مجلة مغرب القانونالمنبر القانونيبعض أخلاقيات مهنة التوثيق العدلي

بعض أخلاقيات مهنة التوثيق العدلي

  • نورالدين مصلوحي : عدل متمرن وباحث بماستر القانون والممارسة القضائية بالرباط.

يشكل موضوع الأخلاقيات الركن الأساسي لكل مهنة قانونية وقضائية و رأسمالها الاجتماعي، ولذلك لا يخلو أي قانون ينظم مهنة من هذه المهن من الإشارة إلى أخلاقيات هذه المهنة.

هذا، وإن ميثاق إصلاح منظومة العدالة يؤكد على الاهتمام بموضوع الأخلاقيات في غير ما موضع منه، حيث جاء في هذا الميثاق وبالضبط في ورقاته الأولى تشخيص منظومة العدالة ببلادنا، وتم التنصيص صراحة على أن أخطر اختلالات منظومة العدالة تكمن في وجود بعض الممارسات المنحرفة طالت مختلف مكونات العدالة، وأن الاختلال الأخلاقي يشكل معضلة أساسية في إصلاح منظومة العدالة، وأن هذه المنظومة تعاني من تراجع في أخلاقيات الممارسة المهنية وأعرافها.

وكمحاولة لعلاج الداء المشار إليه أعلاه، جاء في التوصية 53 من ميثاق إصلاح منظومة العدالة ضرورة وضع المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وكذا هيئات باقي المهن القضائية والقانونية لمدونات سلوك، تتضمن القواعد الأخلاقية والمهنية التي يجب الالتزام بها من قبل المعنيين بها، مع العمل على نشر هذه المدونات.

وعلاقة بموضوع الأخلاقيات وموضوع عنوان مقالنا المتواضع، فإن مهنة التوثيق العدلي تعتبر محورا أساسيا في منظومة العدالة، حيث يلج إليها المواطنون لإشباع حاجاتهم وحماية حقوقهم.

وقد اعتبر القانون هذه المهنة مساعدة للقضاء لأن ممتهنيها يقومون بوظيفة العدالة الوقائية، والمتمثلة في توثيق الحقوق والمعاملات، والحفاظ على أعراض الناس وأنسابهم، وتحضير وسائل الاثبات، التي تمكن القضاء من فض المنازعات والفصل في الخصومات.

وإذا كانت مهنة التوثيق العدلي تحظى بهذه الأهمية، وموكول لها اختصاصات لها علاقة جد وطيدة بحقوق الناس، فإن الأصل في ممتهنيها أن يتميزوا بأخلاقيات تحصنهم من كل ما من شأنه أن يسيء لمهنتهم، وتجعلهم محل ثقة من المرتفقين.

وفي انتظار صدور مدونة سلوك لمهنة التوثيق العدلي، آثرت أن أتعرض لبعض أخلاقيات هذه المهنة والتي نص عليها القانون 16.03 وكذا مشروع تعديله.

أولا : الأمانة

نصت المادة الثانية من قانون 16-03 المنظم لخطة العدالة أنه يتعين على كل عدل التحلي بالأمانة. فالأمانة ضد الخيانة، وفي الحديث الشريف: “لا إيمان لمن لا أمانة له” وفي التنزيل:”: (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون). لذا فإن العدل يتوجب فيه أن يكون أمينا، والأمانة من مستلزمات عدالته وإلا لما كان عدلا، والخيانة تنافي العدالة، فيتعين على العدل ألا يستخلص من المرتفقين ما لم يحدده القانون من أجور خاصة به أو واجبات للتسجيل، كما أن هذا الواجب أو الالتزام يدخل فيه حتى ما جاءت به مسودة قانون التوثيق العدلي من مستجد بخصوص تسلم العدل للودائع من أصحابها والتي ستودع في حساب مفتوح في اسمه في صندوق الايداع والتدبير أو الخزينة او البريد.

ثانيا: الوقار

حث المشرع في المادة الثانية من قانون 16.03 العدل أن يتحلى بالوقار، والوقار كما في “تهذيب اللغة” هو السكينة والوداعة، فيقال رجل وقور ووقار ومتوقر، أي ذو حلم ورزانة، وقد أشار القرآن الكريم لمعنى الوقار بأسلوب غاية في الروعة، حيث يقول سبحانه: “وعباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما” (الاية : 63 سورة الفرقان ) وفي الحديث الشريف الصحيح أن الشهيد بعد موته “يوضع على رأسه تاج الوقار“، فيجب على العدل أن يظهر عليه الوقار في سمته، حليما بالمواطن ورزينا في سلوكه.

مقال قد يهمك :   ملاطي يقارب ضوابط إدماج العقوبات السالبة للحرية بين النص القانوني والممارسة القضائية

وللإشارة فإن مسودة قانون التوثيق العدلي أزالت هذه الصفة لكن أضافت صفات مميزة كالشرف والكرامة.

ثالثا: الحفاظ على شرف المهنة

بعد أن تحدث المشرع المغربي في المادة الثانية من قانون 16-03 عن صفة الأمانة والوقار؛ أتبع هاتان الصفتان بواجب الحفاظ على شرف المهنة، وكلمة الشرف عند أهل اللغة معناها العلو، فيقال جبل مشرف أي: عال، ويقال علا في ذروة الشرف أي كان ذا مكانة ونسب، ولعل وصف المشرع المغربي لمهنة التوثيق العدلي بالشرف؛ مرد هذا إلى المكانة التي تتميز بها هذه المهنة كما جاء في تصدير قانون خطة العدالة 16-03؛ حيث أنها؛ أي المهنة هذه؛ حظيت بعناية كبيرة ومكانة رفيعة في الفقه الإسلامي، وأولاها الفقهاء والعلماء اهتماما كبيرا، خاصة فقهاء المغرب والأندلس، حيث جعلوها مهنة شريفة وارتقوا بها إلى مصاف المهن المنظمة، كما امتهنها كثير من أكابر العلماء والفقهاء والقضاة والمفتين وغيرهم، وأولاها ملوك الأمة وأمراؤها اهتمام خاصا واعتبارا متميزا، ولا سيما ملوك الدولة العلوية الشريفة.

وللإشارة فإن مسودة قانون التوثيق العدلي حافظت على هذا الواجب المهني والأخلاقي،ولم يتغير فيه إلا إزالة كلمة المهنة والإبقاء على صفة الشرف، كما أن هذا المبدأ وهذا السلوك الأخلاقي والمهني أصبح مفروضا حتى على العدل المتمرن والأجراء الذين يشتغلون عند العدل، وذلك بموجب المادة الثانية من المشروع.

لذا فإن العدل والعدل المتمرن وأجراء العدل يجب عليهم التحلي بواجب الحفاظ على الشرف والامتناع عن إتيان أي سلوك يخل به، فالحفاظ على شرف المهنة مثلا يتنافى وخروج العدل لتلقي الشهادة بأماكن لا تليق ومقام المهنة أو ممارسته لعمل يهدف إلى جلب الزبناء.

رابعا: الحفاظ على أسرار المتعاقدين

طبقا للمادة الثانية من قانون خطة العدالة 16-03، فإن العدل يجب عليه الحفاظ على أسرار المتعاقدين، ولا عجب في هذا، فالعدل يطلع على أحوال المتعاقدين وشؤونهم الخاصة، وهو بهذا مؤتمن على أسرارهم ويتحمل في حال الإخلال بهذا الواجب مسؤولية تأديبية وجنائية، فمسؤوليته التأديبية أساسها المادة 42 من قانون خطة العدالة؛ حيث كلما ارتكب العدل إخلالا بالواجبات المفروضة عليه بموجب النصوص القانونية أو التنظيمية المعمول بها إلا وتعرض لمتابعة تأديبية، أما العقوبات التي من الممكن أن يتعرض لها، فقد أشارت إليها المادة43 من قانون 16-03 وهي الإنذار أو التوبيخ أو الاقصاء عن العمل لمدة لا تتجاوز سنة أو العزل.

أما المسؤولية الجنائية عن الاخلال بواجب الحفاظ على السر المهني؛ فسندها الفصل 446 من القانون الجنائي؛ هذا الفصل الذي ينص على أن كل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار، بحكم مهنته أو وظيفته، الدائمة أو المؤقتة، إذا أفشى سرا أودع لديه، وذلك في غير الأحوال التي يجيز له فيها القانون أو يوجب عليه فيها التبليغ عنه، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من ألف ومائتين إلى عشرين ألف درهم.

مقال قد يهمك :   قرار حديث لمحكمة النقض بخصوص نطاق السريان الزمني للتصريح بما بالذمة في الحجز لدى الغير (تعليق)

هذا، وإن العدل بعد ترسيمه وقبل شروعه في مهامه، يؤدي يمينا يلتزم بموجبها بواجبات وأخلاقيات منها الحفاظ على أسرار المتعاقدين.

خامسا: الإخلاص

أشار المشرع المغربي لصفة الإخلاص وهو بصدد الحديث عن اليمين التي يؤديها العدل بعد ترسيمه وقبل ممارسته لمهامه؛ حيث يقسم بالله العظيم على أن يسلك مسلك العدل المخلص الأمين، والإخلاص كما في لسان العرب من التخليص أي: التنجية من كل من شب،تقول: خلصته من كذا تخليصا أي نجيته تنجية فتخلص. فيقال فلان مخلص لله في طاعته أي: لا يبتغي بها سوى وجه الله لا رياء الناس، وقد جاء في القرآن الكريم إشارة لأحد معاني الإخلاص؛ حيث يقول الله سبحانه: {مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا} فإنما خلوص اللبن ألايكون فيه شوب من الفرث والدم.

لذا، فإن إخلاص العدل في عمله؛ يكون أولا بنيته أن يرضي الله ولا يسخطه، فلا يرتكب ما نهى الله عنه من كذب أو تزوير…، وأن يمتنع عن أكل أموال المواطنين بالباطل كأن يلزمهم بتكاليف غير محددة قانونا، وأن يكون غرضه من لجوئه لمهنة التوثيق العدلي هو خدمة المصلحة العامة وتمثيل المهنة أحسن تمثيل وإعطاء صورة إيجابية عليها، والرغبة في النهوض بتنمية بلده.

سادسا: القناعة بالمهنة

إن المتتبع للنصوص المنظمة لمهنة التوثيق العدلي؛ لن يجد التنصيص الصريح على مبدأ أو صفة القناعة بالمهنة، لكن هذا المبدأ يستشف من الفرع الرابع من الباب الثاني المتعلق بقانون خطة العدالة 16-03، هذا الفرع المعنون بحالات التنافي، حيث تنص المادة 22 من هذا القانون السابق ذكره، على أن مهنة خطة العدالة تتنافى مع الوظائف العمومية ومهام المحامي والمفوض القضائي والوكيل العدلي ووكيل الأعمال والمستشار القانوني والخبير والترجمان والناسخ والسمسار، ومع كل نوع من أنواع التجارة يتعاطاه العدل شخصيا.

وبما أن مهنة التوثيق العدلي مهنة أصيلة وشريفة، كما أن اختصاصات العدل متشعبة، فإن الغاية من التنصيص على حالات التنافي هو الحفاظ على سمعة المهنة وسمعة ممتهنيها، وحث العدل على التفرغ لمهامه بكل إتقان وتفان، حتى تتحقق الجودة في العمل ويتم وضع حد لتضارب المصالح ومحاربة الجشع والمنافسة غير المشروعة، كل هذا تحقيقا للمصلحة العامة، وكذا المصلحة الخاصة المتمثلة فيخدمة المواطن المرتفق وتحقيقا لأمنه التعاقدي.

هذا وقد تشدد المشرع في تحديده لحالات التنافي، حيث جعل من حالات التنافي ممارسة كل عمل يؤدي عنه أجر، ولم يستثني إلا المهام الدينية والأنشطة العلمية شرط إذن وزير العدل بممارستها.

وحتى يتم الامتثال لكل ما ذكر أعلاه، نص المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة 22 من قانون 16-03، على أن الجزاء المترتب على وقوع العدل في حالة التنافي هو الاسقاط من الخطة بقرار لوزير العدل. وللإشارة فإن هذا القرار يعد قرارا إداريا وليس من العقوبات التأديبية المنصوص عليها في قانون 16-03.

مقال قد يهمك :   الرميد يحاضر من طنجة حول التطور القانوني و المؤسساتي لحقوق الإنسان بالمغرب

والجدير بالذكر أن مشروع تعديل قانون 16-03 جاء بمستجدات حقيق علينا ذكرها، من بينها أن مهنتي الوكيل العدلي والوسيط الأسري تعدان كاستثناء من المهام التي إن مارسها العدل فإنه يقع في حالة التنافي. وحسب المادة 21 من المشروع فإن العدل يمكنه كذلك الترشح للانتخابات الجماعية والإقليمية والبرلمانية.

أما الجديد في المشروع والمتعلق بجزاء وقوع العدل في حالة التنافي؛ فإن هذا العدل يمهل من قبل نقيب الهيئة الوطنية للعدول مدة 3 أشهر لتسوية وضعيته وإلا أسقط بقرار لوزير العدل.

سابعا: واجب النصح لأطراف العقد

إن العدل وهو يمارس مهنته، ونظرا لدرايته بالإجراءات والمساطر القانونية الواجب سلوكها من أجل تأسيس عقد يعد شريعة للمتعاقدين؛ فإن من واجبه أي “العدل” النصح لأطراف العقد وتبصيرهم بما يقبلون عليه من معاملات.

والنصح: نقيض الغش، يقال: نصح له ونصحه ينصح نصحا ونصوحا ونصيحة ونصاحة ونصاحية والفاعل ناصح. قال سبحانه على لسان نبي الله نوح: (وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون).

هذا، وإن مشروع تعديل قانون خطة العدالة 16-03 نص صراحة على هذا الواجب القانوني والأخلاقي في المادة الثانية (2) منه حيث جاء فيها ” يجب على العدل إسداء النصح للأطراف، كما يجب عليه أن يبين لهم ما يعلمه بخصوص موضوع عقودهم، وأن يوضح لهم الأبعاد والآثار التي قد تترتب عن العقود التي يتلقاها”. ومن نافلة القول؛ فإن النظام الداخلي للهيئة الوطنية للعدول أشار بشكل صريح إلى واجب النصح وقدم مثالا يجسده، وذلك في المادة التاسعة (9) منه، فبناء على المادة هذه يتعين على العدل أن يقدم للمتعاقدين النصح والتوجيه قبل تلقي الشهادة منهم، وأن يبين لهم مزايا التوثيق الرسمي والضمانات القانونية التي يوفرها لمعاملاتهم.

ومن الأمثلة كذلك على واجب النصح والتي نستشفها من قانون خطة العدالة 16-03؛ ما أشارت إليه المادة 17 من إمكانية تكليف أحد العدلين من قبل المتعاقدين بالقيام بالإجراءات المتعلقة بإدارة التسجيل والتنبر وإدارة الضرائب والمحافظة العقارية، حيث يتعين على العدل إخبار المتعاقدين بإمكانية سلوكهم لهذا الإجراء الذي سمح به القانون. ومن الأمثلة أيضا ما أشارت إليه المادة 49 من مدونة الأسرة؛ فبمقتضى هذه المادة؛ يقوم العدلان بإشعار الطرفين عند زواجهما بالأحكام المتعلقة بتدبير الأموال المكتسبة أثناء قيام العلاقة الزوجية.

إن النصح الذي هو نقيض الغش، يتطلب من العدل أن يبصر الأطراف بقيمة الأتعاب المحددة قانونا لفائدة العدل، حتى تتحقق سلامة القلوب، وتعم الثقة في مرفق التوثيق العدلي، ويجب على العدل الذي اشترط فيه المشرع أن يكون مسلما للترشح لهذه المهنة؛ أن يجعل قول الرسول عليه السلام “من غشنا فليس منا” أساسا ومنهاجا لتعامله مع المرتفقين.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]