ناجم تــوفيق: الــمرأة -مــقاربة الــنوع والــتنمية-
ناجم توفيق دكتور في القانون العام باحث في العلوم الإدارية
تمهيد:
بما أن المجتمع يتكون من رجل وامرأة، كان لزاما أن يسيرا جنبا إلى جنب لتحقيق التنمية المنشودة، إلا أن الأدوار التي أنيطت بالمرأة تاريخيا جعلتها تتخلف عن الركب مع الأسف.[1]
ويعتبر التعرف على تقسيم الأدوار بين النساء والرجال أول وسيلة لإظهار وتوضيح الأعمال والأدوار التي يؤديها النساء والرجال في مجتمع ما، أو في بيئة معينة، والتي تحددها ثقافة المجتمع وتقاليده وعاداته. واستعمال وسيلة التحليل هذه تتجلى أساسا في إظهار وتقييم المجهودات التي يبذلها الرجال والنساء داخل الأسرة والمجتمع، وأهمية تلك المجهودات بالنسبة إلى استمرارية الحياة، وكذلك بالنسبة إلى توازنها في المجتمع.
أصبح موضوع المرأة يستأثر بالاهتمام على جميع الأصعدة، فتعددت الكتب والدراسات والملتقيات الفكرية، وبالأخص لما بدأ العنصر النسوي يعي حقوقه المسلوبة وأهميته التي لا تخفى على أحد. ولا شك أن معالجة القضايا المرتبطة بالمرأة ودورها في المجتمع من خلال النصوص القرآنية والاستنارة بالسيرة النبوية، وأيضا النصوص القانونية والدستورية والاتفاقيات الدولية يمثل حجر الزاوية في تغيير النظرة الدونية والانحطاط، وأيضا لتجاوز هضم الحقوق الذي لحق بالمرأة منذ زمن إلى عصر الرقي الحضاري الذي طالما عاشته المرأة المسلمة معززة فيه، لها دور بارز وبارع وإيجابي، بعيدة كل البعد عن عادات وتقاليد مجتمعية لا أساس لها من الصحة.
وفي نفس الإطار، فقد عمد المغرب منذ عدة سنوات إلى إخراج مجموعة من البرامج الاجتماعية التي كانت تهدف إلى الرقي بالمؤشرات الاجتماعية من خلال إطلاق النموذج التنموي الجديد كمبادرة خلاقة ستقطع مع دابر سنوات التهميش والإقصاء، خاصة وأن الأمر يتعلق بالنقص الحاصل على مستوى مؤشرات المسألة الاجتماعية التي طالت ميادين متعددة، أصبح معها إخراج برنامج متكامل ومندمج ضرورة ملحة لمطامح مجتمع متعطش لكل خطوة إيجابية تستأصل كل الظواهر السلبية من بطالة وفقر وأمية.
إن الصعوبات التي تواجهها النساء المغربيات في اقتحام الحياة العامة والسياسية وفي ضمان تكافؤ الفرص بين المرأة والرجل في الولوج إلى مواقع القرار، تستدعي مواصلة الجهود المبذولة قصد فهم أعمق للبناء الاجتماعي والثقافي للعلاقات بين الجنسين في الحياة الخاصة والعامة والمزيد من اعتماد سياسات إصلاحية تضمن المساواة بين الفئات الرجالية والنسائية.
من خلال هذا التأطير، يمكننا الانطلاق من الإشكال التالي:
ما مدى محورية المرأة في الاستراتيجيات التنموية بالمغرب من خلال تفعيل مقاربة النوع الاجتماعي؟
وعلى هذا الأساس، ارتأيتنا لتفكيك الإشكال السابق تقسيم مقالنا إلى مبحثين، نخصص الأول لتشخيص وتوصيف مفهوم مقاربة النوع الاجتماعي والتنمية، أما المبحث الثاني فسنتحدث فيه حول المرأة باعتبارها شريكا أساسيا في تحقيق التنمية على ضوء مقاربة النوع بطبيعة الحال.
المبحث الأول: مدخل تشخيصي لمقاربة النوع الاجتماعي والتنمية
ما هي العلاقة بين مقاربة النوع الاجتماعي والتنمية؟ وكيف يمكن تفعيل التنمية في علاقتها بالنوع الاجتماعي؟
إن دراسة هذه العلاقات بين النوع والتنمية من شأنه أن يساهم في توسيع النقاش العلمي حول مقاربة النوع الاجتماعي وعلاقته بمحددات التنمية في مختلف أوجهها، ويساعد على تجاوز القصور الذي يعتري برامج واستراتيجيات التنمية.
المطلب الأول: مفهوم التنمية
تنطوي التنمية في أبلغ صورها على إحداث نوع من التغيير في المجتمع الذي تتوجه إليه، وبالطبع فهذا التغيير من الممكن أن يكون ماديا يسعى إلى رفع المستوى الاقتصادي والتكنولوجي لذات المجتمع، وقد يكون معنويا يستهدف تغيير اتجاهات الناس وتقاليدهم وميولهم،[2] فعلماء الاقتصاد مثلا يعرفونها بأنها الزيادة السريعة في مستوى الإنتاج الاقتصادي عبر الرفع من مؤشرات الناتج الداخلي الخام، في حين يلح علماء الاجتماع على أنها تغيير اجتماعي يستهدف الممارسات والمواقف والوضعيات الاجتماعية بشكل عام.
إنه لا يوجد تعريف موحد للتنمية، ترتبط بالتصنيع في كثير من الدول الصناعية، وترمز إلى تحقيق الاستقلال الاقتصادي والسياسي في أخرى، بينما يذهب الساسة مثلا إلى وصفها بأنها تعني إقامة المؤسسات الاجتماعية والسياسية، ذلك أن الاقتصار على البعد الاقتصادي في تعريف التنمية يظل قاصرا عن تقديم التعريف المحتمل للتنمية، ولهذا فالتنمية لن تكون غير تحسين لشروط الحياة بتغييرها في الاتجاه الذي يكرس الرفاه المجتمعي.
تقوم مقاربة النوع الاجتماعي على فرضية مؤداها: “في كل مجتمع تكون المزايا والمصالح غير موزعة بالتساوي، بمعنى أن الموارد والمنافع التي تقدمها مشاريع التنمية تعود عادة بالنفع على الرجال أكثر من النساء، كما تتأثر بمتغيرات اجتماعية أخرى من قبيل الدين، والطبقة الاجتماعية والعرق والفئة الإثنية”.
التنمية وفق مقاربة النوع الاجتماعي تقوم على أساس تفكيك البناءات الثقافية وبناء علاقات قائمة على مبدأ المساواة بين الجنسين. إن تفكيك العلاقات القائمة على التمييز والهيمنة الذكورية ليعتبر خطوة أساسية من أجل هدم أسس اللامساواة بين الجنسين في كافة المجالات، ووضع أسس جديدة لعلاقات مبنية على المساواة.
ولهذا، فإن تطبيق مقاربة النوع في السياسات الاجتماعية وفي السياسات التنموية بشكل خاص، من شأنه أن يساهم في الحد من اللامساواة بين الجنسين عن طريق إشراك الرجال والنساء في برامج التنمية بمختلف أبعادها وفي كافة مراحلها: في عمليات التخطيط، التنفيذ، والتقويم، وكذلك في اقتسام موارد العيش من الأرض، والاستفادة من كل الإمكانات التي تساهم في بناء الاقتصاد. ومع إشراك المرأة في برامج التنمية يتحول مفهوم النوع تدريجيا من أداة للفهم والتحليل إلى أداة لقياس وتقييم نجاعة المشاريع التنموية ومدى تحقيقها لأهدافها وتحقيق النفع لكل من الفئات الاجتماعية في أوساط الرجال والنساء، أي تقييم ومراقبة مدى تحقيق العدالة الاجتماعية في تقاسم الخيرات المادية.[3]
المطلب الثاني: ارتباط التنمية البشرية بالنوع الاجتماعي
تركز التنمية البشرية على العنصر البشري، ومنذ السبعينات بدأت السياسات التنموية تركز على أهمية العنصر البشري بعد أن كان الاهتمام يركز على الإنسان كمورد اقتصادي ينتظر منه زيادة الإنتاج وتطويره، أصبحت التنمية تكتسب معنى أكثر شمولية. وصارت تعني “التوازن بين المقتضيات الاقتصادية والقضايا الاجتماعية والاهتمامات البيئية والديناميكية الديموغرافية مع اعتبار الإنسان وسيلتها وهدفها”.
ومن هذا المنطق يعتبر احترام حقوق كل أنواع البشر نساء أو رجالا، كهولا أو شبابا، بدويين أو حضريين، الأسس المرافقة والمساندة للتنمية. وقد تم تعريف التنمية البشرية في تقرير الخمسينية بما يلي: “يمكن تحديد التنمية البشرية ببساطة بكونها عملية توسيع الخيارات. ففي كل يوم يمارس الإنسان خيارات متعددة بعضها اقتصادي، وبعضها اجتماعي، وبعضها سياسي، وبعضها ثقافي. وحيث إن الإنسان هو محور تركيز الأنشطة المنجزة في اتجاه تحقيق التنمية، فإنه ينبغي توجيه هذه الأنشطة لتوسيع نطاق خيارات كل إنسان في جميع ميادين النشاط البشري لفائدة الجميع”.[4]
تصبح التنمية الإنسانية وفق هذا التحديد مفهوما بسيطا، لكنه ينطوي على دلالات بعيدة الأثر. ففي المقام الأول؛ تتعزز الخيارات الإنسانية حينما يكتسب الناس القدرات، وتتاح لهم الفرص لاستخدامها. ولا تسعى التنمية البشرية إلى زيادة القدرات والفرص فقط، ولكنها تسعى أيضا إلى ضمان الاستقرار والرفاهية.
وبالتالي، تصبح التنمية البشرية عملية توسيع اختيارات البشر، لتشمل بذلك أربعة عناصر رئيسة:
- الإنتاجية.
- الإنصاف.
- العدالة الاجتماعية.
- الاستدامة.
- التمكين.
وتجدر الإشارة إلى أنه مع إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في برامج التنمية، بدأ الاعتراف بالدور الذي تلعبه المرأة في المجال الاقتصادي، وبدأت احتياجات المرأة تأخذ بعين الاعتبار خاصة في المشاريع التي تهدف إلى تحسين قدراتها بالنسبة لدورها الإنجابي، بحيث أصبحت تلعب دور المستفيد، وبدأ الاعتراف بأهمية العمل المنزلي.[5]
المبحث الثاني: المرأة كشريك أساسي في تحقيق التنمية على ضوء مقاربة النوع
تعتبر المرأة ركيزة أساسية في تحقيق أهداف التنمية والسعي بالمجتمع نحو التطور، حيث نشهد اليوم اهتماما أكبر بالدور المنوط بالمرأة داخل المجتمعات، خصوصا أنه لا يمكن حدوث أية تغيرات إيجابية أو تقدم دون دور فاعل لها. وقد فطن المغرب لهذا الأمر، ولأهمية تفعيل دور المرأة داخل المجتمع، وتيقن بأنه لا بد للتقدم فعليا من إشراك المرأة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.[6]
المطلب الأول: موقع المرأة في القطاعات الحكومية وميزانية النوع الاجتماعي
انتقل تداول مفهوم التمكين من الحقل السياسي للحقل التنموي، فتم إدراجه في قلب تخطيط سياسات التنمية وداخل المجال الاقتصادي. ولعل من بين أهم عناصر التمكين التنموي نجد توفير فضاء سوسيو-سياسي ملائم للمرأة وقدرتها على الولوج للموارد. فالتمكين هو مفتاح التنمية، وهذا ما أكدته الفقرة 13 من إعلان بكين لسنة 1995 حيث تم الوقوف عند أهمية مشاركة النساء مع باقي أطياف المجتمع في اتخاذ القرارات والولوج للسلطة، بالشكل الذي يعزز تحقيق المساواة والتنمية والسلام.[7]
وعند إلقاء الضوء على تمظهرات التمكين التنموي بالدستور المغربي المعدل، نجد أن الفصل 31 من الدستور ينص على مجموعة من المقتضيات التي تضمن للمرأة أفضل الظروف للتمكين التنموي، لعل من أهمها:
- العلاج والتنمية الصحية والحماية الاجتماعية.
- تعليم عصري وتكوين مهني ملائم.
- سكن لائق.
- الشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث عن منصب شغل أو في التشغيل الذاتي.
- ولوج الوظائف حسب الاستحقاق.
- نصيب من التنمية المستدامة.
كما أن الدستور المغربي وضع أسس ضمان تمثيلية محترمة للنساء في المؤسسات الدستورية مثل المجلس الأعلى للسلطة القضائية، المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة… هذا ولم يفت تقرير اللجنة الاستشارية حول الجهوية الموسعة الإشارة إلى جملة من التدابير الرامية إلى تمكين المرأة سياسيا وتنمويا مثل:
- إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات العمومية وعند وضع الميزانيات على الصعيد الوطني أو الجهوي.
- إحداث لجان للمناصفة من قبل المجالس الجهوية قصد تعزيز المساواة بين الجنسين ومحاربة كافة أشكال التمييز ضد المرأة.
- ضمان مشاركة النساء في اتخاذ القرار سواء داخل المجالس الجهوية أو داخل المرافق العمومية الجهوية المزمع إحداثها.
بالرغم من كل ما قيل عن أهمية المقتضيات الدستورية في مجال التمكين السياسي والتنموي، لا بد من الإشارة إلى أن النساء المغربيات ما زلن يعانين من التمييز في المشاركة السياسية سواء في القانون أو الواقع، ومن التهميش والاستغلال في أماكن العمل، دون إغفال هيمنة الأمية وتردي الأوضاع الصحية لشريحة كبيرة من النساء خاصة بالعالم القروي.
إن تمكين المرأة ما زال يلقى معارضة لاعتبارات اجتماعية، دينية وثقافية، خاصة أمام هذا الصراع الدائم بين القوى المحافظة والتيارات العلمانية التي تنادي بحريات أكبر للنساء، وهذا ضمان لنصيب أكبر من ثمار التنمية طالما أن المرأة تشتغل أكثر من الرجل داخل البيت وخارجه، لكنها لا تلمس أي تغيير في وضعيتها الاقتصادية و الاجتماعية. وعليه ينبغي العمل على إخراج المرأة من ركن التهميش والاستغلال وتعزيز أدوارها داخل المجتمع من خلال:
- احترام خصوصيات المرأة وحاجياتها أثناء توزيع الأدوار المجتمعية.
- أنسنة النصوص القانونية بشكل ينصف المرأة أكثر خاصة مدونة الأسرة وقانون الشغل.
- حظر وتجريم جميع أنواع العنف ضد المرأة.
- تعزيز الالتزام والعمل على المستوى الدولي والوطني والمحلي نحو مأسسة حقوق المرأة.
- الاعتراف بالعمل المنزلي للمرأة أثناء تقاسم الأملاك المشتركة بين الزوجين المشكلة خلال فترة زواجهم.
- الاهتمام المستمر بتعليم وتكوين المرأة في جميع المجالات.
- تشجيع النساء على تولي مناصب المسؤولية داخل الإدارات العمومية وداخل الشركات.
وبالرغم من الإجراءات التي تؤكد رغبة المغرب وإرادته السياسية في محاربة اللامساواة بين الجنسين وإرساء دعائم دولة الحق والقانون والعدالة الاجتماعية، إلا أن النساء لا يزلن يسجلن ضعفا ملحوظا على مستوى حضورهن في القطاعات الرئيسية في صنع القرارات الاقتصادية بالمقارنة مع نسبة حضور الرجال.[8]
المطلب الثاني: مكانة المرأة في الاستراتيجيات التنموية
من أجل الاعتراف بدور النساء في الإنتاج الاقتصادي وتحسين إنتاجيتهن، شرعت الحكومة في وضع برنامج استراتيجي متوسط المدى لمأسسة المساواة والإنصاف بين الجنسين في مجالات الشغل والتشغيل والتكوين المهني والحماية الاجتماعية للفترة ما بين سنتي 2011 و2015.
وقد هدف هذا البرنامج الاستراتيجي، إلى جعل المساواة بين الجنسين مبدأ توجيهيا في تخطيط سياسات الوزارة وبرامجها ومشاريعها ودعم كافة المبادرات التي تشجع تقليص الفوارق القائمة على الجنس في قطاعات تدخل الوزارة.[9]
كما يروم هذا البرنامج، الذي تم إعداده على ثلاث مراحل، والذي امتد على 18 شهرا، تقوية سلطات النساء عن طريق اتخاذ إجراءات تحفيزية تروم تشجيع وصولهن إلى مناصب المسؤولية داخل هياكل وزارة التشغيل والتكوين المهني والمؤسسات الخاضعة لوصايتها. ويعتبر هذا البرنامج استراتيجية للتواصل في مجال الإعلام والتحسيس بمبدأ المساواة والإنصاف حسب النوع الاجتماعي لفائدة كل الفاعلين المهنيين بمحاوره الاستراتيجية. كما يعتبر هذا البرنامج مقاربة مهيكلة للحكامة في مجال المساواة بين الجنسين ويشكل مدخلا رئيسيا لضمان المساواة بين الجنسين في ميدان ولوج الشغل.
ويتصدر هذا الموضوع أهمية بالغة ضمن القطاعات الحكومية، وعيا منها بالتحدي المرتبط بضرورة وضع إطار لتنسيق السياسات العمومية في مجال المساواة بين الجنسين ومن أجل تثمين البرامج القطاعية، أعدت، بتنسيق مع القطاعات الحكومية، الأجندة الحكومية للمساواة، هذه الأخيرة عبارة عن مخطط عمل حكومي للإنصاف والمساواة بين الرجال والنساء للفترة الممتدة ما بين سنتي 2010 و2015، حيث شكلت إطارا مرجعيا يمكن من خلق التقائية قوية بغية إدماج النوع في السياسات الوطنية والبرامج التنموية والإسهام في تقليص الفوارق واللامساواة بين الجنسين في مختلف الميادين.
ووعيا منها بأهمية الرهان الذي تمثله قضية الإنصاف والمساواة بين الجنسين في البرامج والسياسات، ستواصل دعمها لتفعيل البرنامج الاستراتيجي متوسط المدى لمأسسة المساواة بين الجنسين في قطاع التشغيل والتكوين الهني، وذلك في إطار برنامجها الجديد لدعم قطاع التكوين المهني الذي من المتوقع أنه سينطلق خلال الأشهر المقبلة من سنة 2023، حيث سينسجم مع البرنامج الوطني المندمج للتمكين الاقتصادي للنساء والفتيات في أفق 2030 “مغرب التمكين” ومع المقتضيات الدستورية والالتزامات الحكومية وأهداف التنمية.[10]
ومن بين النتائج المنتظرة لهذا البرنامج، الذي أعدته وزارة التشغيل والتكوين المهني، بشراكة مع صندوق دعم المساواة بين الجنسين التابع للوكالة الكندية للتنمية الدولية، وصندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة، إدماج مقاربات مؤسساتية مبنية على المساواة والإنصاف في السياسات الوطنية في مجالات التشغيل والتكوين المهني والحماية الاجتماعية.
إن النهوض بحقوق النساء، ونشر ثقافة المساواة، والتربية على قيمها، خيار وطني ومسؤولية تتحملها كل مكونات المجتمع المغربي سواء تعلق الأمر بالسلطات العمومية بالنسبة للدولة، أو المنظمات غير الحكومية وكل القوى الحية في هذا المجتمع، ويحتل الاهتمام بتحقيق أهداف الألفية للتنمية مكانة متميزة في صلب هذا الخيار، بكل ما تملكه الدولة من إمكانيات مادية وطاقات بشرية وإرادة أكيدة على المضي في هذا الاتجاه الذي يوفق بين الحقوق الأساسية وبين إمكانيات المشاركة الفاعلة في مسار التنمية والاستفادة العادلة من ثمارها.[11]
إحصائيات:
شكلت المكتسبات الدستورية ذات الصلة بالمساواة بين الجنسين، وما تلاها من إصلاحات تشريعية ومؤسساتية، تراكمات انعكست إيجابيا على وضع المرأة المغربية، حيث ارتقى الاهتمام الفعلي بقضايا المساواة بين الجنسين ومحاربة كافة أشكال التمييز ضد النساء والفتيات إلى مستوى إدماجه في الدينامية الوطنية العامة المرتبطة بحقوق الإنسان بالمغرب وفي السياسات العمومية والبرامج لاسيما الخطط الحكومية للمساواة “إكرام 1″ و”إكرام 2”.
ورغم كل الجهود ما زالت قضية النهوض بالمساواة بين الجنسين إحدى الإشكالات الأساسية داخل المجتمع، وتتجسد هذه الإشكالات في سياقات متنوعة تخص أساسا:
- المشاكل السوسيو-اقتصادية للمرأة، حيث بلغت نسبة مشاركة النساء في سوق الشغل 19% سنة 2019.
- ضعف مشاركة المرأة في الحياة العامة، حيث بلغت نسبة تمثيلية النساء في مجلس النواب 24.30% في الانتخابات الأخيرة لسنة 2021[12] وفي المناصب العليا بالإدارة 17% سنة 2020.
- الصور النمطية السائدة اتجاه المرأة، إذ إنه 65% من النساء يعتقدن أن المرأة لا ينبغي لها أن تعمل إذا كان دخل الزوج كافيا لسد حاجيات الأسرة حسب دراسة منجزة سنة 2019.
- الولوج إلى برامج التربية والتكوين، حيث بلغت نسبة الأمية لدى النساء 44% حسب إحصائيات سنة 2018.
- العنف ضد المرأة بلغت نسبته 54% سنة 2019.
- ضعف آليات التخطيط الاستراتيجي المبني على النوع خاصة على المستوى الترابي.
خاتمة:
إن وضعية المرأة المغربية لا زالت تعترضها عقبات مجتمعية لا بد من تجاوزها، بعضها يتعلق بوعيها وإرادتها والبعض الآخر يتعلق بالمجتمع ووعيه وإرادته. فحين تضعف مشاركة المرأة في المجال السياسي والعلاقات الخارجية فإن دورها لا يكتمل في تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وحين تقدم العادات والأعراف رؤية مشوهة للتعاليم الدينية، ويرضخ المجتمع لها، فإن الظلم يظل قابعا يجثم على المرأة، وحين يعجز الإعلام في زمن الثورة المعلوماتية عن تغيير بثه للصورة النمطية المشوهة للمرأة لا تستطيع المرأة أن تكافح للوصول إلى وضع جدير بقدراتها، كما أن وعي المرأة بحقوقها يعتبر جزءا هاما من إستراتيجية تطورها، حيث يساهم جهلها بحقوقها وانتشار الأمية إلى ضعف مطالبتها بحقوقها المشروعة.
وختاما، أنوه في هذا المقال -كحصيلة- بالنقاط التالية:
– إن ولوج المرأة مراكز القرار الكبرى يقتضي منها ضرورة تكثيف التكوين والحصول على الشواهد العليا والمشرفة حتى يتسنى لها العمل بطريقة صحيحة سليمة وبقدرات وكفاءات عالية في سبيل التقليل من هشاشة التمثيل السياسي، ومن أجل مشاركة فعالة وقيادة ناجعة وحقيقية في معترك ما يسمى بالسياسة والإصلاح، فالمرأة لها دور استراتيجي في البناء الفردي والجماعي في المجتمع.
– ليس هناك دليل يعيق المرأة عن التقدم بخطوات واثقة من المشاركة السياسية بما يفيض من وقتها بعد أداء واجباتها التربوية والأساسية.
– إن لم يتم تفعيل وتنزيل المستجدات الدستورية والقانونية في قضية المرأة فسيبقى هذا الملف عائقا أساسيا وكبيرا أمام النهج الديمقراطي والتطور السريع الذي يسايره المغرب منذ اعتلاء الملك محمد السادس عرش أسلافه الميامين.
– إن النخب يجب أن تكون في مستوى تنزيل هذه المقتضيات بحث تعمل جاهدة على بلوغ أسمى وأرقى المراتب في هذا الموضوع في ظل احتلال المغرب للمراتب الجيدة فيما يخص حقوق الإنسان.
– إن إنجاح ورش تأطير المرأة يحتاج إلى جمع الجهود وتعاون الجميع.
– إن عدم إعادة الاعتبار للمرأة يجعلنا نخطو خطوة ونتراجع خطوتين، وهو ما لا يجب أن يحدث في ظل التطورات المجتمعية الآنية.
– إن كانت الخطب الملكية والنصوص القانونية والدستورية والاتفاقيات الدولية قد بدأت في عملية الإصلاح لهذا الملف، فعلى المرأة بدورها أن تساهم وتبادر لتفعيل هذه المقتضيات.
وأخيرا، ولنفتح الباب أمام مقال جديد، يحق لنا أن نتساءل: هل وضعية الرجل هي وضعية جيدة بامتياز؟ حيث يحق للمرأة أن تناضل من أجل الوصول إليها؟ أم أن الرجل هو الآخر يعاني من نفس الحيف الذي تعانيه المرأة ليصبح الواجب ليس هو الصراع بين الرجل والمرأة، وإنما وضع اليد في اليد وتوحيد الجهود من أجل السعي لوضعية أحسن لهما معا؟
الهوامش:
[1] معهد الأمم المتحدة الدولي للبحث والتدريب من أجل النهوض بالمرأة ومركز المرأة العربة للتدريب والبحوث، تقرير حول مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية وإدماجها في عملية صنع القرار، مارس 2010، ص 5.
[2] فريديريك هاريسون، الموارد البشرية والتنمية، ترجمة سعيد عبد العزيز، معهد التخطيط القومي، القاهرة، 1984، ص 24.
[3] Dao-Sabah Manal, Women’s Rights in Post-2011 Morocco: The Divergences Between Institutions and Values, Retrieved November 16, 2021 from Konrad-Adenauer-Stiftung website;
https://bit.ly/3COLnWH”>https://bit.ly/3COLnWH
[4] تقرير الخمسينية حول التنمية البشرية، الواقع والآفاق، 2005.
لقد جاء تقرير الخمسينية كاستجابة لخطاب الملك محمد السادس، بمناسبة ذكرى الاستقلال 20 غشت 2003، بهدف وضع الحجر الأساس لمشروع جماعي وتشاركي للدراسة والتأمل والنقاش، يهم إنجاز تقويم استرجاعي لمسار التنمية البشرية بالمغرب، منذ الاستقلال، واستشراف آفاقها، على مدى العشرين سنة القادمة. ولقد تمت بلورة هذا المشروع في صيغة تقرير يحمل عنوان 50 سنة من التنمية البشرية بالمغرب وآفاق سنة 2025.
وتقرير الخمسينية هو عبارة عن مجموعة دراسات وتقارير أشرف عليها مجموعة من الخبراء والسياسيين والأكاديميين من أجل تشخيص السلبيات التي تشوب مسألة صناعة القرار السياسي بالمغرب وكذا مصداقية العلاقة بين السلطات العمومية والمواطنين، كما أن تقرير الخمسينية يعالج موضوعات متنوعة، كالديمقراطية والمجتمع والأسرة والنساء والشباب والنمو الاقتصادي والتنمية البشرية والتعليم والصحة والفقر والبيئة والحكامة والجالية المغربية بالخارج.
[5] العربي الوافي، مقاربات النوع الاجتماعي والتنمية، منشورات الزمن، 2008، ص 42.
[6] الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 دجنبر 1966، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 دجنبر 1966، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي اعتمدتها الجمعية العامة و عرضتها للتوقيع و التصديق و الانضمام بقرارها المؤرخ في 18 دجنبر 1979، والاتفاقية رقم 1 لعام 1966 بشأن مستويات العمل، و التي تضمنت أحكاما خاصة بحماية النساء العاملات…
[7] التقرير الوطني للمملكة المغربية بيجين +15. تفصيلات السجل من الموقع الرسمي للأمم المتحدة: رمز / رقم الاستدعاء: E/ESCWA/ECW/2009/IG.1/CP.9 العنوان: التقرير الوطني للمملكة المغربية بيجين +15 إمكانية الوصول: ﺎﻠﻋﺮﺒﻳﺓ: E_ESCWA_ECW_2009_IG.1_CP.9-AR – PDF ; تاريخ: 2009-10-07 المجموعات: أجهزة الأمم المتحدة > اللجان الإقليمية > اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا نوع المصدر > الوثائق والمطبوعات > وثائق ومطبوعات أخرى أجهزة الأمم المتحدة > المجلس الاقتصادي والاجتماعي
[8] المرأة المغربية في أرقام: 20 سنة من التطور، المندوبية السامية للتخطيط، الرباط، 2021، ص 73.
[9] وزارة التشغيل والتكوين المهني والمؤسسات الخاضعة لوصايتها.
[10] النهوض بالمساواة ومشاركة النساء في الحياة العامة وتمكينهن اقتصاديا، الحكومة المنفتحة بالمغرب: للاطلاع اضغط على الرابط هنا
[11] إكرام عدنني، الكوتا: تحدِّي التمكين السياسي للمرأة في المغرب، منتدى السياسات العربية: للاطلاع اضغط على الرابط هنا
[12] تأثيرات الكوتا على التمثيلية البرلمانية للنساء بالمغرب: مسلسل إصلاحي أم مسار تراجعي؟ مبادرة الإصلاح العربي: للاطلاع اضغط على الرابط هنا.