خبير في القانون الإلكتروني يتسائل : لمن تقرع أجراس الفوترة الإلكترونية ؟
- الدكتور فؤاد بنصغير أستاذ جامعي و خبير / مكون / مستشار في القانون الإلكتروني.
ملاحظة :
هذا العنوان مقتبس من رواية ” لمن تقرع الأجراس ” التي صدرت في عام 1948 للكاتب العالمي إرنست همنجواي.
مقدمة :
لقد دخل المغرب مند مدة طويلة في مرحلة نزع صفة المادية عن الوثائق القانونية ووضع لذلك إطارا قانونيا عاما وهو القانون 05-53 ( التوقيع الرقمي + نظم التشفير + سلطات المصادقة الإلكترونية …) ليعطيها قيمة ثبوتية.
ومن بين هذه الوثائق القانونية، نجد الفاتورة الإلكترونية التي وضع لها إطارا قانونيا خاصا بها إضافة إلى الإطار القانوني العام ( القانون 05-53 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية ).
ذلك أن المشرع المغربي قد أقر نظام الفوترة الإلكترونية في قانون المالية لسنة 2018 والذي سيدخل لا محالة حيز التنفيذ في مستقبل الأيام، بحيث يتوقف الأمر على شرط صدور النصوص التنظيمية ( وليس فاتح يناير 2019 كما أشيع ).
وبعد ذلك ستصبح الفاتورة الالكترونية وثيقة إلزامية في التصريح الضريبي، وبالتالي لن يعود للفاتورة التقليدية على دعامة ورقية أية حجية قانونية .
فما هي الفاتورة الإلكترونية ؟ وماهية المتطلبات والواجبات التي تنشا عنها ؟ وما هي قيمتها القانونية في مجال الإثبات ؟
هذه الأسئلة وغيرها لا بد من التوقف عندها ليكون الملزمون بها على بينة من أمرها عندما تصبح ( قريبا لا محالة ) إلزامية.
لكن، قبل الحديث عن النظام القانوني للفوترة الإلكترونية وعن قيمتها القانونية في مجال الإثبات ، لابد من الحديث عن التزام مسك المحاسبة بطريقة إلكترونية التي تدخل الفوترة الإلكترونية في إطاره والذي جاء به هو كذلك قانون المالية لسنة 2018.
أولا : مسك المحاسبة عن طريق إلكتروني
نصت المادة 145 من مدونة الضرائب على أنه : ” يجب على الخاضعين للضريبة أن يمسكوا المحاسبة المشار إليها في الفقرة أعلاه وفق شكل إلكتروني حسب معايير محددة بنص تنظيمي “.
يتعلق الأمر هنا بالتزام مسك مجموع العمليات المحاسبية حسب برنامج معلومياتي، وليس فقط عملية إدخال البيانات المحاسبية في نهاية السنة المحاسبية التي تدخل أكثر في إطار تقديم وحفظ الوثائق المحاسبية على دعامة معلومياتية.
نشير إلى أن المقصود بالدعامة المعلومياتية هو كل جهاز أو آلية تتيح تخزين البيانات الرقمية : قرص مدمج / مفتاح USB / قرص صلب…
ثانيا : الفوترة الإلكترونية
بعد أن نتحدث عن الفاتورة الإلكترونية نفسها، سنتولى تبيان الالتزام القانوني بها.
أ- الفاتورة الإلكترونية
سنقوم بتعريف الفاتورة الإلكترونية أولا تم تقديم أنواعها ثانيا.
1- تعريف الفاتورة الإلكترونية
تعتبر الفاتورة الإلكترونية نسخة إلكترونية ( على دعامة إلكترونية ) من الفاتورة الورقية التقليدية ( على دعامة ورقية ).
إنها بالتحديد الفاتورة ( وهي تحتوي بطبيعة الحال على كل المعلومات المتطلبة قانونا مثلها في ذلك مثل الفاتورة الورقية التقليدية ) التي يتم إنشاؤها و إرسالها وتلقيها وأرشفتها ( يعني حفظها ) على شكل إلكتروني بواسطة برنامج فواتير خاص.
هذا يعني أن العملية برمتها يجب أن تتم من البداية إلى النهاية بطريقة إلكترونية دون اللجوء إلى الدعامة الورقية في أي مرحلة من المراحل.
وبالتالي ، عندما يتم إنشاء فاتورة على شكل إلكتروني تم يتم طباعتها وإرسالها في شكل ورقي، فإن الأمر لا يتعلق بفاتورة إلكترونية.
وبنفس الطريقة، إذا تم إنشاء فاتورة على شكل ورقي تم يتم رقمنتها بواسطة الماسح الضوئي وإرسالها عبر البريد الإلكتروني، فإن الأمر لا يتعلق بفاتورة إلكترونية.
غير أنه في هذه الحالة الأخيرة، قد تكون للفاتورة الإلكترونية قوة ثبوتية، شريطة أن يتم تأمينها عن طريق توقيع إلكتروني مؤمن ( وضع له القانون 05-53 شروطا محددة ) وحفظها في شكليها الورقي والإلكتروني.
وينطوي استعمال الفوترة الإلكترونية على استخدام نظام يسمح بضمان أصلية (authenticité) الفاتورة الإلكترونية وسلامة (intégrité) ومقروئية (lisibilité) محتواها.
وتعني أصالة الفاتورة الإلكترونية أن يتم ضمان هوية مصدر هذه الفاتورة.
وتعني سلامة الفاتورة الإلكترونية أن يتم ضمان عدم العبث بمحتوى هذه الفاتورة، خاصة وأنها مثل غيرها من الوثائق المحاسبية تمر عبر شبكة الإنترنت المفتوحة والغير مؤمنة ( يمكن العبث بمحتوى الفاتورة الإلكترونية من قبل القراصنة ).
وتعني مقروئية الفاتورة الإلكترونية أن يكون بالإمكان في أي وقت قراءة محتواها.
ومعنى ذلك إمكانية قراءة الفاتورة عند طلبها عن طريق الحاسوب بالطريقة التي أنشئت وحفظت بها.
وتظهر أهمية هذا الشرط بعد تخزين الفاتورة لمدة معينة ويتم طلب قراءتها إلكترونيا عند الحاجة ، كما لو كان الأمر يتعلق بالرقابة من الإدارة الضريبية أو مطابقة النسخة للأصل المحفوظ إلكترونيا.
2- أنواع الفاتورة الإلكترونية
تحدث المشرع المغربي على نوعين أساسيين من الفاتورات : الفاتورة EDI و الفاتورة الموقعة إلكترونيا.
فالنوع الأول هو الفاتورة على شكل ” التبادل المعلومياتي للمعطيات ” (Echange de données informatisé EDI ) الذي يرتكز على نظام مهيكل للتبادل الإلكتروني للبيانات والوثائق الضريبية بين الملزمين بأداء الضرائب والإدارة العامة للضرائب.
أما النوع الثاني فهو الفاتورة الموقعة توقيعا رقميا ( والتوقيع الرقمي الذي فصل فيه القانون 05-53 يختلف عن التوقيع الإلكتروني لأن الأول يرتكز على نظام التشفير ) والتي تتطلب توقيعا مؤمنا للفاتورة.
نشير إلى أن النوع الثاني هو المتبع اليوم، لأنه مؤمن ولأن النظام الثاني غير مؤمن ويتطلب من أجل ذلك خلق بنية تحتية للمفاتيح العامة (Infrastructure à clés publiques).
هذا يعني أن الفاتورة الإلكترونية الموقعة توقيعا رقميا ( التوقيع الإلكتروني هو الذي يرتكز على المفتاح الخاص الذي يستخدم في توقيع الفاتورة والمفتاح العام الذي يستخدم في التحقق من هذا التوقيع ) تتطلب تدخل طرف ثالث وهو هيئة المصادقة على التوقيع الرقمي وخلق ما يسمى بالبنية التحتية للمفاتيح العامة التي لا يتسع المجال في هذا المقام للتفصيل فيها.
ب- الالتزام القانوني بالفاتورة الإلكترونية
نصت المادة 145 ثالثا من المدونة العامة للضرائب على أنه : ” يجب على الخاضعين للضريبة أن يسلموا إلى المشترين منهم أو إلى زبنائهم فاتورات أو بيانات حسابية مرقمة مسبقا ومسحوبة من سلسلة متصلة أو مطبوعة بنظام معلوماتي وفق سلسلة متصلة يثبتون فيها، زيادة على البيانات المعتادة ذات الطابع التجاري…. “.
وبطبيعة الحال سيبقى تطبيق هذا الالتزام رهنا بنشر النصوص التنظيمية وفي جميع الأحوال سيتم ذلك بطريقة تدريجية.
- المتطلبات والالتزامات :
سنتحدث في ما يلي عن متطلبات الفوترة الإلكترونية وعن الالتزامات التي وضعها المشرع على كاهل الملزمين.
1- متطلبات الفوترة الإلكترونية
يتوجب على الخاضعين للضريبة أن يتوفروا على برنامج معلوماتي للفوترة وعلى عنوان إلكتروني لدى مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية.
– برنامج معلوماتي للفوترة
من أجل الاستجابة لالتزام القيام بالفوترة الإلكترونية، نص المشرع على ضرورة أن يتوفر الخاضعون للضريبة على برنامج معلوماتي للفوترة يستجيب لمعايير تقنية تحددها الإدارة.
حيث جاء في المادة 187 من المدونة العامة للضرائب أنه : “يجب على الخاضعين للضريبة (…) أن يتوفروا على برنامج معلوماتي للفوترة يستجيب لمعايير تقنية تحددها الإدارة”.
– عنوان إلكتروني لدى مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية
كما يجب على هؤلاء أن يتوفروا كذلك على عنوان إلكتروني لدى مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية وفقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل في مجال التبادل الإلكتروني بين الإدارة الجبائية والملزمين ( القانون 05-53 في مجال الإثبات ).
حيث تشير المادة 192 من نفس المدونة أنه :” يجب على الخاضعين للضريبة (…) أن يتوفروا على عنوان إلكتروني لدى مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية وفقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل في مجال التبادل الإلكتروني بين الإدارة الجبائية و الملزمين “.
2- الإلتزامات
فرض المشرع على الأشخاص الذين يمسكون المحاسبة عن طريق إلكتروني التزامين : التزام الاحتفاظ بالفاتورة الإلكترونية على دعامة إلكترونية و التزام تقديم الفاتورة الإلكترونية على دعامة إلكترونية.
– الاحتفاظ بالفاتورة الإلكترونية على دعامة إلكترونية
يتوجب على الذين يمسكون المحاسبة بطريقة إلكترونية أن يحتفظوا بالفاتورة الإلكترونية على دعامة إلكترونية أو يتعرضوا لجزاءات.
المبدأ :
نصت المادة 211 من مدونة الضرائب على أنه : ” (…) ويجب على الخاضعين للضريبة الذين يمسكون محاسبة بطريقة إلكترونية (…) أو الملزمين بمسك هذه المحاسبة بشكل إلكتروني (…) أن يحتفظوا كذلك بالوثائق المحاسبية السالفة الذكر على دعامة إلكترونية “.
الجزاء المترتب على عدم الاحتفاظ بالفاتورة الإلكترونية حامل معلوماتي :
يعاقب كل شخص يخل بهذا الإلتزام بغرامة، حيث نصت المادة 185 مكرر على أنه : ” دون الإخلال بتطبيق الجزاءات المنصوص عليها في هذه المدونة، تطبق غرامة قدرها خمسون ألف درهم عن كل سنة محاسبية على الخاضعين للضريبة الذين لا يحتفظون خلال عشر سنوات بالوثائق المحاسبية أو نسخ منها على حامل معلوماتي و إذا تعذر ذلك على حامل ورقي “.
– تقديم الفاتورة الإلكترونية على دعامة إلكترونية
يتوجب على الذين يمسكون المحاسبة بطريقة إلكترونية أن يقدموا الفاتورة الإلكترونية على دعامة إلكترونية أو يتعرضوا لجزاءات.
المبدأ :
يلزم القانون الذين يمسكون المحاسبة بطريقة إلكترونية أن يقدموا الفاتورة الإلكترونية على دعامة إلكترونية إلى الإدارة الجبائية في إطار المراقبة.
الجزاء المترتب على عدم تقديم الفاتورة على دعامة إلكترونية :
يعاقب كل شخص يخل بهذا الإلتزام بغرامة، حيث تنص المادة 191 المكررة على أنه : “تطبق غرامة تساوي خمسين ألف50000 درهم عن كل سنة محاسبية على الخاضعين للضريبة المشار إليهم في الفقرة الثالثة من المادة 210 أدناه الذين يمسكون المحاسبة بطريقة إلكترونية والذين لا يدلون بالوثائق المحاسبية ( ومن بينها الفاتورة الإلكترونية ) على دعامة إلكترونية في إطار المراقبة الجبائية ” .
ثالثا : القيمة الثبوتية للفاتورة الإلكترونية
يشترط في الفاتورة الالكترونية جملة من الشروط الخاصة حتى تستجمع عناصرها وتكون مقبولة في الإثبات شأنها في ذلك شأن الفاتورة التقليدية على دعامة ورقية.
ولا بد من الإشارة في هذا الشأن إلى أن جميع مقتضيات القانون 05-53 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية ( والفاتورة الإلكترونية واحدة من هذه المعطيات القانونية دون أدنى شك ) تجد طريقها إلى التطبيق.
ولكي يكون للفاتورة الإلكترونية ( وهي وثيقة إلكترونية ينسحب عليها ما ينسحب على جميع الوثائق الإلكترونية ) قيمة في الإثبات، يشترط القانون أن تكون موقعة توقيعا إلكترونيا مؤمنا و أن يتم حفظها على دعامة إلكترونية في شروط تضمن تماميتها.
أ- التوقيع الإلكتروني المؤمن للفاتورة الإلكترونية
يشترط المشرع أن تكون الفاتورة الإلكترونية موقعة توقيعا مؤمنا لكي تحض بقيمة في الإثبات تعادل القيمة الثبوتية التي تحوزها الفاتورة الورقية.
والتوقيع الالكتروني المؤمن هو ذلك التوقيع الذي يصدر عن مقدم خدمة المصادقة الإلكترونية مكلف بالفوترة الإلكترونية، ولا يمكن منحه إلا بشهادة إلكترونية تصدر عنه.
وقد حدد مرسوم 2003-659 المتعلق بالتزامات الفوترة الصادر بتاريخ 18 يوليوز 2003 بفرنسا الشروط الشكلية لكي تكون للفاتورة الإلكترونية نفس القيمة الثبوتية التي تتوفي عليها الفاتورة الورقية.
وهي نفس الشروط التي وضعها مشرع القانون 05-53 حيث يتطلب الأمر أن تضمن الفاتورة الإلكترونية هوية الشخص الذي قام بإصدارها و أن تحتفظ بسلامتها وأن يكون بالإمكان استرجاعها عند الضرورة.
ومن أجل ضمان هذه الشروط اشترط المرسوم اللجوء إلى التوقيع الإلكتروني المؤمن الذي فصل فيه القانون 05-53 السابق ذكره.
ويجب أن يستوفي التوقيع الإلكتروني المؤمن حسب المادة 6 من القانون الشروط التالية :
- أن يكون خاصا بالموقع ؛
- أن يتم إنشاؤه بوسائل يمكن للموقع الاحتفاظ بها تحت مراقبته الخاصة بصفة حصرية ؛
- أن يضمن وجود ارتباط بالوثيقة المتصلة به بكيفية تؤدي إلى كشف أي تغيير لاحق أدخل عليها.
من جهة أخرى، لا بد أن يرتكز التوقيع الإلكتروني المؤمن على شهادة رقمية يصدرها ويسلمها للخاضع للضريبة مقدم خدمة المصادقة على التوقيع الرقمي.
ومن أجل استعمال هذه الوسيلة من الضروري، كما هو واضح في القانون 05-53، الحصول على شهادة رقمية تسمح لمتلقي الفاتورة الإلكترونية الربط بين الفاتورة الإلكترونية ( وهي وثيقة إلكترونية موقعة توقيعا إلكترونيا ) والموقع ( مصدر الفاتورة الإلكترونية ).
هذه الشهادة يمكن التعاقد فيها مع هيئة للمصادقة ويمكن كذلك أن تقدمها الإدارة ( في هذه الحالة يتعلق الأمر بإدارة الضرائب ).
وتتضمن هذه الشهادة، كما جاء ذلك في المادة 11 من نفس القانون، على كل العناصر التي تسمح بتحديد هوية صاحب الشهادة ( الخاضع للضريبة ) مثل إسم الموقع صاحب الشهادة الإلكترونية المؤمنة و معطيات التثبت من التوقيع ( المفتاح العام ) وهوية مقدم خدمات المصادقة الإلكترونية و تحديد بداية ونهاية مدة صلاحية الشهادة الإلكترونية وغيرها من البيانات.
ويجب أن يتم إرسال الشهادة الرقمية إلى مستلمي الفاتورات الإلكترونية لكي يتمكنوا من التحقق من التوقيع الرقمي ( التحقق من الموقع مصدر الفاتورة الإلكترونية + التحقق من سلامة الفاتورة الإلكترونية / …)
باختصار، يتوجب على مستلم الفاتورة الإلكترونية الموقعة توقيعا إلكترونيا ( القانون الفرنسي يلزمه بذلك ) أن يتحقق من موثوقية (authenticité) وصحة (validité) الشهادة الرقمية وذلك قبل التحقق بواسطة هذه الأخيرة من التوقيع الرقمي ( أي التحقق من هوية الموقع صاحب الشهادة الرقمية والذي هو في نفس الوقت مصدر الفاتورة الإلكترونية ).
ب- الحفظ الإلكتروني ذو القيمة الثبوتية للفاتورة الإلكترونية
من المعلوم أنه لن يكون للفاتورة الإلكترونية، شأنها في ذلك شأن أية وثيقة إلكترونية، أية قيمة ثبوتية إلا إذا تم حفظها في شروط تضمن أصليتها وتماميتها.
هذا يعني أنه يجب حفظها مع التوقيع الإلكتروني وكذلك الشهادة الرقمية المرتبطة بهما.
نشير إلى أن التزام حفظ الفاتورة الإلكترونية هذا يقع على عاتق مصدرها وكذلك على المرسل إليه هذه الفاتورة.
في الواقع، فإنه حسب النصوص القانونية الموجودة اليوم يتوجب حفظ ليس فقط الفاتورة الإلكترونية ولكن كذلك جميع الوثائق المحاسبية المنزوعة المادية (dématérialisés) في شكلها الأصلي على دعامة معلومياتية طيلة المدة المحددة قانونا.
وهذا يعني أن عدم الاستجابة لهذا الالتزام القانوني يعرض صاحبه إلى عقوبات من قبل الإدارة الضريبية.
وتثير فترة حفظها إشكالات متعددة، لكن يجب في جميع الأحوال حفظها لمدة لا تقل عن المدة المحددة في التشريعات أو على الأقل عن تلك المدة المقررة لتقادم الحق حسب طبيعته كما لو كان معاملة بين تجار أو المطالبة بحقوق ضريبية( لدواع محاسبية أو جبائية)…إلخ.
كما يجب على المحترف أن يسهل عمل إدارة الضرائب في حالة الرقابة أو في حالة طلب الاطلاع على الفاتورات ومقارنتها بالتصريح بالمداخيل التي يحررها التاجر أو غيره دوريا مع إدارة الضرائب.
وفي حالة عجز التاجر وإدارة الضرائب عن ولوج السجلات الإلكترونية، فقد تلغى الفاتورة ولا يترتب عليها أي أثر كما نص على ذلك مثلا المشرع الفرنسي في قانون الضرائب.
إلى جانب كل هذا، نجد أن مكان حفظ الفاتورات على مستوى الشبكات المعلوماتية لا يثير إشكالا البتة، متى كانت الفاتورة متاحة وقابلة للقراءة الإلكترونية والفحص والاسترداد من أي مكان يمكن منه الولوج إلى الشبكة الإلكترونية.
إذا، إذا توافرت في الفاتورة المنزوعة صفة المادية (dématérialisée) والموقعة إلكترونيا جميع الشروط سالفة الذكر، ستحوز حتما نفس القيمة الثبوتية للفاتورة التقليدية على دعامة ورقية.
خاتمة :
لقد دخل المغرب بالفعل في مرحلة نزع صفة المادية عن المساطر الجبائية من خلال التأسيس التدريجي لمسك وتقديم المحاسبة بشكل إلكتروني والإقرار وأداء الضريبة بطريقة إلكترونية وفرض إصدار وقبول الفاتورات الإلكترونية على الملزمين بأداء الضرائب والتأسيس للمراقبة الإلكترونية للمحاسبة.
والغاية من وراء كل ذلك هو عصرنة وتبسيط هذه المساطر ومحاربة التهرب الضريبي.
لا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أنه في المعاملات التجارية الإلكترونية الخالصة ( التي تتم عبر شبكة الإنترنت ) ، لم يكن المستهلكون الإلكترونيون يقبلون حتى اليوم سوى الفاتورات الورقية، وذلك بسبب غياب الإطار التشريعي الذي يمنح الفاتورة الإلكترونية قيمة في الإثبات.
أما اليوم وبعد اكتمال الإطار القانوني الذي يمنح للفاتورة الإلكترونية نفس القيمة الثبوتية مثل الفاتورة على دعامة ورقية، سيصبح بالإمكان اللجوء إلى هذا النوع من الفاتورات الشيء الذي من شأنه أن يساهم في تطور التجارة الإلكترونية.
لذلك نهيب بجميع المعنيين بهكذا إصلاح الاجتماع على طاولة مستديرة أو حتى مربعة أو مستطيلة لرسم خارطة طريق لتنزيل هذا الإصلاح ( الرقمنة كالعولمة والموت لا بد منها ولا يمكن الهروب منها ) لما فيه خير الجميع وخير بلدنا العزيز المغرب.
أختم هذه المقالة بمقطع من كتاب ” تأملات ” لجون دون الصادر سنة 1624 حيث يقول فيه: ” لا تراسلني أبدًا لتسألني لمن تقرع الأجراس، إنها تقرع من أجلك.”
*) من الصفحة الشخصية للدكتور فؤاد بنصغير على الفايسبوك.