البرلمان الفرنسي: المصادقة على قانون مكافحة الإرهاب المثير للجدل.
أقرَّ البرلمان الفرنسي يوم الأربعاء 19 أكتوبر 2017، بشكل نهائي قانون مكافحة الارهاب المثير للجدل ما يعطي السلطات صلاحيات جديدة دائمة في مجال المداهمات أو إغلاق دور عبادة ما أثار انتقادات من بعض المدافعين عن الحريات العامة.
والقانون الجديد الذي يتضمن بعض إجراءات حالة الطوارىء التي فرضت بعد اعتداءات باريس عام 2015 ، سيزيد السلطة الإدارية وخصوصاً المحافظ، على حساب سلطة القاضي حيث يسهل القانون الجديد عمليات التفتيش وفرض الإقامة الجبرية وغلق دور العبادة التي تعتبر مشبوهة ويعزز مراقبة الهوية على الحدود وعلى مشارف محطات النقل.
و يعيد هذا القانون الجديد للأذهان مذبحة وقعت عام 1961 تندرج ضمن أكثر أعمال القمع التي ارتكبتها الدولة الفرنسية بحق المحتجين السلميين في التاريخ الأوروبي الحديث، لكنَّ قِلَّةً فقط مَن يتذكرون هول ذلك المشهد.
ففي يوم 17 أكتوبر 1961، حين كانت الحرب الجزائرية في أشهُرها الأخيرة، احتشد آلاف المتظاهرين الجزائريين المؤيدين للاستقلال في مسيرةٍ عبر شوارع العاصمة الفرنسية الجميلة، مطالبين بوضع حدٍ لصراعٍ كان يبدو أنَّه أبديّ، وإنهاء العُزلة المفروضة التي واجهها الكثيرون في فرنسا المتروبوليتانية أو الإقليم الأوروبي لفرنسا. (فرنسا تضم أقاليم تقع خارج أوروبا).
لكن لم يحدث أيٌ من ذلك؛ فسرعان ما انقضَّت قوات الأمن الفرنسية على الحشود انقضاضاً قاتلاً، ووصل الأمر إلى حد إلقائهم بعض الجثث في نهر السين بعد فض التظاهرات. ويُقدِّر مؤرخون عدد القتلى الذين لقوا حتفهم على يد الشرطة بنحو 200 شخص، لكن لا يمكن تأكيد الرقم بالضبط.
تقول الصحيفة الأميركية أن المتظاهرين الجزائريين الذين قُتِلوا عام 1961 كانوا قد هُوجِموا من الشرطة استناداً لنسخةٍ سابقة من القانون نفسه الذي جعله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الآن دائماً، مع إضافة بعد التعديلات، وهو قانون “حالة الطوارئ” مما يعني أن هذا القانون الجديد بالنسبة للعرب والمسلمين في فرنسا يمثل تذكرةً مؤلمة بماضٍ أكثر إيلاماً.
متى صدر هذا القانون؟
حالة الطوارئ في فرنسا لها تاريخ واضح يرتبط ارتباطاً أساسياً بماضي البلاد الاستعماري، لا سيَّما بكابوس تلك الليلة في أكتوبر من عام 1961.
ففي المراحل الأولى من حرب الجزائر، المعروفة لدى الجزائريين بـ”ثورة التحرير الجزائرية، أصدرت الحكومة الفرنسية في عام 1955 قانوناً يمكِّن السلطات من كبح جماح التمرد الثوري. وفي إقليمٍ امتد في نهاية المطاف ليشمل كل أنحاء فرنسا الميتروبوليتانية، أصبح بإمكان السلطات منع المشتبه في كونهم ثواراً جزائريين من التجمُّع علناً وتبادل الأفكار.
وبحلول أوائل شهر أكتوبر عام 1961، شملت سلطات الطوارئ فرض حظر تجولٍ خاص على العمال الجزائريين في ساعات الليل، وكان جميعهم من المواطنين الفرنسيين آنذاك. وكان هذا التمييز جزءاً من الأسباب التي دفعت الكثيرين إلى الاحتجاج في ليلة 17 أكتوبر.
و تتحدث سيلفي ثينو، وهي مؤرخة فرنسية بارزة للاستقلال الجزائري، والتي كتبت عن حالة الطوارئ، قولها، إنَّه بالأحرى لم تكن هناك “صلة مباشرة” بين القانون نفسه والهجوم على المتظاهرين الجزائريين. إذ كان المسؤول عن الهجوم هو رئيس شرطة باريس آنذاك موريس بابون، وهو الرجل نفسه الذي أشرف في أثناء الحرب العالمية الثانية على ترحيل نحو 1600 من يهود مدينة بوردو الفرنسية إلى معسكرات اعتقالٍ نازية، حيث لقوا حتفهم. وبعد ترقيته إلى رتبة وزيرٍ بالحكومة، أُدين في وقتٍ لاحق بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في عام 1998.
أبعاد أخرى للقانون:
وأضافت ثينو: “كان هناك جزءٌ تمييزي وعنصري في القانون، لكنَّه احتوى على أبعادٍ أخرى كذلك، مثل عرقلة مساعي المعارضين السياسيين. وبصورةٍ عامة جداً، يمكن القول إنَّ حالة الطوارئ لعبت دوراً في الاجراءات الاستثنائية التي كانت تُستخدَم لممارسة لتمييز العنصري ضد الجزائريين وعزلهم”.
وبالنسبة لياسر اللواتي، وهو ناشطٌ فرنسي بارز في مجال الحريات المدنية، يتحدث التاريخ عن نفسه، ويرى أنَّ الحكومة الفرنسية، بتمريرها نسخةً من القانون نفسه، قد بعثت في نهاية المطاف برسالةٍ واضحة إلى الأعداد الكبيرة من السكان العرب والمسلمين في فرنسا مفادها أنَّ “ذلك يعني أنَّ حياتهم لا تعني الكثير” على حد قوله.
وقال آرون كابيل، وهو باحث في التاريخ الاستعماري الفرنسي ويُدرِّس في جامعة باريس الكاثوليكية: “لقد كان هذا أكبر عدد جرائم قتلٍ ترتكبها الشرطة ضد مدنيين في أي دولة من دول العالم الغربي منذ الحرب العالمية الثانية، ولا يزال كذلك حتى يومنا هذا. وقد حدث ذلك في ديمقراطيةٍ غربية”.
وعلى سبيل المقارنة، قُتل ما لا يقل عن 91 يهودياً في اعتداءات ليلة البلور التي وقعت في عام 1938 بجميع أنحاء ألمانيا، و155 طالباً على الأقل في مذبحة ساحة تيانانمن التي وقعت في عام 1989، مع أنَّ هناك تقديرات أخرى تُقدِّر عدد القتلى بأكثر من ذلك بكثير.
وتساءل اللواتي: “ما الفرق بين ذلك الحين والوضع الحالي؟ لا، لم يعد هناك أشخاصٌ يُقتَلون في الشوارع، لكنَّ آلاف المداهمات تجري دون مذكرات، لأنَّ هؤلاء المستهدفون قد أُبلِغ عنهم من جانب جيرانهم أو زملائهم”.
وينظر العديد من المسلمين إلى الحرب الفرنسية على الإرهاب باعتبارها حملة قمعٍ ضد المسلمين لكن باسمٍ آخر، وتُظهِر بعض الإحصاءات شيئاً من الحقيقة في هذه النظرة.
فوفقاً لإحصاءات جمعتها منظمة العفو الدولية، داهمت الشرطة الفرنسية نحو 4 آلاف منزل، ووضعت قرابة 400 شخص قيد الإقامة الجبرية منذ نوفمبر 2015. لكن استناداً إلى بياناتٍ جمعتها جمعية مكافحة معاداة الإسلام في فرنسا، وهي منظمة مُكرَّسة لمكافحة التمييز، فإنَّ نحو 25% من عمليات الإخضاع للإقامة الجبرية قد شملت مسلمين. وذلك في حين أنَّ المسلمين لا يُمثلون أكثر من 10% من عدد السكان الإجمالي.
وفي أثناء الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي أُجريت في ربيع العام الحالي، رأى البعض داخل المجتمعات العربية والمسلمة في فرنسا أنَّ ماكرون، الذي دافع في سباقٍ لعبت فيه مسألة الهجرة دوراً كبيراً عن مبادئ التسامح والترابط، هو بطل. فبينما كانت منافِسَتِه مارين لوبان اليمينية المتطرفة تهاجم “الإسلام المتطرف”، وصل الأمر بماكرون إلى المجاهرة بوصف تاريخ بلاده الاستعماري بأنَّه “جريمة ضد الإنسانية”.
لكنَّ اللواتي قال إنَّ صورة الرئيس الجديد في أذهان أولئك المنتمين إلى أكبر أقليةٍ في فرنسا لم تعد هي صورة ذلك المُنقِذ. ومع أنَّ سلفه، فرانسوا أولاند كان قد كسر في 2012 عقوداً من الصمت الحكومي بوصفه مذبحة باريس بأنَّها “قمع دموي”، فإنَّ ماكرون، على العكس من ذلك، لم يقل شيئاً، بل يدافع في ذكرى المذبحة عن مشروع قانونه الأمني الجديد.
ويرى اللواتي وغيره أنَّ الصمت مُطبق. وقال: “إنَّ حقيقة عدم وجود عائقٍ أمامه لاتخاذ خطوات أكثر من هذا القانون تعني أنَّنا مضطرون لتحمُّل هذا العبء في المستقبل”.واعتبر وزير الداخلية الفرنسي جيرار كولومب أن القانون الجديد يشكل “رداً دائماً على تهديد بات دائماً”.لكن هذا التبرير لا يقنع معارضيه في الداخل والخارج.
وحذرت فيونيولا ني أولاين خبيرة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان مؤخراً من أن “تطبيع مشروع القانون هذا لسلطات حالة الطوارىء يهدد بشكل خطر حرمة حقوق الإنسان وحمايتها”.
منقول بتصرف عن موقع www.huffpostarabi.com