أكاديميون : ظهير الوضعية المدنية للفرنسيين و الأجانب بالمغرب يمس بالسيادة الوطنية
رغم أن المغرب نال استقلاله سنة 1956، فإن قوانين كثيرة وضعها المستعمر ظلت سارية المفعول وما يزال معمولاً بها إلى حدود اليوم، من ضمنها ظهير الوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب بالمغرب، الصادر في 12 غشت 1913. غير أن هذا القانون، الذي وضع لحماية امتيازات دولة فرنسا، بات اليوم، يمس بالسيادة الوطنية للمملكة المغربية كدولة مستقلة لم تعد خاضعة أو تابعة لأي جهة أو قوى دولية.
فريق البحث “حسن الأداء في القانون الدولي و المقارن” بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط سلط الضوء، أمس الاثنين 19 مارس 2018، على النقائص التي تعتري ظهير الوضعية المدنية للفرنسيين و الأجانب، بعد مرور أكثر من مائة سنة على صدوره؛ وذلك خلال ندوة دولية احتفت بعطاءات أحد أعمدة رجالات الفكر القانوني بالمغرب، الدكتور عبد الرزاق مولاي رشيد، بحضور عمر عزيمان، المستشار الملكي رئيس المجلس الأعلى للتعليم، ومحمد أوجار، وزير العدل، وسعيد أمزازي، ووزير التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي.
ومن بين المفارقات الغريبة التي وقف عندها مجموعة من الخبراء في مجال القانون، استمرار العمل بنصوص قانونية وضعتها الحماية الفرنسية؛ إذ كان من المفروض أن تتخلى الدولة المغربية بمجرد حصولها على الاستقلال على “قوانين ليوطي” وأن يتم إصلاح قانون الوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب، إلا أن هذا الأمر لم يحدث إلى حدود الآن رغم مضي أكثر من قرن على صدوره، ورغم المشاريع المعدة لهذا الغرض التي بقيت في أدراج النسيان.
الحكومة المغربية، في شخص وزير العدل محمد أوجار، أبدت استعدادها لتغيير هذا القانون؛ إذ أكد المسؤول الحكومي أن الظهير راكم جملة من التساؤلات حول ما أفرزه، خصوصا النقائص والثغرات التي كشفت عنها الممارسة العملية.
ودعا أوجار، في مداخلة احتفت بإسهامات الفقيه القانوني عبد الرزاق مولاي رشيد، إلى استثمار ما أنتجه الرجل في هذا المجال وتقديم مبادرات علمية إلى وزارته تصب في اتجاه المساهمة في إعداد مسودة مشروع قانون بشأن تعديل القانون الدولي الخاص المغربي.
أما الأستاذة جميلة أوحيدة، رئيسة فريق البحث “حسن الأداء في القانون الدولي والمقارن”، فأكدت أن الظهير الذي جاء لحماية مصالح الفرنسيين والأجانب “أصبح متجاوزا وتشوبه عيوب جمة لم تعد تتلاءم والتطورات مع الوضعية الحالية للمغرب ولا مع نظام القانون الدولي”.
وأشارت الباحثة إلى أن تحول المغرب من بلد مصدر للهجرة وبلد عبور في اتجاه أوروبا إلى بلد استقرار، وانفتاحه على العالم الخارجي وتضاعف حجم الاستثمارات الأجنبية القادمة من أوروبا والقارة الإفريقية، أدى إلى التأثير على حجم ونوعية قضايا القانون الدولي الخاص أمام المحاكم المغربية وعلى نطاق تطبيق قواعده، “وهو الأمر الذي يدعو المشرع إلى إصلاح ظهير الوضعية المدنية للأجانب وتحديث القانون الدولي الخاص المغربي”.
بدورها، أوضحت الأستاذة حياة البراقي، رئيسة اللجنة المنظمة للندوة، أن “القانون المشار إليه يمس السيادة الوطنية في حالات كثيرة، ولم يعد قادراً على حل عدد من المشاكل التي ظهرت على مستوى الأحوال الشخصية والعلاقات المالية وبعض العقود الحديثة، كالعقود الإلكترونية”.
وأجمع المتدخلون على أن تحرر المغرب من الاستعمار يفرض اليوم ملاءمة القانون الدولي الخاص المغربي مع الحياة الدولية الخاصة وحركيتها، لاسيما في ظل سيادة نظام العولمة.
هسبريس