أحمد بلمختار منيرة: تنمية خدمات القرب بالمغرب في ضوء القانون التنظيمي ( رقم 113.14) المتعلق بالجماعات

أحمد بلمختار منيرة / باحث وإعلامي – إطار إداري سابقا
تمهيد:
أناط المشرّع المغربي بالجماعات(1) مهام تقديم خدمات القرب للمواطنات والمواطنين القاطنين بتراب كل جماعة بالمملكة، للاستجابة لاحتياجاتهم الأساسية الخدماتية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والإدارية التي تتغير كمّا ونوعا وتزداد بسرعة فائقة في زمن التكنولوجيا المتطورة والرقمنة. ولتجسيد هذه المهام على أرض الواقع وجعلها ملموسة لدى الساكنة الترابية لكل جماعة على حدة، ينص القانون التنظيمي (رقم 113.14) المتعلق بالجماعات على العديد من المقتضيات التي تتعلق بالجانب القانوني ويحدّد مجموعة من الآليات لتنزيلها. ويحدّد كذلك الموارد المالية التي تمكّن الجماعة من إحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية التي تدخل في نطاق اختصاصاتها الذاتية والأعمال التي تساهم فيها مع الدولة، لتوفير خدمات القرب وتطويرها وتنميتها. ولبلوغ الغاية نفسها، ينص هذا القانون التنظيمي على الأدوار المنوطة بالفاعلين الترابيين وأدوار المواطنات والمواطنين وجمعيات المجتمع المدني، ويحدّد أدوار المؤسسات المكلّفة دستوريا بالمراقبة الإدارية والمالية والمحاسباتية.
لملامسة هذا الموضوع، ننطلق من طرح السؤال المركزي التالي: كيف يتعين / يجب تنمية خدمات القرب على المستوى الترابي لكل جماعة بالمغرب في ضوء القانون التنظيمي ( رقم 113.14) المتعلق بالجماعات؟. ويتولّد عنه مجموعة من الأسئلة الفرعية منها:
– ما الذي ينص عليه القانون التنظيمي للجماعات ( رقم 113.14) فيما يتعلق بالجانب القانوني الذي يشكل الأساس الصلب لبلوغ الغاية المرجوة من طرف الدولة وكل الفاعلين الترابيين وهي تنمية خدمات القرب داخل الدائرة الترابية لكل جماعة بالمملكة؟
– ما هي الآليات المنصوص عليها في هذا القانون التنظيمي لتنزيل المقتضيات القانونية، وما هي الموارد المالية التي ينص عليها للرفع من وثيرة تنمية خدمات القرب؟
– ما هي أشكال التعاون والتضامن والتعاضد المنصوص عليها في هذا القانون التنظيمي لتنمية خدمات القرب التي يتعين توفيرها للساكنة الترابية لكل جماعة على حدة؟
– ما هي الأدوار المنوطة قانونيا بمجالس الجماعات ورؤسائها وإدارات الجماعات لتنمية خدمات القرب؟
– ما هي أدوار المواطنات والمواطنين وجمعيات المجتمع المدني لتحقيق تنمية خدمات القرب؟
– ما هي أدوار المؤسسات والهيئات الموكول إليها دستوريا مهام المراقبة الإدارية والمالية والمحاسباتية على المستوى الترابي لتحقيق الحكامة المالية والإدارية المحلية ، وبالنتيجة تقويم عملية تنمية خدمات القرب؟
تفرض الضرورة البحثية قبل ملامسة الإجابة النسبية، بشكل مباشر أو غير مباشر، على كل سؤال من هذه الأسئلة الفرعية في المحاور التي سيتم تحديدها، ملامسة معنى خدمات القرب وتبرير استعمالي لتعبير ” تنمية خدمات القرب ” بدلا من تعبير ” تقديم خدمات القرب “.
في معانى خدمات القرب:
يفيد البحث عن معنى خدمات القرب في تسجيل معطى أساسيا مفاده أن هنالك معاني لخدمات القرب وليس معنى واحدا، وهي تختلف ( ظاهريا) حسب الميادين وخاصة منها في الميدانين الاقتصادي والاجتماعي لكنها تمهّد لملامسة المقصود بها في القانون التنظيمي ( رقم 113.14) المتعلق بالجماعات كما سيتضح ذلك عند تناول المقتضيات المنصوص عليها في هذا القانون. وقبل ذلك، دعنا نتفحّص المعنى اللغوي لكلمة ” قرب ” والمعنى العام لخدمات القرب.
في المعنى اللغوي لكلمة ” قرب “: إذا تفحّصنا المعاجم العربية أو الفرنسية نجد أنّ كلمة ” قرب ” تعني قرب المسافة. وتعني الدّنوّ ( من فعل دنا، يدنو)، والدنو نقيض البعد كما جاء في لسان العرب. ونقول بالقرب منه أي بجانبه. وبالقرب من، أي، على مسافة قريبة من، حسب قاموس المعاني ” عربي- عربي “. وفي المعجم الفرنسي ” روبير ” (Robert) تعني كلمة ” القرب ” ( la proximité): وضع الشيء قريبا من شيء آخر من حيث المسافة. وباختصار، تعني كلمة ” القرب ” الشيء القريب. مثال: القرب من المدينة ( la proximité de la ville).
في المعنى العام لخدمات القرب: نستشف من القراءة المتمعنة في مجموعة من التعريفات العامة أن المقصود بخدمات القرب، الخدمات الأساسية التي يجب توفيرها من طرف الهيئات المحلية للمواطنين والمواطنات القاطنين بصفة دائمة بالتراب الذي تشرف عليه هذه الهيئات، وفي حدوده الجغرافية. وذلك للاستجابة لاحتياجاتهم الأساسية اليومية أفرادا وأسرا وجماعات. وتشمل هذه الخدمات جوانب مختلفة من أهمها: توفير الماء الصالح للشرب والكهرباء، والنقل العمومي، والتطهير، والخدمات الصحية، والمؤسسات التعليمية، والمسالك الطرقية، والمرافق الرياضية والثقافية التي يحتاجها الشباب القاطن بالمجال الترابي المعني، إلخ. ويهدف مفهوم ” القرب ” إلى تسهيل الوصول إلى هذه الخدمات الأساسية وتقريبها من السكان.
ويدخل في نطاق خدمات القرب كذلك، الخدمات المتخصصة مثل الإرشاد الفلاحي وتوفير التقنيات الزراعية المبتكرة للفلاحين.، وقضاء القرب الذي ينظر في القضايا البسيطة.، ودعم تجار القرب والمبادرات الاقتصادية الصغيرة (…).
في الاقتصاد (2): يقصد بخدمات القرب الخدمات التي يتم توفيرها للأشخاص في مجال جغرافي محدّد ومحدود. وفي غالب الأحيان، يقصد بخدمات القرب تلك الخدمات التي يتم توفيرها للأفراد في إطار الاقتصاد الاجتماعي والتضامني (3).
وتمكّن خدمات القرب من الاستجابة للاحتياجات الأساسية للسكان كما تساهم في التنمية المحلية. ويتمثل الهدف الرئيسي لخدمات القرب في: تسهيل الحياة اليومية للسكان وتقوية الرابط الاجتماعي بينهم.، تهييئ شروط التنمية المستدامة الترابية.، المساهمة في توفير فرص الشغل على المستوى الترابي/ المحلي.، المساهمة في الخفض من عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية (…).
في علم الاجتماع(4): يقصد بخدمات القرب، مجموع الخدمات والأنشطة التي يتعين توفيرها للساكنة المحلية، وذلك للاستجابة لاحتياجاتهم الاجتماعية والفردية مع التركيز على القرب الجغرافي والاجتماعي. ولذلك تعدّ هذه الخدمات الأساسية رافعات للتنمية المحلية من جهة. وهي تقوّي الرابط الاجتماعي بين السكان المحليين من جهة ثانية، وتعدّ وسيلة لمحاربة الإقصاء الاجتماعي من جهة ثالثة. ومن تم فإن معنى خدمات القرب في علم الاجتماع لا يقتصر فقط على توفير خدمات القرب السابقة الذكر وخاصة في معناها العام والقصد توفير الماء الصالح للشرب والكهرباء، والمسالك الطرقية (…)، ولكن يتجاوزه ليشمل البعد الاجتماعي الترابي والعلائقي (relationnel) بين أفراد وجماعات الساكنة الترابية المعنية ومن تم الاستجابة لحاجياتها الأساسية وتجويد حياتها الاقتصادية والاجتماعية .
في المعنى الإجرائي لخدمات القرب:
بناء على ما تقدم، نستشف أنّ المعنى الإجرائي/ العملي لخدمات القرب، وهو المعنى المقصود في نظري في القانون التنظيمي ( رقم 113.14) المتعلق بالجماعات مضمونه كالتالي: خدمات القرب هي الخدمات المرتبطة بالحاجات المباشرة للساكنة المحلية، وهي خدمات متعددة المظاهر ومتنوعة المجالات، الهدف منها الاستجابة للاحتياجات المحلية الأساسية / الضرورية، واليومية، للساكنة بتراب كل جماعة على حدة بالمملكة. والقصد: * الماء الصالح للشرب والكهرباء.، * الخدمات الصحية.، * توفير الخدمات الإدارية والتقنية.، * الخدمات الاجتماعية والثقافية. * الخدمات الرياضية للنساء والرجال والشباب والأطفال.* الخدمات اللازمة للمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة (…) وهي خدمات منصوص عليها بوضوح في هذ القانون التنظيمي كما سنرى ذلك.
ومن بين الأهداف الاستراتيجية لتنمية خدمات القرب:
– المساهمة في الرفع من فرص النهوض بالتنمية الترابية (5).
– تقوية الروابط الاجتماعية على المستوى الترابي.
– محاربة الإقصاء الاجتماعي والتهميش على المستوى الترابي.
لماذا ” تنمية خدمات القرب”؟
أعتقد أنه باستحضارنا للتقسيم الذي اعتمده المشرع المغربي من خلال إصداره للقوانين التنظيمية الثلاثة للجماعات الترابية لتحقيق الغاية المسطّرة وهي التنمية الترابية، والقصد أنه بناء على هذا التقسيم، فإذا كانت التنمية الجهوية تشكّل اختصاصا ذاتيا حصريا موكولا بصفة قانونية للجهات (6) والتنمية الاجتماعية الاختصاص الذاتي الحصري الموكول قانونيا للعمالات والأقاليم(7)، فإن المقصود بالإناطة القانونية للجماعات بمهام تقديم خدمات القرب (8) ليس فقط تقديمها وعرضها وتوفيرها بالمعنى الضيق لهذه الكلمات وإنّما المقصود بها خاصة اليوم في زمن الرقمنة والتطورات المتسارعة التي تشهدها مجالات الاقتصاد والاجتماع على المستويين الوطني والترابي والتغيير البنيوي للقيم هو: تنمية خدمات القرب التي يحتاجها بشكل يومي المواطنات والمواطنون القاطنون بتراب كل جماعة بالمملكة، لأنّها (تنمية خدمات القرب) تشكّل البعد الثالث للتنمية الترابية التي هي عملية شاملة ومتداخلة ومتكاملة الأبعاد والقصد البعد الاقتصادي والبعد الاجتماعي والبعد الخدماتي والبعد الثقافي والبعد البيئي، وذلك على المستويات الترابية الثلاثة: المحلي والإقليمي والجهوي.
وبناء على ما تقدم، ستتم ملامسة الإجابة على السؤال المركزي لهذه المساهمة وهو للتذكير: كيف يتعين/ يجب تنمية خدمات القرب بالمغرب في ضوء القانون التنظيمي(رقم 113.14) المنظّم لشؤون الجماعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية…؟ وذلك من خلال المحاور الخمسة التالية:
المحور الأول: في المقتضيات القانونية لتنمية خدمات القرب
المحور الثاني: في آليات تنزيل المقتضيات القانونية لتنمية خدمات القرب
المحور الثالث: الموارد المالية الأساسية للجماعة لتنمية خدمات القرب
المحور الرابع: في أدوار الفاعلين الترابيين لتنمية خدمات القرب
المحور الخامس: في أدوار المؤسسات المكلّفة دستوريا بالمراقبة المالية والإدارية والمحاسباتية لتنمية خدمات القرب
المحور الأول: في المقتضيات القانونية لتنمية خدمات القرب
يفرض هذا المحور طرح السؤال التوجيهي التالي: ما هي المقتضيات المنصوص عليها في القانون التنظيمي للجماعات لتنمية خدمات القرب التي تحتاجها بشكل أساسي الساكنة الترابية لكل جماعة بالمملكة؟
حدّد القانون التنظيمي للجماعات ( رقم 113.14) الإطار القانوني العام المتعلق بمهام تقديم خدمات القرب، وحدّد الميادين المتعلقة بهذه الخدمات. وفي هذا الشأن، تنص المادة 77 التي تتضمن المبادئ العامة المؤطّرة والمرجعية لاختصاصات الجماعات على أنّه ” تناط بالجماعة داخل دائرتها الترابية مهام تقديم خدمات القرب للمواطنات والمواطنين في إطار الاختصاصات المسندة إليها بموجب هذا القانون التنظيمي، وذلك بتنظيمها وتنسيقها وتتبعها.”.
بداية، تعني الإناطة ( مصدر أناط) من بين ما تعنيه التكليف بمهمة أو مهام، مهام تقديم خدمات القرب في حالة الجماعات. وتعني الإسناد والعهد بها قانونيا. وهو ما نفهمه من خلال القراءة المتمعنة في المادة 77 المشار إليها أعلاه والتي تفيد أن مهام تقديم خدمات القرب تشكّل الاختصاص الحصري لهذه الوحدات الترابية بالمغرب والموكول إليها قانونيا، أي، أنها مسؤولة ومكلّفة قانونيا بتوفيرها وتطويرها وتنميتها، وذلك في حدود دائرتها الترابية.
وتفيد القراءة المتمعنة في المادة 83 من القانون التنظيمي للجماعات في رصد أنّها مقسّمة إلى ثلاث فقرات:
الفقرة الأولى: تنص على أنّ الجماعة تقوم بإحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية اللازمة لتقديم خدمات القرب في الميادين التالية وعددها 17: * توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء.، *النقل العمومي الحضري.، *الإنارة العمومية.، *التطهير السائل والصلب ومحطات معالجة المياه العادمة.، *تنظيف الطرقات والساحات العمومية وجمع النفايات المنزلية والمشابهة لها ونقلها إلى المطارح ومعالجتها وتثمينها.، *السير والجولان وتشوير الطرق العمومية ووقوف العربات.، * حفظ الصحة.، *نقل المرضى والجرحى.، *نقل الأموات والدفن.، *إحداث وصيانة المقابر.، *الأسواق الجماعية.، * معارض الصناعة التقليدية وتثمين المنتوج المحلي.، * أماكن بيع الحبوب.،* المحطة الطرقية للمسافرين.، * محطات الاستراحة.، *إحداث وصيانة المنتزهات الطبيعية داخل النفوذ الترابي للجماعة.، *مراكز التخييم والاصطياف.
الفقرة الثانية: خلافا للفقرة الأولى التي تنص على أنّ الجماعة تقوم بإحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية اللازمة لتقديم خدمات القرب في الميادين 17 المشار إليها أعلاه، أي، أنها هي المسؤولة قانونيا عن القيام بها وإنجازها، فإنّ هذه الفقرة تنص على أنّ الجماعة تقوم بموازاة (en parallèle) أي أنّها تقوم بشكل تعاوني وتشاركي مع فاعلين آخرين من القطاع العام أو القطاع الخاص(9) بإحداث وتدبير المرافق التالية: *أسواق البيع بالجملة.،* المجازر والذبح ونقل اللحوم.، *أسواق بيع السمك.
وتجيب الفقرة الثالثة من المادة 83 على سؤال كيفيات القيام بإحداث وتدبير هذه المرافق العمومية الهامة في الحياة اليومية لساكنة كل جماعة على حدة، حيث تنص على أنّه يتعين على الجماعة أن تعتمد عند إحداث أو تدبير المرافق أعلاه المذكورة في الفقرة الثانية (أي، أسواق البيع بالجملة.، المجازر والذبح ونقل اللحوم.، أسواق بيع السمك) إحدى السبل الثلاثة المنصوص عليها في هذه الفقرة وهي: * سبل التحديث في التدبير المتاحة لها، ولا سيما عن طريق التدبير المفوض.، * أو إحداث شركات التنمية المحلية.، * أو التعاقد مع القطاع الخاص.
ويتعين على الجماعة بل على إدارة الجماعة التي تقدّم المشورة القانونية لرئيس المجلس، أن تنتبه إلى ما تنص عليه المادة 83 في آخرها حيث يجب عليها مراعاة الاختصاصات المخوّلة بموجب النصوص التشريعية الجاري بها العمل إلى هيئات أخرى ولا سيما المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية.
وتفيد إعادة القراءة في المادة 77 المرجعية والمؤطرة للمقتضيات القانونية المتعلّقة بمهام تقديم خدمات القرب في ملامسة جزء هام من الجواب على السؤال المحوري: كيف يتأتى للجماعة تنمية خدمات القرب داخل دائرتها الترابية؟
تنص الفقرة الأولى من هذه المادة على إلزامية قيام الجماعة بثلاث عمليات أساسية في مجال التدبير الحديث لتنمية خدمات القرب وهي: التنظيم، والتنسيق، والتتبع. وحسب الفقرة الثانية منها، لبلوغ هذه الغاية تمارس الجماعة اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة بينها وبين الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة.
ونستشف من خلال القراءة المدقّقة في الفقرة الثالثة من المادة 77 التي تنص على المقتضيات المتعلقة بالاختصاصات الذاتية للجماعة، أنّ هذه الأخيرة ملزمة قانونيا بالقيام بالأعمال الخاصة بالمجالات المنصوص عليها في المادة 83 ومنها على سبيل المثال لا الحصر: مجال الصحة الذي يشمل الميادين السابق ذكرها المبيّنة في الفقرة الأولى: حفظ الصحة.، نقل المرضى والجرحى. ويمكننا إضافة ميدان الماء الصالح للشرب والكهرباء لأنه لا يمكن لمستشفى أو مستوصف أن يؤدي وظائفه في غياب هذين القطاعين الحيويين في حياة السكان. ونضيف إلى ذلك التطهير (…).
وتتمثل الأعمال المفروضة قانونيا على الجماعة في كل مجال من المجالات المنصوص عليها في إطار الاختصاصات الذاتية وهي المعبّر عنها بكلمة ” ولا سيما” ( notamment) حسب الفقرة الثالثة من المادة 77 المشار إليها أعلاه في: التخطيط.، والبرمجة.، والإنجاز.، والتدبير.، والصيانة.
وعلينا أن نلاحظ أن الجمع بين الأعمال المنصوص عليها في الفقرة 1 من المادة 77 والأعمال المنصوص عليها في الفقرة 3 من المادة ذاتها تشكل عناصر التدبير الحديث: التخطيط.، البرمجة.، التنظيم.، الإنجاز.، التنسيق.، التتبع.، الصيانة. وقد يلاحظ القارئ عدم ذكري في هذه الفقرة للتدبير ضمن العناصر المشار إليها وذلك لسبب رئيسي وهو أن التدبير هو العملية الشاملة لكل هذه العناصر المنصوص عليها في المادة 77 وهي من ثوابت نمط التدبير المبني على النتائج (10).
والسؤال اللحظة: كيف يتعين على الجماعة تنمية خدمات القرب من خلال الاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة في ضوء القانون التنظيمي ( رقم 113.14) المنظّم لشؤونها؟
لملامسة الإجابة على هذا السؤال، لا بد من الرجوع مرة أخرى إلى المادة 77 لأنها المادة المؤطرة للاختصاص الحصري للجماعة: تقديم وتوفير وتطوير وتنمية خدمات القرب. كما أننا سنحتاج إلى المقتضيات التي يتضمنها الباب الثالث من القسم الثاني من القانون التنظيمي ( 113.14)، وهو يتضمن المواد الثلاث: 87 و 88 و 89. لكن قبل ذلك، دعنا نتساءل: متى يجب اعتماد المقتضيات المنصوص عليها في إطار الاختصاصات المشتركة بين الجماعة والدولة لتنمية خدمات القرب؟
تمكّننا الفقرة الرابعة من المادة 77 من تسجيل جواب واضح لغويا وقانونيا عن هذا السؤال حيث تنص على أن الاختصاصات المشتركة بين الدولة والجماعة تشمل الاختصاصات التي يتبيّن أن نجاعة ممارستها تكون بشكل مشترك. ويمكن أن تتم ممارسة الاختصاصات المشتركة طبقا لمبدأي التدرج والتمايز. ويتضح من خلال هذا التنصيص القانوني أن الأمر يتطلب دراسة واقعية من لدن الجماعة لمدى احتياجها للقيام بعمل أو أعمال تدخل في نطاق خدمات القرب – الذي هو اختصاصها الحصري- بشكل مشترك مع الدولة وأن هذا العمل المشترك سيحقق شرط النجاعة (11).
وبهذا الصدد، تنص المادة 87 على أنّ الجماعة تمارس الاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة في المجالات التالية: * المجال الأول يتعلق بتنمية الاقتصاد المحلي وإنعاش الشغل.، * والمجال الثاني يتعلق بالمحافظة على خصوصيات التراث الثقافي المحلي وتنميته.، * والمجال الثالث يتعلق بالقيام بالأعمال اللازمة لإنعاش وتشجيع الاستثمارات الخاصة ولا سيما إنجاز البنيات التحتية والتجهيزات والمساهمة في إقامة مناطق للأنشطة الاقتصادية وتحسين ظروف عمل المقاولات. ونطرح السؤال التالي: عمليا، كيف يمكن للجماعة تنمية خدمات القرب في المجالات الثلاثة المشار إليها أعلاه والتي تدخل في نطاق الاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة؟
تجيبنا على هذه السؤال الفقرة الثانية من المادة 87 من القانون التنظيمي ( 113.14) كالتالي:
لتحقيق هذه الغاية، يمكن للجماعة أن تساهم في إنجاز الأعمال المذكورة أسفله والتي تنص عليها هذه الفقرة. ونفهم من ذلك: حينما يتبيّن أن نجاعة ممارسة الأعمال المشار إليها أسفله تكون بشكل مشترك مع الدولة طبقا للمادة 77 المرجعية، فإنّه يمكن للجماعة أن تساهم في إنجازها أي أن دورها هو المساهمة ( la contribution) في الأعمال التالية:
* إحداث دور الشباب.، *إحداث دور الحضانة ورياض الأطفال.، * إحداث المراكز النسوية.، *إحداث دور العمل الخيري ومأوى العجزة.، *إحداث المراكز الاجتماعية للإيواء.، *إحداث مراكز الترفيه.، *إحداث المركبات الثقافية.، *إحداث المكتبات الجماعية.، *إحداث المتاحف والمسارح والمعاهد الفنية والموسيقية.، * إحداث المركبات الرياضية والميادين والملاعب الرياضية والقاعات المغطاة والمعاهد الرياضية الرياضية.، *إحداث المسابح وملاعب سباق الدراجات والخيل والهجن.،* المحافظة على البيئة.،* تدبير الساحل الواقع في النفوذ الترابي للجماعة طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل.، *تهيئة الشواطئ والممرات الساحلية والبحيرات وضفاف الأنهار الموجودة داخل تراب الجماعة.، *صيانة مدارس التعليم الأساسي.، *صيانة المستوصفات الصحية الواقعة في النفوذ الترابي للجماعة.، *صيانة الطرقات والمسالك الجماعية.، *التأهيل والتثمين السياحي للمدن العتيقة والمعالم السياحية والمواقع التاريخية.
وتفيدنا القراءة المدققة في الفقرة الثانية من المادة 87 في تسجيل مجموعة من الملاحظات من أهمها: أن غاية المشرع من التنصيص عليها في هذا القانون التنظيمي هي رفع منسوب الوعي لدى الشباب والأطفال خاصة، والاستجابة لطلبات ذوي الاحتياجات الخاصة، والرفع من مستوى الخدمات الصحية.، وتقوية الروابط الاجتماعية والتربوية من خلال الانخراط في العمل الجمعوي بدور الشباب والمركبات الثقافية والرياضية، وتنمية السياحة المحلية مما يرفع مستوى تنمية الاقتصاد المحلي وإنعاش الشغل ( هنا إحالة إلى المجال الأول/ المادة 87). وبالنتيجة تتحقق المساهمة الفعّالة للجماعة في التنمية الترابية.
وليس من قبيل الصدفة قيام المشرع المغربي بذلك لأنّ التنمية سواء كانت تتعلق بالمستوى المحلي أو بالمستوى الجهوي أو بالمستوى الوطني فهي عملية شاملة تتضمّن الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والخدماتية والثقافية والبيئية.
إنّ المشكلة الحقيقية على المستوى الترابي لحد الآن، ليست في القوانين التنظيمية الثلاثة للجماعات الترابية، وإن كانت هذه القوانين تحتاج إلى بعض التعديلات وتحتاج إلى تجميعها في قانون واحد تحت مسمى ” قانون الجماعات الترابية”، إنها في تنزيل/ تطبيق المقتضيات المنصوص عليها في هذه القوانين. ولذلك فإنّ الأمر يدعو كل الفاعلين المعنيين بعملية التنمية المحلية والترابية إلى استيعاب الرسالة السياسية التي يتضمنها الخطاب الملكي السامي الموجّه مؤخرا إلى البرلمانيين في العاشر من أكتوبر من السنة الجارية ( 2025) والتي يمكن تجميعها في المقتطف التالي: »(…) فالتحول الكبير الذي نسعى إلى تحقيقه على مستوى التنمية الترابية، يقتضي تغييرا ملموسا في العقليات وفي طرق العمل، وترسيخا لثقافة النتائج، بناء على معطيات ميدانية دقيقة.، واستثمار أمثل للتكنولوجيا الرقمية. ولذلك، ننتظر وتيرة أسرع وأثرا أقوى من الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية (…) « . (12)
ولإنجاز الأعمال التي تمكّن الجماعة من الرفع من فرص النهوض بتنمية خدمات القرب والتي يتبيّن أنها يجب أن تتم بشكل مشترك بين الجماعة والدولة (المادة 77)، وجعلها ملموسة على أرض الواقع، تنص المادة 88 على أن تمارس هذه الأعمال بشكل تعاقدي إما بمبادرة من الدولة أو بطلب من الجماعة. والتعاقد آلية قانونية تضبط العلاقة بين الطرفين كما سنرى ذلك في حينه.
وتنص المادة 89 من القانون التنظيمي(113.14) على أنه يمكن للجماعة، بمبادرة منها، واعتمادا على مواردها الذاتية، أن تتولى تمويل أو تشارك في تمويل إنجاز مرفق أو تجهيز أو تقديم خدمة عمومية لا تدخل ضمن اختصاصاتها الذاتية بشكل تعاقدي مع الدولة إذا تبيّن أن هذا التمويل يساهم في بلوغ أهدافها.
خلاصة القول، نفهم في ضوء ما تقدم أنّ المشرع يدعو من خلال القانون التنظيمي (رقم 113.14) المجالس الجماعية إلى التنزيل السليم للمقتضيات التي ينص عليها هذا القانون، ويدعوها كذلك إلى الإبداع وابتكار كل الحلول التي تمكّن الجماعة من توفير وتطوير وتنمية خدمات القرب لإشباع الحاجيات الأساسية للساكنة الترابية وشبابها وأطفالها ونسائها ولذلك فإنّ المشرع يهدف من خلال فتح باب الاختصاصات المشتركة إلى تحقيق هذه الغاية والقصد تلبية الطلبات المتزايدة للساكنة الترابية لكل جماعة. من جانب آخر، نستشف من خلال ما تقدم أن خدمات القرب لا تنحصر فقط في ما هو مادي وإنما تتعلق كذلك بالجوانب الثقافية والنفسية والصحية ويكفي إعادة القراءة بتأنّ في الأعمال المنصوص عليها في المادة 87 والتي تدخل في نطاق الاختصاصات المشتركة بين الجماعة والدولة. وتتمثل الغاية منها في الرفع من مستوى تنمية الاقتصاد المحلي، وتوفير فرص الشغل، وتحقيق التنمية السياحية المحلية، والرفع من فرص التنمية الاجتماعية على المستوى المحلي والترابي.
وقد زودتنا جائحة ” كورونا ” بدرس تاريخي عميق الدلالة مضمونه: لا يمكن التخلي عن الأدوار الاجتماعية للدولة والجماعات الترابية. والأكثر من ذلك أنّ تحقيق الاستقرار الاجتماعي والأمن والسلامة أصبح يفرض تحقيق الاحتياجات الأساسية اليومية للساكنة الترابية، وتحقيق تنمية الاقتصاد المحلي، وتحقيق التنمية الاجتماعية على المستوى الترابي.
ولنا أن نتساءل الآن: ما هي آليات التنزيل / التطبيق المنصوص عليها في القانون التنظيمي ( رقم 113.14) المتعلق بالجماعات لتنمية خدمات القرب؟
المحور الثاني: في الآليات الإجرائية لتنمية خدمات القرب
يحدّد القانون التنظيمي ( رقم 113.14) المتعلق بالجماعات مجموعة من الآليات الإجرائية لتنزيل المقتضيات القانونية التي لامسناها في المحور السابق للرفع من الفرص لتنمية خدمات القرب. وسنتطرق في بداية هذا المحور إلى آليتين إجرائيتين ومرجعيتين في غاية من الأهمية قانونيا وعمليا ليس فقط لتنمية خدمات القرب ولكن لأنه من دونهما لا يمكن تحقيق التنمية المحلية: برنامج عمل الجماعة والتعاقد. ثم نتطرق إلى آليات أخرى ينص عليها هذا القانون التنظيمي وهي لا تقل أهمية عن الآليتين السابقتي الذكر.
برنامج عمل الجماعة:
تفرض الضرورة البحثية طرح مجموعة من الأسئلة تتعلق بهذه الآلية الإجرائية والمرجعية من قبيل: من يجب عليه قانونيا أن يعد هذا البرنامج؟ وكيف ذلك؟ وما دور هذه الآلية؟ وما أهميتها؟ وما الهدف من التنصيص القانوني عليها؟
تنص المادة 78 من القانون التنظيمي ( رقم 113.14) المتعلق بالجماعات على أن الجماعة تضع، تحت إشراف رئيس مجلسها، برنامج عمل الجماعة. وعلاوة على إلزامية وضعها لهذه الوثيقة المرجعية. وتنفيذا لهذه المادة، فهي ملزمة بتتبعه وتحيينه وتقييمه. وكما سبق الذكر، فالتتبع والتحيين والتقييم من بين أركان التدبير المبني على النتائج الذي التزمت الدولة المغربية باعتماده منذ 2002 (13).
وحسب الفقرة الثانية من المادة 78 ذاتها، يحدّد هذا البرنامج الأعمال التنموية المقرر إنجازها أو المساهمة فيها بتراب الجماعة خلال مدة ست (6) سنوات. وهو ما يشرحه المرسوم الصادر في هذا الشأن كالتالي:(14)
يعدّ برنامج عمل الجماعة الوثيقة المرجعية للجماعة لبرمجة المشاريع والأنشطة ذات الأولوية المقرر أو المزمع إنجازها بتراب الجماعة بهدف تقديم خدمات القرب للمواطنات والمواطنين.
وهو ما يعني أنه يجب على الجماعة إعداد آلية التخطيط هذه، بدقة وعناية كبيرتين. ولذلك، ترك المشرّع للجماعة اختيار السبيل الأنجع لإعداد هذه الوثيقة المرجعية، فلجأت (وتلجأ) الجماعات التي لا تتوفر على الموارد البشرية ذات التكوين العلمي العالي إلى مكاتب الدراسات.
ولا بد من الانتباه إلى أنّ الفقرة الثانية من المادة 78 تنص على أن هذا البرنامج يحدّد الأعمال التنموية المقرر إنجازها (النوع الأول من هذه الأعمال) أو المساهمة فيها (النوع الثاني من هذه الأعمال) بتراب الجماعة، لأن الجماعة ملزمة قانونيا بإحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية اللازمة لتقديم وتطوير خدمات القرب المتعلقة بالميادين المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 83 (15) من خلال مواردها الذاتية وهي مسؤولة مسؤولية مباشرة عن هذا الإنجاز والتنفيذ والتتبع والتحيين والتقييم بشأنها لأنها تدخل في نطاق اختصاصاتها الذاتية أي الاختصاصات الموكولة اليها حصريا. ويمكن أن تساهم في إنجاز الأعمال المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 87 المتعلقة بخدمات القرب التي تدخل في نطاق الاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة (16).
ولتوفير شروط نجاح عملية وضع وإعداد برنامج عمل الجماعة باعتباره آلية من آليات التخطيط ، تنص الفقرة الثالثة من المادة 78 على الضوابط والشروط التالية: أن يتم إعداده في السنة الأولى من مدة انتداب المجلس الجماعي على أبعد تقدير. وأن يتم هذا الإعداد بانسجام مع توجهات برنامج التنمية الجهوية (الذي تعده الجهة طبقا للمادة 81 من القانون التنظيمي 111.14 المتعلق بالجهات). ووفق منهج تشاركي. وبتنسيق مع عامل العمالة أو الإقليم، أو من ينوب عنه، بصفته مكلّفا بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركة للإدارة المركزية. والتنسيق ركن من أركان التدبير الحديث.
ومما يدل على الأهمية القصوى التي يوليها المشرع المغربي لآلية برنامج عمل الجماعة، التنصيص في الفقرة الأخيرة من المادة 78 من القانون التنظيمي للجماعات على ما يلي: “يجب أن يتضمن برنامج عمل الجماعة تشخيصا لحاجيات وإمكانيات الجماعة وتحديدا لأولوياتها وتقييما لمواردها ونفقاتها التقديرية الخاصة بالسنوات الثلاث الأولى وأن يأخذ بعين الاعتبار مقاربة النوع “.
تمكّننا القراءة المدققة في هذه الفقرة الأخيرة الغنية بمضامينها من إدراك أنّ برنامج عمل الجماعة متعدّد الأدوار، فهو آلية إجرائية لتنزيل المقتضيات القانونية التي تمكّن الجماعة من توفير وتطوير وتنمية خدمات القرب. وهو آلية لقياس مدى التدبير لدى كل جماعة، أي، الحكم بجودة التدبير أو ردته بالنسبة لكل جماعة. وهو آلية ومرجع أساسي في عملية المراقبة الإدارية والمالية والمحاسباتية إذ يمكّن المؤسسات الدستورية المكلّفة بهذه المهمة من قياس مدى مطابقة ما هو منجز من البرامج والمشاريع التنموية الملزمة بإنجازها كل جماعة مع ما هو مخطط بهذه الوثيقة المرجعية.
ونستشف من كلمة ” يجب ” المستعملة في بداية هذه الفقرة الإلزامية القانونية لتضمين برنامج عمل الجماعة ما يجب:
– يجب إعداد تشخيص لحاجيات وإمكانيات الجماعة. والتشخيص: مرحلة أساسية في كل الدارسات الاقتصادية والمالية والاجتماعية (…). ومن أهم أسباب فشل العديد من المشاريع في بعض الجماعات، عدم القيام بالتشخيص الدقيق لحاجياتها وإمكانياتها.
– يجب تحديد الأولويات: والقصد المشاريع والبرامج التنموية ذات الأولوية بالنسبة للساكنة الترابية لكل جماعة على حدة.
– يجب إعداد التقييم: وهو ركن من أركان التدبير الحديث، يمكّن من تحديد نقط القوة ومعيقات الإنجاز والاختلالات والمشاكل المطروحة أثناء التنفيذ.
– يجب الأخذ بعين الاعتبار مقاربة النوع: وبعيدا عن التجريد، فهي لا تعني فقط خدمات القرب التي تهم النساء ولكن كل خدمات القرب التي يحتاجها النساء والرجال دون تمييز في الحقوق والفرص، والتي يحتاجها ذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين والأطفال (…).
وتفيد القراءة المتمعنة في المواد من 79 إلى 82 في تسجيل ما يلي:
– اعتماد المشرع المغربي من خلال القانون التنظيمي للجماعات لضوابط وقواعد ” التدبير المبني على النتائج “. (17)
– الإجابة على سؤالين أساسيين لتحديد المسؤوليات: من يعمل ماذا؟ وكيف ذلك؟
وفي ذلك، تنص المادة 79 على أن الجماعة تعمل على تنفيذ برنامج عملها وفق البرمجة المتعددة السنوات المنصوص عليها في المادة 183 من هذا القانون التنظيمي (18). وحسب المادة 80 فإنه يمكن تحيين برنامج عمل الجماعة ابتداء من السنة الثالثة من دخوله حيز التنفيذ. وقد صدر النص التنظيمي الخاص بإعداد برنامج عمل الجماعة في 2016 (19). كما أنه أصبح إلزاميا على الجماعات الترابية الأخرى والمصالح الخارجية بحكم ما تنص عليه المادة 82 من القانون ( 113.14) تزويد الجماعة بالوثائق المتوفرة لدن كل من هذه المؤسسات والتي تتعلق بمشاريع التجهيز المراد إنجازها من لدن الجماعة.
التعاقد:
بداية، ما التعاقد؟ وما أهميته؟
التعاقد: اتفاق مكتوب بين طرفي أو أطراف العملية التي تشكّل موضوعه. وهو آلية قانونية تحدّد حقوق وواجبات/ والتزامات كل طرف. وتتمثل أهمية التعاقد في أنه أصبح آلية تدبيرية عمومية تمكّن من أجرأة المبادئ الدستورية والمبادئ القانونية المنظّمة لشؤون الجماعات الترابية ومنها الجماعات وذلك انطلاقا من أنّ مبادئ التعاون والتضامن والتدرج والتمايز والتفريع لا يمكن تطبيقها من خلال قواعد عامة ومجردة.
والسؤال هو: ما الذي ينص عليه القانون التنظيمي (رقم 113.14) بشأن التعاقد، لإحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية وإنجاز الأعمال اللازمة للنهوض بمهام تقديم وتوفير خدمات القرب، وتحقيق الغاية المرجوة من خلال ذلك كله وهي تنمية هذه الخدمات لإشباع الاحتياجات والطلبات المتزايدة والمتسارعة للمواطنات والمواطنين في تراب كل جماعة؟
تمكّننا القراءة المدققة في القسم الثاني من القانون التنظيمي ( رقم 113.14) المتعلق باختصاصات الجماعة، وخاصة منه في المواد من 77 إلى 89، من رصد حالتين علاقة بآلية التعاقد.
الحالة الأولى: حالة الاختصاصات الذاتية للجماعة
إذا كانت الجماعة ملزمة قانونيا بناء على مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 83 من القانون التنظيمي للجماعات بالقيام بإحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية اللازمة لتقديم خدمات القرب في الميادين المنصوص عليها في هذه الفقرة، أي أنها تخضع للمساءلة فيما يتعلق بتنفيذها وتتبعها لأنّها تدخل في إطار اختصاصاتها الذاتية، وهي للتذكير: توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء.، النقل العمومي الحضري.، التطهير.، السير والجولان.، حفظ الصحة.، نقل المرضى والجرحى، إلخ، فإنّها طبقا لأحكام الفقرة الثالثة من المادة 83 ذاتها يتعين عليها أن تعتمد التعاقد مع القطاع الخاص باعتباره آلية من آليات سبل التحديث في التدبير المتعلق بالمرافق المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة ذاتها والقصد: مرفق أسواق البيع بالجملة.، ومرفق المجازر والذبح ونقل اللحوم.، ومرفق أسواق بيع السمك.
وتنص المادة 84 من القانون التنظيمي (رقم 113.14) المتعلق بالجماعات في الفقرة الأولى منها على أنه تطبيقا لمقتضيات الفصل 146 من دستور 2011 وخاصة منه البند التاسع المتعلق بالآليات الرامية إلى ضمان تكييف تطور التنظيم الترابي وتفعيلا لمبدأ التفريع (20) المنصوص عليه في الدستور، يمكن لمجالس الجماعات، عند الاقتضاء، أن تعهد بممارسة اختصاص أو بعض الاختصاصات الموكولة لها إلى مجلس العمالة أو الإقليم. والشرط هنا، إذا اقتضى الأمر ذلك، بمعنى أن تكون هنالك أسباب موضوعية تثبتها دراسة الحالة بشكل علمي وواقعي، للعهد باختصاص ذاتي لمجلس الجماعة إلى مجلس العمالة أو الإقليم. وحسب هذه الفقرة، يتم هذا العهد من الجماعة إلى العمالة أو الإقليم بطلب من الجماعة أو الجماعات الراغبة في ذلك أو بطلب من الدولة التي تخصص لهذا الغرض تحفيزات مادية في إطار التعاضد بين الجماعات، أو بمبادرة من العمالة أو الإقليم المعني.
وطبقا للفقرة الثانية من المادة 84 ذاتها، يمارس الاختصاص أو الاختصاصات الموكولة (المعهودة) قانونا للجماعات من طرف مجلس العمالة أو الإقليم بعد استيفاء الشروط المنصوص عليها في هذه الفقرة وهي: مداولة مجالس الجماعات المعنية والموافقة على ذلك، وتحديد شروط وكيفيات هذه الممارسة في إطار التعاقد.
الحالة الثانية: حالة الاختصاصات المشتركة
في حالة الاختصاصات المشتركة، ما هي المجالات المتعلقة بخدمات القرب التي يتعين على الجماعة أن تعتمد بشأنها آلية التعاقد مع الدولة؟ وما هي هذه الخدمات؟ وكيف يمكن للجماعة القيام بذلك؟
بداية تدعو الضرورة البحثية مرة أخرى إلى استحضار المادة 77 المؤطرة لاختصاصات الجماعة وخاصة منها الفقرة الرابعة التي نستشف من خلال القراءة المتمعنة فيها أنه يصبح من الضروري القيام بإحداث المرافق والتجهيزات العمومية أو الأعمال اللازمة لتوفير وتطوير وتنمية خدمات القرب بشكل مشترك بين الجماعة والدولة حينما يتبيّن أن المصلحة العامة للساكنة الترابية تقتضي اللجوء إلى التشارك (21) مع الدولة لتحقيق شرط النجاعة المنصوص عليه في هذه الفقرة. وتحدّد المادة 87 في فقرتها الأولى المجالات التي تمارس فيها الجماعة الاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة للتمكّن من بلوغ الغاية المرجوة من الدولة وكل الفاعلين الترابيين وهي تنمية خدمات القرب وهي: تنمية الاقتصاد المحلي وإنعاش الشغل.، والمحافظة على خصوصيات التراث الثقافي المحلي وتنميته.، والقيام بالأعمال اللازمة لإنعاش وتشجيع الاستثمارات الخاصة ولاسيما إنجاز البنيات التحتية والتجهيزات والمساهمة في إقامة مناطق الأنشطة الاقتصادية وتحسين ظروف عمل المقاولات.
وتحدّد الفقرة الثانية من المادة 87 الأعمال التي يمكن للجماعة المساهمة ( la contribution) في إنجازها للنهوض بمهام توفير وتطوير وتنمية خدمات القرب. وقد سبق ذكر هذه الأعمال التي تدخل في نطاق الاختصاصات المشتركة بينهما في المحور السابق(إحداث دور الشباب، إحداث دور الحضانة (…) إحداث المركبات الثقافية.، إحداث المكتبات الجماعية، إلخ). وتحدّد المادة 88 الآلية التي يتعيّن على الجماعة اعتمادها للقيام بالأعمال المنوطة بها في إطار الاختصاصات المشتركة مع الدولة لتنمية خدمات القرب وهي آلية التعاقد، حيث تنص على أن ” تمارس الاختصاصات المشتركة بين الجماعة والدولة بشكل تعاقدي إما بمبادرة من الدولة أو بطلب من الجماعة “.
وتفيد القراءة المباشرة في المادة 89 من القانون ذاته في تسجيل إمكانية أخرى تدخل في نطاق التعاقد حيث حسب هذه المادة، يمكن للجماعة، بمبادرة منها، واعتمادا على مواردها الذاتية، أن تتولى تمويل أو تشارك في تمويل إنجاز مرفق أو تجهيز أو تقديم خدمة عمومية لا تدخل ضمن اختصاصاتها الذاتية بشكل تعاقدي ( متى؟) إذا تبيّن أن هذا التمويل يساهم في بلوغ أهدافها.
وهنا نستشف ضرورة توفر شرطين أساسيين لتنزيل مقتضيات هذه المادة: توفر شرط الموارد الذاتية لدى الجماعة المعنية، وقبله توفر شرط الإرادة لدى مجلسها لأنّ الخدمة العمومية المقصودة لا تدخل ضمن الاختصاصات الذاتية المعهودة لها قانونيا والتي تتم المساءلة والمحاسبة عنها.
بعد ملامسة ما تقدم، سنلامس فيما يأتي الآليات الإجرائية التالية وما هو منصوص عليه بصددها في هذا القانون المرجعي بالنسبة للجماعات للنهوض بمهام توفير وتطوير خدمات القرب: مؤسسات التعاون بين الجماعات.، مجموعة الجماعات الترابية.، اتفاقيات التعاون والشراكة.، وشركات التنمية المحلية.
قبل ذلك، دعنا نرجع إلى دستور 2011 لأنه من جهة، يشكّل المرجع الأساسي لكل القوانين التنظيمية للجماعات الترابية. ومن جهة ثانية، يمكّننا من خلال استحضار مقتضياته وأحكامه عند مباشرة كل الأعمال البحثية المتعلقة بتدبير الشأن الترابي من استيعاب رؤية المشرع المغربي في هذا الشأن. وفي هذا الصدد، ينص هذا الدستور فيما يتعلق بالتعاضد والتعاون والتضامن بين الجماعات الترابية على ما يلي:
– يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن (…) ( الفصل 136).،
– ( …) كلما تعلق الأمر بإنجاز مشروع يتطلب تعاون عدة جماعات ترابية، فإنّ هذه الأخيرة تتفق على كيفيات تعاونها ( الفصل 143).،
– يمكن للجماعات الترابية تأسيس مجموعات فيما بينها، من أجل التعاضد في الوسائل والبرامج (الفصل 144).
والسؤال الآن: ما الذي ينص عليها القانون التنظيمي ( رقم 113.14) المتعلق بالجماعات بصدد كل آلية من الآليات الإجرائية المشار إليها أعلاه لتنمية خدمات القرب؟
مؤسسات التعاون بين الجماعات:
ما المنصوص عليه قانونيا بشأن هذه المؤسسات وما هي المهام المنوطة بها؟
تنص الفقرة الأولى من المادة 133 من القانون التنظيمي ( رقم 113.14) المتعلق بالجماعات على أنه يمكن للجماعات أن تؤسس فيما بينها، بمبادرة منها مؤسسات للتعاون بين جماعات متصلة ترابيا، تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي.
نفهم من هذه الفقرة أن الشرط الضروري الأول والذي من دون توفره لا يمكن تأسيس مؤسسة أو مؤسسات التعاون بين الجماعات تحت طائلة البطلان هو: أن تكون الجماعات متصلة ترابيا أي أنها مرتبطة جغرافيا وترابيا (22).
وتنص الفقرة الثانية من المادة 133 من القانون التنظيمي ذاته على أن يتم إحداث هذه المؤسسات بموجب اتفاقيات تصادق عليها مجالس الجماعات المعنية وتحدد موضوع المؤسسة وتسميتها ومقرها وطبيعة المساهمة أو مبلغها والمدة الزمنية للمؤسسة.
وتتمثل أهمية تحديد هذه الضوابط في الاتفاقيات المعنية في العمل على تفادي النزاعات بين الجماعات التي قد تفضي إلى تعطيل خدمات القرب بدلا من الرفع من فرص نجاحها وتثمينها وتطويرها. وكذلك تفادي التبعات الاجتماعية التي يمكن أن تنجم عن عدم ضبط الالتزامات والحقوق التي تتضمنها هذه الاتفاقيات وكل اتفاقية مهما كان موضوعها.
وتنص الفقرة الثالثة من المادة 133 على أن يعلن عن تكوين مؤسسة التعاون أو انضمام جماعة إليها بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، وذلك بعد الاطلاع على المداولات المتطابقة لمجالس الجماعات المعنية (23).
وتحدد الفقرة الأخيرة من المادة 133 الشرط القانوني لتتمكن جماعة أو جماعات من الانضمام إلى مؤسسة التعاون بين الجماعات وهو: أن يتم هذا الانضمام بناء على مداولات متطابقة للمجالس المكونة لمؤسسة التعاون ومجلس المؤسسة ووفقا لاتفاقية ملحقة (24).
ومن بين مميزات القانون التنظيمي للجماعات أنه ينص بوضوح في المادة 134 منه على أن تمارس مؤسسة التعاون بين الجماعات، إحدى أو بعض أو جميع المهام المتضمنة في هذه المادة التي تمكّن مؤسسات التعاون بين الجماعات الترابية من النهوض بالمهام المنوطة بها لتوفير وتطوير وتنمية خدمات القرب، وعدد هذه المهام 12 نكتفي بذكر بعضها:
– النقل الجماعي وإعداد مخطط التنقلات للجماعات المعنية. وهنا نستحضر الشرط الأساسي للتأسيس لمؤسسة التعاون بين الجماعات وهو: أن تكون هذه الجماعات متصلة ترابيا حيث إن هذا الاتصال الترابي سيمكّن من تحقيق تخفيض الكلفة المالية لكل مشروع يدخل في هذا النطاق.، ويمكّن من تحقيق خدمات القرب المنتظرة من ساكنة كل جماعة في ميدان النقل وتسهيل التنقلات بين الجماعات المعنية، وتحقيق فوائد اجتماعية واقتصادية بالنسبة لها(…).
– توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء والإنارة. وهي مهمة صعبة اليوم في الظروف المناخية التي تعيشها بلادنا في السنوات الأخيرة. ولذلك فإن تفعيل هذا المقتضى أمر في غاية الأهمية علاقة بخدمات القرب الحياتية/ اليومية بالنسبة للسكان ونشاطهم الفلاحي(…).
– التطهير السائل والصلب ومحطات معالجة المياه العادمة. وهي مهام مكلفة ماديا وبشريا ولوجيستيكيا بالنسبة لأغلب الجماعات. ومن خلال المادة 134 يمكن أن تتضافر جهود الجماعات التي تؤسس مؤسسة التعاون بين الجماعات وتؤدي هذه المهام. وبالنتيجة يستفيد سكان تراب كل الجماعات المعنية. ويمكن لهذه الجماعات أن تجلب استثمارات مهمة لأنها استطاعت أن تقوم بأحد الأدوار المهمة التي تمكن الرفع من مستوى التنمية المحلية والترابية وهو: المساهمة في تهيئ البنيات التحتية التي يستفيد منها المواطنون والمواطنات، وإحداث المناطق الصناعية (…).
وعلاوة على ما تنص عليه المادة 134 في البنود ال 12 التي تتضمنها والبالغة الأهمية فيما يتعلق بالنهوض بمهام توفير وتطوير وتنمية خدمات القرب في مختلف أبعادها الاقتصادية والاجتماعية، فإنه حسب الفقرة الأخيرة منها يمكن أن تناط بمؤسسة التعاون بين الجماعات كل مهمة تقرر الجماعات المكونة لها باتفاق مشترك إسنادها إليها (25). ونستشف من خلال هذه المادة أن المشرع يترك الباب مفتوحا للمجالس الجماعية لتحديد ما يمكّنها من النهوض بمهام تقديم وتطوير خدمات القرب ترابيا وذلك بناء على مبدأ التدبير الحر.
وتتضمن المواد من 135 إلى 140 من القانون التنظيمي ( رقم 113.14) المتعلق بالجماعات المقتضيات المتعلقة بكيفيات تأليف أجهزة مؤسسة التعاون بين الجماعات، وعدد المنتدبين .، وانتخاب مكتب المجلس وأعضائه.، وصلاحيات رئيس مجلس المؤسسة وإمكانيات التفويض…، والقضايا التي يتداول حولها مجلس المؤسسة (…) ومتى تحل مؤسسة التعاون وكيف يمكن أن تنسحب جماعة ما من مؤسسة التعاون المعنية.
وإذا كان الشرط القانوني اللازم لتأسيس مؤسسة التعاون بين الجماعات هو للتذكير: أن تكون هذه الجماعات متصلة ترابيا (26). فإن هنالك آلية إجرائية أخرى ينص عليها القانون التنظيمي للجماعات لتنمية خدمات القرب ولا يفرض تأسيسها بالضرورة الاتصال الترابي بين الوحدات الترابية المعنية وهي: مجموعات الجماعات الترابية.
مجموعات الجماعات الترابية:
تنص المادة 141 من القانون التنظيمي ( رقم 113.14) المتعلق بالجماعات في الفقرة الأولى منها على أنه يمكن لجماعة أو أكثر أن تؤسس مع جهة أو أكثر أو عمالة أو إقليم أو أكثر مجموعة تحمل اسم ” مجموعة الجماعات الترابية ” تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي، بهدف إنجاز عمل مشترك أو تدبير مرفق ذي فائدة عامة للمجموعة.
بداية، يتضح من خلال القراءة المدقّقة في مقتضيات الفقرة الأولى أعلاه، الفرق الجوهري بين الآلية الإجرائية ” مجموعات الجماعات الترابية ” والآلية السابقة الذكر ” مؤسسات التعاون بين الجماعات ” وهو: إذا كان الشرط القانوني لإحداث مؤسسات التعاون بين الجماعات هو أن تكون هذه الوحدات الترابية متصلة ترابيا (المادة 133)، فإن إحداث مجموعة أو مجموعات الجماعات الترابية يتم بين أصناف مختلفة من الجماعات الترابية (والقصد الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات) طبقا لما هو منصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة 141 المشار إليها أعلاه.
واستنادا إلى الفقرة الأولى من المادة 142 من القانون التنظيمي للجماعات فإنّ إحداث أي مجموعة للجماعات الترابية (المختلفة الأصناف) يتم بناء على إبرام اتفاقية، تصادق عليها مجالس الجماعات الترابية المعنية. وتحدّد هذه الوثيقة ( الاتفاقية) موضوع المجموعة، وتسميتها، ومقرها، وطبيعة المساهمة أو مبلغها، والمدة الزمنية للمجموعة. والاتفاقية وثيقة مكتوبة تحدّد بدقة، أو هكذا ينبغي أن يكون، التزامات وحقوق كل طرف معني بها تفاديا للدخول في نزاعات قانونية قد تطول وتعطّل عملية توفير خدمات القرب بدلا من تسريعها.
وحسب الفقرة الثانية من المادة 142 أعلاه، فإنه يجب أن يتم الإعلان عن تكوين مجموعة الجماعات الترابية أو انضمام جماعة أو جماعات ترابية إليها بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية بعد الاطلاع على المداولات المتطابقة (27) لمجالس الجماعات الترابية المعنية.
ونستشف من خلال القراءة المتمعنة في المواد من 143 إلى 145 كيف يجب تسيير مجموعة الجماعات الترابية، وكيفية انسحاب المنتدبين، والمطلوب عمله في الحالة التي يصبح فيها منصب أحد المنتدبين شاغرا، وكيفية تأسيس مكتب المجموعة، وصلاحيات رئيس مجموعة الجماعات الترابية ودور المدير الذي يعمل تحت إشرافه، إلى غير ذلك من المقتضيات القانونية التي يهدف المشرّع من خلال التنصيص عليها في هذا القانون التنظيمي لضمان التسيير المعقلن والتدبير الجيد لشؤون مجموعات الجماعات الترابية. وبالنتيجة، ضمان شروط النجاح لهذا النوع من أنواع التعاون والتعاضد والتضامن بين مختلف أصناف هذه الوحدات الترابية. وتبقى الغاية المرجوة من كل هذه المقتضيات القانونية هي، الرفع من فرص النهوض بمهام تطوير وتنمية خدمات القرب للاستجابة لاحتياجات الملحة واليومية المواطنين والمواطنات على المستوى الترابي.
وحسب المادة 146 فإنه يمنع منعا كليا إبرام أي اتفاقية بين مجموعة الجماعات الترابية ودولة أجنبية.
وسنباشر فيما يأتي من سطور آلية أخرى منصوص عليها في القانون التنظيمي للجماعات ( رقم 113.14) للنهوض بمهام تطوير وتنمية خدمات القرب: اتفاقيات التعاون والشراكة.
اتفاقيات التعاون والشراكة: (28)
تمكّننا القراءة المفكّكة لمقتضيات المادة 149 من القانون التنظيمي للجماعات ( رقم 113.14) من رصد سبعة ( 7) أنواع من الاتفاقيات المنصوص عليها في هذه المادة والتي يمكن للجماعة إبرامها لتفعيل آلية ” اتفاقيات التعاون والشراكة ” للنهوض بمهام تطوير وتنمية خدمات القرب وهي:
– الاتفاقيات فيما بين الجماعات.،
– أو الاتفاقيات مع جماعات ترابية أخرى.،
– أو الاتفاقيات مع الإدارات العمومية.،
– أو الاتفاقيات مع المؤسسات العمومية.،
– أو الاتفاقيات مع الهيئات غير الحكومية الأجنبية.،
– أو الاتفاقيات مع الهيئات الحكومية الأخرى.،
– أو الاتفاقيات مع الجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة.
وتنص المادة ذاتها ( المادة 149) على أنّ إبرام أي من هذه الاتفاقيات، يجب أن يتم من أجل إنجاز مشروع أو نشاط ذي فائدة مشتركة لا يقتضي اللجوء إلى إحداث شخص اعتباري خاضع للقانون العام أو الخاص. وهكذا نلاحظ أنّ المشرع يفتح بابا آخر للتعاون والشراكة بغية النهوض بمهام توفير وتطوير وتنمية خدمات القرب للتمكن من الاستجابة للطلبات الأساسية التي لا تحتمل التأجيل للساكنة الترابية لكل جماعة بالمملكة.
وتنص المادة 150 من القانون ذاته على أن تحدّد الاتفاقيات المشار إليها في المادة 149 السالفة الذكر، على وجه الخصوص الموارد التي يقرر كل طرف تعبئتها من أجل إنجاز المشروع أو النشاط المشترك.
وليس من باب الصدفة التأكيد في الفقرة الأولى من هذه المادة على الموارد التي يقرّر كل طرف تعبئتها، فتوفّر (فوجود) الموارد المالية والبشرية واللوجيستية هو الشرط الأساسي الأول لإنجاز أي مشروع أو عمل مشترك. وكما نلاحظ فإنّ المشرّع ترك لكل مجلس جماعي الاختيار المناسب له فيما يتعلق بالموارد (لماذا؟) لأن هناك جماعات لها موارد مالية كافية لكن مواردها البشرية أو اللوجيستية أقل في حين أن جماعات أخرى لها موارد بشرية وعقارية أهم، إلخ. لذلك، فالمجلس هو المطالب بالتداول واتخاذ مقرّره في شأن نوعية الموارد التي يرى تعبئتها لإنجاز مشروع أو عمل مشترك يدخل في نطاق أي نوع من الاتفاقيات المشار إليها في المادة 149 السابقة الذكر.
علاوة على ما تقدم من آليات إجرائية منصوص عليها في القانون التنظيمي للجماعات بغاية تحقيق تنمية خدمات القرب التي تشكّل بعدا أساسيا من أبعاد التنمية الترابية في الرؤية الاستراتيجية للمشرّع (في تقديري)، فإنّ هنالك آلية تنفيذية مستحدثة منصوص عليها في القانون ذاته للنهوض بمهام توفير وتطوير وتنمية خدمات القرب: شركات التنمية المحلية.
شركات التنمية المحلية:
باستحضار الميثاق الجماعي المعدّل في 2009، والمنسوخ في 7 يوليو 2015 تاريخ إصدار القانون التنظيمي للجماعات ( رقم 113.14) في الجريدة الرسمية، نجد أنّه كان ينص في المادة 36 منه التي تتضمن المقتضيات المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتي تدخل ضمن الاختصاصات الذاتية للجماعة،( كان ينص) على أنّ من بين الأعمال الكفيلة بتحفيز وإنعاش تنمية الاقتصاد المحلي والتشغيل التي يجب أن يقوم بها المجلس الجماعي: البث في شأن إحداث شركات التنمية المحلية ذات الفائدة المشتركة بين الجماعات والعمالات والأقاليم والجهات أو المساهمة في رأسمالها. ونفهم من ذلك أن ” شركات التنمية المحلية ” آلية تدبيرية اقتصادية(29).
وقد أفرد القانون التنظيمي ( رقم 113.14) المتعلق بالجماعات الساري المفعول لحد الآن، الباب الثاني من القسم الرابع منه لشركات التنمية المحلية باعتبارها جهازا وآلية لتنفيذ المشاريع. وتفيد القراءة المدقّقة في هذا الباب في تسجيل الاهتمام البالغ الذي يوليه المشرّع المغربي لهذه الآلية الاقتصادية والتنفيذية لأنّها من جهة، تمكّن الجماعات من الرفع من فرص النهوض بتطوير وتنمية خدمات القرب المتعلقة بالجانبين الاقتصادي والاجتماعي (30). ومن جهة ثانية، فهي تمكّن الجماعات من المساهمة ( la contribution) في بلوغ الغاية المرجوة من طرف الدولة وكل الفاعلين الترابيين وهي: التنمية الاقتصادية والاجتماعية على المستوى الترابي. وهو ما سنلامسه في السطور التالية.
تنص المادة 130 من القانون التنظيمي للجماعات ( رقم 113.14) على أنه يمكن للجماعات ومؤسسات التعاون بين الجماعات ( الباب الثالث) ومجموعات الجماعات الترابية ( الباب الرابع) إحداث شركات مساهمة (31) تسمى ” شركات التنمية المحلية ” أو المساهمة في رأسمالها باشتراك مع شخص أو عدة أشخاص اعتبارية خاضعة للقانون العام أو الخاص.
وحسب الفقرة الثانية من المادة 130 المشار إليها فيما تقدم، تحدث هذه الشركات لممارسة الأنشطة ذات الطبيعة الاقتصادية التي تدخل في اختصاصات الجماعة أو مؤسسة التعاون بين الجماعات أو مجموعة الجماعات الترابية أو تدبير مرفق عمومي تابع للجماعة.
وبصدد دور أو لنقل أدوار ومهام هذه الشركات أقدّم بعض التوضيحات الموجزة: تتمثل أدوار هذه الشركات ميدانيا في مجال خدمات القرب بالمغرب في التنفيذ الفعّال والسريع لمشاريع الجماعات بعد استيفائها للمساطر والضوابط التي ينص عليها القانون التنظيمي ( 113.14) المنظّم لشؤونها. وهنا لا بد من استحضار أهمية ” برنامج عمل الجماعة ” (المواد من 78 إلى 82) الذي يتضمن أولا وقبل كل شيء، المشاريع ذات الأولوية بالنسبة للساكنة الترابية لكل جماعة، وخاصة منها المشاريع ذات الطبيعة الاقتصادية التي تدخل في اختصاصات الجماعة والتي من دونها لا يمكن الحديث عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية المحلية.
وليس صدفة أنّ من بين المقتضيات المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 130 من القانون التنظيمي ( 113.14)، إمكانية مساهمة الجماعات في رأسمال ” شركات التنمية المحلية ” باشتراك مع شخص أو عدة أشخاص من القطاع الخاص، فمن خلال هذه العملية تتمكّن الجماعة المعنية من الاستفادة من خبرات هذا القطاع والاستفادة من بعض الموارد المالية إذا توفرت شروط الترافع عن ذلك. كما تقوم شركات التنمية المحلية بالإشراف على تدبير وتتبع وتقييم الخدمات الأساسية مثل توزيع الماء والكهرباء، النقل الحضري، جمع النفايات، الإنارة العمومية، والتطهير (…). (32)
وليس صدفة كذلك توسيع مساحة المقتضيات المتعلقة بشركات التنمية المحلية، فما أتبثه واقع العديد من الجماعات ابتداء من 2009 حيث كثفت المجالس الجهوية للحسابات من عمليات المراقبة الإدارية والمالية والمحاسبية هو: قلة الموارد البشرية، واستمرارية التسيير التقليدي لشؤون الجماعات والقصد عدم اعتمادها سبل التدبير الحديث. علاوة على العقلية البيروقراطية التي كانت سائدة. وهي وغيرها أمور ساهمت بشكل كبير في هيمنة الموقف السلبي للمواطنين من الإدارة.
وحسب المادة 131 من القانون التنظيمي ( رقم 113.14) المتعلق بالجماعات، ينحصر غرض شركة التنمية المحلية في حدود الأنشطة ذات الطبيعة الصناعية والتجارية، التي تدخل في اختصاصات الجماعة ومؤسسات التعاون بين الجماعات ومجموعات الجماعات الترابية باستثناء تدبير الملك الخاص للجماعة (33). ويتضح مرة أخرى أن شركات التنمية المحلية آلية تنفيذية وتقنية، الغاية من التنصيص عليها سد الفراغات البشرية وتفادي تعطيل عملية تنمية خدمات القرب على المستوى الترابي بسبب حسابات ” سياسوية “.
ويتضح من خلال القراءة المتمعنة في الفقرة الثانية من المادة 131 أن المشرع ترك سلطة القرار للمجالس الجماعية فيما يتعلق بإحداث شركات التنمية المحلية، حيث تنص هذه الفقرة على أنه ” لا يجوز، تحت طائلة البطلان، إحداث أو حل شركة التنمية المحلية أو المساهمة في رأسمالها أو تغيير غرضها أو الزيادة في رأسمالها أو تخفيضه أو تفويته إلا بناء على مقرر المجلس المعني تؤشر عليه السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية “.
وتنص المادة 131 كذلك على مجموعة من المقتضيات لضبط الأدوار المنوطة بشركات التنمية المحلية في مجال خدمات القرب اللازم توفرها للاستجابة لاحتياجات الساكنة الترابية لكل جماعة بالمملكة. وتمكين أعضاء المجالس، أغلبية ومعارضة، من تتبع وممارسة الرقابة على الأعمال التي يقوم بها هذا الجهاز التنفيذي/ التقني.
بعد ملامسة ما تقدم من مقتضيات قانونية، دعنا نتساءل: وماذا عن الموارد المالية للجماعات؟ لأنّ المال هو عصب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية سواء تعلق الأمر بالمستوى الترابي أو الوطني.
المحور الثالث: في الموارد المالية لتنمية خدمات القرب
يتمثل السؤال التوجيهي لهذا المحور فيما يلي: ما الذي ينص عليه القانون التنظيمي ( رقم 113.14) المتعلق بالجماعات في شأن الموارد المالية للنهوض بمهام توفير وتطوير وتحقيق الغاية المرجوة وهي تنمية خدمات القرب بتراب كل جماعة بالمملكة؟
بداية، ما معنى كلمة مورد؟
في المعنى اللغوي لكلمة مورد: نستفيد من تفحص المعجم العربي ” المعاني الجامع ” أن المقصود بالمورد مصدر الرزق. ومصدر الرزق هو كل ما من شأنه أن يسد الحاجات الإنسانية سواء كان شيئا ماديا أو خدمة تؤدى. ويقصد بموارد الدولة: دخلها. وعكسها: نفقاتها (34).
وفي الاقتصاد: تعني كلمة مورد: دخل، ناتج فوائد مالية أو ريع عقارات، إيراد شهري/ عقاري، دخل حكومة من جميع المصادر مخصص لدفع النفقات العامة (35).
ونستنتج مما تقدم على قلته علاقة بموضوعنا أنّ المقصود بموارد الجماعة، دخولها ( جمع دخل)، إيراداتها (36)، أو لنقل مصادر دخولها. وعكس ذلك، نفقاتها. وهو ما سيرشدنا إلى ملامسة الإجابة على السؤال التوجيهي لهذا المحور وهو بصيغة أخرى تفصيلية:
ما هي الموارد المالية الأساسية التي تعتمدها الجماعة للقيام بإحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية ( فق1/ م 83) والتي تقوم بها بالموازاة مع فاعلين آخرين (فق2/ م83) في إطار اختصاصاتها الذاتية.، والأعمال التي تساهم في إنجازها في إطار الاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة (م 87)، للنهوض بمهام توفير وتطوير وتنمية خدمات القرب في الميادين والمجالات المنصوص عليها في القانون التنظيمي(رقم 113.14)المنظّم لشؤونها؟
تفيدنا القراءة المتمعّنة في الفصل المخصّص لموارد الجماعة والذي يتضمن المواد من 173 إلى 176 في رصد ثلاثة أنواع من الموارد المالية الأساسية التي تمكّن الجماعة من تمويل عمليات إحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية والمساهمة في الأعمال المنصوص عليها قانونيا (المشار إلى مراجعها في السؤال التوجيهي أعلاه) المقرّرة من لدن المجلس الجماعي ( لأي جماعة) للنهوض بمهام توفير وتطوير وتنمية خدمات القرب التي تدخل في نطاق اختصاصاتها:
– النوع الأول: الموارد المالية الذاتية للجماعة.،
– النوع الثاني: الموارد المالية التي ترصدها الدولة للجماعة.،
– النوع الثالث: حصيلة الاقتراضات.
وتنص الفقرة الأخيرة من المادة 173 على أنه تطبيقا لأحكام الفصل 141 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011، يتعين على الدولة أن تقوم بتحويل الموارد المالية المطابقة لممارسة الاختصاصات المنقولة للجماعات (37).
وانطلاقا من الطبيعة الثلاثية لموارد الجماعة والقصد: الموارد المالية الذاتية، الموارد المالية المرصودة لها من الدولة وحصيلة الاقتراضات، فإنّ البنية العامة لهذه الموارد المالية تتشكل من مجموع الموارد المحددة في المادة 174 من القانون التنظيمي للجماعات ( رقم 113.14) وهي كالتالي: *حصيلة الضرائب أو حصص ضرائب الدولة المخصصة للجماعة بمقتضى قوانين المالية.، *حصيلة الموارد المرصودة من الدولة لفائدة الجماعة برسم قانون المالية.، *حصيلة الضرائب والرسوم المأذون للجماعة في تحصيلها طبقا للتشريع الجاري به العمل.، *حصيلة الأتاوى المحدثة طبقا للتشريع الجاري به العمل.، *حصيلة الأجور عن الخدمات طبقا لمقتضيات المادة 92 من هذا القانون التنظيمي.، *حصيلة الغرامات طبقا للتشريع الجاري به العمل.، *حصيلة الاستغلالات والأتاوى وحصص الأرباح، وكذلك الموارد وحصيلة المساهمات المالية المتأتية من المؤسسات والمقاولات التابعة للجماعة أو المساهمة فيها.، * الإمدادات الممنوحة من قبل الدولة أو الأشخاص الاعتبارية الخاضعة للقانون العام.، *حصيلة الاقتراضات المرخص بها.، * دخول الأملاك والمساهمات.، *حصيلة بيع المنقولات والعقارات.،* أموال المساعدات والهبات والوصايا.، *مداخيل مختلفة والموارد المقررة في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل.
وفيما يتعلق بالنوع الثالث من موارد الجماعة والقصد حصيلة الاقتراضات، فإنّ المادة 175 من القانون التنظيمي للجماعات( رقم 113.14) تنص على أن عمليات الاقتراضات التي تقوم بها الجماعة تخضع للقواعد المحددة في المرسوم (رقم 2.17..296) الصادر في هذا الشأن سنة 2017 (38).
كما يمكن للجماعة أن تستفيد من تسبيقات تقدّمها لها الدولة في شكل تسهيلات مالية في انتظار استخلاص المداخيل الواجب تحصيلها برسم الموارد الضريبية وبرسم حصتها من ضرائب الدولة، وذلك بناء على ما تنص عليه المادة 176 من القانون التنظيمي للجماعات ( رقم 113.14) (39).
وعلاقة بموارد الجماعات الترابية ومنها الجماعات، يذهب الباحث القانوني سعيد جفري في كتابه ” مالية الجماعات الترابية ” إلى أنّ الطابع العام لموارد الجماعات الترابية هو طابع التنوع والتعدد بين مصادر عمومية متأتية من ضرائب الدولة، وضرائب ورسوم ذات طابع محلي، أو الحاصلات المتأتية من الأتاوى والأجور والغرامات، وجانب من المخصصات المرصودة لهذه الأخيرة بشكل قانوني. كما أن تفصيل بنية هذه الإيرادات يتضمن أيضا الجانب الخاص بالإمدادات الممنوحة من الدولة أو الأشخاص الاعتبارية الخاضعة للقانون العام، وكذا الموارد المتأتية من الاقتراض إضافة إلى مخصصات أخرى ينص عليها القانون لفائدة الوحدات الترابية.
وفي تقدير هذا الباحث القانوني، فإنّه بالرغم من الأهمية المبدئية للضرورة التي يفرضها التمويل بواسطة الموارد المالية الذاتية المحلية، والذي يكرّس مبدأ في غاية من الأهمية وهو مبدأ “الاستقلال المالي المحلي” فإنّ الواقع الموضوعي بالنسبة للتجربة المالية المحلية المغربية يفرز اختلالا واضحا بين هذين الصنفين من التمويل، بوجود أولوية في التمويل بواسطة الموارد الخارجية خاصة عن طريق الإمدادات أو الإعانات العمومية التي تتأتّى بالخصوص من حصة الجماعات الترابية على الضريبة على القيمة المضافة(40).
ما تقدم من مقتضيات تتعلق بالجانبين القانوني والمالي لن يتجسّد على أرض الواقع إلاّ من خلال أداء الأدوار المنوطة بالفاعلين الترابيين بصفة خاصة، لذلك لا بد من معرفة ما المنصوص عليه قانونيا في هذا الشأن لتصبح تنمية خدمات القرب واقعا ملموسا لدى الساكنة الترابية لكل جماعة على حدة بالمملكة.
المحور الرابع: في أدوار الفاعلين الترابيين لتنمية خدمات القرب
سنركّز في هذا المحور على أدوار ثلاثة فاعلين ترابيين رئيسيين للنهوض بمهام توفير وتطوير وتنمية خدمات القرب التي تشكل الاختصاص الذاتي، الحصري، الموكول قانونيا للجماعة وهم: مجلس الجماعة ورئيسه.، وإدارة الجماعة.، والمواطنين والمواطنات والجمعيات. وذلك مع العلم أن هنالك فاعلين آخرين لهم أهمية بالغة في عملية تنمية خدمات القرب مثل المقاولات الصغرى والمتوسطة. وسيتم إرجاء التطرق إلى الدور الهام قانونيا لفاعل ترابي مركزي وهو عامل الإقليم أو العمالة إلى حينه.
أولا- في أدوار مجلس الجماعة:
تمكّننا القراءة المتمعنة في المادة 92 من القانون التنظيمي ( رقم 113.14) المتعلق بالجماعات من رصد الاهتمام البالغ الذي يوليه المشرع المغربي للقضايا السبع الآتية التي يعتبرها جوهرية على المستوى الترابي لكل جماعة للنهوض بمهام توفير وتطوير خدمات القرب، وبلوغ الغاية المرجوة من لدن الدولة وكل الفاعلين الترابيين وهي تنمية هذه الخدمات. ولذلك جعلها من صلاحيات المجلس الجماعي وعناوينها الكبرى:1- المالية والجبايات والأملاك الجماعية.،2-المرافق والتجهيزات العمومية المحلية.،3- التنمية الاقتصادية والاجتماعية.،4- التعمير والبناء وإعداد التراب.، 5- التدابير الصحية والنظافة وحماية البيئة.، 6- تنظيم الإدارة.،7- التعاون والشراكة.
ويعتبرها المشرع قضايا أي أنها مسائل ومواضيع بالغة الأهمية لأنّ لها دورا أو لنقل ادوارا محورية في عملية تنمية خدمات القرب.
بالنسبة للقضية الأولى التي يتعين على مجلس كل جماعة بالمملكة التداول فيها وعنوانها ” المالية والجبايات والأملاك الجماعية “، تنص المادة 92 من القانون التنظيمي للجماعات (رقم 113.14) على أنّ أول شيء يجب أن يتداول في شأنه مجلس الجماعة هو: الميزانية. وليس صدفة أن يتضمنها البند الأول المنصوص عليه في هذه المادة علاقة بالقضية الأولى المشار إليها أعلاه. كيف ذلك؟
الميزانية، كما يعرّفها القانون التنظيمي للجماعات في المادة 152 منه هي:
” الوثيقة التي يقدّر ويؤذن بموجبها بالنسبة لكل سنة مالية مجموع موارد وتكاليف الجماعة. تقدّم ميزانية الجماعة بشكل صادق بمجموع مواردها وتكاليفها، ويتم تقييم صدقية هذه الموارد والتكاليف بناء على المعطيات المتوفرة أثناء إعدادها والتوقعات التي يمكن أن تنتج عنها “.
ومن مستجدات هذا التعريف للميزانية مقارنة بتعريفها السابق في القانون (رقم 08/ 45) المتعلق بالنظام المالي للجماعات المحلية ومجموعاتها (41) التنصيص على ضرورة صدقية ( sincérité) الموارد والتكاليف التي تتضمنها هذه الوثيقة، وكيفية تقييم هذه الصدقية. وهو ما يعني أنّ بعض الميزانيات الجماعية كانت تتضمن معطيات غير صادقة. والحقيقة أنّ هذه المعطيات كانت مضخّمة (gonflées). وهنا لا بد من الإشارة إلى الدور الكبير الذي قامت، وتقوم به المجالس الجهوية للحسابات ومفتشيات وزارة الداخلية منذ 2009 خاصة، للحدّ من هذه الممارسات والدفع بعجلة الحكامة المالية على المستوى الترابي.
وعلاوة ما تقدم فإن المجلس الجماعي هو الذي له القدرة على تحديد هذه الموارد والتكاليف بحكم قربه من الساكنة الترابية. وهو ما يعني ضرورة الإنصات إلى مطالبها وإعطاء الأهمية لاحتياجاتها الأولية وهي منصوص عليها في هذا القانون التنظيمي بصفة خاصة في المادتين 83 و 87 منه كما رأينا ذلك في المحور الأول من هذا العمل.
ومما يوضح الدور الكبير لميزانية الجماعة في عملية النهوض بمهام توفير وتطوير خدمات القرب، التنصيص في المادة 118 من هذا القانون التنظيمي على أنّ المقرر المتعلق بها واحد من المقررات التي لا يمكن أن تكون قابلة للتنفيذ إلاّ بعد التأشير عليها من قبل عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه وذلك داخل أجل عشرين ( 20) يوما من تاريخ التوصل بها من رئيس المجلس. ويتم هذا التأشير تطبيقا لأحكام الفصل 145 من دستور 2011 والذي من خلاله يعمل الولاة والعمال، باسم الحكومة، على تأمين تطبيق القانون وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها. كما يمارسون المراقبة الإدارية.
كما أن المادة 92 السالفة الذكر تنص في شأن القضية الأولى وهي للتذكير ” المالية والجبايات والأملاك الجماعية ” على أنّ مجلس الجماعة يتداول في الشؤون المحدّدة بها ومنها: فتح الحسابات الخصوصية والميزانيات الملحقة مع مراعاة أحكام المواد 169 و 171 و 172 من هذا القانون التنظيمي.، فتح اعتمادات جديدة والرفع من مبالغ الاعتمادات وتحويل الاعتمادات داخل الفصل نفسه.، الاقتراضات والضمانات الواجب منحها.، تدبير أملاك الجماعة.، اقتناء العقارات (…).
وبالنسبة للقضية الثانية ” المرافق والتجهيزات العمومية “: يتعين على المجلس الجماعي التداول في ثلاثة أمور وهي: *إحداث المرافق العمومية التابعة للجماعة وطرق تدبيرها طبقا للقوانين الجاري بها العمل.، *طرق التدبير المفوض للمرافق العمومية التابعة للجماعة.، *إحداث شركات التنمية المحلية أو المساهمة في رأسمالها أو تغيير غرضها أو الزيادة في رأسمالها أو تخفيضه أو تفويته (42).
وفيما يتعلق بالقضية الثالثة ” التنمية الاقتصادية والاجتماعية “، فإن مجلس الجماعة يتداول في الشؤون التالية التي تمكّن – إذا تم تنفيذها بالشكل المطلوب – من النهوض بمهام توفير وتطوير وتنمية خدمات القرب وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية باعتبارها الغاية المتوخاة بلوغها من لدن كل الفاعلين الترابيين:
– برنامج عمل الجماعة: وهو يشكل الآلية الأساسية التي تمكّن الجماعة من تنزيل المشاريع والبرامج والأعمال والأنشطة المقررة من لدن المجلس الجماعي، والتي يحدد هذا المجلس مواردها.،
– العقود المتعلقة بالاختصاصات المشتركة والمنقولة: والعقود توثق التزامات وحقوق كل طرف. ( الجماعة والدولة في هاتين الحالتين).،
– المقررات التنظيمية في حدود الاختصاصات المخولة حصريا للجماعة.
– توزيع المساعدات والدعم لفائدة الجمعيات.،
– تحديد شروط المحافظة على الملك الغابوي في حدود الاختصاصات المخولة له بموجب القانون.،
القضية الرابعة ” التعمير والبناء وإعداد التراب “:
تنص المادة 92 من القانون التنظيمي للجماعات ( رقم 113.14) في شأن هذه القضية على أن المجلس الجماعي يتداول فيما يتعلق بضوابط البناء الجماعية والأنظمة العامة الجماعية للوقاية الصحية والنظافة العمومية وذلك طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل. كما أنه مطالب قانونيا بإبداء الرأي حول وثائق إعداد التراب ووثائق التعمير طبقا للقوانين ولأنظمة الجاري بها العمل في هذا الشأن. وهنا لا بد من الإشارة إلى أهمية ضبط مقررات المجلس الجماعي والقصد يجب أن تكون دقيقة وواضحة المقاصد، وهو الدور المطلوب قانونيا من كاتب المجلس أو نائبه في حالة غيابه. وحسب المادة ذاتها ( المادة 92) فإن المجلس الجماعي يتداول كذلك فيما يتعلق بتسمية الساحات والطرق العمومية (43).
القضية الخامسة ” التدابير الصحية والنظافة وحماية البيئة”:
وفي هذا الشأن يتداول المجلس الجماعي في أمرين: * اتخاذ التدابير اللازمة لمحاربة عوامل انتشار الأمراض.، و* إحداث وتنظيم المكاتب الجماعية لحفظ الصحة ( BMH).
القضية السادسة ” تنظيم الإدارة “:
قبل إصدار القانون التنظيمي( رقم 113.14) المتعلق بالجماعات، لم تكن خدمات القرب التي كانت تقدمها أغلب الجماعات لساكنتها الترابية تتجاوز حدود الخدمات التقليدية: الوثائق الإدارية.، رخص البناء والماء.، شهادات إبراء الدمة التي تسلّمها مصلحة المداخيل( كما كانت تسمى)، إلخ. ومن بين أسباب ذلك ( حسب التجربة الميدانية) عدم توفر العديد من الجماعات خاصة في العالم القروي على هياكل تنظيمية عملية. وفي حالة توفرها عند بعض الجماعات لم يكن تحديد اختصاصات الموارد البشرية واضحا حيث تتداخل الوظائف مما يؤثر سلبا على أداء الجماعات المعنية فيما يتعلق بخدمات القرب. وهو ما أثبتته المحاضر المعدّة من طرف المجالس الجهوية للحسابات بصفة خاصة ما بين 2009 و2015 سنة إصدار القانون التنظيمي الجديد (113.14) المتعلق بالجماعات. ولم يتم تطبيق توصيات هذه المجالس بالشكل المطلوب في العديد من الجماعات للاعتبارات التالية: ندرة الكفاءات المتخصصة في شؤون التدبير الجماعي المحلي، وكثرة الموظفين الذين لا يتوفرون على أدنى مستوى دراسي يمكّنهم من استيعاب ضوابط العمل في إدارة الجماعة الجديدة التي أصبح من المفروض أن تعيش تطورات عصرها. وفي بعض الحالات لعدم إعطاء الاهتمام لهذه التوصيات من لدن بعض الرؤساء الجماعيين.
ولإيجاد مخرج لإدارة الجماعة وجعلها أحد الفاعلين الترابيين الرئيسيين في عملية تنمية خدمات القرب ( كما سنرى ذلك في حينه)، نص القانون التنظيمي الجديد المتعلق بالجماعات في المادة 92 منه على مقتضيين/ مستجدين يشكلان القضية السادسة المنصوص عليها في هذه المادة بعنوان ” تنظيم الإدارة “: * تنظيم إدارة الجماعة.، * وتحديد اختصاصات الجماعة. وخلافا لما سبق، فقد جعلهما المشرّع من صلاحيات مجلس الجماعة حيث يتعين عليه أن يفصل فيهما من خلال التداول طبقا لأحكام المادة 92 ذاتها.
القضية السابعة ” التعاون والشراكة”:
تنص المادة 92 من القانون التنظيمي(رقم 113.14) المرجعي والإرشادي بالنسبة للجماعات على أن مجلس الجماعة يفصل بمداولاته في القضايا السبع التي حدّدتها، ومنها القضية السابعة التي نباشرها اللحظة ” التعاون والشراكة ” لتنمية خدمات القرب التي يحتاجها المواطنون والمواطنات بشكل يومي ومستمر بترابهم. وبشكل خاص خدمات القرب ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي.
وفي هذا الصدد، لتطوير وتنمية خدمات القرب، تنص هذه المادة على أنّ المجلس الجماعي يفصل بمداولاته فيما يلي: *المساهمة في إحداث مجموعات الجماعات الترابية ومؤسسات التعاون بين الجماعات أو الانضمام إليها أو الانسحاب منها.، * اتفاقيات التعاون والشراكة مع القطاع العام أو القطاع الخاص.، *الانخراط أو المشاركة في أنشطة المنظمات المهتمة بالشؤون المحلية.، * كل أشكال التبادل مع الجماعات الترابية الأجنبية ، بعد موافقة والي الجهة، وضرورة احترام الالتزامات الدولية للمملكة.
ونستشف مما تقدم أنّ القانون التنظيمي (رقم 113.14) ينص على العديد من المقتضيات التي تتعلق بالجانبين القانوني والمالي لتمكين الجماعات من النهوض بمهام توفير وتطوير وتنمية خدمات القرب لأنها جزء لا يتجزأ من عملية التنمية الترابية الشاملة. والشرط الأول احترام القوانين المعمول بها في هذا الشأن على المستوى الوطني ومنها القانون التنظيمي ( رقم 113.14) المتعلق بالجماعات، والشرط الثاني احترم الالتزامات الدولية للمملكة المغربية.
وحسب المادة 93 من القانون التنظيمي للجماعات، تقوم السلطات العمومية باستشارة مجلس الجماعة في السياسات القطاعية التي تهم الجماعة وكذا التجهيزات والمشاريع الكبرى التي تخطّط الدولة لإنجازها فوق تراب الجماعة، وخاصة عندما تكون هذه الاستشارة منصوص عليها في نص تشريعي أو تنظيمي خاص. وهنا يتضح وجه آخر من أوجه الدور التنسيقي المنوط بالسلطات العمومية. والتنسيق عنصر من عناصر التدبير الجيد على المستوى الترابي.
وماذا عن أدوار رئيس المجلس الجماعي وإدارة الجماعة؟
ثانيا – في أدوار رئيس المجلس الجماعي وإدارة الجماعة:
بداية، إذا كان القانون التنظيمي ( رقم 113.14) المتعلق بالجماعات قد أفرد الباب الثاني من القسم الثالث من هذا القانون التنظيمي لصلاحيات رئيس المجلس ومنها يستمد الأدوار المنوطة به قانونيا للنهوض بمهام توفير وتطوير وتنمية خدمات القرب ، وخصص الباب الأول من القسم الرابع منه لإدارة الجماعة – وهو يتضمن المواد من 126 إلى 129- فعلى مستوى الممارسة الميدانية لا يمكن الفصل بين الأدوار الإدارية لرئيس الجماعة وإدارتها لأنها أدوار متكاملة، بدليل أن الجماعة التي لا تكون فيها عملية التواصل الداخلي ناجحة بين الرئيس وأقسام ومصالح الإدارة وخاصة منها مديرية المصالح أو المديرية العامة للمصالح، تكون إدارتها متأخرة في تنفيذ عملية تنمية خدمات القرب، وتعرف هذه الجماعة مشاكل متعددة منها احتجاجات الساكنة الترابية على أدائها. وهو ما يدعو إلى تقديم بعض التوضيحات المستوحاة من التجربة الميدانية:
– إذا كان رئيس المجلس الجماعي ينفّذ بقوة القانون مقررات هذا المجلس، فإن إدارة الجماعة تنفّذ بقوة القانون كذلك قرارات الرئيس.
– لا تصبح المقتضيات القانونية المتعلقة بالشرطة الإدارية والتعمير والصحة والبناء وغيرها مما سنرى في السطور الآتية ملموسة على أرض الواقع إلاّ من خلال تنفيذ أقسام ومصالح إدارة الجماعة لقرارات الرئيس والرخص التي يصدرها والتدابير التي يتخذها لتنمية خدمات القرب (…).
– وكما سنرى تقوم مديرية المصالح بدور ” الوسيط الإداري ” بين الرئيس والأقسام والمصالح المكونة لإدارة الجماعة. ويمكنها أن تقوم بأدوار هامة في عملية تنمية خدمات القرب إذا توفرت فيها ولها مجموعة من الشروط.
وسنلامس فيما يأتي أدوار الرئيس والإدارة كوحدة لا يمكن تجزيئها فيما يتعلق بخدمات القرب، ماعدا الدور السياسي للرئيس ومجلسه الذي يخضع لضوابط أخرى لا تهم إدارة الجماعة.
بناء على المادة 94 من القانون التنظيمي (رقم 113.14) المتعلق بالجماعات، فإن رئيس المجلس الجماعي يقوم بتنفيذ مداولات المجلس ومقرراته، التي هي في واقع الأمر المشاريع والبرامج والأعمال والأنشطة التي ستمكن الجماعة من تطوير وتنمية خدمات القرب لتصبح ملموسة لدى الساكنة الترابية للجماعة. ومن التدابير التي يتخذها لبلوغ هذا الهدف:
– يقوم بتنفيذ ” برنامج عمل الجماعة ” الذي هو الوثيقة المرجعية الأساسية في عملية تنمية خدمات القرب، حيث يتضمن جميع المشاريع التنموية المحلية التي تجسد ميدانيا مقررات المجلس بعد استيفاء الشروط القانونية. وهو آلية رقابية معتمدة من طرف المؤسسات الدستورية المكلفة بالمراقبة الإدارية والمالية والمحاسبية. ثم أنه يشكل أداة لقياس مدى تقدم عملية تنمية خدمات القرب أو تأخرها بالنسبة لكل جماعة على حدة.
– يقوم بتنفيذ ميزانية الجماعة. والأمر هنا يتعلق بالميزانية العامة المحلية وقد أصبح دورها أكثر ارتباطا بموضوع التنمية المحلية. ولذلك فإنه يلزم أن يستحضر كل تعريف للميزانية العامة المحلية، الترابط الموضوعي للمستويات والجوانب القانونية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية بوثيقة الميزانية المحلية (44).
– يقوم بإبرام وتنفيذ العقود المتعلقة بالقروض، في حدود ما يقرره المجلس الجماعي.
– يباشر أعمال الكراء والبيع والاقتناء والمبادلة وكل معاملة تهم ملك الجماعة.
– يبرم اتفاقيات التعاون والشراكة والتوأمة طبقا لمقتضيات المادة 86 من هذا القانون التنظيمي.
هذه الأعمال التنفيذية وغيرها مما يقوم به رئيس الجماعة طبقا لما ينص عليه القانون التنظيمي المرجعي بالنسبة للجماعات والقوانين الجاري بها العمل واحتراما للالتزامات الدولية للمملكة المغربية، كلّها وغيرها مما تنص عليه المادة 94 تصب في الاتجاه الذي يمكّن الجماعة من القيام بالدور المنوط بها من خلال المادة 77 من هذا القانون التنظيمي وهو: مهام تقديم وتوفير وتطوير وتنمية خدمات القرب التي تحتاجها الساكنة الترابية لكل جماعة بالمملكة.
ونستشف من المادتين 98 و 99 أنّ المشرع يهدف إلى ضبط عملية تنمية خدمات القرب وإنجاحها حيث تنص المادة 98 على أن رئيس الجماعة هو من يتولى: إعداد ” برنامج عمل الجماعة ” طبقا لمقتضيات المادة 78 من هذا القانون التنظيمي. وهو من يتولى إعداد ميزانية الجماعة. وهو الذي يقوم بإبرام صفقات الأشغال أو التوريدات أو الخدمات. وتنص المادة 99 على أن رئيس المجلس الجماعي أو من يفوض إليه ذلك، يصادق ( approuve) على صفقات الأشغال أو التوريدات أو الخدمات وهي مقتضيات متقدمة مقارنة بما سبقها قبل يوليوز 2015.
ويتجلى الدور الكبير المسند لرئيس المجلس الجماعي للنهوض بمهام توفير وتطوير وتنمية خدمات القرب من خلال القراءة المتمعنة في المادة 100 من القانون التنظيمي ( رقم 113.14) المتعلق بالجماعات. وأوضح كذلك كالتالي:
بداية دعنا نستحضر قاعدة أساسية وهي أن القانون التنظيمي للجماعات مثل القانونين التنظيميين المتعلقين بالجهات والعمالات والأقاليم (ومثل باقي القوانين)، يجب أن يقرأ كلية وليس مجزأ نظرا لترابط المقتضيات التي ينص عليها. ويتضح ذلك من خلال القراءة المتمعنة في المادة 100 التي تحدّد الصلاحيات المسندة إلى رئيس المجلس الجماعي في الميادين المتعلقة بالشرطة الإدارية. فهذه المادة تفرض استحضار مجموعة من المواد ومنها بصفة خاصة، المادة 77 المؤطرة لاختصاصات الجماعة الذاتية والمشتركة مع الدولة والمنقولة إليها من هذه الأخيرة. والقصد استحضار أن الاختصاص الحصري المنوط قانونيا بالجماعات هو: مهام تقديم خدمات القرب وتطويرها وتنميتها، للتمكّن من الاستجابة للطلبات والاحتياجات اليومية للساكنة الترابية لكل جماعة بالمملكة. واستحضار المادة 83 التي تبيّن الميادين والمرافق والتجهيزات العمومية المتعلقة بخدمات القرب. وكذا المادة 87 التي تبيّن المجالات والأعمال التي تساهم في إنجازها الجماعة للنهوض بمهام تنمية خدمات القرب. وبهذا الصدد، تم الاقتصار فيما يلي على بعض صلاحيات الرئيس للمساهمة ولو باليسير في توضيح العلاقة بين المقتضيات المنصوص عليها في هذا القانون التنظيمي وخاصة منها ما هو منصوص عليه في المواد 77 و 83 و 87 وبين المادة 100:
تنص المادة 100 على أنه مع مراعاة أحكام المادة 110 من هذا القانون التنظيمي (45)، يمارس رئيس مجلس الجماعة صلاحيات الشرطة الإدارية في ميادين الوقاية الصحية والنظافة والسكينة العمومية وسلامة المرور، وذلك عن طريق اتخاذ قرارات تنظيمية وبواسطة تدابير شرطة فردية تتمثل في الإذن أو المنع أو الأمر، ويضطلع على الخصوص بالصلاحيات المنصوص عليها في هذه المادة. ومن بين هذه الصلاحيات:
*السهر على احترام شروط نظافة المساكن والطرق وتطهير قنوات الصرف الصحي وزجر إيداع النفايات بالوسط السكني والتخلص منها. وذلك من خلال التدابير التي يراها الرئيس مناسبة لتوفير وتطوير وتنمية خدمات القرب اللازم توفيرها للساكنة الترابية للجماعة التي يرأسها تطبيقا لما تنص عليه المادة 100 في الفقرة الأولى منها من أمر ونهي ومنع.
وعلاقة بهذه الصلاحية، نستحضر المادة 83 التي تنص على أن الجماعة ملزمة بإحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية اللازمة لتقديم خدمات القرب المتعلقة بميادين: تنظيف الطرقات والساحات العمومية وجمع النفايات المنزلية والمشابهة لها ونقلها إلى المطارح ومعالجتها وتثمينها.، والتطهير السائل والصلب ومعالجة المياه العادمة (…).
*تنظيم السير والجولان والوقوف بالطرق العمومية والمحافظة على سلامة المرور بها. وكذا، اتخاذ التدابير الرامية إلى ضمان سلامة المرور في الطرق العمومية (…).
وهنا نستحضر مرة أخرى المادة 83 التي تنص على أن الجماعة ملزمة بإحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية اللازمة لتقديم خدمات القرب في ميدان: السير والجولان وتشوير الطرق العمومية ووقوف العربات.
*المساهمة في مراقبة جودة المواد الغذائية والمشروبات والتوابل المعروضة للبيع أو للاستهلاك العمومي.
وهنا نستحضر أن المادة 83 تنص على ضرورة قيام الجماعة بما يلزم من إحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية لتقديم وتوفير وتطوير وتنمية خدمات القرب في ميدان: حفظ الصحة.
*المساهمة في المحافظة على المواقع الطبيعية والتراث التاريخي والثقافي وحمايتها وذلك باتخاذ التدابير اللازمة لهذه الغاية طبقا للقوانين الجاري بها العمل.
وهي صلاحية تدعونا إلى استحضار المادة 87 التي تنص على أن الجماعة تمارس الاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة في المجالات المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة ومنها: مجال المحافظة على خصوصيات التراث الثقافي المحلي وتنميته. وندرك أهمية هذا المجال فيما يتعلق ليس فحسب بموارد الجماعة منه ولكن الخدمات التي يقدمها إلى الساكنة الترابية للجماعة المعنية حيث تتنمى مداخيل الأسر، وتحدّ ولو نسبيا من الهجرة إلى المدن والمناطق الحضرية..
وحسب المادة 107 يتولى رئيس المجلس الجماعي تلقائيا العمل على تنفيذ جميع التدابير الرامية إلى ضمان سلامة المرور والسكينة والمحافظة على الصحة العمومية، وذلك على نفقة المعنيين بإنجازها أو الذين أخلوا بذلك. وتنص المادة 108 على أنه يجوز للرئيس أن يطلب، عند الاقتضاء، من عامل العمالة أو الإقليم أو من يمثله، العمل على استخدام القوة العمومية طبقا للتشريع المعمول به، قصد ضمان احترام قراراته ومقررات المجلس.
وخلاصة القول، تمكّن القراءة المتمعنة في صلاحيات رئيس المجلس الجماعي في المادة 100 بالخصوص، من إدراك الأهمية الكبرى التي يوليها المشرع لصلاحيات رئيس المجلس في مجال الشرطة الإدارية لتوفير وتقديم خدمات القرب وتطويرها وتنميتها للتمكن من الاستجابة للطلبات المتزايدة للساكنة الترابية للجماعة من جهة. والقيام بدور فعّال في عملية التنمية المحلية والترابية التي هي عملية مشتركة بين الجماعات الترابية من خلال التطبيق الفعلي لما تنص عليه القوانين التنظيمية الثلاثة للجماعات الترابية ومنها القانون التنظيمي ( رقم 113.14).
وفيما يتعلق بخدمات القرب في ميدان التعمير تنص المادة 101 على منح رخص البناء والتجزئة والتقسيم وإحداث مجموعات سكنية. ويمنح الرئيس رخص السكن وشهادات المطابقة طبقا للنصوص الجاري بها العمل (46).
وحسب المادة 102 فإن رئيس المجلس الجماعي يعد ضابطا للحالة المدنية. ويمكنه تفويض هذه المهمة إلى النواب كما يمكنه تفويضها أيضا للموظفين الجماعيين طبقا لأحكام القانون المتعلق بالحالة المدنية. وقد أصبحت الرقمنة آلية تفرض اليوم اعتمادها لتوفير خدمات القرب اللازمة في هذا الباب. وحسب هذه المادة كذلك، يمكن للرئيس تفويض هذه المهام إلى النواب وإلى المدير العام أو المدير، حسب الحالة، ورؤساء الأقسام والمصالح بإدارة الجماعة.
ولكي لا تعرف خدمات القرب المقدمة للمواطنين والمواطنات تأخيرا، فإنّه يمكن لرئيس المجلس تفويض بعض مهامه وبعض صلاحياته لنوابه وللمدير العام وللمدير ولرؤساء الأقسام ومصالح إدارة الجماعة، شريطة احترام المقتضيات التي ينص عليها القانون التنظيمي للجماعات وباقي القوانين الجاري بها العمل بهذا الصدد (47).
إذا كان لرئيس المجلس الجماعي ومكتبه هذا الدور الكبير في النهوض بمهام توفير وتطوير خدمات القرب لبلوغ الغاية المرجوة وهي تنميتها بما لهذا المصطلح من حمولة علمية، فإن لإدارة الجماعة دور هام في عملية تطوير وتنمية خدمات القرب وقد اتضح بعضها فيما تقدم خاصة فيما يتعلق بتفويض الإمضاء/ التوقيع، وسأضيف إلى ذلك ما يأتي.
أفرد القانون التنظيمي للجماعات الباب الأول من القسم الرابع منه لإدارة الجماعة، وهو يتضمن المواد من 126 إلى 129. ونستشف من خلال القراءة المتمعنة في هذا الباب ضرورة استحضار المادة 92 السابقة الذكر والتي تنص على أن المجلس الجماعي يتداول في قضية ” تنظيم الإدارة “. ويعني ذلك التداول في أمرين: تنظيم إدارة الجماعة.، وتحديد اختصاصات إدارة الجماعة.
ونستشف من خلال القراءة المتمعنة في المواد المشار إليها أعلاه من 126 إلى 128 أن المشرع يهدف من خلال التنصيص على مقتضياتها إلى ضبط عملية تنمية خدمات القرب المتعلقة بكل الميادين والمجالات المحددة سالفا وخاصة منها ما هو منصوص عليه في المادتين 83 و87، حيث تنص المادة 126 على أن الجماعة تتوفر على إدارة يحدّد تنظيمها واختصاصاتها بقرار لرئيس المجلس يتخذ بعد مداولة المجلس، مع مراعاة مقتضيات البند الثالث من المادة 118 من هذا القانون التنظيمي ومضمونه: أنّ مقرر المجلس الجماعي القاضي بتنظيم إدارة الجماعة وتحديد اختصاصاتها لا يمكن أن يكون قابلا للتنفيذ إلاّ بعد التأشير عليه من لدن عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه داخل أجل عشرين ( 20) يوما احتسابا من تاريخ التوصل به من لدن رئيس المجلس الجماعي.
وحسب الفقرة الثانية من المادة 126 المشار إليها أعلاه، تتألف وجوبا هذه الإدارة من مديرية المصالح. وتتوفر الجماعات التي تدخل ضمن اللائحة المحددة بالمرسوم الصادر في هذا الشأن باقتراح من السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية على مديريات عامة للمصالح. وتتضح الأدوار التكاملية لرئيس المجلس الجماعي ومدير المصالح أو المدير العام للمصالح من خلال المادة 128 التي تنص على أن المدير أو المدير العام، يساعد، حسب الحالة، رئيس المجلس في ممارسة صلاحياته ويتولى تحت مسؤولية الرئيس ومراقبته، الإشراف على إدارة الجماعة، وتنسيق العمل الإداري بمصالحها والسهر على حسن سيره. ويقدم تقارير لرئيس المجلس كلما طلب منه ذلك.
ومما نفهمه من التنصيص القانوني على هذه المقتضيات هو أن الدور الكبير لمديرية المصالح أو المديرية العامة هو ضمان استمرارية الإدارة وتجويد تدبيرها، لأن خدمات القرب التي يجب توفيرها للساكنة الترابية لكل جماعة بالمملكة، لا تقبل التأجيل.
علاوة على ما تقدم من أدوار الرئيس ومجلسه وإدارة الجماعة لتنمية خدمات القرب، هنالك أدوار المواطنات والمواطنين وجمعيات المجتمع المدني لبلوغ الغاية نفسها.
ثالثا – في أدوار المواطنات والمواطنين والجمعيات:
أفرد القانون (رقم 113.14) المنظم لشؤون الجماعات الباب الخامس منه لما أسماه بالآليات التشاركية للحوار والتشاور التي تمكّن المواطنات والمواطنين من التشارك في عملية تنمية الخدمات على المستوى الترابي لكل جماعة. ولأنّ المقتضيات المنصوص عليها في هذا الباب، تستند إلى الدستور الجديد للمملكة باعتباره أسمى قانون في البلاد، يبدو أنه لا بأس من أن نطلع على هذه المقتضيات الدستورية قبل التطرق إلى آليات التنزيل المنصوص عليها في القانون التنظيمي للجماعات.
نستشف من القراءة المدقّقة في الفصل 13 من دستور 2011 التأكيد على الدور الأساسي للفاعلين الاجتماعيين الترابيين ومنهم الجمعيات وذلك من خلال إشراكهم في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها. كما أن الفصل 136 من الدستور المغربي ينص على تأمين مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة.
وينص الفصل 139 من الدستور بلغة قانونية صريحة على أن تضع مجالس الجماعات، مثل باقي مجالس الجماعات الترابية الأخرى، آليات تشاركية للحوار والتشاور ليتمكّن المواطنون والمواطنات والجمعيات من المشاركة الفعّالة في إعداد برامج التنمية وتتبعها ومنها برامج عمل الجماعات.
والقصد بالمشاركة الفعّالة للمواطنين والمواطنات ” التشارك ” (على وزن التفاعل) الذي هو مصطلح يحيل إلى وجود عدة أطراف متدخّلة من أهمها في حالة الجماعات الساكنة الترابية لكل وحدة ترابية منها، تشاركَها في عملية تنمية خدمات القرب والتنمية المحلية بصفة عامة. والتشارك في أحد معانيه المبسّطة هو مجموعة من العمليات لتحقيق أهداف محدّدة تم التشاور والحوار والتفاوض بشأنها من لدن الأطراف المعنية، وذلك بغية تحقيق التنمية وتقسيم المسؤوليات بين هذه الأطراف.
ولأنّ هذه المقتضيات الدستورية لا بدّ من تنزيلها على أرض الواقع فقد نص القانون على مجموعة من الآليات، سنركز في السطور الآتية على آليتين منها في غاية من الأهمية: الهيئة المكلفة بالمساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع.، والعرائض التي يقدمها المواطنون والمواطنات والجمعيات.
1- الهيئة المكلفة بالمساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع:
طبقا لأحكام المادة 120 من القانون المنظّم لشؤون الجماعات (رقم 113.14) تحدث لدى مجلس كل جماعة بتراب المملكة المغربية هيئة استشارية بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني تختص بدراسة القضايا المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع تسمى ” هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع”. ويحدّد النظام الداخلي للمجلس كيفيات تأليف هذه الهيئة وتسييرها.
تعدّ هذه الهيئة من أهم الفاعلين المعنيين ببرنامج عمل الجماعة الذي يحدد – لمدة ست سنوات – الأعمال التنموية المقرر برمجتها أو إنجازها بتراب كل جماعة بغية تحقيق تنمية خدمات القرب أساسا باعتبارها الاختصاص الحصري الموكول قانونيا للجماعة ( المادة 77). ولذلك تتمثل أدوار هذه الهيئة في التشاور مع الساكنة وكل الفاعلين الترابيين وغيرهم إذا اقتضى الأمر ذلك. كما ينتظر منها القيام بدور المرافعة من أجل الأخذ الفعلي بعين الاعتبار المساواة بين الجنسين في جميع مراحل إعداد برنامج عمل الجماعة. وتشارك هذه الهيئة في جميع الورشات الموضوعاتية التي تتعلق بهذا البرنامج نظرا لطابعها الأفقي.
ولماذا التركيز على دور هذه الهيئة في برنامج تنمية كل جماعة؟
أولا، لأن الدستور ينص في فصله 19 على المساواة بين الرجل والمرأة والتكافؤ بينهما حيث جاء فيه: ” يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية (…). تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ التكافؤ بين الرجال والنساء. وتحدث لهذه الغاية، هيئة للتكافؤ ومكافحة كل أشكال التمييز”.
ولا شك أنّ بعض الممارسين في الجماعات خاصة يستحضرون التأخر الكبير الذي حصل – في بداية تطبيق القانون التنظيمي للجماعات (2015/2016) – فيما يتعلق بتطبيق دورية السيد وزير الداخلية التي دعا من خلالها مجالس الجماعات إلى إحداث هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع، حيث تماطلت بعض مجالس الجماعات ” ذات العقلية الذكورية ” في إدراج هذه النقطة في جدول أعمالها. وقد توصلت بعدة تذكيرات وزارية في هذا الشأن لأن الأمر يتعلق بمقتضى دستوري.
وثانيا، لأن حضور النساء ضمن فعاليات هذه الهيئة وقت إعداد ” برنامج عمل الجماعة ” هو الضامن الوحيد للحيلولة دون هضم حقوقهن في الصحة والتربية والتعليم والتكوين المهني والأنشطة المدرة للدخل، إلخ. والشرط أن يكون حضورهن وازنا بل أن تكون لهن القدرة على المرافعة على حقوقهن والنقط المقترحة من لدنهن أثناء دورات المجلس.
وهناك الآلية الثانية ” العرائض” وهي ذات أهمية كبرى، لكن للأسف مازال تفعيلها ضعيفا.
2- تقديم العرائض من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات:
بداية، ما المقصود بالعرائض؟
حسب المادة 122 من القانون المنظّم لشؤون الجماعات، يراد بالعريضة كل محرّر يطالب بموجبه المواطنات والمواطنون والجمعيات مجلس الجماعة بإدراج نقطة تدخل في صلاحياته ضمن جدول أعماله. ونستشف من القراءة المتمعنة في الفقرة الثانية من هذه المادة أن هذا القانون يدعو المواطنين والمواطنات إلى تعيين وكيل عنهم للتمكّن من تحقيق النتائج المرجوة من لدنهم، حيث تنص (هذه الفقرة) على ما يلي: ” الوكيل: المواطنة أو المواطن الذي يعيّنه المواطنات والمواطنين وكيلا عنهم لتتبع مسطرة تقديم العريضة “.
وماهي شروط تقديم العرائض وكيفيات تقديمها؟
تتضح شروط تقديم العرائض من لدن المواطنات والمواطنين والجمعيات وكيفيات إيداعها من خلال القراءة المتمعنة في المواد من 123 إلى 125من القانون التنظيمي ( رقم 113.14) المتعلق بالجماعات. وسنحاول ملامسة ذلك في ما يأتي من سطور.
تنص المادة 123 على ضرورة استيفاء أربعة شروط من لدن مقدّمي العريضة من المواطنين والمواطنات وهي التالية: 1- أن يكون المواطنون والمواطنات من ساكنة الجماعة المعنية أو يكونوا ممارسين بها لنشاط اقتصادي أو تجاري أو مهني. 2- أن تتوفر فيهم شروط التسجيل في اللوائح الانتخابية العامة. 3- أن تكون لهم مصلحة مباشرة مشتركة في تقديم العريضة. 4- أن لا يقل عدد الموقعين منهم على مائة “100 ” مواطن أو مواطنة فيما يخص الجماعات التي يقل عدد سكانها عن 35000 نسمة و 200 مواطنة أو مواطن بالنسبة لغيرها من الجماعات، غير أنه يجب أن لا يقل عدد الموقعين عن 400 مواطنة أو مواطن بالنسبة للجماعات ذات نظام المقاطعات.
أما فيما يتعلق بالجمعيات، فإن المادة 124 تنص على وجوب استيفاء كل عريضة على الشروط الأربعة التالية: 1- أن تكون الجمعية معترفا بها ومؤسسة بالمغرب طبقا للتشريع الجاري به العمل لمدة تزيد عن ثلاث (3) سنوات، وتعمل طبقا للمبادئ الديمقراطية ولأنظمتها الأساسية. 2- أن تكون في وضعية سليمة إزاء القوانين والأنظمة الجاري بها العمل. 3- أن يكون مقرها أو أحد فروعها واقعا بتراب الجماعة المعنية بالعريضة. 4- أن يكون نشاطها مرتبطا بموضوع العريضة.
وتوضح المادة 125 من القانون ذاته، كيفيات إيداع العرائض. وهي تنص في هذا الإطار على أن تودع العرائض لدى رئيس مجلس الجماعة مرفقة بالوثائق المثبتة للشروط السابق ذكرها في ما تقدم من سطور (4+4) مقابل وصل يسلم فورا للوكيل المعيّن من لدن المواطنين والمواطنات لتتبع مسطرة تقديم العريضة أو الممثل القانوني للجمعية المعنية بالعريضة.
تحال بعد ذلك العريضة من قبل رئيس المجلس إلى مكتب المجلس الذي يتحقق من استيفائها للشروط المنصوص عليها قانونيا، الشروط الأربعة السالفة الذكر بالنسبة للعرائض المقدمة من لدن المواطنات والمواطنين والشروط الأربعة الموالية السابق ذكرها بالنسبة للعرائض التي تقدمها الجمعيات.
ويسفر تحقّق مكتب المجلس إما عن القبول أو الرفض. وبناء عليه، ففي حالة قبول العريضة، فإنه يتم تسجيلها في جدول أعمال المجلس في الدورة العادية الموالية. وتحال إلى اللجنة أو اللجان الدائمة المختصة لدراستها قبل عرضها على المجلس للتداول في شأنها. ويخبر رئيس المجلس الوكيل أو الممثل القانوني للجمعية، حسب الحالة، بقبول العريضة.
وفي حالة عدم قبول العريضة من قبل مكتب المجلس، يجب على الرئيس تبليغ الوكيل أو الممثل القانوني للجمعية، حسب الحالة، بقرار الرفض معللا داخل أجل ثلاثة (3) أشهر ابتداء من تاريخ توصله بالعريضة. وهنا، يستحضر الممارسون والباحثون والطلبة القاعدة القانونية القاضية بضرورة تعليل قرارات الرفض.
إنّ غاية المشرع كما سبقت الإشارة في عدة مناسبات هي توفير الأسس أو لنقل الأرضية القانونية الصلبة لتنمية خدمات القرب لأنها تشكل بعدا من أبعاد التنمية المحلية الشاملة على المستوى الترابي لكل جماعة بالمملكة. وإذا كان التدبير الجيد للشأن المحلي هو المدخل الحقيقي للحكامة المحلية الجيدة، فإن المراقبة عنصر أساسي من عناصر هذه الأخيرة. ومن تم دعنا نتساءل أية مقتضيات قانونية ينص عليه القانون (رقم 113.14) المتعلق بالجماعات في هذا السياق؟ ذلك ما سنلامسه في المحور الموالي.
المحور الرابع: في أدوار المؤسسات المكلفة بالمراقبة الإدارية والمالية والمحاسباتية
في هذا المحور سنلامس أدوار عامل العمالة أو الإقليم ، وأدوار المجالس الجهوية للحسابات وباقي الهيئات الدستورية.
أولا – في أدوار مؤسسة العامل:
تنفيذا لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 145 من دستور 2011، تنص المادة 115 من القانون التنظيمي للجماعات (رقم 113.14) على أن عامل العمالة أو الإقليم يمارس مهام المراقبة الإدارية على شرعية قرارات رئيس المجلس ومقررات مجلس الجماعة. وبما أن عملية تنمية خدمات القرب والتنمية المحلية بصفة عامة لا تستحمل التأخير لأن حاجيات الساكنة الترابية لكل جماعة بالمملكة كثيرة ومتجددة في الزمان والمكان، فإن المادة 115 المشار إليها أعلاه تنص كذلك على أن البث في كل نزاع في هذا الشأن مخول للمحكمة الإدارية وهو تحول كبير في تدبير الشأن العام المحلي، وواحد من المستجدات الإيجابية التي يتضمنها القانون التنظيمي(رقم 113.14) المتعلق بالجماعات (وكذلك القانونين التنظيميين للجهات والعمالات والأقاليم) (48).
وبما أن العامل مطالب بتنفيذ مقتضيات الفصل 145 من الدستور، ومنها: العمل باسم الحكومة على تأمين تطبيق القانون فإنه يعمل على تنبيه الرئيس أو المجلس المعني كتابة في حالة التوصل بقرار ما للرئيس أو مقرر ما للمجلس لا يدخل في نطاق صلاحياتهما المنصوص عليها في القسم الثالث من القانون (رقم 113.14) المنظم لشؤون الجماعات. وهنا نتصور حالتان على المستوى التطبيقي:
الحالة الأولى: استجابة الرئيس لما هو مطلوب كتابة من لدن العامل تطبيقا للقانون: سيقوم آنذاك المجلس بإعادة تدارس النقطة أو النقط التي تبيّن أن المقرر أو المقررات التي اتخذها المجلس بشأنها غير قانونية. وسيصدر المجلس مقررا جديدا مطابقا لروح القانون وطبقا لما جاء من ملاحظات وتوجيهات قانونية في كتاب عامل العمالة أو الإقليم. وسيقوم الرئيس بإرسال المقرر الجديد للعامل للتأكد حينه من تصحيح أو تعديل أو تغيير المقرر أو المقررات. ولا يصبح أي مقرر يدخل ضمن المقررات المنصوص عليها في المادة 118 من القانون المرجعي (رقم 113.14) قابلا للتنفيذ إلا بعد التأشير عليه في الأجل المحدد قانونيا وهو كما سبق الذكر عشرون (20) يوما احتسابا من تاريخ التوصل به من لدن رئيس مجلس الجماعة. ويعد عدم التأشير عليه بعد انقضاء المدة المحددة قانونيا بمثابة تأشيرة.
الحالة الثانية: عدم استجابة الرئيس والمجلس لما هو مطلوب قانونيا بعد التنبيه العاملي لذلك كتابة. في هذا الحالة، يحيل العامل أمر بطلان المقرر أو المقررات التي لا تدخل في نطاق صلاحيات المجلس أو رئيسه أو المتخذة خرقا لأحكام القانون التنظيمي للجماعات (رقم 113.14) أو خرقا للنصوص والتشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، (يحيلها) إلى المحكمة الإدارية. وتبث هذه المؤسسة القضائية في طلب البطلان في كل وقت وحين أحيل عليها من قبل عامل العمالة أو الإقليم، طبقا لمقتضيات المادة 115 من هذا القانون التنظيمي.
وتجدر الإشارة إلى التذكير بأن القانون التنظيمي ( رقم 113.14) المتعلق بالجماعات واضح فيما يتعلق بمقررات المجلس التي لا يمكن تنفيذها إلا بعد التأشير عليها من لدن عامل العمالة أو الإقليم ومن أهمها: المقرر المتعلق ببرنامج عمل الجماعة.، والمقرر المتعلق بالميزانية.، والمقررات ذات الوقع المالي على النفقات والمداخيل.، والمقرر المتعلق باتفاقيات التعاون اللامركزي والتوأمة التي تبرمها الجماعة مع الجماعات المحلية الأجنبية.
وطبقا للفقرة الأخيرة من المادة 118 من القانون التنظيمي (رقم 113.14) فإن عدم اتخاذ أي مقرر من لدن العامل في شأن هذه المقررات (وغيرها المنصوص عليه في المادة ذاتها) يعدّ بمثابة تأشيرة بشأنها عند انصرام الأجل القانوني المحدد وهو عشرون (20) يوما وذلك احتسابا من تاريخ التوصل به من لدن رئيس مجلس الجماعة.
وتنص المادة ذاتها على أن المقررات المتعلقة بالتدبير المفوض للمرافق والمنشآت العمومية الجماعية وبإحداث شركات التنمية المحلية، يتم التأشير عليها من لدن السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية داخل الأجل نفسه المشار إليه في الفقرة الأولى من المادة أعلاه أي المادة 118. والقصد داخل أجل عشرين (20) يوما من تاريخ التوصل به من لدن رئيس مجلس الجماعة المعنية بها.
ثانيا-في أدوار الهيئات المكلفة بالمراقبة الإدارية والمالية والمحاسباتية:
في هذا الإطار، تنص المادة 214 من القانون التنظيمي للجماعات (رقم 113.14) على أن مالية الجماعة تخضع لمراقبة المجالس الجهوية للحسابات طبقا للتشريع المتعلق بالمحاكم المالية. وتخضع العمليات المالية والمحاسباتية للجماعة لتدقيق سنوي تقوم بإنجازه إمّا المفتشية العامة للمالية.، أو المفتشية العامة للإدارة الترابية.، أو بشكل مشترك بين المفتشية العامة للمالية والمفتشية العامة للإدارة الترابية.، أو من قبل هيئة للتدقيق يتم انتداب أحد أعضائها وتحدد صلاحياتها بقرار مشترك للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية والسلطة الحكومية المكلفة بالمالية.
وينجز لهذه الغاية تقرير يتم تبليغ نسخ منه إلى رئيس مجلس الجماعة وإلى عامل العمالة أو الإقليم، وكذا إلى المجلس الجهوي للحسابات المعني الذي يتخذ ما يراه مناسبا في ضوء خلاصات تقارير التدقيق. كما يتعين على الرئيس تبليغ نسخة من التقرير المشار إليه أعلاه إلى مجلس الجماعة العمالة الذي يمكنه التداول في شأنه دون اتخاذ مقرر.
ويمكنني القول بناء على التجربة الميدانية المتواضعة، إن الدور الأساسي للمجالس الجهوية للحسابات وباقي الهيئات المكلفة بالمراقبة الإدارية والمالية، دور تقويمي ووقائي. ولا يصبح زجريا إلاّ إذا لم يفض هذا الأخير إلى النتيجة المرجوة وهي: قيام الجماعة المعنية بتقويم الاختلالات والنقائص وتصحيح طرق التدبير المالي والإداري والمحاسباتي. والقصد، حينما لا تقوم الجماعة المعنية بتنفيذ توصيات وملاحظات وتوجيهات هذه الهيئات الدستورية.
وهنا وجب التوضيح التالي، حينما يتوصل الرئيس بملاحظات وتوصيات إحدى هذه الهيئات، تمنح له مهلة زمنية للقيام بالمطلوب منه. ويمكن للرئيس الدفاع عما اتخذه المجلس من مقررات أو ما اتخذه هو ذاته من قرارات (كيف ذلك؟)، من خلال تقديم التوضيحات الكافية والدفوعات الموضوعية التي دعت المجلس إلى اتخاذ المقررات المقصودة أو دعته باعتباره الرئيس إلى اتخاذ القرارات المعنية، وهو نوع من المرافعة (le plaidoyer) التي يسمح بها للمجلس والرئيس لأن الهدف ليس هو الزجر ولكن تقويم العمل الجماعي وتجويد أداء الجماعات للرفع من مستوى خدمات القرب المقدمة للمواطنات والمواطنين.
وتوضّح محاضر وتقارير هذه الهيئات، المجلس الجهوي للحسابات كمثال، الكيفيات والطرق التي يجب اعتمادها للقيام بالتقويمات والتصحيحات المطلوبة. وبكل أمانة، أثبتت التجربة أن مكاتب وهواتف هذه الهيئات مفتوحة لمن يطلب المشورة القانونية.
على سبيل الختم
1) نخلص في ضوء ما تقدم من خلال تجميع أهم مضامين الإجابات النسبية على الأسئلة الفرعية للسؤال المركزي الذي تم طرحه في التمهيد لهذه المساهمة إلى ملامسة الجواب التالي عنه:
يتعين على الجماعة للنهوض بمهام توفير وتطوير وتنمية خدمات القرب باعتبارها تشكل الاختصاص الحصري الموكول لها قانونيا:
– العمل على التنزيل السليم/ الصحيح/ للمقتضيات القانونية التي تطرقنا إليها في المحور الأول من هذه المساهمة. وقد حدد القانون التنظيمي ( رقم 113.14) المرجعي والإرشادي بالنسبة لها الآليات التي تمكّنها من تنزيل هذه المقتضيات القانونية وهو ما رأيناه في المحور الثاني، وحدّد الموارد المالية اللازمة لتمويل المشاريع والبرامج والعمال التي تمكن الجماعة من النهوض بمهام تنمية خدمات القرب ( الرجوع إلى المحور الثالث)
– أداء الفاعلين الترابيين الرئيسيين المسؤولين عن التسيير والتدبير المحلي، للأدوار المنوطة بهم علاقة بتوفير وتطوير وتنمية خدمات القرب. ( الرجوع إلى المحور الرابع).
– التفعيل الملموس للمقتضيات المتعلقة بالتدبير التشاركي المنصوص عليه دستوريا وفي القانون التنظيمي( رقم 113.14)، والقصد اتخاذ كل التدابير اللازمة لتنزيل هذه المقتضيات والأحكام لتحقيق الإشراك الفعلي والفعّال للمواطنين والمواطنات وجمعيات المجتمع المدني في كل المراحل التي تتعلق بعملية تنمية خدمات القرب.
– وتقوم الهيئات والمؤسسات المكلفة دستوريا بالمراقبة الإدارية والمالية والمحاسباتية بأدوار في غاية من الأهمية لتقويم عمليات تدبير الشأن العام المحلي (الرجوع إلى المحور الخامس).
لكن يسجل الباحث مجموعة من المعيقات تحول دون أداء العديد من الجماعات للمهام المنوطة بها قانونيا لتوفير وتطوير وتنمية خدمات القرب.
2) في المعيقات: من بين المعيقات التي تحول دون تحقيق المستوى المطلوب لتنمية خدمات القرب في العديد من الجماعات وخاصة منها الجماعات المتوسطة والصغيرة من حيث عدد السكان الموجودة بالوسط القروي والمناطق الجبلية والصحراوية النائية:
– ضعف الاستقلال المالي والإداري. وقد اتضح ذلك أكثر وقت جائحة ” كورونا”.
– صعوبة استخلاص العديد من الرسوم ذات الطابع المحلي والأتاوى والغرامات وغيرها. وقد أصبح ما يسمى ب ” الباقي استخلاصه ” مشكلا قائما في العديد من الجماعات بالرغم من الجهود التي تبذلها المصالح الجماعية المكلّفة بهذه المهام.
– عدم توفر العديد من الجماعات على الموارد البشرية المختصة في مجالات الاقتصاد والمالية والهندسة وتدبير الشأن المحلي بصفة عامة.
– ضعف التواصل الداخلي في العديد من الجماعات. والقصد ضعف التواصل بين الفاعلين الجماعيين المسؤولين على التدبير والتسيير المحلي.
– في بعض الجماعات: تهميش الكفاءات الإدارية والمالية والقانونية.
وهناك تحديات كبرى تنتظر رفعها في زمن الرقمنة لتمكين الجماعات من القيام بالمهام المكلفة بها قانونيا لتنمية خدمات القرب.
3) في التحديات: أعتقد أنّ من أهم التحديات الآنية والتي يفرضها المستقبل القريب والبعيد، إعداد قانون تعديلي يحمل اسم ” قانون الجماعات الترابية ” يجمع كل المقتضيات والآليات التي تمكّن الجماعات الترابية كوحدة متكاملة الأدوار والوظائف من تحقيق التنمية الترابية في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية والبيئية والثقافية…
وفي تقديري يبقى التحدي الأكبر ذو طبيعة سياسية لبلوغ الغاية المرجوة من لدن الدولة وكل الفاعلين الترابيين والقصد تحقيق التنمية المحلية والترابية، ومضمونه: ضرورة اختيار الأحزاب السياسية لمن تتوفر فيهم: *الأخلاق السياسية، *والكفاءة العلمية، *والقدرة على التواصل الداخلي والخارجي، لضمان شروط التدبير الجيد لشؤون الجماعات.
الهوامش
- ينص الفصل 135 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011 في الفقرة الأولى منه على أن ” الجماعات الترابية للمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات “. وتنص المادة 283 من القانون التنظيمي ( رقم 113.14) المتعلق بالجماعات على أنه ابتداء من تاريخ دخول هذا القانون التنظيمي حيز التنفيذ، وهو تاريخ إصداره بالجريدة الرسمية ( 7 يوليو 2015): ” تحل عبارة ” الجماعة ” محل ” الجماعة الحضرية ” و ” الجماعة القروية ” في النصوص الصادرة قبل دخول هذا القانون التنظيمي حيز التنفيذ.
- Google. Com
- يذهب الباحث الاقتصادي محمد كريم في كتابه ” الاقتصاد الاجتماعي بالمغرب التنمية المعاقة وجدلية الاقتصاد والمجتمع” إلى أنّ مصطلح ” اقتصاد اجتماعي ” يفيد أن حلّ المعادلة الاقتصادية ( التوفيق بين الموارد المحدودة والحاجيات اللامنتهية)، من خلال المعالجة التقليدية (ميكانيزمات السوق) للاختلالات الاجتماعية، يفترض تجنيد وتعبئة وحشد القيم الاجتماعية المتمثلة في التضامن والتماسك والتكافل بين مكونات المجتمع بهدف التغلب على الإشكالات الاجتماعية المستعصية التي لم يجد لها الاقتصاد السياسي، أو اقتصاد السوق، حلا./ . السنة 2012.، حقوق الطبع محفوظة للمؤلف.، ص 9.
- Google. Com
- إنّ مفهوم التراب أوسع وأكثر قوة من مفهوم المجال، فالتراب يقصد به ليس فقط المساحة الجغرافية وإنما الهوية والتقاليد المحلية والعادات (…). المرجع: أحمد البلاوي، متخصص في الجغرافيا، شارك في إعداد مجموعة من مخططات إعداد التراب الوطني بالمغرب. ورقة تقديمية من إعداده في دورة تكوينية بمراكش حول الهندسة الترابية التشاركية (سنة 2015).
- المادة 81 من القانون التنظيمي ( رقم 111.14) المتعلق بالجهات.
- المادة 78 من القانون التنظيمي ( رقم 112.14) المتعلق بالعمالات والأقاليم.
- المادة 77 من القانون التنظيمي للجماعات ( رقم 113.14).
9-Article 83 : « (…) La commune procède également, en parallèle avec d’autres acteurs du secteur public ou privé, à la création et la gestion des services suivants(…) ».
Référence : Loi organique (n° 14.113) des communes.
10-يمكن التوسع أكثر فيما يتعلق بالتدبير وأركانه بالرجوع إلى كتاب ” الحكامة وأخواتها… ” للباحث القانوني سعيد جفري/ صوماديل/ الطبعة الأولى/ 2010. وكتابه “ما الحكامة؟ ” مكتبة الرشاد سطات/ 2014.
11- الكلمة المستعملة في المادة 77 من النسخة الفرنسية للقانون التنظيمي ( 113.14) المتعلق بالجماعات في مقابل ” النجاعة ” هي : .efficace ونستفيد من موقع غوغل: مرادف كلمة ” نجاعة ” هو فعالية، كفاية، جدوى، وفائدة. في مجالات مختلفة، يمكن أن يعني هذا المفهوم قدرة شيء ما على إحداث التأثير أو النتيجة المطلوبة/ المرجوة. النجاعة أو الفعالية هي القدرة على إحداث تأثير. وبناء عليه، بالنسبة لموضوعنا تعني نجاعة خدمات القرب فعالية وكفاءة الجماعات في تقديم وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية الأساسية لسكانها بشكل مباشر وسريع، وتغطي مجالات حيوية كالماء، الكهرباء، النظافة، التطهير، النقل العمومي، الإنارة، الصحة، المقابر، أماكن الترفيه (…) بهدف تحسين جودة حياة المواطنين وتلبية احتياجاتهم اليومية الأساسية محليا.
12- يمكن الرجوع إلى مقالي بعنوان ” التنمية الترابية…” المنشور بجريدة “هسبريس” الالكترونية، بتاريخ الاثنين 27 أكتوبر 2025.
13- يمكن الرجوع إلى مقالي المنشور بمجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية، مؤلف جماعي، أكتوبر 2020. وكذا مقالي المنشور بمجلة مغرب القانون بعنوان ” أنماط التدبير الحديث للجماعات في ضوء القانون التنظيمي ( رقم 113.14)” بتاريخ 05 نوفمبر 2020.
14- مرسوم رقم 2.16.301 صادر في 23 من رمضان 1437 ( 29 يونيو 2016) بتحديد مسطرة إعداد برنامج عمل الجماعة وتتبعه وتحيينه وتقييمه وآليات الحوار والتشاور لإعداده.
15- تذكير: تنص المادة 83 في الفقرة 1 منها على أن الجماعة تقوم بإحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية اللازمة لتقديم خدمات القرب في الميادين التالية: توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء، النقل العمومي الحضري، إلخ.
16- الرجوع إلى الفقرة 2 من المادة 87 من القانون التنظيمي للجماعات ( 113.14): إحداث دور الشباب، إحداث دور الحضانة ورياض الأطفال، إلخ.
17- يمكن الرجوع إلى الهامش 13 السابق ذكره.
18- تنص المادة 183 في الفقرة 2 منها على أنه ” يتعين إعداد الميزانية على أساس برمجة تمتد إلى ثلاث (3) سنوات لمجموع موارد وتكاليف الجماعة طبقا لبرنامج عمل الجماعة، وتحين هذه البرمجة كل سنة لملاءمتها مع تطور الموارد والتكاليف”.
19- مراجعه بالهامش 14 السابق الذكر.
20- يعني مبدأ التفريع في القاموس السياسي أن تتدخل أصغر وحدة مختصة في هرم السلطة من أجل أن تتخذ قرارا لحل مشكل، أي البحث عن المستوى الأكثر فعالية ونجاعة وقربا من السكان، فالسلطة العليا لا تتدخل إلا إذا تجاوز المشكل إمكانية الوحدة السلطوية الدنيا القريبة من السكان. (المرجع: www. Toupie.Org) . وفي مجال اللامركزية، يقود مبدأ التفريع الدولة إلى نقل بعض السلطات/ الاختصاصات إلى الجماعات الترابية حينما يتضح لها أن هذه الأخيرة في وضع أفضل لتحملها نظرا لقربها من المواطنين. مثال: حالة موضوعنا، الجماعات وخدمات القرب.
21- المشاركة: تعني المساهمة بدون تدخل فعلي. أما التشارك: فهو مجموعة عمليات لتحقيق أهداف تم التشاور والتفاوض حولها باقتسام المعرفة والسلطة والمسؤولية كما أن التشارك يحيل إلى وجود عدة أطراف متداخلة.
المرجع: محمد الغالي: مادة تكوينية لفائدة أطر ومنتخبي الجماعات مقدمة بدار المنتخب بمراكش في نونبر 2010.
22- بالرجوع إلى النسخة الفرنسية من القانون التنظيمي(113.14): les communes liées territorialement. وبالرجوع إلى ميدان التعمير les communes limitrophes بمعنى الجماعات التي تربطها حدود جغرافية/ترابية مشتركة. (أقترح الرجوع إلى مونوغرافية جماعة معينة حيث تتضمن الحدود الجغرافية من الشرق والغرب والشمال والجنوب).
23- تعني المداولات المتطابقة في حالة إبرام اتفاقية ما بين جماعتين أو ثلاث جماعات أو أكثر على سبيل المثال، أن مجلس كل جماعة من هذه الجماعات يصادق على الشروط نفسها والبنود المتضمنة بالاتفاقية بالصيغة والجوهر نفسيهما، أي أن المقررات المتخذة من لدن المجالس المعنية بالاتفاقية تكون متطابقة ومتماثلة فيما بينها. وتفاديا لهدر الزمن، تحرص السلطات الممثلة للمركز على المستوى الترابي أن يتم عقد الدورات التي تتضمن جداول أعمالها النقطة المتعلقة باتفاقية ما من هذا القبيل في أوقات متقاربة جدا.
24- عمليا تخضع الاتفاقية الملحقة للشروط نفسها التي خضعت لها الاتفاقية الأصلية: إدراج النقطة المتعلقة بها في جدول أعمال دورة عادية أو استثنائية.، تدارسها من لدن اللجان ثم المجلس برمته أثناء عقد الدورة.، اتخاذ مقرر بشأنها (…). وفي حالة إبرام اتفاقية ما بين الجماعات، يجب أن تكون المداولات متطابقة (الهامش 23).
25- الملاحظات نفسها المشار إليها أعلاه في الهامشين 23 و 24.
26- علاوة على ما تقدم حول الجماعات المتصلة ترابيا، فالعلاقة بين هذه الجماعات تعد علاقة أفقية أي بين مستوى واحد متساو. وتذكّرنا هذه المعلومة بما يسمى في علم الاتصال:الاتصال الأفقي ( la communication horizontale) أي أن العلاقات أفقية، مثلا في الإدارة: العلاقات بين الموظفين الذين لهم الدرجة نفسها.
27- المداولات المتطابقة (الرجوع إلى الهامش 23).
28- الفرق بين المشاركة والتشارك ( الرجوع إلى الهامش 21)
29- ظهير شريف رقم 1.02.271 بتاريخ 25 من رجب 1432 ( 3 أكتوبر 2002) بتنفيذ القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي. منشور بالجريدة الرسمية عدد 5058 بتاريخ 21 نونبر 2002، ص 3468. وبالنسبة لتعديلات 2009 يمكن الرجوع إلى الجريدة الرسمية عدد 5711 بتاريخ 23 فبراير 2009، ص 536. المرجع: محمد الفروجي، سلسلة ” نصوص قانونية محينة “، الطبعة الثانية 2014. العدد 67.
30- يمكن الرجوع إلى التمهيد الخاص بهذه المساهمة لاستحضار معنى خدمات القرب في الاقتصاد والاجتماع.
31- الشركة المساهمة: هي شركة يقسم رأس المال فيها إلى أسهم قابلة للتداول. ولشركات المساهمة كيان قانوني مستقل عن حصة أسهمها، أي أن لها شخصية اعتبارية مستقلة عن أصحاب حقوق الملكية. وتنقسم شركات المساهمة إلى شركات مساهمة عامة وشركات مساهمة خاصة، ولا يسأل الشريك في شركة المساهمة إلا بقدر حصته في رأسمال الشركة.
المرجع: الهامش 71، ص 59 من كتاب ” التنظيم الترابي بالمغرب ” للباحث القانوني سعيد جفري، مكتبة الرشاد سطات، 2018.
32- يمكن الرجوع إلى المادة 83 من القانون التنظيمي ( رقم 113.14) المتعلق بالجماعات.
33- تتصرف الجماعة في ملكها الخاص (وليس العام) بشكل شبيه بالفرد، حيث يمكنها تفويته (عن طريق البيع، المبادلة، التخصيص..) أو إيجاره مقابل عائد مالي وفق شروط قانونية محددة أو التصرف فيه بأي شكل من أشكال التصرفات القانونية، لأن الهدف هو تحقيق المصلحة العامة وتحقيق موارد مالية للجماعة.
أما الملك العام فهو مخصص للاستعمال المباشر للعموم ( الطرق، الساحات العمومية، الحدائق…)، ولا يمكن للجماعة بيعه أو التصرف فيه بشكل فردي. وهو يخضع لقواعد الاستغلال المؤقت وفق شروط مضمّنة بدفاتر التحملات التي تعرض على أنظار مجلس الجماعة ويتم التداول بشأنها في إحدى الدورات. ويتم اتخاذ مقرر المجلس بشأنها. وتخضع للقواعد المنصوص عليها في القانون التنظيمي للجماعات وباقي القوانين الجاري بها العمل في هذا الشأن.
34- المرجع: موقع غوغل.
35- معجم ” المعاني – الجامع “، غوغل.
36- سعيد جفري، مالية الجماعات الترابية، مكتبة الرشاد بسطات، 2017، ص 11.
37- الفصل 141، الفقرة 2، دستور المملكة المغربية لسنة 2011.
38- مرسوم رقم 2.17.296 صادر في 14 من رمضان 1438 ( 9 يونيو 2017) بتحديد القواعد التي تخضع لها عمليات الاقتراضات التي تقوم بها الجماعة.
39- مرسوم رقم 2.17.281 صادر في 14 من رمضان 1438 ( 9 يونيو 2017) بتحديد كيفيات منح التسبيقات المالية من طرف الدولة لفائدة الجماعة وتسديدها.
40- سعيد جفري، مالية الجماعات الترابية، مرجع سابق، ص 13.
41- تعريف الميزانية في القانون رقم 45.08 المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية ( التسمية السابقة) ومجموعاتها، المادة 3: ” الميزانية هي الوثيقة التي يقرر ويؤذن بموجبها، بالنسبة لكل سنة مالية، في مجموع موارد وتحملات الجماعة المحلية أو المجموعة “.
المرجع: محمد لفروجي.، سلسلة ” نصوص قانونية محيّنة “.، الميثاق الجماعي وقانون الجماعات الترابية وفق آخر التعديلات مع النصوص التطبيقية.، الطبعة الثانية.، 2014.
42- يمكن الرجوع إلى المحور الأول في هذه المساهمة.
43- تفيد التجربة الميدانية في نقل المعلومة التالية للطلبة وعامة الباحثين: فيما يتعلق بتسمية الساحات والطرق العمومية إذا كانت هذه التسمية تمثل تشريفا عموميا أو تذكيرا بحدث تاريخي: تعدّ الجماعة ملفا خاصا بكل تسمية، يتضمن الصور وكل الوثائق التي تثبت أهمية الساحة أو الطريق العمومية أو التذكير بالحدث التاريخي علاوة على مقرر المجلس(…). ويرسل هذا الملف إلى السلطات الحكومية المعنية بهذا الشأن لا تخاذ القرار المناسب.
44- سعيد جفري، مالية الجماعات الترابية، مرجع سابق، ص 102.
45- تنص المادة 110 على أن رئيس مجلس الجماعة يمارس صلاحيات الشرطة الإدارية الجماعية باستثناء المواد المنصوص عليها في هذه المادة التي تخول بحكم هذا القانون التنظيمي إلى عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه: المحافظة على النظام والأمن العمومي بتراب الجماعة.، تأسيس الجمعيات والتجمعات العمومية والصحافة، الخ ما جاء في هذه المادة.
46- تمنح رخصة السكن إذا كان الأمر يتعلق بعقار مخصّص للسكن. وتمنح شهادة المطابقة إذا كان العقار مخصص لغرض آخر غير السكن ( غرض تجاري أو صناعي…)
47 – يمكن الرجوع إلى المواد 103 و 104 و 105 من القانون التنظيمي ( رقم 113.14) المتعلق بالجماعات.
48 – يعني هذا التنصيص القانوني أنّ المحكمة الإدارية هي المؤسسة الوحيدة المخوّل لها البث في النزاعات المتعلقة بتدبير الشؤون المسندة للجماعات من خلال القانون التنظيمي ( رقم 113.14) المنظم لشؤونها. وهو ما يعني أن هنالك قطع نهائي مع مرحلة الوصاية على الجماعات غير أن هذا الموضوع مازال محل نقاش بل جدل بين بعض الأكاديميين والممارسين، ولكل أدلته.
وفوق كل ذي علم عليم
