حدود رقابة محكمة النقض على محاكم الموضوع في المادة المدنية : قضايا الشرط الجزائي نموذجا
- من إعداد : إبراهيم البعلي خريج الماستر المتخصص في المهن القانونية و القضائية.
نظرا لتعدد محاكم الموضوع واختلاف درجاتها، فإن الأمر استدعى وجود جهاز قضائي أعلى منها، لمراقبة عمل قضاة الموضوع من أجل ضمان وحدة القانون واستقرار الإجتهاد القضائي، فكما هو معلوم أن محاكم الموضوع في إطار قيامها بمهامها تأخذ بعين الاعتبار خضوعها لرقابة محكمة النقض في جوانب عديدة، وهو ما يمكن أن نستشفه من خلال مجموعة قضايا عرضت على أنظار القضاء كان موضوعها المطالبة بتعديل الشرط الجزائي، وبهذا المفهوم فإن رقابة قضاء النقض على قضاء الموضوع بخصوص تعديل الشرط الجزائي تشكل ضمانة حقيقية في تفعيل سلطة المراجعة المخولة بموجب الفصل 264 من ق.ل.ع، فمتى لم تعمل محكمة الموضوع سلطتها في المراجعة في حين أن الأمر كان يقتضي إجراءها، تبسط محكمة النقض رقابتها عليها، وتنقض قراراتها.
و الملاحظ أن رقابة قضاء النقض على قضاء الموضوع بخصوص ممارسة سلطته في مراجعة الشرط الجزائي سواء بالتخفيض أو الرفع، تضيق عندما يتعلق الأمر باستخلاص الوقائع وتتسع إذا ارتبط الأمر بالتعليل واستخلاص النتائج.
هذا ما يمكن أن نعالجه من خلال الإجابة على هذه الإشكالية :
ما هي حدود رقابة قضاء النقض على قضاء الموضوع ؟ و كيف تشكل هذه الرقابة ضمانة حقيقية في تفعيل سلطة مراجعة الشرط الجزائي ؟.
وفي سبيل الإجابة عن هاذين السؤالين ارتأيت تقسيم الموضوع لفقرتين:
- الفقرة الأولى : استخلاص الوقائع بين إختصاص قاضي الموضوع و انعدام الرقابة القضائية.
- الفقرة الثانية : مدى فعالية رقابة محكمة النقض على التعليل و استخراج النتائج.
الفقرة الأولى : استخلاص الوقائع بين إختصاص قاضي الموضوع وانعدام الرقابة القضائية.
تبقى لمحاكم الموضوع السلطة التقديرية في استخلاص الوقائع القانونية، وفي نطاق العقد المتفق فيه على الجزاء نتيجة الإخلال الذي قد يشوب تنفيذه أو التأخير في تنفيذه[1].
وإن أول عمل يقوم به قاضي الموضوع لحل النزاعات المطروحة أمامه، هو استخلاص الوقائع والذي يعني:
محاولة قاضي الموضوع الوصول إلى وضع صورة كاملة وتقريبية لوقائع النزاع كما هي، أو كما حدثت[2].
فهذا العمل يشكل عمل واقعي يمارسه قضاة الموضوع دون رقابة من قضاء النقض عليهم، لهذا يجب على قضاء النقض أن يبقي على الوقائع على الحالة التي أثبتها قضاة الموضوع، دون تغيير أو زيادة أو نقصان، لأنه لا يشكل درجة ثالثة من درجات التقاضي، وبالتالي فمتى ما أثير أمام قضاء النقض دفوع أو مسائل لم تعرض على محاكم الموضوع، فإنه بدون شك سيقوم بعدم قبولها[3]، لأن ذلك من اختصاص قضاء الموضوع، هذا الأخير الذي له أن يقدر حصول التنفيذ من عدمه، وثبوت الضرر من نفيه، فتقدير الوقائع على ضوء ظروف وملابسات كل قضية يبقى لقاضي الموضوع ولا معقب عليه من محكمة النقض[4].
وتماشيا مع دور محكمة النقض في توحيد الإجتهاد والعمل القضائيين، فإنه إذا كانت حالات المراجعة القضائية ظاهرة وثابتة لا يمكن تجاهلها، يمكن لقضاء النقض أن ينقض الحكم أو القرار الذي رفض إعمال المراجعة رغم توفر شروطها[5]، لأنه يعتبر خرقا لنص الفصل 264، وبالتبع يدخل ضمن دائرة القانون وليس الواقع.
ومن الأمور التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع أيضا نجد، تقديره للواقع المعنوي والمتعلق بالتغلغل في أعماق الخصوم، والكشف عن نياتهم، لأنه من الأمور التي يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار عند إعمال القاضي لسلطته في التعديل كدرجة خطأ المدين وحسن أو سوء نيته، وفي التنفيذ الجزئي للإلتزام درجة النفع الذي عاد على الدائن من جراء التنفيذ الجزائي، هذه كلها مسائل تتطلب مجهودا من قاضي الموضوع وحده دون قضاة النقض[6].
وهذا بالفعل ما تبين من خلال قرار لمحكمة التمييز اللبنانية إذ جاء فيه : “تقدير القاضي لحجم التنفيذ الجزئي ونسبته من أصل الموجب وصولا إلى تحديد المبلغ المتبقي من البند والواجب دفعه لا يخضع هذا إلى رقابة محكمة التمييز.”[7].
و تجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من اعتبار استخلاص الوقائع من مسائل الموضوع التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع، والتي لا يخضع فيها لرقابة محكمة النقض، فإن هذه الأخيرة تتدخل في بعض الحالات لمراقبته، ويتعلق الأمر أساسا بإعمال قواعد الإثبات، فالقاضي وهو يقوم باستخلاص الوقائع ملزم باحترام القواعد القانونية المقررة في مجال الإثبات وإلا عرض حكمه للنقض، لأن القواعد المذكورة تدخل في مجال القانون الذي يخضع لرقابة محكمة النقض[8].
وبعد إنتهاء قاضي الموضوع من استخلاص الوقائع ينتقل مباشرة إلى عمل آخر وهو ما يسمى بالتكييف، إذ يخضع تكييف الشرط الجزائي لرقابة قضاء النقض، وذلك باعتبار أن عملية التكييف عملية قانونية يقوم بها القاضي، وتنطلق رقابة محكمة النقض في هذا الصدد من الوقائع التي حكم بها القاضي في الموضوع وبسلطته المطلقة، وكذلك لها حق التحقق من تكييف العقد مادام أن قضاة أدنى درجة لجؤوا إلى استنتاج قانوني انطلاقا من الواقع[9].
فتحديد القانون الذي يجب تطبيقه على العقد لا يقتضي تحديد طبيعته فقط، ولكن تصحيح التكييف إذا كان الأطراف قد أعطوه وصفا خاطئا، فإذا طرح نزاع ما أمام قاضي الموضوع، فإنه غالبا ما يكون موصوفا من طرف الخصوم أو محاميهم بأوصاف معينة، ومثل هذه الأوصاف لا تلزم قاضي الموضوع، ولا ترتب أي أثر بالنسبة له، لأنه من المفروض في القاضي أنه يعلم القانون، بالإضافة إلى أنه لا يوجد أي التزام على الخصوم بإضفاء وصف قانوني ما على ادعاءاتهم، مثل هذا الوصف إذن يدخل ضمن وظيفة قاضي الموضوع[10].
وهو ما ذهب إليه القضاء، ومن ذلك قرار محكمة النقض المغربية عدد 2\489 إذ جاء فيه:
“لكن، لما كان من حق المحكمة إعطاء التكييف القانوني لإتفاقات الأطراف، فإن محكمة الاستئناف التجارية مصدرة القرار المطعون فيه لما عللته بخصوص التعويض المستحق للطالبة جراء فسخ عقد الترخيص الممنوح للمطلوبة بمقتضاه فتح المحل الحامل لعلامتها، فإن ذلك كان بسبب إخلال المطلوبة بالتزاماتها المضمنة بالعقد المذكور ونتيجة لهذا الإخلال اعتبرت عن صواب أن البند المتعلق بالتعويض عن الفسخ يدخل في إطار الشرط الجزائي المتفق عليه وأخضعته لسلطتها في التقدير وفق ماهو منصوص عليه في الفصل 264 من ق.ل.ع في الفقرة الثالثة منه التي تنص على أنه –يمكن للمحكمة تخفيض التعويض المتفق عليه إذا كان مبالغا فيه أو الرفع من قيمته إذا كان زهيدا، ولها أيضا أن تخفض من التعويض المتفق عليه بنسبة النفع الذي عاد عى الدائن جراء التنفيذ الجزئي- وهي بنهجها لم تخرق المقتضى المحتج بخرقه وجاء قرارها المطعون فيه معللا تعليلا كايا وما بالوسيلة غير جدير بالإعتبار”[11].
بناءا على هذا القرار يتضح أن الأطراف قد أعطوا وصفا قانونيا لإتفاقهم يخالف النص القانوني، مما جعل قضاء الموضوع يقوم بمهمته في هذا المجال ليعيد التكييف وفق ما يتماشى مع النص القانوني الملائم للواقعة، وقد لقي هذا التكييف قبولا من طرف محكمة النقض.
وإن التكييف الخاطئ المعطى للعقد لا يقتصر فقط على المتعاقدين، بل إن محاكم الموضوع قد تخطئ التكييف مما يجعل محكمة النقض تتدخل لتصحيح هذا الخطأ في التكييف، فمحكمة النقض تراقب التكييف المعتمد من طرف محاكم الموضوع من خلال إعطاء التكييف الصحيح للواقعة، ونقض القرارات الإستئنافية التي بتكييفها الخاطئ طبقت على النزاع القانون الغير سليم مادام أن الخطأ في التكييف يترتب عنه تلقائيا الخطأ في تطبيق القانون[12].
ومن ذلك ما تضمنه قرار محكمة النقض المغربية إذ جاء في فيه: “بالرجوع إلى وثائق الملف يتبين أن الطالب التمس في مقاله الحكم ببطلان عقد البيع المبرم بينه وبين المطلوب في النقض لكون هيكل السيارة –موضوع البيع- مزور مما أدى إلى حجزها من طرف الشرطة حسب الثابت من المحضر المحرر من شرطة فاس عدد 14367\ش.ق. وتاريخ 02\06\17 مما يدل على أن السيارة أصبحت غير مسموح بالتعامل بشأنها وبالتالي لا تصلح أن تكون محلا للإلتزام، والمحكمة عوض أن تبت في الطلب في إطاره القانوني المشار إليه أعلاه قامت بتكييف الدعوى على أساس الفصل 553 من ق.ل.ع المتعلق بضمان عيوب الشيئ المبيع، ورتبت على ذلك سقوط الدعوى لعدم إخطار المطلوب في النقض بالعيب داخل أجل 7 ايام، تكون بذلك قد بنت قضاءها على غير أساس قانوني، وعللت قرارها تعليلا فاسدا يستوجب نقضه”[13].
يلاحظ من خلال هذا القرار أن محكمة الإستئناف بآسفي قامت بتكييف الدعوى في إطار الفصل 553 من ق.ل.ع. المتعلق بضمان عيوب الشيئ المبيع، في حين أنه كان عليها أن تبت في الطلب المتعلق ببطلان عقد البيع.
الفقرة الثانية : مدى فعالية رقابة قضاء النقض على التعليل واستخراج النتائج.
إذا كان لقضاء الموضوع اختصاص أصيل فيما يتعلق باستخلاص الوقائع، فإن سلطته بخصوص التعليل تخضع لرقابة محكمة النقض، فالتعليل أو التسبيب أو التحييث يقصد به: “بيان الأدلة الواقعية والحجج القانونية التي بنت عليها المحكمة قضاءها”[14].
وقد عرفه البعض بأنه: “مرحلة تمهيدية تتضمن الأسس والمقومات التي يبني عليها القاضي حكمه، وبفضلها- أي المرحلة التمهيدية- يتم التوافق بين أجزاء الحكم، إذ يكون منطوقه مسايرا للأسباب والدلائل التي مهدت له”[15].
وعليه يتعين أن يكون كل مقرر قضائي معللا تعليلا كافيا سواء من حيث القانون او من حيث الواقع، لأن التعليل “هو روح الحكم، فمن خلاله تتوافر لهذا الحكم مقوماته وأسسه ووجهته”[16]، ويشكل عدم التعليل سواء ارتبط بالواقع أو القانون عيبا موجبا للإلغاء أو النقض، ويتم التصريح بالإلغاء من طرف المحاكم التي تنظر في مختلف طرق الطعن التي يمكن ممارستها في مواجهة القرار الصادر[17]، كما يشكل هذا العيب سببا من الأسباب الموجبة للنقض المنصوص عليها في الفصل 359 من ق.م.م[18].
إذ لم يعد التعليل رهين مزاج القاضي، بل أصبح التزاما قانونيا، وضمانة يقرها الدستور المغربي للمتقاضين إذ جاء في الفصل 125 منه ما يلي: “تكون الأحكام معللة وتصدر في جلسة علنية وفق الشروط المنصوص عليها في القانون”، بناءا على هذا يكتسي التعليل أهمية بالغة، إذ يعتبر ضمانة أساسية لحياد القاضي وعدم انحيازه إلى أي من الأطراف، فهو وسيلة فعالة لتلافي الظلم وتحقيق العدالة والإنصاف وتقريب الحقيقة القضائية من الحقيقة الواقعية، كما يحقق المساواة بين الأفراد فيحاكمون وفقا لنفس القاعدة ولا فرق بين هذا وذاك[19].
وفي إطار قيام القاضي بمهمة التعليل فهو يبدل الجهد الكبير لضمان تعليل متكامل ومركز وموجز يستغرق كل الطلبات والدفوع، مع توخي التعبير السلس والجيد، مع ضرورة استحضار الإرتباط بمحكمة النقض عندما يشرع في وضع لبنات حكمه.
وما يجب التنبيه إليه هو أن مهمة القاضي تتفاقم صعوبتها وتستفحل كلما راقب في عمله توجه محكمة النقض، ويجب أن يراقبها، لأن من مهمته أن يمر بحكمه إلى طوق الأمان، خصوصا أمام حالات البطلان التي تحيط بالحكم من كل جانب، وبالتالي يتعين عليه أن يراعي حالات انعدام الأسباب الكلي أو الجزئي، ثم يراعي كفاية الأسباب لئلا يقع في القصور المرتب للبطلان، ثم أخيرا عليه أن ينهج المنطقية في استنتاجاته وإلا وقع في الفساد في الإستدلال المبطل للحكم بدوره[20].
وفي هذا السياق فقد راقبت محكمة النقض المغربية تعليل أحكام و قرارات محاكم الموضوع، إذ كلما تبين لها أن محكمة الموضوع لم تعلل قرارها بشكل كافي إلا ونقضته.
وهو ما ثبت من خلال قرار عدد: 2\660 والذي جاء فيه: “حيث يعيب الطاعن على القرار في الوسيلة الثانية بنقصان التعليل الموازي لانعدامه ذلك أن المحكمة اعتمدت تعليلا مفاده: “أن توقيع المستأنف عليه على العقد النهائي دون تحفظ والتزامه بأنه تسلم المبيع على الحالة التي يوجد عليها، وأنه لا حق له في المطالبة بأي تعويض يكون قد تراجع بمحض إرادته عن الشروط الواردة في عقد الوعد بالبيع والتي تتعارض مع الشروط الواردة في العقد النهائي”.
وهي بذلك تكون قد وقعت في خلط بين شروط وآثار البيع الإبتدائي وشروط وآثار البيع النهائي، فالبيع الإبتدائي يتضمن شروط والتزامات يترتب عن الإخلال بها جزاءات منصوص عليها قانونا ولا يمكن القول بأن توقيع العقد النهائي يعتبر تنازلا عن تلك الجزاءات وهو تأويل في غير محله،…
حيث إن الدعوى كما هو مأخوذ من مقالها الإفتتاحي ترمي إلى الحكم للطاعن بالتعويض المتفق عليه في عقد الوعد بالبيع الذي تضمن التزام البائعة بأن يكون التسليم النهائي للمبيع في أجل لا يتعدى 31\03\2007 تحت طائلة أدائها تعويضا لفائدة المشتري الطاعن في حالة التأخير في التنفيذ، وأنه بالرجوع إلى تعليلات القرار يتبين أن المحكمة اعتبرت أن الطاعن تنازل عن الشرط الجزائي الوارد في عقد الوعد بالبيع لما صرح في عقد البيع النهائي أنه تسلم العقار المبيع وفق الحالة التي هو عليها، وأنه لا حق له في المطالبة بأي تعويض، والحال أن التنازل عن الحق يلزم أن يكون صريحا…
ولهذا فإن العلة التي اعتمدتها المحكمة والتي استندت فيها إلى تأويل الشرط المضمن بالعقد النهائي والذي لا يحتاج إلى تأويل لا تبرر ما قضت به، مما يجعل قرارها ناقص التعليل وما نعته الوسيلة واردا عليه موجبا لنقضه..” [21].
وفي قرار آخر لمحكمة النقض اعتبرت فيه أن محكمة الإستئناف بأكادير لما قضت بسبقية البت في الشرط الجزائي المطالب به قد جاء قرارها ناقص التعليل، لأن سبقية البت تتطلب شروط منها اتحاد الموضوع أو محل الحق وهو ما يستفاد من هذه الحيثية:
“..حيث يعيب الطاعن على القرار انعدام التعليل وعدم الإعتماد على أساس وخرق القانون الفصل 264 من ق.ل.ع بدعوى أن القرار المطعون فيه أيد الحكم الإبتدائي بعلة أن شروط الدفع بسبقية البت في الموضوع متوفرة، لكون الشيء المطلوب بمقتضى الدعوى الحالية هو ما سبق طلبه، غير أنه بالرجوع إلى المقال الإفتتاحي والمقال الإستئنافي يتضح أن ما قضت به غير سليم ذلك أن المدة المطلوب تصفية التعويض الإتفاقي عنها والمطلوبة في الدعوى التي صدر فيها الحكم السابق تختلف عن المدة المطلوب التعويض عنها في الدعوى الجديدة، وتعتبر امتدادا للمدة السابقة إلى يوم إفراغ المحلين، وأن هناك اختلاف في السبب بين الدعويين وبالتالي لا مجال للقول بتحقق سبقية البت.
حقا فإنه للقول بسبقية البت في الدعوى وأن الحكم اكتسب قوة الشيء المحكوم به، وبالتالي يعتبر قرينة قاطعة على صحة ما قضى به لا تقبل إثبات العكس، فلابد من توفر عدة شروط منها اتحاد الموضوع أو محل الحق، واتحاد السبب وأن تكون الدعوى قائمة بين نفس الخصوم ومرفوعة منهم وعليهم بنفس الصفة…
وبالتالي فإنه وإن توافرت بعض من الشروط المذكورة أعلاه فإن الحق المطالب به في هذه الدعوى يختلف عن الحق الذي سبق المطالبة به…ولم تجب على ما ورد في المقال الإستئنافي كون المدة المطلوبة في الدعوى المتمسك بها من طرف المطلوب تختلف عن المدة موضوع هذه الدعوى، رغم ما قد يكون لذلك من أثر على القرار فجاء ناقص التعليل الموازي لانعدامه وكان ما بالوسيلة وارد على المقال…”[22].
و على سبيل الختم يتضح من خلال هاته القرارات أن محكمة النقض يسهل عليها أمر مراقبة محاكم الموضوع، وذلك من خلال التعليل الذي اعتمدته محكمة الموضوع، إذ لو أنها أغفلت دفعا كانت قد قامت بضمه للجوهر ولم تبت فيه في الأخير، أو لم تجب على طلب أو لم تبين العناصر المعتمدة في بناء حكمها أو قرارها لاستخلاص النتيجة التي توصلت إليها، فإنه يعتبر قرارها ناقص التعليل الموازي لانعدامه وكان مآله النقض.
تأسيسا على ما سبق يتبين أن لمحكمة النقض سلطة مراقبة عمل قضاة الموضوع، وبالتالي فإذا تبين لها من خلال التعليل أن الشرط الجزائي مستحق و واجب الأداء، لكن محكمة الموضوع لم تحكم به، فإنها تقوم بنقض القرار وإحالة القضية على نفس المحكمة لتعيد البت فيه من جديد بهيئة أخرى،
وهو ما ثبت من خلال القرار الأخير الذي قمنا بإيراده، بحيث إن محكمة الإستئناف بأكادير لم تحكم بالشرط الجزائي بدعوى أنه سبق البت فيه من قبل، لكن محكمة النقض رأت خلاف ذلك مما جعلها تنقض القرار الإستئنافي، وعليه فرقابة محكمة النقض تشكل ضمانة حقيقية لأطراف العلاقة التعاقدية في إعمال المراجعة، لأن ذلك يدخل في نطاق القانون والذي يتجلى في الفصل 264 من ق.ل.ع.
الهوامش :
[1]– إكرام ادريوش: “دور القاضي في تعديل التعويض الإتفاقي” رسالة لنيل شهادة الماستر، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية طنجة، السنة الجامعية 2015-2016، ص:41.
[2]– محمد الكشبور: “رقابة المجلس الأعلى على محاكم الموضوع في المواد المدنية-محاولة للتمييز بين الواقع والقانون” أطروحة لنيل شهادة دكتوراه الدولة في القانون الخاص، الدار البيضاء، 2 ماي 1986، الطبعة الأولى سنة 2001، ص: 243.
[3]– إلا اسثتناء عندما تتعلق المسألة بالنظام العام، إذ يمكن إثارتها من طرف الأطراف أو تلقائيا من قبل محكمة النقض.
[4]– عبد الرزاق أيوب: “سطة القاضي في تعديل التعويض الإتفاقي دراسة مقارنة” سلسلة الدراسات القانونية المعاصرة، عدد 5، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 2003.ص:213.
[5]– أمينة مجيدي وسعيدة علواني ولطيفة لمهر:”الشرط الجزائي على ضوء القانون و الإجتهاد القضائي المغربي” بحث نهاية التكوين بالمعهد العالي للقضاء الرباط، الفوج 29 فترة التدريب 2000\2002، ص:71.
[6]– عبد الرزاق أيوب.م.س.ص:214.
[7]– قرار الغرفة الأولى لمحكمة التمييز اللبنانية رقم 13. بتاريخ: 1973\5\22. أشار إليه محمد مرعي صعب: “البند الجزائي دراسة مقارنة” المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس لبنان، سنة 2006، ص:394.
[8]– عبد الكريم الطالب: “الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية دراسة في ضوء مستجدات مسودة مشروع 2015” الناشر مكتبة المعرفة مراكس، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الثامنة، يوليو 2016، ص:231.
[9]– صونية معمري و نورة وعراب: “تفسير العقد على ضوء القانون المدني الجزائري” رسالة لنيل شهادة الماستر، جامعة عبد الرحمان مبرة بجاية، كلية الحقوق والعلوم السياسية الجزائر، السنة الجامعية 2017، ص: 97.
[10]– للتوسع أكثر: راجع محمد الكشبور:م.س.ص:295 وما بعدها.
[11]– قرار محكمة النقض عدد:2\489، في الملف التجاري، عدد:502\2\3\2013، بتاريخ 25\07\2013، ذكره الكبير إسماعيني: “سلطة القاضي في تعديل التعويض الإتفاقي”، رسالة لنيل شهادة الماستر، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية أكدال الرباط، السنة الجامعية، 2014\2015، ص:161.
[12]– إكرام ادريوش:م.س.ص:52.
[13]– قرار المجلس الأعلى، عدد: 1180، في الملف المدني عدد 4008\1\7\2003.بتاريخ 2005\4\20، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 63، مطبعة الأمنية الرباط سنة 2007، ص:43 وما بعدها.
[14]– مأمون الكزبري و إدريس العلوي العبدلاوي: “شرح المسطرة المدنية في ضوء القانون المغربي”، الجزء الأول، الأحكام وطرق الطعن، دار القلم بيروت لبنان، طبعة 1971.ص:125.
[15]– عبد الكريم الطالب: م.س.ص:233.
[16]– عبد العزيز فتحاوي:”صناعة الحكم المدني”،سلسلة الندوات واللقاءات والأيام الدراسية والدراسات، العدد 10، ماي 2010.ص: 67.
[17]– جواد أمهمول: “الوجيز في المسطرة المدنية” دار الآفاق المغربية للنشر والتوزيع، مطبعة الأمنية الرباط، طبعة سنة 2015، ص:127.
[18]– الفصل 359: “يجب أن تكون طلبات نقض الأحكام المعروضة على محكمة النقض مبنية على أحد الأسباب التالية:
1- خرق القانون الداخلي؛
2- خرق قاعدة مسطرية أضر بأحد الأطراف؛
3- عدم الإختصاص؛
4- الشطط في استعمال السلطة؛
5- عدم ارتكاز الحكم لى أساس قانوني أو انعدام التعليل.”
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الفصل ليس لوحده الذي يوجب تعليل الأحكام والقرارات، بل هناك أيضا الفصل 50 ق.م.م. حيث جاء فيه: “…يجب أن تكون الأحكام دائما معللة…”، والفصل 345 من نفس القانون والذي وردت فيه عبارة: “…تكون القرارات معللة…”، نفس المقتضى قرره الفصل 375 إذ جاء فيه: “تصدر محكمة النقض قراراتها في جلسة علنية باسم جلالة الملك وطبقا للقانون. تكون هذه القرارات معللة…”.
[19]– عبد الكريم الطالب.م.س.ص:234.
[20]– عبد العزيز فتحاوي:م.س. ص:104.
[21]– قرار محكمة النقض: عدد 2\660، في الملف التجاري عدد: 2011\2\3\953، بتاريخ: 12\12\2013، غير منشور.
[22]– قرار محكمة النقض عدد 2\300، في الملف التجاري عدد: 2013\2\3\1429، بتاريخ 2014\05\15، غير منشور.