الزكراوي محمد : إشكالية إيداع و تقييد عقد الزيادة في الصداق بالسجلات العقارية.
- ذ. الزكراوي محمد : إطار متصرف بوزارة الداخلية و باحث في الشؤون القانونية والإدارية
- عنوان المقال : إشكالية إيداع و تقييد عقد الزيادة في الصداق بالسجلات العقارية بين احكام مدونة الاسرة وقانون التحقيظ العقاري.
مقدمة:
أقر المشرع المغربي مبدأ إجبارية التقييد بالنسبة لكل الأفعال الإرادية والاتفاقيات التعاقدية الرامية إلى تأسيس حق عيني عقاري، و بالمقابل حث على وجوبية إشهارها بواسطة عملية التسجيل في السجلات العقارية، فجميع الأعمال والاتفاقيات الناشئة بين الأحياء مجانية كانت أو بعوض تبقى خاضعة لشكليات الإيداع والنشر والتقييد،وذلك من اجل كفالة حقوق الاغيار من جهة،ومن جهة ثانية ضمان استقرار المعاملات في إطار امن قانوني حفاظا على الحقوق المترتبة لفائدة أصحابها ومنحهم ضمانات أوسع بقصد التمسك بها في مواجهة الاغيار،لذلك اوجب القانون من اجل تحقيق الغايات الأنفة الذكر على كل شخص يطلب تقییدا أو بیانا أو تقییدا احتیاطیا بالرسم العقاري أن يقدم للمحافظ على الأملاك العقارية طلبا مؤرخا وموقعا من طرفه أو من طرف المحافظ في حالة جھله أو عجزه عن التوقیع يتضمن بیان وتعیین الحق الذي يعنیه التقیید وذلك ببیان رقم رسمه العقاري إذا كان موضوع طلب التقييد ينصب على عقار؛مع ذكر نوع الحق المطلوب تقییده إذا تعلق بنوع أخر من الحقوق المالية ذات الصلة؛ وكذا نوع وتاريخ العقد الذي يثبته؛بالإضافة إلى الإشارة إلى الحالة المدنیة للمستفید من التقیید المطلوب إنجازه؛ وعند الاقتضاء بیان ما يطلب تقییده، في نفس الوقت الذي يطلب فیه تقیید الحق الأصلي، من أسباب الفسخ أو قید على حق التصرف أو أي تقیید خاص آخر،والكل مع بیان الحالة المدنیة للمستفیدين من التقیید المذكور.
فإذا كان مضمون أحكام المادة 65 من الظھير الشريف رقم 177.11. (المتعلق بالتحفيظ العقاري) رقم 07.14، لا تثير أي إشكال بالنسبة لموضوع التقييد فيما شملته من حقوق عينية وجميع الوقائع والتصرفات والاتفاقات الناشئة بین الأحیاء،فانه على عكس ذلك فيما يخص مطالب إيداع او تقييد عقود الزيادة في الصداق بعد إبرام عقد الزواج بالسجلات العقارية، مازال يطرح أكثر من إشكالية خصوصا وان بعض السادة المحافظين على الأملاك العقارية يمتنعون عن طلب تسجيلها او تقييدها بالسجلات العينية وسندهم في رفضهم لذلك،تطبيق مقتضيات المادة 27 من مدونة الأسرة التي تنص على أن الصداق يحدد وقت إبرام العقد.
ولتوحيد الرؤى والعمل على رفع اللبس الحاصل في تفسير مقتضيات المادة المذكورة أعلاه،سوف نتطرق في مقالنا هذا،إلى إبراز ورفع الجلاء الذي بعتري إشكالية رفض الطلبات المتعلقة بإيداع او تقييد عقد الزيادة في الصداق بالسجلات العقارية و ذلك من خلال الفقرتين المواليتين :
الفقرة الأولى : إشكالية الزيادة في عقد الصداق بين مقتضيات المادة 27 من مدونة الأسرة وأحكام الفقه الإسلامي
بالرجوع إلى مقتضيات و أحكام المادة 27 من مدونة الأسرة فيما يخص وقت تسمية وتحديد الصداق نجدها تقضي على انه،يحدد الصداق وقت إبرام العقد، وفي حالة السكوت عن تحديده،يعتبر العقد زواج تفويض،والحقيقة أن ما ورد بالمادة الأنفة الذكر لم تتطرق إلى الجواب عن إشكالية الزيادة في عقد الصداق بعد إبرام عقد الزواج او عدم الزيادة فيه،وهو ما أشارت إليها دورية السيد المحافظ العام الموجهة إلى السادة المحافظين على الأملاك العقارية تحت عدد 403 في شان إيداع او تقييد الزيادة في الصداق بالسجلات العقارية وما يعتريها من غموض،على اعتبار أن المادة 27 من المدونة الأسرية تتحدث عن اعتبار الصداق كشرط من شروط عقد الزواج بالتنصيص على إلزامية وضرورة تحديده في عقد الزواج،وفي ظل سكوت النص وعدم بيان مدى الإمكانية المتاحة بخصوص الزيادة في عقد الصداق بعد ابرام العقد،وما دام انه لا يوجد مانع او نص قانوني بمدونة الاسرة يمنع من الزيادة في الصداق بعد الزواج ،فان غياب النص يحيل بنا الى تطبيق مقتضيات المادة 400 من المدونة نفسها والتي تنص احكامه على ان كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة،يرجع فيه إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف.
ومن خلال الرجوع إلى المذهب المالكي في الموضوع فيما يخص تحديد و تسمية الصداق وما مدى إمكانية الزيادة فيه بعد إبرام عقد الزواج،فإننا لا نجد ما يمنع من إمكانية الزيادة فيه،وهو ما ذهب إليه العديد من الاتجاهات الفقهية والجمهور،
حيث انفق الفقهاء على أن للزوجين بعد العقد الزيادة على المهر المسمى والحط منه باتفاقهما،ذلك أن المهر بعد ثبوته يصبح حقاً خالصاً للزوجة،لا يشاركها في ذلك غيرها،فيكون لها حق الحط منه،أو الإبراء منه بالكلية، فإذا أبرأت الزوج منه كله أو من بعضه صح ذلك دون حاجة إلى موافقة الزوج على ذلك،إلا أن هذا الحط أو الإبراء يرتد برد الزوج،و كذلك الزيادة عليه،فإنها تبرع من الزوج، فتصح،وذهب الحنفية إلى أن ولي الزوج إذا كان أباً أو جداً أو ابناً،جاز له الزيادة في مهر الزوجة مطلقاً،لأن له أن يزوجه بالمهر الذي يشاؤه أصلاً، فيكون له الحق في زيادته،ولأن عرف الناس جرى على الزيادة في المهر، والإهداء بعد العقد،فإذا كان الولي غير الأب والجد والابن،فمقتضى المذهب الحنفي أن لا تصح الزيادة إذا كانت فوق مهر المثل،وإلا فينبغي أن تصح، لأنه ليس لهم أن يزوجوه بأكثر من مهر المثل أصلاً،هذا في الزيادة،أما الحط، فإن كان المهر ديناً وجاء الحط بصيغة الإيراء،فإنه لا يشترط فيه موافقة الزوج، إلا أنه يرتد برده، وإن كان جاء بصيغة الهبة فلا ينعقد إلا بموافقة الزوج عليه في المجلس،كالزيادة،وإن كان المهر عيناً،اشترطت له موافقة الزوج مطلقاً،لأنه هبة، لأن الأعيان لا تقبل الإسقاط، على خلاف الديون.
هذا وقد نص قانون الأحوال الشخصية السوري على صحة الزيادة والحط على النحو المتقدم،إلا أنه اشترط لصحتها شرطاً جديداً، وهو أن يكون أمام القاضي، ونص عليه في المادة /57/ منه، ونصها :
المادة /57/انه لا يعتد بأي زيادة أو إنقاص من المهر أو إبراء منه إلا إذا وقعت أثناء الزوجية أو في عدة الطلاق، وتعتبر باطلة ما لم تجر أمام القاضي، ويلحق أي من هذه التصرفات الجارية أمام القاضي بأصل العقد، إذا قبل به الزوج الآخر،أما المالكية – فيرون إن المهر يصح أن يكون عيناً من ذهب.أو فضة. أو عرض تجارة. أو حيوان. أو دار. أو نحو ذلك، وأما المنافع من تعليمها القرآن ونحوه. أو سكنى الدار. أو خدمة العبد، ففيها خلاف، فقال مالك: إنها لا تصلح مهراً ابتداء أن يسميها مهراً وقال ابن القاسم: تصلح مهراً مع الكراهة وبعض الأئمة المالكية يجيزها بلا كراهة والمعتمد قول مالك طبعاً. ولكن إذا سمى شخص منفعة من هذه المنافع مهراً، فإن العقد يصح على المعتمد، ويثبت للمرأة المنفعة التي سميت لها، وهذا هو المشهور،فالمالكية ينظرون إلى قول مالك فينهون عن جعل المهر منفعة ابتداء، وينظرون إلى قول من أجاز فيعملون به بعد الوقوع بالفعل،فالأصل أن الرجل يلتزم بالمهر الذي سماه للمرأة،فإن تراضيا على خلافه أو زيادته أو نقصانه جاز ذلك لقوله تعالى : ( وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ) النساء،و بذلك في رأينا يجوز للزوج أن يزيد في مهر زوجته الذي سماه في عقد زواجها بعد إبرام عقد الزواج,ما دام كامل الأهلية للتصرفات المالية,لأن ولايته علي ماله ولاية كاملة, فله أن يتصرف فيه بما يشاء,ولأن الله سبحانه وتعالي يقول : ” ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ” .فإذا ما زاد الزوج في مهر زوجته التحقت الزيادة بالمهر المسمي وأخذت حكمه،وسندنا في إجازة ذلك ما جاء في تحفة بن عاصم لقوله:
وزائد في المهر بعد العقد*** لا يسقط عما زاده إن دخلا
الفقرة الثانية : إيداع وتقييد عقد الزيادة في الصداق بالسجلات العقارية.
إن الجواب عن مدى إمكانية الاستجابة لطلبات إيداع او تقييد عقد الزيادة في الصداق بعد إبرام عقد الزواج بالسجلات العقارية وحل إشكالية رفض بعض المحافظين على الأملاك العقارية لتلك الطلبات يجد صيرورته في الفهم الضيق لمقتضيات المادة 27 من مدونة الأسرة باعتقادهم أن إحكامها طالت وشملت موضوع الزيادة في الصداق بعد عملية إبرام عقد الزواج او عدم إمكانية ذلك،والحقيقة انه لا يوجد ما يفند شرحهم و نظرتهم للمادة المذكورة خصوصا وفي ظل سكوت النص مما جعلها تحتمل أكثر من دلالات في الموضوع،والواقع أن مقتضيات المادة 27 تناولت موضوع الصداق كشرط من شروط عقد الزواج وتحديد ه وقت إبرام العقد ،وسكوتها فيما يخص مسألة الزيادة فيه بعد إبرام العقد.
ومن وجهة نظرنا،وبحسب المادة 65 من قانون التحفيظ العقاري رقم 07.14، فإن الأفعال الإرادية والاتفاقات التعاقدية،الرامیة إلى تأسیس حق عیني أو نقله إلى الغیر أو الإقرار به أو تغییره أو إسقاطه،لا تنتج أي أثر ولو بین الأطراف إلا من تاريخ التقیید بالرسم العقاري،دون الإضرار بما للأطراف من حقوق في مواجھة بعضھم البعض وكذا بإمكانیة إقامة دعاوى فیما بینھم بسبب عدم تنفیذ اتفاقاتھم،بحيث يجب أن تشھر بواسطة تقیید في الرسم العقاري،جمیع الوقائع والتصرفات والاتفاقات الناشئة بین الأحیاء مجانیة كانت أو بعوض،وجمیع المحاضر والأوامر المتعلقة بالحجز العقاري،وجمیع الأحكام التي اكتسبت قوة الشيء المقضي به،متى كان موضوع جمیع ما ذكر تأسیس حق عیني عقاري أو نقله إلى الغیر أو الإقرار به أو تغییره أو إسقاطه،وكذا جمیع عقود أكرية العقارات لمدة تفوق ثلاث سنوات، وكل حوالة لقدر مالي يساوي كراء عقار لمدة تزيد على السنة غیر مستحقة الأداء أو الإبراء منه،ونظرا للحماية القانونية التي يضفيها المشرع على الحقوق المالية و العينية المسجلة بالسجلات العقارية او التقييدات بالرسوم العقارية فإن ضرورة استمرار تلك الحماية قد تنصب كذلك على شمول كل ماله من صلة بتلك الحقوق،بما في ذلك إيداع وتقييد عقد الزيادة في الصداق بالسجلات العقارية،ذلك أن الزيادة في الصداق ليست دائما مقرونة بما هو مالي فقط بل قد تشمل الزيادة في الصداق على كل ما يمكن قبوله شرعا كصداق ومن بينها العقارات او الانتفاع بها مادام انه لا يوجد أي مانع يعيق تلك الزيادة بعد إبرام عقد الزواج وتسجيلها او تقيدها بالرسوم العقارية،فلئن كانت الأفعال و الاتفاقات التعاقدية الرامية إلى نقل او تأسيس حق ما لفائدة الغير لا تنتج أثارها ولو بين الأطراف إلا من تاريخ تسجيلها بالرسم العقاري فإن ضرورة مراعاة حقوق الأطراف الناتجة عن اتفاقاتهم التعاقدية وعدم الإضرار بها أولى بالحماية.
لذلك نرى من وجهة نظرنا أن قبول إيداع وتقييد عقد الزيادة في الصداق بالسجلات العقارية أحق بالحماية لما فيه من مصلحة لطرفي العقد في خصوص الزوجة وعلاقتها بنوعية الزيادة في الصداق إذا كانت تنصب على حق عيني على عقار، فثبوت إبرام المقيد كمالك بالرسم العقاري لاتفاقات تعاقدية مع الغير يلزمه ولا يسوع له التحلل منها، فتسجيل تلك الزيادة المتعلقة بالصداق حجة لصاحبها على اعتبار إن المقيد بالرسم العقاري هو المالك ويتوجب على من يدعي غير ذلك أن يثبت ملكيته للحق موضوع التقييد او التسجيل،فالمقصود من قبول طلبات الإيداع و التسجيل والتقييد بالرسم العقاري المتعلقة بالزيادات المنصبة على الصداق بعد إبرام عقد الزواج،ليس هو أداء الرسوم وإنما التسجيل القانوني لها بالسجلات العقارية او تقييدها حيث يترتب عن تقييدها و تسجيلها تطهير الحق موضوع الزيادة في الصداق من جميع الحقوق المنصبة عليه .خصوص إذا تعلقت الزيادة بما له من صلة بالحقوق العينية التي يحميها قانون التحفيظ العقاري لما يستوجبه من شكليات نفاذ العقد في مواجهة الاغيار،وهي الشكلية المنصوص عليها في الفصل 89 من الظھير الشريف رقم 177.11. (المتعلق بالتحفيظ العقاري) رقم 07.14،كلما كان الطلب يتعلق بحق يقتضي إنشاؤه موافقة المالك المقید والحائز لنظیر الرسم العقاري.