مجلة مغرب القانونالقانون العامعبد العزيز دوشي: كيف يعيد القاضي الإداري التوازن بين الدولة والمواطن ؟

عبد العزيز دوشي: كيف يعيد القاضي الإداري التوازن بين الدولة والمواطن ؟

عبد العزيز دوشي : طالب باحث بسلك الدكتوراه كلية العلوم القانونية و السياسية – جامعة ابن طفيل-القنيطرة


كيف يعيد القاضي الإداري التوازن بين الدولة و المواطن ؟

Comment le juge administratif rétablit-il l’équilibre entre l’État et le citoyen ?


ملخص : 

يتناول هذا المقال دور القاضي الإداري في حماية حقوق المرتفقين ، باعتباره أحد الفاعلين الرئيسيين في تكريس مبدأ المشروعية، و ضمان حسن سير المرافق العامة، و يسلط الضوء على تطور الوظيفة القضائية الإدارية من مجرد سلطة رقابية إلى دور حمائي فاعل للحقوق و الحريات ، خاصة في مواجهة تعسف الإدارة أو تجاوز سلطاتها ، فالقاضي الإداري لا يقتصر دوره على الفصل في المنازعات بل يسهم في إعادة التوازن بين السلطة العامة و حقوق الأفراد  ، عبر اليات قانونية مثل الغاء القرارات الإدارية غير المشروعة ، و التعويض عن الاضرار الناتجة عن تصرفات الإدارة وفق مبدأ المخاطر أو مبدأ التضامن الاجتماعي ، و توجيه الإدارة نحو احترام المبادئ الدستورية و المبادئ العامة للقانون ، و يستمد هذا القاضي قوته من عدة مصادر أبرزها استقلاله الوظيفي و الهيكلي ، و الضمانات القانونية التي تحيط بعمله ، فضلا عن فاعلية الاجتهاد القضائي الذي ساهم في توسيع رقابة المشروعية ، و تكريس حماية المرتفقين عبر آليتي التأويل و الإنشاء ، و يخلص المقال إلى أن القاضي الإداري من خلال سلطاته و آلياته ، يعد ركيزة أساسية في تعزيز دولة القانون، و حصنا منيعا للحقوق و الحريات، بما يضفي على الدولة المغربية طابع الأمن القانوني و القضائي ، ويخلق بيئة جالبة للاستقرار و الاستثمار.

الكلمات المفتاحية :

القاضي الإداري – حقوق المرتفقين – المسؤولية الإدارية – التضامن الإجتماعي – خاصية التأويل و الإنشاء – المرجعية الدستورية .

Résumé :
Cet article traite du rôle du juge administratif dans la protection des droits des usagers du service public, en tant qu’acteur principal dans la consécration du principe de légalité et dans la garantie du bon fonctionnement des services publics. Il met en lumière l’évolution de la fonction juridictionnelle administrative, passée d’un simple pouvoir de contrôle à un rôle actif de protection des droits et des libertés, notamment face aux abus ou aux dépassements de l’administration.

Le rôle du juge administratif ne se limite pas au règlement des litiges ; il contribue également à rétablir l’équilibre entre le pouvoir public et les droits des individus, à travers des mécanismes juridiques tels que :

l’annulation des décisions administratives illégales .

l’indemnisation des dommages causés par l’administration selon le principe du risque ou celui de la solidarité sociale .

l’orientation de l’administration vers le respect des principes constitutionnels et des principes généraux du droit.

Ce juge tire sa force de plusieurs sources, notamment :

son indépendance fonctionnelle et structurelle,

les garanties juridiques encadrant son action,

et l’efficacité de la jurisprudence administrative, qui a contribué à élargir le contrôle de légalité et à renforcer la protection des usagers à travers les mécanismes d’interprétation et de création jurisprudentielle.

L’article conclut que le juge administratif, à travers ses compétences et ses instruments, constitue un pilier fondamental de la consolidation de l’État de droit et un rempart solide pour les droits et les libertés. Cela confère à l’État marocain un caractère de sécurité juridique et judiciaire, tout en créant un environnement favorable à la stabilité et à l’investissement.

Mots-clés :

Juge administratif – Droits des usagers – Responsabilité administrative – Solidarité sociale – Interprétation et création – Référentiel constitutionnel.


مقدمة :

في ظل التحولات العميقة التي يعرفها المغرب على المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية ، تبرز الحاجة الملحة إلى إدارة عمومية شفافة ، و نزيهة ، وفعالة ، تشكل رافعة حقيقية للتنمية المستدامة ، وتكرس دولة الحق والقانون ، فقد أضحت المطالبة بجودة الخدمات العمومية ، و حماية حقوق الأفراد من أولويات الخطاب الحقوقي و المؤسساتي ، خاصة في سياق الإصلاحات الكبرى و الأوراش العظمى التي يعرفها المغرب ، سواء على مستوى إصلاح منظومة العدالة ، أو تخليق الحياة العامة ، أو تطوير البنية التحتية ، أو جلب الاستثمارات الخارجية ، أو احتضان التظاهرات العالمية و الإقليمية ، وفي هذا الإطار يبرز دور القاضي الإداري ، كفاعل مركزي في ضبط توازن العلاقة بين الإدارة و المواطن ، عبر فرض احترام مبدأ المشروعية ، و صيانة حقوق المرتفقين ، و احترام الاجال ، وشفافية الصفقات ، و الوفاء بالالتزامات ، فبقدر مايمنح للإدارة من صلاحيات واسعة لتدبير الشأن العام ، بقدر ماينتظر من القضاء الإداري أن يكون حصنا ضد أي انحراف أو تعسف في استعمال السلطة ، مما يجعل دوره محوريا في بناء إدارة مسؤولة ، خاضعة للرقابة و ملزمة باحترام القانون ، مستعملا في ذلك كافة صلاحياته التقديرية في الحكم و الاجتهاد ، و مستعينا بكافة المصادر الوطنية و الدولية التي تمنحه قوة و مرونة يتميز بها عن القضاء العادي .

و انطلاقا من هذه الأهمية للقضاء الإداري نطرح الإشكالية التالية :

إلى أي حد يسهم القاضي الإداري في  بناء دولة الحق و القانون ، من خلال حماية حقوق المرتفقين أمام الإدارة ، و ماهي المصادر التي تمنحه القوة والفعالية في تحقيق ذلك ؟

ولمعالجة هذا الإشكالية نقترح الخطة التالية :

  • المحور الأول : مظاهر و اليات تدخل القاضي الإداري لحماية حقوق المرتفقين .
  • المحور الثاني : مصادر القوة لدى القاضي الإداري في الحكم و الاجتهاد .

الفقرة الأولى : مظاهر حماية القاضي الإداري لحقوق المرتفقين على ضوء العمل القضائي.

بالرغم من أن أعمال الإدارة تتميز بسمات خاصة ، منها سمة حسن النية في تنفيذ الأعمال ، التي تقترن بقرينة البراءة و السلامة مالم يثبت العكس ، فإنه يتم أحيانا رفع التظلمات الإدارية للإدارة نفسها  ، أو يتم اللجوء إلى القضاء لفحص شرعية القرارات الإدارية الصادرة عنها ، و البحث في العيوب التي تشوبها ، وذلك تحت طائلة الغاء هذه القرارات التي لم تخضع لمبدأ الشرعية [1].

كما أنه بالرغم من أن أموال الإدارة تعد أموالا عمومية ، تطبق عليها قاعدة الحصانة فلا يجوز الحجز عليها ، لأنها مرتبطة بتسيير مرفق عمومي ، وأن أموالها لا تخضع لقاعدة تقادم الأموال العامة [2] ، فإن القضاء الإداري رجح كفة حماية الحقوق على كفة حصانة أموال الإدارة ، فسار في اتجاه يوازن بين المصلحتين ، ففرق تارة بين الأموال العامة التي لا تقبل الحجز ، وبين الأموال الخاصة الخاضعة لذلك ، و تارة أخرى بين الأموال اللازمة لسير المرفق العام ، و الأموال التي لا يؤثر الحجز عليها على سير المرفق العام .

وفي هذا الإطار سنستعرض مظاهر حماية القضاء الإداري لحقوق المرتفقين ، والياته المعتمدة في ذلك ، من خلال تتبع جملة من الأحكام و القرارات الصادرة في هذا الشأن ، نذكر من ذلك  مايلي :

أولا – تقدير المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ :

ظهرت المسؤولية الإدارية في نهاية ق 19 وبداية ق20 ،  فقد كان في السابق يسود مبدأ عدم مسؤولية الدولة و الإدارة العامة لمالها من امتياز السيادة و السمو ، إلا أنه تم التراجع عن هذا المبدأ  بالتدريج ، فظهر في البداية مسؤولية العامل الموظف ، ثم المسؤولية عن الأخطاء الجسيمة فقط ، ثم المسؤولية عن كل خطأ إداري مرفقي يسير أو جسيم ، إلى أن وصل الأمر إلى المسؤولية بدون خطأ على أساس نظرية المخاطر [3].

فكان أول أساس تقوم عليه مسؤولية الإدارة هو وجود عنصر الخطأ ، الذي جاء كنتيجة حتمية لتدخل الدولة و توسع أنشطتها ، و التي غالبا ماتؤدي إلى حدوث أخطاء قد تسفر عن إصابة أشخاص ، أو تحدث أضرارا بحقوق الاخرين ، كما أن الإدارة باعتبارها شخصا معنويا يمارس نشاطه عن طريق موظفين تابعين له ، فإنها لا تخطئ إلا عن طريق من يمارسون هذا النشاط باسمها ، و الذي يكون خطأ شخصيا يسأل عنه مرتكبه ، أو خطأ مرفقيا تسأل عنه الإدارة [4]، و بالرجوع إلى الفصل 79 و 80 و 85 مكرر من ق ل ع م ، و الفصل 20 من قانون المحاكم الإدارية (40.91) ، سنجد أن مسؤولية الدولة تابثة عند حصول الخطأ من طرفها ، و الخطأ هو ترك ماكان يجب فعله ، أو فعل ماكان يجب تركه ، و ذلك من غير قصد لإحداث الضرر ، ويثبت بجميع وسائل الإثبات وفقا للقواعد العامة ، ويستشف من الفصول السابقة أنه بإمكان أي متضرر من أعمال الإدارة أن يرفع دعوى التعويض على أساس مسؤولية المخاطر [5] ، و على هذا الأساس أصدرت المحاكم الإدارية عدة قرارات تلزم الإدارة بدفع التعويض للمتضررين من أنشطتها ، نذكر على سبيل المثال ما يلي :

حكم المحكمة الإدارية بالرباط قسم القضاء الشامل رقم 441 الصادر بتاريخ 07/02/2012 ، الذي قضى على إدارة الضرائب بدفع تعويض إجمالي قدره 50242831،25 درهما ،  مع تحميلها المصاريف لصالح أحد المتضررين من إجراءاتها ، فرضت عليه الضريبة تلقائيا خطأ، مع مباشرة اجراءات التحصيل الجبري في حقه ، رغم طعنه لدى اللجنة الوطنية ، و استصداره حكما قضائيا نهائيا يبطل هذه الإجراءات ، مما أدى إلى توقف نشاطه ،

فاعتبر ذلك خطأ جسيما من مصلحة الوعاء الضريبي ، ترتب عنه الحرمان من فرص الربح و الامتيازات المخولة بمقتضى المادة 1440 من المدونة العامة للضرائب ، و المساس بالسمعة داخل السوق ، فكانت هذه كلها عناصر كافية لتقييم الضرر على ضوء المراكز القانونية للأطراف في إطار السلطة التقديري للمحكمة ، التي استندت إلى ق 40.91 ، وق م م ، و م ع ض ، وم ت ع ، وق ل ع ، و اقتنعت بتوافر عنصر الخطأ و الضرر و العلاقة السببية بينهما  ، فأصدرت حكمها المذكور [6]، وقد جاءت على هذا المنوال أحكام كثيرة [7].

ثانيا- المسؤولية الإدارية بدون خطأ :

المسؤولية الإدارية بدون خطأ ، تعني أن الإدارة تكون مسؤولة عن الضرر الذي أصاب المضرور، نتيجة قيام الإدارة بأعمالها ، حتى ولو لم يكن هناك خطأ ، وعلى المتضرر أن يثبت العلاقة السببية بين نشاط الإدارة و الضرر الذي أصابه  ، دون حاجة إلى إثبات خطأ الإدارة [8]، و قد نص الفصل 08 من قانون المحاكم الإدارية على دعاوى التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال و نشاطات أشخاص القانون العام ، بغض النظر عن وجود الخطأ من عدمه ، و جاء في إحدى قرارات محكمة النقض مايلي : ” المسؤولية الإدارية للدولة لا تقوم على الخطأ فقط ، بل يمكن أن تترتب بدون خطأ كذلك ” [9].

مقال قد يهمك :   مذكرة المحافظ العام بشأن قانون المالية لسنة 2019

ففيما يرجع لمسؤولية الدولة ،يلاحظ  أن الفصل 79 من ظ ل ع يقرر مبدأ مسؤولية الدولة والجماعات العمومية ،عندما يصرح :” أن الدولة مسؤولة عن الضرر الحاصل مباشرة من سير إدارتها ، ومن الأخطاء المصلحية المرتكبة من طرف موظفيها ” ، و الظاهر الذي يؤ خذ من هذا النص هو أن ضمان الدولة للضرر، و اجب بمجرد مايكون ناشئا بصفة مباشرة من العمل الذي تقوم به الإدارة ، أو من عدم القيام بالعمل المنوط بمرافقها ، فموجب المسؤولية إذا عنصران : الأول حصول الضرر و الثاني نسبته إلى سير المرافق العمومية ، ولا يشترط عنصر ثالث كوجوب إثبات التفريط [10]، وقد لاحظ البعض أن هذا الفصل لامثيل له في التشريع الإداري الفرنسي ، الذي يقرن المسؤولية بالخطأ دائما  [11].

ثالثا – تقدير المسؤولية وفق مبدأ التضامن الاجتماعي :

لقد اتجه القضاء الإداري حديثا إلى تحميل الدولة المسؤولية على أساس جديد ، وهو التضامن العام مع المتضررين من بعض الكوارث البيئية ، أو الحوادث الإجرامية كالإرهاب ، التي تسبب أضرارا بالغة للأفراد و الجماعات ، سواء كانوا مرتفقين أو أغيارا ، و قد بناه القضاء الإداري على أساس جديد سماه التضامن الوطني أو الاجتماعي [12]، ويجد سنده في الفصل 40 من الدستور الذي ينص على مايلي : ” على الجميع أن يتحمل بصفة تضامنية ، و بشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها ، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد ، و كذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الافات و الكوارث الطبيعية ” ، وفي هذا الإطار أصدرت المحاكم الإدارية عدة قرارات تتعلق بالتعويض عن الحوادث الإجرامية التي يتعرض لها موظفوها ، وقد عللت إحدى المحاكم قرارها بمايلي : “تعرض موظف لاعتداء أودى بحياته أثناء مغادرته لمقر عمله ، تتحمل الدولة المسؤولية عنه ، في إطار تضامنها مع المتضررين لحماية موظفيها مما قد يتعرضون له من أضرار أثناء أو بمناسبة قيامهم بعملهم “[13].

وسيرا على نفس المنوال ، أصدر الملك ظهيرا قضى بتخصيص تعويض و مساعدات مالية ، لضحايا الإرهاب و أسرهم ، في أحداث 16 ماي 2003 ، حددت قيمته في مبلغ جزافي قدره 500,000,00 لكل ضحية ، و إعمالا لنفس المبدأ تم تحديد مايقارب 84 مليون دولار كتعويض إجمالي لضحايا سنوات الرصاص [14]، وكان أول اجتهاد قضائي مغربي أقر مبدأ التضامن الوطني ، القرار المبدئي الصادر عن المجلس الأعلى بغرفتيه الإدارية و التجارية ، و يتعلق بقضية السيد ( انطونيا كويباس ) التي راحت ضحية الهجمات الإرهابية التي عرفها فندق إسلي بمراكش بتاريخ 24 غشت 1994 [15]، و سيرا على نفس النهج أقرت محكمة النقض مسؤولية الدولة عن الأضرار الناجمة عن أعمال الشغب و الإحراق و النهب ، و اعتبرت المسؤولية قائمة في حق الدولة بدون خطأ ، مع حقها في الرجوع على المتسبب في الضرر ، وهذا ماذهبت إليه الغرفة الإدارية بمحكمة النقض في قرار لها عدد 4 بتاريخ 8 يناير 2015 ، و الذي جاء فيه : ” من المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة ، أن الأضرار الناتجة عن أعمال الشغب ، التي تقوم بها جماعات تحركها قناعات وخلفيات مشتركة ، من أجل تحقيق أهداف و غايات تروم ضرب استقرار الدولة و زرع القلاقل فيها و المساس بأمنها ، تسأل عنها الدولة في إطار التضامن الوطني ،بصرف النظر عن قيام الخطأ في جانب المرفق الأمن من عدمه  “[16]، وفي هذا الصدد قررت المحكمة الإدارية بالرباط ، في قرار لها رقم 251 الصادر بتاريخ 23/01/2014 ، تحميل الدولة مسؤولية الأضرار المترتبة عن الفياضنات التي سببتها الأمطار الغزيرة و الاستثنائية [17].

إن هذا الأساس الجديد يستند إلى وجود مركز قانوني للمتضرر اجتماعيا في علاقته بالدولة ، و الذي بموجبه تصبح له حقوق خاصة لم تعد ترتبط بفكرة المسؤولية على أساس الخطأ أو المخاطر وفقا للقواعد العامة ، بل أصبحت تشكل التزاما اجتماعيا و قانونيا ، و فلسفته التلاحم و التعاون بين الولة من جهة ، وباقي مكونات المجتمع من جهة أخرى [18].

رابعا – الغاء و إيقاف القرارات الإدارية :

لقد نص الفصل 20 من ق 40.91 على مايلي : ” كل قرار إداري صدر من جهة غير مختصة أو لعيب في شكله أو لانحراف في السلطة أو لانعدام التعليل أو لمخالفة القانون يشكل تجاوزا في استعمال السلطات يحق للمتضرر الطعن فيه أمام الجهة القضائية الإدارية المختصة “.

لقد مثل هذا الفصل نقلة نوعية في علاقة المواطنين بالإدارة ، إذ لم تعد الإدارة ذلك الحصن المنيع الذي لايمكن رد قراراته ، فقد مكنهم هذا الفصل من الطعن بالإلغاء النهائي في أي  قرار يشكل تجاوزا للسلطات أو الصلاحيات ، كما خولهم الفصل 24 بوقف هذه التجاوزات مؤقتا ، عن طريق استصدار أمر استعجالي من رئيس المحكمة الإدارية ، فقد نص الفصل المذكور على مايلي : ” للمحكمة الإدارية أن تأمر بصورة استثنائية بوقف تنفيذ قرار إداري رفع إليها طلب يهدف إلى الغاءه إّذا التمس ذلك منها طالب الإلغاء صراحة “.

وفي هذا الإطار أصدرت المحاكم الإدارية أحكاما تلغي قرارات إدارية تجاوزت فيها الإدارة سلطتها ، أو انحرفت عنها ، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر حكم المحكمة الإدارية بأكادير عدد 1261 بتاريخ 31/07/2018 ، الذي ألغى القرار الإداري عدد 14 ، الصادر بتاريخ 26 /11/ 2017 عن قائد قيادة الدراركة أكادير ، بالإيقاف الفوري للأشغال بالمحل الكائن بدوار اكبو جماعة الدراركة ، و عللت المحكمة حكمها بأن قرار القائد فيه تجاوز للسلطة ، على اعتبار أن ضباط الشرطة القضائية هم الذين أسند لهم المشرع صلاحية معايتة مخالفات التعمير ، واتخاذ التدابير اللازمة لإعفاء المخالفة بما فيها إصدار الأمر الفوري بوقف الأشغال ، بينما صلاحية السلطة المحلية تبقى محصورة في الإشراف على المراقبة على معالجة المخالفات [19].

فهذه بعض الصور التي يتدخل فيها القضاء الإداري لحماية حقوق المرتفقين عبر اليات متعددة ، تمكنه من تحقيق التوازن بين سير المرفق العام وصيانة الحقوق ، بصورة تحقق المظهر العام لدولة الحق و القانون ، وتجعل المغرب مسايرا للمستجدات و التطورات المحلية و الدولية .

الفقرة الثانية : مصادر قوة القاضي الإداري .

يستمد القاضي الإداري قوته من جملة من المصادر التي تمنحه قدرة كبيرة على التصدي لكل الاختلالات التي تصيب السير العادي للإدارة ، فهو بمثابة الطبيب الجراح الذي يستأصل أمراضها، ويضمن التنفيذ السليم لأنشطتها ووظائفها و المهام الموكولة إليها ، وفي هذا الإطار يتسلح القاضي الإداري بمجموعة من عناصر القوة التي تميزه عن سائر الهيئات القضائية ، نذكر منها مايلي :

أولا – خاصية التأويل والتفسير :

يستمد القاضي الإداري بصلاحيات تقديرية واسعة في تفسير النصوص و تأويلها وتحديد معانيها وسد ثغراتها ، وذلك راجع إلى القصور التشريعي في المادة الإدارية ، مقارنة مع المجالات الأخرى ، فهو حديث النشأة ، ولايتوفر على قواعد مكتوبة كافية  لحل الإشكالات و الوضعيات التي تترتب عن العلاقات و الممارسات الإدارية اليومية[20] ،وهذا القصور يملأه القاضي الإداري ، ولذلك يعرف القانون الإداري بأنه قانون قضائي ، لأن القضاء يلعب دورا بارزا في إنشاء قواعده  ، وهذا القصور يمتد أحيانا إلى غموض القاعدة وعدم وضوحها ، فيلجأ القاضي الإداري إلى تأويلها تأويلا يتماشى مع مقاصد العامة للتشريع ، والمبادئ الأساسية للقانون ، وقد عرف البعض هذه العملية التفسيرية التي يقوم بها القاضي بأنها :” العملية الفكرية التي يقوم بها لفهم وتفسير النصوص القانونية و التشريعات المتعلقة بالمسائل الإدارية ، بغرض استخلاص المعاني الدقيقة و المرادفات القانونية ذات الصلة للأحكام القانونية ذات الصلة …و يستند إلى التحليل الفقهي و القانوني للنصوص ، والاعتماد على السوابق القضائية ذات الصلة ، و القرارات السابقة “[21]

فالتفسير القضائي كما يقول مورسيون : “جزء حيوي من العملية القضائية الإدارية الفعالة ، لأنه يساهم في تحقيق التوازن بين السلطات و تحقيق مبادئ العدالة في سياق القضايا الإدارية “[22]، ومن جهة أخرى لأنه لايجوز للقاضي الإداري أن يمتنع عن التفسير لإيجاد حلول و استنباط أحكام للقضايا المعروضة عليه ، و إلا اعتبر منكرا للعدالة و عوقب طبقا للقانون [23]، وهذه الخاصية تمنح القاضي الإداري مرونة كبيرة في التعامل مع النصوص المنظمة للميدان الإداري ، إذ يستطيع من خلالها أن يعطي التأويل الصحيح لمقتضياتها ، ويبعد التأويل غير المناسب عند تطبيقها ، وعلى سبيل المثال في إحدى قرارات محكمة النقض ، عدد 542 الصادر بتاريخ 01 نونبر 2012 ، في شأن نزاع بين محام و موكله حول سحب التوكيل منه قبل أداء الأتعاب و المصاريف المستحقة له ، فقد استصدر المحامي قرارا استئنافيا بمراكش أيد قرار النقيب بربط السحب بأداء الأتعاب و المصاريف ، استنادا إلى المادة 48  من قانون المحاماة التي تنص على : ” أنه يستوجب من الموكل الذي يريد أن يسحب توكيله ، من محاميه في أية مرحلة كانت عليها المسطرة ، أن يوفي له بالأتعاب و المصروفات المستحقة عن المهام التي قام بها لفائدته ” ، ولكن محكمة النقض ألغت القرار الاستئنافي ، و أولت المادة 48 تأويلا اخر ، بأنها ترتب مجرد التزام في ذمة الموكل فقط ، ولا تمنعه من سحب توكيله متى شاء ، وعززت هذا التأويل بنص المادة 48 من قانون المحاماة التي تنص على أن المحامي لا يجوز له الاحتفاظ بالملف المسلم له من طرف موكيليه ، و لو في حالة عدم أداء المصاريف ، وهذا نص تعليلها : ” إذا كان من حق الموكل أن يسحب التوكيل من محاميه في أي مرحلة من المسطرة ، شريطة أن يوفي له بالأتعاب و المصروفات المستحقة عن المهام التي قام بها لفائدته ، فإن ذلك يعني فقط قيام التزام على عاتق الموكل بأداء تلك الأتعاب و المصروفات ، ولا يتعدى ذلك إلى القول بتوقف نفاذ سحب التوكيل على أدائها”[24].

مقال قد يهمك :   3 أسئلة راهنة مع الدكتور محمد براو حول المادة 9 من مشروع قانون المالية لسنة 2020

وهكذا يتمكن القاضي من خلال خاصية التأويل من أداء دوره المركزي في حماية الحقوق ومنع التعسفات ، وهذه الخاصية الناشئة عن غموض النص ، الذي يشكل صورة من صور القصور التشريعي في الميدان الإداري ، تتبعها خاصية أخرى تمثل وجها اخر لهذا القصور ، و هي خاصية الانشاء و الابتكار الناشئة عن الفراغ التشريعي .

ثانيا – خاصية الإنشاء و الابتكار :

إن القانون الإداري على خلاف القوانين الأخرى المدنية و التجارية و الجنائية ، يتميز بمحدودية دور المشرع في التعامل مع كل الجوانب المحيطة بالإدارة سواء في علاقاتها الداخلية أو الخارجية ، حيث يكتفي بوضع قواعد عامة ، ثم يبقي الباب مفتوحا على مصراعيه أمام القاضي ليملأ ذلك الفراغ من خلال إنشاء قواعد جديدة ، ومن هذا المنطلق نجد أن الاجتهاد القضائي بالمغرب قد لعب دورا أساسيا في بناء القانون الإداري المغربي ، و هو مايتضح من خلال القرارات الصادرة عن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى سابقا منذ إنشائه في 27 شتنبر 1957 ، والتي ساهمت في إنشاء قواعد جديدة و تفسير أخرى ، فمعظم القواعد المعروفة في القانون الإداري استطاع القاضي الإداري أن يحدثها ، نذكر منها : العقود الإدارية و المسؤولية الإدارية …إلخ [25].

و لابد من الإشارة و التذكير بالدور  الفعال ، الذي لعبه مجلس الدولة الفرنسي في اكتشاف و تحديد بعض قواعد القانون الإداري  ، من خلال إغناء و تطوير الاجتهاد القضائي [26].

فالقاضي الإداري على خلاف القاضي العادي إلى جانب تطبيقه لقواعد القانون الإداري وتفسيره لها ، فهو يؤدي دورا اخر أكثر جرأة ، في مجال صناعة القاعدة القانونية ذاتها ،في حال انعدام النص التشريعي [27].

ويستعين القاضي الإداري في إنشاء القاعدة القانونية بجملة من المصادر ، منها الدستور، والقانون المدني ،و المبادئ العامة للقانون ،والسوابق القضائية ،و الفقه ،و الاتفاقات الدولية …[28]إلخ.

ومن عناصر القوة التي يتمتع بها القاضي في هذا المضمار، أنه لا يتحمل أية مسؤولية عن الأحكام التي يصدرها، ولو أخطأ في التأويل و تطبيق القانون ، و أنه لايكون مسؤولا إلا إذا ارتكب غشا أو تدليسا في الحكم وأضر بأحد الطرفين [29].

وتمر مرحلة صناعة القاعدة القضائية و تحولها إلى قاعدة قانونية ،بعدة مراحل أهمها ثلاثة : مرحلة الاكتشاف و التجريب و الإدماج ، ففي المرحلة الأولى يكتشف القاضي الإداري أن النازلة المعروضة على أنظاره ليس لها نص تشريعي يؤطرها ، ثم يبدأ في نفس المرحلة باكتشاف الحل المناسب للقضية ، مستعينا في ذلك بمختلف المصادر و المرجعيات التي سبق ذكرها ، و مستحضرا كافة الغايات و المقاصد المنوطة به ، منها مراعاة المصلحة العامة في ضمان الاستمرارية للمرفق العمومي ، وصيانة الحقوق و الحريات للمتضررين ، و بعد اكتشاف الحل المناسب ينتقل إلى المرحلة الثانية وهي مرحلة التجريب ، وهي مرحلة الإفصاح عن القاعدة القضائية أو الحل القضائي ، و يتم ذلك عن طريق مايحرره القاضي من مقالات و كتابات علمية للتعريف بهذا الحل و نجاعته ، لكي يتسنى للفقه مناقشته وسبر أغواره ، كما فعل مجلس الدولة الفرنسي في مجال ابتكار قاعدة المسؤولية عن القوانين في قضي شركة لا فلوريت [30]، و اخر مرحلة في مجال ابتكار القاعدة القانونية هي مرحلة الإدماج ، وهي مرحلة حاسمة و فعالة ، يتم فيها إضافة الحل القضائي للنظام القانوني القائم ، ومع مرور الزمن يتحول ذلك الحل إلى قاعدة قضائية [31].

ولا يفوتنا أن نذكر في هذا السياق بأن خاصية الابتكار التي يتميز بها القاضي الإداري تعترضها عوائق كثيرة ، أهمها : التقييد القانوني لحريته في الاجتهاد ، فعلى سبيل المثال فإن الفقرة الأخيرة من الفصل 08 من ق م 40.91 تنص على مايلي : ” و تختص المحاكم الإدارية أيضا بفحص شرعية القرارات الإدارية وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 44 من هذا القانون “، وهذا يعني أن فحص مشروعية القرارات الإدارية يتم من خلال اللجوء إلى النص ، وبالتالي الحد من القدرات التأويلية أو الإنشائية للقاضي [32].

كماأن القراءة التفسيرية للفصل 110 من الدستور الجديد (2011) تعكس هذا الأمر ، إذتنص على مايلي : ” لايلزم قضاة الأحكام إلا بتطبيق القانون و لا تصدر أحكام القضاء إلا على أساس التطبيق العادل للقانون ” ، إضافة إلى الفصل 3 من ق م م ، والذي ينص بدوره على التزام القاضي بالبث في حدود طلبات الأطراف ، وعلى عدم تغيير موضوع أو سبب هذه الطلبات ، فهذه القراءة تكشف عن ضرورة منهجية تقيد عمل القضاة بمن فيهم القاضي الإداري ، في الوقت الذي يعتبر فيه القاضي الإداري مبدئيا متحللا من النص ، بل إن مهمته الأساسية هي خلق القواعد القضائية كما سلف ، وهذا يعني أ،ه يدخل في مواجهة مفتوحة مع النص ، بحيث لايخضع له ، بل يطوعه ليحقق أكبر قدر ممكن من العدالة الإدارية ، لكن تضخم تدخلات المشرع في مجال القانون الإداري تجعل القاضي يجنح عن دور الاجتهاد ليجد نفسه لصيقا بالنص ، خاصة عندما يتعلق الأمر بحماية النظام العام [33]، كما أن قضية الفصل بين السلط قد تحد من الدور الانشائي للقاضي الإداري ، لأنه بهذه الطريقة قد يتداخل مع دور المشرع الصانع الأصلي للقاعدة القانونية ، وبذلك تنهدم الدولة الحديثة ،كما يقول منتسكيو في “روح القوانين “[34].

ثالثا – المرجعية الدستورية :

لقد كرس الدستور المغربي الصادر في 2011 ضمانات قوية للقضاة والمتقاضين ، وهذه الضمانات تمثل في حقيقتها مصدر قوة للقاضي الإداري أولا ، لأنه يسترشد بالدستور في أحكامه وقراراته ، وأول عناصر القوة في المرجعية الدستورية هو تحصين القاضي من أي تأثير مادي أو معنوي من أي جهة كانت ، فهو صاحب السيادة المطلقة على أحكامه و قراراته ، حيث نص الفصل 107 على استقلالية السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية و التنفيذية ، كما نص الفصل 109 على منع أي تأثير على ضمير القاضي و قناعته أثناء مزاولته لمهامه.

ومن جهة أخرى يمنح الدستور ضمانات للمتقاضين ، وينيط بالقاضي حماية حقوق الأشخاص و الجماعات و حرياتهم و أمنهم القضائي و تطبيق القانون ( الفصل 117) ، فضلا عن تكريس قرينة البراءة و عدم رجعية القوانين ، كما مكن الدستور المتاقضين من الطعن في أي قرار إداري ، كيف ماكان نوعه ( الفصل 118) ، والدستور بالنسبة للإدارة هو النص المرجعي ، حيث أن أعمال الإدارة كيفما كانت طبيعتها يجب أن تسير وفق مقتضيات الدستور وروحه ، وإلا اعتبرت غير دستورية ، وبالتالي غير شرعية وجب إلغاؤها [35].

ومن جهة أخرى يشكل الدستور مرجعية للقاضي في إقرار الحقوق و الحريات الفردية و الجماعية ، فالدستور يكفل للمواطنين حقوقا و حريات كثيرة ، و خصص لها فصولا طويلة ، ابتداء من الفصل 19 إلى 40 ، وفي هذا الإطار استندت المحاكم الإدارية إلى الدستور في تعليل قراراتها بإلغاء قرارات إدارية كثيرة ، نذكر منها على سبيل المثال : حكم المحكمة الإدارية بالرباط الصادر بتاريخ 21/03/2013 حكما ، يقضي بإلغاء قرار رئيس البلدية بالقنيطرة ، امتنع فيه عن تسليم شهادة إدارية لإنشاء مؤسسة تعليمية خاصة ، وعللت قراراها بما يلي : ” إن إحداث مؤسسة تعليمية تربوية يعتبر تفعيلا و دعما لمجتمع المعرفة و العلم القائم على صيانة الحق في التعليم باعتباره من الحقوق الدستورية السامية المضمونة للجميع ، المعتبرة من النظام العام التي لا يجوز التفريط فيها …لكون ذلك يعتبر فريضة على كل إدارة بما فيها الجماعات الترابية ، تنمية الإبداع الثقافي و الفني و البحث العلمي و التقني للحصول على تعليم عصري ميسر الولوج و ذي جودة ، طبقا للفصول 25و 26 و31 و 32و 33 من الدستور ، ومن واجب القاضي باعتباره ضمير المجتمع أن يحرس و يحمي الحق في العلم في أحكامه و اجتهاده [36].

وقد نبه هذا الحكم على أن الدستور لايشكل مرجعا للقاضي في إصدار الأحكام فقط ، بل في الاجتهاد عند عدم وجود النص ، من خلال الاسترشاد  بالمبادئ الدستورية في التأويل و الإنشاء .

رابعا – المرجعية الدولية :

إذا كانت المعاهدات الدولية مصدرا من مصادر القانون الدولي العام ، فإنها تتضمن مبادئ مرتبطة بميادين القانون الإداري الداخلي أيضا ، و يتعين على الإدارة احترام هذه المبادئ المنصوص عليها في المعاهدات و الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب ، سيما تلك المرتبطة بحرية و حقوق المواطنين و المرتفقين و الملزمين [37]، وقد نص الدستور في ديباجته ، وفي الفصل 19 منه على أن المعاهدات التي صادق عليها المغرب تسمو فور نشرها على القوانين الداخلية ، في إطار احترام الدستور و الثوابت الوطنية ، و انطلاقا من هذه النظرة فإن هذه الاتفاقيات تشكل مصدر قوة للقاضي الإداري ، يرجع إليها في أحكامه و قراراته و اجتهاده كلما أسعفه النص ، وكلما تعارضت تصرفات الإدارة مع هذه المبادئ الكونية ، وكثيرة هي الأحكام و القرارات التي استندت فيها المحاكم الإدارية للمواثيق و الاتفاقات و المعاهدات الدولية ، نذكر على سبيل المثال لا الحصر ، القرارعدد  542 الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط ، بتاريخ 12/02/2019 ، في شأن امتناع إدارة مستشفى ابن سينا بالرباط عن تسليم شهادة الولادة لامرأة بسبب عدم وفائها بالتزامها تجاه المستشفى ، فألغت المحكمة هذا القرار التعسفي تطبيقا للدستور و اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها المغرب ، وعللت قرارها بما يلي :” و حيث إن الحق في الهوية و الاسم هو من الحقوق الأساسية للطفل المضمونة بمقتضى الاتفاقيات الدولية ، ومنها اتفاقية حقوق الطفل المعتمدة من طرف الجمعية العامة في 20 نونبر 1989 والمصادق عليها من قبل المملكة المغربية ، والتي أكدت على أهمية تسجيل الولادة لإثبات الوجود القانوني لكل فرد ، وبالتالي ضمان تمتعه بالحقوق الكفولة له ، من قبيل الحق في الجنسية و الهوية ، و التسجيل في كناش الحالة المدنية ، إذ نصت الاتفاقية المذكورة في مادتها السابعة في فقرتها الاولى على مايلي :” يسجل الطفل بعد ولادته فورا و يكون له الحق منذ ولادته في اسم و الحق في اكتساب جنسية و يكون له قدره الإمكان ، الحق في معرفة والديه و تلقى رعايتهما…”.

مقال قد يهمك :   عبد الرحمان اللمتوني : الاجتهاد القضائي و الأمن القانوني

و حيث ان الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المملكة المغربية و المنشورة بالجريدة الرسمية تكتسي طابع الإلزام الذي للتشريع الوطني ، بل و تطبق بالأولوية في حال تعارضها مع التشريع الداخلي ، انطلاقا من مقتضيات الدستور التي أكدت التزام بلادنا بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا.” [38]

خاتمة :

في ختام هذا المقال يتضح ان القاضي الإداري يشكل حصنا متينا لحماية حقوق المرتفقين في مواجهة الإدارة، مستندا في ذلك إلى جملة من مصادر القوة، أبرزها استقلاله الوظيفي، ومرجعيته في المشروعية، و امتلاكه لسلطة الإلغاء و التعويض.

كما ساهم تطور الاجتهاد القضائي في تعزيز موقعه كفاعل ضامن لتوازن العلاقة بين الإدارة و المواطن، إذ لم يعد يكتفي بالتقيد الصارم بالنصوص ، بل أصبح يجتهد في تفسيرها بما يحقق العدالة ، و يحمي الحقوق الأساسية للمرتفقين ، و من هنا فإن فعالية الرقابة القضائية الإدارية تبقا رهينة بمدى تمكين هذا القاضي من الوسائل القانونية و المؤسساتية التي تضمن استقلاله و نجاعته ، خصوصا تنفيذ أحكامه في ظل تماطل الإدارة في ذلك ، مما يجعل القيمة العملية لأحكام القضاء الإداري أشبه أحيانا بنفخة في رماد و صيحة في واد .


لائحة المراجع :

  1. أنور سلطانالمبادئ القانونية العامة – دار النهضة للطباعة والنشر – 1973.
  2. الزين العزريالقاضي الإداري يصنع القاعدة القانونية – مجلة الاجتهاد القضائي – العدد 02 – كلية الحقوق والعلوم السياسية – جامعة بسكرة – 01/2006.
  3. الملف الإداري عدد 1153/4/2/2011 – مجلة قضاء محكمة النقض – العدد 76.
  4. الملف الإداري عدد 684/7110/2018 – منشور بمجلة المحاكم المغربية – العدد 164 – مارس/أبريل 2019 – مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء.
  5. الملف الإداري عدد 870/4/1/2010 – مجلة قضاء محكمة النقض – العدد 76 – 2013 – مطبعة الأمنية – الرباط.
  6. الملف رقم 09/07/2012 – مذكور في مجلة المحاكم المغربية – العدد 165.
  7. تاريخ الاطلاع: الأربعاء 21/05/2025 س 13:13لحسن الحميديالأسس المنهجية في تأويل القضاء الإداري المغربي – مجلة فضاء المعرفة القانونية – 01/نوفمبر/2023.
  8. حكم رقم 1076 بتاريخ 2013/03/21 – ملف رقم 2012/05/566 – منشور بمنصة مغرب القانون – بتاريخ 2013/04/11 – تاريخ الاطلاع: 24/ماي/2025 س 13:00.
  9. ذ. نور الدين الناصريمسؤولية الدولة عن تعويض ضحايا الكوارث – مجلة المحاكم المغربية – عدد 165 – ماي/يونيو 2019 – مطبعة النجاح الجديدة.
  10. سليمان محمد الطماويالقضاء الإداري – الكتاب الثاني – قضاء التعويض وطرق الطعن في الأحكام – دار الفكر العربي.
  11. عبد الغني جلابدور تفسير القاضي الإداري في معالجة القصور في التشريع – مجلة الجامعة العراقية – عدد 69 – ج 3.
  12. عبد الرحمان الشرقاويالتنظيم القضائي بين العدالة المؤسساتية والعدالة المكملة البديلة – ط 2 – 2015.
  13. قرار رقم 248 صادر في 25 يوليوز 1991 – ملف إداري عدد 2255/90 – مخاصمة القضاة – المجلة المغربية لنادي القضاة – عدد 2 – صيف 2013.
  14. قرار عدد 129 الصادر في 01 مارس 2012 في الملف الإداري عدد 870/4/1/2010 – مجلة قضاء محكمة النقض – العدد 76.
  15. محمد أمين زياندور القاضي الإداري في صناعة القواعد القانونية – المجلة الجزائرية للحقوق والعلوم السياسية – العدد 4 – ديسمبر 2017.
  16. مليكة صروخالقانون الإداري – دراسة مقارنة – ط 4 – 1998.
  17. ملف إداري عدد 0047/7110/2018 – منشور بمجلة المحاكم – عدد 165.
  18. ملف المحكمة الإدارية بوجدة رقم 144 بتاريخ 01/03/2017 – في الملف الإداري عدد 188/7112/2016 – مجلة المحاكم المغربية – عدد 163 – يناير/فبراير 2019 – مطبعة النجاح الجديدة – البيضاء.
  19. مقتطف من نص الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأول أحمد با حنيني في جلسة 7 أكتوبر 1968 بمناسبة افتتاح السنة القضائية تحت رئاسة صاحب الجلالة الحسن الثاني – تناول فيه الحكم الإداري الصادر بتاريخ 3 يوليوز 1968 – منشور بالمجلة المغربية لنادي قضاة المغرب – العدد 2 – صيف 2013 – مطبعة دار النشر المغربية – البيضاء.
  20. طارق أثلاثيالقانون الإداري – دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع – 2009 – ط 2.
  21. ESPRIT DES LOIS PAR MONTESQUIEU AVEC LES NOTES DE L’AUTEUR ET UN CHOIX DES OBSERVATIONS DE DUPIN.GREVIER .VOLTAIR . MABLY.LA HARPE . SERVAN ETC .PARIS .LIBRAIRIE DE FIRMIN DIDOT FRERES .IMPRIMERURS .DE L’INSTITU .RUE JACOR 56 /1845.
  22. Long.P.Weil ;G.Delvolvè ;B Genevois ;”les Grands Arrèts de la jurisprudence administrative “;Dalloz-paris ;22Edition2017 ;

الهوامش:

[1] – طارق أثلاثي _ القانون الإداري -دار القلم للطباعة و النشر و التوزيع _ 2009 ط 2 ص 42 .

[2] مليكة صروخ – القانون الإداري – دراسة مقارنة – ط 4 – 1998 – ص 248 .

[3] – عبد الرحمان الشرقاوي – التنظيم القضائي بين العدالة المؤسساتية و العدالة المكملة البديلة – ط 2/ 2015 ص 128 .

[4] سليمان محمد الطماوي – القضاء الإداري – الكتاب الثاني – قضاء التعويض و طرق الطعن في الأحكام – دار الفكر العربي -ص 118

[5] ذ نور الدين الناصري – مسؤولية الدولة عن تعويض ضحايا الكوارث – مجلة المحاكم المغربية – عدد 165 ماي /يونيو 2019  – مطبعة النجاح الجديدة -ص 50 .

[6] ملف رقم 09/07/ 2012 مذكور في مجلة المحاكم المغربية -عدد 165 م س ص 149 .

[7] انظر مثلا حكم المحكمة الإدارية بوجدة رقم 144 بتاريخ 01/03/2017 في الملف الإداري عدد 188 / 7112/ 2016 – مجلة المحاكم المغربية عدد 163 -يناير /فبراير 2019 – مطبعة النجاح الجديدة -البيضاء  ص 159 .

[8] نورالدين الناصري -مسؤولية الدولة م س ص 49 .

[9] صادر بتاريخ 01/03/2012 الملف الإداري عدد 870 /4/1/2010  مجلة قضاء محكمة النقض – العد 76 -2013 مطبعة الأمنية – الرباط ص 208

[10] مقتطف من نص الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأول أحمد با حنيني في جلسة 7 أكتوبر 1968 بمناسبة افتتاح السنة القضائية تحت رئاسة صاحب الجلالة الحسن الثاني ، وقد تناول فيه الحكم الإداري الصادر في 6 ربيع الثاني 1388 موافق 3 يوليوز 1968 من الغرفتين مجتمعتين – منشور بالمجلة المغربية لنادي قضاة المغرب – العد 2 صيف 2013  مطبعة دار النشر المغربية – البيضاء ص 425 .

[11] ن م ص 430 .

[12] نور الدين الناصري -مسؤولية الدولية عن تعويض الحوادث م س ص 51 .

[13] قرار عدد 129 الصادر 01 مارس 2012 في الملف الإداري عدد 870 /4/1 /2010 مجلة قضاء محكمة النقض العدد 76 م س ص 208 .

[14] نور الدين الناصري – مسؤولية الدولة م س ص 51 .

[15] مجلة المحاكم المغربية عدد 165 ماي /يونيو 2019 م س ص 50 .

[16] مشار إليه في مجلة المحاكم المغربية م س ص 50 الهامش .

[17] ملف رقم 807/12/2010 ن م ص 52

[18] ن م ص 51 .

[19] ملف عدد 0047/7110/2018 منشور بمجلة المحاكم عدد 165 م س ص 161 .

[20] طارق أثلاثي – القانون الإداري م س ص 32 .

[21]  عبد الغني جلاب -دور تفسير القاضي الإداري في معالجة القصور في التشريع – مجلة الجامعة العراقية – عدد 69 ج 3 ص564 .

[22] أنور سلطان – المبادئ القانونية العامة -دار النهضة للطباعة و النشر -1973 ص 85 .

[23] عبد الغني جلاب م س ص 566 .

[24]  الملف الإداري عدد 1153/4/2/2011 -مجلة قضاء محكمة النقض عدد 76 م س ص 205 .

[25] طارق أثلاثي – القانون الإداري م س ص 46 .

[26] ن م ص 46 .

[27] محمد أمين زيان -دور القاضي الإداري في صناعة القواعد القانونية -المجلة الجزائرية للحقوق و العلوم السياسية – العدد 4 دسمبر 2017 ص 224 .

[28] ن م ص 230 .

[29] القرار رقم 248 صادر في 25 /يوليوز /1991 -ملف إداري عدد 2255 / 90 مخاصمة القضاة -المجلة المغربية  لنادي القضاة -عدد 2 صيف 2013 م س ص 368 .مع أن عبء الإثبات يقع على المدعي ، و بالأخص عنصر سوء النية لدى القاضي ن م ص 369 .

[30] الزين العزري -القاضي الإداري يصنع القاعدة القانونية -مجلة الاجتهاد القضائي -العدد02 كلية الحقوق و العلوم السياسية -جامعة بسكرة 01/2006 ص 109 .قرار مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 14 يناير 1938 في قضية شركة المنتجات الحليبية لا فلوريت la fleurette ou sociètè anonyme des produits laitiers la fleurette فقد قضى مجلس الدولة بتعويض هذ الشركة سبب تضررها من قانون 29 /06/1934 الذي يمنع صناعة الزبدة من غير مشتقات الحليب ويحظر إضافة الدهون الأجنبية ، مما أدى بالشركة المذكورة إلى ايقاف نشاطها ، فقررت رفع دعوى المطالبة بالتعويض ضد الدولة الفرنسية بسبب إصدار تشريع أضر بحقوقها ، فكانت النتيجة لصالحها ، فكانت هذه بداية إقرار القضاء بمسؤولية الدولة عن أعمالها التشريعية VOIR: M.Long .P.Weil ;G.Delvolvè ;B Genevois ;”les Grands Arrèts de la jurisprudence administrative “;Dalloz-paris ;22Edition2017 ;p374.

[31] الزين العزري ن م

[32] لحسن الحميدي -الأسس المنهجية في تأويل القضاء الإداري المغربي -مجلة فضاء المعرفة القانونية 01/نوفمبر 2023 تاريخ الإطلاع : الأربعاء 21/05/2025 س 13:13

[33] ن م

[34] ESPRIT DES LOIS PAR MONTESQUIEU AVEC LES NOTES DE L’AUTEUR ET UN CHOIX DES OBSERVATIONS DE DUPIN.GREVIER .VOLTAIR . MABLY.LA HARPE . SERVAN ETC .PARIS .LIBRAIRIE DE FIRMIN DIDOT FRERES .IMPRIMERURS .DE L’INSTITU .RUE JACOR 56 /1845

[35] طارق أثلاثي – القانون الإداري م س ص 27 .

[36] المحكمة الإدارية بالرباط -حكم رقم 1076 بتاريخ 2013/03/21 -ملف رقم 2012/05/566 – منشور بمنصة مغرب القانون بتاريخ 2013/04/11 -تاريخ الاطلاع 24/ماي /2025 س 13:00

[37] طارق أثلاثي -القانون الإداري م س ص 28 .

[38]  ملف إداري عدد 684ّ \7110 \2018 منشور بمجلة المحاكم المغربية _عدد 164 مارس\ابريل 2019 مطبعة النجاح الجديدة _ الدار البيضاء.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]