العربي مياد : هل من دور لإدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة في حماية الأملاك العقارية ؟
- د / العربي محمد مياد : رئيس مرصد الأنظمة العقارية والتعمير والبيئة.
حددت المادة 6 من المرسوم رقم 2.07.995 الصادر في 23 من شوال 1429 (23 أكتوبر 2008)،بشأن اختصاصات وتنظيم وزارة الاقتصاد والمالية مهام إدارة ة الجمارك والضرائب غير المباشرة في تطبيق السياسة الجمركية الوطنية وفقا لتوجيهات وزير الاقتصاد والمالية.
ويتجسد هذا الدور على الخصوص في :
- بلورة اقتراحات وإعداد دراسات من أجل توضيح الاختيارات الإستراتيجية للحكومة في موضوع السياسة الجمركية؛
- دراسة وصياغة مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية الخاصة بالجمارك؛
- المساهمة في إعداد المقتضيات القانونية والمسطرية واعتماد مساطر جمركية مبسطة تهدف إلى تشجيع الاستثمار والتصدير؛
- دراسة وإعداد والمساهمة في إنجاز مشاريع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تهم مجال التدخل الجمركي والسهر على تطبيق المقتضيات الجمركية الوطنية أو التعاقدية وكذا تتبع علاقات التعاون الدولي الجمركي؛
- وضع وتطبيق التدابير الوقائية ومحاربة الغش الجمركي والسهر على إدخالها إلى حيز التطبيق وكذا اتخاذ التدابير اللازمة لحماية المواطن؛
- تدبير الموارد البشرية التابعة لها والوسائل المادية الاعتمادات المرصودة أو المفوضة لها، ووضع وتدبير الأنظمة المعلوماتية الخاصة بها، وذلك بانسجام مع سياسة تدبير الموارد والإعلاميات الموضوعة من طرف الوزارة؛
- التكفل بالطعون الإدارية المقدمة من طرف المواطنين في إطار مهمة الوساطة والتحكيم؛
- المساهمة مع القطاعات الوزارية المعنية في إعداد وتطبيق القوانين والتنظيمات المتعلقة بالتجارة الخارجية والصرف؛
- المساهمة في إعداد التشريعات غير الجمركية المتعلقة بحماية المستهلك والموكول تطبيقها إلى المصالح الجمركية؛
- مواكبة الإصلاحات المتبعة من خلال عمليات التدقيق والتفتيش.
يستشف مما سبق أن إدارة الجمارك والضرائب المباشرة تعتبر من أهم الإدارات التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية ، ويعهد إليها عامة باختصاصات كلاسيكية وأخرى ذات طابع تنموي و أمني اقتصادي
أولا : الاختصاصات الكلاسيكية أو التقليدية :
تسهر إدارة الجمارك على جباية الرسوم والمكوس الجمركية، وتحصيل الرسوم الضريبية والعينية، فضلا عن مراقبة السلع والأشخاص على الحدود. وبصفة عامة زجر التجارة غير المشروعة وكل أشكال المنافسة غير المشروعة والتهريب الدولي .
ثانيا : الاختصاصات الاستشرافية :
من خلال الاطلاع على موقع إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة يستشف بأن هذه الإدارة تساهم في ضخ ما يناهز 40٪ سنويا من المداخل الجبائية الوطنية، وأن أبرز اختصاصاتها تتمثل في ما يلي :
أ _ حماية المواطن : وذلك عن طريق مكافحة الغش في البضائع والحد من التجارة غير المشروعة للسلع التي من شأنها المساس بالأمن الغذائي والصحة العمومية (المخدرات، السلع المزيفة، الأسلحة والمتفجرات، المنتجات الخطيرة والتي لا تستجيب للمعايير الصحية والجودة المطلوبة…….
ب _ حماية البيئة : تشارك إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة في ” الحفاظ على البيئة، حيث يشارك رجال الجمارك على الحدود في مراقبة مرور المواد المضرة بالبيئة (النفايات السامة ، المواد المستنفدة لطبقة الأوزون، المواد الملوثة،….ناهيك عن مكافحة التجارة غير المشروعة للحيوانات والنباتات المهددة بالانقراض.”
ج _ حماية التراث الوطني : تساهم الجمارك في حماية التراث الوطني سواء تعلق الأمر بالتراث الثقافي و الفني أو الأثري…
د _ حماية الأمن الاقتصادي : تشارك إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة في حماية الأمن الاقتصادي من جميع أنواع الجرائم عبر القارات المتمثلة أساسا في تبيض الأموال وتزييف البضائع والعملات والعلامات التجارية .
لكن السؤال المحير ، لماذا لم يتم التنصيص بصفة صريحة على دور هذه الإدارة في حماية الممتلكات العقارية.
ويتمخض عن هذا السؤال ، سؤال فرعي هل بإمكان هذه المديرية حماية الأملاك المذكورة دون إذن صريح من السلطة التنظيمية وكذا التشريعية ، وما هي أدواتها في ذلك ، وإلى أي حد يتوفر أطرها على التجربة والكفاءة القانونية للقيام بهذا الدور حفاظا على المال العام ؟
انطلاقا من المفهوم الكلاسيكي للعقار بالإنجليزيّة Real Estate وبالفرنسية l’immobilier، يقصد بالعقار كل شيءٍ غير منقول وثابت ولا يمكن نقله من مكانه إلا بتلف، ونضيف ما لم تستعمل وسائل حديثة في نقله ويدخل في حكمه الأرض والمباني والطرق والأسوار..
وقد ميزت المادة 5 من مدونة الحقوق العينية بين نوعين من العقارات ، هناك العقارات بطبيعتها ، وأخرى عقارات بالتخصيص . واعتبرت المادة الموالية العقار بطبيعته “كل شيء مستقر بحيزه ثابت فيه لا يمكن نقله من دون تلف أو تغيير في هيئته ، في حين يبقى العقار بالتخصيص في الأصل منقولا يضعه مالكه في عقار مملوك له بهدف خدمة هذا العقار واستغلاله أو يلحق به بصفة دائمة .
وانطلاقا من ميزة الثبات والاستقرار ، نتساءل هل يمكن تصور تهريب العقار خارج البلاد ، حتى يتسنى لرجال الجمارك التدخل من أجل منع هذا العمل غير المشروع ؟
في اعتقادنا ، فإن الإجابة عن هذا التساؤل تفرض التمييز بين العقار بطبيعته ، والعقار بالتخصيص .
فبالنسبة للعقار بطبيعته كما عرفته مدونة الحقوق الع
ينية ، من الصعب القول بإمكانية نقله خارج الحدود بسهولة ، كالمآثر التاريخية المتمثلة في القصور والحصون والأسوار والأقبية القديمة والأماكن المقدسة كالمساجد والكنائس والبياع … هذا عكس المنقولات والمتمثلة في التماثيل والأواني وقطع الفخار والزليج والألبسة والحلي التي من الممكن تصور خروجها عبر الحدود إلى دول أخرى .
ولذلك فقد تدخل المشرع منذ بداية الحماية ، بمقتضى الظهير الشريف في شأن حفظ الآثار والكتابات القديمة التاريخية ، بتاريخ 16 ذي الحجة عام 1330، منشور بالجريدة الرسمية عدد 2 بتاريخ 16 مايو 1913، بحيث منع كل خروج للمآثر التاريخية إلا بإذن خاص (الفصل الثالث ).
وقد سار على المنهج من خلال كل من ظهير 13 فبراير 1914 المتعلق بصيانة الأبنية التاريخية والمناظر البهيجة كما وقع تعديله وكذا ظهير 27 يوليوز 1945 يتعلق بالمحافظة على الأبنية التاريخية والمناظر البهيجة والكتابات المنقوشة والأشياء الفنية والعتيقة وبصيانة المدن القديمة وأنواع الهندسة الإقليمية ( ج ر عدد 1715 بتاريخ 7شتنبر 1945) الذي جعل كقاعدة الأشياء المذكورة ملكا خالصا للدولة أو الأحباس غير قابلة للتفويت أو الاكتساب بالحيازة المكسبة ، كما منح مدير العلوم والمعارف ( وزير الشؤون الثقافية حاليا) اختصاصات مهمة في تدبير والمحافظة على المآثر التاريخية .
ويعتبر القانون رقم 22.80 المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية والعاديات الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.80.341 بتاريخ 25 دجنبر 1980 كما وقع تعديله وتتميمه بمقتضى القانون رقم 19.05 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.06.102 بتاريخ 15 يونيو 2006 بحق من أهم القوانين التي ساهمت في الحفاظ على المآثر التاريخية الوطنية واعتبرت رجل الجمارك من الأشخاص المؤهلين لإثبات المخالفات المتعلقة بهذا الموضوع إلى جانب ضباط الشرطة القضائية ، وعاقب الفصل 54 بعقوبة حبسية كل من عبث بالمآثر التاريخية أو أقدم على تصديرها خلافا لما هو معمول به قانونا ، ناهيك عن العقوبة المدنية المتمثلة في غرامة تساوي عشر (10) مرات قيمة المنقول الذي ارتكبت المخالفة في شأنه ، كما تقضي المحكمة وجوبا بمصادرة المنقول المذكور المرغوب في تصديره أو الذي تم تصديره خلافا للقانون .
وهذا يعني أنه يقع على حماة الجمارك الالتزام القانوني بحماية المآثر التاريخية من كل محاولة التصدير النهائي للمنقولات ذات الطابع الأثري، أو التصدير المؤقت دون احترام لشروط الترخيص المؤقت . ويكون التصدير بدون تصريح عندما تكون المنقولات المعنية المارة من مكتب الجمركي قد وقع التستر عليها عند إجراء المعاينة بإخفائها في أماكن غير مخصصة للبضائع أو بشكل يصعب معه بالعين المجردة اكتشافها .
ويعتبر القضاء المغربي بأن ” حجية المحاضر المحررة من طرف موظفي وأعوان إدارة الجمارك تكتسي قوة قانونية غير قابلة لإثبات العكس فيما يتوصلون إليه من إثبات لوقائع ومعاينات تم إجراؤها بمناسبة قيامهم بمهامهم .” ( القرار عدد 776 الصادر بغرفتين بتاريخ 4 شتنبر 2012 في الملف 7392/6/3/2011 منشور بمجلة قضاء محكمة النقض عدد 79 ص 316).
كما أنه في المقابل قضى بأن ” القيمة الواجب اعتمادها لحساب الغرامة الجمركية هي قيمة الشيء في حالة جيدة بالسوق الداخلية وقت ارتكاب فعل التهريب”( قرار المجلس الأعلى عدد 403 بتاريخ 28 يناير 2004 في الملف الجنحي عدد 2085/2000 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 62 السنة 25 ص 289)
لكن هل من حق إدارة الجمارك إجراء الصلح مع مهربي المآثر التاريخية ؟
طبقا للفصل 273 من مدونة الجمارك، للإدارة قبل حكم نهائي أو بعده أن تصالح الأشخاص المتابعين من أجل أفعال مخالفة للقوانين والأنظمة الجمركية ، غير أنه بمقتضى الفصل الموالي لا تصبح المصالحة نهائية إلا بعد المصادقة عليها من طرف وزير الاقتصاد والمالية أو من طرف المدير العام للجمارك.
وفي اعتقادنا ، فإن هذا الفصل لا يسري على التصدير غير المشروع للمآثر التاريخية على اعتبار أنها ليست بضاعة كما أن الساهر على الحفاظ عليها ليس وزير الاقتصاد والمالية وإنما الوزير المكلف بالثقافة . ومن تم لا يمكن تصور المصالحة في مجال تهريب المآثر التاريخية.
وفي هذا الإطار لا بد من التذكير بما تداولته بعض الصحف الوطنية بشأن عملية تهريب مستحاثات نادرة من منطقة تدعى كمكم بجهة درعة تافيلالت، حيث أعلن تاجر تحف إيرلندي ضمن مجموعة مغلقة بالموقع ذاته، متخصصة في تسويق الآثار الأركيولوجية والتحف النادرة، عن استعداده لبيع هيكل الديناصور «سبينوزوروس»، المجلوب من المنطقة المذكورة عبر التهريب ، الذي يصل عمره إلى 100 مليون سنة.مما يدفعنا إلى التساؤل عن حجم المآثر المنقولة أو المفتتة من العقارات التاريخية التي غادرت الحدود المغربية دون أن يفطن أصحاب الشأن إليها، بل وبدون تعقبها في غالب الأحيان بسبب الفراغ التشريعي .
ومما ينبغي التذكير به أنه وحتى بصدور ظهير 5 يونيو 2000 المعدل للقانون الجمركي ، فإن إدارة الجمارك تظل بعيدة عن عالم العقار بالطبيعة وكذا بالتخصيص إلا ما تعلق بتهريب الآثار . وفي هذه الحالة تتقاسم الأدوار مع وزارة الثقافة وكذا الوزارة المكلفة بالطاقة والمعادن، في غياب أي تنسيق فعال، مما ينبغي معه تدخلا تشريعيا في هذا الشأن .
ويبقى السؤال الذي يتطلب حسما من القضاء ، ما ذا عن العقارات والمنقولات المتأتية من الاتجار الدولي في المخدرات ، فهل تختص الإدارة العامة للجمارك والضرائب غير المباشرة بالتدخل في المسطرة الجارية وتطالب بالمصادرة لفائدة الدولة؟ أمام عدم إجبارية مديرية أملاك الدولة لكي تتنصب في الدعوى العمومية الرائجة للمطالبة بذلك ؟
لذلك نرى ضرورة تقوية تجميع “العقار العمومي” الذي تفرق تدبيره بين مجموعة من الإدارات ، مما جعلهم يتنافسون في رفع خصوماتهم بشأنها أمام مختلف المحاكم العادية والإدارية ، وكأنهم يدبرون أموالهم الخاصة ، وذلك عن طريق الارتقاء بمديرية أملاك الدولة من مجرد مديرية عادية تابعة لوزارة الاقتصاد والمالية إلى وزارة أملاك الدولة قائمة الذات يرأسها عضو في الحكومة ، كما كان الشأن في بداية القرن الفائت حيث كانت تابعة لنائب وزير المالية في الوزارة المخزنية الصادر بتأسيسها الظهير الشريف المنشور بالجريدة الرسمية عدد 1 بتاريخ 1 فبراير 1913، قبل إضعافها وتحويلها إلى مجرد مصلحة تابعة لإدارة الضرائب لأسباب نعجز عن فهمها.
وتشتمل على مديريات لا تقل عن أربع مديريات ، تعنى الأولى بالتدبير والتسيير مع جعل أملاك الدولة في خدمة الاستثمار المنتج ، والأخرى بتثمين العقارات بطريقة علمية اتقاء للزبونية والريع وربطها بسجل وطني تحت أعين رئيس الحكومة ، وأخرى بالتصفية العقارية لأملاك الدولة، مع جعل تحفيظ أملاك الدولة إجباريا والرابعة بحمايتها من الترامي والاستغلال غير المشروع ، مع اعتماد الصفة الضبطية لمن يسهر على حمايتها فضلا عن إعادة النظر في النصوص المنظمة لأملاك الدولة العامة والخاصة وتحيينها وتجميعها في مدونة واحدة ، تدعى مدونة أملاك الدولة ، على اسم المديرية الحالية التي تضمن المرسوم رقم 2.07.995 صادر في 23 من شوال 1429 (23 أكتوبر 2008) بشأن اختصاصات وتنظيم وزارة الاقتصاد والمالية، خطأ فادحا في المادة 13 منه ، عندما أطلق اسم مديرية أملاك الدولة على مديرية الأملاك المخزنية وهي لا تدبر كل أملاك الدولة وإنما أملاكها الخاصة فقط ودون حتى الملك الغابوي ، ثم غير بمرسوم ما تضمنته نصوص قانونية صادرة بظهير شريف كما هو الشأن بالمسطرة الجنائية والقانون الجنائي التي ظلت تسميها بمديرية أو إدارة الأملاك المخزنية، وذلك في صمت مطبق من المستشارين القانونيين للأمانة العامة و”فقهاء” مديرية أملاك الدولة .