسب في المادة 150 منها :
النسب لحمة شرعية بين الأب وولده تنتقل من السلف الى الخلف.
و لعل سبب اختياري لموضوع النسب، و هو الإشكال الكبير الذي يطرحه الحمل الناتج عن الخطبة، حيث يتوجب علي معالجة كنه و ما تطرحه المادة 156 من مدونة الأسرة، هذه الأخيرة التي تعتبر من ابرز المستجدات التي أتت بها المدونة، التي حسمت الجدل المحتدم فقهيا و قضائيا حول النسب الناتج عن الخطبة، و كرست حق الطفل المزداد في فترة الخطبة في نسبه لأبيه الخاطب، و إن كانت مدونة الأحوال الشخصية لم تتطرق لإمكانية لحوق الحمل الناتج عن الخطبة و حتى على مستوى التشريعات العربية المقارنة.
لكن أليس في إقرار مسألة إلحاق الولد بالخاطب ضرب لما ذهب إليه الفقه المالكي الذي يعارض مسألة إلحاق الولد بالخاطب، و يعتبرونه ولدا غير شرعي و يسير معه في هذا الاتجاه جمهور الحنابلة والشافعية، و يستدلون في هذا الصدد بحديث الرسول صلى الله عليه و سلم : الولد للفراش ( أي لعقد الزواج الصحيح ) و للعاهر الحجر. فما موقف مدونة الأحوال الشخصية الملغاة من إقرار المادة 156 كمستجد في مدونة الأسرة ؟ كيف يمكن تكييف هذه المادة قانونيا ؟ و ماهي أهم الإشكالات التي تطرحها ؟
سأتطرق في المحور الأول إلى تبيان موقف مدونة الأحوال الشخصية من الحمل الناتج عن الخطبة، على أن أعالج في المحور الثاني المستجد التشريعي الذي جاءت به المدونة المتمثل في المادة 156.
المحور الأول : موقف مدونة الأحوال الشخصية من الحمل الناتج عن الخطبة
عقد الزواج هو الفاصل شرعا بين علاقة شرعية و أخرى غير شرعية[2]. فخلو الخاطب بالمخطوبة و معاشرته لها حرام في شرع الله، يعد ضربا من ضروب الزنا و هذا ما كانت تستند عليه مدونة الأحوال الشخصية الملغاة حيث نصت على أن “الخطبة وعد بالزواج و ليست بزواج”[3] و ان كل حمل تخلف عن علاقة خارج مؤسسة الزواج فهو مبدئيا حمل غير شرعي، حيث جاء في قرار للمجلس الأعلى:
” لما ثبث لقضاة الموضوع ان نكاح المدعى عليه للمدعية كان بعد وضع حملها المزدادة منه البنت نادية فإن هاته البنت لا تلحق بنسب المدعى عليه، و لو أقر ببنوتها و كانت من مائه لأنها بنت زنا و ابن الزنا لا يصح الاقرار ببنوته ولا استلحاقه لقول الشيخ خليل إنما يستلحق الابن مجهول النسب ، قال العلامة الزرقاني لا مقطوعة كولد الزنا لأن المشرع قطع نسبه، و هو ما نصت عليه الفقرة الثالثة من الفصل 92 من مدونة الاحوال الشخصية الملغاة و حيث إن اتفاق المدعية و المدعى عليه على ازدياد هذه البنت بعد عقد النكاح بينهما بنحو شهر على فرض صحته و موافقته للواقع، فان هاته البنت لا تلحق بنسب المدعى عليه كذلك حسبما نص عليه الفصل 85 من مدونة الاحوال الشخصية و هو الواجب التطبيق على النازلة مع قواعد الفقه الاسلامي لا قانون الالتزامات و العقود. . .”[4]
فمدونة الأحوال الشخصية لم تكن تنظم الحمل الناتج عن الخطبة متأثرة بذلك الفقه الإسلامي، و هو ما فيه خرق صارخ لحقوق الطفل الذي يبقى محروما من نسبه الى والده الخاطب، و هو الامر الذي تداركه المشرع في مدونة الاسرة التي أقرت بالنسب الشرعي للحمل الذي تم في فترة الخطوبة و لكن وفق شروط محددة تنص عليها المادة 156، وبذلك تحقق حماية للطفل و أمه المخطوبة.
المحور الثاني: تكييف المادة 156 من مدونة الاسرة و اهم إشكالاتها
العنصر الأول : إشكال المادة 156 و المادة الجنائية
فباعتراف المادة 156 بالحمل الناتج عن الخطبة، تكون قد خالفت مقتضيات الفصل 490 من القانون الجنائي التي تجرم الفساد، حيث ان الخطبة تعد مجرد تواعدا بالزواج ولا يوجد بها اي عقد و بالتالي فهي علاقة غير شرعية، أي خارج مؤسسة الزواج ، و بهذا نكون امام نقيضين في المنظومة القانونية المغربية، غير أنه بالرجوع إلى العمل القضائي يتضح أن محاكم الموضوع حاولت التلطيف من حدة مبدأ الولد للفراش، و هذا ما قضت به محكمة البيضاء في أحد قراراتها :
العلاقة الجنسية بين الخاطب و المخطوبة لا تكون جريمة الفساد المنصوص عليها في الفصل 490 من القانون الجنائي.
العنصر الثاني : إشكالية التكييف القانوني للمادة 156 من مدونة الأسرة
إن هذا المستجد التشريعي الذي جاءت به هذه المادة يطرح جملة من الاشكالات اساسها طبيعة الخطبة باعتبارها تواعدا بالزواج بنص المادة 5 من مدونة الاسرة. فباستقرائنا لنص المادة 156، فما يمكن ملاحظته هو ان هاجس اثبات النسب كان حاضرا في تقرير احكامها، ولكي يلحق النسب بالخاطب فلا بد من توافر الشروط المشار اليها في نص المادة، فاذا انعدم واحد منها لم يلحق نسب الولد بالخاطب، والملاحظ ان المشرع اشترط تمام الخطبة دون توضيح لذلك ما اذا كان المقصود إتمام إجراءات العقد ام مجرد إجراءات الخطبة، كما لم يوضح مفهوم الظرف القاهر رغم التنصيص عليه في المادة 16، كما اشترط أن يكون الحمل قد ظهر بالمخطوبة في فترة الخطبة، فإذا ظهر قبلها اعتبر ابن زنا و لو أقر به الخاطب، و عموما فإنه بتنصيص المدونة على هذا المستجد، تكون قد وضعت حدا لكل الشد و الجذب الذي عرفه موضوع نسب الحمل الظاهر بالمخطوبة، و جاءت بحل الاشكالات الي كانت مطروحة و سدت الفراغ التشريعي الذي عرفته مدونة الاحوال الشخصية الملغاة، لكن رغما انها لم تترك الامر لسلطة الاشخاص و إنما قيدت النسب بتوافر الشروط المنصوص عليها في المادة 156 من مدونة الاسرة و مراقبة هذه الشروط تتم بمقرر قضائي غير قابل للطعن، حتى يتسنى القول لثبوت النسب و تسمع الدعوى من طرف القضاء و الحقيقة أن المادة 156 لا تختلف في شيء عن احكام عقد الزواج الصحيح، ذلك ان لثبوت النسب للخاطب، يجب توافر عنصرين هما الايجاب و القبول مع العلم انهما ركنان في عقد الزواج، وكذا اشتهار الخطبة وموافقة ولي الزوجة،[5] وهما شرطي صحة إذ لا ينقض الخطبة والحالة هاته إلا تسمية الصداق و التوثيق لدى عدلين، لذلك كانت صياغة المادة المذكورة فيها نوع من التداخل في بعض محتوياتها مع بعض مواد المدونة.
- إعمال لمقتضيات المادة 156 في العمل القضائي : ففي قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء جاء فيه “إذا تبين للمحكمة الجنحية أن العلاقة القائمة بين رجل وامرأة قد تمت بينهما على نية الزواج و على أساسه و بواسطة ولي المرأة و حضر كافة أقاربها وأصدقاء الرجل و على مرأى و مسمع من العموم، فإن تهمة الفساد المنسوبة إليهما تنتفي انتفاء كليا و بقوة القانون، لان القانون يعاقب على العلاقة الجنسية غير المشروعة التي تقع بغية الفساد في السر و الخفاء .”
والملاحظ ان هذا التوجه القضائي فقد الصفة غير المشروعة على العلاقة التي تقوم بين الخاطب و المخطوبة و هو تمهيد للاعتراف بالآثار المترتبة عن هذه العلاقة، وهو توجه حاول مسايرة الفتوى القائلة بلحوق النسب اثناء فترة الخطبة.
خاتمة :
يستخلص من هذه الدراسة المتواضعة، أن كنه المادة 156 من مدونة الاسرة جاء لعلاج و سد الفراغ التشريعي الذي كانت تعاني منه مدونة الاحوال الشخصية، لما فيها من ضياع أبسط حقوق الطفل و أهمها وهو الحق في النسب كما جاءت كحماية للمرأة المخطوبة و كسلاح لإثبات حملها و إلحاقه بأبيه الخاطب.
الهوامش :
[1] – ادريس الفاخوري، نفي وإثبات النسب بالتحاليل الطبية مقاربة تشريعية و قضائية وفقهية، المجلة المغربية للاقتصاد والقانون المقارن، العدد 40 السنة 2003، ص 54.
[2]– الكشبور محمد , الوسيط في شرح مدونة الاسرة , الكتاب الاول , عقد الزواج و آثاره , الطبعة الثانية , 2009 مطبعة النجاح الجديدة , الدار البيضاء.
[3]غير ان عبارة “و ليست بزواج ” قد حذفت من مدونة الاسرة ربما حتى يكون هناك انسجام مع مقتضيات المادة 156.
[4]قرار صادر عن المجلس الاعلى في 30 مارس 1983، منشور بمجلة قضاء المجلس الاعلى، عدد 39، ص 109
[5]لا ندري لماذا اقحم المشرع لفظ الزوجة و الحال أن الامر يتعلق بالخطبة التي لا ترق الى رتبة الزواج بصريح المادة 5 من مدونة الاسرة.