مجلة مغرب القانونفي الواجهةقراءة في إعلام المشغل بالفترة المرضية عن طريق تطبيق “الواتساب”

قراءة في إعلام المشغل بالفترة المرضية عن طريق تطبيق “الواتساب”

عزالدين المولي – محام بهيئة الدار البيضاء دكتور في الحقوق

      يلعب الإثبات دورا جوهريا في النزاعات المتعلقة بالشغل، وتتسم وسائله بالتنوع و التطور مما يجعل استعمالها و الاستعانة بها متعددا أمام حرية الإثبات في مدونة الشغل (المادة18 م.ش ) .

 ويتحقق ذلك من جهة عن طريق الوسائل التقليدية، ومن جهة أخرى قد يتحقق عبر وسائل الاتصالات الحديثة والتطبيقات الذكية مثل تطبيق (الواتساب) و (الانستكرام) و (البريد الإلكتروني)  وغيرها من الوسائل المستجدة في التواصل اليومي، التي لقيت استعمالا متزايدا نظرا لما توفره من سرعة وقلة في التكلفة و قصر الآجال و تعددها في مختلف الإجراءات المنصوص عليها في مدونة الشغل.

وفي هذه الأسطر سنحاول تسليط الضوء على مدى قانونية إثبات توصل المشغل بالشهادة الطبية عبر تطبيق “الواتساب” في النزاعات المتعلقة بمدونة الشغل من خلال جرد أهم النصوص القانونية المؤطرة لذلك، وعبء الإثبات بين الأجير والمؤاجر، وكيف تعامل القضاء مع هذه الوسيلة؟ للإجابة عن هذه الأسئلة سنحاول تحليل قرارين قضائيين لذلك، و كيف يمكن إثبات التوصل بالرسالة عن طريق تطبيق الواتساب ؟ و متى يبدأ أجل 48 ساعة من التوصل ؟.

تتجلى أهمية توصل المشغل بالشهادة الطبية المثبتة للفترة المرضية، في الأثر القانوني لعدم القيام بذلك، وتحقق المغادرة التلقائية من عدمها، أو ردها والوقوع في حالة الطرد التعسفي للأجير، وبطلان أي إجراء تأديبي آخر يعتزم المشغل اتخاذه في حق الأجير دون الفصل.

 ويلجأ الأجير في واقع الحال إلى تبليغ مشغله بالفترة المرضية عن طريق تطبيق الواتساب والذي عرف استعمالا متزايدا نظرا لسرعته، ودرءا لعناء وتكلفة التنقل…

استعمال يطرح صعوبات عديدة أمام غياب تنظيم تشريعي صريح في هذا الشأن وشتات النصوص المؤطرة له. وفي انتظار مشروع قانون المسطرة المدنية بخصوص ذلك، خلاف وسائل الإثبات الأخرى مثل الاستلام مقابل وصل التوصل، أو عن طريق مفوض قضائي، أو البريد المضمون مع الإشعار بالتوصل …

وتثير هذه الاستعانة الإلكترونية (الواتساب) في العمل القضائي عدة إشكالات في الاعتداد بها من عدمه.

إذ أكدت محكمة النقض في إحدى قراراتها أن توصل المشغلة بالشهادة الطبية يرد دفعها بعدم توصلها واعتبرته تبليغا صحيحا.[1]

لكن مؤخرا أثار قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء الذي تراجع عن القرار السابق لمحكمة النقض، واعتبر أن التوصل عن طريق الواتساب بالشهادة الطبية فإن عدم إرسالها بالبريد الإلكتروني باعتباره الوسيلة المعتادة في التواصل يجعل التبليغ غير صحيح.[2]

مقال قد يهمك :   شميعة/بنعدو: سبل إنقاد المقاولات في ظل ازمة التشريع زمن جائحة كرونا المستجد

وهما صورتان يحاول القضاء المغربي عبرهما مواكبة تطور الوسائط الرقمية في إطار التطبيق العادل للقانون، في غياب تأطير صريح لمدونة الشغل لذلك، وفي انتظار التكريس القانوني لذلك في مشروع قانون المسطرة المدنية.

وحيث إن التباين القضائي أعلاه لا يؤكد التناقض القضائي في حد ذاته إذ وجب مراعاة كل نازلة على حدة.

وبين ذاك وذاك سنحاول في هذه الأسطر بسط القواعد القانونية المؤطرة لذلك وتحليلها، وقوفا على التعليلات القضائية.

 وجب بداية الإشارة إلى أن مقتضيات المادة 271 م.ش[3] لا تفرض التبليغ كوسيلة وحيدة وإنما بكل وسيلة تفيد علم المشغل بالفترة المرضية، سواء كان مناولة يدوية أو إشعار من ذويه، البريد الإلكتروني أو الرسالة المضمونة مع الإشعار بالتوصل أو غيرها مع الإدلاء بالشهادة الطبية.

 بمعنى أن العلم يثبت بكل وسيلة تفيد التوصل و ليس التبليغ القانوني للإجراءات القضائية المعتادة  وهذا ما يجعل المبدأ المؤطر لذلك هو إثبات ما يفيد التوصل و ليس التبليغ بالوسائل المحددة في قانون المسطرة المدنية في الفصول 37 و 38 و 39 من قانون المسطرة المدنية ، أي الاعتداد بأي وسيلة تفيد التوصل سواء المنصوص عليها في الفصل 404 ق.ل.ع أو أي وسيلة أخرى ،إعمالا للمادة 18 م.ش التي تكرس حرية الإثبات في النزاعات المتعلقة بالشغل .

 وبالرجوع إلى تعليل القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء نجد أنه ارتكز على منازعة المشغلة بداية، خلافا قرار محكمة النقض التي أقرت فيه المشغل بالتوصل بها عن طريق الواتساب ولا وجود فيه للمنازعة، ليتحول عبء إثبات التوصل على الأجير وهو توجه يجد أساسه في مقتضيات المادة 271 م.ش.

 لكن ما يعاب على ذلك هو حصر التبليغ في البريد الإلكتروني باعتباره الوسيلة المعتادة للتواصل المعتمدة ، إذ خالف بذلك مقتضيات المادة 18 م.ش التي تمنح حرية الإثبات في مثل هاته النزاعات  و مقتضيات الفصل 417 ق.ل.ع الذي اعتبر الدليل الكتابي ينتج من المراسلات و البرقيات … والمذكرات والوثائق الخاصة أو إشارات و رموز أخرى ذات دلالة واضحة كيفما كانت دعامتها و طريقة إرسالها إذ لم يحدد القانون قواعد أخرى، ولم تكن هناك اتفاقية صحيحة بين الأطراف قامت المحكمة بالبث في المنازعات المتعلقة بالدليل الكتابي بجميع الوسائل وكيفما كانت الدعامة المستعملة ” .

مع الإشارة إلى أن محكمة النقض في قرار إداري لها سبق أن اعتبرت التبليغ عن طريق الواتساب بخصوص انتخاب الرئيس المجلس الجماعي تبليغا صحيحا، جاء فيه: “إن السلطة قامت بتبليغ الطاعن بمضمون الاستدعاء المتعلق بانتخاب رئيس المجلس الجماعي المذكور بواسطة عون السلطة برتبة شيخ قروي العامل بإدارة قسم الشؤون الداخلية … وذلك بواسطة رقم الاتصال … و بعد تردد على العنوان المستأنف لعدة مرات لتبليغه بالاستدعاء و لم يجده و اعتبرت التبليغ صحيحا و قانونيا بالنظر إلى العبارة الواردة بالدورية لوزير الداخلية …التي تنص على دعوة كافة الأعضاء لحضور عملية انتخاب الرئيس وذلك عن طريق البريد المضمون مع الإشعار بالتوصل أو بجميع الوسائل الممكنة التي تتثبت إخبار المعني بالأمر بانعقاد جلسة انتخاب الرئيس ونوابه و كاتب المجلس و نائبه ، تكون قد بنت قضاءها على أساس من القانون و لم تخرق المقتضيات المحتج بها … و بالتالي فإن الأمر يتعلق بدعوة لحضور الجلسة لم يحدد المشرع شكلا لها بحيث تتم بكل الوسائل الممكنة التي تفيد الإخبار أو الإشعار و أن الطاعن لم ينف ما جاء فيه و لم يتبث ما يخالفه …” [4]

مقال قد يهمك :   وجهة نظر حول الطبيعة القانونية للبيع مع شرط الإحتفاظ بالملكية

مما يكون قد قلب عبء إثبات إذ إن المشغلة لم تثبت وجود اتفاق على كون البريد الإلكتروني الوسيلة الوحيدة للتواصل و المراسلات الإدارية بين المشغلة و الأجير، وهو لا يفترض بل يثبت باتفاق صحيح بينهما طبقا لمقتضيات الفصل 417 ق.ل.ع ، ومتى غاب ذلك فإنه يثبت بجميع وسائل الإثبات الأخرى .

و مادامت المشغلة لم تثبت و جود اتفاق بينها و بين الأجير على اعتبار البريد الإلكتروني هو الوسيلة الوحيدة للتواصل أو المعتمدة، يتم الأخذ بالإثبات بجميع وسائل الإثبات طبقا للفصل 18 من م.ش .

و رغم منازعة المشغلة في التوصل فإنه في حالة منازعة المشغلة في الرقم وجب على الأجير فقط إثبات كون الرقم المرسل إليه يرجع الى المشغلة أو أحد مأموريه، و تأكده من الوسيلة المعتمدة بما يفيد التوصل، التأكد من كون الوسيلة أو الدعامة المرسلة بها تفيد التوصل باعتبارها دليلا كتابيا وفق ما سبق.  وأن إرسالها عن طريق دعامة “الواتساب ” يمكن معرفة التوصل والاطلاع، وأنه لا يكفي عدم إرسالها عن طريق البريد الإلكتروني استبعاد الوسيلة الأخرى.

ومتى أصبح الاتفاق على وسيلة تبليغ بين المشغل و الأجير و تحديد العنوان الإلكتروني أو رقم تطبيق الواتساب وجب على الطرفين معا تبليغ الطرف المقابل بالرقم الجديد أو البريد الإلكتروني الجديد [5].

كما وجب في الأخير مراعاة بعض المبادئ الأساسية للتبليغ الورقي أو الإلكتروني، هو أن يكون العنوان الإلكتروني أو رقم الهاتف محددا أو خاصا بالمبلغ إليه أو المرسل إليه أو أي ما يفيد التوصل.

كما قد يطرح الأجل الوارد في المادة 271 م.ش إشكال إعلام المشغل داخل الأجل القانوني المحدد في 48 ساعة من عدمه، قد يجعل الاستعانة بخبرة إلكترونية واردة في مثل هاته المنازعات.

مقال قد يهمك :   منتدى قانوني بإيطاليا يقارب موضوع مدونة الأسرة و حقوق المرأة المغربية

و لاشك أنه بعد وباء كورونا و الاستعمال الكبير لمثل هاته الوسائل، نظرا لما تمتاز به من سرعة و بساطة و قلة التكلفة، وما توفره من المرونة المطلوبة في علاقة الشغل ونجاعة التواصل، و من الناحية العملية سيحد من النزاعات التي تدور حول التوصل بمرجوع البريد من عدمه و التي غالبا ترجع بملاحظة غير مطلوب أو أن العنوان ناقص أو محل مغلق أو غيرها من الملاحظات التي يرجع بها طي التبليغ  فسيتم التبليغ إلى المعني بالأمر شخصيا دون حاجة إلى التنقل أو ترقب فتح المحل المغلق أو إكمال النقص الحاصل في العنوان .

و في المقابل فإنها تطرح إشكالات حاولنا قدر الإمكان التطرق لها في هذه الورقة، و التي قد تتزايد و تطرح أمام القضاء في قادم السنوات مما سيتطلب معالجة تشريعية و اجتهادات قضائية، تعطي لهاته المعاملات الافتراضية وجودا واقعيا يحفظ التوازن في العلاقة الشغلية ، و في استحضار دائم لضوابط استعمال الوسائل الإلكترونية وصولا إلى اعتباره تبليغا صحيحا من عدمه .  


[1]  – تعذر معه الحصول على نسخة منه و تم الاعتماد على ما تضمن بمقال صحفي حول تعليلات القرار.

[2] – تعذر معه الحصول على نسخة منه وتم الاعتماد على ما ضمن في مقالات صحفية .

[3]  – تنص المادة 271 م.ش  : ” يجب على الأجير، إذا استمر الغياب أكثر من أربعة أيام، إخبار مشغله بالمدة المحتملة لغيابه، والإدلاء له بشهادة طبية تبرر غيابه، إلا إذا تعذر عليه ذلك. ”  

[4]  – قرار إداري رقم 1512 بتاريخ 1/12/2022 في الملف الإداري رقم 2272/4/1/2022 .

[5]  – حيث تنص مقتضيات المادة 22 من م.ش ” ينبغي على الأجير، عند تغيير محل إقامته، أن يطلع المشغل على عنوانه الجديد إما يدا بيد أو بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل.”

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]