مجلة مغرب القانونالقانون الخاصعبد الوهاب عافلاني: التعرض على مسطرتي تحديد و تحفيظ الملك الغابوي

عبد الوهاب عافلاني: التعرض على مسطرتي تحديد و تحفيظ الملك الغابوي

إعداد الأستاذ عبدالوهاب عافلاني باحث في العلوم القانونية

     يحظى الملك الغابوي بأهمية كبرى، بالنظر إلى وظائفه الايكولوجية و الاقتصادية والاجتماعية، مما كان معه وجوبا العمل على حماية هذه الثروة و ضمان استمرارها و ترشيد استعمالها ووضع الطرق الكفيلة للحد من الاخطار التي تهددها و تستنزف طاقاتها، و انطلاقا من الرسالة السامية لصاحب الجلالة الموجهة إلى المشاركين في المؤتمر العالمي السابع للتربية البيئية المنعقد بمراكش بتاريخ 09 يونيو 2013 و التي جاء فيها:

” إن المملكة المغربية لواعية كل الوعي بكون تحقيق نمو اقتصادي قوي و مطرد في إطار تنمية اجتماعية متوازنة، يقتضي انتهاج سياسة إرادية للحفاظ على البيئة، سياسة قائمة على تعبئة الطاقات و تكريس كل الجهود الوطنية لضمان تنمية مستدامة قوامها الرابط بين البعدين الاقتصادي و الايكولوجي . و في هذا الصدد ، كانت بلادنا من بين الدول السباقة للانخراط في مبادئ “إعلان ريو” و في “الاجندة 21″ و كذا في الاتفاقيات المتعددة الاطراف المتعلقة بالبيئة”. انتهى النطق الملكي السامي.

و لتحقيق هذا الطابع الحمائي للملك الغابوي لحماية الثروة الغابوية الوطنية أحاط المشرع الملك الغابوي بمجموعة من القوانين التشريعية و التنظيمية على رأسها:

  • الظهير الشريف الصادر في 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري المغير و المتمم بالقانون رقم 07-14 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.177 بتاريخ 22/11/2011.
  • الظهير الشريف الصادر بتاريخ 03 يناير 1916 المتعلق بتأسيس تنظيمات خصوصية لتحديد الأملاك المخزنية.
  • الظهير الشريف الصادر بتاريخ 24 ماي 1922 المتعلق بتقييد العقارات المخزنية التي جرى تحديدها على الطريقة المبينة بالظهير الشريف المؤرخ في 03 يناير 1916.
  • الظهير الشريف الصادر بتاريخ 10 أكتوبر 1917 المتعلق بحفظ الغابات و استغلالها كما وقع تعديله و تتميمه.
  • بالإضافة إلى مجموعة من القوانين و المراسيم و القرارات الوزارية.

ونظرا لمكانة الأراضي الغابوية في التنوع العقاري بالمغرب ومن أجل حماية هذا الرصيد العقاري نظرا لدوره في مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية. و لتفعيل اطارها القانوني والمؤسساتي لحمايتها من الاستنزاف و الاستيلاء، يلعب القضاء دورا محوريا في هذه الحماية و سد النقص التشريعي في انتظار مراجعة وتحديث الترسانة القانونية المؤطرة له بما يضمن حمايته وتتمينه والرفع من فعالية تنظيمه لتمكينه من القيام بدوره في تعزيز الدينامية الاقتصادية والاجتماعية.

و سوف نتطرق إلى جانب من هذه الحماية القانونية التي أحاط بها المشرع المغربي الملك الغابوي و نتحدث عن التحديد الاداري للملك الغابوي على ضوء اجتهادات محكمة النقض.

يقصد بمسطرة التحديد الإداري للملك الغابوي مجموعة من الإجراءات التي تقوم بها الإدارة بهدف ضبط حدود ومساحة عقار معين وإدراجه بشكل نهائي وغير قابل للنزاع في دائرة الأملاك الغابوية، وهو إجراء أولي لتحفيظه.

و لضبط التحديد الاداري للملك الغابوي يقتضي منا تحديد مفهوم الملك الغابوي للدولة و تمييزه عن غيره و تحديد طبيعته.

نص الظهير الشريف الصادر بتاريخ  10 اكتوبر 1917 على فصله الأول على ما يلي:

الفصل الأول– إن الأملاك الآتي ذكرها تخضع للنظام الغابوي ويقع تدبير شؤونها طبقا لمقتضيات ظهيرنا الشريف هذا:

 أولا – الملك الغابوي.  

ثانيا- غابات الجماعات القابلة للتهيئة والاستغلال بصفة منتظمة .

ثالثا- الغابات المتنازع فيها بين الدولة وجماعة أو بين أحد هذين الصنفين من الملاكين وأحد الأفراد.

رابعا- الأراضي الجماعية المعاد غرسها أو التي ستغرس من جديد وأراضي الرعي الجماعية التي يجب تحسينها من طرف الدولة بعد موافقة مجلس الوصاية على الجماعات.  

خامسا- الأراضي المعاد غرسها أو التي ستغرس من جديد وأراضي الرعي الجارية على ملك أحد الأفراد والتي يريد ملاكوها أن يعهدوا بصددها للدولة إما بالحراسة وإما بالحراسة والتسيير. وتحدد بموجب مرسوم كيفيات جعل الأملاك المنصوص عليها في المقطعات 2 و4 و5 أعلاه خاضعة للنظام الغابوي وكذا شروط تسييرها وحراستها.

ويتعرض مخالفو مقتضيات المرسوم المذكور في حالة عدم وجود العقوبات الخصوصية المنصوص عليها في ظهيرنا الشريف هذا ، للعقوبات المقررة في الفقرة الأولى من الفصل 55 بعده وذلك بصرف النظر عن إرجاع المحصولات وتعويض الضرر عند الاقتضاء.

الفصل الأول-أ) تكون تابعة للملك الغابوي للدولة : أولا- الغابات المخزنية.

 ثانيا- الأراضي المغطاة بالحلفاء المسماة “منابت الحلفاء.

ثالثا- التلال الأرضية والتلال البحرية إلى حد الملك العمومي البحري حسبما بين هذا الحد في التشريع الخاص بالملك العمومي للمملكة المغربية.

 رابعا- المنازل الغابوية وملحقاتها والمسالك الغابوية والأغراس والمشاتل المحدثة في الغابات المخزنية ومنابت الحلفاء أو التلال وكذا الأراضي المنجزة للملك الغابوي لأجل منشئات كهذه عن طريق الهبة أو الشراء أو المعاوضة العقارية .

خامسا- الأراضي المخزنية المعاد غرسها بالأشجار أو التي ستغرس من جديد والأراضي التي اشتراها الملك الغابوي لإعادة غرسها وكذا ملحقاتها : كالمنازل الغابوية والمزارع إلخ …

الفصل الأول-ب) إن الأملاك التابعة للملك الغابوي يقع تحديدها طبقا للشروط المنصوص عليها في الظهير الشريف المشار إليه أعلاه الصادر في 26 صفر 1334 الموافق ل 3 يناير1916.

 وتعتبر هذه الأملاك مخزنية ما دامت لم تباشر عمليات التحديد.

(أضيفت المقتضيات التأويلية الآتية بالفصل الفريد من الظهير الشريف رقم 1-60-126 بتاريخ 26 محرم 1380 (21 يوليوز 1960)) :

تعتبر غابة مخزنية ، لأجل تطبيق الافتراض المذكور ، كل قطعة أرضية توجد فيها مجموعة أشجار طبيعية النبت. وإذا امتدت التلال أثناء إجراء التحديد إلى أملاك خصوصية أو جماعية محفظة فتوضع أنصاب الدائرة المخزنية عند حدود الأراضي المذكورة اللهم إذا طبقت على هذه الأراضي المقتضيات المقررة فيما بعد والتي يجرى مفعولها كذلك في حالة ما إذا استمر تمديد التلال بعد التحديد.

 الفصل الأول-ج) إذا أعلن في الحالتين المنصوص عليهما في الفصل الأول (ب) أعلاه أنه من المصلحة العمومية إقرار التلال بموجب مرسوم فإن وزير الفلاحة يصدر قرارا يأمر فيه بأن تباشر على نفقة الدولة الأشغال الواجب القيام بها في العقارات الخاصة أو الجماعية التي تجتاحها الرمال ويكون للدولة التصرف في التلال الغير المخزنية والواقع إقرارها كما ذكر والتمتع بغلتها إلى أن تسترجع النفقات المدفوعة لتنفيذ أشغال الإقرار. وعندما يتم استرجاع النفقات ترد ملكية هذه التلال إلى أربابها ولكن الغابات التي أنشئت فيها تبقى خاضعة للنظام الغابوي وتواصل إدارة الغابات تدبير شؤونها لفائدة الملاكين ، من غير أن يكون هذا التدبير المبرر بالمصلحة المشتركة للملاك والبلاد شبيها بنزع الملكية لأجل مصلحة عمومية.

و من خلال هذه المقتضيات القانونية نلاحظ ان المشرع لم يعرف الملك الغابوي في الفصل الأول بل عدد الاملاك التي تخضع للنظام الغابوي و التي قد تكون مملوكة للدولة او جماعة او للأفراد  و حدد في الفصل الأول أ  الملك الغابوي للدولة و على رأسه الغابات المخزنية   و أحال في تحديدها إلى الظهير الشريف المؤرخ في 03 يناير 1916 و عرفها بأنها كل قطعة أرضية توجد فيها مجموعة أشجار طبيعية النبت.

و لم يحدد المشرع طبيعة الملك الغابوي للدولة هل هو ملك عام أم خاص؟

 و لقد عدد الفصل الاول من الظهير الشريف المؤرخ في فاتح يوليوز 1914 كما وقع تعديله بالظهير الشريف المؤرخ في 29 أكتوبر 1919 الأملاك العامة على سبيل المثال    و ليس من ضمنها الملك الغابوي. و نظرا لطريقة استغلاله و قابليته للتصرف فإنه يوضع في خانة الملك الخاص للدولة و ما يؤكد ذلك هو مآله عند تحديده و تحفيظه يؤسس له رسم عقاري خاص في اسم الدولة.

  • و لدراسة هذه المسطرة و الوقوف على خصوصياتها و آثارها و علاقتها بالقواعد العامة للتحفيظ العقاري فقد ارتأينا تقسيم هذا الموضوع إلى فصلين اثنين كالآتي: نتطرق في الأول إلى مسطرة التحديد الإداري و في الثاني إلى آثاره.

الفصل الأول: مسطرة التحديد الإداري

تهدف مسطرة التحديد الاداري للملك الغابوي إلى ضبط حدود ومساحة الأراضي الغابوية ومشتملاتها المادية وتصفية وضعيتها القانونية، وتبدأ بطلب من إدارة المياه و الغابات أو إدارة الأملاك وتنتهي بتأسيس  رسم عقاري خاص بها لذلك سنقسم هذه المسطرة إلى محاور توضح التسلسل الزمني لإنجازها.

و قبل الخوض في ذلك التسلسل الزمني تجدر الاشارة إلى أنه تم إحداث الوكالة الوطنية للمياه و الغابات بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.12.71 الصادر بتاريخ 14 يوليوز 2021 بتنفيذ القانون رقم 52.20 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7006 بتاريخ 22 يوليوز 2021 و أسندت لها المادة الخامسة من نفس القانون السهر على تطبيق النصوص التشريعية و التنظيمية المتعلقة بالملك الغابوي و لاسيما تلك المتعلقة بتحديد الملك الغابوي، و حلت بمقتضى المادة 25 من نفس القانون محل المندوبية السامية للمياه و الغابات      و محاربة التصحر او إدارة المياه و الغابات. و بالمقابل نجد أن لغة النص القانوني سواء في ظهير 03 يناير 1916 أو في ظهير 10 أكتوبر 1917 تتسم بالقدم يرجع بالأساس إلى الحقبة التاريخية التي صدرا فيها و لم يتم تحيين أسماء المؤسسات الواردة بهما و نذكر منها على سبيل المثال المخزن الشريف و الحاكم المحلي و الإيالة و محاكم القضاة و محاكم القواد و إدارة الأمور الشريفة و حكومة المراقبة المحلية مما قد يثير لبسا أو ابهاما لدى الباحثين و الفاعلين.

أولا: مبادرة وطلب افتتاح عملية التحديد الإداري

كما سبق الذكر نص الفصل الأول  من الظهير الشريف الصادر بتاريخ 03 يناير 1916على ما يلي: ” كل عقار فيه شبهة ملك للمخزن الشريف يمكن أن تجرى فيه أعمال التحديد حسب الشروط الآتية لأجل استبانة حقيقته وتعيين حالته الشرعية وذلك بطلب من إدارة المياه والغابات أو إدارة الأملاك المخزنية.”

كما نص الفصل الأول ب من الظهير الشريف الصادر بتاريخ 10 أكتوبر 1917 على القرينة الغابوية عندما أحال في تحديد الاملاك التابعة للملك الغابوي على الظهير الشريف المؤرخ في 03 يناير 1916 و اعتبر أنه تبقى الاملاك التابعة للملك الغابوي مخزنية ما دامت لم تباشر عمليات التحديد و اعتبر غابة مخزنية لأجل تطبيق الافتراض المذكور، كل قطعة أرضية توجد فيها مجموعة أشجار طبيعية النبت.

وقد أسست هذه المقتضيات لمبدأ أساسي في مسطرة تحديد الملك الغابوي وهو مبدأ القرينة وهو ما عبر عته ظهير 1916 بالشبهة و عبر عنه ظهير 1917 بالافتراض.

ويقوم مبدأ القرينة على أن الصبغة الجماعية مفترضة لأن الأصل في الملكية العقارية بالمغرب أنها جماعية أو حبسية أو ملك للدولة  وهو ما كرسته الفقرة الثانية من المادة 18 من مرسوم  28 أكتوبر 2008 بتطبيق أحكام القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة    و التي نصت على أنه إذا تعلق الامر بعقار غير محفظ وجب على العدل التأكد بواسطة شهادة صادرة عن السلطة المحلية من كونه ليس ملكا جماعيا او حبسيا و ليس من أملاك الدولة و غيرها.

و في هذا السياق أكدت محكمة النقض مبدأ القرينة الغابوية في عدة قرارات منها قرارها عدد 343 بتاريخ 18 يونيو 2013 في الملف المدني عدد 3458/18/2012 ( منشور بمجلة ملفات عقارية – قضايا المياه و الغابات العدد 4 الصفحة 79) جاء فيه:

( أن القرار المطعون فيه لم يتطرق للقرينة القانونية و لم يناقش حيازة الطاعنة و اكتفى في حيازة المطلوب في النقض و في عدم ثبوت الطابع الغابوي لمحل النزاع بما ورد في تعليله المنتقد أعلاه ، مع ان استعصاء تطبيق الخبير لخريطة التحديد الغابوي المذكور و إحالة أملاك الخواص بالمدعى فيه، لا يكفي في استبعاد قرينة الطابع الغابوي المذكورة أعلاه      و المقررة للطاعنة  و كذا التحديد الغابوي الذي تمسكت به ، و للتحقق من ذلك كان على المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه اتخاذ التدابير التكميلية للتحقيق طبقا للفصل 43 من ظهير التحفيظ العقاري و ذلك بإجراء معاينة مع الاستعانة بمهندس طبوغرافي عند الاقتضاء و لما لم تفعل يكون قرارها خارقا للمقتضيات المحتج بها و معللا تعليلا ناقصا يوازي انعدامه مما عرضه بالتالي للنقض و الابطال.)

و كذا قرارها عدد 222 بتاريخ 07 يوليوز 2020 في الملف المدني عدد 3389/1/1/2018 ( منشور بقضاء محكمة النقض في المادة العقارية- سلسلة دفاتر محكمة النقض العدد 39 الصفحة 46) جاء فيه:

( إنه بمقتضى الفصل الأول من ظهير 03 يناير 1916 المتعلق بالتحديد الاداري لأملاك الدولة فإن كل عقار يوجد في طور التحديد الإداري توجد فيه قرينة على أنه ملك من أملاك الدولة و هي قرينة لا يمكن دحضها إلا بحجة أقوى.)

لكن هذه القرينة تصبح بسيطة قابلة لإثبات العكس إذا كانت الأشجار طبيعية النبت مختلطة مع أشجار مغروسة و كان العقار خارج التحديد الاداري كما ذهبت إلى ذلك محكمة النقض في قرارها عدد 786/8 بتاريخ 09/11/2021 في الملف المدني عدد 118/1/8/2020   ( منشور بسلسة دفاتر محكمة النقض العدد 47 الصفحة 130) جاء فيه:

( أن وجود بعض الاشجار بالعقار المدعى فيه لا يعتبر قرينة على صبغته كملك غابوي    و إنما يعتبر قرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس و المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه ثبت لديها على ضوء اجراءات التحقيق المتخذة ابتدائيا و استئنافيا أن العقار المدعى فيه عبارة عن قطعة أرضية توجد بها بعض المساكن و استنتجت من ذلك انعدام عناصر القرينة المقررة للملك الغابوي بمقتضى ظهير 10/10/1917 بعدما تأكد من الخبرة انطباق رسم شراء طالب التحفيظ  المبني على ملكية البائعين له على عين المكان، فإنه نتيجة لكل ما ذكر يكون القرار غير خارق للمقتضيات المحتج بها و معلل تعليلا كافيا.)

على أنه إذا تمسكت مصلحة المياه و الغابات بالقرينة الغابوية للملك اعتمادا على النبت الطبيعي الموجود به يلزم المحكمة الوقوف عليه صحبة خبير مهندس مساح طبوغرافي في حماية الفصلين 34 و 43 من ظهير التحفيظ العقاري للتأكد من صبغته و التأكد من طبيعته لتبني قرارها على ما انتهى غليه تحقيقها كما ذهبت محكمة النقض في عدة قرارات منها القرار عدد379/4 بتاريخ 21/06/2022 في الملف المدني عدد 6807/1/4/2019 ( منشور بسلسة دفاتر محكمة النقض العدد 47 الصفحة 179)

و أن الشروع في التحديد الاداري يعتبر قرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس كما ذهبت إلى ذلك محكمة النقض في قرارها عدد 549/1 بتاريخ 08/12/2020 الصادر في الملف عدد 58/1/1/2019 جاء فيه: ( أنه بمقتضى الفصل الأول من ظهير 03 يناير 1916 المتعلق بتحديد أملاك الدولة فإنه إذا ثبت أن المدعى فيه يوجد ضمن عقار في طور التحديد الإداري فإن ذلك يشكل قرينة قانونية على أن العقار المذكور هو من أملاك الدولة ، و أن هذه القرينة قابلة لإثبات العكس ، و بالتالي فإنه كان على المحكمة مناقشة حجة طالبة التحفيظ و القول ما إذا كانت كافية لدحض تلك القرينة القانونية ، الأمر الذي يكون معه القرار المطعون فيه بذلك خارقا للمقتضيات المذكورة مما عرضه للنقض و الإبطال .)

وتقدير القرينة القانونية مسألة قانون يعتمد فيها على معاينة المحكمة لا على خبر الخبراء،   و الخبر لا يعلو على المعاينة و لا ينقضها.

و شرط المعاينة رفع اللبس عن المدعى فيه لبيان طبيعته و حد حدوده و تقصي أسباب اختلاف الحدود متى كان له محل.

كما أن تطبيق الحجج من صميم عمل القضاء لا من فن الخبراء الذين حسبهم تحرير محل النزاع من الناحية التقنية بحد حدوده و ضبط مساحته.

ثانيا: افتتاح عمليات التحديد الإداري

بعد دراسة الطلب والموافقة عليه من طرف الحكومة تصدر مرسوما بالشروع في عمليات التحديد، حيث نصت الفقرة الأولى من الفصل الثالث من الظهير أعلاه على ما يلي:

”  يصدر قرار وزيري بتحديد كل عقار يبين فيه الشروع في العمل وذلك بمطلب تقديمه للحكومة تذكر فيه العقار المقصود تحديده مع الأسماء التي يعرف بها ومحل وجوده مع حدوده والأملاك المجاورة له والقطع الداخلة في حدودها وما عسى أن يتبعه من الحقوق والمرافق. “

ثالثا: إشهار مرسوم افتتاح عمليات التحديد الاداري

و بعد صدور مرسوم التحديد الإداري يتم الشروع في إجراءات التحديد، وتبدأ عملية التحديد بإشهار مرسوم التحديد وطلب الإدارة المقدم بخصوصه والإعلان عنها خلال الشهر السابق على عملية التحديد وذلك بهدف كفالة علم الجيران والكافة بجريان المسطرة ويتعرضوا عليها حالة ادعائهم بحقوق عينية على العقار موضوع التحديد، وقد نصت على هذا الإجراء الفقرة الأولى الفصل 4 من ظهير 03 يناير 1916 كما وقع تعديله بظهير 17-08-1949، والذي جاء فيه:

مقال قد يهمك :   أنماط التدبير الحديث للجماعات في ضوء القانون التنظيمي رقم 113.14

”  يعلن للعموم تاريخ العمليات بشهر قبل إجرائها بواسطة الجرائد والإعلانات تعبيرا باللغتين العربية والفرنسية.”

و نشر الإعلان باللغة الفرنسية أصبح متجاوزا بعد صدور ظهير التوحيد والتعريب و المغربة عدد 64/3 الصادر بتاريخ 26 يناير 1965 والذي جعل من اللغة العربية هي اللغة الرسمية للمملكة، و الذي أكده دستور المملكة المغربية 2011 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 27 شعبان 1432 الموافق ل 29 يوليوز 2011 في فصله الخامس و أضاف الامازيغية كلغة رسمية للدولة فجاء فيه:

” تظل العربية اللغة الرسمية للدولة .

و تعمل الدولة على حمايتها و تطويرها و تنمية استعمالها.

تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة ، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء.”

و حدد نفس الفصل 4 أعلاه وسائل إشهار عملية التحديد و نص على أنه:

” ولهذا ينشر القرار الوزيري وملخص طلب الإدارة العليا في الجريدة الرسمية ويشهر قبل تاريخ العمليات ويشهران أيضا بواسطة الحاكم المحلي على طريق المناداة بين القرى والأسواق لإيالة قائد المحل في الأيام والأوقات المناسبة لها طيلة الشهر الذي يأتي قبل الشروع في التحديد.

هذا ويعلن نص القرار الوزيري وملخص الطلب المذكورين خلال تلك المدة في أوضح الأماكن الآتي بيانهـــا :

أولا: المصالح الإدارية الموجود في دائرتها الملك المراد تحديده كمحاكم القضاة ومحاكم القواد ومكتب المحافظة على الأملاك ومكتب الناحية ومكتب الدائرة الإدارية ومكتب دائرة المياه والغابات فيما يخص العقارات الداخلة في أملاك إدارة المياه والغابات …

ثالثا: إدارة الأمور الشريفة وقسم إدارة المياه والغابات وإدارة أملاك مخزننا السعيد برباط الفتح.

و تتضمن هذه الاعلامات أيضا زيادة على نسخة القرار و مطلب الحكومة جميع الارشادات النافعة لأجل تبيين كيفية الشروع في التحديد و إجراء الأعمال.”

على أن الإشهار عن طريق المناداة أصبح متجاوزا أمام تطور و فعالية الوسائل الحديثة للاتصال و التواصل.

رابعا: لجنة التحديد الإداري

نصت الفصل الثاني من الظهير الشريف الصادر بتاريخ 03 يناير 1916 على أن أعمال التحديد المذكورة تجريها لجنات تتألف من :

 – موظف نائب عن إدارة المراقبة

– أحد موظفي إدارة المياه و الغابات من الطبقة العليا فيما يختص بالغابات.

– مراقب لإدارة الاملاك فيما يختص بغيرها من الأملاك

– قائد القبيلة معضدا بأشياخها

– و من عدلين إن اقتضى الحال حضورهما.

و تشرع اللجنة المذكورة طبقا للفصل 5 من الظهير الشريف الصادر بتاريخ 03 يناير 1916 في مباشرة أعمال التحديد في اليوم والساعة والمحل المعينة في الإعلانات، وتتخذ الوسائل التي من شأنها إعلام الناس بوصول اللجنة حتى يمكن لها وضع الحدود بمحضر  أولي الحقوق. و تدفع اللجنة لموظف من حكومة المراقبة المحلية عند تمام أعمالها تقريرا مصحوبا بخريطة المحل الذي اجري فيه التحديد و يعلم عموم الناس بدفع الخريطة  و التقرير على الكيفية المشار إليها في الفصل الرابع.

خامسا: التعرض على مسطرة التحديد الإداري

نصت الفصل 5 من الظهير الشريف الصادر بتاريخ 03 يناير 1916 على أنه يمكن التعرض على عملية التحديد الإداري بسبب المنازعة في صحة التحديد أو المطالبة بحق من الحقوق العينية المتعلقة بالأراضي موضوع التحديد ويقدم في عين المكان إلى لجنة التحديد الإداري و هي تدرجه في تقريرها او امام موظف من حكومة المراقبة المحلية.

كما حدد نفس الفصل المذكور لمن تعرض أمام لجنة التحديد في عين المكان أجل قدره ثلاثة أشهر ابتداء من يوم نشر التقرير في الجريدة الرسمية ليعلم بقضيته الموظف المكلف بحكومة المراقبة المحلية بكتاب يبين فيه سبب تعرضه و الحجج المستند عليها المتعرض و إذا اطلعه على ذلك مشافهة فيجب عليه أن يثبته في تقرير يلحقه بتقرير التحديد و بالقائمة المبين فيها جميع التعرضات لدى اللجنة. و لا يقبل أي تعرض و لا غيره  من كل دعوى بعد مرور أجل ثلاثة أشهر من يوم التنبيه بالجريدة الرسمية و يصير التحديد نهائيا طبقا للشروط المنصوص عليها في الفصول 6 و 7 و  8 من نفس القانون.

ويقوم المتعرض وحتى لا يصبح تعرضه لاغيا وغير منتج لأي أثر طبقا للفصل 6 من نفس القانون بتقديم مطلب تحفيظ تأكيدي للتعرض خلال أجل 03 أشهر الموالية للأجل المضروب للتعرض.

و هو ما أكدته محكمة النقض في قرارها عدد 90 بتاريخ 05 مارس2013 في الملف المدني عدد 2184/1/7/2012 ( منشور بمجلة ملفات عقارية – قضايا المياه و الغابات العدد 4 الصفحة 19) جاء فيه: ( حيث يقضي الفصل الأول من ظهير 10/10/1917 بشان المحافظة على الغابات و استغلالها أن: يتم تحديد الاملاك التابعة للملك الغابوي وفق الشروط المنصوص عليها في ظهير التحديد الاداري الصادر في 3/1/1916 ، و بمقتضى الفصل الخامس من الظهير المذكور فإن عملية التعرض على التحديد النهائي يجب ان تتم بعد مضي ثلاثة أشهر من يوم التنبيه بالجريدة الرسمية ، و المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما تبين لها أن عملية التحديد صدر بشأنها قرار وزيري بتاريخ 26/6/1994 و تم نشر هذا التحديد بالجريدة الرسمية بتاريخ 19/1/2000 تكون قد سايرت المقتضى المذكور باعتبار ما ثبت لها من ان التعرض كان خارج اجل ثلاثة أشهر المحددة بمقتضى ظهير 3/1/1916 كما تحققت من خلال صورة الصفحة من الجريدة الرسمية عدد 4551 بتاريخ 19/1/2000 من التنبيه الصادر بتلك الجريدة و المحدد لأجل ثلاثة اشهر للتعرض على التحديد المذكور الصادر بشأنه القرار الوزيري المشار إليه، في حين لم يتقدم الطاعنون بالتعرض إلا في 23/05/2001 تكون قد تقيدت بالنقطة التي بت فيها المجلس الاعلى     و جاء قرارها مبررا فيما انتهى إليه غير خارق للمقتضيات المحتج بخرقها و الوسيلة على غير أساس.)

و نص المشرع على أنه لا يمكن قبول أي تعرض و لا غيره من كل دعوى بعد انصرام أجل التعرض و لم ينص صراحة على مدى إمكانية تقديم مطلب تحفيظ بعد نشر مرسوم الشروع في أعمال التحديد الاداري؟

و قياسا على تحديد الاراضي الجماعية لا يمكن تطبيقا للمادة 4 في فقرتها الثانية من الظهير الشريف رقم 1.19.116 بتاريخ 9 غشت 2019 بتنفيذ القانون رقم 63.17 المتعلق بالتحديد الاداري لأراضي الجماعات السلالية تقديم أي مطلب تحفيظ بعد نشر مرسوم افتتاح عمليات التحديد الإداري مالم يكن مطلبا تأكيديا للتعرض المقدم .

سادسا: المصادقة على عملية التحديد الإداري

نص الفصل 7 من الظهير الشريف الصادر بتاريخ 03 يناير 1916 على انه يوجه تقرير اللجنة مع نسخة طالب التقييد المودعة إلى الحكومة العليا لتوافق عليها و ذلك بعد انقضاء الاجل المضروب لمن أراد تقييد العقار.

كما نص الفصل 8 من نفس الظهير الشريف على أن المصادقة على التحديد الاداري تكون بقرار وزيري ينشر في الجريدة الرسمية و يعين فيه تعيينا لا رجوع فيه مساحة العقار المحدود و حالته القانونية و لا يستثنى منه إلا المساحات السابقة تقييدها التي لا مدخل لها فيه و المساحات التي يوافق على تقييدها عقب المطالب المضافة للتقرير المعروض للمصادقة.

كما أضاف الفصل 2 من الظهير الشريف الصادر بتاريخ 24 ماي 1922 أنه لا يمكن صدور القرار الوزيري بالمصادقة على اعمال تحديد الاملاك المخزنية إلا بعد الاطلاع على شهادة يسلمها المحافظ على الأملاك العقارية و يدون فيها ما يأتي:

1 ـ أنه لم يقع سابقا تقييد قطعة أرض ما داخلة في المنطقة المبينة في القرار الوزيري المذكور أعلاه.

2 ـ أو أنه لم يودع مطلب لأجل التقييد حسب الشروط و في الآجال المبينة في الفصل السادس أعلاه.

لكن المشرع في هذه الشهادة لم ينص صراحة على حالة  تقديم مطالب تحفيظ قبل نشر مرسوم افتتاح عمليات التحديد الإداري كما نصت على ذلك المادة 12  من الظهير الشريف رقم 1.19.116 بتاريخ 9 غشت 2019 بتنفيذ القانون رقم 63.17 المتعلق بالتحديد الاداري لأراضي الجماعات السلالية.

وذلك لأن تقديم مطلب التحفيظ قبل نشر مرسوم افتتاح عمليات التحديد الإداري يختلف عن تقديم مطلب تحفيظ تأكيدي للتعرض على التحديد الإداري من حيث الأثار وتحديد مراكز الأطراف.

 ويترتب عن المصادقة تحديد الوضعية القانونية والمادية للعقار موضوع التحديد الإداري بصفة نهائية. فيكون للمصادقة على عملية التحديد الإداري طابعا تطهيريا كالتحفيظ العقاري تماما وهو ما أكدته محكمة النقض في قرارها عدد 533 بتاريخ 12 نونبر 2013 في الملف المدني عدد 2560/1/1/2013 ( المنشور بمجلة ملفات عقارية – قضايا المياه و الغابات العدد 4 الصفحة 49 ) جاء في: ( إن مسطرة التحديد الاداري المنصوص عليها في ظهير 03 يناير 1916 بشأن النظام الخاص المتعلق بتحديد أملاك الدولة تطهر و تصفي بصفة نهائية هذه الأملاك في مواجهة من يدعي حقا عينيا عليها إذا لم يقم بتقديم تعرضه و تأكيده بمطلب تحفيظ خلال الآجال و طبقا للشكليات المنصوص عليها في هذا الظهير.)

و القرار عدد 558/4 الصادر بتاريخ 26/10/2021 في الملف المدني عدد 3507/1/4/2019 ( منشور بسلسة دفاتر محكمة النقض العدد 47 الصفحة 127) جاء فيه: ( لكن حيث إن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما ثبت لها من وثائق الملف عدم منازعة الطاعنين في كون القطعة الأرضية محل الدعوى تدخل ضمن الملك الغابوي للدولة المحدد تحديدا نهائيا بموجب المرسوم المذكور قبله المنشور بالجريدة الرسمية المدلى بنسخة منها من طرف المطلوبين و أنه لم يقع أي تعرض من طرف الطاعنين على مسطرة تحديده وفق ما يجب فلم تعتبر لذلك حججهم و قضت بتأييد الحكم برفض طلبهم تكون قد بنت قضاءها على أساس قانوني و التزمت في ذلك قاعدة الاثبات في الاستحقاق و عللت قرارها تعليلا كافيا.)

غير أنه يمكن الطعن في قرار المصادقة على التحديد الإداري كقرار إداري أمام المحاكم الإدارية إلى حين تأسيس الرسم العقاري كما سنرى لاحقا نظرا للصفة النهائية للرسم العقاري تطبيقا للفصل 62 من قانون التحفيظ العقاري الذي ينص على ما يلي: “إن الرسم العقاري نهائي ولا يقبل الطعن، ويعتبر نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق العينية والتحملات العقارية المترتبة على العقار وقت تحفيظه دون ما عداها من الحقوق غير المقيدة.”

و الطعن في قرار المصادقة على التحديد الاداري يجد سنده في الفصل 118 من دستور المملكة لسنة 2011 التي ينص على أن: ” حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه و عن مصالحه التي يحميها القانون.

 كل قرار اتخذ في المجال الإداري سواء كان تنظيميا أو فرضيا يمكن الطعن فيه أمام الجهة القضائية الإدارية المختصة.”

فإن الدستور منع بذلك تحصين أي قرار إداري من الخضوع للرقابة القضائية كما ذهبت إلى ذلك محكمة النقض و قرارها عدد 134/1 الصادر بتاريخ 30/01/2020 ملف إداري عدد 6136/4/1/2019 (منشور بالنشرة المتخصصة لمحكمة النقض – قرارات الغرفة الإدارية لسنة 2022 الصفحة 111) و قرارها عدد 33/1 الصادر بتاريخ 06/01/2022 ملف إداري عدد 3691/4/1/2019 (منشور بالنشرة المتخصصة لمحكمة النقض – قرارات الغرفة الإدارية لسنة 2022 الصفحة 105 ) رغم أن القرارين يتعلقان بالطعن في القرار الإداري بتوزيع الانتفاع بالأراضي الجماعية.

و هو ما أكدته محكمة النقض في قرارها عدد 85 بتاريخ 24 مارس 2011 في الملف الاداري عدد 37/4/1/2011 ( منشور بمجلة ملفات عقارية – قضايا المياه و الغابات العدد 4 الصفحة 143) جاء فيه: ( لكن حيث إنه يتضح من المقالين الافتتاحي           و الاصلاحي أن المدعي يرمي إلى إلغاء التحديد الاداري المؤرخ في 1961 بسبب عدم تقيد الادارة بالإجراءات المسطرية المتبعة لاتخاذه لا بالطعن في مرسوم صادر عن الوزير الأول مما تكون معه المحكمة الادارية مختصة بالبت في الطلب ، و ما أثير منعدم الأساس و الحكم المستأنف صائبا و لم يخرق أي مقتضى قانوني.)

 هذا و تجدر الإشارة إلى أن مسؤولية الافراد تثار في تقديم مطالب التحفيظ  بعد المصادقة على التحديد الاداري للملك الغابوي و تأسيس الرسم العقاري حيث ينص الفصل الأول من الظهير الشريف الصادر بتاريخ 24 ماي 1922 على أنه: ( تودع بإدارة المحافظة على الأملاك العقارية نسخة من كل تقرير يتعلق بتحديد أملاك مخزنية و كذا نسخة من الرسم الملحق به و إن ما ذكر من الايداع يعلق و ينشر بنفس الشروط و في الوقت الذي يقع فيه الايداع المشار إليه بين يدي النائب المحلي لحكومة المراقبة الادارية طبق الفصل الخامس من الظهير الشريف المؤرخ بسادس و عشري صفر عام 1334 الموافق لثالث يناير سنة 1916)

فمجرد تقديم مطالب التحفيظ بعد تحقق العلم بوسائل الاشهار المتاحة بالمصادقة على التحديد الاداري للملك الغابوي و تأسيس رسم عقاري خاص به يجعلها مقدمة عن سوء نية و يجعل صاحبها تحت مقتضيات الفصل 48 من ظهير التحفيظ العقاري الذي ينص على أن: ( كل طلب للتحفيظ أو تعرض عليه ثبت للمحكمة صدوره عن تعسف أو كيد أو سوء نية يوجب ضد صاحبه غرامة لفائدة الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية لا يقل مبلغها عن عشرة في المائة من قيمة العقار أو الحق المدعى به. والكل دون المساس بحق الأطراف المتضررة في التعويض.

إن المحكمة التي أحيل عليها مطلب التحفيظ لها صلاحية الحكم تلقائيا بالغرامة والبت، عند الاقتضاء، في طلبات التعويض.)

و في هذا الصدد أصدرت محكمة النقض قرارا حديثا بتاريخ 30 يناير 2024 في الملف العقاري عدد 5887/1/1/2022 جاء فيه: (حيث صح ما عابته الطاعنة على القرار ، ذلك أنه لما كان كل طلب للتحفيظ صدر عن تعسف أو كيد أو سوء نية يعطي الحق للأطراف المتضررة في التعويض، و أن الطاعنة دفعت بأن طالب التحفيظ موروث المطلوبين تقدم بسوء نية و تعسف و بهدف استغلال الرمال الغابوية و أسقط رسم شرائه على الملك الغابوي رغم علمه بذلك و عززت طلبها الرامي إلى التعويض بمحضر تحديد الملك الغابوي و تعليقه و ايداعه طلب مقدم من طرف طالب التحفيظ إلى إدارة المياه و الغابات بالجديدة من أجل تحديد أرضه مؤرخ في 18/11/2005 قبل تقديم مطلب التحفيظ بتاريخ 20/02/2006      و كتاب رئيس فرعية المياه و الغابات بالجديدة الجنوبية و رئيس المركز الغابوي بالجديدة مؤرخ في 02/05/2006  و المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما قضت بما جرى به منطوق قرارها ، دون أن ترد على ما أثارته الطاعنة من الدفوع و دون ان تناقش ما استدلت به من وثائق ، تكون قد عللت قرارها تعليلا ناقصا و هو بمثابة انعدامه، فعرضته للنقض.)

سابعا: تقديم مطلب التحفيظ وتأسيس الرسم العقاري

نصت ديباجة الظهير الشريف الصادر بتاريخ 24 ماي 1922  على ان تحديد العقارات المخزنية على الطريقة المبينة بالظهير الشريف الصادر بتاريخ 03 يناير 1916 لا يعفي من وجوب تقييد العقار للحصول على رسم تملك قانوني. و نص فيس فصله الاول على انه تودع بالمحافظة على الاملاك العقارية نسخة من كل تقرير يتعلق بتحديد املاك مخزنية و كذا نسخة من الرسم الملحق به و يعلق و ينشر بنفس طريقة الاشهار المنصوص عليها في الفصل 5 من الظهير الشريف الصادر بتاريخ 03 يناير 1916.

و يمكن تطبيقا للفصل 3 من الظهير الشريف الصادر بتاريخ 24 ماي 1922  الحكم بتقييد الأراضي المخزنية التي صدرت بشأنها قرارات وزارية بالمصادقة على اعمال تحديدها بعد الدولة بعد التحقق من وضع علامات الحدود و رسم الخريطة المتعلقة بالعقار من طرف المحافظة على الاملاك العقارية.

وما دامت المصادقة المنصوص عليها في الفصل 8 من الظهير الشريف الصادر بتاريخ 03 يناير 1916 لها نفس الطابع التطهيري للتحفيظ كما سبقت الإشارة إلى ذلك فإن تأسيس الرسم العقاري يكتسي طابعا كشفيا وليس إنشائيا.

مقال قد يهمك :   ملاحظات حول بعض المقتضيات المتعلقة بتصفية الشركة بين قواعد ظهير الالتزامات والعقود وقانون الشركات

الفصل الثاني: آثار التحديد الإداري

يترتب على التحديد الاداري للملك الغابوي أثران مهمان و هما عدم جواز التصرف في العقار موضوع التحديد الاداري و عدم جواز تقديم مطلب تحفيظ بخصوص عقار تجري بشأنه مسطرة التحديد الإداري إلا إذا كان ذلك تأييدا للتعرض المقدم ضد أعمال التحديد

الأثر الأول: عدم جواز التصرف في العقار موضوع مرسوم التحديد، وكل تصرف بشأنه يكون جزاءه هو البطلان

 حيث نصت الفقرة الثانية من الفصل 3 من الظهير الصادر بتاريخ 03 يناير 1916 أنه:

“من يوم صدور هذا القرار إلى أن يصدر قرار المصادقة على أعمال التحديد المشار إليه في الفصل الثامن الآتي فإنه لا يسوغ التعاقد في شيء مما اشترطت عليه حدود العقار والمشروع في تحديده ولا يعقد بيع في انتقال ملكيته واستغلاله إلا بشرط الحصول على شهادة بعدم التعرض من الإدارة التي لها النظر في ذلك وإلا فلا يصح التعاقد عليه”.

و أشار المشرع إلى التعاقد بإطلاقه دون تمييز بين التصرفات العوضية أو غير العوضية  و بين التفويت و الاستغلال،  و يكون بذلك التعاقد بشأن العقار الذي شرع في تحديده من تاريخ صدور قرار تحديده إلى غاية صدور مرسوم المصادقة عليه باطلا بقوة القانون و منعدم الاثر القانوني و لا ينتج أي أثر و لم بين المتعاقدين، و إن كان المشرع لم ينص صراحة على البطلان حيث نص على عدم صحة التعاقد.

و هو ما أكدته محكمة النقض في قرارها عدد 114/8 الصادر بتاريخ 02/02/2021 الصادر في الملف عدد 4139/1/8/2019 جاء فيه: ( أنه بمقتضى الفصل الثالث من ظهير 1916/01/03 كما تم تغييره والمتعلق بسن نظام خاص لتحديد أملاك الدولة فإنه   ” من يوم صدور مرسوم بالشروع في التحديد إلى أن يصدر قرار المصادقة على أعمال التحديد المشار إليه في الفصل الثامن من الظهير فإنه لا يسوغ التعاقد في شيء مما اشتملت عليه حدود العقار المشروع في تحديده ولا يعقد بيع في انتقال ملكيته ولا في استغلاله إلا بشرط الحصول على شهادة بعدم تعرض الإدارة التي لها النظر في ذلك وإلا فلا يصح التعاقد عليه ، ولا يقبل خلال هذه المدة أي مطلب يقصد به تسجيل العقار إلا بشرط أن يكون ذلك على سبيل التعرض لأعمال التحديد وفقا لما تضمنه الفصل الخامس ”  وأنه يتجلى من وثائق الملف أن الطاعنة تستند في تعرضها على المرسوم الوزاري الصادر بتاريخ 1984/10/09 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 3577 بتاريخ 1984/10/17 والقاضي بإجراء تحديد الغابة المخزنية المسماة الحوز والمتركبة من أقسام الملاليين وسمسا ودرسة الواقعة بقبيلة الحوز جماعتي الملاليين وسمسا إقليم وولاية تطوان ملحقة المضيق، وهي إجراءات سابقة على مطلب التحفيظ المقدم من المطلوب بتاريخ 2004/05/26 ورسوم الأشرية المبنية عليه ، والقرار المطعون بالنقض استبعد المقتضيات القانونية المذكورة بالعلة المنتقدة أعلاه ، فجاء بذلك خارقا للقانون وعرضه للنقض والإبطال.)

هذا و يستثنى من هذه القاعدة حالة إدلاء المتعاقد قبل العقد بشهادة عدم التعرض على إجرائه، وتسلم هذه الشهادة من الادارة التي لها النظر في ذلك.

على أن السؤال يبقى مطروحا بخصوص مدى المنع المتحدث عنه و هل يتعلق بالتعاقد فقط أم يمتد ليشمل  إقامة رسوم الملكية بعد انطلاق عمليات التحديد؟

الأثر الثانيهو عدم جواز تقديم مطلب تحفيظ بخصوص عقار تجري بشأنه مسطرة التحديد الإداري إلا إذا كان ذلك تأييدا للتعرض المقدم ضد أعمال التحديد

حيث نصت الفقرة الثانية من الفصل 3 من ظهير 3 يناير 1916 كذلك على أنه:

” و لا يقبل في خلال هذه المدة المذكورة أي مطلب يقصد به تسجيل العقار إلا أن يكون ذلك على وجه التعرض لأعمال التحديد وفقا لما تضمنه الفصل الخامس.”

فالقاعدة أنه لا يقبل المحافظ العقاري أي طلب رامي إلى تحفيظ عقار هو موضوع مسطرة التحديد الإداري، وعلة ذلك أن مسطرة التحديد الإداري بذاتها هي مسطرة خاصة لضبط حدود عقارات الدولة، ومن شأن قبول مطلب التحفيظ في هذه الحالة أن يؤدي إلى تعدد الإجراءات الخاصة بنفس العقار.

و  استثناء يمكن للمحافظ على الأملاك العقارية والرهون قبول مطلب التحفيظ بشأن عقار تباشر فيه مسطرة التحديد الإداري إذا كان تأكيدا للتعرض المقدم على عملية التحديد الإداري طبقا  لمقتضيات الفصل 6 من الظهير الشريف الصادر بتاريخ 3 يناير 1916 و إلا كان تعرضه لاغيا كما سبقت الاشارة إلى ذلك.

و هو ما أكدته محكمة النقض في قرارها عدد 533 الصادر بتاريخ 12 نونبر 2013 في الملف المدني عدد 2560/1/1/2013 ( المنشور بمجلة ملفات عقارية – قضايا المياه     و الغابات العدد 4 الصفحة 49 ) جاء في: ( لا يحق لأي شخص أن يقدم مطلبا للتحفيظ يتعلق بأملاك سبق تحديدها إداريا طبقا لأحكام ظهير 03 يناير 1916 ، و أن المحافظ على الأملاك العقارية اتخذ قراره بناء على ما أسفر عنه التحديد المؤقت للملك موضوع النزاع من أن الملك المطلوب تحفيظه يقع بكافته داخل الملك الغابوي ، و أن التحقق من شرعية الطلب و كفاية الحجج المدلى بها من اختصاص المحافظ طبقا لمقتضيات الفصل 30 من ظهير 12 غشت 1913. )

و إذا كان مطلب التحفيظ التأكيدي للتعرض على التحديد الإداري و إن كانت له طبيعة خاصة فإنه يقدم طبقا لمقتضيات ظهير 12 غشت 1913 لذلك يثار التساؤل حول مدى إمكانية التعرض عليه لنصبح أمام حالة التعرض على تعرض كما يثار حول مآل ذلك التعرض في حالة الحكم بعدم صحة التعرض على التحديد الإداري؟

و نرى أن التعرض على مطلب التحفيظ التأكيدي يبقى مقبولا و تنظر إليه المحكمة في مواجهة مطلب التحفيظ فقط لا في مواجهة التحديد الإداري و ذلك حالة إذا ما قضت بصحة تعرض مطلب التحفيظ التأكيدي على التحديد الإداري أما في الحالة المقابلة إذا ما قضت بعدم صحته فلا يبقى للتعرض على مطلب التحفيظ التأكيدي محل و بالتالي فإنه يدور معه وجودا و عدما أو صحة و عدم صحة.

هذا و يثار الإشكال نظرا لطبيعة بعض الأملاك المزدوجة فتتنازع بشأنها الاختصاص إدارة المياه و الغابات و الجماعات السلالية لأن المشرع في ظهير 10 أكتوبر 1917 ميز بين الأملاك التي تخضع للنظام الغابوي و منها غابات الجماعات و الأراضي الجماعية المعاد غرسها أو التي ستغرس و أراضي الرعي الجماعية و بين الأراضي التابعة للملك الغابوي. لذلك ينبغي التمييز بين نوعية الاستغلال الجماعية و القرينة الغابوية لتحديد طبيعة الملك لأن طبيعة الاستغلال الجماعية قد لا تنفي عن الملك طبيعته الغابوية متى توافرت القرينة الغابوية، و في هذا الاتجاه صدر قرار لمحكمة النقض تحت عدد 782/3 بتاريخ 05/11/2024 عدد 921/7/1/2023  جاء فيه: ( حيث صح ما عابته الطاعنة على القرار، ذلك أنه قضى بعدم صحة التعرض بعلة أن القرينة الغابوية ليست قرينة قاطعة ، وأن المعاينة أثبتت أن عقار المطلب تظهر عليه آثار الرعي وجمع الحطب مما يوحي بوجود قرينة الاستغلال الجماعي، في حين فإن الأحكام يجب أن تعلل تعليلا سليما يرتكز على القانون وعلى وثائق الملف وحجج الأطراف ، وأن الثابت من محضر المعاينة أن عقار المطلب مكسو بأشجار طبيعية النبت ، وأن الطاعنة تستند في تعرضها على قرينة الملك الغابوي الثابتة للمياه والغابات من خلال طبيعة العقار باعتباره أرضا تكسوها أشجار طبيعية النبت، وأن القرينة المقررة بمقتضى من ظهير 10/10/1917 المتعلق بالمحافظة على الغابات واستغلالها تعفي من تقررت لفائدته من الإثبات إلى أن يثبت العكس ، وأن المحكمة المصدرة للقرار المطعون فيه اعتبرت أن آثار الرعي وجمع الحطب حجة على كون الأرض جماعية ، مع أن التشريع الغابوي نفسه يسمح للسكان المقيمين داخل العقار الغابوي أو على أطرافه بالرعي داخل الغابة وجمع الحطب وفي حدود ما هو ما يسمح به القانون ، وبالتالي فإن كون سكان الجماعة يستغلون العقار بالرعي وجمع الحطب ليس دليلا على أن العقار ملك للجماعة ، الأمر الذي كان يقتضي من المحكمة اعتبار القرينة الغابوية المقرر بنص القانون لفائدة الطاعنة ومناقشة حجج طالبة التحفيظ للتأكد من ملكيتها للعقار أو أنه معترف به كغابة جماعية ، وترتيب الأثر القانوني على ذلك سلبا أو إيجابا، وهو ما لم تتم مراعاته فجاء بذلك قرارها ناقص التعليل المنزل منزلة انعدامه وغير مرتكز على أساس قانوني ومعرضا بالتالي للنقض)

كما سارت محكمة النقض في نفس الاتجاه في قرار عدد 222/1 بتاريخ 11/03/2025 في الملف عدد 1431/7/3/2023 جاء فيه: (حيث صح ما عابته الطاعنة على القرار في الوسيلة الثانية، ذلك أنه وفقا للفقرة الأولى من الفصل الأول من ظهير 10/10/1917.أ) “تكون تابعة للملك الغابوي للدولة أولا– الغابات المخزنية …” ووفقا للفقرة الثالثة من الفصل الأول ب) المضافة بالفصل الفريد من الظهير الشريف رقم 01-20-126 بتاريخ 01/07/1960″ فتعتبر غابة مخزنية، لأجل تطبيق الافتراض المذكور، كل قطعة أرضية توجد فيها مجموعة أشجار طبيعية النبت” وهي قرينة قانونية قابلة لإثبات العكس، والطاعنة دفعت بكون مطلب التحفيظ جزء من الملك الغابوي المحدد بموجب مرسوم وزاري، والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما تبين لها من خلال وقوفها بعين المكان أن جزءا من المدعى  فيه مغطى بنباتات طبيعية واعتبرت ذلك قرينة بسيطة ثبت خلافها بوثائق المطلوب ومن تم فهو لا يكتسي صبغة غابوية وقضت بما جرى به منطوق قرارها دون النظر لما ترتبه الأملاك الغابوية إن ثبت أنها كذلك من آثار وذلك بالوقوف بعين المكان مع الاستعانة وجوبا بمهندس مساح طبوغرافي محلف من جهاز المسح العقاري مقيد في جدول الهيئة الوطنية للمهندسين المساحين الطبوغرافيين طبق الشروط المحددة في الفصل 43 من ظهير التحفيظ العقاري لتحرير محل النزاع بحد حدوده وضبط مساحته وحسبه ذلك لتصير هي إلى تطبيق حجج الأطراف وما توثق له من حدود ومساحة ومدى تعلقه بالغابة المخزنية المذكورة وما تحتويه من أشجار وغطاء نباتي والاستماع إلى الشهود خاصة الجوار متى اقتضاه التحقيق وتحرير محضر بواقع المعاينة وإنجاز تصميم بياني هندسي لتبني قرارها على ما ينتهي إليه تحقيقها تكون قد عللته تعليلا ناقصا فعرضته بذلك للنقض.

كما سارت محكمة النقض في نفس الاتجاه في قرار عدد 308/1 بتاريخ 15/04/2025 في الملف عدد 3661/7/1/2024 جاء فيه: (حيث صح ما عابته الطاعنة على القرار، ذلك أنه وفقا للفقرة الأولى من الفصل الأول من ظهير 10/10/1917.أ) “تكون تابعة للملك الغابوي للدولة أولا– الغابات المخزنية …” ووفقا للفقرة الثالثة من الفصل الأول ب) المضافة بالفصل الفريد من الظهير الشريف رقم01-20-126 بتاريخ 01/07/1960″ فتعتبر غابة مخزنية، لأجل تطبيق الافتراض المذكور، كل قطعة أرضية توجد فيها مجموعة أشجار طبيعية النبت” وهي قرينة قانونية قابلة لإثبات العكس، والطاعنة دفعت بكون مطلب التحفيظ جزء من الملك الغابوي المحدد بموجب مرسوم وزاري، والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما تبين لها من خلال وقوفها بعين المكان أن جزءا من المدعى  فيه مغطى بنباتات طبيعية واعتبرت ذلك قرينة بسيطة ثبت خلافها بوثائق المطلوبة ومن تم فهو لا يكتسي صبغة غابوية وقضت بما جرى به منطوق قرارها دون النظر لما ترتبه الأملاك الغابوية إن ثبت أنها كذلك من آثار وذلك بالوقوف بعين المكان مع الاستعانة وجوبا بمهندس مساح طبوغرافي محلف من جهاز المسح العقاري مقيد في جدول الهيئة الوطنية للمهندسين المساحين الطبوغرافيين طبق الشروط المحددة في الفصل 43 من ظهير التحفيظ العقاري لتحرير محل النزاع بحد حدوده وضبط مساحته وحسبه ذلك لتصير هي إلى تطبيق حجج الأطراف وما توثق له من حدود ومساحة ومدى تعلقه بالغابة المخزنية المذكورة وما تحتويه من أشجار وغطاء نباتي والاستماع إلى الشهود خاصة الجوار متى اقتضاه التحقيق وتحرير محضر بواقع المعاينة وإنجاز تصميم بياني هندسي لتبني قرارها على ما ينتهي إليه تحقيقها تكون قد عللته تعليلا ناقصا فعرضته بذلك للنقض.)

على أن الملزم بإثبات هل الملك يكتسي طبيعة غابوية أو صبغة جماعية يختلف بحسب من تقدم بمطلب التحفيظ أو شرع في التحديد الاداري أولا هل إدارة المياه و الغابات أم الجماعات السلالية و سلطة الوصاية على اعتبار أن من تقدم بتعرض على مطلب التحفيظ  و من تقدم بمطلب تحفيظ تأكيدي للتعرض على التحديد الإداري هو المدعي الذي يلقى عليه عبء الإثبات.

هذا و في حالة التعرض على مسطرة التحديد الاداري للملك الغابوي و لو في حالة تقديم مطلب تحفيظ تأكيدي فإنه و عكس القواعد المقررة في ظهير التحفيظ العقاري فإن طالب التحفيظ المتعرض على التحديد الاداري يعتبر مدعيا و يلقى عليه عبء اثبات ما تدعيه من حقوق تجاه صاحبة التحديد الإداري التي لا تناقش حجتها قبل مناقشة حجة المتعرض.

و إذا كانت اليد في حالة ثبوتها للمتعرض تقلب عبء الإثبات فإنه و كما سبق الذكر فإن الصبغة الغابوية تبقى مفترضة على كل قطعة أرضية توجد بها مجموعة أشجار طبيعية النبت وهو ما يقتضي من المحكمة المعروض عليها النزاع اتخاذ التدابير التكميلية للتحقيق في الدعوى و بالخصوص الوقوف على عين المكان مستعينة بمهندس مساح طبوغرافي للتأكد من الصبغة الغابوية للمدعى فيه من عدمها و التي إن ثبتت يكون لها تأثير على سير القضية خاصة في قلب عبء الاثبات على واضع اليد و الذي قد لا تفيده حيازته للملك الغابوي متى ثبت أنه ملك للدولة لأن أملاك الدولة لا تكتسب بالحيازة و عن طالت تطبيقا لمقتضيات المادة 261 من مدونة الحقوق العينية، و هو ما أكدته محكمة النقض في قرارها عدد 552/4 الصادر بتاريخ 12/10/2021 في الملف المدني عدد 9453/1/4/2019 ( منشور بسلسة دفاتر محكمة النقض العدد 47 الصفحة 123) جاء فيه: ( أن الأملاك الغابوية لا يحاز عليها.)

 و أن شمول الملك الغابوي بالتحديد الاداري يعتبر قرينة قوية على صبغته الغابوية لا يمكن دحضها إلا بحجة أقوى و هو ما أكدته محكمة النقض في قرارها عدد 1097 الصادر بتاريخ 28 فبراير 2012 في الملف المدني عدد 3228/1/1/2010 ( المنشور بمجلة قضاء محكمة النقض في المادة العقارية – سلسلة دفاتر محكمة النقض العدد 39 الصفحة 46 جاء في:  ( أن التحديد المجرى وفق مقتضيات الظهير المؤرخ في 03 يناير 1916    و الذي لم يكن محل تعرض وفق مقتضيات هذا الظهير يعتبر حجة للمطلوبة، و أن القرار حين علل بأن محضر التحديد الاداري للأملاك المخزنية الملك الخاص له قوته الاثباتية لا يمكن معه للغير المطالبة بتحفيظ الملك الواقع داخله فإنه نتيجة لما ذكر كله يكون القرار المطعون فيه معللا و مرتكزا على أساس قانوني و غير خارق للمقتضيات المحتج بها.)

لأن مسطرة التحديد الاداري للملك الغابوي تشكل خصوصية في الاثبات و تحديد المراكز القانونية للأطراف كما أكدته محكمة النقض في قرارها عدد 297 الصادر بتاريخ 28 ماي 2013 في الملف المدني عدد 887/1/8/2012 ( المنشور بمجلة ملفات عقارية – قضايا المياه و الغابات العدد 4 الصفحة 83 جاء في: ( أنه يجب التمييز بين مسطرة التحفيظ المنصوص عليها في ظهير 12 غشت 1913 و مسطرة التحديد الاداري للملك الغابوي المنصوص عليها في ظهير 03 يناير 1916 التي توجب على المطلوب التعرض على التحديد المذكور داخل الآجال المنصوص عليها في الفصل الخامس من الظهير المذكور ، فضلا على ان الخبير أفاد في تقريره بأن جزء من العقار موضوع مطلب التحفيظ يدخل ضمن غابة الدولة الأمر الذي كان معه على المحكمة أن تناقش النزاع في إطار المقتضيات المذكورة. )

لكن في الحالة التي يكون فيها طالب التحفيظ تقدم بمطلبه قبل الشروع في مسطرة التحديد الاداري للملك الغابوي فإن المقتضيات العامة المنصوص عليها في ظهير التحفيظ العقاري الصادر بتاريخ 12 غشت 1913 هي الواجبة التطبيق و إذا تعرضت عليه إدارة المياه     و الغابات فتعتبر متعرضة ملزمة بالإثبات على قاعدة الاثبات كما تكون المحكمة ملزمة باتخاذ التدابير القانونية للتحقيق و بالخصوص الوقوف على عين المكان للتأكد من الصبغة الغابوية للمدعى فيه في حكما الفصلين 34 و 43 من ظهير التحفيظ العقاري.

مقال قد يهمك :   مقترح قانون لتغيير الفصل الخامس من ظهير تأسيس الجمعيات بالمغرب

كما يقع أن تقدم مطالب تحفيظ بعد المصادقة على تحديد الملك الغابوي و يتم قبولها من طرف المحافظ على الاملاك العقارية و إحالة الملف على المحكمة و يتعذر تحديد ما إذا الملك يوجد داخل التحديد الاداري أم لا لعدم ضبط النصب الغابوية ففي هذه الحالة تكون المحكمة ملزمة باتخاذ التدابير القانونية للتحقيق و بالخصوص الوقوف على عين المكان للتأكد من الصبغة الغابوية للمدعى فيه كما أكدت ذلك محكمة النقض في عدة قرارات منها قرارها عدد 342 الصادر بتاريخ 11 يونيو 2013 في الملف المدني  812/1/1/2013    ( منشور بمجلة ملفات عقارية – قضايا المياه و الغابات عدد 4 صفحة 65 ) جاء فيه:

( يتجلى من تقرير الخبير التقني في مجال العقار انه تعذر عليه تحديد ما إذا كان مطلب التحفيظ موضوع النزاع يوجد كليا او جزئيا داخل الملك الغابوي أو خارجه و ذلك لعدم ضبط النصب الغابوية من طرف إدارة المياه و الغابات المحددة لمجاله حتى يتمكن من التعرف على إحداثيات النصب و مقارنتها مع الاحداثيات المتعلقة بالعقار المراد تحفيظه ، الامر الذي كان معه على المحكمة و تطبيقا لمقتضيات الفصل 43 من ظهير التحفيظ العقاري ان تامر بالتدابير التكميلية للتحقيق في الدعوى بما في ذلك الوقوف على محل النزاع صحبة مهندس طبوغرافي عند الاقتضاء للتأكد من الصبغة الغابوية للمدعى فيه من عدمها.)

لكن و قبل الخوض في مدى ثبوت الصبغة الغابوية فإن المحكمة تكون ملزمة باتخاذ التدابير التكميلية للتحقيق للتأكد من وقوع الملك داخل التحديد الاداري للملك الغابوي من عدمه لأن وقوعه داخل التحديد الاداري للملك الغابوي المصادق عليه يغني عن البحث في طابعه الغابوي الذي قد يتغير بطبيعة الاستغلال. و في هذا الاتجاه صدر قرار عن محكمة النقض تحت عدد 200/1 بتاريخ 27/02/2024 في الملف عدد 4494/1/1/2021 جاء فيه: (حيث صح ما عابته الطاعنة على القرار المطعون فيه، ذلك أنها تمسكت أمام محكمة الموضوع بدرجتيها بدفاع حاصله أن وعاء مطلب التحفيظ عدد 44571/19 يقع داخل غابة بني حسان المحددة إداريا بصفة نهائية بمقتضى المرسوم عدد 395/2000 وتاريخ 15/05/2000 ، كما يستفاد ذلك من المحضر المدلى به رفقة مذكرة أسباب التعرض و أن محضر المعاينة رغم الاستعانة بمهندس مساح طبوغرافي فإنه أشار إلى أن وعاء مطلب التحفيظ أعلاه يشمل مجموعة من الأشجار والنباتات المتفرقة التي تشكل قرينة قانونية على أن الملك غابوي، إلا أن القرار المطعون فيه الذي أيد الحكم الابتدائي أقام قضاءه بعدم صحة التعرض تأسيسا على أن المستأنفة هي المتعرضة وأن عبء الإثبات ينقلب عليها وأنها لم تدل بالإحداثيات المتعلقة بالتحديد الإداري وأنها غير حائزة لوعاء المطلب الذي تبين للمحكمة عند الوقوف عليه أنه مجاور لدوار ويستغل بالرعي من طرف الساكنة الأمر الذي يعتبر قرينة على تواجد المستأنف عليها ويضفي عليه الصبغة الجماعية، دون الرد على ما أثارته الطاعنة من دفوع ودون الوقوف على عين المكان رفقة مهندس مساح طبوغرافي وجوبا لتحرير محل النزاع بتحديد أبعاده وحدوده ومساحته لتصير هي للتأكد من الصبغة الغابوية للعقار المتنازع فيه ومن كون وعاء المطلب يدخل ضمن التحديد الاداري أعلاه و ذلك بالاستعانة بالاحداثيات و تحرير تصميم هندسي بياني و كذا بتحرير محضر بواقع المعاينة لتبني حكمها على ما ينتهي إليه تحقيقها و انها لما لم تفعل جاء قرارها ناقص التعليل الموازي لانعدامه و معرضا للنقض)

و في نفس الاتجاه سار قرار آخر صدر عن محمة النقض تحت عدد 180/1 بتاريخ 25/02/2025 في الملف عدد 3301/7/3/2023 جاء فيه: (حيث صح ما عابه الطاعن على القرار، ذلك أن تطبيق رسوم الطرفين و معاينة طبيعة العقار من صميم صلاحيات المحكمة و ليس من فن الخبير و لو اتصف بالوصف المتطلب قانونا و يعتمد فيها على معاينة المحكمة لا على خبر الخبراء و حسب الخبير تحرير محل النزاع بحد حدوده و ضبط مساحته، و المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما قضت بما جرى به منطوق قرارها معتمدة الخبرة المنجزة  في المرحلة قبل النقض و الذي أسندت فيها المحكمة  إلى الخبير مهمة  تطبيق رسوم الطرفين و معاينة طبيعة العقار رغم أن ذلك ليس من فنه و إنما هو صميم القانون و هذا من صلاحياتها و لا حق لها في تفويض القيام بها لغيرها ، دون أن تقوم تطبيقا للفصل 43 من قانون التحفيظ العقاري باتخاذ التدابير التكميلية للتحقيق بالخصوص الوقوف على عين العقار المدعى فيه مستعينة بمهندس مساح طبوغرافي محلف من جهاز المسح العقاري مقيد في جدول الهيئة الوطنية للمهندسين المساحين الطبوغرافيين وجوبا ، لحد حدود المدعى فيه و ضبط مساحته و حسبه ذاك، لتصير هي بنفسها لا بغيرها إلى تطبيق حجج الطرفين مع استقصاء أسباب اختلاف الحدود متى كان له محل و التأكد من الطبيعة الغابوية للمدعى فيه و مدى وقوعه داخل التحديد الاداري للملك الغابوي  و انجاز تصميم تقني له لتبني قرارها على ما انتهى إليه تحقيقها، تكون قد خرقت القانون، فعرضته للنقض.)

و في نفس المنحى صدر قرار آخر عن محكمة النقض تحت عدد241/1 بتاريخ 18/03/2025 في الملف عدد 3020/7/3/2023 جاء فيه: (حيث صح ما عابته الطاعنة على القرار ، ذلك أن اختلاف الأطراف حول المدعى فيه يستلزم الوقوف عليه و حد حدوده لتحرير محل النزاع ليكون القضاء في معلوم و يستعان على الصناعات بأهلها  و بآلياتها التقنية متى كان ذلك لازما ، و المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما قضت بما جرى به منطوق قرارها بعد إجراء وقوف على عين المكان مستعينة بمهندس معماري لا يتصف بالوصف المتطلب قانونا، دون أن تقوم تطبيقا للفصل 43 من قانون التحفيظ العقاري باتخاذ التدابير التكميلية للتحقيق بالخصوص الوقوف على عين العقار المدعى فيه مستعينة بمهندس مساح طبوغرافي محلف من جهاز المسح العقاري مقيد في جدول الهيئة الوطنية للمهندسين المساحين الطبوغرافيين وجوبا و للوصف حكم و لا يعتمد على مطلق من يحمل صفة خبير ، لحد حدود المدعى فيه و ضبط مساحته و حسبه ذاك، لتصير هي بنفسها لا بغيرها إلى تطبيق حجج الطرفين مع استقصاء أسباب اختلاف الحدود متى كان له محل  و مدى وقوعه داخل التحديد الاداري للملك الغابوي المصادق عليه بمقتضى المرسوم المشار إلى مراجعه أعلاه و انجاز تصميم تقني له لتبني قرارها على ما انتهى إليه تحقيقها ، تكون قد عللت قرارها تعليلا ناقصا و هو بمثابة انعدامه، فعرضته للنقض.)

و يثور الاشكال إذا يتقدم طالب التحفيظ بمطلبه قبل صدور مرسوم التحديد الاداري، و لا تتعرض عليه الإدارة الوصية ، و بالمقابل تفتتح إجراءات التحديد الإداري، ولا يتعرض عليها طالب التحفيظ.

و يمكن أن يصدر مرسوم المصادقة على عملية التحديد الإداري و تأسيس رسم عقاري للملك الغابوي قبل أن يصدر قرار من المحافظ بتأسيس الرسم العقاري في اسم طالب التحفيظ، أو يمكن تأسيس رسم عقاري في اسم طالب التحفيظ الذي لم تتعرض عليه إدارة المياه و الغابات قبل صدور مرسوم المصادقة على التحديد الإداري

و في كلتا الحالتين يواجه الطرف الذي لم يحفظ العقار باسمه بقاعدة التطهير المنصوص عليها في الفصل 62 من ظهير التحفيظ العقاري الذي ينص على ما يلي: (إن الرسم العقاري نهائي ولا يقبل الطعن، ويعتبر نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق العينية والتحملات العقارية المترتبة على العقار وقت تحفيظه دون ما عداها من الحقوق غير المقيدة.)

هنا تكمن أهمية عمل المحافظ على الأملاك العقارية الذي يمنع عليه تطبيقا لمقتضيات الفصل 30 من نفس القانون أن يقوم المحافظ على الأملاك العقارية بتحفيظ العقار إلا بعد التحقق من إنجاز جميع الإجراءات المقررة في هذا القانون، ومن شرعية الطلب وكفاية الحجج المدلى بها، وعدم وقوع أي تعرض. و لتلافي الاشكال المذكور يلزم المحافظ الاطلاع على التصاميم الطبوغرافية قبل قبول أي مطلب تحفيظ للتأكد مما إذا كان يتداخل مع التحديد الاداري.

و إذا كانت المحكمة لا تملك حق النظر في قبول أو رفض مطلب التحفيظ الذي يعتبر من اختصاص المحافظ و تتقيد بنطاق التعرض كما أحيل عليها من المحافظة العقارية، حيث تنص الفقرة الثانية من الفصل 37 من ظهير التحفيظ العقاري على أنه:” تبت المحكمة في وجود الحق المدعى به من قبل المتعرضين وطبيعته ومشتملاته ونطاقه، وتحليل الأطراف للعمل بقرارها على المحافظ على الأملاك العقارية الذي له وحده النظر في قبول أو رفض مطلب التحفيظ كلا أو بعضا مع الاحتفاظ بحق الطعن المنصوص عليه في الفصل 37 مكرر.”

و لا تحدد المحكمة نطاق التعرض الجزئي إلا إذا تعذر تحديده من طرف المحافظ على الأملاك العقارية حيث تنص الفقرة الأخيرة من الفصل 25 من نفس القانون “إذا تعذر تحديد الجزء محل النزاع، فإن المحافظ على الأملاك العقارية يحيل المطلب على المحكمة الابتدائية، ويمكن للقاضي المقرر الذي أحيل عليه الملف أن ينجز هذا التحديد طبقا لمقتضيات الفصل 34 من هذا القانون.”

فإن التساؤل الذي يطرح أمام غياب هذا المقتضى الذي يمنع على المحكمة البت في شكليات مطلب التحفيظ و التعرض غير منصوص عليه في ظهير 03 يناير 1916 فهل يلزم القضاء المنع المنصوص عليه مقتضيات الفصل 37 أعلاه من ظهير التحفيظ العقاري أم أن القضاء و في غياب النص الخاص الذي يمنع ذلك، يملك سلطة الرقابة على المحافظ على الأملاك العقارية في مراقبته لأجل تقديم التعرض المحدد تحت طائلة عدم القبول و كذا أجل تقديم مطلب التحفيظ التأكيدي المحدد تحت طائلة الالغاء و كذا تقديم مطلب تحفيظ بعد المصادقة على التحديد الاداري، ما دام أنه لا يقبل تعرض أو غيره من كل دعوى بعد انصرام أجل التعرض على التحديد الإداري كما هو منصوص عليه في الفصل 5 من الظهير الشريف الصادر في 03 يناير 1916 كما سبق الذكر.

هذا و إن الأثر التطهيري للمصادقة على التحديد أو لتأسيس الرسم العقاري بالتحفيظ لا يمتد إلى الأراضي الحبسية متى ثبتت صفتها تلك تطبيقا للمادة 54 من مدونة الأوقاف.

كما كانت تقضي بذلك المادة 18 من ظهير 13/01/1918 المتعلق بالأحباس نصت المادة 54 من الظهير شريف رقم 1.09.236 صادر في 8 ربيع الأول 1431 (23 فبراير 2010) المتعلق بمدونة الأوقاف على: ( إن الرسوم العقارية المؤسسة لفائدة الغير لا تمنع المحكمة من النظر في كل دعوى ترمي إلى إثبات صفة الوقف لعقار محفظ، شريطة أن ترفع الدعوى في مواجهة جميع ذوي الحقوق المقيدين.

 وإذا ثبت أن العقار المذكور موقوف ، بناء على الحكم القضائي الصادر بذلك والحائز لقوة الشيء المقضي به، فإن المحافظ يشطب على كل تسجيل سابق، ويقيد العقار بالرسم العقاري المتعلق به في اسم الوقف المعني.)

و هو أكدته محكمة النقض و اعتبرت ان ثبوت الحبس يبطل التحفيظ في قرارها عدد 688 بتاريخ 20/02/2008 ملف عدد 2662/1/3/2006 ( منشور بمجلة قضاء المجلس الاعلى عدد 70 صفحة 75 جاء فيه: ( و للجهة المحبسة ” وزارة الأوقاف ” أن ترفع الدعوى بشأن الحبس و لو كان في طور التحفيظ بل حتى و لو حصل تحفيظه لأن ثبوت حبسه يبطل تحفيظه.)

 و قد كانت المادة 54 أعلاه تنص على هذا الاستثناء بخصوص الوقف العام فقط و هو ما أكدته محكمة النقض في قرار لها صدر تحت عدد 108/1 بتاريخ 25/02/2020 بتاريخ 8671/1/1/2019 ( منشور بقضاء محكمة النقض في المادة العقارية سلسلة دفاتر محكمة النقض العدد 39 الصفحة 28 ) جاء فيه: ( أن الاستثناء الذي أوردته المادة 54 من مدونة الأوقاف على قاعدة التطهير إنما يخص الوقف العام، أما الحبس المعقب فتسري عليه قاعدة التطهير المنصوص عليها في الفصل 62 من ظهير التحفيظ العقاري و الذي ينص على ان الرسم العقاري نهائي و لا يقبل الطعن و يعتبر نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق العينية و التحملات العقارية المترتبة على العقار وقت تحفيظه دون ما عداها من الحقوق غير المقيدة.)

 لكن بعد تعديل المادة 54 أعلاه بمقتضى المادة الأولى الظهير الشريف رقم 46-19-1 بتاريخ 23 جمادى الآخرة 1440 الموافق فاتح مارس 2019 بتغيير و تتميم مدونة الأوقاف  استعمل المشرع عبارة الوقف و حذف لفظ العام، مساويا بذلك بين الوقف العام و الوقف المعقب و المشترك. ( منشور بالجريدة الرسمية عدد 6759 بتاريخ 11 مارس 2019 صفحة 1377. )

و في قرار حديث لمحكمة النقض ساوت محكمة النقض في استثناء الأملاك الحبسية من قاعدة التطهير بين التحفيظ و التحديد الإداري و ذلك في الملف عدد 5183/1/1/2021 بتاريخ 23/05/2023 و الذي جاء فيه: ( حيث إن الحبس لا يحاز عليه لا بالتحديد و لا بالتحفيظ لاستعصائه على قاعدة التطهير، والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما قضت بما جرى به منطوق قرارها استنادا إلى كتاب المحافظ على الاملاك العقارية المؤرخ في 06/10/2015 الذي يثبت أن المدعى فيه يدخل ضمن التحديد للملك الغابوي المصادق عليسه بالمرسوم المنوه على مراجعه أعلاه و بكون الصفة الحبسية للعقار ثابتة بإقرار ممثل الطاعنة أثناء إجراء الوقوف على عين المكان وردت دفعه بأن المدعى فيه لا يدخل ضمن الملك الغابوي لما ورد بنص كتاب المحافظ على الاملاك العقارية بتاريخ 06/10/2015 المبني على التحديد التقني و أعملت آثار إقراره بالصفة الحبسية للمدعى فيه، تكون قد بنت قضاءها على عماد من القانون يحمله و التزمت القاعدة أعلاه و استقامت على حكم خصوصية الحبس و عللت قرارها تعليلا كافيا، و ما أثير بالوسيلة غير جدير بالاعتبار.)

وأن عدم سلوك مسطرة التحديد الإداري أو مسطرة التحفيظ العقاري لا ينفي الصبغة الغابوية عن الأراضي طبيعية النبت، و هو ما أكدته محكمة النقض في قرارها عدد 27/8 بتاريخ 12 يناير 2021 في الملف المدني عدد 3591/1/8/2017 ( منشور بقرارات محكمة النقض بغرفتين و بجميع الغرف – سلسة دفاتر محكمة النقض العدد 41 الصفحة 104) جاء فيه: ( أن كون عقار النزاع غير محدد إداريا لا يعني أنه ليس ملكا غابويا.)

خاتمة: 

و انطلاقا من الرسالة السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله الموجهة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية حول موضوع ” السياسة العقارية للدولة ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية” المنعقدة بالصخيرات يومي 8 و9 دجنبر 2015. والتي جاء فيها:

” وبالنظر للطابع الأفقي لقطاع العقاري فإن الاكراهات والرهانات التي تواجهه تعد أمرا مشتركا بين مختلف الفاعلين والمهتمين به، لذا فإن معالجتها تقتضي اعتماد منظور شامل يستحضر كافة الأبعاد القانونية والمؤسساتية والتنظيمية والاجرائية ويراعي خصوصيات هذا القطاع وطبيعة بنيته المركبة والمتشابكة الناتجة عن تدخل مجموعة من العوامل التاريخية والاجتماعية والاقتصادية.

ويشكل الجانب التشريعي أحد أهم التحديات التي يتعين رفعها لتأهيل قطاع العقار وذلك نظرا لتنوع أنظمته وغياب أو تجاوز النصوص القانونية المنظمة له، اضافة إلى تعدد الفاعلين المؤسساتيين المشرفين على تدبيره.

لذا ندعو للانكباب على مراجعة وتحديث الترسانة القانونية المؤطرة للعقار بشقيه العمومي والخاص بما يضمن حماية الرصيد العقاري وتتمينه والرفع من فعالية تنظيمه وتبسيط مساطر تدبيره لتمكينه من القيام بدوره في تعزيز الدينامية الاقتصادية والاجتماعية لبلادنا…”

انتهى النطق الملكي السامي.

لذلك نرى أنه آن الأوان لإعادة النظر في الاطار القانوني والمؤسساتي للملك الغابوي  و تجويد و تحديث النصوص القانونية و تحيين أسماء المؤسسات الواردة بها لتوفير مناخ ملائم ودمجها في مسلسل الاصلاح الشامل و تقنين الاجتهادات القضائية لحماية هذا الوعاء العقاري نظرا لما يكتسيه من أهمية اقتصادية و اجتماعية لتحقيق الأمن القانوني و القضائي و صيانة الحقوق و الحريات مع استحضار الطبيعة القانونية الخاصة للأراضي الغابوية.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]